آخر الأخبار

Advertisement

العقار والاستثمار - تقرير لأشغال ندوة وطنية شاركت فيها ثلاث كليات للحقوق، انجاز الباحثين عبد اللطيف الكرار ونزهة الكرار، منشورات موقع الباحث


 

   جـرد بأشغـال الندوة الـوطنية المنظمة عـن بعد، يـوم السبت بتاريـخ 26 مـارس 2022، في موضـوع "العقـار والاستثمـار"، المنعقدة بين جامعتين، جامعة ابن زهر وجامعة شعيب الدكالي، وبإسهام ثلاث كليات للحقوق " كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر أكادير، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر ايت ملول، و كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية شعيب الدكالي الجديدة"، وبين ثلاث مسالك الماستر "ماستر قانون العقار والتعمير أكادير، وماستر القانون المدني والمعاملات الإلكترونية الجديدة، وماستر قانون الأعمال و آليات تسوية المنازعات أيت ملول".

وفيما يلي برنامج الندوة:


كلمــــة افتتاحيـــــة للسيـــــد ممثل لجنة التنسيق

د. هشــام البخــــفاوي

أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ايت ملول - جامعة ابن زهر-

والمنسق البيداغوجي لماستر قانون الأعمال وآليات تسوية المنازعات

     إنه لمن دواعي سرورنا أن نلتقي في هذا المحفل العلمي الذي يضم لفيفا من الأساتذة الباحثين والمختصين لموضوع له راهنيته، ويشكل نقطة تحول أساسية في اقتصادية الدول في إطار العلاقة ما بين الاستثمار والعقار.

     ووعيا منا بأهمية الجامعة في التفاعل مع محيطها الخارجي والتأثير عليه من خلال آليات البحث والنقاش ومواكبة للمستجدات التشريعية والاقتصادية في بلدنا المغرب. ارتأت ثلاث خلايا بحث مبادرة في خلق ندوة وطنية ما بين ماستر قانون العقار والتعمير بكلية الحقوق ابن زهر أكادير، وماستر قانون الأعمال وآليات تسوية المنازعات بكلية الحقوق ابن زهر أيت ملول، وماستر القانون المدني والمعاملات الإلكترونية بكلية الحقوق الجديدة شعيب الدكالي، حول موضوع العقار والاستثمار، نظرا للدور الحيوي الذي يلعبه العقار في تحقيق التنمية المستدامة باعتبار العقار الأرضية الأساسية التي تنبني عليها السياسات العمومية للدولة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

     إذا كان تنوع الملكية العقارية بالمغرب بين الأملاك العمومية والأملاك المخزنية وأراضي الجيش وأملاك الجماعات الترابية وأراضي الجموع بالإضافة إلى أملاك الدولة الخاصة، فإن ذلك يشكل في بعض الأحيان عائقا أمام الاستثمار نظرا لهذا التنوع العقاري.

  

كلمــــة افتتاحيـــــة لعميـــد كليــــــة العلــــوم القانونيـــــة

و الاقتصاديــة و الاجتماعيــة ابـن زهر أيت ملول

السيــد رحيـــم الطــــور

 

     بعد الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ألقى السيد العميد تحية طيبة للحضور الكريم و السادة الأساتذة وعميدي الكليتين ابن زهر وشعيب الدكالي، ولكل زملائه            والمتابعين(...).

    ثم تقدم بالشكر الموصول لكل من سهر على تنظيم هذا اللقاء الذي اعتبره السيد العميد مبادرة نبيلة لكونه يؤسس للسنة، هذه السنة التي تتجلى في اجتماع أكثر من جامعة وأكثر من كلية لفسح المجال للمتدخلين لإبداء مداخلاتهم في موضوع العقار والاستثمار الذي هو موضوع جد هام، والذي يشكل موضوعا له راهنيته ويهم شريحة كبيرة من المجتمع على المستويين المحلي والوطني. وفي الأخير تقدم بالشكر للجنة الساهرة على تنظيم هذا اللقاء العلمي.

 

كلمــــة افتتاحيـــــة لعميـــد كليــــــة العلــــوم القانونيـــــة

و الاقتصاديــة و الاجتماعيــة ابـن زهر أكـادير

  السيــد محمـــــد بوعـزيــز 

       بعد الصلاة والسلام على أشرف المرسلين، تقدم السيد العميد بالشكر لكل الجهات المنظمة لهذه الندوة العلمية المعنونة بالعقار والاستثمار، ورحب بالعميدين والأستاذة حليمة بن حفو منظمة وصاحبة المبادرة في تنظيم الندوة، وكل من الأساتذة والممارسين و الباحثين الحاضرين في اللقاء، وكل طلبة الدكتوراه و الماستر المتابعين لأشغال الندوة مباشرة عبر المنصة الالكترونية...، ثم ألقى السيد العميد كلمته التالية:

      موضوع العقار والاستثمار موضوع ذو أهمية بالغة، فهو بشكل عام أساس كل المشاريع الاقتصادية أو الاجتماعية، مما يجعله عنصرا بالغ الأهمية في مجال النهوض بقطاع الاستثمار، إذ ينعكس بذلك مباشرة على التنمية المستدامة لمجموع التراب الوطني، كما أن التطورات الراهنة التي تعرفها المملكة والتحديات المستقبلية المرتبطة بالاستجابة للحاجيات المتزايدة، التي تفرضها التنمية وما يتبعها من مشاريع استثمارية ضخمة خاصة التزايد المستمر بالطلب على الأراضي، تقتضي نهج سياسة محكمة وتدبير عقلاني للعقار، وذلك لجعله رهن إشارة الاستثمار الوطني قبل الأجنبي بتوفير موارد عقارية مهمة كفيلة باستعجال النمو والانتشار اللامتوازن للساكنة، وكذا الزحف العمراني الكبير نحو البادية التي تزداد وتيرته يوما بعد آخر.

     ونظرا للتحولات التي يعرفها المجال الحضري بالمغرب، فقد اهتمت الإدارة المكلفة بالتعمير اهتماما بالغا بسياسة التعمير على صعيد العديد من مناطق التراب الوطني بهدف تنظيم وضبط هذا المجال. وبالتالي، أصبحت الدولة واعية أكثر من أي وقت مضى بنتائج و انعكاسات سياسة التعمير على حاضر و مستقبل البلاد، سواء على المستوى السياسي أو الإداري، الذي من شأنه أن يحفز أو يساعد على إرساء أسس عقلانية، تساهم في خلق وحدات متكاملة اقتصاديا و اجتماعيا و ديمغرافيا وإداريا، منسجمة فيما بينها، إلا أن نجاح سياسات التعمير و إنجاز الاستثمارات تظل رهينة بوضوح وشفافية السوق العقارية، كما ترتبط أيضا بالاختيارات البناءة في مجال التخطيط وبساطة المساطر الإدارية ووضوح الأنظمة العقارية، ألا أن الاستثمار يجب أن يشجع التلاحم و التضامن الاجتماعي، مع ضمان حق المردودية بالمستقبل.

     وفي نفس الصدد، فللعقار دور فعال وسط قاطرة منظومة التنمية بمختلف أنواعها و تجلياتها، على اعتبار أنه قاطرة جلب الاستثمار و محور جلب استراتيجي لكل القطاعات الحيوية التي تعد اليوم رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة بمختلف أبعادها، مما تجدر الإشارة إليه، أن القطاع العقاري هو المحرك الرئيسي لتشجيع الاستثمار المنتج والمدر للدخل الذي يوفر فرصا للشغل بشكل مباشر أو غير مباشر، كما أنه يعتبر محطة انطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفلاحية والسياحية والخدماتية وكذا الديمغرافية، فمن ناحية ينظم المجال العمراني من خلال خلق برامج ضخمة تولي عناية كبرى للاستجابة لطلبات التنمية وإنعاش استثمارها، ومن جهة أخرى أن العقار هو وسيلة الدولة بالدرجة الأولى في مجال التعمير والتخطيط العمراني، وهو آلية أساسية لضمان حق المواطن في السكن، و بالتالي فهو يساهم بدور فعال في تنفيذ السياسات العمومية الرامية إلى تحسين ظروف عيش المواطنين ومحاربة الفقر والإقصاء والتهميش و الأحياء الهامشية ودور الصفيح، كما يساهم في الحركة التنموية، وعلى ضوء التحولات الاقتصادية و الديمغرافية المتسارعة التي يعرفها المغرب.

 


كلمـــــة افتتاحيـــــة لنائبـــــة عميــد كليــــة العلــــوم القانونيــــة

و الاقتصاديــة و الاجتماعيــة شعيب الدكالــي الجديـدة

  السيــدة دنيـــا رابحـــي

 

      بدأت السيدة نائبة العميد كلمتها الافتتاحية بتقديم الشكر لعميدي كليتي ابن زهر السيدين رحيم الطور ومحمد بوعزيز، و لكل الحضور الكريم ولمتابعي أطوار الندوة، ثم اعتذرت عن عدم التحاق السيد العميد السعيد المسكيني بأشغال الندوة، و أشادت السيدة بالمبادرة الطيبة لإشراك ثلاث مؤسسات في هذا اللقاء العلمي، ثم ألقت الكلمة التالية:

    أصبح العقار اليوم يشكل رافدة من الروافد الأساسية للتنمية الشاملة، فالثروة العقارية أضحت تحتل مكانة بالغة في اقتصاديات كل دولة، كما انتقلت الملكية العقارية من وظيفتها التقليدية المتمثلة في تلبية الحاجيات الشخصية للأفراد إلى وظيفة استثمارية وتنموية، من تم أضحى أحد مقومات الاستثمار والنواة الأساسية الخاصة بإنتاج مختلف المشاريع على اختلاف أشكالها وأنواعها، وأيضا اللبنة الأساسية التي تنطلق منها مختلف المشاريع العمومية في مختلف القطاعات الاقتصادية.

     وقد جاءت في أحد الرسائل الملكية ويتعلق الأمر بالرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المنعقدة يومي 08 و 09 دجنبر 2015 بمدينة الصخيرات، ما يلي:

"يعتبر العقار عامل إنتاج استراتيجي ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها، ومن تم فالعقار هو الوعاء الرئيسي لتحفيز الاستثمار والمنتج المدر للدخل والموفر لفرص الشغل ولانطلاق المشاريع الاستثمارية بمختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياسية والخدماتية وغيرها، بالإضافة إلى ذلك، فهو محرك ضروري للاقتصاد الوطني لأنه يوفر الأرضية الأساسية لإقامة البنيات التحتية والتجهيزات العمومية، كما تنبني عليه سياسة الدولة في مجال التعمير والتخطيط العمراني، وهو الآلية الأساسية لضمان حق المواطنين في السكن. ونظرا لهذه الأهمية عمل المغرب على وضع مجموعة من الآليات القانونية والتنظيمية الكفيلة بحماية العقار وتحصينه من كل اعتداء أو استيلاء، وضمان استقراره و ثباته وتجويد المنظومة التشريعية العقارية بغية تحقيق الأمن العقاري، وذلك بسن قوانين جديدة و إدخال تعديلات على قوانين منظمة للعقار أو المرتبطة به، وذلك لجعل الترسانة القانونية المغربية تلائم تطور المجال العقاري والمعاملات المنصبة عليه، لكن بالرغم من ذلك فالمنظومة القانونية المغربية وإن كانت تهدف إلى ضبط المجال العقاري وتنظيم المعاملات المنصبة عليه، فإنها تتسم بالتشتت والتعدد إلى حد التضخم التشريعي، لأن الملكية العقارية تعرف تنوع الأنظمة العقارية مما قد يشكل عائقا لتحقيق الأمن العقاري".

 

بدايـــة أشغــــال النــــدوة:

      تم افتتاح أشغال الندوة من طرف الأستاذة "حليمة المغاري" المنسقة البيداغوجية لماستر القانون المدني والمعاملات الالكترونية بكلية الحقوق شعيب الدكالي، التي أعلنت عن برنامج الندوة ورحبت كما وعرفت بالمتدخلين وبمواضيع مداخلاتهم كما يلي:

المداخلة الأولى: دة. حليمة بن حفو، أستاذة باحثة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ ابن زهر أكاديرـ والمنسقة البيداغوجية لماستر قانون العقار و التعمير، وصاحبة فكرة ومنظمة الندوة، وموضوع مداخلتها هو "إدماج عقارات الأوقاف العامة في الاستثمار".

المداخلة الثانية: د. أحمد بن عبد السلام الساخي، مستشار بمحكمة الاستئناف بأكادير،      وموضوع مداخلته هو بعنوان "البعد الاستثماري في أملاك الجماعات السلالية".

المداخلة الثالثة: د. مصطفى بونجة، محامي مقبول للترافع لدى محكمة النقض بهيئة طنجة، وموضوعه تحت عنوان " العقار و الائتمان".

المداخلة الرابعة: د. هشام المراكشي، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ شعيب الدكالي الجديدة ـ والذي يشارك بموضوع تحت عنوان"نزع الملكية للمنفعة العامة بين حماية حق الملكية و تشجيع الاستثمار".

المداخلة الخامسة: د. محند الدرداوي، موثق بهيئة البيضاء، وممثل الهيئة الوطنية للموثقين، وموضوع مداخلته بعنوان "التحول الرقمي لمهنة التوثيق و آفاق التنمية الاقتصادية".

المداخلة السادسة: د. محمد سالم انجيه، عدل ورئيس المجلس الجهوي للعدول باستئنافية العيون، وستكون له مداخلة بعنوان" العقار و معيقات الإسهام في تنشيط الدورة الاقتصادية".

 

"إدمـاج عقـارات الأوقـاف العامـة في الاستثمـار"

                                                       دة. حليمــة بـن حفــو    

                                                        أستاذة باحثة بكلية العلوم القانونية              

                                                  والاقتصادية والاجتماعية- جامعة ابن زهر- أكاديـر

                                                         والمنسقة البيداغوجية لماستر قانون العقار والتعمير

 

     من المعلوم، أن الوقف يعتبر من التبرعات التي أقرتها الشريعة الإسلامية. ومن مميزاته أنه لا يؤدي إلى خروج الأموال الموقوفة من ملك الواقف، بل تبقى في ملكيته، ولكن يمنع عليه القيام بأي تصرف من شأنه أن يؤدي إلى انتقال الملكية.

