آخر الأخبار

Advertisement

مركز العقوبات المالية في القانون الجمركي - ذة نهاد أفقير - مجلة الباحث

 

ذة. نهاد أفقير

باحثة بسلك الدكتوراه بجامعة الحسن

الأول - سطات

مركز العقوبات المالية في القانون الجمركي

مقدمة:

 مهما يكن النظام السياسي والاقتصادي الذي تتبعه أية دولة فإن للسياسة الجمركية دورا فعالا فيها، حيث تعد أداة هامة للتنمية ولدفع عجلة التقدم الاقتصادي إلى الأمام والحفاظ على التوازن  التجاري، الأمر الذي يؤكد أهمية الرقابة الجمركية التي تستخدم لتحقيق عدة أهداف أهمها الهدف المالي والاقتصادي[1]، حيث يكمن الهدف المالي للرقابة الجمركية في الحد من الأسباب التي تؤدي إلى التهرب من أداء الضرائب والرسوم الجمركية، بحيث أن هذه الأخيرة تمثل موردا هاما من موارد الخزينة العامة للمملكة، أما الهدف الاقتصادي للرقابة الجمركية في اختيار الدولة الصورة التي تتبعها لتجارتها الخارجية، ومن ثم فإن أي تحلل من القيود السابقة يشكل خروجا عن القانون، من واجب  الدولة أن تتصدى له بالطرق القانو نية المتاحة.

 ومن هذا المنطلق عهد المشرع المغربي لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة مهمة القيام بالرقابة الجمركية وحماية الاقتصاد الوطني[2] والواقع أن هذه الخصوصية تعزى إلى كون القانون الجنائي  الجمركي قانونا نفعيا واقتصاديا، يهدف إلى ضمان حقوق الدولة في استخلاص الرسوم والمكوس الجمركية وكذا الغرامات المستحقة، ولو أدى  ذلك إلى الخروج عن الأحكام العامة التقليدية للقانون الجنائي.

فإذا كانت القواعد الإجرائية في المنازعات الزجرية الجمركية والمفترض فيها حماية الأفراد ترسيخا للمبادئ المتعارف عليها دوليا والتي عكسها الدستور المغربي، وكذا المقتضيات الإجرائية العامة، فإن الصبغة الاقتصادية طغت على هذه المبادئ وكرست قواعد إجرائية شاذة، جعلت الباحث المهتم في متاهة بين القواعد العامة والخصوصية المسطرية للمادة الجمركية التي عصفت ببعض المبادئ  المتعارف عليها، وأهم ما يميز  هذه القواعد هو إدخال مفاهيم جديدة تتعلق بالجريمة الجمركية منذ انطلاق اجراءات البحث والتحري  مرورا  بالمحاكمة إلى حين تنفيذ العقوبات؛ وهذه  الأخيرة تثير حيرة بالغة في الفقه والتشريع من حيث اختيار أنسب الجزاءات لمواجهة هذا النوع من الإجرام الاقتصادي،  فالعقوبة في الأصل هي الجزاء الذي يوقع على مرتكب الجريمة لمصلحة  الهيئة الاجتماعية، وهي  عبارة عن ألم يصيب الجاني جزاءا له عن مخالفته نهي القانون وأوامره[3]،  كما عرفها بعض الفقه بكونها الجزاء الذي يوقعه المجتمع على المجرم مؤاخذة له عما اقترفه[4]، وبالرجوع إلى المقتضيات القانونية المنصوص عليها في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة نجد أن المشرع الجمركي حدد العقوبات والتدابير الاحتياطية في الفصل 208 في الحبس، مصادرة البضائع المرتكب الغش بشأنها  والبضائع المستعملة لإخفاء الغش ووسائل النقل، الغرامة الجناسية ومن خلال ما  سبق نجد أن العقوبات الحبسية لا تثير نقاشا، عكس العقوبات المالية التي تتبوأ مكان الصدارة ضمن مختلف النظم العقابية، فلا يكاد تشريع عقابي  من النص عليها كعقوبة أصلية أو كعقوبة إضافية أو كبديل عن عقوبة سالبة للحرية[5].

