آخر الأخبار

Advertisement

الباحثة ازويني جميلة - الحماية الاجتماعية في إطار القانون رقم 09.21 - منشورات موقع الباحث القانوني

 

الباحثة ازويني جميلة

الحماية الاجتماعية في إطار القانون رقم 09.21

تقديم:

لطالما كانت الحماية الاجتماعية حكرا على البلدان المتقدمة باعتبار أنها أداة لتعويض عن الفقدان المؤقت للدخل الناجم عن الأزمات ذات الطبيعة المرحلية، وكان ينظر إليها على أنها غير مناسبة للبلدان النامية التي تعاني من الفقر و الهشاشة.

إلا انه مع مرور الوقت و الأزمنة ظهر على الصعيد الدول والمجتمعات آثار سلبية للفقر، مما اقتضت الضرورة للانخراط في مسلسل أهداف الألفية الإنمائية و مسلسل التنمية المستدامة اللتان تم اعتمادهما من قبل المنتظم الدولي برعاية الأمم المتحدة سنتي 2000 و 2015، باعتبارهما  آلية لمكافحة الفقر  والهشاشة.

وانطلاقا من سنة 2000، عملت العديد من الدول،منها بلدان بجنوب إفريقيا(بوتسوانا وليسوتو وسوازيلاند) ودول أمريكا اللاتينية (بوليفيا مثلا) ودول جنوب آسيا (الهند وبنغلاديش ونيبال)، على اعتماد أنظمة لمعاشات الشيخوخة، غير قائمة على الاشتراكات،مستوحاة من النموذج الذي سنته دولة جنوب أفريقيا، بينما عملت الدول التي تتوفر على مثل هذه الأنظمة (الأرجنتين والبرازيل والشيلي وجنوب إفريقيا) على تقويتها[1].

أما بخصوص الدولة المغربية، فقد عملت عبر مراحل لإرساء ترسانة من البرامج وشبكات الأمان الاجتماعي من أجل مواكبة نموذجها التنموي. وقد مكنت الجهود المبذولة من إرساء نظام متنوع للحماية الاجتماعية بشكل تدريجي، سواء من حيث طبيعة البرامج أو من حيث الشرائح الاجتماعية المشمولة بهذه الحماية.

ويتشكل هذا النظام من مكونين رئيسيين: المكون الأول يضم أنظمة التأمين الاجتماعي القائمة على الاشتراك، ممثلة في الصندوق المغربي للتقاعد (CMR)،والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR)، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS)؛ أما المكون الثاني فيشمل مختلف برامج ومبادرات الدعم الاجتماعي غير القائمة على الاشتراك،كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH)، وبرنامج المساعدة الطبية "راميد"، وبرنامج تيسير، والمطاعم المدرسية والداخليات والمنح الدراسية، وبرامج الإدماج المهني ومؤسسات الرعاية الاجتماعية وغيرها.

كما تندرج أيضا ضمن منظومة الحماية الاجتماعية آليات أخرى تم اعتمادها في مجال الدعم الموجه للشرائح الاجتماعية الهشة والأسر ذات الدخل المحدود من قبيل برامج محو الأمية والتعاون الوطني ونظام المقاصة الذي يتولى دعم أسعار بعض المواد الأساسية (الدقيق الوطني والسكر وغاز البوتان) لفائدة كل المواطنين بدون استثناء.

حيث عملت المملكة المغربية على انخرطت في توصية الـمكتب الدولي للشغل بشأن الحد الأدنى للحماية الاجتماعية، وفي أجندة الأمم المتحدة لمكافحة الفقر والهشاشة وفي مسلسل أهداف التنمية المستدامة، فهي اليوم توجد في مفترق الطرق، على اعتبار أنها مطالبة بتوفير نظام مندمج ومتناسق للحماية الاجتماعية يروم تحقيق الحماية للشرائح الاجتماعية الهشة وفق مبادئ العدل والفعالية والإنصاف والشفافية، حتى تتمكن من تحقيق التنمية العادلة والشاملة.

ولبلوغ هذه الغاية، من الضروري مراجعة المنظومة الحالية للحماية الاجتماعية وتقييم مدى نجاعتها وفعاليتها وقدرتها على إحداث الأثر المتوخى على الشرائح الاجتماعية التي تعاني الفقر والهشاشة، وذلك بهدف تثمين المكتسبات وإصلاح مكوناتها التي لم تعد ناجعة لتحقيق الأهداف المرسومة لها، إضافة إلى توسيع نطاق التغطية والرفع من جودة حكامة  المنظومة ككل.

ويأتي هذا الورش الإصلاحي المهيكل في الوقت المناسب تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية التي ضمنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه أمام ممثلي الأمة بتاريخ 13 أكتوبر 2017، والذي حث فيه الحكومة والبرلمان وجميع القوى الوطنية من أجل فتح حوار وطني وتعبئة الروح الجماعية لإعادة النظر في النموذج التنموي وإعداد تصور لنموذج تنموي جديد يكون مناسبا لمغرب الحاضر والمستقبل وقادرا على إقرار العدالة الاقتصادية والاجتماعية والمجالية، وكذلك تفعيلا على الخصوص لتوجيهاته السامية الواردة في خطاب العرش يوم 29 يوليو 2018، والتي دعا جلالته من خلالها " الحكومة وجميع الفاعلين المعنيين، للقيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية".

