آخر الأخبار

Advertisement

مراقبة الدولة على ميزانية الجماعات الترابية –أية علاقة - الدكتور نورالدين السعداني- مجلة الباحث - العدد 40 - منشورات موقع الباحث


 مراقبة الدولة على ميزانية الجماعات الترابية –أية علاقة - الدكتور نورالدين السعداني- مجلة الباحث - العدد 40 - منشورات موقع الباحث


رابط تحميل العدد الذي يشمل المقال بصيغة pdf أذناه:


https://www.allbahit.com/2022/03/40-2022-26.html





الدكتور نورالدين السعداني

      دكتور في الحقوق - باحث في القانون العام

  المغرب

مراقبة الدولة على ميزانية الجماعات الترابية –أية علاقة-

Central control over the budget of the territorial collectivities

  مقدمة:

 إذا كانت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية والمراسيم التطبيقية لها، قد استبدلت عبارة المصادقة بمفهوم التأشيرة، فإن المدلولات بقيت متقاربة إلى حد التطابق في غالب الأحيان، وبالتالي تكريس الهيمنة المركزية على عمليات تدبير الميزانية الترابية في جميع مراحلها، سواء القبلية أو المواكبة أو البعدية.

وذلك من خلال العمل الرقابي الذي تمارسه السلطات المركزية على الجماعات الترابية بالمغرب وفق القوانين التنظيمية والمراسيم التطبيقية لهذه القوانين، والذي يعتبر بمثابة آلية لتوجيه ومراقبة النشاط المالي بشكل عام ولتنفيذ الميزانية الترابية بشكل خاص. ويعتبر حضور هذه السلطات المكلفة بمراقبة مالية الجماعات الترابية إحدى أوجه التدخل المركزي في عملية التدبير المالي الترابي، وذلك من خلال مجموعة من المحددات القانونية التي تعمل على توجيه الشؤون العامة والإختيارات التنموية للمجالس التداولية. ونحن نحاول من خلال هذه الورقة إبراز هذه العلاقة بين الدولة والجماعة الترابية منطلقين من سؤال مركزي، هل هي علاقة هيمنة أم علاقة تكامل وتعاون في إطار إحترام القانون؟

ومن خلال القراءة المتأنية لمختلف النصوص القانونية سواء في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية أو المراسيم التطبيقية لها يظهر لنا حضور السلطة المركزية متمثلة في وزارة الداخلية ووزارة المالية، على مجموعة من المراحل التي تهم تدبير ميزانيات الجماعات الترابية، ومن أجل الإحاطة بهذه العلاقة في جميع جوانبها سوف نعمل على التطرق لها من خلال أربعة نقط أساسية كما يلي:

أولا: الرقابة القبلية

ويقصد بها تلك الآليات الممنوحة لسلطات خولها القانون صلاحية إجراء نوع من الرقابة على النشاط المالي الترابي قبل إتخاذ القرار، وهي بذلك تمثل نوع من أنواع رقابة المشروعية والملائمة على النشاط المالي[1]، وإذا كانت هذه الرقابة تعتبر إستثنائية بطبيعتها مقارنة مع مبدأ الاستقلال الإداري للهيئات اللامركزية، فإن الرقابة السابقة على إتخاذ القرار تعتبر في واقع الأمر من أكثر الآليات إعاقة لهذه الإستقلالية خاصة في مجال النشاط المالي الترابي، في  مختلف مراحله. وإذا كان الإستقلال المالي للجماعات الترابية يعتبر أساس النظام اللامركزي ذاته وأحد أهم مبادئه، فإن الدراسة المتأنية لواقع الرقابة القبلية على الميزانية تبين بجلاء أن التدخل الرقابي يبدأ حتى قبل إعداد هذه الميزانية[2].