 كما تظهر لنا أهمية العقوبات المالية في ميدان الجمرك، من خلال اتساع نطاقها، إذ تعتبر من الملامح الأساسية لشقة العقابي، وذلك لكونها الأداة الكفيلة بردع مجرمي الأعمال الذين يسعون إلى الحصول على الأموال بطرق غير مشروعة، فيعاملون على نقيض قصدهم، ولذلك قيل بأنها جزاء من جنس العمل، ولها من هذه الوجهة دور تربوي[6]، بفضل ما يتميز به من مزايا من حيث أنها عقوبة اقتصادية لا تكلف شيئا بل هي مصدر ايراد لخزانة الدولة، كما أنها عقوبة مالية ورادعة في مواجهة أولئك الذين اختاروا طرق الجريمة بقصد الإثراء السريع[7].

  وانطلاقا مما تقدم يمكن طرح الإشكالية التالية: إلى أي حد توقف المشرع الجمركي في تنظيم العقوبات المالية؟

 هذه الإشكالية المركزية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية وهي كالتالي: ما هي القيمة القانونية للعقوبات المالية في التشريع الجمركي؟ ما تأثير المصالحة الجمركية على العقوبات المالية؟  ما مظاهر سلطة الملائمة المخولة لإدارة الجمارك في تحديد مبلغ الجزاء التصالحي؟

للإجابة على هذه التساؤلات سنعمل على تناول الموضوع من خلال مبحثين: حيث سنتناول في المبحث الأول الطبيعة القانونية للعقوبات المالية في ظل القانون الجمركي، على أن نخصص المبحث الثاني لمعالجة مدى تأثير المصالحة الجمركية على العقوبات المالية.


 

المبحث الأول: الطبيعة القانونية للعقوبات المالية في ظل القانون الجمركي

تعتبر العقوبات المالية، عقوبات تلزم المحكوم عليه بأن يدفع للإدارة مبلغا  من المال، وتتميز العقوبات المالية الجمركية من جهة بكونها تتضمن مبالغ مرتفعة، ويعزى ذلك إلى مبدأ  تقليدي في القانون الجنائي الفرنسي يقضي بان المخالفات المرتكبة بنية الكسب، يتعين الرد عليها بعقوبات مالية قاسية، ومن جهة أخرى، فإن المخالفة الجمركية تضر بحقوق ومصالح إدارة الجمارك، ومن تم فإن العقوبات المالية تقوم بوظيفة إصلاح الضرر، ومن أجل الإلمام بالعقوبات المالية في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، يتعين التطرق في المطلب الأول للوصف القانوني للغرامة الجمركية على أن نخصص المطلب الثاني للطبيعة القانونية للمصادرة  في المادة الجمركية.

المطلب الأول: الوصف القانوني للغرامة الجمركية بين الوظيفة التعويضية والوظيفة العقابية

 يحدد الفصل 35 من القانون الجنائي مفهوم الغرامة بأنها:" إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود بالعملة المتداولة قانونا في المملكة".

 غير أن هذا التعريف لم يصنف الغرامة من أي أنواع العقوبات الأصلية، كما لم يذكر السبب الداعي لهذا الإلزام بالأداء، خاصة وأن بعض العقوبات المالية المدنية والذعائر والعقوبات الإدارية قد تؤدى بدورها لفائدة الخزينة العامة وبالرجوع إلى المقتضيات القانونية في المادة الجمركية نجد أن الغرامات الجبائية تغلب عليها صبغة تعويضات مدنية وتصدر عن المحاكم الزجرية، ويجب الحكم بها في جميع الحالات ولو لم  تلحق ضررا ماديا للدولة.

فمن خلال ما سبق نجد أن مسألة التكييف القانوني لأموال المحكوم بها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة أثارت جدلا واسعا محوره تساؤل ما إذا كانت هذه الغرامة التي تطالب بها إدارة  الجمارك هي ذات طابع زجري (أولا)، أو ذات طابع مدني ( ثانيا).

أولا: الطابع الزجري للغرامة الجمركية

 يتجلى الطابع الزجري للمبالغ المالية المستحقة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بسبب جنحة أو مخالفة جمركية من خلال ثلاثة زوايا، ينصرف أولها إلى صياغة النصوص التشريعية المنظمة لها، ويتعلق ثانيها بمسطرة الحكم بها، بينما يبرز ثالثهما إلى كيفية التنفيذ بغرض استيفائها من المحكوم عليهم.

