آخر الأخبار

Advertisement

الآثار القانونية لإعلان القدس عاصمة إسرائيل - الدكتور خالد الحمدوني - مجلة الباحث

 

                                                                   ذ. خالد الحمدوني

حاصل على الدكتوراه في الحقوق، سلا

     أستاذ زائر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال        

الآثار القانونية لإعلان القدس عاصمة إسرائيل

"دراسة في القانون الدولي"

مقدمــة:

        في القدس يقع المسجد الأقصى الذي هو أقدم المساجد بعد الكعبة المشرفة بمكة، وفي القدس كانت أول قبلة في الإسلام، وهو المسجد الأقصى، وهو ثالث الحرمين الشريفين، وإلى القدس كانت رحلة الإسراء والمعراج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها أعرج به إلى السموات العلى.

        القدس أرض الديانات السماوية وفيها عاش الأنبياء، وفيها صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء ليلة الإسراء والمعراج وهذا أعظم اجتماع عرفته البشرية، وتبعا لذلك، فإن للقدس مكانة خاصة في نفوس المسلمين، وتنبع هذه المكانة من الأهمية العظمى الدينية والتاريخية والحضارية والإنسانية للمدينة، ونظرا لما لها من أهمية، فإن

        لن نغوص هنا في سرد الأحداث التاريخية التي عرفتها مدينة القدس، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن المدينة تعرضت ولازالت تتعرض إلى مختلف أنواع الانتهاكات والجرائم الخطيرة على يد قوات الإحتلال الإسرائيلية.

        وتتوالى الأحداث المتعلقة بمدينة القدس لتقف عند قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القائل بأن القدس عاصمة لإسرائيل، معلنا عن نقل السفارة الأمريكية إليها.

        فرضية البحث: تقوم فرضية البحث على أساس أن قرار الإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي المحتل، ونقل السفارة الأمريكية إليها لن يؤثر على وضعها القانوني في المنتظم الدولي، وأنه لن يكون هناك تأويل معين للقانون الدولي لشرعنة قرار الإعتراف بالقدس عاصمة أبدية لدولة الإحتلال.

        إشكالية البحث: أما إشكالية البحث فترتبط بالوضع القانوني لمدينة القدس في المجتمع الدولي، ذلك أن القدس مدينة تحت الإحتلال، ولها وضع خاص في القانون الدولي. الإشكالية هنا هي هل القرار الأمريكي له تأثير على الوضع القانوني للمدينة، ثم ما هي الآثار القانونية لهذا القرار؟ ثم كيف ينظر القانون الدولي إلى القدس؟

        وبناءا على ما تقدم سنتناول في هذا البحث الآثار القانونية لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل في مبحثين، الأول سيكون للوقوف على المركز القانوني لمدينة القدس سنتناول في المطلب الأول التطور التاريخي للمدينة، وفي المطلب الثاني سنتطرق إلى الوضع القانوني للقدس في المجتمع الدولي، والمبحث الثاني سيعالج الإنتهاكات القانونية التي سيخلفها قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وتأثير ذلك على الوضع القانوني للمدينة. وفي مطلبين آخرين أيضا، سيتناول الأول أهم الإنتهاكات المجسدة في القرار، فيما يتناول الثاني التأثيرات المحتملة على الوضع القانوني للمدينة من جراء القرار القاضي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.

المبحث الأول: المركز القانوني لمدينة القدس

        لتوضيح المركز القانوني لمدينة القدس يقتضي أن نتحدث أولا عن التطور التاريخي الذي عرفته هذه المدينة، ثم نتطرق إلى وضعها القانوني بعد الحكم العثماني إلى وقتنا المعاصر.

المطلب الأول: التطور التاريخي لمدينة القدس

        تعرضت فلسطين عموما، والقدس بصفة خاصة إلى الإحتلال من قبل قوى مختلفة، ففي عام 330 قبل الميلاد احتلها الإغريق، وفي عام 63 قبل الميلاد جاء الإحتلال الروماني، وقد دمر القائد تيطس الروماني هيكل سليمان تدميرا كاملا (المعبد الأول والمعبد الثاني) ولم يبن شيء منذ ذلك الوقت[1].