وتكلل هذا المجهود بصدور مشروع قانون-إطار رقم[2]09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية  في 5 أبريل 2021 الذي يحتوي على19 مادة مقسمة إلى أربعة أبواب بالإضافة إلىالديباجة.

و يعتبر هذا الورش امتدادا للإصلاحات الشاملة والمجتمعية التي انخرط فيها المغرب انطلاقا من سنة 2000 تحت قيادة جلالة الملك، وخاصة بعد اعتماد الوثيقة الدستورية لسنة 2011،التي تعد مرجعية لهذا الإصلاح من خلال الفصل31 الذي ينص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل لضمان استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من بينها "الحق في العلاج والرعاية الصحية والحق في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة والحق في الحصول على سكن لائق والحق في الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل".

فهذا الموضوع يطرح مجموعة من الإشكالات الواقعية الملموسة أهمها:

هل فعلا استطاع المشرع مجابهة الرهانات والتحديات وإنشاء نظام الحماية الاجتماعية  ناجع وفعال ومتكامل ومسؤول  كفيل  بتحقيق  النجاعة  والفعالية  في الأداء؟

و تتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الإشكالات الفرعية وهي:

-              ما هو واقع الحماية الاجتماعية بالمملكة المغربية؟

-              ما هي التحديات التي يتعين مجابهتها لإنشاء  نظام  ناجع  للاستهداف، كفيل بتحقيق النجاعة والفعالية في الأداء في مجال الحماية الاجتماعية؟

-              ما نوع المخاطر الاقتصادية و الاجتماعية التي ينبغي الوقاية منها؟

-              ما هي الأهداف و المرتكزات التي يقوم عليها قانون الحماية الاجتماعية للاستجابة لمتطلبات مختلف الشرائح الاجتماعية الفقيرة و الهشة؟

-              ما هي  التوجهات المستقبلية بشأن تمويل مشروع الحماية الاجتماعية الذي يعتبر أساس في إنجاحه؟

-              كيف يمكن تدبير منظومة  الحماية الاجتماعية بطريقة متكاملة و متناسقة وفعالة و مسؤولة؟

للإجابة عن هذه التساؤلات سوف أتناولها في النقط التالية:

النقط الأولى: تشخيص واقع الحماية الاجتماعية في المغرب

تعتبر الحماية الاجتماعية مجموعة من السياسات والبرامج التي تهدف إلى تقليص الفقر والهشاشة، من خلال دعم سوق العمل وتقليص تعرض الأفراد للمخاطر وتعزيز قدرتهم على حماية أنفسهم من احتمال فقدان الدخل. أو أنها مجموعة من الآليات التي تروم مساعدة الأفراد على مواجهة أثار المخاطر الاجتماعية، كالشيخوخة والمرض.

وتقوم هذه الحماية الاجتماعية على مجموعة من المبادئ التي تدعو إلى بناء مجتمع ديمقراطي يتمتع بالعدل والمساواة والتضامن و التكافل الاجتماعي[3].

حيث نجد الأنظمة الإجبارية للضمان الاجتماعي اليوم تقوم بوظيفة هامة في مجال تغطية المخاطر ومنح تحويلات مالية، في شكل تعويضات عائلية وتعويض الدخل عن طريق منح تعويضات يومية عن المرض والأمومة، ومن خلال معاشات الشيخوخة(التقاعد) و العجز(الزمانة) والمتوفى عنهم لفائدة أجراء القطاع الخاص وموظفي وأعوان الدولة. كما تستفيد هذه الفئات وذوو حقوقهم، وكذا المعوزين، منذ سنة 2002، (دخل حيز التنفيذ على التوالي في 2005 و 2007) من نظام للتأمين الأساسي عن المرض يضمن لهم التكفل بجزء من مصاريف العلاجات الطبية و الاستشفاء و الأدوية.

غير أن هذه الأنظمة تنظم في إطار منظومة للحماية الاجتماعية تتسم بطابعها المتجزئ والمحدود غير المتكافئ والهش. وفي هذا الصدد، تغطي أنظمة التقاعد المغربية حاليا ما يزيد قليلا عن 40 في المائة من السكان النشطين المشتغلين. ويغطي نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض النسبة نفسها تقريبا، حيث يبلغ عدد الأشخاص المشمولين به ما يزيد بقليل عن 8,5 مليون شخص. وهكذا فان حوالي60 في المائة من السكان النشيطين محرمون من الحماية الاجتماعية. وتشكل هذه الفئات المعنية قوى فاعلة ينبغي أن يمكنها نظام متين للحماية الاجتماعية من قاعدة أساسية للضمان الاجتماعي الكفيل بانبثاق طبقة متوسطة متضامنة وواثقة في مستقبلها ومبادرة. ويتعلق الأمر هنا بأشخاص يزاولون مهنا حرة أو بأشخاص مستقلين، ومسيري المقاولات الذين ليست لهم صفة الأجراء، و العاملين في القطاع غير منظم، لاسيما في الفلاحة و الصناعة التقليدية والتعاونيات الصغيرة، و الأشخاص الذين يوجدون في وضعية انعدام الأمن الاجتماعي بسبب الحوادث أو حالات الفصل عن العمل أو انحلال ميثاق الزواج أو الوفاة الزوج أو الزوجة أو التوقف عن النشاط قبل مراكمة حقوق الاستفادة من المعاش.

