آخر الأخبار

Advertisement

دور جمعيات المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية التشاركية وخلق التنمية الترابية - ذ. محمد النبشي - مجلة الباحث

          ذ. محمد النبشي

  أخصائي في الإرشاد الأسري

حاصل شهادة الدراسات العليا بماستر التخطيط

 و التنمية الترابية. - مراكش 

دور جمعيات المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية التشاركية وخلق التنمية الترابية

مقدمة

إن التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي اليوم، أفرز العديد من التحولات الاقتصادية والسياسية ثم الاجتماعية. التي أصبحت محطة اهتمام كبير من لدن المفكرين والسياسيين وعلماء الاجتماع على حد سواء. كل يتناولها من جهة الخاصة، ويعد موضوع علاقة المجتمع المدني بالتنمية إحدى أهم القضايا التي صارت مادة دسمة لكل باحث إذ يعتبر المجتمع المدني حديث الساعة باعتباره حامل للفعل التنموي بفضلالإصلاحاتالعميقةالتيشملتجميعالمجالات.والتيمنشأنهاإنعاشاللامركزيةومنحهاقوةنوعية عبر خلق مجموعة من الجمعيات و التعاونيات و المدارس...الخ التي تشترك في كونها جميعا تهدف إلى النهوض والارتقاء بحياة الإنسان وتحسين ظروفه المعيشية. غير أن النهوض بالإنسان يقتضي النهوض أيضا بالمجتمع المدني بشكل عام والحياة الجمعوية بشكل خاص. عبر تأهيل البيئة التشريعية والمؤسساتية لعمل الجمعيات وملاءمتها مع المقتضيات الدستورية والالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان بشكل عام وحريات الجمعيات بصفة خاصة، إضافة إلى تقوية مواردها البشرية والإدارية والمالية للارتقاء بالممارسة الجمعوية إلى مستوى الأدوار الدستورية الجديدة. ولان المجتمع المدني موضوع شائك ومكوناته متعددة سنحاول تناول عنصر الجمعيات كونها لا تقل أهمية عن باقي المكونات الأخرى، وأكثر تحديدا دورها في تعزيز الديمقراطية التشاركية وخلق التنمية الترابية. إذن ماذا نقصد بالمجتمع المدني والديمقراطية التشاركية ثم التنمية الترابية؟ وما هو دور جمعيات المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية التشاركية؟ وما هو تأثيرها على التنمية الترابية؟

يبدو انه للإجابة على هذه التساؤلات السالفة الذكر لا بد من تعريف بعض المفاهيم التي سترافقنا خلال رحلة التحليل هذه، ولعل أهمها:

- المجتمع المدني:

يطرح مفهوم المجتمع المدني جملة من الالتباسات والغموض لدى فئة عريضة من المجتمع بما فيهم الباحثين والمفكرين.ويشير الباحث عبد الله حمودي إلى أن نشأة مفهوم "المجتمع المدني  في البلدان المغاربية، في الثمانينات من القرن الماضي، ارتبطت بعاملين أساسيين: عامل داخلي يتمثل في الفتور الذي ميز البناء الاقتصادي والتنموي للمجتمعات المغاربية، ما نتج عنه من ظهور تيارات جديدة تشكك في مشروعية الدولة الوطنية. وتنتقد ما تسميه بفشلها في تلبية حاجات الطبقات الشعبية  ثم عامل خارجي يتجسد في المساندة المادية و التقنية والرمزية التي وفرتها الليبرالية الجديدة[1]"، ويزيد الأمر تعقيدا بالخصوص عندما يقترن المفهوم بتجربة مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فكما أشار مرة أخرى الباحث عبد الله حمودي: " يبقى مفهوم المجتمع المدني مشحونا ومحاطا بالتباسات عديدة، خاصة في استعمالاته وتبنيه من طرف التنظيمات الحكومية والحزبية والنقابية[2]".ومن ناحية أخر ىقدم كارل ماركس تعريفا للمجتمع المدني على '' انه حلبة التنافس الواسعة للمصالح الاقتصادية البورجوازية، فالمجتمع المدني عنده هو البورجوازي، انه فضاء الصراع الطبقي، وهو بالتالي الجدر الذي تمخضت عنه الدولة ومؤسساتها المختلفة[3]''.