        وقد خضعت القدس للحكم الإسلامي، ففي عام 638 فتح عمر بن الخطاب مدينة القدس وبنى أول مسجد بها، ومنذ ذلك التاريخ ظلت القدس مدينة عربية وإسلامية، حيث تتابع على حكمها الحكام العرب والمسلمين، من خلفاء راشدين إلى أمويين وعباسيين وطولونيين وأقشديين وفاطميين وسلاجقة ومماليك وأتراك، وأخيرا الفلسطينيين، ولم يعكر صفو هذه السلسلة سوى فترة الحروب الصليبية.

        وفي عام 1517 استولى سليم الأول ابن محمد الثاني على مدينة القدس من يد الجيش المملوكي، حيث خضعت فلسطين إلى جانب الدول العربية الأخرى إلى الحكم التركي، وقد ترتب عن ذلك حدوث تغيير إداري في المدينة، دون حدوث أي تغيير سكاني[2]، وقد حضي النصارى في هذه الحقبة بالسلطة القضائية على المزارات طبقا لعهد عمر بن الخطاب[3]، وطيلة حكم الأتراك لفلسطين الذي دام 400 عام لم يصبغوا على حكمهم هذا طابع الإستعمار.

        لقد أسهم الأتراك كثيرا في التطوير العمراني لمدينة القدس، فمنذ 1537 بدأ سليمان الكبير الذي خلف سليم الأول حملة لإعادة بناء مدينة القدس وتجميلها وتحصينها[4]. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إبان حكم الأتراك لم تكتسب المدينة أي وضع قانوني خاص بها، ومختلف عن باقي المدن، ذلك أن دولة الأتراك لم تكن قوة احتلال للمدينة، وإنما دولة خلافة، ولكن رغم ذلك ظل للمدينة وضع خاص معنوي وروحي كبيرين لاسيما في نفوس المسلمين تكتسبهما المدينة من بعدها الحضاري والديني في العالم.

ويضاف إلى ذلك، أن مدينة القدس حافظت على طابعها العربي والإسلامي الذي ترسخ منذ الفتح الإسلامي، واستمر حوالي 1400 سنة أي إلى حين سقوط فلسطين بما فيها القدس تحت الاحتلال البريطاني.

        خلاصة القول أن القدس لم يكن لها مركز قانوني مستقل خلال عهد الإمبراطورية العثمانية، وإنما كانت جزء من هاته الإمبراطورية كباقي المدن الفلسطينية الأخرى.

المطلب الثاني: الوضع القانوني لمدينة القدس

        في فترة الحكم العثماني لم يكن للقدس مركز قانوني خاص بها يميزها عن غيرها من المدن الفلسطينية، وبعد تفكك الإمبراطورية العثمانية، سقطت فلسطين بتاريخ 11/12/1317 تحت الإحتلال البريطاني، وظلت خاضعة للإدارة العسكرية البريطانية حتى عام 1922، حيث فرض الإنتداب البريطاني عليها، والذي استمر حتى عام 1948، ومنذ ذلك التاريخ بدأت معالم الوضع القانوني الخاص للقدس تلوح في الأفق، وخاصة بعد صدور قرار تقسيم فلسطين من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947 وهو القرار 181.[5]

        ولاشك أن المسار التاريخي الذي قطعته القدس كان له الأثر البالغ في تحديد وضعيتها الحالية، فالقدس المقصود هنا هي القدس بشطريها الغربي والشرقي قبل احتلال شطريها الغربي منذ عام 1948، وشطرها الشرقي عام 1967.

        وبالرجوع إلى قرار التقسيم، نجد أنه أوصى بتنفيذ ثلاث خطوات هي:

أ- إنهاء حكم الإنتداب البريطاني على فلسطين بتاريخ لا يتجاوز 1/8/1948م

ب-تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين إحداهما عربية والأخرى يهودية ترتبطان ببعضها باتحاد اقتصادي.