إن الفجوة التي يعرفها المغرب في مجال الحماية الاجتماعية ليست قدرا محتوما. فهي نتاج تضافر اكراهات متعددة، تتمثل على وجه الخصوص في غياب رؤية سياسية مشتركة، وغياب إستراتيجية رسمية ونظام محاسبي مندمج ونظام موحد للمعلومات وللمحاسبة في ما يتعلق بالأداء في مجال التغطية الاجتماعية؛ وتعدد المصالح التقنية الوصية وهيئات الرقابة، وضعف مستوى التنسيق بينها (رئاسة الحكومة، ووزارات المالية و التشغيل والشؤون الاجتماعية والأسرة و التضامن، والمجلس الأعلى للحسابات، وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وغيرها)؛ والطابع المتقطع للحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف وضعف تتبع القرارات المتمخضة عنه بشأن الحماية الاجتماعية، فضلا عن ضعف إشراك الشركاء الاجتماعيين في هيئات الحكامة والإشراف والرقابة المعنية بالضمان الاجتماعي؛ وعدم إعمال التوصيات الصادرة عن هيئات المراقبة، كالمجلس الأعلى للحسابات أو توصيات الواردة في الدراسات التي تنجزها مؤسسات من قبيل مكتب العمل الدولي.

كما تعزى الاكراهات في هذا المجال أيضا إلى الطبيعة المجزأة لأنظمة الحماية الاجتماعية ، حيث تظم تشكيلة من الهيئات غير المتضامنة وغير المتكاملة في ما بينها، والمنفصلة عن بعضها البعض، والخاضعة لمعايير تقنية تجعل الإطار العام للحماية الاجتماعية غير منصف بالقدر الكافي، كما أنها ترتكز على قواعد تدبير وحكامة لا تسمح بإضفاء الطابع الرسمي على عمليات إصلاح مندمجة ولا تنفيذها تنفيذا ناجعا. وبالنسبة لساكنة نشيطة تتعدى بقليل 10 ملايين نسمة، توجد في المغرب 5 أنظمة عمومية للتقاعد، و 28 تعاضدية، وصندوقان لتدبير التأمين الإجباري الأساسي عن المرض[4].

وهكذا،وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن أنظمة التأمين الاجتماعي، وخصوصا تلك المتعلقة بالتقاعد، توجد في وضعية صعبة تتميز بتعدد الأنظمة وعدم الانسجام فيما بينها، ومحدودية معدل تغطية الفئات النشيطة والعجز الهيكلي لبعض الأنظمة الذي يهدد ديمومتها وغياب الجسور بين هذه الأنظمة وتنوع أساليب وطرق حكامتها.

أما بالنسبة لعناصر ومكونات الدعم الاجتماعي، فقدتم وضع كل برنامج على حدة في لحظة زمنية معينة،وفي ظروف خاصة لفائدة فئات محددة من الساكنة ووفق إطار قانوني وقواعد تسيير مختلفة. وكنتيجة لذلك،أصبحت برامج الدعم الاجتماعي تتميز بدرجة عالية من التشتت، مع تعدد المتدخلين وتنوع الإجراءات، وضعف التنسيق، ومحدودية التغطية، الشيء الذي ينتج عنه التداخل والتكرار في بعض البرامج الموجهة لبعض الفئات الاجتماعية، وفي نفس الوقت إقصاء أو قصور في تغطية فئات أخرى[5].

فمن خلال تشخيص وضعية منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب بفرعيها يؤكد أنها تعاني من العديد من النواقص والتحديات، مما يستلزم التعجيل بمباشرة عملية إصلاح وشامل وعميق للمنظومة ككل ممتدة على المدى القصير والمتوسط ​​والطويل.

النقطة الثانية: الرهانات والتحديات التي يتعين مجابهتها لتحقيق النجاعة والفعالية في الأداء في مجال الحماية الاجتماعية

ثمة إجماع بشأن أوجه القصور والصعوبات التي تواجهها منظومة الحماية الاجتماعية في المغرب. وفي هذا الصدد تتسم المبادرات العمومية في هذا المجال بطابعها المتجزئ وتعدد البرامج والمتدخلين ومرجعيات الأهداف و أساليب تقييم النتائج، في غياب أي تنسيق حقيقي أو رؤية على المدى الطويل (وزارات التشغيل والشؤون الاجتماعية، والمالية، و المصالح التقنية المشرفة وغيرها). وينطوي هذا الوضع على مخاطر تتعلق بهدر الوقت و الكفاءات، وبعدم تفعيل التوصيات و الغايات المنبثقة عن الدراسات التقنية، أو الحوار الاجتماعي، أو مؤسسات الحكامة و المراقبة كالمجلس الأعلى للحسابات.

كما أن المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية بمكونها التأمين الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية، تواجه العديد من النواقص والتحديات التي تحد من وقعها الفعلي على الساكنة المستهدفة. فكل الدراسات والتشخيصات المنجزة بخصوص النظام الوطني للتقاعد مثلا، تجمع على نواقصه المتمثلة أساسا في ضعف نسبة تغطيته للفئات النشيطة والعجز الهيكلي لبعض مكونات هذا النظام.

