آخر الأخبار

Advertisement

تقييم شكلية الكتابة في عقود الشغل اعداد - عزوز عيسى - - منشورات موقع الباحث القانوني

تقييم شكلية الكتابة في عقود الشغل

اعداد - عزوز عيسى

مقدمة:

لا نقاش في أن الرضائية هي الأصل في جل العقود، كما هو الحال في عقد الشغل(بصريح منطوق  الفصل 19 من ق.ل.ع والمادة 15 من م.ش) إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل في العديد من عقود الشغل واشترط وجوب شكلية الكتابة، ذلك وعيا منه أن الرضائية وحدها غير قادرة على المحافظة على التوازن العقدي والتوفيق بين مصالح الأطراف المتعاقدة، وبالتالي هشاشة حماية الأجير، الذي يعد المحور الأساسي الذي راهنت مدونة الشغل الحالية على حمايته.

وهو ما يدفعنا للتساؤل  عن الغاية من اللجوء إلى الشكلية؟ وقيمتها وأهم الانتقادات والمآخذ التي سجلت عليها؟

للإجابة على التساؤلات المطروحة، نرى ملامسة هذا الموضوع من زاويتين، من خلال قيمة شكلية الكتابة في عقود الشغل (أولا) ثم أهم الانتقادات الموجهة لهذه الأخيرة (ثانيا). 

أولا: قيمة شكلية الكتابة في عقود الشغل

إن أهم عقود الشغــل التي أقر فيها المشرع المغـــربي وجوب كتابتها نجد عقود الشغل المبرمــة بين الوكيل أو الممثل أو الوسيط في الصنــاعة أو التجارة (الفصل 80 مدونة الشغل)، عقود الشغل التي يكون أحد طرفيها أجنبيا -سواء تلك المبرمة بين الإجــراء المغاربة بالخارج (المادة 522) أو تلك المتعلقة بالأجراء الأجانب في المغرب (المادة 516)- وعقد المقاولة ممزوج الباطن (المادة 86) وعقود التشغيل المؤقت (المادة 501) وعقود الشغل المتعلقة بالبحارة (الفصل 167 من ظهير 31 مارس 1919).

وتتجلى قيمة شكلية الكتابة من خلال توثيق إرادة الأطراف (1) ثم كونها تشكل ضمانة وحجة لأطراف العقد (2).

(1)- الشكلية توثيق لإرادة الأطراف

إنه لمن الخطأ أن ينظر إلى الشكلية على أنها تنقص من قيمة التراضي في عقود الشغل[1]، بل عكس ذلك فهي توثق إرادة أطراف علاقة الشغل وتدعم الثقة والائتمان بينهما ودليل ملموس على أن تلك الإرادة سليمة وتم إفراغها في شكل مكتوب، مما يجعلها ضمانة لأطراف العقد وتحصين للعقد من كل تحايل أو تهرب من الالتزام والمسؤولية.

(2)- الشكلية ضمانة وحجة لأطراف العقد

إذا كانت شكلية الكتابة تشكل توثيقا لإرادة أطرافها المتعاقدة، فهي بالتبع تشكل ضمانة وحجة لأطراف العقد لهم وعليهم، ولعل الاجير هو الطرف الأكثر استفادة من هذه الشكلية لأن فلسفة المشرع الاجتماعي المغربي قصدت ذلك، حتى يبقى مطمئنا لمنصبه الذي يشغله وحتى لا يفاجئ بتسلط مشغله السيء النية عليه،

فهي حجته القوية للإثبات في حالة الإنكار[2] لهذا السبب نجد المشرع كان صارما في استعمال عبارات الوجوب في العديد من النصوص القانون في هذا الشأن، وكأنه يرمي من خلال هذه الشكلية إلى تنبيه الأجير الى الخطر المحتمل في هذا العمل قبل ابرامه للعقد.