أما Dominique Colas فيعرف المجتمع المدني و« يعني الحياة الاجتماعية المنظمة انطلاقا من منطق خاص بها وبخاصة الحياة الجمعوية التي تضمن دينامية اقتصادية وثقافية وسياسية[4]»، ويعرفه (برتراند بادي) بأنه « كل المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن من الخيرات والمنافع دون تدخل أو وساطة من الدولة»[5] ، ويعرفـه عبد الغفار شكر بأنـه  «مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح، والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف[6]

1)  الجمعية:

تنوعت وتعددت العلوم التي تناولت مفهوم الجمعية بالدرس والتحليل، لكن يبقى التعريف القانوني والسيسيولوجي أهم هذه التعاريف. أولا من الناحية القانونية يعرف المشرع المغربي الجمعية كما يلي: ''الجمعية هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم''.ثانيا يعتبر علماء الاجتماع الجمعيات بمثابة تنظيمات اجتماعية قائمة على التطوع والاختيار الحر. لكن مع تطور المجتمعات الحديثة فقد أضحى إنشاء الجمعيات من الضروري بما كان. بمعنى لم يعد يمثل تأسيس الجمعيات اختيارا بل ضرورة اجتماعية. "تطمح إلى ملء الفراغ الذي تتركه عادة تدخلات الفاعلين العموميين أو نتيجة لمحدودية تلك التدخلات أمام الطلب المتزايد والأزمة المتصاعدة[7]".  وفي نفس السياق بالنسبة لحالة المجتمع المغربي كما أشار إلى ذلك الباحث محمد جسوس، " فإن أهمية الجمعيات اليوم تبرز بشكل جلي في ظل الظروف المرضية أو الباتولوجية التي  تعرفها البلاد نتيجة لبرنامج التقويم الهيكلي، وفي ظل العجز العام الذي بدأت تعرفه العديد من المؤسسات الاجتماعية العمومية في تغطية الحاجيات الأساسية للمواطنين[8]"

2)  الديمقراطية التشاركية:

يرجع الفضل في بروز الديمقراطية التشاركية إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الستينيات من القرن العشرين كما بينت الدراسات التي تناولت إشكالية الديمقراطية التشاركية، وهذه الأخيرة تعتمد أسلوب الحوار والتشاور مع الموطنين بشأن كيفية تدبير الشأن العام وصنع القرار الكفيل لمواجهة التحديات المطروحة محليا. ومن هنا يمكننا استخلاص تعريف أولي للديمقراطية التشاركية كونها نظام يمكن من مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الأولويات بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة والمشكلات المطروحة. فحسب "أنطوني جيدنر "عالم الاجتماع البريطاني "ليست –الديمقراطية التشاركية-امتداد للديمقراطية التمثيلية أو الديمقراطية الليبرالية ولا حتى مكملة لها ولكنها من خلال التطبيق تخلق صيغا للتبادل الاجتماعي ( المقصود هو الأدوار الاجتماعية)" والذي وفق تصوره " تساهم موضوعيا وربما بشكل حاسم في إعادة بناء التضامن الاجتماعي. "[9]

التنمية الترابية:

يوضف الخطاب التنموي المغربي مفهوم ''التنمية الترابية" ارتباطا بالجهوية المتقدمة عوض مفهوم التنمية المحلية" وقد جاء تبني هذه المفاهيم نتيجة تراكمات سياسية واجتماعية طبعت المجتمع المغربي، التي تتجلى في انتشار شعارات الديمقراطية والمشاركة السياسية ودعائم دولة الحق والقانون. وينطلق مفهوم التنمية الترابية من ثنائي التراب والفاعل  بصفتهما مفهومين وجيهين وعمليين لفهم وأجرأة التنمية، فيطرح التراب إذن كمجال مفضل للعمل. ولهذا ظهر التراب كمقاربة جديدة تحاول أن تعييد صياغة التنمية أما من مجالات مؤسسات كمجالات الجهوية أو الجماعية أو الإدارية أو من مجالات جغرافية كالأحواض المائية أو الدوائر المسقية[10].

