آخر الأخبار

Advertisement

الشرطة الإدارية: الاختصاصات وحدود السلطات - ذ/ محمود جليخ - مجلة الباحث


     ذ/ محمود جليخ

باحث بماستر القانون العام الداخلي وتنظيم

الجماعات الترابية - مراكش

الشرطة الإدارية: الاختصاصات وحدود السلطات

مقدمة

إن مفهوم الشرطة الإدارية يرتبط وبشكل كبير بمعنيين لا يقل أحداهما أهمية عن الأخر الأول عضوي والأخر مادي، فهذا الأخير يتجلى وبشكل كبير في الهيئات الإدارية أو الأجهزة الإدارية، أما من الناحية المادية فيتجلى هذا بالخصوص في النشاط القانوني للشرطة الإدارية.

تعتبر الشرطة الإدارية من أهم وطائف الإدارة، تتمثل أصلا في المحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاثة،عن طريق إصدار القرارات التنظيمية والفردية، واستخدام القوة المادية بما ينتج عن ذلك من فرض قيود على الحريات الفردية للمحافظة على الحياة الاجتماعية. لأن صيانة النظام العام تقتضي في العادة فرض قيود على كيفية استخدام الحقوق في المجتمع وعلى ممارسة الحريات العامة، لذلك فإن هناك علاقة كبيرة ما بين الشرطة الإدارية وحقوق الأفراد وحرياتهم.

وحفظ النظام العام يكون في الأماكن العامة، كالطرق والميادين والمرافق العامة، فلا تمتد سلطة الشرطة الإدارية للأماكن الخاصة إلا إذا تعلق الأمر بتأثير الشؤون الخاصة على النظام العام للمجتمع، كما في حالة الضجة المنبعثة من أجهزة الآلات المختلفة لمساسها بالسكينة العامة، وكما في حالة وجود وباء يؤثر انتشاره في الصحة العامة، وكما في حالة احتواء الأماكن الخاصة لمجنون ثائر يهدد الأمن العام.

غير أن سلطات الشرطة الإدارية غير مطلقة لأنها في الأخير خاضعة لرقابة القضاء، ويراقب القضاء استخدام الإدارة وسائل الشرطة الإدارية ليوفق بين أهمية هذه الوسائل في حفظ النظام العام، وخطورتها من حيث المساس بالحقوق الفردية، فيقيم نوعا من التوازن بين السلطة والحرية، وتنصب رقابة القضاء على الهدف الذي تسعى الشرطة الإدارية تحقيقه ومدى تعلقه بالمحافظة على النظام العام.

والشرطة الإدارية تقوم بتنفيذ القوانين التي يصدرها المشرع في هذا المجال، كما يتضح لنا من خلال الغايات التي وجدت من أجلها فهي تهدف إلى التوفيق بين مؤشرات متناقضة كالحرية والسلطة[1]، أي احترام الحرية دون إلغاء السلطة، وخذا ما يجعل القضاء لا يقف عند حد مراقبة مشروعية وسيلة الضبط المتخذة، وإنما يمد رقابته حتى على ملاءمة الإدارة لأسباب التدخل لتكون الإدارة حريصة على اختيار الوسيلة الملائمة لسبب تدخلها حتى يتناسب  شدة الإجراء المتخذ مع خطورة وتهديد النظام العام، وهذا لا يعني أن القاضي قد أصبح قاضي ملاءمة بالإضافة إلى كونه قاضي مشروعية.

من خلال ما تم منحه للشرطة الإدارية من سلطات عامة في الحالات العادية والاستثنائية للقيام بالمهام المنوطة بها للحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة إلا أن لهذه السلطات حدود تبرز من خلال القيود المفروضة عليها من طرف القضاء.

وتتجلى أهمية موضوع الشرطة الإدارية من خلال دورها الكبير في المحافظة على النظام العام وما يعرفه هذا الاختصاص من تقاطعات قانونية وممارسات إدارية لابد من الوقوف عليها وفهمها. فما هي الشرطة الإدارية وما هي اختصاصاتها؟وما هي حدود سلطة الإدارة التقديرية؟ وما هو الدور الذي يلعبه قاضي الإلغاء في الرقابة على قرارات الشرطة الإدارية؟  وما هو دور قضاء التعويض لجبر الأضرار الناتجة عن أعمال الشرطة الإدارية؟ ثم ما هي الرهانات المطروحة أمام الإدارة لتوفيق بين الحريات الفردية والمحافظة على النظام العام؟

  للإجابة عن هذه التساؤلات ارتأينا تقسيم الموضوع بناء على التصميم الأتي: المبحث الأول: ماهية الشرطة الإدارية واختصاصاتها، المبحث الثاني: حدود الشرطة الإدارية.

 

 

 

المبحث الأول: ماهية الشرطة الإدارية واختصاصاتها.

لم يضع المشرع المغربي والفرنسي تعريفا محددا للشرطة الإدارية إنما اكتفى بتحديد أغراضها ترك مسألة تعريفها للفقه والقضاء والإداريين وفي هذا المجال يعرف الأستاذ DE LAUBADERE  " الشرطة الإدارية على أنها شكل من إشكال عمل الإدارة والذي يتمثل في تنظيم الأفراد من أجل حفظ النظام العام " ولفهم هذا المفهوم لابدة من توضيح الفرق بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية (المطلب الأولى) تم معرفة أنواع الشرطة الإدارية واختصاصاتها (المطلب الثاني)

المطلب الأول: الفرق بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية.