     وغني عن البيان، أن الواقف لا يجوز له مبدئيا الرجوع في الوقف.

     والوقف من المؤسسات العريقة التي عرفها المغرب، ويعود تنظيمه لأول مرة بمقتضى نصوص قانونية إلى فترة الحماية. هذه النصوص التي ضلت سارية إلى غاية 2010، حيث سيتدخل المشرع المغربي لوضع ترسانة قانونية جديدة وجمعها في مدونة مع الإبقاء على الظهير المتعلق بالجزاء والاستئجار والجلسة والمفتاح والزينة، الذي كان قد صدر سنة 1914، وهذا الإبقاء هو مجرد إبقاء مؤقت، لكون المشرع أعطى فترة بينية انتقالية لتصفية هذه الحقوق.

     وللإشارة، إن ظهير 2010 المتعلق بمدونة الأوقاف خضع كذلك لتعديل سنة 2019. ولا بد من التذكير كذلك إلى النصوص التنظيمية التي حاولت تفسير وتوضيح كيفية تطبيق مدونة الأوقاف التي كانت قد صدرت سنة 2013 والمتعلقة بتطبيق المادتين 61 و 115، بالإضافة إلى صدور الظهير المنظم للنظام الداخلي للمجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة الذي صدر سنة 2011، والذي خضع بدوره لتعديل سنة 2019.

     والوقف إما أن يكون عاما، وذلك إذا خصصت منفعته لجهة خيرية كالجهات الخيرية المتعلقة مثلا بدور العجزة ودور الأيتام إلى غير ذلك. كما يمكن أن يكون الوقف العام لجهة دينية كأن تخصص منفعته مثلا للمساجد والأضرحة وغيرها. ويمكن أن يكون الوقف على العاقب، وهنا بطبيعة الحال لابد من احترام إرادة الواقف على عاقبه. كذلك ليس هناك ما يمنع أن يكون الوقف مشتركا، بمعنى أنه وقف عام وفي نفس الوقت هو وقف على العاقب.

     والوقف له عدة وظائف متعددة، منها ما هو ديني كالعناية بالمساجد، وما هو علمي كتشييد المدارس، ومنها ما هو اقتصادي وذلك عن طريق استثماره بما يحفظ على أصله وتنميته.

     فكيف إذا يتم إدماج عقارات الأوقاف العامة في الاستثمار؟ وما هي الآليات التي سخرها المشرع ووضعها لكي ييسر إدماجه في الاستثمار؟ ثم ما هي التطبيقات التي يمكن من خلالها من الناحية العملية أن نقف فعلا على أن هناك إدماج للاستثمار؟

     كل هذه التساؤلات ستحاول أستاذتنا أن تجيب عنها من خلال ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: سيتم تخصيصها للمعاوضة وكذلك للكراء، باعتبارهما أسلوبين لإدماج عقارات الأوقاف العامة في الاستثمار وهما من العقود المتعلقة بالتصرفات الواقعة على الأوقاف العامة.

النقطة الثانية: ما يتعلق بتصفية الأملاك الوقفية.

النقطة الثالثة: ما يتعلق بالتطبيقات الفعلية كنقطة أخيرة لاستثمار عقارات الأوقاف العامة.

 

     بالنسبة للنقطة الأولى، المتعلقة بالمعاوضة والكراء كأسلوبين لإدماج عقارات الأوقاف في الاستثمار.

     بخصوص المعاوضة، نجد على أنها يجب أن يكون الهدف من إجرائها هو الحفاظ على تنمية الوقف ومداخله بما يلائم طبيعة هذه الأوقاف العامة، وكذلك بما يحقق مصلحة ظاهرة لهذه الأوقاف.

     والملاحظ، على أن المشرع قد تشدد فيما يتعلق بإعمال المعاوضة، لأن هذه الأخيرة تتعلق بأموال عبارة عن عقارات موقوفة وقفا عاما، لذلك اشترط مجموعة من الشروط لكي يتم إجراء هذه المعاوضة.

     أولا: يجب أن ينقطع نفع المال الموقوف أو يقل بشكل كبير.

     ثانيا: إذا أصبح في حالة تعذر معه الانتفاع به جاز إعمال المعاوضة.

     ثالثا: أن تعجز مداخيله على تغطية نفقات صيانته وإصلاحه.

     رابعا: أن يكون مثلا مهددا بالانهيار أو آيلا للسقوط.

     خامسا: أن لا يكون أبدا في وضعية ملكية شائعة.

     سادسا: أن تقتضي مصلحة الأوقاف ذلك.

     وفي إطار المعاوضة لابد من التمييز بين نوعين، فهناك المعاوضة النقدية والمعاوضة العينية. وهذا ما يميز الأوقاف. لأنه في الحالات العادية أي في إطار القواعد العامة نسمع فقط بالمعاوضة العينية؛ أي مبادلة عقار بعقار. لكن فيما يتعلق بالأوقاف نسمع بمعاوضة نقدية، في حين أن المشرع في حقيقة الأمر يمنع بيع عقارات الأوقاف.

     هي مسألة بسيطة، إن إدماج العقار في الاستثمار اقتضى استثناء إعمال هذه المعاوضة النقدية، حيث تتم مبادلة عقار الأوقاف العامة بمبلغ من النقود، هذا المبلغ يتم تحديده بطبيعة الحال وفق شكليات معينة. كما أن المعاوضة تخضع أيضا لمجموعة من الشكليات.

     والهدف من المعاوضة النقدية بطبيعة الحال لا يخفى، فيمكن مثلا تخصيص مداخيلها للمساهمة في تمويل استثمارات الوقف إذ توجه لزيادة أصول الوقف ذاتيا.

     وهكذا، يمكن مثلا داخل المدارات الحضرية تهيئة الأراضي الوقفية القابلة للاستثمار وتجهيزها من طرف الوزارة الوصية على القطاع وهي وزارة الأوقاف. وذلك للرفع من قيمتها ثم معاوضتها معاوضة نقدية واستثمار الأموال المتحصل عليها من المعاوضة النقدية في بناء مجمعات سكنية أو تجارية أو غيرها على سبيل المثال... أو مثلا اقتناء أملاك جاهزة تدخل بدورها في عجلة التنمية داخل دوائر الري.

     هذا وقد أحاط المشرع المعاوضة برقابة قبلية ولرقابة بعدية.

     بالنسبة للرقابة القبلية، المشرع حدد الجهات التي تتدخل في هذه الرقابة على أساس المبلغ الإجمالي الذي تتم به هذه المعاوضة. فإذا كان مبلغ المعاوضة يزيد عن 10 ملايين، في هذه الحالة اشترط المشرع أن يتم الحصول على إذن مسبق من جلالة الملك. وبالتالي فالملك هو الذي يعطي الإذن بذلك.

     وإذا كان مبلغ المعاوضة ما بين 5 ملايين و 10 ملايين، هنا لابد من الحصول على الموافقة المسبقة للمجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة.

     أما إذا كان المبلغ أقل من 5 ملايين، في هذه الحالة أعطى المشرع الصلاحية فيما يتعلق بإعطاء الإذن إلى وزارة الأوقاف في هذا الإطار.

     فيما يتعلق بتحديد القيمة النقدية التي سوف يتم على أساسها بيع هذا العقار، تنطلق من إجراء خبرة. وهنا بطبيعة الحال يتم تعيين خبير في شؤون الوقف ومقيد في جدول الهيئة المتعلقة بالخبراء المختصين في الوقف. هذا التعيين يتم بقرار مشترك ما بين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف.

     وهنا يطرح التساؤل عن المعايير التي سوف يعتمدها هذا الخبير من أجل تقييم وتحديد المبلغ الذي يمكن الانطلاق منه فيما يتعلق بتحديد ثمن هذا العقار الموقوف موضوع المعاوضة.

    وتعتقد الأستاذة "حليمة بن حفو" في هذا الصدد، أنه من اللازم الاعتماد على مؤهل المنطقة بالدرجة الأولى وما تتيحه من إمكانيات من شأنها أن تساعد على تحديد هذه القيمة. كذلك هناك أثمنة العقارات الرائجة في سوق العقارات في نفس المنطقة.

     كما تعتقد كذلك، أنه يمكن الاستئناس أيضا بالثمن المرجعي الموجود لدى إدارة الضرائب. إذ يمكن الاستئناس والأخذ به فيما يتعلق بتحديد الثمن الذي سوف تنطلق منه هذه المعاوضة النقدية.      إذن هذا ما يتعلق بالرقابة النقدية. أما بخصوص الرقابة البعدية، فنجد لجنة المعاملات العقارية للأوقاف عندما يعرض عليها ملف السمسرة، تسهر على دراسته وفحصه وتقييم نتيجة السمسرة، كما يبقى لها كامل الصلاحية في الموافقة على نتيجة تلك السمسرة أو عدم الموافقة عليها. ثم تعمل على تبليغ قراراته إلى المعني بالأمر في كلتا الحالتين معا في هذا الإطار.

     فيما يخص الآثار المترتبة على المعاوضة النقدية، فإنه في حالة المصادقة يصبح الشخص الذي سوف يستفيد من تلك المعاوضة النقدية ملزما بأداء الثمن الذي بذمته داخل أجل 30 يوما، يبدأ من تاريخ تبليغه بهذه المصادقة، والتي بطبيعة الحال يتم تبليغها عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل. إذا تعذر ذلك يمكن اعتماد التبليغ عن طريق النشر في الجرائد المخول لها بنشر الإعلانات القانونية والقضائية أو بأية وسيلة أخرى.

     فيما يتعلق بالضمانات التي أحاطها المشرع بهذا النوع من المعاوضة، نجد أنه فرض على المعاوضة له قبول العقار على الحالة التي يوجد عليها العقار، كما أنه يتحمل تبعة هلاك العقار في حالة تسلمه من طرفه. وقد يحدث في هذه المعاوضة أن لا تتوفر المواصفات التي سبق اعتمادها في هذه المعاوضة كأساس، وهنا سواء كان هناك نقص أو زيادة، فتبقى الإمكانية مفتوحة للطرفين معا سواء للأوقاف أو للشخص الراغب في اقتناء ذلك العقار الموقوف وقفا عاما في الرجوع في الثمن على الآخر.

     المشرع كذلك تنبه إلى الحالة التي قد يتعرض فيها هذا العقار للاستحقاق، وقال بأن الشخص المستفيد من هذه المعاوضة عليه إخبار وزارة الأوقاف، كذلك على طلب إدخالها إذا كان هناك استحقاق كلي، حتى يستفيد من الضمانات التي أقرها المشرع في هذا الإطار خاصة استحقاق الأوقاف الموقوفة وقفا عاما، حتى يستفيد من استرداد الجزء الذي وقع استحقاقه.

     يبقى أنه في بعض الأحيان، قد يصبح محل المعاوضة نتيجة الاستحقاق غير صالح لقضاء الغرض الذي من أجله تم اقتناء ذلك العقار من طرف هذا الشخص أو يصبح حصة شائعة، في هذه الحالة المشرع أعطى للمعاوض الخيار بين استرداد ثمن الجزء المستحق وبين فسخ هذه المعاوضة.

     هذا فيما يتعلق بالحالة التي تتم فيها المعاوضة ويؤدى الثمن.

     قد يحدث أن الشخص الذي استفاد من هذه المعاوضة لم يقم بأداء الثمن، وفي هذه الحالة يتم فسخ المعاوضة ولا يبقى له سوى استرداد الصوائر ومبلغ الضمانة.

     أما فيما يخص المعاوضة العينية، فالملاحظ على أن المشرع لم يعمل بها إلا إذا توفرت مجموعة من الشروط وهي تقريبا ست شروط:

الشرط الأول: يجب أن يكون العقار المعاوض به الذي سوف يقدم في هذه المعاوضة العينية أقل قيمة من العقار الموقوف وقفا عاما.

الشرط الثاني: أن تحقق المعاوضة العينية مصلحة ظاهرة للوقف.

الشرط الثالث: أن يكون العقار المعاوض به عقارا محفظا.

الشرط الرابع: ألا يكون العقار المعاوض به مملوكا في إطار الملكية الشائعة.

الشرط الخامس: أن لا يكون من شأن المعاوضة الإضرار بالمصلحة العامة كما لو كان العقار المعاوض به مخصصا لإقامة مثلا مستشفيات عمومية أو مؤسسات تعليمية. لأنه إذا كان مثلا في إطار عقار خاضع لمسطرة نزع الملكية أو مثلا تم في إطاره إنجاز مرافق عمومية، فإنه لا يمكن أن نقبل معاوضة بعقار موقوفا وقفا عاما.

الشرط السادس: أن يوثق عقد المعاوضة العينية في وثيقة رسمية.

     من خلال ما تقدم، يلاحظ أن المعاوضة العينية والمعاوضة النقدية تتم بمجموعة من الطرق، يبقى أن هناك طريق تنفرد به المعاوضة النقدية ألا هو "السمسرة".

     بالنسبة للطرق الأخرى المتمثلة في طلب العروض وكذلك الاتفاق المباشر، يمكن إعمالهما سواء في المعاوضة النقدية أو في المعاوضة العينية.

     هناك كذلك مسألة أخرى متعلقة بالاتفاق المباشر، هذا النوع من الاتفاق لا يعمل به إلا في الحالة التي سيكون فيها من المتعذر. كإعمال المعاوضة النقدية أو المعاوضة العينية أو في الحالة التي يتم إعمال كلتا الحالتين ولكن لا تسفر عن نتيجة، وبالتالي هناك شروطا معينة لابد في هذا الإطار.

     فيما يتعلق بشروط الواجب توفرها في السمسرة، يكفي فقط الرجوع للكيفية التي تتم بها السمسرة وطلب العروض وكذلك الاتفاق المباشر من خلال النصوص التنظيمية المتعلقة بتطبيق مدونة الأوقاف.