ج- إقامة كيان مستقل في القدس والقرى المحيطة بها، وإخضاع ذلك لنظام حكم عالمي تديره الأمم المتحدة. [6]

        وقد نص قرار التقسيم في سياق تدويل القدس على جعل منطقة القدس لا مدينة القدس وحدها منطقة قائمة بذاتها وجعلها تضم مدينة القدس بالإضافة إلى القرى المحيطة بها بحيث تكون قرية أبو دليس أقصاها في الشرق وبيت لحم أقصاها في الجنوب وعين كارم أقصاها في الغرب وشعفاط أقصاها في الشمال، وعهدت الجمعية العامة إلى مجلس الوصاية بوضع نظام خاص بمنطقة القدس على أن ترتبط بوحدة اقتصادية مع الدول العربية واليهودية، وتكون منطقة منفصلة عن الدولتين العربية واليهودية تدار من قبل الأمم المتحدة[7]، وقد خططت الأمم المتحدة لأن تكون القدس كيانا منفصلا، حياديا، ومنزوع السلاح ويعهد بإدارته إلى مجلس تشريعي، وطلبت في سياق ذلك من مجلس الوصاية كتابة دستور خاص لمنطقة القدس، وكان من المفروض أن يعمل بهذا الدستور لمدة عشر سنوات، وبعدها إجراء استفتاء لسكان القدس لإدخال تعديلات ممكنة على نظام حكم المدينة[8]، إلا أن الطرفين معا رفضا قرار التقسيم، وبالتالي فشلت خطة الأمم المتحدة في وضع القدس تحت نظام عالمي دائم.

        في 26/12/1949، سارعت إسرائيل إلى إعلان أن القدس جزء لا يتجزأ من إسرائيل، واتخذتها عاصمة لها، وقد صادق الكنيست الإسرائيلي على ذلك، كما قام الكنيست في وقت لاحق بفرض الأمر الواقع على المدينة، بأن أصدر قرار آخر في 23/01/1950 يقضي باتخاذ القدس الغربية عاصمة لإسرائيل. أما القدس الشرقية، فقد خضعت لوصاية الأردن بعد توقيع هاته الأخيرة لاتفاقية الهدنة مع إسرائيل في جزيرة رودوس بتاريخ 3/4/1949، وبقيت القدس تحت الحكم الأردني إلى غاية نشوء حرب 1967م.

        إن القدس بقيت مقسمة من عام 1948 حتى عام 1967 ولم يعترف المجتمع الدولي باحتلال إسرائيل على القدس الغربية ولا بوصاية الأردن على القدس الشرقية، والكل احتلالا عسكريا وتمارس فيها إشرافا فعليا قويا. أما المرحلة الثانية فهي تخص إقدام إسرائيل على احتلال القدس بأكملها في 7 يونيو 1967.[9]

        الملاحظ في هذا الصدد هو أن مدينة القدس في مسار اكتساب مركزها القانوني الخاص مرت بمرحلتين؛ مرحلة ما قبل عام 1967، والتي كانت فيها القدس الشرقية تحت وصاية الأردن، والقدس الغربية تحت الإحتلال الإسرائيلي. أما المرحلة الثانية وهي ما بعد عام 1967، حين احتلت إسرائيل القدس بأكملها، حيث أصدرت في عام 1980 قانونا أساسيا (دستورا) نصت مادته الأولى على "أن القدس الكاملة والموحدة عاصمة لإسرائيل". وقد رد المجتمع الدولي في إطار مجلس الأمن الدولي بأن هذا الإجراء باطل ومخالف للقانون الدولي ومنتهك للشرعية الدولية، ودعا الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من مدينة القدس.

        لقد درج مجلس الأمن والجمعية العامة في قراراتها على الخلط بين القدس الشرقية والأراضي العربية المحتلة عام 1967، واعتبار وجود إسرائيل في القدس مجرد وجود لدولة محتلة في أرض محتلة، يتعين عليها الإنسحاب منها[10]،فالحديث عن القدس بشكل مجزأ أي القدس الشرقية والقدس الغربية لا يعني التسليم بأن القدس الغربية أرض إسرائيلية خالصة، أو أن الوجود الإسرائيلي في القدس الغربية أمر مشروع وفقا لمنطوق القرار 242 لسنة 1967 الذي يتحدث عن الإنسحاب من الأراضي المحتلة منذ حرب 1967، وكأن الحصول على الأراضي العربية قبل 1967 أمرا مشروعا، متناسيا بذلك أن القدس العربية احتلت عام 1948 من قبل إسرائيل.