المحور الثاني: تطور العمل الجمعوي وسياق ظهور الديمقراطية التشاركية

عمدت الدولة  على السماح للمجتمع المدني  بتقاسم روح المسؤولية  وتفويض بعض من مهامها  المنقولة، كتلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للموطن. ومن شان هذا أن يزيد من تنامي دور جمعيات المجتمع المدني مع ازدياد الحاجة إلى انخراط جهات إضافية في مهام وبرامج التنمية، حيث باتت تلبية هذه الحاجيات يوم بعد يوم ملحة وضرورية لتأمين الأمن الإنساني والاستقرار الاجتماعي. وكنتيجة لذلك تم توسيع المجال أمام جمعيات المجتمع المدني لتصبح "شريكا" في عملية التنمية للاستفادة من مواردها البشرية والمادية.فهذه النتيجة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي ما تمت مراكمته خلال سنوات من العمل الجاد . وفي هذا السياق سوف نعرض لمحة سريعة عن تطور العمل الجمعوي بالمغرب.

1)              تطور العمل الجمعوي

إن المجتمع المدني كتنظيم اجتماعي تنموي ليس حكر على هاته الفترة ، بل هو حاضر مند القدم في المجتمع المغربي. حيث كان أول ظهور له داخل المؤسسات التقليدية المتمثلة في الزوايا والجماعة والتويزة والرباطات والأوقاف...هذه التنظيمات التنموية هي التي كانت تقوم بكل ما يسمى الآن بالعمل الجمعوي الثقافي والاجتماعي (الزوايا والأوقاف) والعمل التعاوني (التويزة).وقد مر العمل الجمعوي بالمغرب بعدة مراحل سنعرضها تباعا وهي كالأتي:

 

·      مرحلة عهد الحماية:

اقتصر الفعل الجمعوي على المنظمات الشبابية التي انخرطت في معركة تحرير الأرض والإنسان  واهتمت بالدفاع عن الحقوق الأساسية:

ü          المحافظة على الهوية الوطنية

ü          صيانة سيادة الأمة

ü          تحقيق الاستقلال

·      غداة الاستقلال:

تميزت هذه المرحلة  بتأسيس هياكل حديثة من شأنها ان تضمن مشاركة الشباب في تحقيق تنمية البلاد.كما عرفت ميلاد أهم منظمات الشباب الوطنية: (الجمعية المغربية لتربية الشباب، حركة الطفولة الشعبية، جمعية التربية والتخييم...)ثم التركيز على مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد:

ü  مشروع التشجير

ü  تشييد المدارس في القرى

ü  إنجاز مشروع طريق الوحدة...

·      خلال السبعينات:

تميزت هذه المرحلة  بمأخذة السلطات العمومية على الجمعيات ارتباطها بالأحزاب:

ü  توتر العلاقة بين الطرفين

ü  تهميش الجمعيات دور الجمعيات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

·      خلال الثمانينات:

شهدت هذه المرحلة عجز الدولة عن الانفراد بالاضطلاع بمهامها في مجالات: التشغيل، الصحة، التعليم،البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية،مما أدى إلى تغير أوضاع المغرب على مستويين أساسيين:

ü   الأزمة الاقتصادية والمالية

ü    النمو الديموغرافي السريع

·       نهاية الثمانينات وبداية التسعينات:

ظهور موجة جديدة من الجمعيات إما بمبادرة فعاليات وطنية، أو بدعم دولي أحيانا مثل: الهجرة والتنمية، أدرار إملشيل، زاكورة، أمانة، إنماء...

ü              الاهتمام  بالعالم القروي على مستوى: الصحة، محاربة الأمية، التكوين، البنيات التحتية...

ü              الاهتمام بالوسط الحضري على مستوى تشجيع التشغيل الذاتي، منح  القروض الصغرى ...