ويتم ذلك في غالب الأحيان عن طريق الدوريات الصادرة عن السلطة المركزية من أجل توجيه الجماعات الترابية أثناء إعداد الميزانيات الخاصة بها وهو ما يعتبر تناقض مع مبدأ الإستقلال المالي للجماعات الترابية وحد لحريتها في التدبير المالي الترابي، ومن أمثلة ذلك الدورية الصادرة عن وزير الداخلية إلى ولاة وعمال عمالات وأقاليم المملكة ورؤساء مجالس الجماعات الترابية والتي تعتبر توجيها لميزانيات هذه الجماعات الترابية، وبقراءتنا لآخر دورية صادرة سنة 2019، تبين لنا حجم الهيمنة المركزية على النشاط المالي الترابي، حيث تم وضع مجموعة من النقط التي يتوجب على كل جماعة ترابية الإلتزام بها وهو ما نستخلص منه تضييق لحرية هذه الأخيرة في إختيار التوجه والرؤية التي تتناسب مع الخصوصيات المحلية وبالتالي تبقى هذه الميزانيات الترابية منفذة لتوجهات السلطة دون منح هامش من الحرية للجماعات الترابية وتكريس تبعيتها للمركز، بل الأكثر من ذلك فإن هذه الدوريات تعتبر بمثابة شرط أساسي تضعه السلطة  المركزية للجماعة الترابية وذلك من أجل التأشير على ميزانياتها هذا بالإضافة إلى وضع ضوابط تتعلق بتقدير المداخيل والنفقات والتي يتوجب على الجماعة الترابية الإلتزام بها[3]. وهو ما يجعل سلطات المراقبة تتدخل فعليا في وضع وصياغة ميزانيات الجماعات الترابية وذلك عن طريق آلية الدوريات الصادرة عن وزير الداخلية.

وحتى إن لم تتضمن النصوص القانونية والتنظيمية أية مقتضيات تسمح بهذا التدخل، إلا أن الواقع يجعله ذا تأثير فعلي على اعتبار أن عدم إمتثال الجماعات الترابية لهذه التوجيهات يؤدي في غالب الأحيان الى رفض التأشير على الميزانية نظرا لغياب تحديد واضح لمضامين الرقابة وحدودها. وهو ما يؤثر بشكل سلبي على المدلول الحقيقي للإستقلال المالي للجماعات الترابية.[4]

وبالرجوع إلى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أن سلطة التأشير جعلها القانون بيد وزارة الداخلية حصريا خلافا للنصوص القانونية السابقة، وذلك وفق ضوابط هي الأخرى تثير إشكالات فيما يتعلق بالإستقلال المالي الترابي.

فبالنسبة للجهات نجد ان هذه التأشيرة تمارسها السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وذلك وفق المادة 202 من القانون التنظيمي رقم 111.14، ويتم ذلك في تاريخ أقصاه 20 نونبر، وتصبح الميزانية قابلة للتنفيذ بعد التأشير عليها بعد مراقبة احترام أحكام القانون التنظيمي والقوانين الجاري بها العمل، واحترام توازن الميزانية على أساس صدقية تقديرات المداخيل والنفقات وتسجيل النفقات الإجبارية، وتؤشر السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية على ميزانية الجهة داخل أجل عشرين يوما من تاريخ التوصل بها[5].

أما بالنسبة للعمالات والأقاليم فيتم التأشير من طرف عامل العمالية أو الإقليم، وفق نفس الاجراءات ويتم التأكد من نفس النقط الواجب إحترامها في إعداد الميزانية والمتعلقة بإحترام القانون التنظيمي والقوانين الجاري بها العمل وكذلك احترام توازن الميزانية وصدقية التقديرات والمداخيل والنفقات وتسجيل النفقات الإجبارية، إلا أن الإختلاف الوحيد الملاحظ هنا، يتعلق بالأجل حيث أن المادة 202 من القانون التنظيمي رقم 111.14 الخاص بالجهات قيدت السلطة المركزية من أجل التأشير داخل أجل عشرين يوم، في حين أن مقتضيات القوانين التنظيمية للعمالات والأقاليم والجماعات لم تتطرق الى هذا الأجل وهي بذلك لم تقيد سلطة الوصاية فيما يتعلق بالمدة الزمنية المحددة من أجل التأشير على الميزانية، وهو ما قد تنتج عنه آثار سلبية نتيجة تأخر السلطة المكلفة بالتأشير، مما يعرقل مسار التنمية الترابية، ويحد من إستقلال ميزانية الجماعة الترابية ويجعل مصيرها مرتبط بقبول التأشير من طرف السلطة المركزية[6].