إن دراسة الشرطة الإدارية تضعنا أمام الحاجة إلى تمييزها عن الشرطة القضائية. وهذا التمييز يتم من خلال النظر إلى طبيعة التداخل فيما بينها، فإذا كانت الشرطة الإدارية وقائية واحترازية واستباقية، فإن الشرطة القضائية يكون تدخلها بعديا يبحث إلى حالة الأمن والقبض على الجناة. وتتجلى أهمية التفرقة بين الشرطة الإدارية والقضائية في أن أعمال الشرطة الإدارية تخضع لرقابة الإدارة، أما الشرطة القضائية فتخضع لإشراف النيابة العامة، وتتميز الشرطة الإدارية في طبيعة إجراءاتها التي تصدر في شكل قرارات تنظيمية أو فردية تخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاء وتعويضا، أما الشرطة القضائية فإنها تصدر في شكل قرارات قضائية لا تخضع لرقابة القضاء الإداري، بل تخضع لرقابة القضاء العادي.

المطلب الثاني: أجهزة الشرطة الإدارية واختصاصاتها.

   الشرطة الإدارية هي مجموعة المهام التي تقوم بها الإدارة والتي ترمي إلى تحقيق استتباب النظام العمومي بواسطة تنظيم نشاطات الخواص وحياتهم داخل المجتمع[2].

الفقرة الأولى: المكلفون بالشرطة الإدارية الجماعية   

سنتطرق لكل هؤلاء تبعا لما سيأتي بعده:

أولا: رؤساء الدوائر

إن رؤساء الدوائر هم مكلفون بالمحافظة على النظام والأمن والسكينة العامة بمقتضى الفصل 31 من الظهير الشريف رقم 1.68.88 المؤرخ في فاتح  مارس 1963المتعلق بالنظام الخاص للمتصرفين المساعدين لوزارة الداخلية.

ثانيا‌: السلطة المحلية

الجدير بالذكر أن الفقرة الثانية من الفصل 44 من ظهير التنظيم الجماعي تنص بوضوح على أن السلطة المحلية تبقى مختصة بالمحافظة على النظام والأمن العمومي بتراب الجماعة.

ثالثا: رئيس المجلس الجماعي

يعتبر وبمقتضى الدستور[3]والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية على أن الرئيس الجماعي يمارس السلطة التنظيمية داخل الجماعة الترابية بمقرر يصدره بعد مداولة المجلس الجماعي وينشر فالجريدة الرسمية للجماعات الترابية[4].

الفقرة الثانية: اختصاصات الشرطة الإدارية

سنتطرق لهذه الاختصاصات تبعا لما سيأتي تباعا:

أولا: على الصعيد الوطني  

تعد من اختصاصات رئيس الحكومة الذي يخولها له الدستور السلطة التنظيمية والتي يمارسها بواسطة مراسيم لتحقيق استتباب الأمن في إرجاء المملكة وهي كذلك من اختصاصات الوزراء بحيث إن رئيس الحكومة يمكنه أن يفوض بعض سلطاته إليهم بموجب الدستور[5].

ثانيا: على الصعيد المحلي

ينص الدستور[6]والفصل العاشر من الظهير الشريف بتاريخ 15 فبراير 1977 المتعلق باختصاصات العامل على أن يكلف العامل بالمحافظة على النظام العام في العمالة أو الإقليم، ويجوز له استعمال القوات المساعدة وقوات الأمن والاستعانة بالدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية طبقا لشروط المحددة بالقانون.

      وينص الفصل الثالث من نفس الظهير الشريف على أن العامل يسير على وجه الخصوص وتحت سلطة وزير الداخلية نشاطات رؤساء الدوائر ورؤساء الإدارات المحلية.

أ‌-    بالنسبة إلى السلطة المحلية

تمثل السلطة المركزية في دائرة نفوذ الجماعة في بقى معهود إليها بمهمة ضابطة الشرطة القضائية وتبقى مختصة بالمحافظة على النظام والأمن العمومي بتراب الجماعة.

ومن هنا فقد منح القانون اختصاصات السلطة التنفيذية لممثلي السلطات المحلية. في حين نجد أن جميع الأجهزة الإدارية المحلية على صعيد الجماعات تمارس السلطة التنظيمية كل في حدود اختصاصه الترابي.

على الصعيد المحلي تم تحديد سلطات الشرطة الإدارية المحلية استنادا إلى عدة نصوص قانونية نجد من أهمها الظهير الصادر في فاتح مارس 1963 متعلق بالنظام الأساسي لمتصرفي وزارة الداخلية[7].

ب‌-                       بالنسبة لرؤساء المجالس الجماعية:

لرئيس المجلس الجماعي مهام كبيرة بحيث أنه إذا كانت اختصاصات رجال السلطة محددة على سبيل الحصر، فإن اختصاصات رؤساء الجماعات في ميدان الشرطة الإدارية هي اختصاصات عامة فقد تم التنصيص عليها من خلال المادة 100 من القانون المنظم للجماعات "يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحة والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع، ويضطلع على الخصوص بالصلاحيات التالية:

·       منح رخص احتلال الملك العمومي دون إقامة بناء وذلك طبق الشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

·       السهر على احترام الشروط نظافة المساكن وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النقابات بالوسط المكتب والتخلي منها.