وبالتالي فالمغرب  لم يعرف العمل الجمعوي بالمعنى الحديث والمقنن إلا مع بداية الخمسينات، وبعد حصوله على الاستقلال، وصدور ظهير الحريات العامة سنة (1958م) الذي يسمح بممارسة العمل الجمعوي بكل حرية.

2)  سياق ظهور الديمقراطية التشاركية

أصبح تمكين جمعيات المجتمع المدني من لعب أدوارها الأساسية بحرية واستقلالية تامة هدفا أساسيا من تنمية الحس الوطني وعبر إقرار وتفعيل أسس ومبادئ الديمقراطية التشاركية كما هو معمول به في الدول المتقدمة. فمجهودات التحديث والدمقرطة لا تتأتى إلا بالمشاركة المكثفة للساكنة في تدبير الشأن العام المحلي والوطني عن طريق «الديمقراطية التشاركية» وفي إدارة مميزة تشجع انخراط المجتمع المدني بفعالية لكونه طرفا فاعلا في عملية التغيير المنشودة، وفتح المجال أمامه لتحمل المسؤولية في اتجاه تبني مبادئ التفاوض والإشراك والتشارك لإبراز مؤهلات الإبداع والخلق.وقد بدأ مسلسل العمل على تأهيل المجتمع المدني من أجل إشراكه في تدبير الشأن العام منذ عشر سنوات تقريبا ، عبر سن مجموعة من القوانين والمواثيق والمبادرات الرامية إلى جعله قادرا على لعب أدواره الأساسية في تحقيق التنمية.

 ويعتبر الميثاق الجماعي لسنة 2003 ثم الميثاق الجماعي 2009 ثم دستور فاتح يوليوز الذي أعطى إطارا دستوريا لكيفية تصريف مفهوم مشاركة المجتمع المدني في تدبير الشأن العام من أهم القوانين التي وضعها المشرع المغربي بهذا الخصوص.  حيث نجد ان  الميثاق الجماعي يؤكد على دور المجلس الجماعي في إبرام الشراكة مع الفعاليات الجمعوية في إطار الاختصاصات الذاتية المخولة له (المادة41 من نفس القانون )  كما انه يجسد خطوة مهمة  في مسارات إشراك جمعيات المجتمع المدني في تدبير الشأن المحلي، فلأول مرة في المغرب يشير فيها المشرع إلى دور الجمعيات في التنمية الترابية، الاقتصادية والاجتماعية بتعاون مع باقي الفاعلين ،.وهنا ترتبط المقاربة التشاركية على صعيد التنمية الترابية بمفهوم الحكامة الترابية وما يرتبط  بها من تحولات عميقة في الأنساق النظرية الكبرى لمختلف براديغمات الفعل التطوعي.

هذا بالإضافة  إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية(2005) بمقتضى الخطاب الملكي المؤرخ في 18 ماي 2005 مشروعا مجتمعيا طموحا ، وقد جاءت بغاية القضاء على الفقر والتهميش بمختلف مستوياته، عبر خلق دينامية جديدة تدعم مجهودات السلطات العمومية في مجال التنمية الشاملة. وهكذا يظهر أن الديمقراطية  التشاركية تستلزم بالأساس الارتكاز على المشاركة الواعية والانخراط الحر لجميع مؤسسات المجتمع المدني  بما فيها الجمعيات، في سبيل العيش الكريم، والعمل وبكل مسؤولية وأمانة على إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل المطروحة في إطار تشاركي، مع ضرورة الحرص على بناء مجتمع تحترم فيه الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الشيء الذي يجعل التنمية مسلسلا تشاركيا ديناميكيا وحيويا، شاملا، وتراكميا من أجل إحراز تقدم فائق في الاستجابة العادلة والمتضامنة والمستديمة والمندمجة للحاجيات الأساسية المتراكمة والتي تفرض على المؤسسات الاجتماعية وفاعليها وعلى رأسهم الفاعل الجمعوي، تبني إستراتيجية  تأسس لنمط حكامة تنموية رائدة في رسم الاختيارات الإستراتيجية على الصعيد التنموي. بالرغم التطورات الحاصلة على مستوى النصوص التشريعية الهادفة إلى تفعيل الحكامة المحلية وإدماجها في السياسات العمومية والتدبير على مستوى الجماعات المحلية فلا بد من تجاوز معيقات أساسية من قبيل حاجات الجماعات المحلية للإمكانيات والموارد المالية الضرورية وافتقارها للدعم وسلبيات التقطيع الترابي ومركزية القرارات وسلطات الوصاية وتأهيل المنتخبين المحليين وكفاءة الإدارة الجماعية.