هذا بالإضافة إلى أنه رغم محاولة المشرع المغربي تنظيم  الرفض من طرف السلطة المركزية وتقييده بآجال، حيث نجده في المادة 204 من القانون التنظيمي رقم 111.14 الخاص بالجهات يؤكد على أنه إذا رفضت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية التأشير على الميزانية لأي سبب من الأسباب المتعلقة بعدم احترام مقتضيات القوانين التنظيمية والقوانين والأنظمة الجاري بها العمل أو عدم توازن الميزانية على أساس صدقية تقديرات المداخيل والنفقات أو فيما يتعلق بعدم احترام تسجيل النفقات الاجبارية، تقوم السلطة المكلفة بالتأشير بتبليغ رئيس المجلس بأسباب رفض التأشير داخل أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما إبتداءا من تاريخ توصلها بالميزانية، ويقوم رئيس المجلس في هذه الحالة بتعديل الميزانية وعرضها على المجلس للتصويت عليها داخل أجل عشر أيام ابتداءا من تاريخ التوصل بأسباب رفض التأشير ويتعين عليه عرضها من جديد للتأشير عليها قبل 20 دجنبر، وفي هذه الحالة تؤشر السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية على الميزانية في تاريخ أقصاه ثلاثين دجنبر.

أما إذا لم يتم عرض الميزانية على التأشيرة داخل هذه الآجال، أمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بعد طلب إستفسارات من رئيس المجلس، أن تقوم قبل فاتح يناير بوضع ميزانية للتسيير للجهة على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها مع مراعاة تطور تكاليف وموارد الجهة مع ضرورة أداء الأقساط السنوية للإقتراضات، وهنا نلاحظ تدخل السلطة المركزية في توجيه الميزانية وفرض طريقة تدبيرها للمداخيل والنفقات وهو بالتالي ضرب في مبدأ الاستقلال المالي وفي حرية الجهة والجماعات الترابية في اختيار الطريقة التي تتناسب والخصوصيات المحلية وبالتالي تدبير ميزانيتها على هذا الأساس. وهو نفس الشيء الملاحظ فيما يتعلق بميزانيات العمالات والأقاليم والجماعات حيث أنه بالرجوع إلى مقتضيات النصوص القانونية المنظمة للتأشير نجد أنه في حالة رفض عامل العمالة أو الإقليم التأشير، حدد المشرع آجال من أجل تبليغ رئيس المجلس سواء بالنسبة للعمالات أو الأقاليم أو الجماعات وذلك خلال خمسة عشر يوما إبتداءا من تاريخ توصله بالميزانية لكي يقوم رئيس المجلس بتعديلها وعرضها للتصويت داخل اجل عشر أيام إبتداءا من تاريخ التوصل بأسباب رفض التأشير، ووفق نفس الإجراءات الخاصة بالجهات فإنه بالنسبة للعمالات والأقاليم والجماعات في حالة التأشير على الميزانية يمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بعد طلب استفسارات من رئيس  المجلس أن تقوم قبل فاتح يناير بوضع ميزانية للتسيير تراعي فيها موارد وتكاليف سواء تعلق الامر بالعمالات أو الأقاليم أو الجماعات مع ضرورة أداء الأقساط السنوية للإقتراضات.[7]