بالإضافة إلى أن السياسات العمومية في مجال الدعم الاجتماعي تتسم بالتشتت المفرط للبرامج وضعف في التنسيق بين المتدخلين، الشيء الذي ينتج عنه أحيانا حالات عدم الإنصاف، بحيث يستفيد منها بعض الأشخاص الميسورين، في الوقت الذي يتم فيه  إقصاء البعض ممن هم في أمس الحاجة إلى الحماية.

وتتسم منظومة الحماية الاجتماعية في المغرب بعدم انتظامها حول رؤية موحدة و أهداف متجانسة. ولا توجد آليات للتضامن أو حتى التكامل بين مكوناتها. وتواجه هذه المكونات، بشكل فردى ودون تجانس، كل في إطاره المؤسسي الخاص ومعاييره التقنية ونظامه الخاص للحكامة، الرهانات المتعلقة بالتوازن المالي، و الاستدامة، وجودة الخدمات، دون قدرة أو توجه نحو حماية جميع المواطنين- بدءا من الأشخاص و الفئات الهشة -  ضد المخاطر الاجتماعية و الاقتصادية.

            وفي هذا الصدد، تواجه العديد من مؤسسات الضمان الاجتماعي رهانات كبرى تتعلق بالتوازنات المالية الناجمة عن تراكم التزامات اكتوارية هامة في ظل تحسين أمد الحياة، وانخفاض معدلات الخصوبة، والولوج المتأخر على نحو متزايد إلى سوق الشغل، وانخفاض معدل تغطية السكان النشيطين المشغلين (35 في المائة). وعلاوة على ذلك، لا تخضع طرق توظيف احتياطياتها لقواعد مشتركة ولا لغايات المنفعة الاجتماعية الثابتة.

إن أوجه القصور في المنظومة كبيرة، مما ينطوي على مخاطر كبرى ويجعل أعدادا كبيرة من الساكنة لا تستفيد من أي تغطية أو تستفيد من خدمات محدودة جدا. ولا يتم الاعتراف إلى اليوم بحوادث الشغل والأمراض المهنية بوصفها مخاطر تدخل في نطاق الضمان الاجتماعي، كما أن تغطيتها، التي تنظمها قواعد القانون المدني، تظل محدودة ومقيدة بإجراءات معقدة. ولا تستفيد غالبية المسنين من الحق في معاش التقاعد، الذي يقل في أكثر من 70 في المائة من الحالات عن الحد الأدنى للأجور. كما أن أزيد من 60 في المائة من السكان النشيطين المغاربة لا يستفيدون من أنظمة التقاعد و 30 في المائة يستفيدون حاليا من تأمين إجباري على المرض. و لا يستفيد العاملون في القطاع"غير المنظم" من الضمان الاجتماعي، سواء تعلق الأمر بمعاش التقاعد أو حوادث الشغل أو الأمراض المهنية. و تتحمل الأسر معظم النفقات المتعلقة بالصحة. ولا تزال معدلات وفيات الأمهات و الأطفال مرتفعة، ويعزى ذلك على وجه الخصوص إلى ضعف الولوج إلى العلاجات في فترة ما بعد الولادة و الرعاية الصحية لحديثي الولادة في الوسط القروي. ويبقى الأطفال، سواء كانوا في مرحلة ما قبل التمدرس أو المراهقة، لاسيما الفتيات في المناطق القروية، وكذا الشباب غير المؤهلين أو ذوي المؤهلات الضعيفة، عرضة لخطر الانقطاع عن الدراسة و السقوط في مخالب العمل غير المنظم و الفقر. ويواجه الأطفال و البالغون في وضعية إعاقة مصاعب جمة في الولوج إلى الخدمات الأساسية للتعليم و الصحة، ومخاطر متنامية للبطالة والفقر، في غياب مساعدة أسرهم ومساعديهم حتى يتمكنوا من مواجهة التكاليف الإضافية المترتبة عن وضعيتهم. وإذا كان هناك إجماع حول حاجة المغرب إلى سجل اجتماعي يكفل توحيد أساليب تخصيص المساعدة الاجتماعية للفئات الهشة، فلا تزال هناك تحديات كبرى يتعين رفعها بشأن وضوح معايير استحقاق هذه المساعدات ومحتواها.

و لمواجهات هذه التحديات و الرهانات يتعين وضع برامج ملائمة للمساعدة الاجتماعية وتنفيذها بما يتماشى مع مبادئ احترام كرامة الأفراد وحقوقهم الأساسية، في إطار منطق للإدماج، والوقاية من مظاهر التمييز والتقليص من حدتها، والعمل من أجل ترسيخ تكافؤ الفرص، وليس فقط في إطار منطق التعاطف من أجل التخفيف من مظاهر الحرمان.

بالإضافة إلى إعادة هيكلة منظومة الحماية الاجتماعية في المغرب بما يتوافق مع المعايير الدولية ذات الصلة، لاسيما اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102 والتوصية رقم 202، يعد أمرا ضروريا من أجل وضع أرضية للحماية الاجتماعية تمكن على المدى المتوسط من توفير الشروط الكفيلة بإرساء منظومة وطنية للضمان الاجتماعي تكون متكاملة وشاملة وتضامنية، تقوم على صون الكرامة وإدماج الجميع، فضلا عن توطيد أواصر التماسك الاجتماعي وتعزيز التنمية الاقتصادية للبلاد[6].