المحور الثالث: دور جمعيات المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية التشاركية.

انتقلت الدولة نتيجة هذه التحولات السالفة الذكر ( الرجوع إلى السياق التاريخي لظهور الديمقراطية التشاركية) من الحضور المركزي والتدخل الضروري إلى سياسة جديدة تقوم على تعدد واختلاف الفاعلين، واعتبار التنمية الترابية محطة أساسية في إعادة هيكلة السياسة العمومية، بحيث ''اتسعت رقعة المساهمين المكوّنين للمجتمع المدني لتشمل كل الأفراد والأشخاص والمجموعات والمؤسسات المدنية التي تنشط في العمل المجتمعي المستقل عن الأحزاب السياسية وأجهزة الدولة والحكومة، ومنها جمعيات الأحياء والتعاونيات والوداديات والنوادي الأدبية والفاعلون العموميون والمنظمات الدينية والخيرية وجمعيات المعوزين وذوي الحاجات الخاصة، والمهنيون والتجار والحرفيون، ومنظمات الفنانين والنقابات المهنية، والصحفيون المستقلون''.[11] فأضحت التنمية المحلية تقوم على قرارات يتخذها الفاعلون المحليون من أجل تحسين أطر عيشهم وتحقيق وجود أفضل وبناء مستقبل يستجيب لطموحاتهم وأمالهم، لكن ما هو دور جمعيات المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية التشاركية؟

·       الجمعية كتنظيم اجتماعي:

اليوم أكثر من أي وقت مضى أصبحت الجمعيات تلعب  أدوارا أساسية وحاسمة داخل المجتمع كقوة اقتراحية وكعنصر فعال على مستوى تفعيل السياسات التنموية، وتنفيذها، ومتابعتها، وتقييمها. نظرًا لقربها من شريحة عريضة من المواطنين. وقدرتها على الانخراط الإيجابي في تعبئة الموارد المادية والبشرية وتأهيلها. كما أضحت تعبيرًا عن الرأسمال الاجتماعي والإنساني (الرأسمال اللامادي) الذي يعد عند الكثير من الباحثين والمفكرين أهم من الرأسمال المادي. وفي معجم السيسيولوجيا ''الجمعية هي ذلك التنظيم الذي ينتمي إليه غالبية أعضائها بحرية، والتي لا يعتبر وجودها ضروريا لحياة المجتمع، ضرورة مطلقة، لكن مع تعقد المجتمعات الحديثة أصبح إنشاء الجمعيات ضرورة اجتماعية و لم يعد نوع من الترف الفكري[12]''.