        إذن الوضع القانوني للقدس بشقيها هو أنها مدينة تحت الإحتلال الإسرائيلي، لأن السيادة على القدس هي للشعب الفلسطيني المستقر عليها منذ مئات السنين، وأن احتلالها قد تم باستخدام القوة المسلحة، ووفقا لقواعد القانون الدولي العام فإنه لا يجوز اكتساب الأراضي عن طريق الحرب، ومادام أن القدس محتلة حسب منطق القانون الدولي، فإن أي إجراءات أو قرارات صدرت بشأنها تعتبر باطلة ولاغية.

 المبحث الثاني: قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل: الإنتهاكات والتأثيرات المحتملة.

        تجتمع الآثار القانونية لقرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل في مجموعة من الإنتهاكات للقانون الدولي، الأمر الذي يطرح الكثير من التخوفات حول ما الذي سيحدث في المدينة، وهل سيؤثر ذلك على وضعها القانوني في المجتمع الدولي.

المطلب الأول: إنتهاكات قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل

        استند الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قراره القاضي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل على الإجراءات الإسرائيلية الباطلة في القدس، وقرار سلطات الإحتلال بضم المدينة، وبفعل ضغط اللوبي الصهيوني العالمي، فقد أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 22 أكتوبر 1995 قرارا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ويعتبر هذا القرار إعترافا من الولايات المتحدة بقرار الإحتلال الإسرائيلي، وقد أعلنت الإدارة الأمريكية في خطوة منافية للشرعية الدولية والقانون الدولي على أن القدس عاصمة لإسرائيل، وتعزم على نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، واستنادا إلى ذلك يمكن سرد مجموعة من الإنتهاكات للقانون الدولي في قرار الولايات المتحدة الأمريكية.

        ارتكازا على مبادئ الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وآراء محكمة العدل الدولية، ويمكن إثارة مجموعة من الإنتهاكات القانونية بشأن قرار الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وهي كالآتي:

        -إن القرار الأمريكي يعتبر اعترافا من واشنطن بأن القدس عاصمة دولة إسرائيل، وهذا تجسيد وتكريس للقانون الإسرائيلي القائل بأن القدس بشطريها الغربي والشرقي، موحدة بصفتها عاصمة أبدية لإسرائيل[11].

        -إن القرار الأمريكي يعتبر مخالفا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، الذي يحرم احتلال أراضي الغير بالقوة، بل ويحرم مجرد التهديد باستخدام القوة في العلاقات الدولية، فقد جاء في المادة 2 الفقرة 4 بأن "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة".

        ويعتبر مبدأ عدم جواز اكتساب أراضي الغير بالقوة نتيجة مترتبة عن الإلتزام الوارد، في المادة 2 الفقرة الرابعة المشار إليها أعلاه، لكن استيلاء إسرائيل على القدس سواء الغربية أو الشرقية كان بالقوة، فاستيلاء إسرائيل على القدس الغربية عام 1948 قد تم من خلال ارتكابها الكثير من المجازر، والأعمال الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين، مثل مذبحة دير ياسين وغيرها، كما أن احتلال القدس الشرقية كان بفعل حرب عام 1967،[12] وعليه فإن وجود إسرائيل في القدس جاء نتيجة استخدامها للقوة المسلحة  المحظورة طبقا لمبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية الوارد في المادة الثانية الفقرة الرابعة من الميثاق الأممي.

        وبناء على ذلك فإن المجتمع الدولي مطالب بعدم الإعتراف بأي أثر قانوني عن العمل الذي انتهك قاعدة قانونية آمرة الواردة في المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م"[13]

        وترتيبا على ما سبق فإن إسرائيل لا تملك سيادة قانونية على القدس، وإنما لها سلطة فعلية بموجب قانون الاحتلال باعتبارها سلطة احتلال، الأمر الذي يستوجب أن تلتزم بقواعد وأحكام قانون الإحتلال الحربي.