·       مراقبة البنايات المهملة أو المهجورة أو الآيلة للسقوط واتخاذ التدابير الضرورية في شانها بواسطة قرارات فردية أو تنظيمية وذلك في حدود صلاحيات وطبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

·       المساهمة في المحافظة على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي وحمايتها وذلك باتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

·       منح رخص استغلال المؤسسات المضرة أو المزعجة او الخطيرة التي تدخل في صلاحياته ومراقبتها طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

·       تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شانها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة أو سلامة المرور السكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها.

·       مراقبة محلات بيع العقاقير والبقالة ومحلات الحلاقة وبيع العطور، وبصورة عامة كل الأماكن التي يمكن أن تمنع أو تخزن أو تباع فيها مواد خطيرة.

·       السهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم خاصة المطاعم والمقاهي وقاعات الألعاب والمسارح وأماكن السياحة، وكذا الأماكن الأخرى المفتوحة للعموم، وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها.

·       اتخاذ التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور في الطرق العمومية وتنظيفها وإنارتها، ورفع المعرقلات السير عنها، وإتلاف البنيات الآيلة للسقوط أو الخراب، ومنع التراس من إن يعرضوا في النوافذ أو في الأقسام الأخرى من الصروح أو من أن يلقوا في الطرق العمومية أيا كان من الأشياء التي من شأن سقوطها أو رميها أن يشكل خطرا على المارة أو بسبب رائحة مضرة للصحة.

المبحث الثاني: حدود الشرطة الإدارية

من المعلوم أنه في إطار دولة القانون يكون الجميع (مواطنين وهيآت) مسؤولين أمام القانون، وهو ما يسمى بمبدأ الشرعية الذي يجب على الإدارة أن تخضع له حتى لا يقع منها أي شطط أو تعسف في تصرفاتها وتصرفات موظفيها.[8]

ويترتب عن هذا المبدأ أن القرارات الإدارية تخضع لرقابة القضاء سواء أكان قضاء الإلغاء، وهو من اختصاص القضاء الإداري عندما يتعلق الأمر بطلب إلغاء قرار إداري مشوب بالشطط والتعسف أو قضاء التعويض وهو من اختصاص المحاكم ذات الولاية العامة عندما يتعلق الأمر بطلب التعويض عن أضرار تسببت فيها الإدارة.

المطلب الأول: الحدود القانونية لسلطات الشرطة الإدارية:

تمثل الحدود القانونية على سلطات الشرطة الإدارية ضمانة هامة وأساسية لحماية الحريات العامة للمواطنين، وإلزام الإدارة بالخضوع لحكم القانون، وذلك أن الإدارة إنما هي نشاط يمارس بهدف تحقيق الصالح العام.

الفقرة الأولى: احترام مبدأ المشروعية:

يقصد بمبدأ المشروعية أن تكون جميع تصرفات الإدارة في حدود القانون، ويأخذ القانون بمدلوله العام. أي جميع القواعد الملزمة في الدولة سواء أكانت مكتوبة أو غير مكتوبة وأيا كان مصدرها مع مراعاة التدرج في قوتها. وأيا كان نوع تصرف الإدارة أي سواء كان عملها قانونيا أو ماديا، ويكاد الفقه يجمع على أن مبدأ المشروعية يعني سيادة حكم القانون.

وتتحقق سيادة القانون باحترام أحكام القانون وهذا لا يعني أن تظل أحكامه سارية بصفة مؤبدة حتى وإن تغيرت الظروف بما لا يتفق مع هذه الأحكام، فمن المعروف أن القواعد القانونية إنما توضع لتحكم علاقات محددة في ظروف معينة، فإذا تغيرت هذه الظروف وجب تغيير القاعدة بما يتناسب مع ما طرأ من تغيير، غير أن القاعدة القانونية يجب أن تحترم وتسود ما دامت قائمة إلى أن يتم تعديلها أو إلغاؤها بالطريقة المشروعة، وهي غالبا نفس الطريقة التي أنشأت بها.

ويترتب على إخلال الإدارة بمبدأ المشروعية بطلان تصرفها الذي جاء مخالفا للقانون. وهذا البطلان يتفاوت في جسامته وفي أثاره وفقا لدرجة المخالفة، وتتولى تقريره السلطة المختصة وهي إما هيئات إدارية، أو هيئات قضائية[9].

وتنصب رقابة المشروعية على البحث في الوقائع كما تنصب على العناصر التي يرتكز عليها القرار الإداري في :الاختصاص– الشكل –السبب – الموضوع – المحل – والغاية. وفي الواقع تمثل الرقابة القضائية وحدة متكاملة بحيث تنصب على التأكد من مدى مشروعية القرار المتخذ، وهل تم إصداره عن جهة مخولة قانونا باتخاذه[10]، أي هل يخولها القانون حق ممارسة تدابير الشرطة الإدارية، أم صدر عن جهة غير مختصة، وحتى لو صدر عن جهة مختصة قانونا بإصداره، فلابد بأن يكون مشروعا، لهذا أصدرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدة أحكام ألغت بمقتضاها قرارات اتخذت من طرف سلطات مختلفة اعتبرت تجاوزا للسلطة منها: القرار الصادر بتاريخ 18 يونيو1960، والذي ألغت بموجبه قرار باشا مدينة القنيطرة لكونه حدد قيمة الاستيلاء المؤقت على جزء من الملك العام عن مدة سابقة عن سحب الترخيص الإداري بالاحتلال المؤقت من المدعى الذي ظل شاغلا للملك بدون وجه حق بعد إلغاء رخصته، وقد اعتبرت الغرفة الإدارية أن القائد ليس مختصا بإصدار قرار في هذا الصدد مادام هناك نزاع قائم بين الطاعن من جهة، والمجلس البلدي للقنيطرة من جهة أخرى حول ثبوت صفة الملك العام للعقار المحتل. ومن ثمة فإن الفصل في النزاع يعود للقضاء المختص ولا يدخل ضمن اختصاص القائد[11].