 فمن زاوية صياغة النصوص التشريعية،  فإن المشرع الجمركي استعمل مجموعة من الألفاظ والمصطلحات والعبارات، استعملها هي ذاتها في مجموعة القانون الجنائي وفي قانون المسطرة الجنائية.[8]

 ومن زاوية  مسطرة الحكم بالغرامة، فإن هذه الأخيرة يتعين المطالبة بها عن طريق تحريك دعوى عمومية من طرف النيابة العامة، أو من طرف إدارة الجمارك، أما من حيث قواعد تنفيذ الأحكام القاضية بالغرامات الجمركية فإنها تتميز في مجموعها بالصيغة الزجرية، بحيث  يعتبر الإكراه البدني  الوسيلة الأساسية في إجبار المطلوب في التنفيذ على أداء الغرامة المحكوم بها عليه، ويستفاد من الفصل 254 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة أن المحكوم عليه يتم حبسه فور صدور الحكم القاضي بعقوبة حبسية نافذة، إذا كان يوجد في حالة سراح مؤقت، بالرغم من الاستئناف  الذي تقدم به وهو ما يشكل استثناءا عن مبدأ  الأثر الواقف للاستئناف" المعمول به في القواعد العامة والذي يوقف أثر الحكم بالنسبة للمحكوم  عليه الموجود في حالة سراح إلى غاية البت في الاستئناف المرفوع من طرفه.[9]

أما بالنسبة للإكراه البدني فقد نص الفصل 262 المكرر من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة على أنه:" يطبق الإكراه البدني  بشأن العقوبات المالية المتعلقة بجنح أو مخالفات جمركية ويحدد مدته على النحو التالي رغم كل الأحكام المخالفة لهذا الفصل.

·       من سنة واحدة إلى سنتين  بالنسبة للجنح الجمركية

·       من ستة أشهر إلى سنة بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة الأولى والثانية والثالثة والرابعة.

·       من شهر واحد إلى ستة أشهر بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة الثالثة والرابعة".

فمن خلال الفصل أعلاه يتضح أن هذه المدد طويلة جدا إذا ما قورنت مع ما تحدده المسطرة الجنائية في المادة 638 والتي تجعل الحد الأدنى للإكراه البدني في ستة أيام وخمسة عشر شهر كحد أقصى وجدير بالإشارة إلى أنه إذا كان الفصل 598 من قانون المسطرة الجنائية ينص على أنه" لا يمكن تطبيق الإكراه البدني  إلا إذا اكتسب المقرر قوة الشيء المقضي به، فإن مدونة الجمارك نصت في الفصل 264 على أنه ينفذ الإكراه البدني المطبق بشأن مخالفة أو جنحة جمركية رغم الطعن بالطرق غير العادية، بمجرد صدور للحكم النهائي، وهذا الأمر فيه مساس واضح بحرية المعني بالأمر.

ثانيا: الطابع المدني للغرامة الجمركية

إن الطابع المدني للمبالغ المحكوم بها لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة يظهر بالأساس في الصياغة القانونية لنصوص مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، حيث نجد أن المشرع استعمل لفظ " التعويض" بدل لفظ " الغرامة"  كما نص الفصل 214 من نفس المدونة على أنه:" مع مراعاة الفصل 257 المكرر وبعده تغلب على الغرامات الجبائية المنصوص عليها في هذه المدونة  صبغة تعويضات مدنية...".

ولعل استعمال المشرع للفظ " تعويض" يذهب في اتجاه اعتبار إدارة الجمارك مطالبة بالحق المدني في الدعوى الجمركية، كما أنها في مسطرة الحكم بالمبالغ المحكوم بها لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالرغم من صدورها عن المحاكم الزجرية إلا أنها  تبقى خاضعة في أصلها لمجموعة من المبادئ المدنية سواء  من حيث شروط الطلب الرامي إلى استخلاصها أو من حيث تقديرها، ويترتب ذلك أن المحكمة لا تحكم بهذه  الغرامات  إلا إذا طلبت الإدارة ذلك بمقتضى طلب مستوفي  للشروط القانونية وذلك تحت  طائلة البطلان، وبالرجوع إلى المقتضيات الجمركية نجد أن الفصل 213 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ينص على أنه:" مع مراعاة أحكام البند 2 من الفصل 257 بعده، فإن جميع الأشخاص المحكوم عليهم من أجل ارتكابهم نفس الغش أو من أجل جنح او مخالفات جمركية يلزمون على وجه التضامن بالمصادرات أو المبالغ التي تقوم مقامها وكذا بالغرامات والمصاريف".