        -القرار الأمريكي مخالف لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من القرارات التي تخص القدس كأرض عربية محتلة وتنص على تحريم وإبطال الإجراءات التي تتخذها دولة إسرائيل بشأن القدس، وأشير هنا إلى بعض تلك القرارات.

        *القرار 2153 الصادر في يوليو 1967 عن الجمعية العامة، والذي ينص على أن الجمعية العامة يساورها شديد القلق للحالة السائدة في القدس نتيجة التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير مركز المدينة:

        1- تعتبر أن تلك التدابير غير صحيحة.

        2- تطالب إسرائيل إلغاء جميع التدابير التي تم اتخاذها، والإمتناع فورا عن إتيان أي عمل من شأنه تغيير مركز القدس.

        -القرار 2254 الصادر في يوليو 1967 وتأسف فيه الأمم المتحدة لتخلف إسرائيل عن تنفيذ قرار الجمعية العامة 2253 وتكرر نفس الطلب الذي وجهته إلى إسرائيل في ذلك القرار.

        -القرار رقم 2851 الصادر  في ديسمبر 1967 الصادر عن الجمعية العامة والذي تطالب فيه إسرائيل بقوة بأن تلغي فورا كل الإجراءات وتكف عن كل السياسات والتصرفات مثل: ضم أي جزء من الأراضي المحتلة.

        -القرار رقم 36/15 الصادر في أكتوبر 1981 عن الجمعية العامة، وتطالب فيه الأمم المتحدة إسرائيل بأن تكف فورا عن جميع أعمال الحفر وتغيير المعالم التي تقوم بها في مواقع القدس التاريخية والثقافية والدينية وخاصة تحت الحرم الشريف وحوله (المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة) الذي تتعرض مبانيه لخطر الإنهيار.

        -القرار رقم 47/63 الصادر في ديسمبر 1992 عن الجمعية العامة (أ) والتي تعلن فيه أن جميع السياسات والممارسات الإسرائيلية القائمة على ضم الأراضي العربية المحتلة والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس والجولان السوري المحتل، أو التي تهدف إلى ذلك، هي سياسات وممارسات غير قانونية، وتشكل انتهاكا للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

        وفي خانة "ب" (1) تقرر أن قرار إسرائيل فرض قوانينها وولايتها وإدارتها على مدينة القدس الشريف قرار غير قانوني، ومن تم فهو لاغ وباطل وليست له أية شرعية على الإطلاق.

        2- وتشجب نقل بعض الدول بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس، منتهكة بذلك قرارات مجلس الأمن ورفضها الامتثال لأحكام ذلك القرار.

        -القرار رقم 252 الصادر بتاريخ ماي 1968 عمل مجلس الأمن يعتبر فيه "أن جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية وجميع الأعمال التي قامت بها إسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس هي إجراءات باطلة ولا يمكن أن تغير وضع القدس"، كما يدعو فيه إسرائيل بإلحاح إلى أن تبطل كل الإجراءات وأن تمتنع فورا عن القيام بأي عمل من شأنه أن يغير وضع القدس. وبنفس اللغة يخاطب مجلس الأمن إسرائيل مرة أخرى في القرار رقم 267 الصادر في يوليو 1969 ويدعوها في القرار 467 الصادر في يونيو 1980 إلى التقيد بالقرارات السابقة، وإلى التوقف عن متابعة السياسة والإجراءات التي تمس معالم مدينة القدس الشريف ووضعها[14].

        تلك هي القرارات الصادرة عن الجمعية ومجلس الأمن والذي يحدد بعضها المركز القانوني للقدس وبعضها يندد بما تقدم عليه قوات الإحتلال الإسرائيلية في مواجهته، وبناء على ذلك فإن قرار الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل يعتبر انقلابا على الشرعية الدولية وتراجعا عن قرارات الأمم المتحدة التي شاركت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في صياغتها.