     وللإشارة، هناك فقط فرق بسيط حينما يتعلق الأمر بالمعاوضة العينية، فالشخص الذي يرغب في إجراء هذه المعاوضة العينية يجب عليه أن يقوم بالإدلاء بشهادة من الرسم العقاري مسلمة من طرف المحافظة العقارية المعنية. كذلك يجب أن يعمل على إرفاق الملف الذي سوف يقدمه في إطار المعاوضة بتصميم طبوغرافي يوضح موقع العقار وحدوده ومساحته ومشتملاته، بالإضافة إلى وثيقة يتم الحصول عليها من الجهات المختصة تبين وجه تخصيص هذا العقار في وثائق التعمير. وأخيرا، تقرير الخبرة منجز من قبل خبير محلف يحدد فيه هذه القيمة التقديرية للعقار المقترح معاوضته بالعقار الموقوف.

     بالنسبة للآلية أو الأسلوب الثاني لاستثمار عقارات الأوقاف التي تدخل في إطار الوقف العام، هذا الأسلوب يتجلى في "الكراء". و الملاحظ على أن المشرع المغربي قد عمل على تنظيم القواعد التي تحكم العلاقة الكرائية بين المكتري وبين إدارة الأوقاف في مدونة الأوقاف، بالإضافة إلى النصوص التنظيمية لهذه المدونة.

     ويبقى أن الكراء يعتبر من الأساليب الأكثر شيوعا فيما يتعلق باستثمار عقارات الأوقاف العامة، إذ يساهم في تنمية ريع الوقف. وقد أحاطته المشرع المغربي بمجموعة من الضمانات، هذه الضمانات ميز فيها ما بين الأحكام العامة التي تطبق على كراء العقارات الموقوفة وقفا عاما، بغض النظر عن طبيعتها. ثم هناك قواعد خاصة بالعقارات الموقوفة وقفا عاما والتي ليست لها صبغة فلاحية. أيضا هناك القواعد الخاصة بالعقارات الموقوفة وقفا عاما والتي لها صبغة فلاحية.

    فيما يتعلق بالأحكام العامة التي يخضع لها الكراء بغض النظر عن نوعه، هناك شكلية الكتابة، ذلك أن كراء هذه العقارات لابد فيها من الحصول على إذن مكتوب في البداية، كذلك لابد عن الإعلان عن السمسرة أو طلبات العروض عن طريق الكتابة. أيضا نفس القول ينطبق في حالة الاتفاق المباشر. كذلك عند المصادقة على نتيجة السمسرة أو طلب العروض، إذ يعتبر تاريخ المصادقة هو تاريخ إبرام عقد الكراء.

     وفي نفس السياق، نجد على أن المشرع اعتبر توقف تسلم المكتري للعقار الموقوف وقفا عاما يقتضي توقيع العقد، وهذا المقتضى هو ما يؤكد شرط الكتابة. بالإضافة إلى تولية الكراء تبقى متوقفة على إذن مكتوب من إدارة الأوقاف.

     بخصوص تحديد السومة الكرائية أو الوجيبة الكرائية، فإنها تتم بواسطة السمسرة، وعلى ضوء نتيجة تلك السمسرة يتم ذلك الكراء بعد الإعلان عن رسوم المزايدة المقدمة أعلى عرض، بشرط أن لا يقل عن أجرة كراء المثل، بمعنى الأجرة التي تكرى بها العقارات المماثلة لذلك التي تدخل في دائرة الأوقاف العامة، ثم مصادقة وزارة الأوقاف على نتيجتها.

     أما في حالة طلب العروض، دائما نذهب إلى أعلى عرض قدم، وبشرط أن لا يقل عن كراء المثل وعلى مصادقة وزارة الأوقاف.

     فيما يتعلق بالاتفاق المباشر، هنا بطبيعة الحال الشخص الذي يرغب في الكراء عن طريق الاتفاق المباشر، المشرع اشترط لإعمال هذا الاتفاق أن لا يكون هناك إعمال للسمسرة وأن لا تؤدي هذه السمسرة وكذا طلبات العروض إلى نتيجة.

     وفي جميع الأحوال، ومهما كانت الطريقة المتعلقة بهذه العقود (الكراء)، فإن المكتري يبقى ملزما بأداء بأجرة الكراء.

     والملاحظ، أن عقد الكراء أحاطه المشرع بمجموعة من الضمانات، فإذا كانت العقارات فلاحية قال بأن الأجرة الكرائية يجب أن تؤدى، كما أن هذا العقار يجب أن لا يتجاوز تلاث سنوات، وفي حالة الرغبة في مراجعة واجيبات الكراء تبقى هذه الرغبة متوقفة على موافقة إدارة الأوقاف، بشرط أن يوجه لها طلبا بذلك قبل 6 أشهر من إنتهاء العلاقة الكرائية.

     فيما يتعلق بكراء العقارات غير الفلاحية، هي الأخرى يجب أن يكون عقد كرائها لمدة تلاث سنوات، وفي حالة الرغبة في التجديد يجب إبداء الرغبة بذلك قبل انتهاء الكراء بثلاثة أشهر.

     بخصوص الجانب المتعلق بتصفية الحقوق العرفية، فحتى يسهل إدماج العقار الموقوف وقفا عاما في الاستثمار. تعتقد أستاذتنا في هذا الإطار، أن المشرع المغربي وضع مجموعة من الآليات التي يمكن من خلالها تصفية هذه الحقوق. كذلك نص على أن الحقوق العرفية التي كانت منشأة قبل دخول مدونة الأوقاف حيز التنفيذ سوف تنتهي لا محالة مع مرور عشرين سنة. كما اعتبر أن توقف المكتري على أداء أجرة الكراء لمدة سنتين متتاليتين يؤدي ذلك إلى فسخ عقد الكراء.

 

     فيما يتعلق بالجانب التطبيقي، إن الإكراه الذي يواجه الأوقاف هو عدم توفير السيولة، لأن القيام بمشاريع استثمارية يتطلب التوفير على رؤوس أموال كبيرة، وبالتالي من أجل تجاوز هذا الإكراه نجد على أن وزارة الأوقاف تعمل على الدخول في شركات مع المنعشين العقاريين، على اعتبار أن معظم العقارات التي تملكها الأوقاف داخل المدن، كما أنها أصبحت مشمولة بوثائق التعمير.

وفي إطار هذه الشركة تقدم الأوقاف العقار والمنعش العقاري يقوم بتجهيز ذلك العقار ويتم إنجاز التجزئات وبعد بيعها يتم قسمة الأرباح على حسب مشاركة كل طرف.

     خلصت أستاذتنا الفاضلة إلى بمجموعة من التوصيات أهمها:

     عدم تجاهل الدور الذي يلعبه الوقف على المستوى الصحي، كمساهمته في إنشاء بعض المستشفيات كالمشفى التي تم إنشاؤه بمدينة سلا والمتعلق بالأمراض العقلية بمساهمة الأوقاف...

 

     ختاما، الوقف يعد ثروة استثمارية، وإن استثماره يجب أن يصب ويهدف إلى تحقيق رغبة الواقف من الوقف مع المحافظة على أصل الوقف وهذا هو المهم.

     كذلك، يجب أن لا يتنافى الاستثمار مع رغبة الواقف إلا للضرورة أو لمصلحة الواقف أو في حالة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وما ينتج عنها من تعطيل الوقف.

     كما أنه يتعين القيام بتقييم دوري لمدة نجاعة استثمار العقارات الموقوفة وقفا عاما، مع البحث عن صنع جديدة لاستثمارها.

     وفي الأخير، تدعو أستاذتنا الكريمة إلى النشر الإلكتروني لأشغال هذه الندوة حتى تكون وقفا عاما بدورها يستفيد منه جميع الباحثين والمهتمين بمجال الوقف.

 


"البعد الاستثمـاري في أملاك الجماعـات السلاليـة"

                                                                     د. أحمــد بن عبد السـلام الســاخي

                                                                        مستشـار بمحكمــة الاستئنـاف بأكاديـر 

 

     لم يعد يخفى على المغاربة اليوم، أن العقارات السلالية تشكل مساحة كبيرة جدا تبلغ حوالي 15 مليون هكتارا، ومنها حوالي 837 ألف هكتار عبارة عن أراضي سقوية.

     وبطبيعة الحال، لما نتحدث عن البعد الاستثماري نطرح سؤالا: عن المرجعية لهذا الكلام وعن الآليات والتدابير التي يمكن من خلالها النفاذ لهذا البعد الاستثماري؟

 

     كما يعلم الجميع، أن أراضي الجماعات السلالية تنقسم لخمسة أقسام: أراضي بورية، وأراضي رعوية وغابوية، ثم أراضي تقع داخل دوائر الري، وأخرى داخل المدارات الحضرية.

وما يهمنا أكثر، العقارات البورية باعتبارها هي المشكلة للمساحة الأكبر في أراضي الجماعات السلالية.

     إذن، لابد أن نعود إلى الإطارات المرجعية التي فرضت ضرورة الخروج للأراضي السلالية من واقع الجمود إلى واقع الاستثمار.

     وفي هذا السياق، لابد أن نستحضر بداية الرسالة السامية لصاحب الجلالة الملك الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية بمدينة الصخيرات، في دجنبر 2015. كذلك الخطاب الملكي السامي الموجه للملتقى بغرفتي البرلمان سنة 2018.

     هذين المراجعين يشكلان الإطار والمنطلق العام لإعادة النظر في الموضوع القانوني لأراضي الجماعات السلالية، والتأكيد على البعد الاستثماري لهذه الأراضي من خلال:

أولا: تعبئة عن ما لا يقل عن مليون هكتار إضافي إلى الأراضي الجماعية من أجل الاستثمار من طرف عموم المستثمرين.

ثانيا: إيجاد الآليات القانونية والإدارية لتوسيع التمليك.

ثالثا: عمليات التمليك بشروط محددة لإنجاز فعلي للمشروع.

 

     من خلال هذه التوجيهات الملكية السامية، صدرت العديد من القوانين لاسيما القانون 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، والمرسوم التطبيقي 2.19.973 المتعلق بتطبيق هذا القانون، وكذلك إعادة النظر في القانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، وكذا القانون 64.17 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري.

     من خلال العودة إلى منظومة القانون 62.17 يمكننا النفاذ إلى الأبعاد الاستثمارية لأملاك الجماعات السلالية من خلال ثلاث مؤسسات أساسية.

     وبطبيعة الحال، فالحديث عن كل مؤسسة يحتاج إلى ساعات وساعات، لذلك يقتضي منا الأمر أن نقف فقط عن الأهم والأساسي. طالما أن هناك العديد من الوثائق التي يمكن للمواطن المغربي أن يطلع عليها وهي رهن إشارة جميع المواقع المرتبطة بتحديد أراضي الجماعات السلالية، أو منشورة.

     وبالتالي، لابد أن نتحدث أولا عن التفويت من أجل الاستثمار، الكراء من أجل الاستثمار، ثم التمليك من أجل الاستثمار، وأخيرا التفويت في إطار التسوية لبعض العقارات المستعملة.

     فمعلوم، أن 188 ألف هكتار من الأراضي السلالية تستغل بشكل غير قانوني، ومنه 12 ألف هكتار يستغل من طرف الإدارات والمؤسسات العمومية خارج المسطرة المقررة قانونا.

من هنا كان لابد أن تتدخل الوزارة الوصية وهي "وزارة الداخلية" وأن تبدع في البحث عن آلية تسوية لهذه الوضعية من خلال إضافة تفويت غير منصوص عليه في القانون 62.17، وكذلك المرسوم التطبيقي لهذا القانون، وهو التفويت من أجل تسوية الوضعية القانونية للعقارات التي تستغلها الإدارات العمومية والمؤسسات العمومية خارج الإطار القانوني أي بدون سند قانوني.

     كما تعلمون، أن القاعدة العامة في الجماعات السلالية أنها أملاك لا تخضع للتفويت إطلاقا، وهو مبدأ قار منذ السنين من 1919 إلى الآن وقبل ذلك.

     الجديد في هذا القانون، أنه نص على جزاء مباشر وواضح لهذا التفويت الذي يتم خارج الضوابط القانونية وهو البطلان. لكن استثناء حدد دور أراضي الجماعات السلالية في التنمية المحلية لتساهم في مسلسل التنمية الوطنية والاقتصاد الوطني. حيث فتح المشرع الآن الباب أمام جميع الفاعلين العموميين والخواص، وكذلك المؤسسات العمومية والدولة والجماعات الترابية، من أجل اقتناء هذه العقارات لغاية الاستثمار.

     إذن لابد أن يرتبط تفويت هذه العقارات من أجل استثمار قد يتخذ هذا الاستثمار صبغة خدمات عمومية لفائدة المؤسسات والدولة والجماعات الترابية، وقد يتخذ صبغة استثمار بمفهومه الربحي للفاعلة الخواص.

     إلى جانب ذلك هناك الكراء، وبطبيعة الحال المقتضيات القانونية المؤطرة للقانون 62.17 وكذلك المرسوم التطبيقي، كلها مرفقة بدلائل من وزارة الداخلية. وبالتالي الصورة واضحة أمام المواطن المغربي اليوم الذي يرغب في الاستثمار في أراضي الجماعات السلالية، من خلال الاطلاع على الوثائق المطلوبة في هذا السياق.

     في نفس الآلية، هناك الكراء لفائدة المستثمر الخاص أو العام، بآليتين إما عن طريق التراضي وإما عن طريق السمسرة العمومية.

     إلى جانب ذلك طرحت العديد من الإشكالات حول الاستغلاليات الصغيرة التي يرغب العديد من المغاربة اليوم في كرائها وتصطدم مع البعد الإجرائي الكثير المنصوص عليه في المرسوم التطبيقي 2.19.973 .

     في هذا السياق، صدرت دورية جديدة عن وزارة الداخلية بتاريخ 9 مارس 2020، حول كراء هذه القطع الأرضية ذات المساحات الصغيرة لأغراض فلاحية وأسندت فيها المهمة للمؤسسات العمومية؛ أي العمالات والسلطات المحلية على اعتبار أنها أكرية لا تتجاوز ثلاث سنوات.