 ولعل ما يستفاد من هذا النص أنه تعلق الأمر بعدة مدانين من أجل نفس  الغش أو من أجل جنح أو مخالفات  جمركية مرتبطة لا يمكن الحكم عليهم إلا بغرامة واحدة تؤد تضامنا من طرفهم، واللافت للنظر  من خلال هذا المقتضى أن الغرامة الجمركية، وإن اعتبرت عقوبة مالية فإنها ليست كباقي العقوبات المالية المنصوص عليها في القانون الجنائي والتي لا تضامن في أدائها.[10]

 ومن خلال ما سبق فرغم اللبس الكبير الذي تطرحه الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية، فإن الأمر الذي يبقى محل قبول من طرف الجميع هو أن الغرامة الجمركية لها طبيعة مزدوجة مدنية وزجرية، وأن المشرع أبى إلا أن يغلب الطابع المدني على الزجري، وذلك بتنصيصه صراحة في الفصل 214 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة على أنه:" تغلب على الغرامات الجبائية المنصوص عليها في هذه المدونة  صبغة تعويضات مدنية".

 

 

 

 المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للمصادرة في المادة الجمركية

 تعتبر المصادرة عقوبة ناقلة للملكية جواهرها إضافة مال الجاني إلى الدولة دون مقابل[11].

 والأصل في المصادرة أنها عقوبة مالية عينية أي ترد على مال معين وإن كانت بعض التشريعات تقرر أحيانا أن تحل محل قيمته عند عدم ضبطه وتقديره عنها تتحول المصادرة استثناءا إلى عقوبة نقدية.[12]

وبالرجوع إلى القانون الجنائي نجد أن المشرع نص في الفصل 42 على أن:" المصادرة هي تمليك الدولة جزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك له معينة".

 أما القانون الجمركي فلم يعطي تعريفا للمصادرة إلا أن هناك تباين حول طبيعتها   القانونية، فهناك من التشريعات ما ينص عليها  كعقوبة مالية، وهناك ما ينص عليها كتدبير وقائي، وهناك من يجمع بينهما وهذا الخيار الأخير، هو الذي يتبناه المشرع الجمركي من خلال الفصل 210 الذي نص فيه:" مصادرة البضائع المحظورة بأي وجه  من الوجوه تكتسي على الأخص صبغة تدابير احتياطية وتغلب على مصادرة الأشياء غير المحظورة صبغة تعويض مدني".

 ومن خلال الفصل أعلاه يتضح أنه إذا كانت البضاعة محظورة فهي تدبير احتياطي، أما إذا كانت غير محظورة فالمصادرة تعتبر عقوبة مالية.

 فالمصادرة تنصب على البضائع ووسائل النقل وكذا البضائع المستغلة لتهريب بضائع أخرى، وعليه فمصادرة البضائع تشمل ما حددته المادة الأولى من المنتجات

والأشياء والمواد من جميع الأنواع والأصناف سواء كانت هذه المنتجات أو الأشياء أو المواد محظورة أو غير محظورة بما فيها المخدرات سواء كانت أم لم تكن محل تجارة مشروعة.

أما فيما يتعلق بمصادرة وسائل النقل فهي مصادرة وجوبية حسب نص الفصل 212 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة حيث:" يحكم وجوبا بمصادرة وسائل النقل التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب جنحة أو مخالفة جمركية..." فالمشرع المغربي لم يحدد المقصود بوسائل النقل فهي مصادرة وجوبية حسب نص الفصل 212 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة حيث:" يحكم وجوبا بمصادرة وسائل النقل التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها  في ارتكاب جنحة أو مخالفة جمركية.." فالمشرع المغربي لم يحدد المقصود بوسائل النقل، لذلك يمكن أن تشمل كافة الوسائل المستعملة إلا أنه لا يجوز الحكم بمصادرة وسائل النقل التي تعود ملكيتها للدولة، كما يلاحظ أن المشرع الجمركي اشترط وجوب الحكم بمصادرة وسيلة النقل إذا امتلكها.[13]

-                من شاركوا في الغش أو في محاولة الغش

-                   شخص أجنبي عن هذه الجنحة أو المخالفة، وكانت وسيلة النقل قد هيئت خصيصا لارتكاب الغش أو كان مرتكب الغش هو المكلف بسياقتها ما عدا إذا كان بإمكان مالك وسيلة النقل، أن يثبت بأن المكلف بالسياقة الذي قام بهذا العمل بدون إذن تصرف خارج عن إطار الوظائف  الموكولة إليه.