وهي أيضا ضمانة للمشغل لحماية مصالحه من الاعتداء عليها من طرف أجرائه في حالة اشتراطها في العقد داخل الزمان والمكان المحددين، مثلا كأن يضمن المشغل حقه الاستئثاري وسير نشاطه من خلال اشتراط عدم المنافسة والحفاظ على السر المهني في العقد وهي أمور يجب توثيقها كتابة، وفي حالة خرق الأجير لهذا الشرط الموثق في العقد يكون قد اقترف خطأ جسيما يبرر فصله من العمل، وفي هذا الصدد حدد المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) مفهوم المنافسة التي تشكل خطأ يبرر الفصل في "قيام الأجير بأعمال تمس فعليا بنشاط المشغل في سوق العمل، تحرم هذا الأخير أو تنقص من استفادته من خدمات أميره بالصورة والشكل المطلوبين، كأن يسخر الاجير خبرته أو خدماته إلى جهة أخرى بشكل يؤثر على مردوديته في العمل لدى مشغله أو يقوم بإفشاء أسرار المؤسسة التي يعمل فيها"[3].

ثانيا: أهم الانتقادات الموجهة للشكلية في عقود الشغل

رغم ما تلعبه شكلية الكتابة في عقود الشغل من دور فعــال إلا أنــه يمكننا أن نسجل عليها بعض الانتقادات، حيث يمكن أن ننظر إليها كوسيلة بيد المشغل لتمرير بعض الشروط المجحفة واستغلال ضعف الأجير الأمي (1) وأيضا يمكن اعتبارها تعقيدات مسطرية وعرقلة لسياسة التشغيل (2).

(1)- الشكلية والأجير الأمي

إن بنية الفئة الشغيلة في الواقع المغربي ليست كلها مثقفة وعلى درجة واحدة، بل هناك شريحة كبيرة من الأجراء الأميين ليسوا على دراية بالكتابة و القراءة، وبالتالي فكتابة عقود هذه الفئة يثبت ارتباطها بمشغلها و يضمن مصلحتها إذا ما تم التعامل معها بحسن نية، لكن أمام طغيان المنطق

الليبرالي على المقاولات المغربية تبرز الحاجة إلى حماية هذه الشريحة من فطنة وفتنة بعض المشغلين سيئي النية، الذين قد يستغلون وضع الأجير الأمي لتمرير بعض الشروط التعسفية في العقد، لاسيما إذا كان قد لجأ إلى الشغل تحت ضغط الحاجة، مما يجعله يوقع على العقد غير مبالٍ للشروط التي ضمنها مشغله لهذا العقد، وهو ما قد يؤدي إلى تنازله عن بعض حقوقه الأساسية.[4]

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن المشرع الاجتماعي المغربي حاول تضمين بعض المقتضيات إلى مدونة الشغل والتي تهتم بفئة الأجراء الأميين، حيث نصت المادة 23 من مدونة الشغل على أنه يحق للأجراء الاستفادة من برامج محو الأمية ومن تكوين مستمر، هذا التكوين تشرف على برمجته لجنة المقاولة[5]، لكن التساؤل المشروع هنا هو مدى استجابة واقع المقاولات المغربية لمقتضى من هذا الحجم؟ لاسيما أمام عدم وجود هذه اللجنة في بعض المقاولات، وحضورها الباهت والصوري في بعضها الآخر، إذن عن أي برامج وتكوين مستمر نتحدث؟

(2)- تعقد المسطرة وعرقلة لسياسة التشغيل

يستند هذا الانتقاد على مجموعة من المبررات، تتجلى أهمها في كون الواقع العملي للشغل التابع الخاص المأجور في مجتمعنا غالبا ما يستند على اتفاق الأطراف، وذلك تماشيا مع ما يتطلبه هذا المجال من سرعة تساير متطلبات المقاولة، وهو ما لا يتماشى و صفة الشكلية في هذه العقود التي تتصف بتعقد المسطرة، كتلك التعقيدات الشكلية المفروضة على الأجراء المغاربة الراغبين في الشغل بالخارج والتي تتطلب وقت طويل ريثما يتم التأشيرات على عقود العمل من طرف السلطات المختصة في كل من بلد الأجير وبلد الاستقبال، هذا فضلا عن تلك الوثائق اللازمة لمغادرة الأجير التراب الوطني والتي تتعدد أو تقل بحسب أنظمة  التشغيل الجاري بها العمل في بلد الاستقبال[6].