وعليه فإن مخالفة قاعدة الاختصاص تشكل عيبا مستقلا قائما بذاته يحق بمقتضاه لجهة القضاء المختص أثارته من تلقاء نفسها والبت فيه ولو لم يثره الخصوم لأنه متصل بالنظام العام.

إن الإدارة وتحت ذريعة الحفاظ على النظام العام، قد تقدم على تقييد ممارسة حرية من الحريات العامة، أو تقوم بخرق مبدأ المساواة بين المواطنين أمام مرافقها العامة، لذلك يتدخل القاضي الإداري من أجل إلغاء التدبير المنحرف عن هدف الحفاظ على النظام العام.

وهكذا تلعب فكرة الانحراف بالسلطة دورا مؤثرا إذ يتحقق عيب الانحراف عندما تصدر الشرطة الإدارية قرارا يرمي إلى غاية غير التي حددها القانون وتمثل عيبا موضوعيا يتم اكتشافه من طرف القضاء يتعلق بالبواعث والأهداف غير المشروعة، مشكلا بذلك تجاوزا في استعمال السلطة[12]، يحق للمتضرر الطعن فيه أمام جهات القضاء المختص،ويتخذ عيب الانحراف في السلطة أحد المظاهر الثلاث التالية:

ü   الانحراف عن المصلحة

ü   الانحراف عن الغاية المحددة قانونا

ü    الانحراف عن الإجراءات المسطرية، ذلك أن القاعدة تقتضي بأن الشرطة الإدارية ليست حرة في اختيار الغاية التي تناسبها، بل يتعين عليها الالتزام بالغاية التي حددها القانون، فلو حادت عنها لكان تصرفها مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة حتى ولو كانت تدخل في نطاق المصلحة العامة.

    وبهذا نجد أن السلطة الإدارية تخضع في جميع مظاهر نشاطها لقواعد القانون، فأية مخالفة تؤدي إلى جعل تصرفاتها باطلة وغير مشروعة وهو ما ينتج عنه إلغاء تلك القرارات، بالإضافة إلى حق المتضرر في مطالبة الدولة بالتعويض عن الضرر. والرقابة القضائية تتناول السبب من حيث وجوده المادي وتكييفه القانوني، والغاية المتوخاة، مما يستوجب الإلغاء كلما كان هناك انحراف أو الشطط في استعمال السلطة.

     وسلطات الشرطة الإدارية ليس لها استخدام سلطاتها إلا من أجل تحقيق وصيانة النظام العام بمفهومه الثلاثي، فعلى سبيل المثال: إذا انحرفت الشرطة الإدارية عن الغرض المرسوم لها، أو صدر قرارها وفق وقائع غير سليمة، كان تصرفها غير مشروعا يجب إلغاؤه، حتى ولو كان الهدف من عمل الشرطة الإدارية تحقيق مصلحة عامة التي لا يمكن التذرع بها كلما انحرفت عن الأهداف المحددة قانونا.

    كذلك كلما كان نشاط المواطنين منصبا على حرية عامة، أو حقوق ضمنها الدستور أو القانون، ليس للشرطة الإدارية تقييدها أو الاعتداء عليها.

    وتنقسم رقابة المشروعية إلى الرقابة القضائية، والرقابة الإدارية. ويمكن القول أن خضوع قرارات الشرطة الإدارية لرقابة الإدارة العليا يستوجب إبداء ملاحظتين: أولاهما أن هذه الرقابة مقتبسة من الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي كرسه مجلس الدولة الفرنسي عندما أبدى موقفه من الفصل96 من قانون الإدارة الجماعية، والذي استبدله بالفصل  131  من قانون الجماعات، حيث أكد بأن قرارات العمدة "لومير" لا يتم اتخاذها تحت سلطة الإدارة العليا ولكن تحت مراقبتها ممثلة في شخص الوالي والتي لا يمكن أن تدخل عليها تعديلات، بل تكتفي إما بالمصادقة عليها أو أن توقف تنفيذها، وهذا الأسلوب يمثل رقابة إجبارية, وليست علاقة خضوع رئيس لمرؤوسه. ثانيهما أن الهدف من الرقابة الإدارية هو السهر على تطبيق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل وكذا ضمان حماية الصالح العام وتأمين دعم ومساعدة الإدارة.

الفقرة الثانية: احترام مبدأ الملاءمة:

تمتد الرقابة التي يباشرها القضاء الإداري على قرارات الشرطة الإدارية لتشمل بالإضافة إلى التحقق من وجود الوقائع التي استندت إليها في قرارها وصحة تكييفها القانوني، بحيث ملائمة هذه القرارات ومدى التناسب بين قرار الشرطة الإدارية خلافا للأصل العام في شأن حدود الرقابة التي تباشرها المحاكم الإدارية على القرارات الإدارية عموما.

والتي تقصر عادة عن بحث ملاءمة هذه القرارات.