-         فبالإضافة إلى مصادرة البضائع المهربة ووسائل نقلها يتم أيضا مصادرة البضائع المستخدمة لإخفاء البضائع المثبت الغش بشأنها وضرورة توفر شرطين لقيامها هما الاستعمال والملكية حسب منطوق الفصل 211  فمن خلال استقرائنا للفصلان 212 و211 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، يتضح ان المصادرة في نطاق الأحكام العامة للقانون الجنائي تخضع لمبدأ الشخصية والقضائية عكس مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي قد تخرج عن هذه المبادئ، بالإضافة إلى تطبيق الفصل 212 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة يؤدي إلى المساس بأموال الناس خصوصا أن مصادرة وسيلة النقل لمالك حسن النية غي مدان من أجل جنحة جمركية.

ولم يثبت تواطؤه في ارتكابها، تبدوا غير منسجمة مع النصوص القانونية العامة، إذ كيف يعقل تحميل المالك تبعات فعل جرمي لا دخل له فيه.

إلا أنه في هذه الحالة يبقى من حق مالك السيارة طلب رفع اليد عن الحجز وبالرجوع إلى الفصل 213 من نفس المدونة نجدها تنص على:" إن لم يمكن حجز البضائع ووسائل النقل القابلة للمصادرة أو إذا تم حجزها فان المحكمة  تصدر بطلب من الإدارة بدلا من المصادرة، الحكم بأداء مبلغ  يعادل قيمة  البضائع ووسائل النقل المذكورة، ويحدد وفقا للكميات المبينة في الفصل 219 بعده"  كما ينص الفصل 17 من ظهير 1949/8/30 المتعلق بزجر مخالفات ضوابط الصرف على أنه " يصرف النظر عن العقوبات المنصوص في الفصل 15، على المحكمة أن تقضي بمصادرة جسم الجنحة أي بمعنى الأموال  المنقولة أو غير المنقولة التي هي موضوع المخالفة أكانت تتم في عملية محظورة أو إغفال للتصريح أو إيداع أو تنازل لمكتب الصرف إذا لم يكن حجز جسم الجنحة لسبب ما أو أنه لم يقدم من طرف الجانح، على المحكمة أن تقضي بحكم مالي يقوم مقام المصادرة لمبلغ يعادل  قيمة جسم الجنحة مزيدا بالربح غير المشروع الذي حققه الجانحون أو أرادوا تحقيقهن الأمر بالمصادرة الوهمية أو الغرامة البديلة للمصادرة، وقد اتخذ المشرع المغربي موقفا مغايرا فيما يتعلق بشروط اللجوء إلى هذه المصادرة بين مادة الجمارك ومادة الصرف، فبالنسبة للمادة الجمركية خول المشرع  للإدارة حق الخيار بين المصادرة العينية والوهمية، وحق الخيار حق مطلق لا يشترط فه أن لا تتمكن الإدارة من حجز  البضاعة وهذا الخيار خاضع  للسلطة التقديرية للإدارة، ومتى اختارت بين أحد الاجرائين كان هذا الخيار ملزما ومقيدا للمحكمة وإلا تعرض للنقض، أما بالنسبة لمادة الصرف، فقد اتحد المشرع المغربي موقفا مغايرا، بالرجوع إلى الفصل 17 من ظهير 1949 /8/3  المتعلق بزجر مخالفات ضوابط الصرف يلاحظ بأنه يشترط من أجل إمكانية الحكم بالغرامة البديلة عليها، فالمشرع في مادة الصرف يعلق اللجوء إلى الغرامة البديلة للمصادرة على شرط عدم تمكن الإدارة من حجز البضاعة أو وضع اليد عليها.[14]

 

 

المبحث الثاني: مدى تأثير المصالحة الجمركية على العقوبات المالية

 نجد المصالحة الجمركية تبريراتها ومرتكزاتها في السياسة الجنائية المتبعة من طرف المشرع، والرامية إلى تحقيق الغايات تبعا لمبدأ الضرورة الذي يتجلى في إغناء  خزينة الدولة، وفي هذا الإطار سنعمل من خلال هذا المبحث على توضيح فكرة النفع المادي في مسطرة المصالحة الجمركية وذلك من خلال المطلب الأول، على أن نخصص المطلب الثاني للحديث عن تغليب العقوبات المالية في مسطرة المصالحة الجمركية.

