ذ. محمد بنقدور
نزع الملكية لأجل المنفعة
العامة
مقدمة:
يعتبر
الحق سلطة إرادية يخولها القانون لشخص ما ويرسم حدودها، وهذا الحق ما هو إلا عبارة
عن مركز قانوني إيجابي يعترف به القانون ويقره، وقد اتجه الفقه إلى تقسيم هذه
الحقوق منها ما يتعلق بحقوق سياسية، ومنها ما يتعلق بحقوق مدنية، وهذه الأخيرة
تتفرع إلى حقوق عامة (الحريات العامة) وحقوق خاصة (حقوق الأسرة والحقوق المالية).[1]
والحقوق المالية تشمل كل من الحقوق المعنوية
والحقوق الشخصية والحقوق العينية، ويندرج في إطار هذه الحقوق الأخيرة حق الملكية.
ويعد حق الملكية من أوسع الحقوق العينية
وأقواها من حيث السلطات التي يمنحها المالك، إذ يخول لصاحبه سلطة الحصول على جميع
المنافع التي تمكن الحصول عليها من الشيء موضوع الحق[2]،
بالمقابل نجد المشرع المغربي قيد حق الملكية حسب ما جاءت في المادة 23 مدونة
الحقوق العينية[3] على أنه "لا يحرم أحد من ملكه إلا في
الأحوال التي يقررها القانون.
لا تنزع ملكية أحد إلا لأجل المنفعة العامة
ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون ومقابل تعويض مناسب".
وقد كرس الدستور المغربي[4] هذا
الحق المنصوص عليه في الفصل 35 على أنه " يضمن القانون حق الملكية.
ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات
التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق
الإجراءات التي ينص عليها القانون."
والملاحظ أن المشرع المغربي لم يعرف نزع
الملكية، بل ترك مسألة تعريفه للفقه، وقد عرفه أحد الفقه [5] نزع
الملكية بأنها "عملية يتم بمقتضاها نقل الملكية عقار مملوك لأحد الأفراد إلى
شخص عام بقصد المنفعة العام ونظير تعويض عادل".
وهكذا ما دام القانون هو الذي يقر حق الملكية ويحميه، فإن الشريعة
الإسلامية كانت هي الأصل في ظهوره، وذلك بالرجوع إلى الحديث النبوي[6] على
أن " الناس شركاء في الثلاث: الماء والكلأ والنار" ولقد تعرضت
مختلف القوانين المعاصرة لموضوع تقييد حق الملكية وكذا غيرها من النصوص، فالمادة
17 من التصريح العالمي لحقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 تضمنت أن حق
الملكية حق مقدس وذلك إلى غاية صدور مدونة نابليون المؤرخة في 8 مارس 1810 المتعلقة
بموضوع تنظيم مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، ومنح للمحاكم سلطة نقل
الملكية وتحديد التعويض[7].
وبعد مرور قرن من الزمن تقريبا على إصدار مدونة نابليون، أعلن المغرب عن اتفاقية
الجزيرة الخضراء سنة 1906، ظهرت بعد هذه الاتفاقية نصوصا تنظم كيفية نزع الملكية لأجل
المنفعة العامة بالمغرب كدورية الصدر الأعظم المؤرخة في 1 نونبر1912، ثم أتى بعد
ذلك ظهير 31 غشت 1914 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال
المؤقت، وظهرت معه مجموعة العيوب والمشاكل في النصوص، ومن أجل تفادي هذه العيوب
والمشاكل جاء ظهير 3 أبريل 1951[8] الذي
يعتريه بدوره الاختلال في مراقبة مدى مشروعية المنفعة، وهذا ما دفع إلى تغييره
وتتميمه بظهير آخر المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة والاحتلال المؤقت سنة 6 مايو
1982[9] الذي
وسع من صلاحية القضاء من أجل مراقبة المسطرة الإدارية بإعلان المنفعة العامة.
وتمر مسطرة نزع الملكية بمرحلتين أساسيتين: فالمرحلة الأولى (المرحلة
الإدارية) تتمثل في اتخاذ قرر لإعلان المنفعة العامة وصدور مقرر التخلي، أما
المرحلة الثانية (المرحلة القضائية) تتميز بدعوى الإذن بالحيازة ونقل الملكية
مقابل تحديد التعويض العادل.
ويكتسي موضوع نزع الملكية لأجل المنفعة العامة أهمية بالغة من الناحية
الواقعية حيث تلجأ الإدارة لنزع الملكية من أجل تكوين أرصدتها العقارية وذلك لتحقيق
متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وانطلاقا مما سبق أعلاه، يمكننا طرح الإشكالية المحورية على النحو الآتي:
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال تقنين
النصوص المنظمة لنزع الملكية لأجل المنفعة العامة أن يساهم في تحقيق
النفع العام من جهة وتحديد مبلغ التعويض العادل عن الضرر الملحق للأشخاص المنزوع
ملكيتهم من جهة أخرى؟
ومن هذه الإشكالية المحورية يمكننا تقسيم صلب الموضوع إلى مطلبين: المطلب
الأول: المرحلة الإدارية لنزع الملكية. المطلب الثاني: المرحلة القضائية لنزع
الملكية
تتمة المقال في العدد الرابع من مجلة الباحث....موفقين
[1] البشير باجي، شرح قانون نزع الملكية لأجل
المنفعة العامة في ضوء القانون المغربي والقضاء والفقه والتطبيق، الطبعة الأولى
1991، ص11.
[2] إدريس الفاخوري، المدخل لدراسة القانون، نظرية
القانون الحق، دار النشر الجسور، الطبعة الأولى 2000، ص365.
[3] الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر في 25 من ذي الحجة الموافق 22 نونبر2011 بتنفيذ قانون رقم 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، المؤرخ بتاريخ 27 ذي الحجة 1432 الموافق 24 نونبر 2011، الصادر بالجريدة الرسمية، ص: 5587.
0 تعليقات