      ذلك أن دور القاضي الإداري في دعوى الإلغاء يجب أن يقتصر على فحص شرعية القرار الإداري، على أن تفهم الشرعية في هذا الصدد بمعناها الواسع الذي لا يقتصر على القواعد التشريعية، وإنما يشمل التحقق من مطابقة القرار الإداري لقواعد القانون، حتى يندرج في هذا الإصلاح القواعد القانونية التي تجد مصدرها في أحكام القضاء.

       ومقتضى القاعدة السابقة أن القاضي الإداري يجب عليه الامتناع عن مراجعة الإدارة في تقديرها لأهمية وخطورة الحالة الواقعية استندت إليها بوصفها سببا لقرارها، ومدى التناسب بين هذا السبب والإجراء المتخذ على أساسه. ذلك أن القاضي الإداري إذا فعل ذلك فإنه يكون قد مارس أحد اختصاصات الإدارة العاملة ويصبح بهذا الصف رئيسا أعلى للإدارة.

         ذلك أن الإدارة يجب أن تستقل بتقدير ملاءمة قرارها، ومن أهم عناصر هذه الملاءمة (إلى جانب تقدير وجوب التدخل أو الامتناع واختيار وقت التدخل) تقدير الإجراء الذي يتناسب مع خطورة وأهمية السبب. وفي هذا يقول الأستاذ فالين "أن عملية الإدارة تتمثل أساسا في الاختيار في نطاق مجموعة القرارات التي يمكن اتخاذها قانونا، ذلك الذي يتفق أكثر مع احتياجات الصالح العام". وإذا سمح القاضي لنفسه بمراجعة الإدارة في تقديرها هذا، وإلغاء القرارات التي يقدر انها لا تخدم الصالح العام بدرجة كافية فإنه في هذا الغرض لا يصبح قاضيا وإنما رئيسا على الإدارة. وهذه الاعتبارات السابقة هي التي يعبر عنها فقه القانون الإداري عادة بالقول"أن القاضي الإداري في دعوى الإلغاء يجب أن يقتصر على فحص شرعية القرارات الإدارية، دون التعرض لتقدير ملاءمتها".

       وقد درج مجلس الدولة الفرنسي مراعاة لاعتبارات السابقة على الامتناع عن مراقبة ملاءمة قرارات الإدارة حيث يرفض عادة فحص ملاءمة القرار، وفي هذا المعنى يقرر المجلس عادة في أحكامه "أن أوجه الطعن الأخرى المتعلقة بملاءمة القرار لا يمكن لمجلس الدولة مناقشتها في الطعن بمجاوزة السلطة".

       غير أن مجلس الدولة الفرنسي قد أورد على القاعدة السابقة استثناءا وحيدا في مجال قرارات الشرطة الإدارية الصادرة عن السلطات المحلية، وذلك بمراعاة ما سبق بيانه من أن قرارات الشرطة الإدارية تتناول بالتنظيم والتقييد حريات المواطنين، وهو ما يتطلب إخضاعها لرقابة قضائية واسعة حماية لهذه الحريات ذلك أن المادة 97 من القانون الصادر في أبريل سنة 1884 تخول السلطات المحلية اتخاذ إجراءات الضبط الكفيلة بالمحافظة على النظام العام.

      ولا يكتفي مجلس الدولة بالنسبة لهذه القرارات بالتحقق من وجود الوقائع وصحة تكييفها القانوني، وإنما يقوم فضلا عن ذلك بمراجعة الإدارة في تقديرها لأهمية وخطورة الحالة الواقعية التي بررت تدخلها ومدى التناسب بينها وبين إجراء الضبط المتخذ، وبعبارة أخرى يصل المجلس في رقابته لهذه القرارات إلى درجة بالغة الشدة، حيث يتصدى لفحص ملاءمة القرار ومدى التناسب بين محل القرار والأسباب التي استند إليها (الظروف الواقعية التي تهدد النظام العام).

     وقد ثار البحث في الفقه حول أساس وتبرير هذه الرقابة، وكيفية التوفيق بينها وبين القاعدة السابقة التي بمقتضاها يمتنع المجلس عادة  عن فحص ملائمة القرار، وقد ذهب الأستاذان "أوبي" و "دراغو" إلى أن مسلك مجلس الدولة حيال قرارات الشرطة الإدارية المحلية لا تفسره أية اعتبارات قانونية، وإنما يجد ذلك القضاء تفسيره في عدة اعتبارات عملية تتعلق في مجموعها بأن السلطات المحلية بوصفها سلطات منتخبة، كثيرا ما تدفعها الظروف المحلية إلى إساءة استخدام سلطتها تمشيا مع رغبات الناخبين واتجاهات الرأي العام المحلي, حتى ولو كان ذلك على حساب الحريات العامة أحيانا، بل إن البعض قد ذهب إلى مطالبة مجلس الدولة بأن يمد نطاق هذا القضاء إلى مجالات أخرى غير قرارات الضبط المحلي, متناسيا الاعتبارات القانونية التي تحتم استقلال الإدارة كقاعدة عامة، بتقدير ملاءمة قرارها.

وقد يكون المشرع هو الذي استلزم ملائمة القرار، بوصفها شرطا لمشروعيته، وهو الحال بالنسبة لكل النصوص التي تستلزم لصحة تصرف الإدارة أن يكون لازما وضروريا. ومن الواضح في هذه الحالة أن ملائمة القرار تصبح أحد عناصر مشروعيته.