 المطلب الأول: فكرة النفع المادي في مسطرة المصالحة الجمركية

 تؤدي المصالحة إلى تحقيق مجموعة من المكاسب المالية لفائدة الإدارة، وهذا يتماشى مع طبيعة الجزاءات الجبائية في حد ذاتها، والتي تهدف أساسا إلى خدمة الأغراض المادية لخزينة الدولة، ذلك أن جانبا كبيرا من المشرعين العرب اعتنقوا فكرة التصالح في مجال فئات معينة من الجرائم يغلب عليها الطابع الاقتصادي أو المالي أو النقدي، مثل قانون العقوبات الجمركي وقانون التهريب النقدي، ففي هذه المجالات وأمثالها لم يقصد المشرع العقوبات الجنائية المنصوص عليها لذاتها، وإنما لتحقيق الغرض المطلوب منها، وهو حماية الخزانة العامة لهذا فقد أفسح المجال أمام الملتزمين ليتصالحوا وبالتصالح تنتفي الحكمة من الإلتجاء إلى العقوبة، وتتحقق المصالحة الجمركية مكاسب مادية لفائدة الخزينة العامة، إما بطريقة مباشرة أو غر مباشرة، وهو ما يتجلى في أمرين: النجاعة في التحصيل وخدمة النشاط الاقتصادي[15].

بالنسبة للنجاعة في التحصيل فتتجلى في تسيير دواليب الإدارة والمرافق العامة، وهذا يتماشى مع الوظيفة الأساسية التي تضطلع بها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، والتي  يعتبر تحصيل الموارد المالية للدولة أهمها، فكما هو معلوم، تضع المصالحة على عاتق المتصالح التزاما أساسيا يتمثل في أداء مبلغ مالي لفائدة الإدارة او التخلي عن أشياء  المحجوزة لصالحها، وذلك  بأداء مالية لفائدة الإدارة، انعكاس ايجابي على خزينة الدولة، وتجعل الظروف المحيطة بإبرام المصالحة وسيلة فعالة للتحصيل كما تتماشى المصالحة مع فلسفة المشرع الزجري في المادة الاقتصادية وفي خدمة النشاط الاقتصادي والتجاري وخير مثال على ذلك ما نص عليه دليل التسويات التصالحية الصادر بمقتضى مذكرة السيد المدير العام للجمارك تحت عدد 44/421 بتاريخ 8 يناير 2008 وذلك من خلال تخفيض مبلغ الجزاء التصالحي إذا كان المخالف يتعامل باستمرار مع إدارة الجمارك ومعروف لديها بحديثه وحسن سلوكه.[16]

 وفي هذا الإطار، فإن المشرع المغربي اعتمد على طريقة التحديد الرضائي لمقابل المصالحة، حيث يترك مبدئيا للأطراف حرية تحديده، إلا أن الواقع العملي يثبت بأن هذا التحديد يخضع للسلطة التقديرية للإدارة، وهي غالبا ما تفرض شروطها على المتصالح من أجل أداء المبلغ الذي تحدده.

 

 

 المطلب الثاني: تغليب العقوبات المالية في مسطرة المصالحة الجمركية

 يترتب عن عقد المصالحة حق إدارة  الجمارك والضرائب غير المباشرة في الحصول على المقابل المادي الذي يتمثل في إرجاع النفقات بما فيها نفقات العقد والمصاريف القضائية طبقا للفصل 277 من مدونة  الجمارك والضرائب غير المباشرة والذي ينص:" في حالة إبرام مصالحة لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن تتحمل الإدارة المصاريف القضائية المحتملة". فالملاحظ من الفصل أعلاه أن المشرع المغربي منح لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة حق تحديد مقدار المصاريف عكس المشرع المصري[17]، وفي هذه الحالة يبقى على الملزم قبولها أو رفضها.

 أما في الحالة التي لا يقوم الملزم بداد مقابل الصلح فقد تضاربت الآراء  الفقهية حول هذه المسألة، لكن بالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود نجد الفصل 110 ينص على:" إذا لم ينفذ أحد الطرفين الالتزامات التي تعهد  بها بمقتضى الصلح، حق للطرف  الأخر أن يطلب تنفيذ العقد، إن كان ممكنا وإلا كان له الحق في طلب الفسخ مع عدم الإخلال بحقه في التعويض في كلتا الحالتين بالإضافة إلى أن المصالحة المبرمة مع أحد المخالفين للقوانين والأنظمة الجمركية، لا تشكل عائقا أمام المحكمة للحكم على باقي الأشخاص الآخرين الذين ساهموا معه في ارتكاب الجريمة أو شاركوه في ارتكابها وذلك طبقا للفصل 276 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة والتي نصت على أنه:" تلزم المصالحة التي أصبحت نهائية طبقا لأحكام 273 أعلاه الأطراف بكيفية لا رجوع فيها، ولا يمكن أن يقدم بشأنها أي طعن ولا يسري أثرها إلا على الأطراف  المتعاقدة مع مراعاة  أحكام الفقرة الثانية من الفصل 217 أعلاه".

 فهذا المقتضى ناتج عن الطبيعة العقدية للمصالحة، وما يستتبع ذلك من خضوعها لمبدأ نسبية العقود المطبق في قانون الالتزامات والعقود، بحيث لا تنتج المصالحة آثارها سوى في مواجهة المتعاقدين ولا تمتد إلى الغير الأجنبي عنها.

 وبهذا الخصوص، أثير التساؤل في المجال الجمركي حول ما إذا كان على القضاء عند تقدير الجزاءات المالية أن يأخذ  بعين الاعتبار ما دفعه المتهم المتصالح، أم أنه يحكم على باقي المتهمين دون خصم حصة المتهم المتصالح مع الإدارة الجمركية؟

أجاب القضاء الفرنسي على هذا السؤال بقوله في عدة مناسبات، أنه على الفاعلين الآخرين والشركاء دفع الجزاءات المالية كاملة بالتضامن فيما بينهم بدون خصم حصة المتصالحين، وللإدارة عند تحصيل العقوبات المالية أن تخصم المبالغ التي سبق أن حصلت عليها من المتهم المتصالح معها[18].

 وهو نفس الموقف الذي تبناه المشرع المغربي من خلال تأكيده على أنه  يجب الحكم بمجموع مبلغ العقوبات المالية المستحقة دون أن تخصم منه المصالحات المبرمة مع الشركاء في الجنح أو المخالفات والمتواطين.[19]

كما أنه إذا تم توقيع الصلح بعد مباشرة تطبيق الإكراه البدني المحدد للإجبار على أداء الغرامات المالية المحكوم بها، فإن ذلك يضع حدا لتطبيق الإكراه البدني ويتم الإفراج عن المحكوم عليه، طبقا للقواعد العامة المتعلقة بتنفيذ الإكراه البدني، والصلح المبرم بعد مباشرة تنفيذ الإكراه البدني تخفيض الغرامة التي يعينها- وفقا لدليل المصالحات الجمركية بنسبة 25% على كل مدة تمثل ربع مدة الإكراه، وعندما يكون المخالف قد قضى نصف المدة، فإن الغرامة تخفض إلى النصف وجميع الأحوال ومهما بلغت المدة التي قضاها فلا يجوز النزول بالتخفيضات إلى نسبة 75% من مقابل التصالح.[20]

 كما يجب الإشارة إلى أن المصالحة الجمركية تؤثر على المصادرة باعتبارها جزاء جبائي، من خلال إبرام المصالحة قبل صدور حكم نهائي في الدعوى بحيث لا يجوز الحكم بالمصادرة، لأن الدعوى العمومية تكون قد انقضت وتسقط المصادرة بسقوط الدعوى العمومية، أما إذا أبرمت المصالحة بعد صدور حكم نهائي، فإن ذلك يؤدي إلى سقوط المصادرة إلا إذا تم الاتفاق على خلاف ذلك.

 

 

 

 

 

خاتمة:

 صفوة القول، فإن العقوبات المالية لها مكانة خاصة وأساسية في القانون الجمركي، باعتبار أن الحقوق والرسوم الجمركية تمثل مصدرا ماليا هاما لأي دولة لذلك نجد أن المشرع المغربي تبنى نظرية إزدواج الطبيعة في الغرامات الجمركية، حيث أشار الفصل 214 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة إلى أن الغرامات الجبائية المنصوص عليها في هذه المدونة تغلب عليها صفة تعويضات مدنية، لذلك يمكن القول أن المشرع المغربي يزاوج في الغرامات الجمركية بين طبيعتين مختلفتين: العقوبة والتعويض، فإذا كانت هذه الطبيعة المزدوجة تبررها اعتبارات معينة. فإن المنطق الجنائي يستعصي عليه أن يتقبل تفتيت الجزاء الجنائي على هذا النحو الذي يؤدي إلى توزيع مادته بين العقوبة والتعويض.

 كما أن من الإشكاليات التي تطرح بصدد تطبيق المصادرة هي طبيعتها هل هي  عقوبة إضافية أم تدبير وقائي، كما يؤدي تطبيق المشرع لقانون التناسب على النحو المعتمد في احتساب الغرامات الجمركية إلى الحكم بغرامات بالغة الارتفاع، كثيرا ما نظل عالقة دون تنفيذ، وتفاديا لذلك فتم منح مسطرة المصالحة الجمركية سواء قبل صدور الحكم في الواقعة لكي يترتب عنها انقضاء الدعوى العمومية، فإن المشرع الجمركي يعتد بالمصالحة حتى بعد صدور حكم بات، إذ يؤدي إبرامها في هذه الحالة إلى سقوط الغرامات المالية المحكوم بها، وهو ما يؤكد الطابع النفعي لنظام المصالحة الجمركية، إذ يضمن الصلح للإدارة الحصول على مبلغ مالي حتى ولو كان أقل من المبلغ المحكوم به.

  ومن هذا المنطلق نلاحظ إخلال بمبدأ المساواة باعتبار أن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة تكون هي الطرف الأقوى وتبقى لها مجموعة  من الامتيازات ناهيك على أن المصالحة قد تخص فقط الأشخاص الذين يتوفرون على المال الكافي لأداء المبالغ المالية لذلك وجب على المشرع المغربي التدخل من أجل تقييد السلطة الممنوحة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.



[1]  فاطمة الحمدان بحير:" السياسة الجمركية المغربية وإشكالية المبادلات التجارية الدولية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب 2005، ص: 19.

[2] - عبد الرزاق مصدق: " دور الجمارك في تنشيط الاقتصاد" مقال منشور في المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، عدد خاص، دجنبر 2001، ص: 69.

[3]  إدريس بلمحجوب:" قواعد تنفيذ العقوبات" الجزء الأول، العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية" المعهد الوطني للدراسات القضائية 1988، ص: 15.

[4]  أحمد الخمليشي:" شرح القانون الجنائي، القسم العام دار النشر المعرفة 1985، ص: 295.

[5] - زين الاسم الحسين:"  إشكالية  العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة والبدائل المقترحة" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،  وحدة التكوين والبحث العلوم الجنائية، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، 2006، ص: 94.

[6] - محمود نجيب حسني: الجزاءات غير الجنائية في الجرائم الاقتصادية ، المجلة العربية للدفاع الاجتماعي ، العدد 88، يناير 1981، ص: 113.

[7]  عبد الرحمان  أبو توتة: أصول علم العقاب ، منشورات  ELEGA، طبعة 2001، ص: 98.

[8] - حسن بكري، الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية، مكتبة الرشاد، الطبعة الأولى ، سطات 2008، ص: 7.

[9] - محمد الهيني: تعديلات مدونة الجمارك في ميزان حقوق الإنسان، مجلة النص، العدد الثاني، 2002، ص: 91.

[10] حسن البكري، مرجع سابق، ص: 72.

[11]  محمد زكي أبو عامر:" قانون العقوبات ، القسم العام" دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 1990، ص: 573.

[12]  حميد محمد القماطي:" العقوبات المالية بين الشريعة والقانون دراسة مقارنة" المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، دار الكتب الوطنية ببنغازي، 1986، ص: 84.

[13]  انظر نص الفصل 212 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[14] - محمد الشلي، المصالحة الجمركية في القانون المغربي" النشر والطبع دار القلم، الطبعة الأولى 2010، الرباط، ص: 534-535.

[15] - محمد الشلي: مرجع سابق، ص: 163.

[16]  محمد الشلي، مرجع سابق، ص: 165 و166.

[17]  الفصل 124 من القانون الجنائي الجمركي  المصري ينص على:" وللمدير العام للجمارك أن يجري  التصالح أثناء نظر الدعوى أو بعد الحكم فيها حسب الحال مقابل التعويض كاملا أو ما لا يقل عن النصف".

[18]  أحسم بوسفنيعة: المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام وفي المادة الجمركية بوجه خاص، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ، الجزائر 2005، ص: 26.

[19]  الفصل 217 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[20]  يوسف خلاد: منازعات نظام القبول المؤقت " رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة، جامعة  الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء، السنة الجامعية 1999-2000، ص: 153.

إرسال تعليق

0 تعليقات