 بيد أن التنظيم الاجتماعي بلغة جورج لاباساد، هو وحدة اجتماعية مصطنعة، أي مؤسسة ثقافية أبدعها الإنسان لحاجاته ويأخذ مفهوم التنظيم دلالتين في نظر جورج لاباساد :" فهو يشير من جهة إلى مجموعات عملية مثل المصانع، النقابات، الأبناك، الجمعيات المختلفة. أي الجمعات التي تتبع أهدافها مثل إنتاج الخيرات أو توزيعها، تكوين الناس أو تدبير ترفيهم...الخ. والملاحظ أن هذا المعنى ينطبق على الجمعيات باعتبارها كيانا عمليا، يخلقه أفراد من أجل تحقيق أهداف معينة ويشير التنظيم من جهة أخرى إلى السلوكات الاجتماعية. وبعض السيرورات الاجتماعية المتمثلة في: فعل تنظيم هذه الأنشطة المتنوعة، والوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف الجماعية (الإنتاج، التربية، التوزيع...). وإدماج أعضاء  متعددين داخل وحدة منسجمة[13]" ويستنتج جورج لاباساد بأن التنظيم عبارة عن سلوك اجتماعي موجه لتحقيق أهداف محددة، لكن ما أن ينشأ التنظيم ، حتى تنبثق داخله ميكانيزمات خاصة، تعبر عن حاجاته ولاسيما الحاجة إلى أن يحافظ على ذاته.ومن ثم أصبحت للمؤسسات الجمعوية كتنظيمات تطوعية بالأساس تدخلات جديدة مرتبطة بالتنمية، والتحديث، والعصرنة، والتطوير. وهي المسألة التي برزت كثيرا  في إطار رهانات وقتنا الحاضر. والقائمة على الديمقراطية التشاركية التي تضمن للأفراد حق المشاركة في التنمية الترابية،  لذا ينبغي على متلف المتدخلين والمهتمين ثم الشركاء  تثمين أدوار ومهام هذه الجمعيات والرفع من قدراتها التمكينية.

·       أدوار جمعيات المجتمع المدني في ترسيخ الديمقراطية التشاركية

إن ترسيخ مسارات الديمقراطية التشاركية على المستوى الترابي يرتكز بالدرجة الأولى على إنجاز جمعيات المجتمع المدني، بطريقة تركيبية، مجموعة من الأدوار المتداخلة، كمًا وكيفًا، التي تسعى بالأساس إلى تحسين ظروف عيش المواطن وصيانة كرامته. وفي هذا الصدد سعت الدولة بكل هذه الإجراءات إلى التنازل عن بعض اختصاصاتها،حيث نص دستور 2011 على مختلف أدوار المجتمع المدني في التنمية و تعزيز الدمقراطية التشاركية عبر جملة من الأدوار ولعل أبرزها :

أولاً: تأطير المواطنين على قيم الحرية وحقوق الإنسان والمواطنة والممارسة الديمقراطية، وذلك بتنظيم اللقاءات والدورات التكوينية والمسابقات والبرامج التنموية للقدرات الذاتية وتفعيل الفكر التشاركي والتعددي ومحاربة الفعل الإجرامي.

ثانيًا: المشاركة في تقديم المقترحات  للمشاريع والمخططات المستقبلية عن طريق تنظيم ورشات العمل والندوات واللقاءات والدورات التكوينية والندوات الصحفية والمنشورات الورقية أو الإلكترونية وتقديم الاستشارات العلمية بشراكة مع المعاهد والجامعات المختصة ومع الباحثين وأصحاب الاختصاص.

ثالثًا: المساهمة في تسهيل عمل المنظمات المدنية في مجال دعم قيم الحرية والديمقراطية ونشرها، ومن أجل تقديم حصيلة التجاوزات اللاديمقراطية للمنتظم الدولي ومؤسساته حتى يتسنى له الضغط عن طريق مؤسساته الجهوية على ضرورة الامتثال لقيم الديمقراطية ونشر الحريات.

رابعًا: التنسيق مع منظمات المدني العالمية من أجل تبادل الخبرات والتجارب في ميادين العمل المدني والتطوعي وحقوق الإنسان والحريات الفردية.

خامسًا:العمل مع الدولة في شخص مؤسساتها لمحاربة الفقر والأمية والجريمة والفساد والاستغلال بكافة أنواعه. فعمل المنظمات المدنية هو في العمق عمل تطوعي تشاركي.

سابعًا: التنسيق والشراكة مع كافة شرائح المجتمع المدني بهدف  تقديم بدائل مؤسساتية وسياسية واقتصادية واجتماعية توازي مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.

المحور الرابع: أفاق تعزيز الديمقراطية التشاركية عبر المجتمع المدني.