النقطة الثالثة:  المخاطر الاقتصادية و الاجتماعية التي ينبغي الوقاية منها

تواجه فئات الأطفال والشباب مخاطر متعددة بالنظر إلى طبيعتها، فقبل سن الخامسة، يتعرض أطفال الأسر الفقيرة للمخاطر المرتبطة بالوفاة وسوء التغذية وعجز في النموالسوسيو-اجتماعي، وعدم الولوج للتمدرس الأولي. أما الأطفال ما بين 6 و15سنة، فإنهم يواجهون مخاطر عدم التمدرس والانقطاع المبكر عن المدرسة والعنف داخل مؤسسات التنشئة الاجتماعية (المدرسة والأسرة ...)، بالإضافة إلى إمكانية استغلالهم في الشغل قبل استيفائهم للسن القانوني. وبخصوص فئة اليافعين والشباب ما بين 15و23سنة، فإنهم معرضون لمخاطر عدم تطوير قدراتهم ومهاراتهم قصد ولوج سوق الشغل، كما أنهم مهددون بمخاطر أخرى متعددة كالتعاطي للمخدرات والانحراف وزواج القاصرات والحمل المبكر وغيرها.

إن حماية الطفولة تبدأ قبل الولادة من خلال المتابعة و المصاحبة الطبية للأم الحامل. كما أن العلاجات الطبية خلال مرحلة ما بعد الولادة و التلقيح و التغذية المتوازنة تبقى ضرورية وفي غاية الأهمية لكونها تساعد على الحد من الوفيات المبكرة ومن سوء التغذية. وبفضل هذه المقاربة، استطاع المغرب تخفيض نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة إلى 13.6 في الألف،ونسبة وفيات الأطفال دون السنة الأولى إلى 18 في الألف، ومعدل وفيات الأطفال دون الخامسة إلى 22.2 في الألف. وعلى الرغم من هذا التقدم الهام والملحوظ في هذا المجال، فلا يزال هناك مجال كبير للتحسن على اعتبار أن نسبة العلاجات الطبية خلال المرحلة ما بعد الولادة تبلغ بالكاد 30٪ داخل المدن و13٪ بالمناطق القروية.

أما اليافعين والشباب ما فوق سن 15 سنة، فإن الوقاية من المخاطر التي تعترض هذه الفئة تتمثل في المقام الأول في تطوير مؤهلاتهم وقدراتهم لتيسير اندماجهم في سوق الشغل، كما لا يجب إغفال أهمية تأهيل هذه الفئة لما بعد سن الرشد بتحسيسهم و تأطيرهم لجعلهم واعين بحقوقهم وبمسؤولياتهم عن أفعالهم.

كما تعاني الفئات النشيطة من السكان، بمعنى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 60 سواء كانوا عاملين أو عاطلين عن العمل من مخاطر فقدان الدخل بصفة مؤقتة أو دائمة بسبب العجز أو المرض أو الأمومة أو الحوادث المرتبطة بالشغل أو الأمراض المهنية أو فقدان الشغل.

ويستفيد من الحماية الاجتماعية الخاصة بهذه الفئة كل من موظفي القطاع العام و مأجوري الأنشطة المنظمة في القطاع الخاص، أي ما يقارب 4 ملايين شخص من أصل 10 ملايين المكونة لفئة السكان النشيطين المشغلين. وهذا يعني بقاء أكثر من 6 ملايين شخص نشيط خارج نطاق الضمان الاجتماعي.

ويضاف إلى هذا ضعف استقرار الأنشطة الأجرية في القطاع الخاص، حيث أن مأجورا واحدا فقط من اثنين يتم التصريح به لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لمدة 12 شهر كاملة بالنسبة للأنشطة المنظمة بالقطاع الخاص (خارج القطاع الفلاحي)، أما الأنشطة المنظمة بالقطاع الفلاحي فيتم فيها التصريح بمأجور واحد من اثنين لمدة 6 أشهر من أصل 12 شهرا، و كنتيجة لذلك، وبسبب عدم استيفاء المدة الزمنية الدنيا الضرورية للاستفادة من الحقوق، فان عددا مهما من النشطين يبقى مقصيا من الاستفادة من نظام الضمان الاجتماعي رغم انخراطه فيه.

و على الرغم من التزام المغرب بتحقيق التغطية الطبية الشاملة لجميع المواطنين بحلول سنة 2025، فان الأنظمة الحالية تعاني من بعض الاختلالات من قبيل صعوبة الاستفادة من هذه التغطية بسبب الضعف المسجل في الخدمات الصحية في المناطق المعزولة على وجه الخصوص، إضافة إلى محدودية التكفل المباشر من طرف الأجهزة المسيرة و التي تصل بالكاد إلى نسبة 44 في المائة، و ارتفاع نسبة الحصة التي يتحملها المرضى من كلفة العلاج التي تجاوزت 35 في المائة سنة 2016( مقابل 28 في المائة سنة 2010)[7].

النقطة الرابعة:المرتكزات و الأهداف  التي يقوم عليها قانون الحماية الاجتماعية

إن تحقيق الحماية الاجتماعية  يعتبر مدخلا أساسيا لا محيد عنه للنهوض بالعنصر البشري باعتباره حلقة أساسية في التنمية، و لبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية و المجالية التي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يصبوا إليها منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين.