 

     حاول "الأستاذ أحمد بن عبد السلام الساخي" التركيز أكثر في مداخلته نظرا لضيق الوقت على العنصر الجديد المتعلق بـ "التمليك"، بحيث أصبح المغاربة اليوم منشغلون في تمليك الأراضي السلالية. إذن، ماذا يعني تمليك أراضي الجماعات السلالية؟ من هم المعنيون بهذه المسطرة؟ وما هي الإجراءات اللازمة لصحة هذه المسطرة؟ وما الآثار الناتجة عنها؟

     يجب أن يعلم الجميع أن هذه المؤسسات التي نتحدث عنها سواء تعلق الأمر بالتفويت أو الكراء أو التمليك فهي كلها مرهونة، مقرونة ومشروطة بالبعد الاستثماري.

     بداية فيما يخص التمليك، فهو عنصر يخص أعضاء الجماعات السلالية، بحيث لا يمكن أن نتصور تمليكا لأراضي الجماعات السلالية لغير ذوي الحقوق، شريطة أن يكون هذا العضو مقيدا في لائحة ذوي حقوق الجماعات السلالية، وأن تكون هذه اللائحة مصادق عليها، ومعناه أنها خضعت للمسطرة القانونية. كما يجب عليه (العضو) أن يمارس نشاطا فلاحيا.

     وللإشارة، فإنه لا يمكن أن نتصور تمليكا لقطعة أرضية سلالية إلا من أجل الاستثمار الفلاحي. وبالتالي، فالتمليك مرتبط بالمجال والإدارات واستراتيجية الدولة في المجال الفلاحي.

 

     هذا ما يتعلق بالشروط المرتبطة بأعضاء الجماعات السلالية، أما الشروط المرتبطة بالعقار:

     أولا: يجب أن يكون العقار سلاليا محفظا؛ أي مطهرا من جميع النزاعات، بحيث لا يمكن أن نتحدث عن عقار موضوع مسطرة تحفيظ أو غير محفظ أو موضوع منازعات قد تكون موضوع مسطرة تمليك. فعندما نتحدث عن هذه العقارات فإن لها رسوم عقارية ثابتة باسم الجماعات السلالية.

     ثانيا: أن يكون هناك مقترح من طرف وزير الداخلية. فتمليك ذوي الحقوق لهذه الأراضي يقترن بداية أن تقترح وزارة الداخلية الممثلة في السيد وزير الداخلية العقارات المعنية بالتمليك. وبمعنى آخر لا بد أن يتم إعلان قرار لوزير الداخلية يتم نشره في العمالات والقيادات حتى يطلع ذوي الحقوق على وجود عقار فلاحي مصفى خاضع لمسطرة التمليك. أنداك يمكن لذوي الحقوق أن يتقدموا بطلبات التمليك.

     ثالثا: يجب أن تكون تلك العقارات بطبيعة الحال غير خاضعة ومشمولة بوثائق التعمير. وهو أمر طبيعي، لأن وثائق التعمير تناولها القانون 12.90 المتعلق بالتعمير، وبالتالي يكفي العودة إليها.

     رابعا: أن لا تكون هذه الأراضي خاضعة للمجالات السقوية؛ أي لا تدخل في دوائر الري، لأن هناك مقتضيات قانونية خاصة بذلك.

     خامسا: يجب أن لا تقل مساحة الأراضي المعنية بالتمليك عن 10 هكتارات كحد أدنى.

     وعليه، قد يكون ذوي الحقوق من المستغلين المباشرين المقيمين الدائمين، يمارسون حرفة فلاحية قارة ودائمة، لكن لا تتوفر لديهم المساحة الدنيا. في هذه الحالة يمكن لذوي الحقوق أن ينضموا عن طريق تكتل لتحقيق هذه المساحة الدنيا والتي قد تتجاوز 10 هكتارات وهذا ليس بإشكال حتى يمكن لهم الاستفادة من التمليك.

     إن التمليك ليس غاية في الذات، وإنما التمليك آلية من الآليات التي تمكننا من الاستثمار، أي تمكننا من الاستقرار، وبالتالي تمكننا من تسوية الوضعية الاجتماعية لذوي الحقوق.

     هذا ويتعين على ذوي الحقوق أن يلتزموا ويقع على عاتقهم الالتزام بدفتر تحملات عبارة عن مشروع يتسم بإنجازه. ليس فقط حيازة العقار، وإنما إنجاز المشروع.

إذن في حالة إذا تقدم العديد من ذوي الحقوق بطلبات في هذا السياق، تعمل السلطة المحلية التي تم تعليق القرار الوزاري لديها، في تلقي الطلبات ومسكها في سجل محدد مؤقت، بعدها تحيله على قسم الشؤون القروية بالعمالة التابعة التي تعمل على دراسة تلك الملفات وتنتقي الطلبات التي يتبين أنها مستوفية للشروط، على أن تحيل ذلك المحضر على السلطة المحلية؛ أي محضر الانتقاء المعنيين على السلطة المحلية التي عليها أن تشعر المعنيين بالأمر في مآلات طلبهم وأن تحيل المحضر على سلطة الوصاية المركزية للمصادقة.

     في حالة ما تمت المصادقة على اللائحة، في هذا الإطار يتم بإعادة المحضر إلى السلطة الإقليمية المعنية التي تحيله كذلك على السلطة المحلية، التي تبادر إلى إشعار المستفيد من ذوي الحقوق لهذه المسطرة من أجل أن يبادر إلى ما يلي:

1.                 إبرام عقد لدى عدل أو موثق أو محام معتمد لدى محكمة النقض، حسب اختياره الخاص.

2.                 إنجاز محضر عبارة عن تصميم طبوغرافي باستخراج تلك القطعة من الرسم الأم، وأن يبادر إلى تسجيله في إدارة التسجيل والمحافظة العقارية مرفقا بدفتر التحملات.

     بطبيعة الحال، لما نبادر إلى تقييد هذا العقد في دفتر التحملات، فالأمر لا يخرج عن أمرين أو سياقين:

     إما أن يبادر المعني أي عضو الجماعة السلالية في إنجاز مشروعه بالكامل وفق سياقاته الزمانية وضوابطه وآلياته المحددة. وفي هذه الحالة يتسلم شهادة برفع اليد عن الرهن المقيد لفائدة الجماعة السلالية. أنداك يطهر العقار فيصبح في ملكيته ملكية خالصة.

     وإما أن يتعذر عليه تنفيذ ذلك الاستثمار. وفي هذه الحالة تبادر اللجنة الإقليمية المكلفة بتتبع هذه المشاريع على إنذاره من أجل إنجاز المشروع، وإذا لم يبادر داخل الأجل المحدد في المرسوم التطبيقي، هنا يتم فسخ التمليك كما يتم التشطيب على المستفيد من مسطرة التمليك لدى المحافظة العقارية ويعود ذوي الحقوق أي العضو إلى حالته السابقة. أي مستغلا للقطعة التي كان يستغلها سابقا، لأن من شروط التمليك أن يكون مستغلا لقطعة قبل مباشرة المسطرة.

     إذن هذا هو مختصر العملية التي تتم على مستوى مسطرة التمليك الخاصة بأراضي الجماعات السلالية.

     أما على مستوى الكراء، فكما تعلمون جميعا، أن العديد من العقارات السلالية اليوم هي موضوع مسطرة كراء إما لفائدة الفاعلين الاقتصاديين العموميين أو لفائدة الفاعلين الاقتصاديين الخواص، وهي موضوع العديد من الإشكالات الآتية:

     القاعدة اليوم في إطار الشفافية المطلقة التي تنهجها الوزارة الوصية على هذا القطاع يتم كراء هذه الأراضي في شرط أن جميع الآليات التي يتم بموجبها تدبير أراضي الجماعات السلالية تبقى مقرونة باستثمار منتح. بمعنى أن هذا الكراء يتم لفائدة الفاعل الاقتصادي العام أو الخاص من أجل إنجاز مشاريع اقتصادية، استثمارية، خدماتية، صحية، رياضية واجتماعية، إلى غير ذلك الأوصاف والتجليات التي يمكن الاستثمار فيها، وفق ضوابط محددة في دفتر تحملات محدد، وردت كلها في المرسوم التطبيقي المحدد للقانون 62.17.

     بخصوص التفويت الذي سبق الحديث عنه، فهو يخضع كقاعدة عامة للتفويت إما لفائدة الدولة أو المؤسسات عمومية أو الجماعات ترابية، وهو يتم بالمراضاة، أو يتم في إطار مسطرة نزع الملكية، أو يتم في إطار تسوية الوضعية. علما أن حوالي 12 ألف هكتار وكما أشار الأستاذ سابقا أنها تستغل بشكل غير قانوني من طرف المؤسسات العمومية والجماعات الترابية والدولة بذاتها.

     وبالتالي، فالآليات التي يتم من خلالها استثمار هذه الأراضي لفائدة هذه المؤسسات من أجل أن تقوم بدورها، أي بإنشاء مرافق إدارية واجتماعية واقتصادية تتم إما عن طريق التراضي أو عن طريق مسطرة نزع الملكية، أو عن طريق مسطرة تسوية وضعية تلك العقارات التي يتم استخدامها بشكل غير قانوني.

     أما غير ذلك، من الخواص ومن الفاعلين الاقتصاديين العموميين، فيتم تفويت أراضي الجماعات السلالية وفق مسطرة مدققة عن طريق المنافسة؛ أي عن طريق طلبات العروض. وهي مسطرة تم تنظيمها بشكل مدقق وأن الوقوف عليها سيستغرق ساعات وساعات.

     وتجدر الإشارة، إلى أن التفويت يخضع لرقابة اللجنة الإقليمية لتتبع المشاريع وهي كذلك تراقب ما إذا كان إنجاز تلك المشاريع أنجزت وفق القانون، أم وفق الاتفاقات، أم وفق دفتر التحملات أم لا.

     وفي الأخير، يقترح "الأستاذ أحمد بن عبد السلام الساخي"، إما رفع اليد عن تلك العقارات، وبالتالي منحها بصفة نهائية لفائدة المستثمر، أو فسخ تلك العقود وإرجاع العقارات لفائدة الجماعات السلالية.

 


" العقــار والائتمـان"

د. مصطفـــــى بونجــــة

                                  محــــامي معتمـد لـدى محكمــة النقـض

                                                                                  هيئة طنجـــــة

  

     قبل كل شيء لابد من تحديد العلاقة بين المفاهيم، بين كل من العقار و الاستثمار وبين الاستثمار و الائتمان.

     أولا: تحديد العلاقة بين العقار و الاستثمار

     مما لاشك فيه أنه توجد علاقة جدلية مباشرة بين الملكية العقارية و بين الاستثمار، إلا أن هذه العلاقة تتفرع عنها علاقة أخرى تتحدد في الملكية التجارية.

     ثانيا: العلاقة بين الاستثمار و الائتمان

    العلاقة بين الاستثمار و الائتمان علاقة وطيدة جدا، ذلك أن التمويل و القرض هو جزء لا يتجزأ من الأنظمة الليبرالية، عندما نتحدث عن الائتمان فأول ما يتبادر إلى أذهاننا هو الرهون، ولربما كان هذا السبب الأساسي لإعادة النظر بموجب القانون المتعلق بالضمانات المنقولة، فيما يتعلق بتنظيم المشرع المغربي للرهن الحيازي وإدخال الرهن دون الحيازة، و عندما نعرج على مقتضيات الفصل 1170 من ق ل ع فإننا نجده ينظم الرهن المنصب على العقار و على المنقول و على حق معنوي، مع تفصيل ذلك في الفصول التي جاءت بعد الفصل المذكور.

     عندما نتحدث عن الرهون وعن التمويل وعن الاستثمار في الملك الخاص بمفهومه الواسع لا نجد أية إشكالات، لكن يحصل العكس عندما نتحدث عن ذلك في الأملاك العامة بمفهومها الواسع، فالمغرب من مميزاته أنه يشهد تعدد الأنظمة العقارية، وكلها تشكل عائقا كبيرا للاستثمار في الملكية التجارية، كيف ذلك؟

ربما سيكون للقوانين المتواجدة في 1914 و 1919 و حتى 2000 عذر مقبول لكن نحن نتحدث عن ترسانة تشريعية حديثة نظمت الأملاك العامة، و أقصت الملكية التجارية في هذه الأملاك، حيث لا يوجد عذر الآن، فعندما نقف عند المادة 90 من مدونة الأوقاف نجدها تنص على أنه "لا يحق للمكتري(...) اكتساب الحق في الكراء على المحلات الموقوفة المخصصة للاستعمال التجاري"، وكذلك المادة 5 من القانون 57.19 المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية التي تنص بصريح العبارة على أنه "لا يقبل الملك العام للجماعات الترابية التفويت أو الحجز عليه ولا تملكه ولا يمكن أن يكون موضوع حقوق ولاسيما الحق في الكراء التجاري و الأصل التجاري"، ونفس الأمر بالنسبة للمادة 19 في فقرتها الأخيرة من القانون المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية و تدبير أملاكها التي جاء فيها "لا تسري أحكام القانون 49.16 المتعلق بكراء العقارات و المحلات المخصصة للاستعمال التجاري و الصناعي على العقارات الخاضعة لنظام الجماعات السلالية، كما جاء في المادة 2 من ق 49.16 السالف الذكر أنه "لا تخضع لمقتضيات هذا القانون عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في نطاق الملك العام للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، عقود كراء المحلات والعقارات التي تدخل في نطاق الملك الخاص للدولة أو الجماعات الترابية إذا كانت مرصودة لمنفعة عامة، عقود كراء المحلات الداخلة في نطاق الأوقاف..."، بمعنى آخر أن هناك إقصاء مباشرا لإمكانية نشوء ملكية تجارية على هذا النوع من الأملاك.

     ويفتح الأستاذ القوس للقول )عندما نتحدث عن ملكية تجارية فإنه لا نتحدث عن ملكية عقارية، بل نتحدث عن حق شخصي، أنا لا أدعي ملكية الرقابة ولا أرمي بذلك إلى ملكية الرقابة بل الموضوع كله يتحدد في مدى إمكانية فتح المجال لاستغلال هذه الأنظمة العقارية حتى لا تكون عائقا ومن بين معيقات الاستثمار(، فلا يخفى على أحد أنه في تنظيمات جميع الأنظمة القانونية ولربما عندما نتحدث عن القرنين 18 و 19، فإنه كان مكان الصدارة للملكية العقارية لملكية الرقابة، تطورت الأمور فنشأت الملكية المعنوية والتي يدخل ضمنها الحق في الكراء و الأصل التجاري، على اعتبار أنهما مرتبطين مباشرة بالعقار، فصار لهما شأن كبير بل أصبحت الملكية التجارية هي محرك العديد من الأنظمة الاقتصادية في العالم.