بعد تناول مختلف الأدوار المنوطة بجمعيات المجتمع المدني سالفا، يتعين علينا الآن جرد الأفاق والرهانات المتنوعة. لذا  فالديمقراطية التشاركية من هذا المنظور التنموي تطرح نفسها بإلحاح شديد كأسلوب جديد في الحكم الرشيد والتدبير المعقلن والتسيير الفعال. انه الأسلوب الأكثر قدرة على جمع وتوحيد الجهود عن طريق تبني آليات التشارك والشراكة والمشاركة كآليات حكاماتية، والانطلاق من أسفل إلى أعلى ،أي الاستناد إلى رؤية العمل القاعدي المرتبط بالفئات الهشة والمقصية والمحرومة والمعزولة والموجودة في العالم القروي أو في العالم الحضري على مستوى الأحياء الشعبية أو الأحياء الغير المهيكلة  أو الناقصة التجهيز.

الديمقراطية التشاركية في الدستور الجديد:

لقد أصبح المجتمع المدني بمقتضى الدستور الجديد يضطلع بدور كبير في هذا المجال حيث تضمن الدستور مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنضمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في أعداد قرارات ومشاريع، سواء بشكل منفرد أو بشكل جماعي في إطار شراكات. كما دعا إلى إشراك المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين في السياسات العمومية بمختلف أطوارها ابتداء من الأعداد إلى التنفيذ والتقييم فقد نص الفصل 13 من الدستور على ما يلي : "تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في أعداد السياسات العمومية و تفعيلها و تنفيذها و تقييمها[14].

زيادة عما سبق طرحه أنفا فالدستور الجديد قد وسع من دور الأفراد بشكل يختلف عن السابق. فإذا  كان دور المواطن يظهر في مشاركته في الانتخابات فقط فان الدستور الجديد قد ضمن له الحق في إبداء الرأي والمشاركة في أخد القرار. حيث نص الدستور في الفصل  14 ضمان حق المواطنين المغاربة في تقديم اقتراحات في مجال التشريع". كما نص أيضا في الفصل 15 على حق المواطن في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية، فلأول مرة يصبح المجتمع المدني فاعلا أساسيا على مستوى المشاركة في التشريع من خلال إمكانية تقديم عرائض إلى المحكمة الدستورية من أجل النظر في إلغاء القوانين التي تتعارض مع مصالحه وتوجهاته وتقديم مقترحات قوانين للبرلمان أو تقديم عرائض على بعض القوانين.

بعض المقترحات لتعزيز الديمقراطية التشاركية:

 

·      تعزيز مكانة المجتمع المدني في مختلف مراحل تدبير الشأن العام وتقييمه وصياغة سياسته.

·      الإسراع بخلق المجلس الوطني للشباب و العمل الذي سيتيح للشباب و المجتمع المدني مناقشة وإبداء الرأي في مختلف القضايا التي تهم البلاد.

·      إعادة النظر في قانون الحريات العامة وخصوصا قانون تأسيس الجمعيات

·        إقرار مبدأ الديموقراطية الداخلية داخل الجمعيات و تجاوز المنطق الرئاسي في تسيير الجمعيات.

·      اعتماد مقاربة تشاركية في وضع المخططات الجماعية أو الجمعوية و الإشراك الفعلي للمواطن في ذلك وانفتاح المجالس الجماعية و الجمعيات على محيطها الاجتماعي و الاقتصادي و البيئي.

·      الرفع من قدرة الجمعيات على تحقيق تمثيلية حقيقية ذات قوة اقتراحية وضاغطة في اتجاه الاعتماد على المواطنين في كل ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي.

·      تجاوز حالة التوجس والتخوف الحاصلة بين الطرفين والتأسيس لعلاقة الثقة والتعاون المتبادل في أفق خدمة الصالح العام.

·      إحداث مكاتب للاتصال بالجمعيات في مقرات البلديات والمجالس الجماعية بمشاركة الفاعلين الجمعويين.