غير أن الحدود الفاصلة بين الشرعية والملائمة قد تتغير، لا بفعل المشرع، وإنما عن طريق القضاء. ذلك أن الدور الإنشائي الذي يمارسه القاضي الإداري في خلق القواعد القانونية قد يؤدي إلى تغيير الحدود الفاصلة بين نطاقي الشرعية والملائمة وذلك عندما يستلزم القاضي لمشروعية قرار الإدارة أن يكون ذلك القرار ملائما.

وفي ضوء هذه الاعتبارات فانه بدلا من القول بأن القاضي الإداري في دعوى الإلغاء يراقب الشرعية دون الملائمة، مما قد يوحي بتناقض هاتين الصفتين، فإن من الأصوب القول بأن القاضي يراقب الشرعية وهو ما قد يدفعه أحيانا الى مراقبة الملائمة، وذلك عندما تكون شرطا لهذه الشرعية وهذا هو تفسير رقابة مجلس الدولة الفرنسي على ملائمة قرارات الشرطة الصادرة عن السلطات المحلية.

المطلب الثاني: الحدود القضائية لسلطات الشرطة الإدارية:

يقتضي وجود قواعد قانونية متميزة عن قواعد القانون الخاص فرض استقلال القانون الخاص، ويفرض هذا الاستقلال نتيجة لذلك تطبيق القانون الخاص، وتبرز من هنا خصوصيات القضاء الإداري ومميزات تطبيقاته العملية ومجالاته. لهذا فإن حدوث نزاعات الإدارة كطرف فيها، وتمثل السلطة العامة كالشطط في استعمال السلطة، فإنه يحق للمتضرر الطعن في هذه القرارات من أجل إلغاءها وهو الدعوى المقامة أمام المجلس الأعلى الرامية إلى إلغاء قرار إداري غير مشروع، ويعتبر أيضا إحدى المظاهر الأساسية للاجتهاد القضائي. وتعتبر هذه الدعوى والدعاوى الرامية إلى الحصول على تعويضات من الإدارة تطبيقا لمبدأ المسؤولية الإدارية من الركائز الأساسية للقضاء الإداري، ويضاف إليهما الطعون الانتخابية الرامية إلى مراقبة وتصحيح سير ونتائج الانتخابات الإدارية.

إن قاضي الإلغاء يبسط رقابته على مجالات عديدة ترتبط بحقوق وحريات الأفراد، فالقاضي له دور في هذا الشأن وذلك من خلال تأويله لبعض النقط القانونية الغامضة الواردة في نصوص وقرارات الإدارة، بحيث يعتبر هذا المنطلق السند الرئيسي للأفراد المتضررين من القرارات التعسفية للإدارة الماسة بحقوقهم، والتي ترتبط بمختلف الأعمال الإدارية تلك المتخذة في نطاق الشرطة الإدارية أو في مجال الوظيفة العمومية أو في ميدان نزع الملكية[13].

وتمتد رقابة القاضي الإداري من أجل الحفاظ على المشروعية إلى مختلف الميادين التي يبرز فيها نشاط الإدارة المخل بإحدى قواعد الشرعية، ذلك أن قاضي الإلغاء يقوم بإلغاء القرار الإداري غير الشرعي بناء على طلب المعني بالأمر الذي له مصلحة في رفع الدعوى، وتختص المحاكم الإدارية والغرفة الإدارية بالنظر في هذه الدعاوى،وللإشارة فإن الحكم بالإلغاء لا يقتصر مفعوله على رفع الدعوى بمفرده، وإنما يمتد إلى جميع الذين يوجدون في نفس وضعيته.

فإلى أي حد تطور اجتهاد القضاء الإداري في مجال الشرطة الإدارية بعد إحداث المحاكم الإدارية؟

الفقرة الأولى: دور قاضي الإلغاء في الرقابة على قرارات الشرطة الإدارية.

إن قرارات الشرطة الإدارية، هي تلك القرارات التي تهدف بواسطتها الإدارة حماية النظام العام، وذلك عن طريق تنظيم وتقنين ممارسة الأفراد لحرياتهم ومختلف أوجه نشاطاتهم، إن الإدارة في الحالة التي تتخذ فيها هذه القرارات تكون ملزمة باحترام الحدود المرسومة لها من طرف القانون.

ودعوى الإلغاء هي الدعوى التي يرفعها المتضرر إلى جهة القضاء المختص لإلغاء قرار إداري مشكوك في مشروعيته، وقد عرفها بعض فقهاء القانون الإداري بأنها الدعوى التي يرفعها أحد الأطراف إلى القضاء الإداري بهدف إعدام قرار إداري مخالف للقانون.

ومبدأ المشروعية يقضي بالبحث في القرار الإداري هل هو مطابق للقانون، وفي حالة العكس يكون معرضا للطعن فيه عن طريق اللجوء لمسطرة الإلغاء بسبب تجاوز السلطة[14]، وقد نصت على هذه الحالة الفصول 20 إلى 25 من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية.

أما الجهة المختصة بالإلغاء فهي القضاء الإداري، ويتحقق عيب الانحراف بالسلطة أو تجاوزها عندما يكون الهدف أو الغاية المعلنة غير التي حددها القانون، فهو عيب موضوعي يتعلق بالبواعث والأهداف غير المشروعة مما يشكل في حد ذاته تجاوزا في استعمال السلطة يحق للمتضرر الطعن فيه أمام جهة القضاء[15]...ويتخذ هذا العيب إحدى الحالات الثلاث الآتية:

v                   الانحراف عن المصلحة العامة.

v                   الانحراف عن الغاية المحددة قانونا.

v                   الانحراف من الإجراءات.