ولقد تجسدت هذه الرؤية المولوية السامية في إطلاق مجموعة من البرامج الاجتماعية في مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ونظام المساعدة الطبية، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية و الاجتماعية، وبرامج دعم تمدرس الأطفال مثل ''برنامج تيسير'' و ''برنامج دعم الأرامل''. وقد مكنت هذه البرامج  على اختلاف أشكالها، من التقليص من نسبة الفقر و الهشاشة و الهدر المدرسي، ومن ولوج فئة واسعة من المواطنات و المواطنين إلى الخدمات الأساسية.

وتعزيزا لهذه المكاسب، بات من الضروري تكثيف الجهود من أجل استكمال بناء منظومة قوية توفر الحماية الاجتماعية لفئات واسعة، وتكون قادرة على الحد من المخاطر الاقتصادية، لاسيما على الفئات الأكثر هشاشة، من قبيل تلك التي ترتبت عن تداعيات جائحة كوفيد-19.[8]

وجاء قانون 09.21 لاستكمال بناء منظومة الحماية الاجتماعية، من خلال مجموعة من الأهداف والمرتكزات المتمثلة في:

-                  توسيع التغطية الصحية الإجبارية، بحلول نهاية سنة 2022، بحيث سيتمكن 22 مليون مستفيد إضافي من الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض الذي يغطي تكاليف العلاج و الأدوية والاستشفاء.

-                  تعميم التعويضات العائلية التي سيستفيد منها حوالي سبعة ملايين طفل في سن التمدرس.

-                  توسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، من خلال دمج حوالي خمسة ملايين شخص من الساكنة النشيطة التي لا تتوفر حاليا على أي تغطية متعلقة بالتقاعد.

-                  تعميم التعويض عن فقدان الشغل لفائدة الأشخاص الذين يتوفرون على شغل قار.

كما ستعمل الدولة من أجل تعميم الحماية الاجتماعية على الإصلاح التدريجي لنظام المقاصة وتفعيل السجل الاجتماعي الموحد، وإصلاح المنظومة الوطنية وتأهيلها، وتنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية. وسيتم تنزيل هذا الإصلاح داخل أجل خمس سنوات، حيث سيعمم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و 2022، وتعمم التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و 2024، ويوسع الانخراط في أنظمة التقاعد وتعمم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل في سنة 2025[9].

 وهو ما تم في 14 أبريل من سنة 2021حيث تم  تنزيل  مشروع الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات الأولى المتعلقة بالمشروع، وسوف يستفيد من هذا المشروع في المرحلة الأولى الفلاحون وحرفي ومهني الصناعة التقليدية والتجار، والمهنيون ومقدمي الخدمات المستقلة الخاضعين لنظام المساهمة الموحدة أو لنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة. كما يشمل الورش فئة ثانية وذلك في أفق تعميم الحماية الاجتماعية لجميع المغاربة .

فهذا المشروع الاجتماعي ويشكل ثورة حقيقية لما له من آثار مباشرة و ملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين و صيانة كرامة جميع المغاربة، و كذا تحصين الفئات الهشة، نظرا لما أصبح يعرفه العالم من تقلبات اقتصادية و مخاطر صحية.

ولقد تم توقيع ثلاث اتفاقيات إطار تهم التعميم الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئة المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاط خاص،  وتتعلق هذه الاتفاقيات ب:

·               اتفاقية إطار الأولى تتعلق بتأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة التجار والحرفيين والمهنيين ومقدمي الخدمات المستقلة الخاضعين لنظام المساهمة المهنية الموحدة أو لنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة ، ويضم ما يفوق 800  منخرط.

·               الاتفاقية الإطار الثانية تخص التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة الحرفيين ومهني الصناعة التقليدية الذين يصل عددهم إلى حوالي  500.000  منخرط.

·               أما الاتفاقية الإطار الثالثة تتعلق بتعميم الإجباري الأساس عن المرض لفائدة الفلاحين و الذين يصل عددهم حوالي 600.000 مليون  منخرط.

وتأسيا على ما سبق فان من بين الأهداف المسطر التي يسعى قانون إطار لتحقيقها  نجد؛ التقليص من الفقر ومحاربة الهشاشة، وكذا دعم القدرة الشرائية للأسر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والنهوض بالرأسمال البشري.

النقطة الخامسة: التوجهات المستقبلية بشأن تمويل مشروع الحماية الاجتماعية

وفيما يخص آليات التمويل، نص مشروع القانون الإطار على آلية قائمة على الاشتراك بالنسبة للأشخاص القادرين على المساهمة في تمويل هذه الحماية الاجتماعية، وآلية أخرى قائمة على التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك.

وسيتم توفير الموارد المالية للآلية التضامن من المخصصات المالية من ميزانية الدولة، والعائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية، و الموارد المتأتية من إصلاح نظام المقاصة، والهبات و الوصايا. هو ما نجده منصوص عليه في المادة 11 من قانون 09.21 حيث أن تعميم الحماية الاجتماعية يقوم على آليتين للتمويل:

1-       آلية قائمة على الاشتراك بالنسبة للأشخاص القادرين على المساهمة في تمويل هذه الحماية الاجتماعية؛

2-       آلية قائمة على التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك؛

حيث نجد الآلية الأول القائمة على الاشتراك ترتكز على الأداء المسبق لمبالغ الاشتراك من طرف الأشخاص المؤمنين أو عن طريق الغير لحسابهم الخاص.