إلا أن ما يثير الإنتباه عند قراءة هذه النصوص القانونية المنظمة للتأشير الخاص بميزانية الجماعات الترابية هو في حالة إستمرار تشبت الجماعة الترابية بتقديراتها وبتوجهاتها الخاصة، وهو ما سينتج عنه خلل لم يتم التطرق له في القوانين التنظيمية، مما يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي إستمرار العمل بميزانية التسيير وهو ما يعني ضياع مجموعة من المشاريع التنموية المبرمجة وبالتالي عرقلة مسار التنمية الترابية نتيجة التحكم والهيمنة المفرطة للسطات المركزية.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن إعداد ميزانية الجماعات الترابية يرتكز كذلك على البرمجة الممتدة على ثلاث سنوات والتي يجب أن ترفق عن طريق بيان الى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بالنسبة للجهات (المادة 203 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات)، وإلى عامل العمالة أو الإقليم بالنسبة للعمالات والأقاليم والجماعات، (المواد 181 من القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم، والمادة 190 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات)، هذا بالإضافة إلى القوائم المحاسبية والمالية، وهو مقتضى يكرس النهج السابق في تعامل السلطة المركزية بناءا على المادة 14 من قانون التنظيم المالي المحلي رقم 45.08، والتي نصت على أنه تتم برمجة الميزانية على أساس ثلاث سنوات ويتم تحديد كيفية إعداد هذه البرمجة بقرار مشترك لوزير الداخلية والوزير المكلف بالمالية[8] والإختلاف الذي جاء به القانون التنظيمي هو تعويض القرار المشترك بمرسوم يتخذ بإقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وهو تكريس في نهاية المطاف لهيمنة السلطة المركزية.

وهكذا يتبين حجم الهيمنة المركزية على مرحلة إعداد الميزانية سواء من حيث التوجيهات الصادرة عبر دوريات وزير الداخلية والتي تعتبر تدخل فعلي كما رأينا في إعداد الميزانية وتغليب الرؤية المركزية مقابل تغييب رؤية مجالس الجماعات الترابية، ثمالبرمجة المتعددة السنوات، والتأشيرة التي تعتبر آلية قوية في يد السلطة المركزية لفرض هيمنتها على عمليات إعداد الميزانية وتعديلها وفق المنظور المركزي قبل الشروع في تنفيذها وهو ما يعتبر تناقض مع مبادئ الإستقلال المالي الترابي، وتضييق لحرية الجماعة الترابية هذا فضلا عن الرقابة المواكبة واللاحقة التي تتولاها السلطة المركزية وكذا المفتشيات العامة للإدارة الترابية والمالية.

ثانيا: الرقابة المواكبة

بالاضافة إلى الرقابة السابقة التي تهدف إلى التحكم في القرار المالي كما رأينا، تمارس كذلك رقابة مواكبة أو آنية، حيث تواكب عملية تنفيذ القرار والتأكد من احترام عملية تنفيذه.

ولعل أهم المبادئ التي تنبني عليها هذه الرقابة، أنها تؤسس على أركان محاسبية، ذلك لأنها ذات طبيعة محاسبية، وتقوم بتتبع تنفيذ الميزانية، وتسعى كذلك لدرء الأخطاء ومخالفة القواعد والحيلولة دون خرق القوانين المنظمة لتنفيذ ميزانية الجماعة الترابية.

كما تتضمن هذه المراقبة عمليات تنفيذ المداخيل والنفقات عبر القواعد والمقتضيات القانونية المنظمة لعملية تنفيذ الميزانية وذلك وفق التحقق من تطبيق القانون[9].

وعلى العموم يمكن تقسيم ذه المراقبة إلى نوعين من المراقبة على الشكل التالي:

أ: المراقبة على تحصيل المداخيل

بالرجوع إلى المراسيم التطبيقية الخاصة بالقوانين التنظيمية نجد ان العمليات المالية المتعلقة بتنفيذ الميزانية يتولاها الآمر بالصرف حيث يتولى قبض المداخيل وصرف النفقات[10].