        - إن الإعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل مخالف لمبدأ عدم الإعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة، وهذا المبدأ يؤكد على جميع دول العالم عدم الإعتراف بأي تصرف مخالف لمبادئ القانون الدولي، وهو إلتزام على دول العالم بالإمتناع عن الإعتراف بأي مكاسب إقليمية غير مشروعة، لأن السيادة على مدينة القدس بشطريها تبقى من وجهة نظر القانون الدولي عائدة للشعب الفلسطيني رغم وجود الإحتلال الإسرائيلي على هذه المدينة، ولا يمكن الإعتراف لإسرائيل بالسيادة على أي جزء من مدينة القدس، لأنه مخالف لقاعدة عامة في القانون الدولي تقضي بعدم التزام المجتمع الدولي بالإعتراف بأي مكاسب أو تغييرات إقليمية تنجم عن استخدام القوة[15]،  وهذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الإعلان المتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، والصادر عنها لسنة 1970، فقد نص على أن "أية مكاسب إقليمية ثم الحصول عليها عن طريق استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لا يمكن الإعتراف بشرعيتها[16]. 

- القرار الأمريكي مخالف للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الجدار العازل والذي أكدت فيه إلى جانب عدم شرعية الجدار والنظام الملحق به[17]، أكدت على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية[18]، فقد لاحظت المحكمة أن الجدار سيؤدي إلى تدمير أملاك الفلسطينيين والاستيلاء عليها، وهو أمر يتفق مع الأحكام المنصوص عليها في المادتين 46 و52 من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907، ومع أحكام المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة، وأكدت أن الاستثناء الوارد في هذه المادة الأخيرة، الذي يجيز الاستيلاء على الأملاك والأموال لضرورة عسكرية، لا ينطبق على هذه الحالة[19]، ومادام أن جدار الفصل العنصري انتهاك للحماية القانونية للمدنيين الفلسطينيين وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة، فإن المجتمع الدولي مطالب بتوفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين طبقا للمادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع التي تنص على أن "تتعهد الأطراف السياسية بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال"، وإجبار إسرائيل على احترام القانون الدولي الإنساني كدولة محتلة، واعتبار جميع تصرفات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت إطار القانون الخاص بالإحتلال الحربي بشكل عام، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949،[20] ففي الوقت الذي كان يجب فيه إدانة الأعمال التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة أصدرت أمريكا قرار الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل والهدف هو تسهيل ممارسة السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس المحتلة، مما يعني الإبقاء على الوضع القائم على الإحتلال، وتوحيد المدينة تحت السيادة الإسرائيلية تنفيذا لقرار ضم المدينة الصادر عن الكنيست الإسرائيلي، والإقرار بهذا الإجراء هو مخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تنظم مسألة الإحتلال، ذلك أن قانون الإحتلال  طبقا للمادة 43 من قواعد لاهاي لعام 1907 والمادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة لا تعطي لسلطة الاحتلال الحرية الكاملة في إجراء مختلف التغييرات التي قد ترغب في إجرائها[21]، بناء على ذلك فإن بناء الجدار العازل مخالف للقانون الدولي، وأن جميع الاجراءات المتخذة في هذا غير شرعية، لوجود حالة الاحتلال[22] فليس من حق المحتل أن يجني ثمار عدوانه، وبالتالي لا يجوز نقل السيادة على القدس المحتلة إلى إسرائيل كدولة محتلة، ولا يجوز أن تقوم الولايات المتحدة حسب قواعد القانون الدولي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.

- القرار الأمريكي يخالف مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير ذلك أن هذا الحق ينطبق على الأقاليم غير المستقلة أو غير المحكومة، وهو في النتيجة ينطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة وبصفته من مجموعة من الأحكام القانونية الدولية "الحجة على الكافة" "erga omnes"، فإنه يلزم الدولة المحتلة بالإمتناع عن إتيان أي فعل أو سلوك من شأنه حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير[23]، وهذا الإلزام يسري في مواجهة الكافة من الدول. إن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالإعتراف على أن القدس عاصمة إسرائيل خلافا لقرارات الشرعية الدولية  ولقواعد القانون الدولي يعتبر إخلالا صارخا لمبدأ حق تقرير المصير ويحول دون تمكين الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

المطلب الثاني: التأثيرات المحتملة لقرار إعلان القدس عاصمة إسرائيل.