     وإذا ما رجعنا في الأصل لهذه التنظيمات كلها نجد بقدر ما أننا استوردنا مفهوم الأصل التجاري ومفهوم الحق في الكراء من النظام القانوني الفرنسي، واستوردنا في ذات الوقت مفهوم الملك العام ومفهوم الملك الخاص، فإنه يبقى الخلاف بين النظامين الفرنسي و المغربي هو أنه نجد في هذا الأخير تعددا كبيرا في الأنظمة العقارية.

     اهتدت فرنسا إلى هذا الإشكال في نظامها المتعلق بالملك العام، فقامت بإعادة النظر في الأنظمة العقارية الخاصة التي تمثل أملاك الدولة  وذلك بموجب قانون" بيني" الذي صدر في 2014، بحيث تمت إعادة النظر في كيفية استغلال الملكية التجارية المكونة على الأملاك العامة، بضوابط تحفظ للأملاك العامة حرمتها وفي نفس الوقت تتيح إمكانية فتح باب الاستثمار، بحيث تكون هذه العقارات رافعة للتنمية، وهذا القانون لربما اعطى الشيء الكثير لاستغلال العقارات في فرنسا.

      وإنه لمن حسنات ما وقع أنه تم في الساعات الأخيرة سحب مشروع قانون الملك العام للدولة، فقد كانت صياغته على شاكلة صياغة المادة 5 من ق 57.19 المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية والتي أعدمت إمكانية إنشاء حق في الكراء وإمكانية إنشاء الأصل التجاري على الأملاك العامة، وهذه مناسبة لمناشدة المشرع أن يفتح باب إمكانية إنشاء حق في الكراء و إمكانية إنشاء الأصل التجاري ولو بمسمى آخر على غرار المشرع الفرنسي، حتى لا تشكل هذه الأنظمة عائقا للاستثمار وخصوصا و أننا نتحدث عن الحق في الكراء الذي هو حق قابل للتفويت، والأصل التجاري كذلك قابل للتفويت و الرهن والتمويل، بمعنى آخر أننا نفوت علينا إمكانية خلق للثروة والمزيد من فرص الاستثمار.

 

 

 

"نـزع الملكيـة للمنفعـة العامـة بيـن حمايـة حـق الملكيـة وتشجيـع الاستثمـار"

                                                                              د. هشــام المراكشــي

                                                                       أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية

                                                                            والاقتصادية والاجتماعية

                                                                           ـ شعيب الدكالي الجديدة ـ

 

     عندما نريد أن نتحدث عن هذه النقطة ونبقى رهينين بموضوع العقار والاستثمار، يجب أن نطرح تساؤلا: كيف يمكن لنزع الملكية أن يشجع الاستثمار؟

     بطبيعة الحال، سنتحدث هنا عن الاستثمار العمومي على اعتبار أننا سنقوم بنزع الملكية للمنفعة العامة.

     والمنطلق الذي سيحددنا وسننطلق منه هو المادة 35 من الدستور التي اعتبرت أن القانون يضمن حق الملكية ولا يمكن الحد من نطاقها. ولدينا كذلك القانون رقم 07.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة الذي مرت عليه أربعين سنة، ويمكن اعتباره قانونا أصبح متجاوزا. لماذا؟ لأنه انتهى زمنه الافتراضي منذ عشر سنين، على اعتبار أن أجمد قانون كيفما كان عمره الافتراضي هو ثلاثين سنة، خاصة إذا كان القانون يتعلق بالمعيش اليومي للإنسان، أو يتعلق بقطاع استراتيجي وحيوي كالعقار، على اعتبار أن العقار يتغير. وبالتالي، كيف يمكن للقانون 07.81 أن يحمي حق الملكية الذي يعتبر حقا دستوريا مقدسا؟ وكيف يمكن كذلك أن لا يعرقل صاحب الملكية الاستثمار، خاصة الاستثمار العمومي؟

     هذا وإنه في الآونة الأخيرة تعرف المملكة أوراشا كبرى وقطاعات كثيرة كالموانئ، المستشفيات، القطار فائق السرعة... وبالتالي نحن أمام أوراش كبيرة، في المقابل ليس هنالك وعاء عقاري كاف لهذه المشاريع. هذه الضرورة تدفع الدولة إلى نزع الملكية من أجل المنفعة العامة. ويبقى السؤال المثار: كيف نحمي حق الملكية؟

     ونظرا لضيق الوقت حاول الأستاذ "هشام المراكشي" تناول أربع نقط أساسية في مداخلته من خلالها سيتم تقييمها هل فعلا فيها حماية لحق الملكية وكذا تشجيع الاستثمار.

     النقطة الأولى: فمصطلح المنفعة العامة هو حماية لحق الملكية. فلا يمكن نزع ملكية أحد إلا لأجل المنفعة العامة، وهذا دعم وتشجيع للاستثمارات العمومية، من أجل البناء والنهوض بالوطن. لكن في نفس الوقت يجب أن تكون هناك حماية لحق المالك. وبالتالي السؤال المطروح في هذا الإطار: من يحدد هذه المنفعة العامة؟ وهل هنالك رقابة قضائية على هذه المنفعة؟ إذا أردنا أن نتحدث عن الفصل بين السلطات وعن استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.

     هناك رأيان بهذا الخصوص، إلا أن قرار المجلس الأعلى الصادر عن الغرفة الإدارية سنة 1992، كان انتقالا نوعيا في تحديد وفي رقابة القضاء على معنى المنفعة العامة.

     يعتقد الأستاذ الكريم، أن هذه الرقابة قاصرة شيئا م،. خصوصا إذا علمنا أن المشرع سمح للجهة النازعة للملكية أن تغير موضوع الأشغال حسب الفصل 39 من القانون المتعلق بنزع الملكية.

     والتساؤل المطروح في هذا الصدد: هل يمكن للقضاء أن يراقب هذا التغيير؟

     المشرع المغربي في المرسوم التطبيقي اعتبر أن هذا التغيير يكون بمقرر إداري وبمرسوم صادر عن الوزير المعني.

     إذن، هنا نتساءل: أين تتجلى مظاهر حماية حق الملكية؟

     خصوصا وأننا الآن ننطلق من الخطاب الملكي التشريعي لسنة 2016، الذي تحدث جلالته من خلاله على أن هذه المسألة تعرف إجحافا ونوعا من الظلم بين الجهة النازعة للملكية وبين المنزوعة ملكيته.

     ويعتقد الأستاذ الفاضل أنه يجب تشجيع الاستثمار فعلا، ولكن يجب أن تتم المزاوجة بين حماية حق الملكية وبين تشجيع الاستثمار. ونتساءل مجددا: ما طبيعة الحكم القضائي الذي يحمي الملكية ويشجع الاستثمار؟

     المشرع المغربي جعل الحكم القاضي بنزع الملكية حكما نهائيا، لا يقبل أي طعن. لكن في مسألة التعويض فهو يخضع لمسطرة الطعن وكذلك في مسألة تنفيذ الأحكام القاضية بالتعويض. وإن كان على سبيل تشجيع الاستثمار، فإن المشرع أقر أنه بمجرد صدور الحكم بنزع الملكية فهو حكم نهائي. لماذا؟ حتى لا تطول المسطرة. وهذا ما اعتبره الأستاذ بالشيء الإيجابي.

     وللإشارة، فإن الحكم يكون نهائيا في شقه المتعلق بنقل الملكية، دون شقه المتعلق بالتعويض، بحيث يحق للمنزوعة ملكيته استكمال المساطر خصوصا مالم يكن هنالك سبب من أسباب طرق الطعن.

     مسألة أخرى حاول المشرع من خلالها أن يزاوج بين حماية حق الملكية وتشجيع الاستثمار، هي مسألة مقرر التخلي. فالمشرع حماية لجميع الأطراف أمر الجهات النازعة للملكية بنشر مقرر التخلي في الجريدة الرسمية. وإذا كان العقار محفظا، يتم نشره بالرسم العقاري طبقا للفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري. وإذا كان العقار في طور التحفيظ يتم إيداعه، وإذا كان عقارا غير محفظ يتم إيداعه لدى كتابة ضبط المحكمة التي يتواجد العقار داخل دائرة نفوذها.

     وتجدر الإشارة، إلى أن مدة مقرر التخلي خاصة على مستوى الرسوم العقارية هي سنتين. بتجاوز هذا الأجل ولم يتم من خلاله العمل على نقل الحيازة أو استصدار الأمر طبقا للفصل 24 أو 25 وما بعده من قانون نزع الملكية، هنا نتساءل ما مصير مقرر التخلي؟ هل يتم التشطيب عليه أم يبقى يعرقل لنا ذلك العقار؟

     في الجانب العملي والممارسة العملية، يمتنع المحافظين على الأملاك العقارية التشطيب على هذا المقرر تلقائيا، على اعتبار أن التشطيب على مقرر التخلي يحتاج لأمر أو حكم قضائي أو بطلب من من الجهة النازعة للملكية.

     هذا ونحن نعلم أن وزارة التجهيز حاليا تعمل على عدة ندوات وأوراش لإعادة النظر وتغيير القانون 07.81.

     وفي هذا الإطار، يتمنى الأستاذ "هشام المراكشي"، التدخل وإيجاد حل لهذه النقطة المتعلقة بالتشطيب التلقائي بعد مرور سنتين، لكون أننا أما حقين متعارضين.

     فيما يتعلق بالنقطة الثانية، وهي الأخرى يطالب فيها الأستاذ الكريم أن يجد لها المشرع المغربي حلا يحمي الجميع، وبشكل يشجع على الاستثمار العمومي، وهي المسألة المتعلقة بالتحسينات.

     فبمجرد نشر مقرر التخلي أو تقييده بالرسم العقاري، يمتنع ولا يجوز كما نص الفصل 15 من القانون المتعلق بنزع الملكية، على مالك العقار أن يقوم بإدخال أي إضافات أو تحسينات على عقاره. فمثلا شخص له قطعة أرضية فلاحية، والدولة تريد إنجاز مشروع عليها، وهذا المشروع قد يستغرق خمس إلى عشر سنوات لإنجازه، بما فيها سنتي مقرر التخلي بما يتم نزع الملكية، وهذه السنتين يمكن أن يحفر فيها مالك العقار بئرا على العقار موضوع النزع، أو تشييد بناء فوقها إلى غير ذلك من الأمور الأخرى.

     المشرع في هذه الحالة، منع مالك العقار من مباشرة أي تصرف بمجرد نشر مقرر التخلي، بمعنى عدم القيام بأي تحسينات أو إضافات. هنا نتساءل ما هو الجزاء المتخذ في حق المالك في هذه الحالة؟

     المشرع نص عن جزاء مادي يتمثل في عدم استفادته من التعويض المقدم من طرف الجهة المكلفة بنزع ملكية العقار المعنى، لاعتباره سيء النية، لأنه قام بما قام به بعد صدور مقرر التخلي.

     وقد يحدث أن تستغرق مدة مقرر التخلي أكثر من سنتين، هذا ما يؤدي للأسف إلى عرقلة بعض المشاريع وبالتالي عرقلة الاستثمار العمومي. والإشكال أن العقار ما هو مكيف لكي يتم استثماره من طرف المستثمر، وما هو خاضع لنزع الملكية وبدأت الدولة في الاستثمار فيه.

     في نفس السياق، هناك كذلك نقطة أخرى مهمة حاول المشرع المغربي المزاوجة بينها، متعلقة بحماية حقوق المكترين، وهذا المقتضى حاول القانون المتعلق بنزع الملكية الحديث عنه من خلال منح التعويض لمالك العقار أو لمالك الأصل التجاري، خصوصا أننا قد نجد عقارا منزوعة ملكيته فيه أصل تجاري. والتساؤل المطروح هنا، من يستحق التعويض؟ هل مالك العقار أم مالك الأصل التجاري؟ أم المكتري؟

     اعتبر الأستاذ أن هذا الأمر موضوع نقاش طويل. خاصة إذا كان العقار ملكا عاما، أو في الحالة التي يكون فيها الأصل التجاري لشركة كمحطة البنزين مثلا. وفي اعتبار الأستاذ أنه لا يستفيد من التعويض، وإنما مالك العقار وصاحب العلامة التجارية هما اللذان سيستفيدان من ذلك التعويض.

     وهذا نقاش حسب الأستاذ يجب تجاوزه، وأن على المشرع أن يأخذ في تعديل هذا القانون بخلاصات ما وصل إليه الاجتهاد القضائي سواء لدى المحاكم الإدارية أو لدى محكمة النقض.

     في إطار حماية حق الملكية، فالنقطة الوحيدة التي تغل يد القضاء عن الحكم بهذا الأمر، هي مسألة بطلان المسطرة. مع ذلك فإن القاضي ملزم بأن يحكم وفقا لطلبات نازعي الملكية. وهنا يمكن أن نتساءل أين هو الدور الإيجابي للقضاء لمراقبة هل هناك فعلا منفعة عامة؟ وهل يمكن تغيير تلك المنفعة العامة؟

     إذن، فبطلان المسطرة حسب المادة 39 هو السبب الوحيد الذي يمكن القول أن القضاء سيرفض الحكم لفائدة نازع الملكية.

     على مستوى تشجيع الاستثمار من زاوية أخرى، فالمشرع فعلا أتى بمقتضيات مهمة، وهذه المقتضيات يتفق معها الأستاذ "المراكشي"، باعتبارها مسألة دقيقة، إذا كانت المسطرة صحيحة وكان هناك تعويض عادل.

     والإشكال المطروح كذلك في هذا الصدد، قد يكون العقار المنزوعة ملكيته متنازعا عليه، كتقديم شخص مطلب تحفيظ بشأنه وتعرض شخص آخر على هذا المطلب، بعدها جاءت الجهات النازعة للملكية لمباشرة أعمال مشروعها.