ويتم تمويل الحماية الاجتماعية في إطار هذه الآلية إما عن طريق الاشتراكات المستحقة تطبيقا للنصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل، و إما عن طريق الواجبات التكميلية التي تفرضها الدولة على بعض الفئات المهنية في إطار نظام المساهمة المهنية الموحدة قصد أداء الاشتراكات الاجتماعية.

و بالنسبة لآلية التمويل الثانية القائمة على التضامن  المنصوص عليها في المادة 11 أعلاه، تخول حق الاستفادة من خدمات الحماية الاجتماعية المتعلقة بالتأمين الإجباري عن المرض و من التعويضات المخصصة للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة أو من التعويضات الجزافية؛ وترتكز هذه الآلية على الأداء المسبق للاشتراكات من طرف الدولة لفائدة الأشخاص المعنيين، وذلك من خلال الموارد التالية:

·               المخصصات المالية من ميزانية الدولة.

·               العائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية.

·               الموارد المتأتية من إصلاح نظام المقاصة.

·               الهبات والوصايا.

·               جميع الموارد الأخرى التي يمكن أن ترصد بموجب نصوص تشريعية أو تنظيمية خاصة.

فمن البديهي أن مساهمات الأفراد و المشغلين تبقى غير كافية لوحدها لتوسيع الحماية الاجتماعية لتشمل، في شكل مساعدات اجتماعية لجميع الفئات الفقيرة والهشة من السكان نتيجة لوضعيتهم المادية(الهشاشة الاقتصادية) أو أوضاعهم الاجتماعية(المهاجرون، اللاجئون، الأشخاص بدون مأوى، الأشخاص المتخلى عنهم، الأشخاص في نزاع مع القانون...) أو خصائصهم الديمغرافية (كبار السن، أطفال، النوع الاجتماعي...) أو احتياجاتهم الخاصة (الإعاقة).

لذلك فان التمويل عن طريق الميزانية العامة، أي من خلال مداخل الضرائب (وكذلك من خلال إمكانية إحداث مداخيل شبه ضريبية خصيصا لهذا الغرض)، يمثل الرافعة المناسبة لتمويل المساعدة الاجتماعية التي تبقى في نهاية المطاف من مسؤولية الدولة. ومن المؤكد أن العبء الضريبي الإضافي الذي تتطلبه هذه الغاية يبقى رهينا بحالة التوازنات الماكرو-اقتصادية، ولكنه في نفس الوقت مرتبط بالخيارات السياسية للدولة ولتصورها لنموذجها التنموي.[10]

النقطة السادسة: آلية تدبير منظومة الحماية الاجتماعية بطريقة متكاملة ومتناسقة وفعالة و مسؤولة؟

تجمع مختلف التشخيصات التي تم انجازها في الآونة الأخيرة على أن السلطات العمومية بذلت جهودا مهمة من أجل مكافحة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، مكنت بشكل تدريجي من إرساء منظومة متنوعة للحماية الاجتماعية تغطي غالبية المخاطر الاقتصادية والاجتماعية.

وهو ما أكدته  المادة 15 من قانون المتعلقة بالحماية الاجتماعية '' تسهر السلطات العمومية على اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع إطار للحكامة يمكن من ضمان التقائية مختلف أنظمة الحماية الاجتماعية، لاسيما من خلال اعتماد هيئة موحدة لتدبير هذه الأنظمة''.

وكذلك نجد المادة 16 من نفس القانون  تنص على ما يلي: "من أجل ضمان تكامل و تناسق الإجراءات المتخذة لإصلاح الحماية الاجتماعية، تعمل الحكومة على إحداث آلية للقيادة تسهر، بصفة خاصة على تتبع تنفيذ هذا الإصلاح وتنسيق تدخلات مختلف الأطراف المعنية".

فكما هو معلوم فان نظام الحماية الاجتماعية يتسم بالتشتت المفرط، لهذا يجب أن تكون هناك رؤية شاملة وموحدة تتضمن أهداف وأولويات واضحة، وتوزيع للأدوار و المسؤوليات بين المتدخلين.

 بالإضافة إلى تقوية التناسق بين مختلف المتدخلين ، مع العمل على إقامة منظومة مندمجة للتتبع و التقييم المستمر. وكذا إقامة سجل اجتماعي موحد كفيل بملاءمة آليات وطرق الاستهداف من أجل ضمان استفادة المستحقين الذين وضعت هذه البرامج لفائدتهم.

إن الحكومة قامت بوضع آلية استهداف فعالة لتحسين نجاعة برامج الحماية الاجتماعية وترشيد استغلال الموارد و الإمكانات المعبأة لهذا الغرض. ويهدف هذا المشروع الذي يمتد على مدى خمس سنوات(2017-2021) إلى تحقيق ما يلي:

§               إحداث السجل الوطني للسكان الذي يغطي جميع المواطنيين المغاربة من جميع الأعمار، وكذلك الأجانب الموجودين في وضعية نظامية، مع رقم تعريف خاص بكل فرد. وسيستند تطوير هذا السجل الوطني على السجلات الإدارية المتوفرة حاليا، ولاسيما سجل الحالة المدنية وسجل البطاقة الوطنية البيومترية والسجل الخاص بالأجانب المقيمين بالمغرب.