ويتولى المحاسب العمومي للجماعات الترابية، التنفيذ التقني أو المحاسبي لميزانية الجماعات الترابية، ومن هذا المنطلق يحرص على مراقبة صحة المداخيل وسلامتها وعلى احترام النظم والقواعد المحددة، ويتم ذلك وفق الشكليات التالية[11]:

-        رقابة عامة على المداخيل، وتتعلق بالأساس بضرورة التأكد من قانونية عملية المداخيل ومن مطابقتها للمقتضيات المنظمة للجبايات الجماعات الترابية، وكذا على الطابع السنوي لهذه المداخيل (تحتسب على أساس سنوي تماشيا مع مضامين الميزانية)، كما تطال أيضا إصدار أمر بالتحصيل وفق القواعد والشكليات المحددة تنظيميا سواء فيما يتعلق بسند التحصيل في حد ذاته أو فيما يخص مضامينه وقواعد إعداده.

-        رقابة قانونية على المداخيل، وهنا لا يجوز إصدار سند للمداخيل أو إعتماده أو تحمله أو الشروع في تحصيله، إلا إذا كان قانونيا، محددا في القرار الجبائي للجماعات الترابية المعنية ومقيدا في الميزانية ومتضمنا للبيانات والمعطيات التي تقرها القواعد التنظيمية ذات الطابع الشكلي أو التقني.

-        الرقابة على شكل ومضمون سند التحصيل، وتعتبر هذه العملية ذات طابع تقني ومحاسبي حيث يتم التأكد من مدى صحة قواعد تصفية المداخيل وطرق احتساب مبالغها كما يقوم بمراقبة اصدار سندات المداخيل (أوامر التحصيل)، وفق ما هو منصوص عليه تنظيميا.

وبالتالي فإن المراقبة المواكبة التي يجريها المحاسب العمومي على عمليات المداخيل تهدف بالأساس إلى ضمان إحترام القوانين والقواعد والنماذج المنظمة لهذه الموارد.

  ب: الرقابة على صحة الالتزام بالنفقات

ومما ينبغي الاشارة اليه في هذا الصدد هو أن المراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية فصلت في هذا الأمر، سواء بالنسبة للجهات أو العمالات والأقاليم أو الجهات.

وبصفة عامة فإن هذه المراسيم التطبيقية ميزت بين مرحلتين لخضوع النفقات الخاصة بالجماعات الترابية للمراقبة، بين المراقبة المسبقة في مرحلة الإلتزام، ومراقبة صحة النفقة في مرحلة الأداء[12].

·       مراقبة مسبقة في مرحلة الالتزام:

وهي تكون قبل قيام الجماعة الترابية المعنية بالشروع في إجراءات تنفيذ الميزانية في جانب النفقات[13].

ومما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن المرسوم التطبيقي للجماعات رقم 2.17.451 الصادر في 4 ربيع الأول الموافق (23 نوفمبر 2017)، بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات، قد أكد على ضرورة التخفيف من هذه المراقبة عن طريق ما يسمى "بالمراقبة التراتبية" وذلك في مادته 55، وذلك وفق شروط حددها الباب الثالث من هذا المرسوم، ويقصد بالمراقبة التراتبية للنفقة، المراقبة المخففة على نفقات الجماعة ومؤسسات التعاون بين الجماعات التي يجب أن تتوفر على نظام مراقبة داخلية تمكنها من التأكد، من بين عمليات المراقبة المسندة إليها وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل ما يلي:

·       في مرحلة الالتزام

-        النظر في مشروعية الإلتزام بالنفقة وفق الاحكام التشريعية والتنظيمية

-        التأكد من مجموع النفقة التي تلتزم بها الجماعة طيلة سنة الإدراج

-        كذلك من إنعكاس الإلتزام على إستعمال مجموع الإعتمادات برسم السنة الجارية والسنوات اللاحقة.

·       في مرحلة الأمر بالصرف

-        توفر الإعتمادات

-        وجود التأشيرة القبلية للإلتزام حينما تكون هذه التأشيرة مطلوبة

-        من عدم الأداء المكرر لنفس الدين[14]

وعلى العموم تخضع العمليات المالية المتعلقة بتنفيذ نفقات الجماعات الترابية بشكل عام سواء تعلق الأمر بالجهة أو العمالة أو الإقليم أو الجماعة إلى مراقبة قبلية للتنفيذ الفعلي للنفقة، وذلك عبر التأكد من إحترام العناصر المحددة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل[15].

·       مراقبة صحة النفقة في مرحلة الأداء

وتفرض هذه المراقبة نتيجة تنامي النفقات الترابية مقابل الإستقرار النسبي للمداخيل، زيادة على مظاهر تبذير المال العام الترابي الناتج عن سوء تدبير النفقات[16]، وبالرجوع إلى المراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أنها قد حددت مجموعة من المقتضيات فيما يتعلق بمراقبة صحة النفقة في مرحلة الأداء يمكن إجمالها فيما يلي:[17]

-        صحة حسابات التصفية

-        وجود الإشهاد المسبق على الإلتزام المالي

-        الصفة الإبرائية للتسديد

-        توقيع الآمر بالصرف المؤهل أو الشخص المفوض من لدنه

-        توفر إعتمادات الأداء

-        توفر الأموال

-        الإدلاء بالمستندات المثبتة المنصوص عليها في الأنشطة المعمول بها بما فيها المستندات المتضمنة للإشهاد على الخدمة المنجزة من طرف الآمر بالصرف المؤهل.

  ثالثا: الرقابة على إجراءات تنفيذ الميزانية

أثناء تنفيذ ميزانية الجماعات الترابية فإن هذه الأخيرة تخضع لرقابة من السلطات المركزية الهدف منها هو ضمان حسن تنفيذ الميزانية، حيث أنه بالرجوع إلى القوانين التنظيمية نجد أن المشرع أعطى لممثلي السلطة المركزية الولاة والعمال، حق التدخل في حالة إمتناع رئيس المجلس عن الأمر بصرف نفقة وجب تسديدها حيث يقوم ممثل السلطة المركزية بعد طلب استفسارات من الآمر بالصرف، بتوجيه إعذار إليه من أجل الأمر بصرف النفقة المعنية، وفي حالة عدم صرف هذه النفقة في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الإعذار وفي حالة إمتناع الآمر بالصرف فإن الأمر يحال إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية من أجل البث في وجود حالة الإمتناع، وفي حالة أن أقر الحكم القضائي الإستعجالي حالة الإمتناع، جاز لممثل السلطة المركزية (الوالي بالنسبة للجهات، وعامل العمالة أو الإقليم بالنسبة للعمالات والأقاليم والجماعات)، الحلول محل الرئيس في القيام بالأعمال التي إمتنع الآمر بالصرف عن القيام بها.[18] وهو ما يعني قيام السلطة المركزية بممارسة الاختصاصات المسندة للجماعات الترابية بصفة قانونية، وهو ما يعتبر خرقا لمبدأ الاستقلال الإداري والمالي لهذه الوحدات الترابية، ولعل الغاية من إعطاء المشرع هذه الإمكانية هي إستمرار للرقابة السابقة التي رأينا كيف تهيمن بها السلطة المركزية على الميزانية المحلية عن طريق توجيهها عبر الدوريات الوزارية ثم التأشير كضمانة لتطبيق تلك التوجيهات، حيث أن السلطة المركزية لا تؤشر على الميزانية التي لا تنصاع لتلك التوجيهات، ثم بعد التأشير ومراقبة الأداء المتعلق كما رأينا بالمداخيل والنفقات، فإنه لضمان الهيمنة المركزية فإنه في حالة إمتناع الآمرين الصرف لمجالس الجماعات الترابية فإن السلطة المركزية تحل محل الجماعة الترابية وتتولى تنفيذ إختصاصاتها وهو ما يعتبر تكريس وإستمرار للهيمنة المركزية.