وبهذا يكون دور القاضي الإداري في مجال مراقبة قرارات الشرطة الإدارية أساسي وحساس بحيث إنه يكون ملزما بالحسم فيما إذا كان التدبير الضبطي المتخذ من طرف الإدارة للحد من ممارسة نشاط معين أو تقييد حرية معينة ضروريا ومسايرا لحاجيات النظام العام وللأخلاقيات الإدارية، أم انه بعيدا عن هذا النظام وعن هذه الأخلاقيات.

وذلك أن القاعدة العامة هي أن سلطة الشرطة الإدارية ليست حرة في اختيار الغاية التي تسلكها في تصرفاتها، بل عليها الالتزام بالغاية التي حددها المشرع. وعليه لو خالفتها حتى ولو كانت حسنة النية فإن قرارها يكون مشوبا بعيب الانحراف في استعمال السلطة وعدم المشروعية، ويصبح على عاتق القضاء مهمة اكتشاف ذلك العيب وهي مهمة صعبة ودقيقة للغاية، لذلك فإن دعوى الإلغاء تتيح للاجتهاد القضائي فرصة مناسبة لتحديد بعض المفاهيم وخلق بعض المبادئ في القانون الإداري لتطعيمه بكل جديد سيما وأنه غير مقنن.

وبناءا عليه، فإذا اقتنع القضاء بقوة الحجج المقدمة إليه م طرف الطاعن، فإنه يأمر بإلغاء القرار المشوب بعيب من العيوب المعروفة بأثر رجعي أي منذ صدوره، ويقف عند هذا الحد، بحيث لا يمكنه إصدار قرار مكانه، كما لا يمكنه الحكم بتعويضات مادية لطالب دعوى الإلغاء، وهذا ما يميزها عمليا عن دعوى التعويض الشامل، فدعوى الإلغاء ترمي إلى إلغاء القرار الإداري وتوقف كل أثر له، وعلى الإدارة أن تستنتج العبر من إلغاء قرارها احتراما لمبدأ حجية الشيء المقضي به.

غير أن التقدم بطلب دعوى الإلغاء يتطلب توفر شروط معينة، انعدامها أو عدم احترام إحداها يجعل الطعن غير مقبول، وهو ما يعبر عنه بشروط قبول دعوى الإلغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة.

الفقرة الثانية: دعاوى التعويض في مجال الشرطة الإدارية:

تعرف دعوى التعويض بأنها الدعوى التي يرفعها أحد المتقاضين إلى المطالبة بتعويض عن الأضرار التي لحقت به، ذلك أن المبدأ هو أن الإدارة مسؤولية عن الأخطاء التي ترتكبها " العربات المملوكة لها والموظفون العاملون لديها" وتلحق ضررا بالغير.

وتختلف وجهات النظر حول الأساس التي تقوم عليه مسؤولية الإدارة عن النشاط الذي تمارسه إلى فريقين:

الأول: يرتب تلك المسؤولية على فكرة الخطأ، وبناء على ذلك لا يحق لمن لحقه ضرر من تصرفاتها في التعويض إلا إذا أثبتت ما يلي:

·       حصول الضرر شخصيا

·       وقوع تقصير أو خطأ من جانب الإدارة

·       وجود علاقة سببية بين خطأ الإدارة والضرر الذي لحق به.

   وهذا ما يطلق عليه قانونا بالمسؤولية التقصيرية.

الثاني: لا يرتب تلك المسؤولية على الخطأ، بل على الضرر الذي لحق بالغير، وتبعا لذلك يكفي لإثبات مسؤولية الإدارة توفر الشروط التالية:

v  حصول ضرر للغير

    وجود صلة بين الضرر الواقع ونشاط الإدارة، بمعنى أن الضرر حصل بسبب عمل الإدارة، فإذا كان القانون يعطي الإدارة امتيازا القيام بتصرفات معينة، فيجب عليها مقابل ذلك تحمل مسؤولية تصرفاتها.

     ومن جهة أخرى، يطلق على هذه الدعوى "قضاء التعويض" وهو يكمل قضاء الإلغاء حيث يؤدي إلغاء القرار المعيب إلى تصحيح الأوضاع وإقرار المشروعية بينما يرمي التعويض إلى جبر الضرر الناتج عنه، وهما معا يكفلان حقوق المواطنين، وتبقى دعوى التعويض الوسيلة الوحيدة لحصول الفرد على تعويض عن الأضرار التي تلحق به من طرف الدولة أو إحدى الهيئات التابعة لها.

    والتعويض هو جزاء للمسؤولية مهما كان الأساس الذي بنيت عليه سواء كان على أساس الخطأ أو أساس الضرر، والقضاء يحكم به عندما يكون الطاعن ضحية ضرر ناجم عن مسؤولية الإدارة، ويقدر على أساس موضوعي يتولى تقديره القضاء العادي.

     والأخطاء من هذا القبيل متعددة بتعدد نشاط الإدارة وتعاملها مع الغير، ولإعطاء أمثلة عن الأخطاء المرتكبة من هذا القبيل نورد بعض الحالات منها:

ü   النزاعات المتعلقة بإبرام العقود الإدارية

ü   رفض الترخيص للغير بمزاولة نشاط معين

ü   رفض تسليم رخص البناء أو شهادة المطابقة.

ü   الحوادث الناتجة عن سيارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.