     وبالتالي هنا هل ستغل هذه المنازعة يد الدولة إلى حين انتهاء النزاع بين طالب التحفيظ والمتعرض، أم ماذا؟

     المشرع في هذه الحالة حسم الأمر باعتباره أن جميع الحقوق والمطالبات بما فيها المنزوعة ملكيتها تتحول من حقوق عينية إلى حقوق مالية، بحيث يتم إيداع التعويض المادي لذلك العقار لدى صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، ومن حكمت له المحكمة له الحق بأخذ ذلك التعويض.

     وبالتالي فالقضاء لما يصدر حكما قاض بنزع الملكية، فإن هذا الحكم يطهر العقار من كل المطالبات وهو ما جاء وفق مقتضيات الفصل 37 من القانون رقم 07.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة.

     قد يحدث أن تطول تلك المنازعة بين طالب التحفيظ والمتعرض لسنوات،  وتم صدور الحكم النهائي بنزع الملكية، ولم يعجب المتعرض التعويض الذي وضعته الجهة النازعة للملكية. في هذه الحالة هل يمكن الرجوع على الجهة النازعة للملكية ومقاضاتها من أجل التعويض؟ أم سيسري عليه أجل التقادم؟

     الأستاذ الكريم في هذه النقطة، قال أنه على المشرع أن يناقش هذا الأمر إن كانت هنالك إرادة جدية، خاصة وأن هناك توجيهات ملكية. ومؤخرا وزير التجهيز اعتبر أن قانون نزع الملكية أصبح يعرقل الاستثمار، ولا يوازن بين حماية حق الملكية وتشجيع الاستثمار العمومي.

     ونقطة قبل الأخيرة، متعلقة بمسألة الفوائد التي تحتسب من يوم التأخر، حسب منطوق الفصل 31 من القانون المتعلق بنزع الملكية، الذي أقر فوائدا على جهة نزع الملكية إن تأخرت في تنفيذ ذلك الحكم القضائي. وهنا نتساءل ماذا لو قمنا بنزع الملكية من أجل الاستثمار العمومي وكانت المسطرة سليمة ثم تخلت الدولة عن ذلك المشروع؟

وللأسف هذا أمر جار به العمل كثيرا، حيث تنتزع الملكية لبناء المدارس أو بناء مؤسسات عمومية أو مستشفيات وما إلى ذلك، وبعد مدة يتغير المشروع، خصوصا إذا كانت المشاريع ذات الطابع الاجتماعي. فالمشرع هنا قال لا يمكن تفويت ذلك العقار إلا بعد مدة خمس سنوات طبقا للفصل 40 من القانون المتعلق بنزع الملكية، ويمكن للمنزوعة ملكيته شراء ذلك العقار شرط أن يوفر المبلغ في عشرين يوما.

     والإشكال المثار بهذا الخصوص، في حالة كان هناك ورثة للشخص المنزوعة ملكيته وتم تسليمهم للمبالغ وهي عبارة عن مبالغ كبيرة. هنا هل يمكن توفيرهم لهذه المبالغ الكبيرة في ظرف عشرين يوما لشراء ذلك العقار؟

     لهذا يعتقد الأستاذ الكريم، أنه لحماية لميع الأطراف لا يمكن تغيير المنفعة العامة إلا برقابة قضائية وليس بمرسوم وزاري.

     ونقطة أخيرة، لا يمكن تغيير الشكل أو القرار أو الإعلان عن المنفعة العامة. فإذا قلنا مثلا نزع الملكية لبناء مدرسة يجب أن يبقى ذلك القرار، ولا يمكن تغيير المرسوم الوزاري حتى تستقل السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية.

     هذه أهم النقاط التي ارتأى الأستاذ "هشام المراكشي" تناولها في إطار مداخلته، وهي عبارة عن فصول القانون رقم 07.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة التي حاول من خلالها الأستاذ أن يزاوج فيها بين حماية حق الملكية باعتبارها حقا دستوريا، وفي نفس الوقت تشجيع الاستثمار العمومي.

     وخلص الأستاذ الفاضل مداخلته، إلى أن الحل الوحيد لإرضاء جميع الأطراف هو التعويض العادل. فإذا كان هناك تعويض عادل وأكثر من ذلك في بعض الأحيان للمنزوعة ملكيته فأنداك سنكون أمام حماية عادلة لحق الملكية المنصوص عنها دستوريا وأمام تشجيع الاستثمار العمومي.

     ختاما، يجب جعل الرقابة القضائية منذ نشر مقرر التخلي إلى نهاية المشروع، كما لا يمكن تغيير طبيعة هذا المشروع بمرسوم صادر عن وزير المعني.

 

 

 

"التحـول الرقمـي لمهنـة التـوثيـق وآفـاق التنميـة الاقتصاديـة"

                                                                      ذ. محنــد الــدرداوي

                                                                      موثـق بهيئــة الـدار البيضــاء

                                                                  ممثــل الهيئــة الوطنيــة للموثقيــن

 

     لابد للإشارة أولا إلى أنه ونحن نعد للموضوع، فقد وجدنا أنه موضوع يتقاطع مع مجموعة من المواضيع التي تؤطرها بعض القوانين، نذكر منها:

1.                 القانون 08.31 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك.

2.                 القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية.

3.                 القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين اتجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي.

4.                 القانون 55.19 المتعلق بتبسيط الإجراءات الإدارية خاصة المادة 25 منه.

    صارت الرقمنة أمرا محتوما وأصبح مفروضا على الإدارة بصفة عامة أن ترقمن خدماتها، ومؤسسة التوثيق ليست بمعزل عنها، بحيث أنها وفي إطار تعاونها مع باقي الإدارات قام المجلس الوطني لهيئة الموثقين بعقد مجموعة من الاتفاقيات لرقمنة المعاملات الإدارية.

 

     أولا: اتفاقية المجلس الوطني لهيئة الموثقين مع الإدارة العامة للضرائب من أجل تبادل المعطيات سنة 2015

     هذه الاتفاقية مكنت من بوابة الكترونية لمنصة التوثيق، تمكن الموثق من طلب الإبراء الضريبي كمثال قبل أي إجراء أي معاملة عقارية من إدارة القباضة التابعة لوزارة المالية ثم مصلحة التسجيل الخاصة بعقود التسجيل من خلال المنصة الخاصة بالهيئة، بحيث يتوفر كل موثق على حساب مع قن سري خاص به، يوصله إلى الخدمات المطلوبة.

      فقد نصت المادة 155 من المدونة العامة للضرائب على الإقرار الضريبي بطريقة الكترونية، بحيث يجب على العدول و الموثقين و الخبراء المحاسبين والمحاسبين المعتمدين القيام بإجراءات التسجيل بطريقة الكترونية ابتداء من فاتح يناير بالنسبة للموثقين، وابتداء من فاتح يناير 2019 بالنسبة للعدول و الخبراء المحاسبين والمحاسبين المعتمدين.

     كانت البداية مع إدارة التسجيل وبعدها جاء تطبيق تحميل شهادة التسجيل في الضريبة المهنية l’attestation de l’inscription à la taxe professionnelle TP، أو التشطيب عليها، وفي إطار من الإبراء الضريبي دائما يتم التنسيق بين القباضة وبين مصالح الجماعات الترابية من أجل تحصيل المداخيل المتحصل عليها لفائدة الجماعة، هذا فيما يخص الاتفاقية مع الإدارة الضريبية.

 

     ثانيا: اتفاقية التبادل الالكتروني بين المجلس الوطني لهيئة الموثقين مع وزارة العدل سنة 2016

      بموجب هذه الاتفاقية أصبح بإمكان الموثق أن يطلب الشهادة نموذج 7 من مصلحة السجل التجاري مقابل أداء الكتروني يمكنه من جميع المعطيات المتعلقة بالشخص المعنوي وكل بياناته من الشكل القانوني والرأسمال والمقر الاجتماعي... إذا كانت له ملكية العقار وإذا كان الشخص المعنوي هو الذي سيجري معاملة عقارية أو تجارية على العقار.

    ولا بد في هذا الصدد من الإشارة إلى المرسوم الصادر في 05/أبريل/2021 القاضي بتطبيق مقتضيات الشهر في السجل الالكتروني و إيداع القوائم التركيبية للشركات بطريقة الكترونية.

 

     ثالثا: اتفاقية الشراكة بين المجلس الوطني لهيئة الموثقين مع المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية

      مكنت هذه الاتفاقية الموثق من طلب الشهادة السلبية Certificat négative، والتوصل بها من مكتبه بالإضافة إلى مجموعة من الخدمات التي تتم بين المرفقين بشكل متبادل. 

 

     رابعا: الاتفاقية الخاصة برقمنة تبادل المعلومات بين الموثقين و صندوق الإيداع والتدبير سنة 2017

     هذه الاتفاقية مكنت الموثق من التوفر على حساب للودائع والأداءات، بحيث يتم تحميل وضعية الحساب بالمبالغ المودعة في انتظار سحبها من طرف مستحقيها، وكل تغيير يطرأ على الوضعية يتم التوصل به عبر البريد الالكتروني، كما يتم تحميل بطاقة المعلومات من طرف الموثق في مكتبه و عبر حاسوبه بعد طلبها الكترونيا من الوكالة الحضرية، وفي هذا الصدد صدرت رسالة بتاريخ 04/يونيو/2019 من السيد المدير العام للوكالة الحضرية للدار البيضاء حول هذا المستجد الذي يتعلق بطلب وتسليم بطاقة المعلومات عبر المنصة القانونية مقابل أداء الواجب الكترونيا وذلك ابتداء من فاتح غشت 2019.

 

     خامسا: الاتفاقيتين المبرمتين بين المجلس الوطني لهيئة التوثيق والمحافظة العقارية والمسح العقاري الخرائطي سنتي 2016 و 2019

    تعتبر المحافظة العقارية الشريك الرئيسي لهيئة التوثيق، بحيث توفر منصة التوثيق التابعة للمجلس الوطني لهيئة التوثيق خدمات مهمة بتعاون مع مصلحة المحافظة العقارية بشكل الكتروني مقابل وجيبة يتم اقتطاعها )10 دراهم للملف(، لكن المعلومات المتوفرة تبقى على سبيل الاستئناس ولا تقوم مقام الوثائق الرسمية، ولكنها على أية حال توفر نوعا من التيسير بدلا من الانتقال خارج وداخل الدار البيضاء وغيرها من المدن، كما يوفر التطبيق طلب شهادة الملكية من المحافظة العقارية مقابل أداء واجب 100 درهم و تحميلها بعد إنجازها و توقيعها الكترونيا، كما يوفر هذا النظام للعقد التوثيقي مجموعة من التسهيلات كإمكانية طلب تصميم عقاري، طلب جدول احتساب المساحات المبنية و غير المبنية دائما لدى مصلحة المسح العقاري، كما يوفر الاطلاع على دليل القيم/ ما يشابه الثمن المرجعي لدى إدارة الضرائب حسب الخرائط وحسب المركبات العقارية، كما توفر المنصة إمكانية تتبع الملفات المودعة أو عمليات التقييد المودعة لدى أي محافظة عن طريق تتبعها من حيث القبول أو من حيث الرفض...

      كما نشير إلى أن قانون التحفيظ العقاري الصادر سنة 2011، تنص المادة 106 منه على إمكانية تأسيس ملفات بأساليب الكترونية، ثم المرسوم المتعلق بإجراءات التحفيظ بتاريخ 14/ أبريل/ 2014 الذي ينص في الفقرة الأخيرة من المادة 24 على أنه " يمكن للحافظ على الأملاك العقارية تدبير السجلات العقارية بالأساليب الالكترونية"، ثم توالي مجموعة من المذكرات التي تنص كلها على الرقمنة و إلغاء العمل بالوثائق و استبدالها بطرق الكترونية، وفي هذا الصدد مذكرة عن المحافظ العام بتاريخ 27 / يوليوز / 2017 إلى السادة المحافظين تحتهم على تحسيس الملاكين بأهمية الانخراط في خدمة "محافظتي"، وقد تم إعداد وصلات إشهارية تصب في هذا الجانب عرضت في رمضان، هذه الخدمة تمكن ملاكي العقارات من تتبع وضعيات أملاكهم بطريقة الكترونية بعد اتصالهم بالمحافظة العقارية وتزويدها بأرقام الهواتف و البريد الالكتروني إذا أمكن، هذه كانت بدايات تنظيم محافظتي، ليصدر بعد ذلك المرسوم المؤرخ في 10/ دجنبر/ 2018 بتحديد شروط وكيفيات التدبير الالكتروني لعمليات التحفيظ الالكتروني لعمليات التحفيظ العقاري و الخدمات المرتبطة بها، فنص في المادتين 23 و 24 منه على الإجراءات التنظيمية المتعلقة بالاستفادة من خدمة "محافظتي"، ونص على ضرورة تزويد المحافظة العقارية بواسطة المهنيين ومنهم بطبيعة الحال الموثقين بهواتف المتعاملين في المعاملات العقارية وببواريدهم الالكترونية.

هذا طرح إشكالا في البداية نظرا لأن بعض الموثقين رفضوا الأمر باعتبار أنه يدخل ضمن السر المهني، فكيف لهم أن يطلبوا من المتعاملين مدهم بأرقام الهواتف والبريد الالكتروني لإعطائه للمحافظة العقارية، لكن بعد ذلك تم تجاوز هذا الإشكال بتحسيس المتعاملين بأن الإجراء يصب في مصلحتهم ويهدف إلى حماية ممتلكاتهم من ظاهرة الاستيلاء على العقارات، بحيث تقوم المحافظة بإشعار مالك العقار بكل إجراء ينصب على عقاره سواء كان تقييدا أو تشطيبا... فإذا كان هو صاحب التصرف المبلغ عنه فلا ضير، وإلا فإن عليه التواصل مع مصلحة المحافظة العقارية قبل انتهاء أجل أربع سنوات المنصوص عليها في المادة 2 من مدونة الحقوق العينية لإنقاذ الوضع.

    ودائما مع مصلحة المحافظة العقارية كشريك متعامل مع مرفق التوثيق في إطار الرقمنة، فحينما يجد جديد بتنسيق مع رئيس الهيئة الوطنية للموثقين يتم إشعار جميع الموثقين في المغرب برسالة مع الإشعار بالتوصل، فعلى سبيل المثال نذكر رسالة صادرة من المدير العام للوكالة الحضرية بتاريخ 10 نونبر 2020 موجهة إلى رئيس المجلس الوطني لهيئة التوثيق حول تحسين الخدمات الالكترونية وذلك بإضافة تعديلات و تحسينات على منصات التواصل العقارية مع شركائها الموثقين، وقد نصت هذه الرسالة على أنه يوجد تحسن في الخدمات المقدمة وتراجع في تنقلات الموثقين إلى المصالح الخارجية.

     وكنقطة مهمة، هي أن بوابة المحافظة العقارية تلزم الموثق بأن يحرر المعلومات المتعلقة بالعملية العقارية ويحرر معها الواجبات المستحقة من خلال رقم المعاملة وواجب المحافظة الذي يتمثل في 1,5 من المبلغ، فيحصل على المبلغ الذي سيؤديه لمصلحة المحافظة، وحينما يتم التأشير على الملف يكون الأداء بطريقة الكترونية، مع مستجد آخر وهم حينما يرسل الموثق عقد التوثيق من مكتبه فإنه يتوصل بوصل الايداع R1 للعملية، يتم فيه الإشارة إلى التاريخ بالساعة والدقيقة التي تم فيها التقييد، بعدها تصبح محسوبة على مصلحة المحافظة العقارية فتتم معالجتها و التأشير عليها بالقبول أو بالرفض أو بالتعديل.

    و يبقى الهدف من كل هذه المذكرات هو تسهيل العمليات بين مرفق التوثيق ومرفق المحافظة العقارية.

  و كخلاصة، فقانون التوثيق يفرض حضور مجلس العقد وهذا غير وارد في التعاقد الالكتروني، كما أن قانون التوثيق يفرض العناية بالأرشيف وهذا مستبعد في المعاملة الالكترونية، كذلك أن قانون التوثيق يلزم التحقق من هوية الأطراف ) الهوية، الأهلية، الوثائق...(، وكلها إكراهات و صعوبات لابد معها من مراجعة بعض القوانين بإعادة النظر حتى تكون منسجمة مع القوانين الالكترونية وكل هذا بهدف خدمة الاستثمار وخدمة المرتفقين.

 


 

 "العقـار ومعيقـات الإسهـام في تنشيط الدورة الاقتصاديـة"

                                                                       د. محمد سالم انجيه

                                                                عدل ورئيس المجلس الجهوي للعدول

                                                                      باستئنافية العيون

 

      موضوع العقار و الاستثمار موضوع بالغ الحساسية عظيم الأثر، شديد التعلق بحياة الناس، تقوم عليه الدول وبه تنهض، ولا يستقيم أمر المجتمع إلا برعايته وتنميته وتوجيه توظيفه واستغلاله استغلالا ينعكس على ترقية مستوى الحياة عامة.

      كدت أعتذر عن مشاركتي في هذه الندوة لوفرة المادة وتنوعها وتداخلها، حتى لم تسلم من التكرار المخل أحيانا، وتكاد كلها تقر بالعجز عن درك حقيقة المعالجة الفاعلة واعتماد الحلول الناجعة، فبقيت الجهود العلمية رهينة الاقتراح والتنظير المجرد عن الإرادة الحازمة في جعل العقار لب التنمية الدائمة التي يبلغ مداها كل الناس بمختلف مستوياتهم وأوضاعهم، في إطار الإنصاف والعدل واعتبار الأحوال المرتبطة بالزمان والمكان.

       إن من أخص وظائف الجامعات انشغالها بقضايا المجتمع ومواكبة تطوره من موقع الريادة، فضلا عن مهمة تحرير العقول من النمطية وحملها على تحسين الحكامة العقلية لتمكينها من النظر الفاحص لكل ما تنتظم به شؤون المجتمع، والتنبيه إلى مواطن التقص والقصور التي تواكب تنزيل القوانين، وذلك بإنتاج الأفكار وايجاد البدائل وكثرة الطرق للموضوعات الآنية و المستقبلية، وهذا من أهم سبل تنشيط الدورة الاقتصادية على المستوى العلمي و المعرفي.

      تسعى هذه الورقة إلى تقديم إشارات و إيماءات لبعض معيقات تنشيط الدورة الاقتصادية ذات الصلة بالعقار، استقرأتها من واقع الممارسة للمهنيين المتعاملين مع العقار من مستويات متعددة، وذلك بالنقط والمفردات التالية:

     أولا: قيمة العقار ومركزيته في الدورة الاقتصادية

     ثانيا: الدورة الاقتصادية في أبسط صورها

     ثالثا: معيقات إسهام العقار في تنشيط الدورة الاقتصادية

 

     أولا: قيمة العقار و مركزيته في الدورة الاقتصادية

     إن من نافلة القول التذكير بأهمية العقار في حياة الناس منذ الأزل، و التملك فطرة ربانية مركوزة في النفوس، وما يزال يلقي بظلاله على مد الدهور، لذلك حفظته الشرائع و اعتبرته مالا تصان حرمته وطرق الانتفاع به، وسبل انتقاله بين الأجيال، وجعلت احياءه وحيازته موجبا لملكيته عند انتفاء الموانع، واجتهدت الدول الحديثة في تقنين أحكامه لتواكب المستجدات حتى اشتمل على صور حديثة من تدابير أشكال الانتفاع بالعقار و تملكه.

     لقد تنامى الإحساس بقيمة العقار في عصرنا بعد غلبة منطق السوق الذي يدكي الحرص على التملك و الاستهلاك معا، بمختلف الطرق و الأساليب المشروعة وما دونها، لتنطبق على واقعنا قولة " إن الحلال ما وصلت إليه اليد و إن الحرام ما لم تصل إليه اليد" ضدا في كل القيم و الأحكام الشرعية التي تعلي من مكانة العمل بوصفه أنجع طرائق الكسب وتمنع المصادر غير المشروعة، فاحتاجت المجتمعات إلى سن قوانين للإضرار غير المشروع التي لم تسلم من معارضتهم حتى لا تصدر، وحتى إن صدرت يتم الاحتيال عليها.

     و الاهتمام بالعقار نال عناية خاصة في الفكر الاسلامي مع الحت على إحياء الموات من الأراضي و استصلاحها و الغرس حتى ولو قامت القيامة، وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها"، ورغبت في الوقف وحبس العين وتسبيب المنفعة ابتغاء أجر الآخرة، وعن عن الله بن عمر رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال يا رسول الله: "إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منك فما تأمر به؟" قال:" إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، قال فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يورث ولا يوهب، وتصدق بها للفقراء وذي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل و الضيف، لا جناح على من وليها أن يأخذ منها بالمعروف ويطعم غير متمول، ثم استمر الوقف في شتى وجوه الخير منذ صدر الإسلام إلى زماننا الحالي، وكان أساس العمران ودعامة العلم ومصدرا للعيش الكريم للعلماء، وكاشف غم للفقراء وذوي الحاجات مثل: أوقاف المغاربة في القدس و الحرمين، فضلا عن الأوقاف المحلية التي تحتاج إلى تطوير وترقية لتبقى ريادتها مستمرة.

     لم يخفى للاقتصاد المعاصر الاستناد على العقار بوصفه رافعة إنتاج وحاضرة للتنمية، لكنه لم يسلم من تجاوزات و عوائق، بعضها رسخ الطبقية ومنطق الريع، فوسع الهوة بين فئات المجتمع وأسهم في ظهور اختلالات بنيوية قلما من يرتوي بنارها، ولئن كانت بلادنا تمتلك ترسانة متنوعة من القوانين في مختلف المجالات، إلا أن نقطة ضعفها أنها تصاغ بخلفية تراعي غالبا التوازنات المتوهمة، فتخرج غير مكتملة فاقدة للاستيعاب لكل ما يدخل في نطاقها، وأكبر عائق نحياه هو عجزنا عن ملاءمتها لمستجدات الواقع و تدارك ثغراتها في الوقت المناسب، ويتسم حالنا بالتردد في المراجعة واقتراح الحلول العملية والخطط الدقيقة الكفيلة بتيسير حياة الناس، ومما يشهد لما ذكر أن إصلاح القوانين لا يأتي إلا بعد بذل جهود مكثفة قاسمها المشترك ثرة التداول حتى في الواضحات، ولا ضرر أن ترتفع أصوات بعض المسؤولين و الباحثين الجامعيين والمؤلفين والمهنيين تنادي بضرورات التعجيل والإصلاح (...) من الأوضاع عبر القوانين الجديدة المتكاملة تستفيد من السابقة و تنفتح على التجارب الدولية في التدبير العقاري وتنميته، ولا تزال الجامعة بحاجة ماسة إلى مضاعفة الجهود، لكن في اتجاه بحث عوامل التخلص من آفة الاستسلام للتنظير فقط ومحاربة الهر التشريعي و تضييع الفرص على الجيل المعاصر والأجيال التي بعده، وذلك بالوقوف على ما تم إنجازه وتنزيل توصيات المنتديات والندوات، وبحث صيغ عملية لضمان تهييئ الوعاء العقاري قانونيا واستثماريا من أجل دعم اقتصاد تنافسي ناجع لحياة أرغد يرجوها الناس كافة.

     ولنا أن نتساءل من مآل كثير من المبادرات الوطنية من مثل مخرجات منتديات السنى سنوات التسعينات و المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية لدورة دجنبر 2015، و الورقة التأطيرية المعدة من قبل المجلس الاقتصادي و الاجتماعي سنة 2019 بناء على طلب رئيس الحكومة سنة 2018، وعشرات الأيام الدراسية و الندوات ومئات المقالات و البحوث، فضلا عن المؤلفات التي تغني المكتبات الوطنية وبعضها للأسف لا يعدو أن يكون زينة لرفوف كثير من المؤسسات المعنية بالعقار وأغلبها لا يتجاوز حد تقارير مطبوعة بإخراج متقن.

    لقد جاء في ورقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي ما يعبر عن تعقيد المسألة، حيث نصت على ما يلي:

 "في سياق الدراسات و التقارير ذات الصلة التي أعدها المجلس، برزت إشكالية العقار بوصفه عنصرا أساسيا، وتم إجراء تحليل يراعي كل السياقات من أجل إصدار توصيات قوية حول الموضوع، وانطلاقا من هذا العمل الرامي إلى تعزيز المكتسبات و ترسيخ الانتاج الداخلي للمجلس، خلصت كل هذه  التحليلات إلى أن العقار يشكل إكراها قويا على مستوى الولوج والتموقع والحكامة والتكلفة، وفيما يتعلق بالحكامة تم الوقوف على غياب توجه استراتيجي و اللجوء إلى الاستغناءات التي ينجم عنها تداخل بين الهيئات و الأهداف القطاعية، مما يساهم في استفحال ظاهرة المضاربة".

ويمكن سرد بعض مظاهر النقص في:

1.     غياب آليات إجرائية لضبط السوق العقارية بهدف منع المضاربة و الحد من انعكاساتها على الأسعار.

2.     ضعف استخدام التكنولوجيا ولاسيما التكنولوجيا الرقمية لضبط البنية العقارية و ضمان قابليتها للتغيير.

3.     ضعف مستوى التكوين الأساسي للموارد البشرية المشرفة على تدبير العقار، لأنه لا نزال نجد في المؤسسات المعنية بالعقار أشخاصا لا يحسنون التعامل مع جهاز الحاسوب.

     ومن هذا المنطلق، إنه لا بد من وضع خطة استراتيجية شمولية متعددة الأبعاد ومتعددة القطاعات لتدارك هذه الإشكالات (...).   

 


     ثانيا: الدورة الاقتصادية في أبسط صورها

     تنشيط الدورة الاقتصادية لا يعني بالضرورة وجود ركود و انكماش اقتصادي قوامه تفشي البطالة و ارتفاع نسب التضخم مثلا، بل إن التنشيط يتناول أيضا حسن تنظيم الموارد واستثمارها، ليوفر موارد جديدة وينتج ثمرات يانعات يستظل بها المجتمع، و تحمل الإنسان على المشاركة الفاعلة في الإنتاج، فالكل لا ينبغي أن يبقى عالة على محيطه ولا على الدولة، بل المسؤولية تقتضي العمل على الإدماج في عمل يغنيه وكسب يكفيه،  وإعانته على تحصيل مورد يعود عليه بالنفع  من خلال تيسير تشغيل ما تحت أيديهم من وعاء عقاري بشكل مستقل أو بشراكة مع غيره، لأن بعض الناس يملكون أملاكا وتعتبرهم من جملة الفقراء، لأن هذه الأملاك يمكن استثمارها وتوجيهها، وعندما نتحدث عن الاستثمار يتبادر إلى الذهن الاستثمار في شكل شركات كبرى أو مؤسسات أو دول، لكن ننسى أن نوجه الإنسان في استثمار ماله لترقية حاله، وكل اقتصاديات العالم قد تمر بمرحلة نمو و ازدهار أو انكماش و كساد أو مرحلة قريبة منهما، وتعمد المجتمعات الناجحة و الدول المتقدمة إلى توظيف جميع إمكانياتها المادية و المعنوية وتأخذ من رخائها لشدتها وتؤهل قدرات عقولها لابتكار الأساليب و الطرق الكفيلة بالنهوض وتجاوز مطبات الركود، فلا ينبغي الارتهان إلى دعوى الركون، النظر إلى الموجود وترقية هؤلاء و انتظار المفقود، وبذلك فمن أيسر الطرق توجيه اهتمام الأفراد إلى تنمية ما بأيديهم من أموال أو أملاك ورفع القيود والأغلال التي تمنع من الانتفاع الجديد، إن على مستوى التشريع أو على مستوى التدبير و التسيير، وليس الاقتصاد الخادم للدورة الاقتصادية قاصرا على أهل اليسار أي الأغنياء، بل يمكن بقدر من الإحسان والتوجيه والمواكبة نقل ذوي الحاجات إلى منتجين أو على الأقل مستكفين، ونذكر مبادرة التنمية البشرية التي أنفقت فيها أموال طائلة والتي كان بالإمكان أن تكون رافعة حقيقية للاستثمار في أبسط صورة على المستويات المحلية، ولكنها كانت كمن يصب الماء في الرمال.

     إن التنشيط يتطلب قوة في الفكر والقرار والإنجاز وإسناد معرفي، بتنظيم لهذه الأنشطة والفعاليات التي تتوجه إلى مجال حي متعدد العطاء، إن استغل على الوجه الأمثل، فهو الرافعة لكل تنمية سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الدولة.

     إن الدولة لا يمكنها أن تنوب عن أفرادها في كل صغيرة و كبيرة، لذلك لابد من تشجيع المبادرات الفردية و الجماعية، مع تنظيمها حتى لا تتسم بالظلم و الطغيان، وحتى ينخرط الجميع في تنمية مستدامة و ابتكار صيغ مناسبة لمختلف الشرائح الاجتماعية في كفاية نفسها، من خلال دعم القدرات وصقل المواهب(...).

نعم، لابد من حفظ مكانة المقاولات و المستثمرين في إطار القانون، وتوفير الشروط الكفيلة لتيسير عملهم، مع السعي المتواصل لانخراط الجامعة في محيطها الاقتصادي فعليا من خلال عقد شراكات متوازنة وتقديم خدمة الدراسات الميدانية، وإرفاد جهود مراكز الاستثمار الجهوية، مع التعريف المستمر بفرص الاستثمار و المجالات المحلية، فليس من اللائق احتراف تخريج متكونين في تخصصات لا يحتاجها المحيط الاقتصادي، وليس مناسبا للجامعة الاحتفاء بتكرار مقررات نظرية بعيدة عن حاجيات السوق و متطلباته، رغم أن ذلك تحول دونه معيقات تتناسب و نتيجة عوامل عديدة في الدولة و المجتمع، وسنحاول تقريبها فيما يلي:

     إسهام العقار في تنشيط الدورة الاقتصادية من خلال التتبع و الرصد و استشارة المهنيين المباشرين لوضعية العقار، و المطلعين على سيرورة الاستفادة منه، بغرض التخلص من بعض المعيقات التي تعوق سبل العقار وتحول دون إسهامه الفعال في تنشيط الدورة الاقتصادية، منها ما هو عام مشترك على المستوى الوطني يكاد يكون معلوما للجميع، ومنه ما هو شبه خاص بالجهات الجنوبية لا يعلمها كثير من الناس ونتج عنه لغط كثير، وتلك في تقييم الوضع و صياغة الحلول الناجعة له محليا و مركزيا.

 

المعيقات العامة المشتركة:

1.     تعدد الأنظمة العقارية وهذا ما هو معلوم.

2.     تعدد المتدخلين في هذه الأنظمة، لأن كل نظام تشرف عليه جهة معينة.

3.     تعدد جهات التوثيق من عدول و موثقين و محامين، على اعتبار ما جاء مؤخرا في مدونة الحقوق العينية، وهذا فيه نوع من التجاوز الحقيقي، وفخ للمحامين أكثر مما هو تجاوز لتخصصات الموثقين و العدول.

4.     التباين بين المهن التوثيقية "العدول و الموثقون" فيما يهم السرعة و النجاعة و العرقلة أحيانا، والتمييز داخل المهن بسبب الشطط في بعض القوانين المنظمة لكلا المهنتين.

5.     عدم إلزامية التحفيظ العقاري وبسط التسوية القانونية للبقع و الشقق والدور الفردية التابعة لأملاك الدولة.

6.     السماح لذوي الصلاحيات القانونية كرؤساء الجماعات، تسليم شواهد المطابقة و رخص القسمة و التجزئة وبطء معالجة ملفات الملكية المشتركة وتسوية وضعية البنايات العشوائية، تأخر المصادقة و التوقيع على تصاميم التهيئة وأوراق التعمير، والتي تدخل فيها اعتبارات انتخابية سياسية وغيرها، وهذا فيه خطر حقيقي لأن الضحايا فيها هم المواطنون. 

7.     عدم تعميم التنطيق و تثمين المواقع، يعني في كل البلد أسهم في المضاربة و فوت على خزينة الدولة موارد كبيرة.

8.     تساهل مع عدم مسك دفتر التحملات خاصة بالمشاريع و إهمال تنزيل مضامينها و الإخلال بها، وربما تغيير هذه المشاريع أو تكييفها لاستغلالات أخرى، وغياب المتابعة في التنفيذ وعدم التقيد بالآجال.

9.     بطء المعالجة القضائية للملفات مع ضعف التخصص العقاري رغم وجود ترسانة قانونية كبيرة جدا و حد الإسهاب، بحيث لا نزال نعيش فقرا في التخصص العقاري، لا على مستوى هيئة المحامين ولا على مستوى هيئة القضاء، مع بعض الاستثناءات هنا و هناك، وهذا بحق إشكال كبير يحتاج إلى تناول.

    10. صعوبات تنزيل الرقمنة، فهذا التدبير موجود لكنه يحتاج إلى جرأة و انطلاقة حقيقية دون الالتفات للوراء.

    11. عرقلة عمل المهنيين بتحديد سقف المشاركات، الأمر الذي رفع تكلفة رخص البناء فمثلا عدد الملفات المعطاة للمهندسين المعماريين يمكن أن تعرقل نشاطه فتدفعه إلى رفع قيمة الواجبات المتعلقة بإعداد الرخص(...)

وهذه المعيقات تكاد تكون مشتركة على المستوى الوطني. 

 

بعض المعيقات المحلية الخاصة بالأقاليم الجنوبية:

يمكن تناولها في ثلاث نقاط:

1)    العقار المعد للسكن

2)    العقار المعد للمشاريع

3)    العقار المعد للاستغلال الفلاحي "الكراير"

 

1)   العقار المعد للسكنى:

      عرف هذا العقار تطورا ملبوسا بكثير من العشوائية في التنظيم و التجاوزات القانونية، حكمتها الرغبة في التسريع و التشييد والإعمار، حيث تم إعداد تصاميم ورقية لتجزءات ولا يوال الأمر ساريا للآن في بعض المدن، فنجد مثلا في مدينة الداخلةـ  تجزئة ورقيةـ وزعت على الناس واشتروها ولم يشرع بعد في تخطيطها، ورخص ببنائها قبل إعداد رسومها العقارية الكلية والجزئية، بمعنى أن السلطات المحلية كانت سيدة المشهد، توزع بقعا قابلة للبناء ومساكن جاهزة بناءا على اعتبارات مختلفة ـ ليس المقام مقام سردهاـ ينتفع بها المستفيدون دون سند للملكية إلا ما كان بشهادة إدارية بأسماء متعددة )شهادة تسليم أو توجيه أو شهادة منح أو استفادة ..(، ولم يشرع في تسوية وضعيتها القانونية و إخراج رسومها العقارية الجزئية إلا بعد عقود من الزمن، وعلى سبيل المثال  ) الحي الذي أسكن فيه( الذي بدأ البناء فيه في الثمانينات  ولم نستفد من الرسوم العقارية إلا في 2019، فكيف للناس أن يستثمروا أملاكهم العقارية  في تنشيط الدورة الاقتصادية؟

    وهذا من شأنه أن يعطي إسهاما فعليا في تنشيط الدورة الاقتصادية رغم أنها تنتقل بين المتعاقدين عبر الميراث أو التفويت بواسطة البيع أو الهبة أو التنازل عن المنفعة بوثائق عدلية و بأحكام قضائية دون مشاكل تذكر مع مرونة المحاكم في التعامل.

      ومن مرونة المحاكم أنها لا ترى مانعا في اعتماد مستندات التصرف المتوفرة بالصورة القائمة حتى في أعلى درجاتها، وتنصب الوثائق العدلية من هذا النوع على نقل ملكية البنايات المشيدة، فيما تباشر السلطات المحلية عمليات تسوية الوضعية القانونية والتقنية، بعد إعداد الرسوم العقارية الجزئية، حيث تدرس ما يقدمه آخر مستفيد من مستندات و وثائق و شواهد إدارية، المؤسسة عليها العقود العدلية ثم تأذن بتفويت و توثيق الرسم العقاري باسم آخر مستفيد.

       توجد عقارات قليلة خارجة عن ملك الدولة، يملك بعض أصحابها رسوما عدلية قديمة و مستندات اسبانية، ومؤخرا باشرت السلطات المحلية في بعض المدن تفعيل ما جاءت به الدورة الدولية المشتركة للقطاعات الوزارية لإصدار الشهادة الإدارية المطلوبة بناء على المادة 18 من المرسوم التطبيقي لخطة العدالة، وبالضبط في المدار الحضري، لكن بعضها تعذر توثيقه بسبب وجود ملاكيه خارج أرض الوطن، ويحملون جنسيات أخرى، الأمر الذي يتعارض مع مقتضى مدونة الحقوق العينية التي تمنع اكتساب الملكية على أساس الحيازة للأجانب.

 

2)   العقار المعد للمشاريع:

يتميز العقار المعد للاستثمار بالوفرة والشساعة، لكن إشكالات عميقة تعترضه، منها:

1.     السلطات الواسعة التي يتمتع بها العمال في توزيع و استعمال هذا الرصيد العقاري الكبير على مختلف القوانين.

2.     تبديد جزء كبير من الموجود وسط المدن لصالح الأعيان و رجال الأعمال أو الشخصيات قصد تغطيات سياسية ...الخ

3.     جزء من هذا العقار موضوع ترامي و أعمال تزوير من طرف أشخاص و مجموعات الضغط، وهذا أكثر استفحالا في الأقاليم الجنوبية.

4.     قدر مهم من هذا العقار بدل أن يستغل في مشاريع اقتصادية منتجة، فوت على شكل تجزئات لمنعشين عقاريين باعوها بدورهم للأفراد بأثمان تجارية عالية ـ شركات تشتري أملاك الدولة ب 10 دراهم للمتر وتبيعها بثمن يتراوح بين 1000 و 2000 درهم للمتر ـ

 

3)   العقار المعد للاستغلال الفلاحي "الكراير": إشكالية تهم الأقاليم الجنوبية

       "الكراير" مصطلح محلي، لا يمكن أن نطلق عليها أراضي الجموع أو السلالية و غيرها، بل تحتاج تسمية خاصة، وتحتاج عقول القانون لاكتشافها، هذه الأراضي بورية عبارة عن قيعان تمسك الماء متى أمطرت، يستصلحها الزراع أحيانا لاستغلالها، توجد بها بعض الاشجار الشوكية، تمثل وعاء عقاريا مهما، لكن مع حاجة الدولة إلى توسيع الوعاء العقاري المرصود للمشاريع الكبرى، باشرت مصالح الدولة ايداع مطالب التحفيظ ضمن الأراضي الشاسعة غير المستغلة و ربما أخلت بمساطر التحديد الطوبوغرافي لوصف المعالم و المكونات، فحدثت ردة فعل تجاهلت واقع الحال من استغلالها وواكبتها في الفترة الأخيرة مبالغة في استغلال مساحات كبيرة منها.

       إن اعتماد كناش المحتويات )الوثيقة الوحيدة التي تدلي بها أملاك الدولة على ملكية الأرض(، كأصل للملكية لتأسيس الرسوم العقارية، سبب إشكالا للمحافظة العقارية، و يسر قضية التعرضات، هذه الأخيرة كذلك تعترضها قضايا الإثبات، لذلك فلك فإن هذا الأمر يحتاج تدخلا كبيرا.

      وكخلاصة، أنه توجد فرص كبيرة لحت المواطن العادي على استثمار ما يملكه من عقارات و إدخالها في الدورة الاقتصادية، لكن مع إعانته بتسوية الوضعية القانونية بأسرع وقت ممكن للعقارات التي بحوزته.

 

 

كلــــمة ختاميــــة

     عن أبي الدرداء رضي ﷲ عنه قال: سمعت رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يقول: "من سلك طريقا يبتغي فيه علما، سهل ﷲ له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر". رواه أبوداود والترمذي.

     لا يزال المرء عالما ما طلب العلم، فإن ظن أنه قد علم، فقد جهل.

    هذا العمل ما هو إلا ثمرة مجهود وعمل وحبا لشعبتنا "القانون". وإيمانا منا بأهمية البحث العلمي في إعطاء قيمة نوعية لمواضيع لها راهنيتها في مختلف المجالات عن طريق النشر سواء الورقي أو الإلكتروني. وكذا إيصال الإشكالات المثارة في الساحة القانونية عموما والساحة العقارية خصوصا للجهات المعنية بذلك، لمحاولة تدارك ما يجب تداركه وتنظيم ما لم يتم تنظيمه وإعادة النظر، مع الأخذ بعين الاعتبار لاقتراحات السادة الأساتذة في مثل هذه الورشات العلمية القيمة لمحاولة تفادي الإشكالات المطروحة في الواقع العملي، في إطار الإرادة الجدية للمشرع في تعديل النصوص القانونية موضوع الإشكال.

     وبهذه المناسبة العلمية، لا يسعنا إلا أن ننوه ونتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى كافة السادة الأساتذة كل باسمه وصفته بما أدلوا به من مداخلات قيمة وفي مواضيع مختلفة تنصب كلها في "العقار والاستثمار" كل حسب تخصصه ومجاله. كما نتقدم بالشكر الخاص والخالص إلى كل من الأستاذة الكريمة "حليمة بن حفو" منسقة ومنظمة هذا الطبق العلمي المتميز وهي بادرة طيبة منها، وكذلك الشكر موصول إلى الأستاذ الكريم "هشام البخفاوي" ممثل لجنة التنسيق، دون أن ننسى الأستاذة الفاضلة "حليمة لمغاري" مسيرة هذا الورش العلمي.

     ونختم بما قالته الأستاذة "حليمة بن حفو" في آخر سطر من مداخلتها: "يجب أن يكون النشر الإلكتروني لأشغال هذه الندوة حتى تكون وقفا عاما يستفيد منه جميع الباحثين والمهتمين بهذا المجال".

     ومعلوم، أن الوقف عمل إنساني وعبارة عن "صدقة جارية"، ونفس الأمر يتعلق بهذا العمل، وبه نسألـكم الدعــاء لنــا ولوالـدينـا.

إرسال تعليق

0 تعليقات