        بعد صدور قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، عقب ذلك حالة من القلق والتوتر و طرح التساؤلات حول التبعات القانونية لهذا القرار، وهل سيؤثر على الوضع القانوني للمدينة في المجتمع الدولي أم لا؟.

        أكيد أنه كما لاحظنا في صلب هذه الدراسة أن السيادة على القدس بشقيها هي للشعب الفلسطيني المستقر عليها منذ سنوات، وأن إسرائيل ستبقى قوة احتلال بالنسبة للقدس،[24] ولن يتطور الأمر إلى درجة أن يقول المجتمع الدولي بأن القدس لم تعد جزءا من الأراضي المحتلة. ففي سجلات الهيئات الدولية، وقرارات المجتمع الدولي ومبادئ القانون الدولي القدس بشقيها هي أرض محتلة كلها، لأن قرار التقسيم لم يخصص القدس ضمن أراضي الدولة اليهودية، حيث نص على إقامة كيان مستقل في القدس، والقرى المحيطة بها، وإخضاع ذلك لنظام حكم عالمي تديره الأمم المتحدة، وبالتالي فإن القرار الأمريكي المعلن فيه على أن القدس عاصمة لإسرائيل هو في نهاية المطاف انتهاك لقرار التقسيم رغم أن البعض يعتبر قرار التقسيم نفسه، والذي تحدث عن تدويل مدينة القدس قرار باطل وملغى بشكل صريح وواضح، وأن وجود إسرائيل في المنطقة المستمد من قرار التقسيم يعتبر وجودا باطلا[25].

        على ضوء ما سبق، فإن الإعتراف بالقدس عاصمة للإحتلال ونقل السفارة الأمريكية إليها لن يؤثر على مركزها القانوني في العالم، ولم تكون هناك تفسيرات منحرفة للقانون الدولي، أو اتخاذ خطوات تراجعية عن كافة قواعده اتجاه القدس، وأن أي قراءة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية لن تخرج عن سياق اعتبار كل الإجراءات المتخذة في القدس من قبل إسرائيل كدولة احتلال باطلة ولا تترتب عليها أي آثار قانونية[26]، ففي هذا الإطار يمكن إدراج القرار الأمريكي لكونه مخالف للقانون الدولي ومناهض لمبادئه وقواعده ومقاصده، وبالتالي فهو بدوره قرار باطل ولا أثر له على الوضع القانوني للقدس حاليا ومستقبلا.

        في مقابل هذا الإطمئنان إلى الوضع القانوني لمدينة القدس، فإن الوضع الحالي الذي يتسم بتزايد حدة الإستقطبات وتسارع الأحداث في الشرق الأوسط، قد تكون للقرار الأمريكي تأثيرات وعواقب جد خطيرة على أمن واستقرار المنطقة بصفة عامة، وعلى مسلسل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بصفة خاصة، لذلك على الإدارة الأمريكية الحالية أو المستقبلية أن تتراجع عن هذا القرار، وتلتزم بالشرعية الدولية والقانون الدولي بخصوص القدس، وأن تسعى إلى حمل إسرائيل كطرف محتل على احترام القانون الدولي والإلتزام بجميع قرارات الأمم المتحدة الصادرة في إطار حماية مدينة القدس.

خاتمــة:

        إن قرار الولايات المتحدة الأمريكية القاضي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل حماقة قانونية وسياسية وجهل بالتاريخ، فهو قرار يكرس أن "فاقد الشيء يعطي لمن لا يستحق أغلى ما يملك أصحاب الحق"، لأن السيادة القانونية والتاريخية على القدس هي للفلسطينيين، ووجود إسرائيل فيها هو وجود فعلي بسبب الإحتلال، وكما هو معروف فإن أي ثمار ناجمة عن الإحتلال فهي باطلة ولاغية، وبالتالي فإن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لم ولن يؤثر على وضعها القانوني في العالم، لأن ما يبنى على باطل فهو باطل.



[1] - زينب عبد العزيز، من حائط البراق إلى جدار العار، القبس للطباعة وفصل الألوان، الطبعة الأولى، 2004، ص:51

[2] - موسى القدسي الدويك، القدس والقانون الدولي، دراسة للمركز القانوني للمدينة، والإنتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني فيها"، الإسكندرية، 2002، ص: 13.