ü   مسؤولية الإدارة عن الأضرار الناتجة عن الأشغال العامة.

 

 الفقرة الثالثة: القضاء الاستعجالي:

لقد ذهب بعض الفقه إلى اعتبار القضاء المستعجل فرعا من فروع القضاء المدني، متميز ومستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي، ذو مسطرة مختصرة واستثنائية وسريعة، ومصاريف قليلة يسمح لمدعي برفع دعوى استعجالية أمام قاضي يعرف بقاضي الأمور المستعجلة، يختص بالبث بصورة مؤقتة ودون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الاستعجال.

ولقد حدد الفصلان148 و149 من قانون المسطرة المدنية نطاق اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بحيث يتعلق الأمر بإثبات حال أو توجيه إنذار بالنسبة للفصل 148 في حين يتعلق الأمر بالصعوبات المتعلقة بتنفيذ الحكم بالنسبة للفصل 149، وتجدر الإشارة أن نطاق تطبيق القضاء الاستعجالي والأوامر القضائية في إطار القانون المحدث للمحاكم الإدارية أضيق مما هو عليه الأمر في القانون الخاص[16].

ويمكن القول، أن نطاق اختصاص قاضي الأمور المستعجلة غير محدد، وهو يمكن أن يتناول المنازعات المتعلقة بالنظام الضريبي، وقضايا نزع الملكية خاصة ما يتعلق بطلب حيازة العقار المنزوع ملكيته حسب مقتضيات المادتين 38 و 39 من قانون المحاكم الإدارية. كما يختص قاضي المستعجلات بإثبات حالة الأشخاص المتضررين من جراء أنشطة الإدارة[17].

ومما يجب الإشارة إليه هو أن حالة الاستعجال مسألة تتغير حسب ظروف الزمان والمكان المرتبطة بالدعوى. ويرجع أمر التقدير للاستعجال للقاضي حسب ظروف كل دعوى على حدة. وبذلك فوجود عنصر الاستعجال من عدمه مساءلة يستقل بها قاضي الأمور المستعجلة، ولا يترك للخصوم تقدير ذلك، لأن هؤلاء لا يجوز لهم أن يدعوا قيام الاستعجال بمجرد رغبة أحد الطرفين في الحصول على حكم في الدعوى بأسرع ما يمكن، بل إن قاضي المستعجلات هو الذي يملك الاختصاص في التحري عن وجود عنصر الاستعجال. لذلك يشترط في القضايا المرفوعة إلى قاضي المستعجلات أن تتصف بالاستعجال الذي يعتبر أساس تقديم الطلب.

خـــاتـــمــــة

عموما، يمكن القول بأن أن مهام الشرطة الإدارية تكمن في السهر على الحفاظ على النظام العام، وكذا حماية حريات الأفراد وحقوقهم، وذلك من خلال الوسائل المادية والقانونية الممنوحة للسلطات العامة، إلا أن التوفيق بين المبدأين قد يستحيل في بعض الأحيان خصوصا إذا تعلق الأمر بمسألة النظام العام وهذا ما يستوجب إعادة النظر في مسألة تخليق الشرطة الإدارية.



[1]- عبد العزيز أشرقي، "الشرطة الإدارية والممارسون لها والنصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بها، ص: 12.

[2]ذ مليكة الصروخ،"القانون الإداري، دراسة مقارنة،"، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة السادسة،2006، ص:135.

[3] الفصل 140 من دستور 2011.

[4] المادة95 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية 114.13.

[5] الفصل 90 من الدستور المغربي 2011 " يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ويمكن أن يفوض بعض سلطاته الى الوزراء...".

[6] الفصل 145 من الدستور المغربي 2011.

[7] ظهير فاتح مارس 1963، الجريدة الرسمية بتاريخ 15 مارس 1963، ص 574.

[8] - حسن صحيب، القضاء الإداري المغربي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،سلسلة "مؤلفات وأعمال جامعية"، الطبعة الأولى2008، ص: 512.

[9] - المادتان8 و44  من القانون رقم41.90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية

[10] - ثورية لعيوني، القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة دراسة مقارنة-، دار النشر، وجدة،2005، ص45.

[11] - قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 18 يونيو 1960.

[12] - تعتبر دعوى الإلغاء من الدعاوى القضائية التي تهدف إلى المطالبة بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية المتسمة بعدم الشرعية، فهي دعوى موضوعية تنصب على القرارات الإدارية الغير المشروعة والمتسمة بعيوب الشرعية كما هي  منصوص عليها في المادة 63 من قانون 13.93 المحدث لمحاكم الإدارية عيب عدم الاختصاص، عيب الشكل، عيب انحراف في استعمال السلطة، عيب مخالفة القانون وأخيرا عيب السبب.

[13] - قرار المجلس الأعلى، عدد500 ، بتاريخ7 ماي1997 ،ملف95.63 ،مجموعة قرارات المجلس الأعلى1997-1998. ، ص473 ..

[14] - المادة 20 و25 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية 90-41.

[15] - المادة 8 من القانون 90-41.

[16] - تنص المادة 19 من القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، على أنه: "يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه بصفة قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية".وتنص المادة 20 من القانون رقم 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية، على أنه: "يمارس رئيس المحكمة التجارية الاختصاصات المسندة على رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية وكذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية"

[17] - حسب مقتضيات المادتين38 و39 من قانون المحاكم الإدارية.90-41.

إرسال تعليق

0 تعليقات