رابعا: الرقابة اللاحقة

وهي تهم مراجعة وفحص المعاملات الحسابية والمالية في الفترة اللاحقة لإتمام عملية التنفيذ، وتتم بالرجوع إلى فحص المستندات والسجلات المحاسبية الخاصة بصرف الأموال وتحصيلها للكشف عن المخالفات والجرائم المالية والأخطاء الفنية ومدى مطابقة هذا التصرف للإعتمادات المخصصة في جميع أوجه هذا التنصيص مع مراعاة التطبيقات الشرعية القانونية وغيرها من الإجراءات المقررة[19].

فالرقابة اللاحقة إذن هي مراجعة العمليات المالية التي تمت فعلا بالكشف عن ما حدث من أخطاء ومخالفات أثناء عملية التنفيذ المالي للميزانية، وتشمل كذلك هذه الرقابة فحص الحسابات في مجموعاتها وذلك بالرجوع الى المستندات المحاسبية الخاصة بصرف الأموال المعرضة للمخالفات والأخطاء التي وقعت بها من جهة التنفيذ ومدى مطابقة هذه التصرفات للوائح والنظم والقوانين الواجبة التنفيذ[20].

وبالرجوع إلى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أنها تنص على أن هذه الأخيرة تخضع لرقابة بعدية وذلك عن طريق المجالس الجهوية للحسابات. في حين تخضع العمليات المالية والمحاسبية للجماعات الترابية لتدقيق سنوي تنجزه إما المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو بشكل مشترك بين المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية أو من قبل هيئة للتدقيق يتم انتداب أحد أعضائها وتحدد صلاحيتها بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية، وينجز لهذه الغاية تقرير تبلغ نسخ منه إلى رئيس مجلس الجماعة الترابية سواء تعلق الأمر بالجهة أو العمالة والإقليم أو الجماعة، وكذا إلى المجلس الجهوي للحسابات المعني الذي يتخذ ما يراه مناسبا في ضوء خلاصات تقارير التحقيق[21]. وإذا كانت الرقابة اللاحقة من أهم المجالات الرقابية التي تتيح للهيئات المختصة بها مراقبة وتقييم وتحليل المعطيات المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومعالجة الإختلالات المرتبطة بها، فهذه الرقابة تطال في واقع الأمر مختلف الفاعلين المحليين والمتدخلين في النشاط المالي الترابي كما تطال مجالات تتعلق بالتدبير المالي الترابي.

وإذا كان الاتجاه نحو تقوية الرقابة اللاحقة يعتبر من أكثر المطالب إلحاحا سواء من قبل الباحثين والمتتبعين للشأن العام الترابي أو حتى من قبل المدبرين المحليين أنفسهم، فإن هذه المطالبات تقترن عادة بالتخفيف من حدة الرقابة السابقة أو القبلية والتقليص من حدتها ومن مجالات تدخلها.[22]

خاتمة:

 الممارسة الرقابية على ميزانية الجماعات الترابية يغلب عليها طابع الهيمنة المركزية بدءا من مرحلة إعداد ميزانية الجماعة الترابية وذلك عبر مجموعة من الآليات أبرزها توجيهات السلطة المركزية عبر الدوريات ثم التأشير الذي يعتبر إمتداد لهذه الهيمنة كما رأينا ثم أثناء تنفيذ الميزانية تحضر السلطة المركزية بقوة وفي حالة إمتناع الآمرين بالصرف عن القيام بالأعمال المنوطة بهم بعد استيفاء شروط التأشير وقبول تنفيد الميزانية، فإن السلطة المركزية تتدخل عبر آلية الحلول لتحل محل الآمر بالصرف، كل هذه الآليات إن دلت على شيء فهي تدل على الهيمنة المركزية وإفراغ مبدأ الاستقلال المالي للجماعات الترابية من محتواه وهو ما يشكل عائقا يحول دون تحقيق التنمية الترابية المنشودة ويؤثر بشكل كبير على تدبير الشأن العام الترابي ويكرس الرؤية والتوجه الذي كان سائدا قبل صدور دستور المملكة المغربية لسنة 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية.