خاتمـــــــــة

نستنتج مما سبق عرضه أن العلاقة بين جمعيات المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية علاقة جدلية، فوجود الجمعيات وتبلورها ارتبط  إلى حد كبير بتطور مقاربات التنمية والظاهرة الديمقراطية.بحيث برزت الديمقراطية التشاركية، ليس لإلغاء الديمقراطية التمثيلية كليا، ولكن لتتجاوز قصورها وعجزهـا علـى التفاعل والتجاوب مع معطيات اجتماعية جديدة، وعليه صارت الديمقراطية التشاركية تشكل الإطار المؤسساتي الذي تتحقق من خلاله الممارسة المواطنة والتعـاون والتشـاور بين مختلف المؤسسات والمصالح العمومية من جهة، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية والأفراد والجماعـات مـن جهة ثانية. وذلك لتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، والدفاع عن حرياتهم، وتمكينهم من الحقوق الأساسـية ومن التنمية المستوفية لشروط التقدم والرفاه، في إطار دولة حديثة يسودها الحق والقـانون.

لكن لما يغيب عن الواقع تفعيل وتجسيد ما تم طرحه سابقا، ولا تضطلع الأحزاب ولا المنتخَبون بأدوارهم الطبيعية في تأطير وتأهيـل المواطنين باعتبارهم شركاء حقيقيين في بناء المشاريع التنموية وفي تنفيذها وتقييمها، تبرز الديمقراطية الرقمية أو الإلكترونية كفضاء واجتماعي يؤدي إلى زيادة انخراط المواطنين في النقاش العمومي، بديلا عن الديمقراطية التشاركية التي تظل حبيسة التنظير والنصوص القانونية، بسبب  تفضيل الفاعل الجمعوي البقاء دائما تحت وصاية مؤسسات الدولة، نظرا لما توفره هذه الأخيرة من تحرر وانفلات من تحمل المسؤولية. ولعل هذا من بين الأسباب الرئيسية في تدني مستوى جمعيات المجتمع المدني. وعليه يمكن القول أن جمعيات المجتمع المدني تلعب دورا كبيرا في تأهيل المواطن ورسم السياسات العمومية من خلال تجسيد الديمقراطية التشاركية.



[1]عبد الله حمودي (1998)، تقديم، ضمن المؤلف الجماعي (وعي المجتمع بذاته) دار توبقال. للنشر، ص: 16.

[2]عبد الله حمودي نفس المرجع السابق ص 14

[3]سلوى السيد، مجلة الطليعة، العدد 40 دمشق، آذار 2001، ص 18

[4]Glossaire-société civile, (http//www.wolton.cnrs.fr/glossaire/fr

[5] B.Bertrand, Sociologie politique, Paris, Presses universitaires de France, 1997, p:105

[6]عبد الغفار شكر، نشأة وتطور المجتمع المدني،(http://www.pyd.be/pyd/arabic/)

[7]الأمل، نشرة تصدر عن جمعية الألفية الثالثة رقم 18 عدد خاص حول ثقافة الجمعيات

[8]محمد جسوس (2002)، سؤال العمل الجمعوي ، جريدة الاشتراكي العدد 6916، الخميس 18 يوليوز، ص: 6.

[9]انطوني غيدنز، بعيد عن اليسار واليمين ،مستقبل السياسات الراديكالية، (ترجمة شوقي جلال )،عالم المعرفة، عدد 286، اكتوبر2002 

[10]المصطفى الحسني، إشكالية التنمية الترابية بالمغرب، نموذج جهة دكالة عبدة بحث لنيل دكتوراه الدولة في الجغرافية ،جامعة القاضي عياض،كلية الآداب مراكش، ص 46-47

 [11]نهوض المجتمع المدني الدولي: بناء المجتمعات والدول من أسفل إلى أعلى"، دون ايبرلي، ترجمة لميس فؤاد اليحيى، الأهلية للنشر والتوزيع (2011).

[12]فوزي بوخريص (2013)، مدخل إلى سوسيولوجيا الجمعيات، إفريقيا الشرق، صفحة: 22.

[13] نفس المرجع السابق ص 64-65

[14] -الدكتور فوزي بوخريص: موقع تنمية : التسيير الجماعي بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.

إرسال تعليق

0 تعليقات