فكل هذه التعقيدات قد تدفع بالأجير إلى الانسحاب من هذه العلاقة منذ البداية، والبحث عن عمل سهل الولوج إليه بدون سلوك متاهة الإجراءات الشكلية، لأن دافعه إلى الشغل هو حاجته إلى كسب قوت يومه وسد حاجياته في الحال،

ومن جهة أخرى فإن ثقافة التشغيل في المغرب لم تستجب بعد إلى فلسفة مدونة الشغل، ذلك أن طبقة المشغلين في المغرب لازالت متشبثة بمركزها المهيمن، وغير راضية أن تتساوى قوتها مع قوة الفئة الشغيلة، مما يجعلها غير مطمئنة لشكلية الكتابة والنظر إليها على أنها تقييد للإرادة وسلاح بيد الأجير باستطاعته أن يهاجم به متى شاء، وهو ما يجعل الدخول إلى شكلية الكتابة محاط بسياج من التخوفات،

هذا كله يجعلنا نؤاخذ شكلية الكتابة على أنها قد تؤدي في بعض الأحوال إلى عرقلة سياسة التشغيل، لكون التشغيل في المغرب يحتاج إلى التشجيع عن طريق تبسيط الإجراءات الشكلية من جهة وزرع ثقافة المقاولة[7] والتشغيل من جهة ثانية،

لكن رغم كل هذه النقط التي سجلناها أعلاه، تظل شكلية الكتابة محافظة على قيمتها الحمائية والاثباتية في مجال التشغيل. 

خاتمة:

وفي ختام هذه الدراسة التقييمية لشكلية الكتابة في عقود الشغل نخرج بخلاصة عامة تؤكد أن شكلية الكتابة تحمل بين طياتها ايجابيات عديدة إلا أنها لا تخلوا من السلبيات، و المشرع الاجتماعي المغربي بأسلوب غير مباشر يسلك طريقه إلى شكلنة عقود الشغل من خلال فرض إجبارية الكتابة في عقود محددة، وترك المجال لإرادة الأطراف في باقي عقود الشغل لكتابتها (الشكلية الاختيارية).

فهل من المتوقع أن يكتسح هذا الاستثناء مجال التشغيل ليصبح هو القاعدة؟



[1]  إن هذا التقابل بين الرضائية والشكلية نتاج فقهي بامتياز وهو شائع في أغلب المؤلفات الفقهية التي تناولت العقد كمصدر من مصادر الالتزام وتحديدا عند معرض تطرقها لأصناف العقود، حيث درج الفقه على اتباع أسلوب الجمع بين الصنف ومقابله، هو ما يدفعنا إلى القول بأن تخصيص هذه المؤلفات لعنوان يجمع بين العقود الرضائية والعقود الشكلية في سياق منهجية المقابلة، أمر غير سليم لما قد يحمل رجل القانون البسيط على الاعتقاد أنهما مفهومان متعارضين، والحقيقة أن العقد الشكلي حتى وإن كانت الكتابة ركن لانعقاده وليس فقط للإثبات فإنه لن يقوم صحيحا إلا بتراضي أطرافه، استنادا واعتمادا وامتثالا لمبدأ سلطان الإرادة، وبالتالي فالعقد الشكلي هو بالضرورة رضائي بينما العقد الرضائي ليس بالضرورة أن يكون شكليا.

[2]  عبد الكريم غالي، في القانون الاجتماعي المغربي، منشورات دار القلم، الطبعة الخامسة، ص: 142.

[3]  قرار صادر عن المجلس الأعلى ملف عدد 772/5/1/2004 بتاريخ 23 فبراير 2005، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد مزدوج 64-65، ص: 370.

[4]  فبالرغم من التنصيص صراحة في ديباجة مدونة الشغل على أن الحقوق التي تقرها المدونة تعد حدا أدنى لا يمكن التنازل عنه، فإن هذا المقتضى أمام غياب المراقبة على تلك العقود لتقصي مدى إجحاف بنودها يبقى من باب الأفلاطونيات التي لا تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع.

 [5] المادة 466 من مدونة الشغل

[6]  المادة 414 من مدونة الشغل

[7]- abdelkarim Ghali “culture de l’entreprise, aspect juridiques et sociaux, Dar al Qalam, 2015.

إرسال تعليق

0 تعليقات