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع:

عبد العالي الماكوري، محاضرات في الميزانية المحلية، ألقيت على طلبة سلك الاجازة تخصص القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ابن زهر، اكادير الموسم الجامعي 2010/2011.

بوجمعة العولي، الرقابة المالية وهاجس تحقيق التنمية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطلت، السنة الجامعية 2011/2012.

العرفي حسن، المبسط في شرح الميزانية الجماعية، دليل منشور في موقع الفضاء الجمعوي.

مكاوي نصير، تدبير مالية الجماعات المحلية، تدبير النفقات المحلية على ضوء القانون 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي لجماعات المحلية ومجموعاتها، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الاولى، 2011.



[1]- تعريف منشور في "دليل الرقابة النظامية المسبقة" منشورات المجموعة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية ARABOSAI، الجزء الأول

www.arabosai.org/ao.osp

[2]-بروحو عبد اللطيف، مرجع سابق. ص 53.

[3]- للاطلاع على تفاصيل دورية وزير الداخلية، انظر الدورية الوزارية رقم 27 الصادرة بشأن إعداد ميزانيات الجماعات الترابية لسنة 2019.

[4]- بروحو عبد اللطيف، نفس المرجع، ص 54-55

[5] - المادة 202 من القانون التنظيمي رقم 111,14 المتعلق بالجهات.

[6]- انظر، المواد التالية:

- المادة 202، من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات

- المادة 181، من القانون التنظيمي رقم 112.14، المتلق بالعمالات والأقاليم

- المادة 190، من القانون التنظيمي، رقم 113.14 المتعلق بالجماعات

[7]- انظر المواد التالية:

- المادة 204 منا لقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات

- المادة 182 من القانون التنظيمي رقم 11.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم

- المادة  191 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات

[8]- عبد العالي الماكوري، محاضرات في الميزانية المحلية، ألقيت على طلبة سلك الاجازة تخصص القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ابن زهر، اكادير الموسم الجامعي 2010/2011، غير منشور.

[9]- بوجمعة العولي، الرقابة المالية وهاجس تحقيق التنمية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطلت، السنة الجامعية 2011/2012، ص 32

[10]- للاطلاع على مزيد من التفاصيل انظر المراسيم التطبيقية الخاصة بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية.

[11]- بروحو عبد اللطيف، مرجع سابق، ص 86-87.

[12]- للاطلاع على التفاصيل انظر المراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة في 23 نوفمبر 2017، بشأن سن نظام للمحاسبة العمومية.

[13]- بوجمعة العولي، مرجع سابق، ص 35.

[14]- العرفي حسن، المبسط في شرح الميزانية الجماعية، دليل منشور في موقع الفضاء الجمعوي، ص 45-46

[15]- بروحو عبد اللطيف، نفس المرجع، ص 88

[16]- مكاوي نصير، تدبير مالية الجماعات المحلية، تدبير النفقات المحلية على ضوء القانون 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي لجماعات المحلية ومجموعاتها، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الاولى، 2011، ص 85

[17]- حسن العرفي، نفس المرجع، ص 42

[18]- للاطلاع على المزيد منا لتفاصيل، راجع مقتضيات تنفيذ الميزانية الواردة في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

[19] - بوجمعة العولي، مرجع سابق، ص 50.

[20]- بوجمعة العولي، مرجع سابق، ص 50

[21]- للتوسع في الموضوع انظر المواد التالية:

- المادى 248 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات

- المادة 205 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم

- المادة 214 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات

[22]- بروحو عبد اللطيف، مرجع سابق، ص 97


إرسال تعليق

0 تعليقات