[3] - زينب عبد العزيز، المرجع السابق، ص:54.

[4] - زينب عبد العزيز، المرجع السابق، ص:54.

[5] - Olivier DANINO, le statut de Jérusalem de 1949 à 1967; cahiers de la Méditerranée, N°86 ; 2013 ; p 207-218.

[6] - Résolution 101, United Nations, General Assembly A/RES/ 101 (11) 29 Novembre 1947

[7] - عصام مسلط، الواقع يفرض الواقعية (القدس في قرارات الشرعية الدولية، دراسة مقدمة لمؤتمر يوم القدس الثامن، جامعة النجاح، 2006، ص 9.)

[8] - موسى القدسي الدويك، مرجع سابق، ص 17.

[9] - مصطفى أحمد أبو الخير، القدس والأمم المتحدة رؤية قانونية على الموقع الإلكتروني التالي:

http://pal-monitor.org/UPLorad/UPLoads/b41d23367a.pdf.1-28-16/11/2017.11h25min.

[10] -François Dubuisson, les conséquences juridiques du statut de Jérusalem – Est en droit international, sur le site web suivant : http://dipot.ulb.ac.be/dspace/bitstream/2013/130908/3/jerusalem.pdf.p1-17

16/12/2017. 12h :00min

[11] - موسى القدسي الدويك، مرجع سابق، ص: 20.

[12] - واصف منصور، قضايا دولية معاصرة، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 2008، ص: 17-19.

[13] -تنص المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على ما يلي: "تعتبر قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، القاعدة المقبولة والمعترف بها من الجماعة الدولية كقاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تغييرها إلا بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام لها ذات الصفة"

[14] -هذه القرارات كلها أوردتها زينب عبد العزيز في كتابها "من حائط البراق إلى جدار العار"، المرجع السابق، الصفحات من 59 إلى 75.

[15] - مصطفى أحمد أبو الخير، القدس والأمم المتحدة رؤية قانونية، مرجع سابق، ص 20.

[16] -القرار 2625 (الدورة 25) إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، الوثائق الرسمية للجمعية العامة، الدورة 25 الملحق رقم 18 (8018/A).

[17] - محمد خليل الموسى، رأي محكمة العدل الدولية في الجدار الفاصل: الأبعاد القانونية، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 18، العدد 69، 2007، ص 5.

[18] - فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، الجمعية العامة، الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة A/ES-10/273. 11 july 2004.

[19] - محمد خليل الموسى، مرجع سابق، ص 7.

[20] - محمد فهد الشلالدة، الأبعاد القانونية لجدار الفصل العنصري في ضوء القانون الدولي الإنساني، في القانون الدولي الإنساني، آفاق وتحديات، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2005، ص  ص 173-174.

[21] - اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القانون الدولي الإنساني وتحديات النزاعات المسلحة المعاصرة، أكتوبر 2011، ص31.

[22] - Shawan Jabarin, le territoire palestinien occupé et le droit international humanitaire. Réponse à ¨Peter Maurer, revue internationale de la croix- rouge, volume 95 sélection française 2013/ 1 et 2, p 161-174.

[23] - محمد خليل موسى، مرجع سابق، ص 6.

[24] - في جميع قرارات الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام، وآراء  فقهاء القانون الدولي والقضاء الدولي تعتبر إسرائيل قوة احتلال.

[25] - مصطفى أحمد أبو الخير، القدس والأمم المتحدة رؤية قانونية، مرجع سابق، ص 20.

[26] - كذلك كان بالنسبة لبناء الجدار الأمني العازل، فقد اعتبرت محكمة العدل الدولية بناء هذا الجدار عمل وإجراء غير قانوني ويتناقض مع قواعد الإحتلال الحربي، أنظر العشاوي عبد العزيز، الجدل القائم حول الجدار الأمني العازل في فلسطين المحتلة، مجلة الباحث، العدد 5، 2007، ص: 2-15.


إرسال تعليق

0 تعليقات