§               إحداث سجل اجتماعي موحد يتضمن معلومات عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية للأفراد والأسر، وهو ما سيمكن من تحديد الفئات الأكثر هشاشة المستوفية للشروط المطلوبة لاستحقاق الإعانات الاجتماعية. كما أن هذا السجل سيساعد الحكومة على وضع برامج متناسقة ومتكاملة للدعم الاجتماعي تستجيب لاحتياجات الفئات المستهدفة، إضافة إلى تمكينها من تجويد حكامة هذه البرامج والتقليص من أخطاء الإقصاء والإدماج، والحد من ممارسات الغش والاحتيال وخلق الشروط المثلى لتقليص آجال وكلفة التنفيذ. وستتولى إدارة السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، ضمان الاستخدام الأمثل للمعلومات المتضمنة فيهما، وكالة وطنية للسجلات[11].

خاتمة:

و في خلاصة القول، إن إرساء نظام جديد للحماية الاجتماعية بدل شبكات الأمان الحالية، التي تتميز بتعددها وارتفاع كلفتها ومحدودية فعاليتها، يشكل دعامة أساسية لا محيد عنها في بناء نموذج تنموي جديد ضامن للتماسك الاجتماعي وقادر على إدماج جميع الشرائح الاجتماعية في عملية خلق واقتسام الثروة.

ويبقى التحدي الرئيسي أمام هذا الورش، هو توسيع نطاق التغطية الاجتماعية لتشمل جميع الشرائح الاجتماعية، والوقاية من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية الآنية والمستقبلية لمجتمع مغربي يمر بمرحلة انتقالية، إضافة إلى تحسين الخدمات الاجتماعية الموجهة للأسر الفقيرة والهشة.

ومن المهم أيضا إرساء فروع جديدة للضمان الاجتماعي تتضمن خدمات جديدة لتمكن الأفراد من مواجهة مخاطر كبرى غير مشمولة بالضمان الاجتماعي بشكل كاف أو غير مشمولة به إطلاقا؛ حوادث الشغل و الأمراض المهنية، وفقدان الشغل و البطالة، و الأطفال و المسنون بدن دخل، و وضعية الإعاقة. إن وضعية المغرب في ما يتعلق بهذه المخاطر مثيرة للقلق. ففي غياب تغطية هذه المخاطر، لا تملك المملكة حتى اليوم أرضية للحماية الاجتماعية، التي يدعو إليها المجتمع الدوالي.

لائحة المراجع المعتمدة:

ü        ظهير شريف رقم 1.21.30 صادر في 9 شعبان 1442( 23 مارس 2021) بتنفيذ القانون- الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية.

ü        تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي في سنة 2018، الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال، الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان و المساعدة الاجتماعية،

ü        المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية ، تحت شعار ''جميعا من أجل منظومة مندمجة و مستدامة للحماية الاجتماعية''، المجرات بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصخيرات يومي 12 و 13 نونبر 2018.

ü              أسس الحماية الاجتماعية، مقال منشور بتاريخ 8 أكتوبر 2019، على الرابط التالي:   www.droitetentreprise.com.

ü        ورش اصلاح منظومة الحماية بالمغرب، منشور في موقع هسبريس في 14 فيراير 2021 ، على الرابط التاليhttps://www-hespress-com.cdn.ampproject.org/v/s/www.hespress.com



[1]  - المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية ، تحت شعار ''جميعا من أجل منظومة مندمجة و مستدامة للحماية الاجتماعية''، المجرات بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصخيرات يومي 12 و 13 نونبر 2018.

[2] - ظهير شريف رقم 1.21.30 صادر في 9 شعبان 1442( 23 مارس 2021) بتنفيذ القانون- الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية.

[3] - أسس الحماية الاجتماعية، مقال منشور بتاريخ 8 أكتوبر 2019، على الرابط التالي:   www.droitetentreprise.com 

[4] - تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي في سنة 2018، الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال، الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية، ص 13 و 14.

[5] - المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية ، تحت شعار ''جميعا من أجل منظومة مندمجة و مستدامة للحماية الاجتماعية''، المجرات بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصخيرات يومي 12 و 13 نونبر 2018.

[6] - تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي في سنة 2018، الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال، الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان و المساعدة الاجتماعية، ص 34 و 35.

[7] - المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية ، تحت شعار ''جميعا من أجل منظومة مندمجة و مستدامة للحماية الاجتماعية''، المجرات بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصخيرات يومي 12 و 13 نونبر 2018.

[8] - مقتطف من دباجة قانون –اطار رقم 09.21 الصادر في الجريدة الرسمية في 5 أبريل 2021.

[9] -  ورش إصلاح نظام الحماية الاجتماعية بالمغرب، منشور في موقع هسبريس في 14 فيراير 2021 ، على الرابط التاليhttps://www-hespress-com.cdn.ampproject.org/v/s/www.hespress.com

[10]- لمناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية ، تحت شعار ''جميعا من أجل منظومة مندمجة و مستدامة للحماية الاجتماعية''، المجرات بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصخيرات يومي 12 و 13 نونبر 2018.

[11] - المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية ، تحت شعار ''جميعا من أجل منظومة مندمجة و مستدامة للحماية الاجتماعية''، المجرات بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصخيرات يومي 12 و 13 نونبر 2018.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات