نظام تسليم المجرمين كآلية للتعاون القضائي الدولي - الأستاذ محمد الداودي - مجلة الباحث - العدد 40 - منشورات موقع الباحث
https://www.allbahit.com/2022/03/40-2022-26.html
الأستاذ محمد الداودي
باحث في صف الدكتوراه
بكلية الحقوق - جامعة
ابن زهر بأكادير
نظام تسليم المجرمين كآلية للتعاون القضائي الدولي لمكافحة
الجرائم العابرة للحدود
The extradition system as a mechanism for
international judicial cooperation مقدمة:
أضحت الجريمة العابرة
للحدود هاجسا يقض مضجع السياسات والحكومات في العالم المعاصر، وذلك بسبب تأثيراتها
السلبية على السياسات الاقتصادية والأمنية لمختلف دول المعمور بقصد إيجاد آليات
جديدة لمكافحتها بطرق قانونية ومهنية.
ومعلوم أن المغرب أصبح نقطة عبور
للعديد من العصابات الاجرامية الناشطة في مجال الاجرام العابر للحدود وذلك بحكم
موقعه الجيو إستراتيجي المطل على واجهتين بحريتين، مما يستدعي تطوير آليات التعاون
القضائي الدولي نظرا للدور الإيجابي الفعال الذي تلعبه في مكافحة الإجرام العابر
للحدود ووضع حد لإفلات الجناة من العقاب، خصوصا أمام الثورة الهائلة التي عرفتها
وسائل الاتصال والمواصلات التي سهلت تنقل الجناة بكل حرية وسرعة، بهدف ارتكاب
جرائم خطيرة من قبيل غسل الأموال والجرائم الماسة بأمن الدولة، وتهريب المخدرات
والاتجار بالبشر...
ويعتبر نظام تسليم المجرمين من
أكثر آليات التعاون
القضائي الدولي المعمول بها في ميدان مكافحة الجرائم العابرة للحدود، تولت تنظيمه
ترسانة هامة من القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية،
ولم يكن المغرب بمعزل عن مواكبة التطورات التي يعرفها
تطور هذه الظاهرة الإجرامية، فقد قام منذ زمن غير يسير بتكثيف
الجهود لمحاصرتها وتعقب مرتكبيها، كما بادر إلى الانخراط في مجموعة من الاتفاقيات
الدولية الثنائية والجماعية المتعلقة بالتعاون القضائي وتسليم المجرمين، ووضع
مجموعة من المقتضيات القانونية الخاصة بالتسليم في إطار قانون المسطرة الجنائية[1].
وإذا كان الفقه يكاد يجمع على أن
التسليم إجراء بمقتضاه تتخلى الدولة عن شخص يتواجد فوق إقليمها لسلطات دولة أخرى،
تطالب بتسليمه إليها لمحاكمته عن جريمة منسوب إليه ارتكابها أو تنفيذ عقوبة صادرة
في حقه من محاكم الدولة الطالبة[2]،
فإن المشرع المغربي لم يخرج عن هذا التعريف، وهو ما يتضح من خلال نص الفقرة الأولى
من المادة 718 قانون المسطرة الجنائية التي نصت على أنه: "تخول مسطرة تسليم
المجرمين لدولة أجنبية، الحصول من الدولة المغربية على تسليم متهم أو محكوم عليه
غير مغربي يوجد في أراضي المملكة ويكون موضوع متابعة جارية باسم الدولة الطالبة، أو
محكوم عليه بعقوبة صادرة من إحدى محاكمها العادية"[3].
1. المطلب الأول: الشروط الموضوعية لتسليم المجرمين.
إن آليات التعاون القضائي في مجال
تسليم المجرمين تقتضي استيفاء مجموعة من الشروط الموضوعية في كل من الجريمة
والمجرم، وهو ما كرسته جل القوانين الوطنية والاتفاقيات الثنائية والجماعية
المنعقدة بين الدول في هذا الإطار.
2. الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية المتعلقة بالجريمة
استقرت أغلب الاتفاقيات الدولية
التشريعات الجنائية المقارنة على الأخذ بمجموعة من المعايير التي تمكن من تحديد
الشروط الواجب توافرها في الجرائم حتى يمكن إجراء التسليم من أجلها، وقد تم حصرها
في معيارين رئيسيين، يتعلق الأمر بكل من معيار خطورة الجريمة ثم معيار طبيعة
الجريمة.
أولا: معيار خطورة الجريمة.
تصنف الجرائم في معظم التشريعات
الجنائية المقارنة إلى جنايات وجنح ومخالفات، وقد دأبت هذه التشريعات على اتخاذ
معيار الخطورة كأساس لهذا التصنيف، فأفردت للجنايات الخطيرة عقوبات جسيمة،
وللمخالفات عقوبات بسيطة قد لا تتجاوز الغرامات في غالب الأحيان، ومن هذا المنطلق
يطرح التساؤل حول الجرائم التي يمكن أن يتم تسليم مرتكبيها لدول أخرى، وما هو
الوضع بالنسبة لجريمة غسل الأموال؟ وهل يمكن الحديث عن تسليم المجرمين في حالة
ارتكابهم لمخالفات بسيطة لا تكتسي طابع الخطورة؟
إن اعتماد معيار خطورة الجريمة كان
كافيا للإجابة عن هذه التساؤلات ووضع بذلك قيدا مهما في طريق تفعيل مسطرة تسليم
المجرمين، وتم من خلاله حصر نطاق التسليم في الجرائم الخطيرة التي لا تقل عقوبتها
عن مدة معينة تحددها القوانين الوطنية وكذلك الاتفاقيات الثنائية والجماعية[4]،
و تتجلى الغاية من اتخاذ هذا المعيار بالأساس في كون إجراءات التسليم كثيرة
ومتنوعة، فمنها ما هو إداري ومنها ما هو قضائي، كما أنها تستغرق
وقتا طويلا وتستلزم نفقات ومصاريف، وبالتالي فلا يجوز اللجوء إليها إلا من أجل
جرائم على درجة كبيرة من الخطورة[5].
وفي هذا الإطار فقد طرحت إشكالية تحديد معيار موحد لقياس درجة خطورة الجرائم
القابلة للتسليم، وهو الأمر الذي خلق صعوبات كثيرة بالنسبة لدول العالم، مما دفعها
إلى استخدام طرق كثيرة ومتعددة للتغلب على هذا المشكل أهمها وأكثرها استعمالا
طريقتي الترتيب والاستبعاد.
ففيما يخص الطريقة الأولى المتمثلة
في الترتيب، فيتم اللجوء بمقتضاها إلى وضع جدول تحدد فيه بنص صريح وعلى وجه الدقة
والتفصيل جميع الجرائم التي تخضع للتسليم، وذلك في صلب المعاهدة أو الاتفاق الذي
تعقده الدولة[6].
لكن على الرغم لما لهذه الطريقة من
دور مهم في تحديد وتبيان الجرائم ذات الخطورة والتي تكون محلا لإجراءات التسليم،
إلا أنها لم تسلم من الانتقادات العديدة التي وجهت لها، وذلك بالنظر للعيوب
الكثيرة التي تخللتها والتي من أبرزها إمكانية ظهور جرائم عديدة بعد نفاذ
المعاهدة، وبالتالي فعند تطبيقها يتطلب عقد معاهدة جديدة أو إحداث ملحق بهذه
المعاهدة، وهو الشيء الذي يتطلب وقتا لا يتلاءم وعملية التسليم[7]،
هذا بالإضافة إلى الفوارق القائمة بين اللغات ومدلولاتها والتعابير والمصطلحات في
تشريعات الدول المختلفة التي تجعل من الصعب وضع جدول مفصل بالجرائم القابلة
للتسليم، وكمثال على هذه الصعوبات أن بعض الأفعال تكون جريمة اختلاس في تشريعات
بعض الدول، بينما تشكل جريمة إساءة ائتمان أو خيانة الأمانة في تشريع دولة أخرى[8]،
ونفس الأمر ينطبق على جريمة غسل الأموال بحيث إن بعض الصور التي تشكل الركن المادي
لجريمة غسل الأموال في نظر التشريع المغربي قد تشكل الركن المادي لجريمة إخفاء
أشياء متحصلة من جناية أو جنحة في نظر تشريعات أخرى.
أما فيما يخص الطريقة الثانية
المعتمدة لقياس درجة الخطورة فتتمثل في طريقة الاستبعاد، الذي يقوم على تحديد نوع
العقوبة ومقدارها بشكل رقمي وفقا للعقوبات المقررة في المدونات الجنائية أو
المنصوص عليها في بنود الاتفاقيات الدولية[9] كتحديد
العقوبة مثلا في سنتين، وهذا الأسلوب تبنته معاهدة واشنطن الموقعة من طرف خمس دول من
أمريكا الوسطى[10]،
ونفس المنهج سارت عليه العديد من الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الدول كالاتفاقية
المبرمة بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية في ميدان تسليم المجرمين[11]
التي نصت مادتها الثانية الأشخاص الواجب تسليمهم في:
"1- الأشخاص المتابعين
لاقترافهم لأفعال معاقب عليها بمقتضى قوانين الطرفين المتعاقدين بعقوبة سالبة
للحرية لمدة سنتين حبسا على الأقل"..
وهو نفس البند الذي تضمنته
الاتفاقية المبرمة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، وكذلك المعاهدة
المبرمة بين المملكة المغربية والجمهورية التونسية، و المعاهدة المبرمة بين المملكة
المغربية والجمهورية الجزائرية، أما اتفاقية الجامعة العربية بشأن تسليم المجرمين
التي أبرمت بتاريخ 14/9/1952 والتي دخلت حيز النفاذ في 25/7/1954 ،فقد نصت على أن
"التسليم لا يكون واجبا إلا إذا كانت الجريمة المطلوب التسليم من أجلها جناية
أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة سنة أو بعقوبة أشد في قوانين كل من الدولة
الطالبة والمطلوب إليها"[12].
وبتطبيق هذا المعيار على جريمة غسل
الأموال يلاحظ أنها تقبل التسليم بشأنها في سائر الاتفاقيات الدولية مادام الحد
الأقصى للعقوبة المقررة لها يصل إلى خمس سنوات.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن
شرط الخطورة لا يقتصر فقط على الفعل الجرمي المرتكب من طرف الفاعل الأصلي، بل إنه
يشترط كذلك بالنسبة لأفعال المحاولة والمشاركة وذلك طبقا لأحكام الفقرة الخامسة من
المادة 720 من ق.ج.م.
ثانيا: معيار نوعية الجريمة.
لا يكفي توفر معيار خطورة الجريمة
لكي تستجيب الدولة المطلوب منها التسليم، بل لا بد من الأخذ بعين الاعتبار نوعية
الجريمة المرتكبة، وذلك على لأن التسليم لا
يقبل بالنسبة لكل الجرائم التي تصل عقوبتها إلى مقدار معين، وإنما هناك بعض
الجرائم التي استبعدتها المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الوطنية الخاصة من نطاق
التسليم بالنظر لطبيعتها الخاصة، والتي يمكن التعرض لها في هذا المقام لتعميم
الفائدة رغم عدم انضواء جريمة غسل الأموال تحت لوائها، ويتعلق الأمر بالجرائم
السياسية والجرائم العسكرية.
ففيما يتعلق بالأولى، والتي تم التأكيد
عليها في العديد من القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية فإن السبب في استبعادها
من الجرائم التي يجوز التسليم بشأنها يرجع إلى حرص كل دولة على احترام سيادتها
السياسية مما يقتضي بالضرورة احترام سيادة الدولة الأخرى، إذ أن تسليم الشخص
المتهم بارتكاب جريمة سياسية يعتبر من باب التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للدولة
المطلوب منها التسليم، لأنه تعضيد للفريق الذي بيده الحكم على الفريق الآخر[13]،
كما أن تعقب المجرم السياسي في دولة أخرى يمثل في نظر البعض[14]
اعتداء على القانون والعدالة في الدولة المطلوب إليها التسليم.
أما بالنسبة للثانية – أي الجرائم
العسكرية - فقد جرى العرف الدولي على عدم التسليم بشأنها، وذلك لاعتبارات متعددة وعلى
رأسها عدم اتصال هذا النوع من الجرائم بالحقوق الخاصة، كما أنها لا تدخل ضمن جرائم
الحق العام حتى يمكن تسليم مرتكبيها، وعلاوة على ذلك فلا توجد أصلا مصلحة مشتركة
بين الدول في التضامن على تسليم الجندي الهارب من الخدمة العسكرية في بلد أجنبي،
هذا بالإضافة إلى اعتبار هذه الجرائم ذات صلة وطيدة بالأعمال السياسية، بحيث يصعب
فصلها عنها وهو الأمر الذي دفع إلى تسميتها بالجرائم شبه السياسية[15].
وقد تبنى المشرع المغربي هذين
المبدأين عندما نص في الفقرة الثانية من المادة 721 من ق.م.ج بخصوص الجريمة
السياسية على أنه "لا يوافق على التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها
التسليم تعتبر جريمة سياسية أو مرتبطة بجريمة سياسية"، أما الجريمة العسكرية
فقد تضمنتها الفقرة الأخيرة من المادة 720 من ق.م.ج والتي جاء فيها بأنه
"تطبق المقتضيات السابقة على الجرائم التي يرتكبها عسكريون أو بحارة أو من في
حكمهم، إذا كانت الجريمة المطلوب من اجلها التسليم يعاقب عليها كجريمة عادية، وذلك
مع مراعاة المقتضيات المعمول بها في تسليم البحارة الموجودين في حالة فرار".
وبالإضافة لما سبق فإن مجمل
الاتفاقيات التي أبرمتها المملكة المغربية مع الدول الأجنبية تضمنت هذين الشرطين،
ومن بينها اتفاقية التعاون القضائي في المواد الجنائية وتسليم المجرمين بين حكومة
المملكة المغربية وحكومة جمهورية مصر العربية[16].
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن ما
يشهده العالم المعاصر من تطور هائل في وسائل الاتصال والتطور التكنولوجي الكبير،
قد ساهم في ظهور أنواع جديدة من الجرائم لم تكن معروفة من قبل، وتطرح إشكالات مهمة
في إطار التسليم بشأنها وذلك بما توفرها هذه التطورات التكنولوجية من إمكانية
إبرام صفقات إلكترونية وتقدم وسائل تحويل الأموال ،الشيء الذي وسع من إمكانية
ارتكاب هذه الجرائم دون عبور الحدود الوطنية.
وعلاوة على الشرطين السالفي الذكر
فإن هناك شرطا جوهريا آخر لايقل أهمية وهو ما يصطلح على تسميته بشرط " ازدواجية التجريم ".
ويقصد بازدواجية التجريم أن يكون
الفعل المطلوب التسليم بشأنه معاقبا عنه في قوانين كلتا الدولتين الطالبة للتسليم
والمطلوب منها ذلك، وإذا لم يتحقق هذا الشرط بالنسبة للدول التي تتمسك به. فإنه
يرفض التسليم لعدم توفر شرط من شروطه،[17] ويكمن
الأساس الفلسفي لحتمية تطلب ازدواج التجريم، في أن التسليم إجراء يتضمن مساسا
شديدا بالحرية الشخصية يستند إلى قضاء أجنبي، وهو الأمر الذي يوجب أن يكون لهذا
الإجراء ما يبرره في النظام القانوني الوطني وان يكون الفعل أو الجرم مبنى الطلب
مجرما في القانون الوطني، إذ انه الرأي العام أن يسلم شخص لدولة أخرى عن فعل لا
تعتبره جرما ويعتبر في نظامها العام مباحا ومشروعا فعلى سبيل المثال. بعض الدول
الأوروبية لا تعاقب على جريمة الفساد وتعتبره أمرا مشروعا يدخل في نطاق الحريات
الشخصية. فإنه من الطبيعي أن لا تقبل هذه الدولة تسليم شخص لدولة أخرى لتعاقبه من
أجل الفساد ولو فعلت ذلك لاصطدم قرارها بمشاعر مواطنيها[18].
وفي هذا الإطار لا يجب إغفال ما قد يترتب عن هذه المسألة من إمكانية إفلات هذا
الشخص من العقاب، بحجة أن الفعل المرتكب والمتمثل في جريمة الفساد لا يعاقب عليه
في الدولة المطلوب منها التسليم، وبالتالي يحرم الدولة الطالبة للتسليم والمرتكب
في داخل ترابها لهذه الجريمة من معاقبته وكذا عدم حقها في طلب تسليمه.
وبناء عليه فالمقياس المعتمد
لتحديد ما إذا كان الفعل موضوع التسليم يعتبر جريمة في تشريع الدولة طالبة
التسليم، هو بدون شك أحكام القانون الجنائي الجاري به العمل في هذه الدولة بتاريخ
اقتراف الفعل موضوع الطلب، إذ أن مبدأ الشرعية يقوم على أساس "لا جريمة ولا
عقوبة إلا بنص"،كما لا يجوز الاعتداد بنصوص تشريعية لاحقة تصدر بعد ارتكاب
هذا الفعل احتراما لمبدأ "عدم رجعية القانون الجنائي"[19].
وتأسيسا على المبدأ السائد (عدم
رجعية القانون) فإنه لا يجوز لأية دولة أن تطلب من دولة أخرى تسليمها شخصا لجأ
إليها في أراضيها من أجل فعل لم يكن قانون الدولة الطالبة يجرمه ويعاقب عليه حين
اقترافه، ولا من أجل فعل لم يعد قانون الدولة الطالبة يجرمه أو يعاقب عليه بعد
اقترافه، ذلك أن الدولة المطلوب منها التسليم لا ينبغي لها أن تساهم في عمل عقابي
يتنافس مع المبادئ الأساسية لتشريعها الجنائي[20].
وبالنسبة للتشريع المغربي نجده قد
نص صراحة على وجوب توافر عنصر الازدواج في التجريم لكي يتم تسليم الشخص الأجنبي
للدولة المطالبة بتسليمه ويستفاد ذلك من خلال مقتضيات المادة 720 من ق.م.ج بحيث
تنص على انه "لا يوافق بأي حال من الأحوال على التسليم إذا لم يكن الفعل
معاقبا عليه حسب القانون المغربي بعقوبة جنائية أو جنحية".
لكن بالرجوع إلى مقتضيات المادة
719[21]
من ق.م.ج يتضح الغموض الذي يكتنفها على مستوى المتابعة وكذا الحكم الصادر في حق
الشخص المطلوب تسليمه المنصوص عليه في هذا الإطار، حيث يرى الأستاذ سفيان ادريوش
أن الأمر لا يعدوا أن يكون سوى عيب على مستوى صياغة المشرع لهذه المادة وذلك على
اعتبار كون قانون المسطرة الجنائية قانون شكلي وعنصر التجريم يتم إقراره في إطار
قانون الموضوع أي القانون الجنائي هذا من جهة، ومن جهة ثانية وعلى افتراض أن
المشرع المغربي إذا كان يقصد المتابعة في حق الشخص المراد تسليمه في هذا الإطار
وكونه صدر الحكم عليه من طرف المحاكم المغربية فإنه في هذه الحالة لا يجوز تسليمه
أصلا ما دام طلب التسليم المقدم للمملكة المغربية يتعلق بنفس الفعل الذي توبع عنه
الشخص وصدر في حقه حكم بشأنه.
وبالتالي فالمشرع المغربي من خلال هذه المادة
كان يقصد اشتراط المتابعة وصدور الحكم في الدولة الطالبة وليس الدولة المغربية
بصفتها دولة مطلوب منها التسليم يضيف الأستاذ سفيان ادريوش.
وشرط الإزدواجية في التجريم لا
يقتصر على الجريمة التامة، بل يمتد كذلك إلى محاولة ارتكاب الجريمة وكذا أفعال
المشاركة فيها[22].
وارتباطا دائما بشرط ازدواجية
التجريم في تشريع الدولتين طالبة التسليم أو المطلوب منها التسليم فقد أضافت إليه
مختلف التشريعات الجنائية وكذا سائر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في مجال
التسليم على امتناع التسليم بسبب سقوط الدعوى العمومية أو العقوبة المحكوم بها
بالتقادم، ومثال ذلك الاتفاقية الأوروبية للتسليم التي تنص في مادتها الحادية عشر
على امتناع التسليم إذا كان تقادم الدعوى أو العقوبة قد اكتمل إما وفقا لقانون
الدولة الطالبة وإما وفقا لقانون الدولة المطلوب إليها،[23]
اما الاتفاقيات المنظمة للتسليم المبرمة بين المغرب والدول الأخرى فهي جميعها
تتضمن هذا الشرط[24].
ولكن التساؤل يطرح حول مسألة
انقطاع التقادم والتي يترتب عليها عدم الاعتداء بمدة التقادم السابقة على مباشرة
الإجراء القاطع للتقادم كما لو تم الاستماع لشاهد في قضية من قضايا غسل الأموال
مثلا، أو الأمر الصادر باعتقال المتهم أو إحضاره وبدء مدة تقادم جديدة، فهل في هذه
الحالة تطبق القواعد العامة بشأن انقطاع التقادم في مجال تسليم الأشخاص؟ وهل يمكن
أن يعتبر طلب التسليم السابق صدوره عن الدولة الطالبة في حد ذاته إجراء قاطعا
للتقادم؟ ففي هذه الحالات ليس هناك ما يمنع أو يحول دون ذلك، فإن كان الدفع
بالتقادم من جانب الشخص المطلوب تسليمه مقبولا لسقوط الدعوى العمومية أو العقوبة
وبالتالي رفض التسليم فإن الدفع بانقطاع التقادم من جانب الدولة الطالبة يجب بدوره
أن يكون مقبولا إذ ليس مبررا تجزئة أحكام نظام قانوني واحد والأخذ ببعض أحكامه دون
البعض الآخر[25]،
وترجع مسألة تقدير أسباب انقطاع التقادم وفقا لتشريع أي من الدولتين الطالبة أو
المطلوب إليها التسليم[26].
3. الفقرة الثانية: الشروط المتعلقة بالأشخاص المراد
تسليمهم.
إذا كان مبدأ التعاون القضائي بين الدول وضع على
عاتقها التزاما تسليم كل شخص متواجد بأراضيها للدولة الطالبة فإن هذا المبدأ لا
يأخذ به على إطلاقه، إذ يجوز للدولة المطلوب منها التسليم أن ترفضه، إذ تعلق الأمر
بتسليم لأحد مواطنيها، او إذا سبق أن صدر حكم بات في الجريمة المطلوب من اجلها
التسليم، وكذا في حالة انعقاد الاختصاص القضائي لدولة الملجأ.
أولا: عدم تسليم الدولة لمواطنيها.
يعتبر مبدأ عدم تسليم الدولة
لمواطنيها من أكثر المبادئ القانونية التي تكاد يجمع على الأخذ بها كل الاتفاقيات
الثنائية أو الجماعية والقوانين الداخلية المتعلقة بتسليم المجرمين[27]
.
ويجد مبدأ عدم تسليم الدولة
لمواطنيها أساسه في رغبة الدول في حماية مواطنيها من الأضرار الجسيمة التي قد
تلحقهم عند محاكمتهم أمام محاكم أجنبية، إذ تخشى معاملتهم بشكل غير قانوني ومحاكمتهم
محاكمة تعسفية وغير عادلة[28].
وقد أخذ التشريع المغربي بهذا
المبدإ على إطلاقه من خلال ما جاء في الفقرة الأولى من المادة 721 من ق م ج التي
نصت على أنه "لا يوافق على التسليم إذا كان الشخص المطلوب مواطنا
مغربيا..."، وهو ما تم تأكيده في الاتفاقيات الثنائية[29]
والجماعية[30]
التي عقدها المغرب مع غيره من الدول في مجال تسليم المجرمين، ويقصد بهذا المبدإ أن
لايكون الشخص الذي يطلب تسليمه من أحد مواطني الدولة المطلوب منها التسليم، سواء
أكان من الرعايا الأصليين أو المتجنسين بجنسيتها، لكن هذا لا يعني أن الشخص الذي
يرتكب جريمة خارج إقليم دولته ثم يفر إلى وطنه سيبقى بمنأى عن المتابعة، إذ غالبا
ما تلجأ الدولة التي وقعت في إقليمها الجريمة إلى تقديم شكاية رسمية أمام السلطات
القضائية للدولة التي ينتهي إليها وفقا لمقتضيات المادة 749 ق.م.ج[31].
وتبعا لما سبق، فإن الشخص المغربي
الذي يرتكب جريمة غسل الأموال بدولة أخرى ثم يفر إلى المغرب فإن تلك الدولة بعد
علمها بتواجده بالتراب المغربي لا يحق لها أن تطالب السلطات المغربية بتسليمه
إليها وإنما يحق لها فقط أن تتقدم بشكاية رسمية قانونية إلى السلطات المغربية
وتطالبها فيها بمتابعته وفق القانون المغربي.
إلا أنه في بعض الحالات قد يكون
الشخص المطلوب تسليمه يحمل جنسية الدولة الطالبة والدولة المطلوب منها التسليم في
آن واحد، فهل يمكن الاستجابة لطلب التسليم في حالة ازدواج الجنسية؟
نظرا لما قد يترتب عن هذه الحالة
من صعوبات قانونية فقد حاولت العديد من التشريعات التنصيص في قوانينها الداخلية
على حل لهذه الإشكالية، وهكذا نجد أن المادة 721/1 من ق.م.ج تؤكد أن العبرة بصفة
المواطن المغربي الذي لا يجوز تسليمه تحدد من وقت ارتكاب الجريمة المطلوب من أجلها
التسليم، وهو نفس المقتضى الذي تم تأكيده في العديد من الاتفاقيات الثنائية التي
أبرمها المغرب مع غيره من الدول، ومن ذلك الاتفاقية المغربية البلجيكية في ميدان
تسليم المجرمين التي جاء في الفقرة الثانية من مادتها الرابعة بأن "صفة
الرعايا تحدد باعتبار الفترة التي ارتكبت فيها الجريمة التي يطلب التسليم من
اجلها..."[32].
وعليه فإذا تجنس أحد الأشخاص
بالجنسية المغربية بعد أن ارتكب جريمة غسل الأموال في إحدى الدول التي تربطها مع
المملكة المغربية اتفاقية ثنائية بشأن تسليم المجرمين، فإن الجنسية المغربية لا تمنع
في هذه الحالة من تسليمه للدولة التي ارتكبت الجريمة على أراضيها لأن العبرة والحالة
هذه تكون بجنسية الشخص في وقت ارتكاب الجريمة وليس في وقت إلقاء القبض عليه أو في
وقت محاكمته.
ثانيا: عدم التسليم لصدور حكم
نهائي في الدعوى.
ينبني هذا المبدأ على أساس تكريس قواعد العدالة
والإنصاف، بحيث لا يمكن تصور معاقبة شخص مرتين على نفس الفعل، ويترتب على ذلك عدم
جواز تسليم شخص قد سبق أن صدر ضده من الدولة المطلوب منها التسليم قرار سواء
بالإدانة أو البراءة.
وعليه فإذا أصدر القضاء المغربي
حكما قضائيا أو أقر ببراءة الشخص المتهم بارتكاب جريمة غسل الأموال ثم توصل بعد
ذلك بطلب من دولة أخرى تطلب فيه تسليم ذلك الشخص إلى سلطاتها القضائية من أجل نفس
الجريمة فإن هذا الطلب لا يقبل لسبقية البت ولعدم إمكانية محاكمة الشخص على نفس
الفعل مرتين
وقد أخذ المشرع المغربي بهذه
القاعدة، في الفقرة الرابعة من المادة 721 من ق.م.ج التي تنص على أنه "لا
يوافق على التسليم إذا كانت الجنايات أو الجنح ولو أنها ارتكبت خارج أراضي المملكة
قد تمت المتابعة من أجلها بالمغرب ووقع الحكم فيها نهائيا"، وهو ما تم تكريسه
أيضا من طرف الاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية التي عقدها المغرب مع العديد
من دول العالم[33]
،وهو ماسارت عليه أيضا الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى التي ذهبت في أحد قراراتها[34]
إلى رفض طلب تسليم مواطن إيطالي تقدمت به السلطات الإيطالية استنادا لوثيقة أدلى
بها الشخص المطلوب تسليمه تثبت أنه سبق أن تمت محاكمته على نفس الفعل أمام القضاء
المغربي كما قضت في قرار آخر[35]،
بعدم الموافقة على طلب تسليم تقدمت به السلطات الفرنسية لمواطنين فرنسيين متابعين
بنقل المخدرات، لأنهما سبق أن حوكما وأدينا على نفس الفعل من طرف محكمة الاستئناف
بفاس، هذا مع الإشارة أن السلطات الفرنسية كانت قد التمست تسليم المواطنين
الفرنسيين لاستيرادهم المخدرات إلى التراب الفرنسي في حين تم تكييف الفعل من طرف
محكمة الإستئناف بفاس على أنه نقل وتصدير المخدرات من المغرب حسب مقتضيات ظهير 21
ماي 1974.
وتطرح مسألة عدم جواز تسليم الشخص
الذي صدر في حقه حكم نهائي في الجريمة المطلوبة من أجلها التسليم التساؤل عن طبيعة
هذا الحكم، بمعنى هل يشترط فيه أن يكون حكما نهائيا يقضي بالعقوبة أم البراءة؟ وهل
يلزم أن يتم تنفيذ هذا الحكم حتى يرفض طلب التسليم أم أنه يعتد به رغم كونه لم
ينفذ؟
تجدر الإشارة أولا إلى أن معيار
طبيعة الحكم الذي بصدوره يفرض الامتناع عن التسليم هو الحكم[36]
المكتسب لقوة الشيء المقضي به، أي الحكم ذلك الحكم الذي لم يعد قابلا لأي طعن عادي
أو غير عادي، وهو ما تم التنصيص عليه في المادة 721/4 من ق.م.ج التي اشترطت"أن
يكون الحكم الذي يقضي بعدم جواز التسليم نهائيا"، وتم تأكيد نفس القاعدة في مجموعة
من الاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية بشأن تسليم المجرمين، من ذلك مثلا الاتفاقية
المغربية الفرنسية ، التي تقضي في الفقرة الثانية من الفصل33 منها برفض التسليم إذ
كان قد سبق صدور حكم نهائي بشأن تلك الأفعال في الدولة المطلوب منها التسليم.
وعليه، فحتى يرفض طلب التسليم في
هذه الحالة، يجب أن تكون الدولة المطلوب منها التسليم قد أصدرت مقررا مكتسبا لقوة
الشيء المقضي به في الجريمة المطلوب من أجلها التسليم سواء بالإدانة أو البراءة،
بيد أنه إذا كان الحكم الصادر بالإدانة لا يطرح أي إشكال، فإن الحكم الصادر
بالبراءة قد يطرح بعض الصعوبات بين ما إذا تعلق الأمر بالاستناد إلى أسباب واقعية
أو قانونية للحكم بالبراءة فإذا صدر حكم بالبراءة، لوجود سبب من الأسباب
القانونية. كتقادم الجريمة، أو صدر بشأنها عفو، أو تم إلغاء النص الذي يجرم هذا
الفعل، ففي هذه الحالة يرفض التسليم لانقضاء أحد شروطه[37]
أما في حالة إذا تعلق الأمر بحكم صادر بالبراءة لأسباب واقعية، كعدم ثبوت ارتكابه
للجريمة، فإن هذا الحكم لا يمكن أن يقف حائلا دون تسليمه للدولة الطالبة، طالما
كون هذه الأخيرة تتقدم بحجج قوية تثبت إسناد الفعل في حق المطلوب تسليمه[38]،
والأمر نفسه ينطبق على الحكم الذي لم يتم تنفيذه بحيث إذا كان عدم التنفيذ يرجع
إلى أسباب قانونية، فإنه يمنع معه التسليم في حين إذا كان عدم التنفيذ يرجع لوجود
أسباب واقعية كفرار المحكوم عليه، فإنه لا يقف حائلا لرفض التسليم.
كما يمكن أن يطرح إشكال آخر، بخصوص
أمر بحفظ الملف الذي تتخذه النيابة العامة[39]، فهل
يمكن أن يكون مانعا للتسليم؟
تجدر الإشارة إلى أن قرار حفظ
الملف. ليس بحكم قضائي متمتع بقوة الشيء المقضي به، وإنما هو تدبير إداري يمكن
للنيابة العامة أن تتراجع عنه.
وبناءا عليه، فإن قرار حفظ الملف،
لا يقف حائلا دون الاستجابة لطلب التسليم، ما لم توجد مقتضيات مخالفة في الاتفاقية
الثنائية والجماعية المبرمة بين الدول بشأن التسليم، ومن ذلك، الاتفاقية المغربية
التركية، التي نصت في الفقرة الثانية من المادة 26، برفض التسليم، إذا صدر عن
السلطات القضائية للطرف المتعاقد المطلوب مقرر بالحفظ أو بعدم المتابعة.
وأخيرا قد يثار إشكال، في حالة
الاستناد إلى حكم صادر من دولة ثالثة؟
الإجابة عن هذا الإشكال، تقتضي
الرجوع إلى نصوص الاتفاقيات المبرمة بين الدول بشأن التسليم، فإذا كانت تجيز
الاعتداد بالحكم الصادر عن دول ثالثة فلا إشكال[40]،بشرط
ان يكون حكما نهائيا، وقد سبق للغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى، أن أكدت في أحد
قراراتها[41]،
أن القرار الصادر عن قاضي التحقيق بمقاطعة بسويسرا بعدم المتابعة، يعد قرارا مؤقتا
بطبعه، وقابل للرجوع فيه، وليس بمثابة الحكم الفاصل في موضوع الدعوى العمومية،
وبالتالي لا يكون حائلا دون الاستجابة لطلب التسليم الذي تقدمت به السلطات
الجزائرية، أما إذا خلت بنود الاتفاقية من نص خاص يحل هذا الإشكال[42]،
فيتم الرجوع إلى القواعد العامة في القانون الجنائي، وبالتالي عدم الأخذ بحجية هذا
الحكم.
ثالثا: عدم وجود اختصاص قضائي
لدولة الملجأ.
يستند هذا المبدأ إلى فكرة سيادة
الدولة على إقليمها، إذ أن الأصل في الاختصاص الجنائي يرجع إلى قضاء الدولة التي
ارتكبت الجريمة داخل إقليمها، وهو الأمر الذي تكاد تجمع عليه التشريعات الوطنية
والاتفاقيات الثنائية والجماعية المنظمة لتسليم المجرمين.
وقد نص المشرع المغربي على هذا
المبدأ في الفصل 10 من ق.ج[43]،
الأمر الذي يترتب عليه إسناد ولاية البث في الجرائم المرتكبة داخل السيادة
المغربية للقضاء المغربي بغض النظر عن جنسية الجاني أو المجني عليه، ولا لنوع الحق
الذي تم المساس به، وبالتالي فلا يبقى أي مبرر لتسليمه لدولة أخرى.
وفي ضوء هذه الاعتبارات، عملت
الاتفاقيات الثنائية والجماعية التي أبرمتها الدول في مجال تسليم المجرمين،[44]
على إيراد بنود صريحة تقضي بعدم جواز التسليم في حالة كون الأفعال التي يطلب من
أجلها قد ارتكبت في الدولة المطلوب منها التسليم.
بيد أنه إذا كان إجماع التشريعات
الوطنية والاتفاقيات الدولية على حظر التسليم تطبيقا للاختصاص الإقليمي للدولة
المطلوب منها التسليم، فإن التساؤل يبقى قائما بشأن جواز رفض التسليم استنادا إلى
معيار آخر من معايير الاختصاص، كالاختصاص الشخصي في شقيه الإيجابي أو السلبي أو
معيار الاختصاص العيني؟
يبدو أن الإجابة للوهلة الأولى،
ستكون بالنفي، بحيث أن سائر الاتفاقيات الثنائية والجماعية في مجال التسليم تقريبا[45]،
لا تجيز للدولة رفض التسليم إلا في حالة توفر شروط مبدأ الإقليمية، وهو ما تم
تكريسه أيضا على مستوى التشريعات الوطنية[46]، غير
أن هذه المسألة تحتاج إلى توضيح وتدقيق.
ففي حالة توافر اختصاص الدولة
بموجب مبدأ الشخصية[47]
ولنفرض أن شخصا يحمل جنسية دولة (أ) ارتكب جريمة في دولة (ب)، ثم عاد إلى دولة
(أ)، وحصل أن قدمت دولة (ب) طلبا للتسليم، هذا الشخص فإنه يحق في هذه الحالة لدولة
(أ) رفض التسليم، استنادا إلى مبدأ آخر هو مبدأ عدم تسليم الدولة لمواطنيها، ثم
أنه يحق لهذه الدولة محاكمة مواطنيها وفق لمبدأ الشخصية في شقه الإيجابي[48].
إلا أنه قد يثور الإشكال مجددا، في
الحالة المعاكسة، إذ يكون اختصاص الدولة مستندا إلى مبدأ الشخصية في شقه السلبي،
ولنفترض أن شخصا يحمل جنسية دول (أ) ارتكبت في حقه جريمة من شخص يحمل جنسية دولة
(ب)، وداخل إقليمها، ثم تواجد هذا الأخير لسبب أو لآخر، داخل إقليم دولة (أ)، ففي
هذه الحالة ليس هناك ما يمنع رفض دولة (أ)، دون تسليم هذا الشخص إلى دولة تطالب
بمتابعته[49].
أما بخصوص الاختصاص العيني، فمن
المعلوم أنه يمنع للدولة بمتابعة كل من ارتكب جريمة تمثل إضرار ببعض مصالحها
الأساسية[50]،
وذلك أيا كان مكان ارتكابها أو جنسية مرتكبيها، وعليه إذا طلب من المغرب مثلا
تسليم المتهم بارتكاب هذه الجريمة والمتواجد بإقليمها، فهل يمكن أن يمتنع عن
تسليمه؟
إن الاتفاقيات الثنائية والجماعية
التي عقدها المغرب بخصوص التسليم، لا تجيز له رفض التسليم، إلا إذا ارتكبت الجريمة
في إقليمه. لكن هذا على ما يبدو ليس فيه ما يمنع برفض الدولة المغربية لهذا
التسليم، على اعتبار أنه حتى لو كانت اتفاقيات التسليم لم تنص على رفض التسليم
طبقا لمبدأ العينية إلا أنها لم تمنع ذلك بصفة صريحة، بل يمكن للدولة في هذه
الحالة أن تستند إلى مانع أخذ كون الجريمة مطلب التسليم، موضوع متابعة من قضائها[51].
هذا وإن كان المشرع المغربي اكتفى،
بمنع التسليم بالنسبة للجرائم التي تقع فوق سيادته، فإنه يمكن أن يثار إشكال،
يتعلق بتحديد مكان وقوع الجريمة، وهل يشمل المساهمين والمشاركين المتواجدين بين
الخارج؟
بالنسبة للإشكال الأول، فبالرجوع
إلى الفقرة الثانية من المادة 704 من ق.م.ج التي تنص على أن "كل جريمة يتم
داخل المغرب ارتكاب أحد الأفعال التي تشكل عنصرا من عناصر تكوينها تعتبر كما لو
ارتكبت في أراضي المملكة".
إذن يستفاد من هذه المادة انه لا
يشترط أن تقع صور الجريمة كلها في إقليم الدولة[52]، بل
يكفي أن يتحقق أحد عناصرها حتى تكون الدولة مختصة للبث فيها، وقد تضمنت بعض من
الاتفاقيات التي عقدها المغرب بشأن التسليم على هذا الشرط[53].
ومن ذلك الاتفاقية المغربية المصرية، التي جاء في المادة 21/4 على أنه "يرفض
التسليم، إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم قد ارتكبت كلها أو بعضها في
الدولة المطلوب منها أو في أي مكان يخضع لولايتها القضائية".
وعليه، يمكن للدولة أن تمتنع عن
التسليم بمجرد وقوع عنصر من عناصر الجريمة داخل ترابها، ويعتبر هذا المقتضى ذا
أهمية بمكان، خاصة فيما يتعلق بحكم التسليم في الجرائم التي يتم تدويل مكان
وقوعها، فهذه الجرائم يستمر النشاط المكون لها أو تتوزع الأفعال المكونة لها عبر
إقليم أكثر من دولة، ويترتب على ذلك اعتبار أكثر من دولة مختصة وفقا لمبدأ
الإقليمية بمتابعة فاعلي هذه الجرائم، وعليه يحق لكل من هذه الدول الامتناع عن
تسليم هؤلاء لكون الجريمة قد تحققت في إقليمها.
وهكذا فمسك المخدرات يمكن أن يتحقق
على إقليم كل دولة تمت فيه هذا المسك الغير المشروع، حتى ولو تواصل استمرار هذا
المسك على أكثر من دولة، وبالتالي يحق لكل دولة من هذه الدول أن ترفض تسليم المتهم
المتواجد في إقليمها، حتى ولو كان طلب التسليم مقدما من دولة تحقق هذا الفعل على
إقليمها[54].
كما يجب التأكيد، أن تحقق عنصر من
عناصر الجريمة داخل إقليم الدولة، يمكن أن يشمل حتى أعمال المشاركة والإخفاء في
ارتكابها. ولو حتى في حالة تم ارتكابها خارج المملكة ومن طرف أجانب[55].
لأن العبرة في مبدأ الإقليمية،
مكان وقوع الفعل بصرف النظر عن مكان تواجد الفاعل، وسواء أكان مغربيا أو أجنبيا،
فلو قام مواطن مغربي بتصدير مخدرات إلى إسبانيا، وقام مواطن إسباني باستقبال هذه
المخدرات وروجها داخل التراب الإسباني، فإنه يكون بهذا الفعل قد أعان المواطن
المغربي، لذا تجب محاكمته على هذا الأساس أمام المحاكم المغربية[56]،
وإذا فرض أن تواجد بالمغرب، فإنه لا يمكن تسليمه لدولة أخرى.
وأخيرا يمكن أن يقع تعارض بين
الاختصاص المنعقد لعدد من الدول، التي قد تتقدم بطلبات التسليم من أجل جريمة
واحدة، ونعطي مثال، بشخص جزائري يرتكب تزوير للنقود الفرنسية في تونس، ثم يهرب إلى
المغرب، فإنه يكون في هذه الحالة من حق تونس طلب تسليمه باعتبارها صاحبة الاختصاص
الإقليمي، كما يمكن لفرنسا أن تطالب بتسليمه على أساس مبدأ الاختصاص العيني، ويمكن
أيضا للجزائر أن تطالب بتسليمه على أساس الاختصاص الشخصي وعليه تكون في هذه الحالة
أمام تعدد الاختصاص عن جريمة واحدة، فإلى أي دولة يجب أن يسلم؟
إن المشرع المغربي، وضع حدا لهذه
الإشكالية في المادة 724 من ق.م.ج التي تعطي الأولوية في التسليم للدولة التي عقدت
اتفاقية تسليم مع المغرب، وإذا كانت كلها مرتبطة مع المغرب باتفاقية، فإنه يرجع
إلى درجة ضرر الجريمة بمصالح الدولة، وإذا لم ينتج عنها أي ضرر، فيمنح التسليم
للدولة التي ارتكبت الجريمة داخل إقليمها.
4. المطلب الثاني: الشروط الإجرائية لنظام تسليم
المجرمين
يخضع تسليم المجرمين لإجراءات
مسطرية منها ما يخص الدولة الطالبة التسليم وأخرى تخص الدولة المطلوب منها
التسليم، في إطار احترام أولوية تطبيق الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية،
فهل يتعلق الأمر بخصوصيات تميز إجراءات التسليم في حالة كون المغرب دولة
طالبة؟(المطلب الأول)، وما هو موقف المغرب في حالة كونه دولة مطلوب منها
التسليم(المطلب الثاني).
5. الفقرة الأولى: إجراءات التسليم في حالة كون المغرب
دولة طالبة للتسليم
تطبق مقتضيات الاتفاقيات الثنائية
المبرمة مع المغرب عندما يتعلق الأمر بتقديم طلب التسليم، وعند عدم وجود أية
اتفاقية فإن القانون المغربي يطبقه لا محالة، مع الأخذ بعين الاعتبار قانون الدولة
المطلوب منها التسليم احتراما لمبدأ المعاملة بالمثل، وتقتضي مسطرة التسليم من حيث
المبدأ تدخل سلطات متعددة من أجل تفعيلها، ويتفاوت تدخل هذه السلطات حسب المراحل
التي يمر منها طلب التسليم، يتعلق الأمر بالسلطات القضائية والحكومية والإدارية،
ولن يفعل طلب التسليم ما لم تتوفر فيه شروط وشكليات محددة، بنص القانون.
أولا:السلطات المغربية المطالبة
بالتسليم
تتميز مسطرة تسليم المجرمين بطابع
تعدد السلط المتدخلة في تنظيمها، ويكتسي الجهاز القضائي، إلى جانب الأجهزة
الحكومية والإدارية أهمية كبرى في تفعيل هذه المسطرة.
أ-السلطات القضائية
المختصة
إذا كان التسليم ممارسا من قبل
السلطات المغربية فالأمر يتعلق بتسليم إيجابي، يقابله التسليم السلبي الذي تمارسه
الدولة المطلوب منها التسليم.
ولعل أهم جهة قضائية أوكل لها
القانون التدخل في تفعيل مسطرة تسليم المجرمين جهاز النيابة العامة بشكل عام،
والنيابة العامة لدى محكمة الرباط بشكل خاص، حيث نص المشرع المغربي في الفقرة
الثالثة من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية على أنه"يحق لوكيل الملك
لضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين إصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض...."،
ونفس المقتضى نص عليه المشرع المغربي في المادة 49 من ق.م.ج بالنسبة للوكيل العام
للملك.
كما خول القانون لقاضي التحقيق
إصدار أوامر بإلقاء القبض بعد أخذ رأي النيابة العامة، إذا كان المتهم مقيما خارج
أراضي المملكة وهذا ما أكدته الفقرة 2 من المادة 154 من ق.م.ج، ومما تجدر الإشارة
إليه في هذا الصدد أن شكليات التسليم منظمة وفقا للاتفاقيات الدولية الثنائية،
وعند غياب هذه المعاهدة تطبق المقتضيات الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة
الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية[57]
إذا تعلق التسليم بجرائم المخدرات، طبقا للفقرة 3 من المادة 6 من هذه الاتفاقية،
أما على المستوى التعاون القضائي العربي فطلب التسليم تحدد شكلياته وفقا
للاتفاقيات الثنائية، وفي حالة عدم وجودها، وعندما يتعلق الأمر بجرائم المخدرات
والجرائم الناتجة عنها، فتطابق بهذا الشأن المقتضيات المتضمنة في الاتفاقية
العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية[58]،
وهذا ما نصت عليه المادة 6 في فقرتها الثانية.
ب- دور الجهاز الحكومي
أضحى تدخل الجهاز الحكومي في تنظيم
مسطرة تسليم المجرمين أمرا ضروريا نظرا
للطابع الدبلوماسية الذي يميز العلاقات الدولية، ويتجلى هذا التدخل في سهر وزارة
العدل على تهيئة ملف الطلب الذي يتم توجيهه بعد ذلك إلى مصالح وزارة الخارجية، وعن طريق المصالح
الدبلوماسية يجعل طلب التسليم إلى الدولة المطلوب منها التسليم، وهذا ما نص عليه
المشرع المغربي في المادة 727 من قانون المسطرة الجنائية.
وفي الجانب الآخر تقوم حكومة دولة
الملجأ بالتـأكد من توفر الوثائق المطلوبة والمرفقة بطلب التسليم لكي تقرر قبولها
أو رفضها لهذا الطلب[59]،
وذلك بالطبع قبل إحالته على القضاء المختص ليقول كلمته الأخيرة.
ج- دور الأجهزة الإدارية.
إن إسباغ الصيغة التنفيذية على طلب
التسليم لن تتم عن طريق أجهزة خول لها القانون الاختصاص التقني للتنفيذ، ويتعلق
الأمر بجهاز الشرطة القضائية على المستوى الوطني، وجهاز الشرطة الجنائية
الدولية(الأنتربول) على المستوى الدولي، وفي إطار التعاون الأمني بين كلا الجهازين
تمر عملية التسليم في ظروف جيدة ومهنية عالية، ويتأتى هذا التنسيق عن طريق شرطة
البلدين الطالبة والمطلوبة، ثم عن طريق المكتب الإقليمي الأنتربول بالمغرب والكائن
مقره بالدار البيضاء، ولقد دأبت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية منذ تأسيسها سنة
1933 [60]
على تحقيق هذا الهدف من خلال تبادل
المعلومة الأمنية مع جميع مكاتبها وفروعها وعبر العالم، وعلى سبيل المثال يضطلع
المكتب الإقليمي للأنتربول بالمغرب بمهام كبرى، فبمجرد توصله عن طريق وزارة العدل
بوجود قرار إلقاء قبض دولي، فإن المكتب المركزي للإنتربول يقوم بجميع الإجراءات
اللازمة كتقديم طلب الحصول على معلومات من الكتابة العامة بواسطة برقية وإصدار
إعلان بحث قصد إدانته عالميا في إطار ما يسمى بالنشرات الخبراء، كما يطلب هذا
المكتب من جميع المصالح الأمنية مده بالمعلومات اللازمة لتحديد مكان المشتبه بهم،
وفي حالة الاستعجال- كما إذا كان المجرم يشكل خطرا على النظام العام- يلتمس هذا
المكتب اعتقال المشتبه بع اعتقالا مؤقتا[61]، في
انتظار إرسال طلب تسليم رسمي[62].
ثانيا: البيانات الشكلية في طلب
التسليم.
إن المشرع المغربي ومن خلال نص
المادة 726 قانون المسطرة الجنائية. قد أكد على مجموعة من الشكليات والتي ينبغي
احترامها في حالة تقديم طلب التسليم إلى دولة أجنبية أخرى، وذلك ضمانا لتطبيق
القانون الجنائي ضد جميع المجرمين، وعلى هذا الأساس كان لابد لمسطرة التسليم أن
تراعي بعض الشروط وذلك تحت طائلة رفض طلب الدولة المغربية طالبة التسليم.
أ- الشكليات المتعلقة بالوثائق
الواجبة توفرها
تتعلق هذه الشكليات بالشخص محل
الطلب، وبالمسطرة المتبعة في حقه.
1-الوثائق المتعلقة بالشخص محل
الطلب
إن طلب التسليم يجب أن يرفق
بمجموعة من الوثائق التي يتم من خلالها تحديد هوية وجنسية الشخص المطلوب تسليمه [63]،
وذلك تفاديا لأي خلط في هوية الشخص المطلوب إلى جانب تمكين الدولة المطلوبة تطبيق
مبدأ عدم تسليم الدولة لرعاياها.
2-الوثائق المتعلقة بالمسطرة
المتبعة في حق الشخص المطلوب:
ينصرف طلب التسليم المقدم من طرف
المغرب إما إلى متابعة الشخص المطلوب وإما إلى ضمان تنفيذ عقوبة قد سبق الحكم عليه
بها من قبل القضاء المغربي.
ففي الحالة الأولى على الحكومة
تمكين الدولة المطلوب منها التسليم من النسخة الأصلية من أمر إلقاء القبض وملخص
الوقائع إضافة إلى تعهد الدولة الطالبة بعدم متابعة الشخص إلا من أجل ما ارتكبه من
جرائم.
أما في الحالة الثانية والتي يتم
فيها طلب التسليم من اجل تنفيذ عقوبة فيجب إرفاق الطلب بحكم أو بقرار الإدانة
الصادر عن إحدى المحاكم المغربية.
وقد تنضاف حالة أخرى يكون معها
تبسيط الشكليات أمرا ضروري، وهي الحالة التي يطلق عليها وصف الاستعجال.
3-حالة الاستعجال الواجب معها
تبسيط الشكليات
استثناء من المبدأ الوارد في
المادة 726 قانون المسطرة الجنائية والقاضي باتباع الطريق الدبلوماسية في طلب
التسليم، فقد تحدث حالة استعجال يكون معها لزاما تبسيط الشكليات من أجل ضمان عدم
إفلات الجاني خاصة عندما يتعلق الأمر بالمحرم الخطير الذي يصعب القبض عليه،
واستنادا إلى مجموعة من اتفاقيات التسليم الثنائية المبرمة بين المغرب ودول أخرى،
فنجدها قد اشترطت ضرورة تبسيط مسطرة التسليم عند إتباع الطرق الدبلوماسية.
ب- مصاريف مسطرة تسليم المجرمين.
تتطلب مسطرة تسليم المجرمين بعض
المصاريف التي ينبغي للمغرب أن يدفعها في حالة كونه دولة طالبة، إلا أن هذه
المسألة لا تخلو من أحد أمرين اثنين:
الأمر الأول: الحالة التي يكون
فيها المغرب مرتبطا بعلاقة الجوار مع الدولة المطلوب منها التسليم كالجزائر
وموريطانيا، حيث أن السلطات المغربية يكون عليها أداء المصاريف المتعلقة بإلقاء
القبض على المتهم وحبسه احتياطيا فوق إقليم الدولة المطلوب منها التسليم[64].
الأمر الثاني وهو الحالة التي لا
يرتبط فيها المغرب بعلاقة الجوار مع الدولة المطلوبة(دولة الملجأ)، فإن جميع
المصاريف التي تشمل تنقل الشخص المطلوب تسليمه وتنقلات أفراد الشرطة المغربية
تتحملها الحكومة المغربية[65].
لكن في حالات أخرى، قد يتطلب الأمر
ترحيل الشخص من الدولة المطلوبة إلى الدولة الطالبة عبوره عدة دول مجاورة، هنا
نتساءل من الإجراءات الواجب اتخاذها احتراما لمبدأ السيادة البلد محل العبور.
يقتضي مبدأ التسليم بالعبور ترحيل
الشخص المطلوب تسليمه مروره بعدة دول، حيث يجب والحالة هذه التمييز بين أمرين
اثنين إما أن يكون السماح بالعبور مرتبطا باتفاقية التسليم مع الدولة المطلوبة،
وفي هذه الحالة سوف يكون التسليم بالعبور منصوصا عليه في هذه الاتفاقية[66]
أما الحالة الثانية والتي لا يرتبط فيها البلد الطالب بأية اتفاقية مع البلد
المطلوب، فإن القانون المطبق هو قانون دولة العبور احتراما لمبدأ سيادة البلد محل
العبور.
6. الفقرة الثانية: الشروط الإجرائية لقبول المغرب طلب
التسليم
إذا كان نظام تسليم المجرمين يعتبر
من بين مظاهر التضامن الدولي في مكافحة الجريمة الدولية، وأكثرها شيوعا في
التطبيقات العملية بين الدول، ولعل السبب راجع لطبيعة نظام التسليم وأثره المباشر
في تحقيق أكبر قدر من الفاعلية، تتمثل في إمكانية ترحيل الشخص المطلوب إلى الدولة
الطالبة، لتتمكن من محاكمته أو تنفيذ الجزاء الجنائي الصادر ضده، فإن ذلك خاضع
لمجموعة من الإجراءات الشكلية التي على الدولة المطلوب منها التسليم أن تتقيد بها،
وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية وبنود الاتفاقيات الدولية يتبين أن مسطرة
البث في طلبات التسليم الواردة من الخارج، أسندت إلى كل من السلطة القضائية(الفقرة
الأول)، والسلطة التنفيذية(الفقرة الثانية).
أولا: سلطة القضاء في الفصل في
قرار التسليم
إذا كان نظام تسليم المجرمين يمس
بالأساس الحرية الفردية للأشخاص، فإنه يكون من اللازم حصر، في نطاق قانوني محكم
لضمان الحريات الفردية للشخص المراد تسليمه، وبالتالي فإن تدخل السلطات القضائية
في البث في طلبات التسليم تكون وفقا لما هو منصوص عليه في قانوننا الوضعي.
وتبتدئ هذه المرحلة في تسلم
السلطات القضائية الوثائق الكافية وجميع المرفقات الضرورية حسب ما نصت عليه المادة
726 من قانون المسطرة الجنائية.
وهكذا بعد أن يطلع وزير الشؤون
الخارجية على المستندات يوجهها رفقة الملف إلى وزير العدل الذي يعتبر الجهة المخول
لها التأكد من صحة الطلب واتخاذ في شانها ما يلزم قانونا، غير انه في حالة كون
المعلومات المقدمة من الدولة الطالبة غير كافية لتمكين السلطات المغربية من اتخاذ
القرار المناسب بشأن الطلب فإن هذه الأخيرة تطلب إفادتها بالمعلومات التكميلية
الضرورية مع إمكانية تحديد أجل للحصول عليها، وذلك حسب المادة 728 من قانون
المسطرة الجنائية، وكذا حسب الاتفاقيات الثانية التي عقدها المغرب، وهنا نستحضر
اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي التي نصت في المادة 45 على أنه يمكن للطرف
المتعاقد المطلوب إليه التسليم أن يطلب إيضاحات
تكميلية ليتحقق من توفر الشروط المنصوص عليها في هذا الباب[67].
ونفس الشيء ينطبق على اتفاقية
المملكة المغربية مع المملكة البلجيكية بشأن تسليم المجرمين، التي نصت في مادتها
11 على أنه "إذا كانت المعلومات المقدمة من طرف طالب التسليم غير كافية حتى
يتأتى الطرف المطلوب بالتسليم اتخاذ تقرير تطبيقا لهذه الاتفاقية، فإن الطرف
الأخير يلتمس استكمال المعلومات الضرورية ويمكنه أن يحدد أجلا لنيل هذه
المعلومات".
وتبعا لذلك تقوم النيابة العامة
بإحالة الملف إلى الوكيل العام للملك بالمجلس الأعلى، الذي يرفع القضية بدوره أمام
الغرفة الجنائية لهذا المجلس، طبقا لما نصت عليه المادة 732 من قانون المسطرة
الجنائية.
وانطلاقا من ذلك، فإن الغرفة
الجنائية بالمجلس الأعلى هي وحدها المختصة بالنظر في جميع طلبات التسليم.
وعليه، فإن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى،
كأعلى جهة قضائية في البلد هي التي رأى المشرع المغربي أحقية إسناد الاختصاص إليها
للنظر في شرعية الطلبات الأجنبية للتسليم، وذلك وفق قانون التسليم الاتفاقي أو
الوطني حسب الأحوال[68].
إلا أنه يطرح السؤال حول السر وراء
إسناد هذه المهمة لغرفة الجنايات بالمجلس الأعلى؟
إذا كان طلب التسليم إجراء يمس
حقوق الشخص المراد تسليمه، فإن منح هذا الاختصاص لها، يعد قيمة عليا وضمانة أساسية
لحقوق المتهم.
وعلاوة على ذلك، فإن تسليم
المجرمين هو تصرف ديبلوماسي ومن ثم فإسناده إلى أعلى جهة قضائية في البلد، يمكن
لهذه الأخيرة أن تعتمد عليه في مواجهة نظريتها التي تطلب التسليم، خاصة في حالة
صدور قرار قضائي سلبي بالتسليم، دون أن تضر بحساسية الدولة الأخرى، معززة موقفها بالاستناد إلى مبدأ فصل السلطات
المنصوص عليه في الدستور.
غير أنه، وبالرجوع إلى المجلس
الأعلى لإبداء رأيه في طلب التسليم فإن الحكومة تتملص من كل مسؤولية، وبالتالي فهل
يمكن اعتبار رأي القضاء مجرد قرار عادي أم أنه قرار ملزم؟
انطلاقا من المادة 732[69]
من قانون المسطرة الجنائية المغربي، فالغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى تبث في طلب
التسليم بقرار معلل خلال خمسة أيام من إحالته إليها، إضافة إلى أن المادة 736 من
نفس القانون تنص على أنه إذا ارتأى المجلس الأعلى الموافقة على التسليم، فإن رأيه
في هذه الحالة يكون نهائيا.
إذن: انطلاقا من فصول قانون
المسطرة الجنائية، يظهر طبيعة وقوة الرأي القضائي في تسليم الشخص المطلوب تسليمه.
وعلى هذا الأساس، فإنه في حالة رفض
الغرفة بالمجلس الأعلى التسليم، تلتزم الحكومة بهذا الرأي، وكل إجراء تسليم تقوم
به هذه الأخيرة يعتبره القانون باطلا وغير شرعي، أما في حالة إصدارها رأيا في غير
صالح الشخص المطلوب تسليمه، فإن الغرفة تكون بذلك قد رخصت للحكومة في أن تبدأ في اتخاذ
إجراءات التسليم.
وتجدر الإشارة إلى أن قبول المعني بالأمر تسليمه
دون سلوك الإجراءات القضائية المنصوص عليها في المادة 732 من قانون المسطرة
الجنائية، يوقف المسطرة وتقوم السلطات المعنية بإشعار السلطات السياسية بذلك،
لتتخذ من الإجراءات ما تراه مناسبا[70].
وفي هذا السياق ذهبت الغرفة
الجنائية بالمجلس الأعلى على أن المطلوب في التسليم صرح أنه قبل صراحة بأن يسلم
إلى سلطات بلاده، مما يكون معه قد تخلى عن الاستفادة من تطبيق المسطرة المنصوص
عليها في باب تسليم المجرمين عملا بمقتضيات الفصل 735 من قانون المسطرة الجنائية[71].
وفي قرار أخر للغرفة الجنائية
بالمجلس الأعلى، صرح المطلوب في التسليم رغبته بقبوله أن يسلم عن طواعية واختيار،
مما ينبغي معه والحالة ما ذكر قبول المطالبة بالتسليم والاستجابة لها[72]،
دون الاستفادة من المقتضيات القضائية المنظمة لمسطرة تسليم المجرمين.
وهكذا وطبقا للقانون المسطرة
الجنائية(م 735) يمكن للسلطات المغربية أن تقوم بتسليم المعني بالأمر دون تطبيق
عليه المقتضيات القانونية القضائية، في حالة موافقته على ذلك، وفي نفس التوجه
نسجله للقضاء المغربي، الذي دأب في العديد من قراراته على تكريس هذا الأمر.
وفي حالة إذا كان المطلوب في
التسليم قد تنازع في المستند القضائي بحيث دفع على أنه لا ينطبق عليه، فيمكن في
هذه الحالة للغرفة الجنائية أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي حول هوية المطلوب وذلك
طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 732 قانون المسطرة الجنائية ونفس المتوجه ذهبت إليه
الغرفة الجنائية في أحد قراراتها، فقد جاء فيها:"وحيث أن المطلوب في التسليم
دفع بأن القضائي لا ينطبق عليه، الأمر الذي ارتأت معه الغرفة إلى إجراء تحقيق
تكميلي حول هوية المطلوب"[73].
وعليه، فإن الغرفة الجنائية
بالمجلس الأعلى عند بثها في طلب التسليم كما سبق القول ففي الحالة الأولى، يتم
توجيه الملف مع نسخة من القرار خلال ثمانية أيام إلى وزير العدل الذي يقترح عند
الاقتضاء على الوزير الأول إمضاء مرسوم يأذن بالتسليم والذي يتم توجيهه إلى وزير
الشؤون الخارجية قصد تبليغه إلى الممثل الدبلوماسي للدولة الطالبة وإلى وزير
الداخلية قصد تبليغه إلى الشخص المعني بالأمر ولأجل التنفيذ طبقا للمادة 737 من
قانون المسطرة الجنائية.
وفي هذا الصدد ذهبت الغرفة
الجنائية بالمجلس الأعلى، بالموافقة على طلب التسليم، لكون المطلوب في التسليم ليس من جنسية مغربية وقد عثر عليه
فوق التراب المغربي، وأن الأمر بالاعتقال الصادر في حقه يشمل الوصف الدقيق للأفعال
المنسوبة إليه، ويتضمن جميع الشروط التي يجب التسليم في نطاقها[74].
وفي قرار آخر للغرفة الجنائية،
أقرت على أن المطالبة بالتسليم الصادرة عن السلطات القضائية الإسبانية، جاء وفقا
لما ينص عليه الفصل السادس من ظهير ثامن نونبر 1985[75].
وفي هذا الإطار يتعين على الدولة
الطالبة أن تتخذ جميع الإجراءات والمبادرات اللازمة لاستلام الشخص موضوع طلب
التسليم بواسطة أعوانها، وذلك خلال أجل شهر من تاريخ تبليغ المرسوم لممثلها
الدبلوماسية، وإذا ما تأخرت عن ذلك ولم تبرر تأخرها فإنه يتم الإفراج عن الشخص
المقرر تسليمه، ولا يمكن لها بعد ذلك المطالبة بتسليمه مرة أخرى على نفس الأفعال[76]،
لأن موقفها السلبي هذا بمثابة تخلي ضمني عن طلب التسليم، ونفس الموقف نستشفه من
اتفاقية التعاون القضائي المتبادل وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين بين المغرب وفرنسا
والموقعة في 5 أكتوبر 1957، التي نصت في الفقرة الرابعة من المادة 40 على أنه
"... يجب على الدولة الطالبة أن تسلم الشخص بواسطة مأموريها داخل شهر يحسب من
التاريخ الذي يعين طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من هذا الفصل مع مراعاة الحالة
المشار ليها في الفقرة الأخيرة منه، فإذا انقضى الأجل المذكور دون أن تقوم الدولة
الطالبة باستلامه يخلى سبيله ولا يمكن بعد ذلك طلب تسليمه بسبب الفعل
نفسه".
والملاحظ أن اتفاقية[77]
مع الإمارات المتحدة، نصت على مدة تختلف عن المدة المقرر في اتفاقية المغرب
وفرنسا، حيث جاء في اتفاقية الأولى، وبالضبط في الفصل 33 على أن "تقوم الدولة
طالبة التسليم بتسليم الشخص المطلوب تسليمه خلال خمسة وأربعين يوما من تاريخ
وأربعين يوما من تاريخ إرسال إشعار إليها بذلك".
إلا أن هذه الاتفاقيات تقرر نفس
المصير في ما يتعلق بالتسليم، وفي حالة تأخر في استلام المعني بالأمر، ويتم إخلاء
سبيله من طرف الدولة المطلوب منها ولا يجوز طلب التسليم مرة ثانية عن نفس الفعل.
غير أن السؤال الذي يطرح في هذا
المضمار، هل يحق للشخص المطلوب في التسليم أن يطلب بإعادة النظر في القرار الذي
أصدرته الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى؟ يبدو أن هذا السؤال كان مشروعا في ظل
قانون المسطرة الجنائية القديم، ولكن في ظل قانون المسطرة الجنائية الحالية، يمكن
الاستناد إلى القسم الثاني المتعلق بإعادة النظر وتصحيح القرارات من قانون المسطرة
الجنائية.
وفي هذا الإطار هناك العديد من
القرارات القضائية الصادرة في هذا الشأن تستند إلى فصل 379 من قانون المسطرة
المدنية الذي يسمح للمجلس الأعلى لإعادة النظر في قراراته، وهنا نستحضر أحد
القرارات الصادرة عن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى، حيث جاء فيه: "وحيث إن
القرار المطلوب إعادة النظر فيه قد تبث
للغرفة أنه مشوب بخطأ مادي أثر فيه ما قضى به، مما يتعين قبول الطلب"[78]
.
أما في حالة إبداء الرأي بعدم
الموافقة، فتكون على أساس أن طلب التسليم لا يتوفر على الشروط
القانونية أو أنها غير مستوفاة أو أن هناك خطأ بينا، ويصبح هذا القرار نهائي كما
أسلفنا، بحيث لا يمكن بعد ذلك الموافقة على تسليم الشخص المطلوب، ويترتب على ذلك
إطلاق صراح المتهم، ما لم يكن متهم من أجل سبب أخر.
وعلى إثر ذلك، يوجه الملف وكذا
نسخة من القرار بالطريقة الدبلوماسية إلى الدولة الطالبة متضمنا طلب التسليم.
ولكن هذا الرفض يجب أن يكون معللا،
وهذا ما نستشفه من اتفاقية الثنائية مع الإمارات العربية المتحدة التي نصت في
مادتها 32 على قرار الصادر بالرفض طلب التسليم يجب أن يكون مسببا ونفس المقتضى
جاءت به اتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا، حيث نصت في الفصل 40 على أن كل قرار
يرفض التسليم كليا أو جزئيا يجب أن تبين معللاته.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الغرفة
الجنائية بالمجلس الأعلى، تنظر في طلبات تمديد مفعول التسليم، لأن قاعدة التخصيص
المنصوص عليه في المادة 723 قانون المسطرة الجنائية، تجد استثناء لها بالمادة 723
قانون المسطرة الجنائية، وكذا بالمادة 738 من نفس القانون، حيث تسمح بمعاقبة أو
متابعة الشخص المسلم بجريمة سابقة على التسلم غير تلك التي استند إليها طلب
التسليم، بشرط موافقة السلطات المغربية على ذلك، ولو كان طلب تمديد مفعول التسليم
يستند إلى جرائم المحددة في المادة 720 قانون المسطرة الجنائية، غير أن ذلك غير
ممكن في الجرائم المنصوص عليها في المادة 721.
وتبعا لذلك، جاء في قرار الغرفة
الجنائية على أن"...المعني بالمطالبة المذكورة ليس من جنسية مغربية، وعثر
عليه فوق التراب المغربي، وسبق للمجلس الأعلى أن أبدى رأيه بالموافقة على طلب
تسليمه إلى سلطات بلاده بتاريخ 14 دجنبر 1494 وسلم إليها فعلا بتاريخ 14 فبراير
1995 وأنه عبر عن رأيه بشأن طلب تمديد مفعول تسليمه إلى تنفيذ قرارين جنائيين
المذكورين بعد عرضهما عليه في محضر قضائي وصرح بأنه لا يقبل ذلك وبأنه ينازع في
قانونية المسطرة التي يراد تطبيقها عليه[79].
ثانيا: سلطة الحكومة في البث في
قرار التسليم
تستهل هذه المرحلة بإقدام الدولة
طالبة التسليم بتوجيه طلبها إلى السلطات الدولة المطلوب منها التسليم بالطريق
الدبلوماسي، وعلى اعتبار أن تصرفات الدولة لها طابع سيادي، فإن عملية التسليم
السلبي تستوجب تدخل الحكومة المغربية التي تعتبر مسؤولة عن تحديد وربط العلاقات
الخارجية كيفما كان نشاطها[80].
ومن إيجابيات إناطة مهمة الفصل في
التسليم إلى السلطة التنفيذية كون أن تصرفات هذه الأخيرة تعبر عن أعمال السيادة
كما أن التسليم قد يثير مسائل أسياسة تكون السلطة التنفيذية كفيلة بمعالجتها، رغم
ما يتميز به هذا النظام من بساطة الإجراءات، إلا أنه ما يعاب على هذا النظام أنه
لا يوفر للشخص المسلم الضمانات القانونية الكافية، كما أن الإجراءات القانونية
المتخذة من السلطة التنفيذية قد تأثر باعتبارات سياسية مما يشوبها عيب في الدقة
وبالتالي تؤدي إلى خلاف ما يقتضيه التسليم.
وكما أسلفنا، فإنه في حالة قول القضاء بعدم
التسليم، يعبر هذا الرأي ملزما للحكومة، وأي قرار ستتخذه الحكومة يعتبر قرارا غير
شرعي وباطل ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تلجأ إلى تسليم الشخص أما في حالة
قولها بالتسليم فتصير الحكومة حرة في تسليم المجرم أو عدم تسليمه وتبقى لها الحرية
في تقدير التسليم[81].
إلا أنه بهذا الخصوص يجب أن نميز
بين الحالة التي يكون فيها البلد الطالب مرتبطا مع المغرب باتفاقية لتسليم لمجرمين
وبين حالة انعدام اتفاقية من هذا النوع[82] .
ففي الحالة الأولى، أي حالة وجود
اتفاقية يلاحظ انه لا توجد أية آلية تنص صراحة على أنه في حالة قرار قضائي قابل
التسليم يتعين على الحكومة المغربية أوتوماتيكيا تسليم الشخص المطلوب، لكن
بالمقابل فإن هذه الاتفاقيات تنص بعبارة مشابهة في كل واحدة منها على الالتزام
بإخبار الدولة الطالبة بالقرار الصادر من جهة وتؤكد على ضرورة تعليل الحكومة
المغربية لكل رفض كلي أو جزئي لطلب التسليم وفي بعض الاتفاقيات نجد بالإضافة إلى
التزامات أعلاه، الالتزام بإرسال وتبليغ حيثيات القرار المتخذ إلى الدولة
الطالبة.
وهذا ما نستشفه أساسا من المادة 16 [83] من
الاتفاقية المغربية البلجيكية بشأن تسليم المجرمين، في حين نجد الاتفاقية المغربية
الجزائرية جاءت صامتة عن تحديد معنى القرار القضائي ونصت على أن الدولة المطلوبة
بالتسليم تخبر الدولة الطالبة على الطريقة الدبلوماسية بقرارها، وأن كل رفض كلي أو
جزئي سيكون مبررا.
ويمكن القول أن الحكومة المغربية
باعتبارها موقعة لاتفاقية ومسؤولة عن تطبيقها يتعين عليها أن تعلم الدولة
المتعاقدة معها وطالبة لتسليم بقرارها وأسبابه.
وفي المقابل أي في حالة عدم وجود
قرار رافض التسليم من طرف الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى، فإن الحكومة تتحمل
لوحدها مسؤولية تطبيق الاتفاقية الثنائية، ويتعين عليها القيام بالتزاماتها
الواردة بهذه الأخيرة فتصبح لها نتيجة لذلك السلطة التقديرية في تسليم المجرم أو
عدم تسليمه كمسألة إدارية أو حكومية.
وبالمقابل أي في الحالة الثانية،
بمعنى حالة عدم وجود اتفاقية دولية، لا يوجد أي التزام اتفاقي بتسليم المجرم ولا
بتعليل الرفض تجاه الحكومة المغربية، إلا أن إكراهات المجاملة الدولية -خاصة تجاه
حكومة دولة طالبة تحترم قاعدة المعاملة بالمثل في معاهدة التسليم-تفرض على هذه
الأخيرة أن توضح للحكومة الطالبة أسباب رفض تسليم الشخص المطلوب، رغم القرار
القضائي الإيجابي[84].
ومن الناحية العملية، فقد رفضت
السلطات المغربية ذلك على أن الجزائر سبق وأن أخلت بالتزاماتها الدولية حينما رفضت
تسليم المغرب مواطنا مغربيا كان قبل ذلك قد ارتكب جريمة فوق التراب الوطني[85].
وفي نفس المضمار، سبق للحكومة
المغربية أن رفضت تسليم أشخاص مطلوبين في قضيتين اثنتين بعد صدور قرار إيجابي
بالتسليم من جانب الغرفة الجنائية للمجلس الأعلى.
في الحالة الأولى، كانت الحكومة
الإيطالية هي التي لم يتم الاستجابة لطلبها بسبب رفض الأخيرة إعطاء المتابعة لطلب
تسليم مغربي سبق للعدالة الإيطالية أن وافقه عليه[86].
وفي الحالة الثانية جاء الرفض على
أساس أن الحكومة الجزائرية لم تحترم التزاماتها الموجودة في الاتفاقية الموجودة
لتسليم المجرمين.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة
المطالبة بالتسليم، فإنه تترك للحكومة سلطة تقدير اختيار أيا من الطالبين سيخطئ
بالأولوية وفق المادة 724 من قانون
المسطرة الجنائية، وهذا ما نستجليه أيضا من خلال الاتفاقية الثنائية المغربية
وجمهورية مصر العربية، في مجال التعاون القضائي التي نصت في المادة 28 على
أنه" إذا قدمت للدولة المطلوب منها عدة طلبات تسليم من دول مختلفة، إما عن
نفس الأفعال أو عن أفعال متعددة فيكون لهذه الدولة أن تفصل في هذه الطلبات بمطلق
حريتها، على أن تراعي في ذلك كافة الظروف، وعلى الأخص إمكانية التسليم اللاحق
وتاريخ وصول الطلبات ودرجة خطورة الأفعال والمكان الذي ارتكبت فيه".
ونفس الشيء ينطبق على الاتفاقية
الثنائية المغربية الإسبانية في ميدان تسليم المجرمين، التي نصت على أنه في حالة
ورود عدة طلبات على الدولة المطلوبة، فلهذه الأخيرة كامل الحرية ف البث في هذه
الطلبات.
وقد سبق أن أصدرت الغرفة الجنائية
رأيين إيجابيين في طلبين مقدمين من حكومتين مختلفتين(فرنسا-إسبانيا)، بشأن تسليم
نفس الشخص، وتركت للحكومة المغربية حرية توجيه الأولوية، وقد منحت للدولة الفرنسية[87].
ويمكن القول أن هذه السلطة
التقديرية الممنوحة للسلطات الحكومية تمارس حسب الحالة التي توجد عليها علاقات
التعاون القضائي الجنائي بخصوص تسليم المجرمين أخدا بعين الاعتبار مدى احترام
الدولة الطالبة لقاعدة المعاملة بالمثل، وتسليم المجرمين من طرف الحكومة المغربية
بالإضافة إلى استناده على قرار قضائي موافق يمكن أن ينبني على اعتبارات أخرى تتعلق
بالسياسة الجنائية على المستوى الداخلي أو علاقات دبلوماسية بين الدول على المستوى
الخارجي.
يتضح من خلال ما سبق إذن أن نظام
تسليم المجرمين في القانون المغربي حاول المشرع المغربي أن يجعله كآلية هامة
لمتابعة المتهمين والمحكوم عليهم لمحاربة الإفلات من العقاب، إلا أن موضوع تسليم
المجرمين في القانون المغربي لم تتبلور بعد ملامحه القانونية بشكل جلي، نظرا لما
تطرحه شروط التسليم من إشكالات تحول دون تطبيقه بشكل فعال.
وتبقى أهم الإشكالات هي التي تتعلق
بكثرة الشروط الموضوعية المتطلبة في عملية التسليم، خاصة المتعلقة بالمجرم
والجريمة، ثم أيضا الإشكالات التي تطرحها الشروط الإجرائية، بحيث تستأثر الحكومة
دائما بكلمة الفصل في هذا المجال.
لائحة
المراجع:
عبد الغني محمود: تسليم
المجرمين على أساس المعاملة بالمثل، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى،
1991.
مصطفى المودن: تسليم.المجرمين في القانون الجنائي
المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الجنائية،كلية الحقوق طنجة، الموسم
الجامعي 2006-2007.
حسن القادري:العمل القضائي
في مجال مكافحة المجرمين والأجانب"، مجلة القضاء والقانون عدد:147، 2003.
عبد القادر خضر: اتفاقيات التعاون القانوني القضائي
في تسليم المجرمين، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في علوم القانون الجنائي،
جامعة الحاج لخضر، باتنة، كلية الحقوق والعلوم القانونية، الجزائر، 2006-2007،
جعفر العلوي: تطور مؤسسة تسليم المجرمين، مجلة
القانون والاقتصاد، العدد الثاني، 1986.
ظهير شريف رقم 152-98-1 صادر في 25 محرم 1420 (13
ماي 1999) بنشر الاتفاقية: الموقعة في مدريد في 30 ماي 1997 بين المملكة المغربية
والمملكة الإسبانية في ميدان تسليم المجرمين، الجريدة الرسمية عدد 4700 بتاريخ 17
يونيو 1999.
إلهام محمد حسن العاقل،
مبدأ عدم تسليم المجرمين في الجرائم السياسية، مطابع المفضل للاوفنست، 2000.
البشير بوحبة: التعاون الدولي في الميدان الجنائي،
محاضرة ألقيت في إطار التكوين المستمر للقضاء بمحكمة الاستئناف بوجدة، 2009.
[1] - إن تسليم المجرمين
بعد ما كان منظما بمقتضى ظهير 8 نونبر 1958، قد أصبح منظما حاليا في إطار قانون
رقم 22.01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية، في الباب الرابع، المواد (718-747).
الصادر بتنفيذه الظهير رقم 1.02.255 بتاريخ 25 رجب، الجريدة الرسمية، عدد 5078،
2003، ص.315.
[2] - عبد الغني محمود:
تسليم المجرمين على أساس المعاملة بالمثل، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة
الأولى، 1991، ص.3.
[3] - يتضح من هذا التعريف
أن المشرع المغربي أوجد فئتين من طلبات التسليم فالأول يكون من أجل المحاكمة
والثاني يكون من أجل تنفيذ المحاكمة.
[4] - مصطفى المودن: تسليم.المجرمين في القانون
الجنائي المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الجنائية، كلية الحقوق طنجة،
الموسم الجامعي 2006-2007، ص.50.
[5] - وزارة العدل: شرح قانون المسطرة الجنائية،
الجزء الثالث، منشورات جمعية النشر المعلومة القانونية والقضائية، مطبعة إليت 2007
ص.162.
[6] - حسن القادري:العمل
القضائي في مجال مكافحة المجرمين والأجانب"، مجلة القضاء والقانون عدد:147،
2003، ص.130.
[7] - عبد القادر خضر: اتفاقيات التعاون القانوني
القضائي في تسليم المجرمين، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في علوم القانون
الجنائي، جامعة الحاج لخضر، باتنة، كلية الحقوق والعلوم القانونية، الجزائر،
2006-2007، ص106:
[8] - مصطفى المودن: مرجع سابق، ص:51-52.
[9] - جعفر العلوي: تطور مؤسسة تسليم المجرمين، مجلة
القانون والاقتصاد، العدد الثاني، 1986، ص:18-19.
[10] - حسن القادري، مرجع سابق، ص:130.
[11] - ظهير شريف رقم 152-98-1 صادر في 25 محرم 1420
(13 ماي 1999) بنشر الاتفاقية: الموقعة في مدريد في 30 ماي 1997 بين المملكة
المغربية والمملكة الإسبانية في ميدان تسليم المجرمين، الجريدة الرسمية عدد 4700
بتاريخ 17 يونيو 1999.
[12] - عبد الغني محمود:
المرجع السابق، ص.37.
[13] - موسى عبود: تسليم
المجرمين الأجانب، مجلة القضاء والقانون، عدد 17، سنة 1959، ص:518.
[14] - إلهام محمد حسن
العاقل، مبدأ عدم تسليم المجرمين في الجرائم السياسية، مطابع المفضل للاوفنست،
2000،ص:209.
[15] - مصطفى المودن: المرجع
السابق، ص:62.
[16] - ظهير شريف رقم 1.97.36 صادر في 26 جمادى
الأولى 1418 (29 شتنبر 1997) بنشر الاتفاقية المتعلقة بالتعاون القضائي في المواد
الجنائية وتسليم المجرمين الموقعة بالرباط في 14 شعبان 1409 (22 مارس 1989) بين
الحكومة المغربية وحكومة جمهورية مصر العربية /منشور بالجريدة الرسمية عدد 4525
بتاريخ 06 أكتوبر 1997.
[17] - عبد القادر حضر: المرجع السابق، ص:17.
[18] - البشير بوحبة: التعاون الدولي في الميدان
الجنائي، محاضرة ألقيت في إطار التكوين المستمر للقضاء بمحكمة الاستئناف بوجدة،
2009، ص:17.
[19] - وزارة العدل: شرح
قانون المسطرة الجنائية، المرجع السابق، ص:66.
[20] - مصطفى المودن: المرجع
السابق، ص:66.
[21] - تنص هذه المادة على ما يلي:"لا يمكن أن
يسلم لدولة أجنبية أي شخص إذا لم يكن متابعا أو محكوما عليه بعقوبة من اجل أفعال ينص
عليها هذا القانون".
[22] - تنص الفقرة الخامسة
من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي:" تطبق القواعد السابقة على الأفعال
المكونة لمحاولة الجريمة أو المشاركة فيها بشرطين يكون معاقبا عليها حسب قانون
الدولة الطالبة وحسب القانون المغربي ".
[23] - سليمان عبد المنعم، الجوانب الإشكالية في
النظام القانوني بتسليم المجرمين، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2007،
ص:278.
[24] - تنص المادة 21 من
الاتفاقية المبرمة بين المملكة المغربية في الفقرة السادسة "لا يجوز التسليم
في الأحوال التالية:
-إذا كانت الدعوى العمومية قد انقضت أو العقوبة قد سقطت وفق أحكام
التشريعات أي من الدولتين عند تلقي طلب التسليم."
[25] - سليمان عبد المنعم: المرجع السابق، ص.280.
[26] - والملاحظ على الصعيد الأوروبي، أن اتفاقية شينجن قد أضافت بموجب
مادتها 62 إلى المادة 108 من الاتفاقية الأوروبية للتسليم الخاصة بانقضاء الدعوى
أو العقوبة بالتقادم أن قانون الدولة الطالبة هو وحده الذي يطبق فيما يتعلق بمسألة
انقطاع هذا التقادم.
[27] - والجدير بالذكر أن فرنسا كانت من الدول
الأوائل التي وقعت مع بلجيكا في سنة 1934، اتفاق لتسليم المجرمين وتبنت صراحة عدم
تسليم المواطنين.
[28] - علوي جعفر،
"انتكاسة مؤسسة تسليم المجرمين كوسيلة لتحقيق التعاون الجنائي الدولي"،
المجلة المغربية للدراسات الدولية عدد 8 يناير 2002،ص:36.
[29] - من ذلك الاتفاقية
المغربية الفرنسية في الفصل 271، الاتفاقية المغربية الاسبانية في المادة 3،
الاتفاقية المغربية المصرية في المادة 21/1، الاتفاقية المغربية الجزائرية في
الفصل 31).
[30] - من ذلك إتفاقية الرياض العربية للتعاون
القضائي (المادة 39).
[31]- وقد تضمن هذا المقتضى
العديد من الاتفاقيات الثنائية أبرمها المغرب مع غيره من الدول، ومن ذلك الاتفاقية
المغربية الاسبانية بشأن التسليم التي نصت في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة
بتعهد الدولة المطلوب منها التسليم باتخاذ جميع الإجراءات المتعلقة بتوجيه الإتهام
ضد احد مواطنيها في حالة ارتكابه جناية او جنحة معاقبا عليها وفق تشريع الدولتين
حسب ما تتوصل به من وثائق وأشياء ومعلومات.
[32] - وفي نفس المقتضيات
التي تم تأكيدها في الاتفاقية المغربية التركية في المادة 23/1.
[33] - ومن ذلك الاتفاقية المغربية الفرنسية (الفصل
33، واتفاقية المغرب مع الإمارات العربية المتحدة (المادة 26، واتفاقية الرياض
العربية للتعاون القضائي المادة 418.
[34] - قرار عدد 1810 صدر بتاريخ 15 أبريل 1965،
الملف الجنائي، رقم 19265، أورده يوسف المنصوري في تسليم المجرمين بين القانون
الداخلي والاتفاقيات الثنائية، رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء، الفوج
32، 2002-2004، ص.17.
[35] - قرار صادر بتاريخ 30 غشت 1979، في ملف جنائي
تحت رقم 27/1474ن أورده يوسف المنصوري، المرجع نفسه، ص:18.
[36] - مع الإشارة أن مصطلح الحكم يسري ليشمل كل من
الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن السلطة القضائية حسب المادة 364 من قانون
المسطرة الجنائية.
[37] - المادة 721/5 من قانون المسطرة الجنائية.
[38] - هذا مع الإشارة أن هذه الحجة إما أن تكون حكما
نهائيا صادرا في حق المطلوب تسليمه، لا ينفذ بحيث يجب على الدولة الطالبة في هذه
الحالة أن ترفق طلب التسليم بنسخة من هذا الحكم، ويتعلق الأمر بتقديم أدلة ضد شخص
موضوع متابعة جنائية، بحيث يجب أن تكون هذه الأدلة قوية وكافية.
[39] - نظرا لسلطة الملائمة
التي تتمتع بها بمقتضى المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها 4، المتعلقة
بالوكيل للملك والمادة 49 من نفس القانون في فقرتها السادسة (المتعلقة بالوكيل
العام للملك).
[40] - ومن بين اتفاقيات
التي عقدها المغرب، والمتضمنة لهذا الشرط، الاتفاقية المغربية الفرنسية (ق33/5)
والاتفاقية المغربية البلجيكية (م7)، والاتفاقية المغربية المصرية (م23)،
والاتفاقية المغربية الجزائرية (م 34 )في فقرتها الأخيرة.
[41] - قرار عدد 552، صادر بتاريخ 8 ماي 1969، مجلة
قضاء المجلس الأعلى، الإصدار الرقمي دجنبر 2000، عدد 10، ص:95.
[42] - ومثال ذلك اتفاقية المغرب مع الإمارات العربية
المتحدة التي تتضمن أي مقتضى يشير إلى رفض التسليم، إذا تعلق الأمر بحكم صادر عن
دولة ثالثة.
[43] - الذي ينص على ما
يلي:"التشريع الجنائي المغربي يسري على كل ما يوجد بإقليم المملكة من وطنيين
وأجانب، وعديمي الجنسية...، هذا مع الإشارة انه يدخل في عداد الإقليم كل من السفن
والطائرات المغربية أينما وجدت وفقا للفصل 10 ق.ج) .
[44] - وهذا المقتضى
القانوني ثم التنصيص عليه حتى على مستوى القوانين الداخلية ومن ذلك المادة 721/3
من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه "لا يوافق على التسليم إذا كانت
الجنايات والجنح المطلوب من أجلها التسليم ارتكبت بأراضي المملكة المغربية.
[45] - من ذلك الاتفاقية
المغربية (م35/1) الاتفاقية المغربية الفرنسية (م33/1) الاتفاقية المغربية
البلونية (ق39/1)، الاتفاقية المغربية الاسبانية (م6).
[46] - المادة 721/3 من قانون
المسطرة الجنائية التي تنص على ما يلي "لا يوافق على التسليم...إذ ارتكبت
الجنايات أو الجنح بأراضي المملكة المغربية...).
[47] - إذ من المعلوم أن الاتجاهات الحديثة والتطورات
الدولية تسمح بالامتداد والاختصاص الجنائي للدولة خارج حدودها الإقليمية، ومن بين
هذه الاختصاصات، الاختصاص الجنائي الشخصي الذي يكفل تحقيق العدالة على نطاق واسع،
وتتبع الجناة حتى لا يفلتوا من العقاب، خاصة بعد ارتكاب جرائمهم بالخارج لشعورهم
المستمر بأن العدالة تلاحقه أينما وجدوا، بالهروب لا يحصنهم من الخضوع لأحكام
القانون الجنائي الوطني، كما يكفل هذا المبدأ في شقه السلبي حماية مواطني الدول في
الخارج عند تعرضهم لاعتداء إجرامي يكتسي صبغة جنائية.
[48] - وهو ما كرسه المشرع
المغربي في المادة 707 و 708 من قانون المسطرة الجنائية.
[49] - هذا طبعا ما لم يثبت
الجاني صدور حكم مكتسب قوة الشيء المقضي به بخصوص هذه الجريمة في دولته (المادة
710/2 من قانون المسطرة الجنائية).
[50] - المتمثل في الجنايات
والجنح ضد أمن الدولة أو تزييف أختام الدولة، أو تزييف أو تزوير النقود أو أوراق
بنكية وطنية متداولة بالمغرب بصفة قانونية أو المكاتب العمومية المغربية (م 7113
من قانون المسطرة الجنائية).
[51] - ونظرا لما قد تطرحه
مسألة الاختصاص الجنائي من إشكالات قام المشرع اللبناني بوضع مقتضيات تمنع
التسليم، استنادا لأي من معايير الاختصاص الإقليمي أو العيني أو الشخصي، (م32 من
قانون العقوبات اللبناني).
[52] - إن إقليم الدولة لا
ينحصر في المجال الترابي والجوي والبحرين بل تدخل في نطاقه أيضا السفن والطائرات
المغربية أينما وجدت سواء كانت مملوكة للمغرب أو لغير، إذا كانت تحمل العلم
المغربي بصرف النظر عن مجال تنقلها أو المكان الذي ترسوا به الباخرة، او تحط به
الطائرة (المواد 705، 706 من قانون المسطرة الجنائية المغربي).
[53] - من ذلك الاتفاقية
المغربية البلجيكية (م5/1).
[54] - بالنسبة لجرائم
المخدرات فقد تم تأكيد هذه المسألة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير
المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة بفيينا في 20 ديسمبر 1988، بحيث
جاء في المادة في فقرتها الثانية ما يلي:
أ-يتخذ أيضا ما يعزم من تدابير بتقرير
اختصاصها القضائي في مجال الجرائم التي قررها وفق الفقرة 1 من المادة 3، عندما
يكون الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة موجودا داخل إقليمه ولا يسلمه إلى طرف آخر
على أساس:
1-أن الجريمة ارتكبت في إقليمها....)
[55] - استنادا إلى المادة
704/2 من قانون المسطرة الجنائية.
[56] تطبيقا لأحكام ظهير 21 ماي 1974، فإن اختصاص
المحاكم المغربية يمتد إلى كل جرائم المخدرات الواردة به والتي يمكن أن ترتكب خارج
المغرب، إذا كان أحد الأفعال المؤسسة بالجريمة قد ارتكبت في المغرب، كما يمكن أن
تمتد إلى أفعال المشاركة أو الإخفاء التي يمكن أن تكون أرتكبت بالخارج(م 6 من
الظهير المذكور).
[57] -ظهير شريف رقم 283-92-1 صادر في 15 ذي القعدة
1422(29 يناير 2002) بنشر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في
المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة في فينا في 20 دجنبر 1988، الجريدة الرسمية
عدد 1999 بتاريخ 29-4-2002، ص: 1128.
[58] -ظهير شريف رقم 178-56-1 صادر في 29 ربيع الأول 1422(22
يونيو 2001)، بنشر الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات
والمؤثرات العقلية، جريدة رسمية عدد 5001 بتاريخ
6-5-2002، ص 1269.
[59] -أنظر فيما يتعلق بهذه الوثائق والمرفقات المادة 34 من
الاتفاقية المغربية الفرنسية المتعلقة بالتعاون القضائي وتسليم المجرمين.
[60] -ظهرت أولى بوادر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية سنة
1914، على أثر انعقاد المؤتمر الدولي للشرطة الجنائية، وسنة 1933 بمدينة فينا ثم إنشاء الأنتربول، وسنة 1916 نقل مركزها إلى باريس، وسنة 89، ثم تنشئة مقر
المنظمة الجديد بمدينة ليون الفرنسية.
[61] -وهو ما نصت عليه المادة 729 من قانون المسطرة الجنائية
" يمكن لوكيل الملك... أو بناء على إشعار من مصالح المنظمة الدولية للشرطة
الجنائية أنتربول أن يأمر باعتقال شخص أجنبي مؤقتا"
أنظر أيضا المادة 35 من الاتفاقية المغربية
الفرنسية بشأن التعاون القضائي وتسليم المجرمين والتي تنص على ما
يلي"ففي الحالات المستعجلة وبناء على
رغبة السلطات المختصة في الدولة الطالبة يوقف الشخص المطلوب توقيفا
احتياطيا..."
[62] -رحمة زروق: نظام تسليم المجرمين بين قانون المسطرة
الجنائية والاتفاقيات الدولية بحث نهاية التكوين في ماستر القانون الجنائي والعلوم
الجنائية، كلية الحقوق وجدة، السنة الجامعية 2008-2009، ، ص 61.
[63] -تجدر الإشارة في هذه الصدد إلى أن المشرع المغربي نظم
إجراءات تسليم المجرمين والمساطر المتعلقة بها في حالة واحدة تتعلق بكون المغرب بلدا
مطلوبا منه التسليم طبقا للمادة 726 قانون المسطرة الجنائية أما الحالة التي يكون
فيها المغرب طالبا للتسليم فلم يتم تنظيمها من طرف المشرع.
[64] -تنص المادة 46 من الاتفاقية المغربية الجزائرية على
أن"الصوائر المترتبة عن مسطرة التسليم تتحملها الدولة الطالبة، ولا تطالب
الدولة المطلوب إليها التسليم بأي صائر من المسطرة ولا عن الاعتقال.
[65] -والحكومة المغربية في هذه الحالة هيا الدولة الطالبة،
وقد نصت المادة 45 من الاتفاقية المغربية الفرنسية على أنه"تتحمل الدولة
الطالبة التسليم المصاريف التي تتسبب في إجراءاته على ألا تطالب الدولة المطلوب إليها بأي معروف من
قبل الإجراءات ولا من قبل سجن الشخص المطلوب تسليمه.
[66] -تنص المادة 44 من الاتفاقية المغربية الفرنسية على
أنه"إذا اقتضى الأمر مرور شخص مسلم من طرف دولة ثالثة لأحدى الدولتين
المتعاقدتين عبر أراضي الدولة الأخرى يسمح بذلك المرور بناء على طلب يوجه بالطريق
الدبلوماسية، وتقدم معه الوثائق اللازمة التي تثبت أن الجريمة هي من الجرائم التي
يجوز فيها التسليم ..." ولهذه المقتضيات تتعلق إذا كان التسليم تم من طريق
البر، أما إذا كان التسليم يتم جوا فالمشرع نظمه بمقتضى الفقرة 1 و2 من هذه
المادة(المادة 44): أنظر المادة.
[67] -وكذلك الشأن بالنسبة لاتفاقية المغربية الفرنسية التي
نصت في المادة 37 على ما يلي:"إذا تبين للدولة المطلوب إليها التسليم أنها
تحتاج إلى معلومات إضافية لتحقق مما إذا كانت الشروط المقررة في الاتفاقية مستوفاة
كلها ورأت أنه من الممكن تدارك ذلك النقض، فإنها تبلغ الأمر بالطريقة الدبلوماسية
إلى الدولة الطالبة قبل أن ترفض الطلب، ويجوز للدولة المطلوب إليها التسليم أن
تحدد أجلا للحصول على هذه المعلومات.
[68] -مصطفى المودن، مرجع سابق، ص: 81.
[69] -تنص المادة 732 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي،
"يوجه وكيل الملك فورا الطلب والمستندات المدلى بها إلى الوكيل العام للملك
لدى المجلس العلى الذي يحيلها على الغرفة الجنائية بنفس المجلس.
تبث الغرفة الجنائية بالمجلس العلى في طلب
التسليم بقرار معلل خلال 5 أيام من إحالته إليها بناءا على تقرير أحد المستشارين
وبعد الإدلاء النيابة العامة بمستنتجاتها الاستماع إلى الشخص المعني الذي يمكن أن
يكون مؤازرا بمحامي".
[70] -جعفر العلوي، انتكاسة مؤسسة تسليم...، المرجع السابق،
ص:46.
[71] -قرار عدد 2185/1 الصادر بتاريخ 22/10/2003، في ملف
تسليم رقم 22731/2003 مجلة مجلس الأعلى، عدد 61، 2004، ص: 230.
[72] -قرار عدد 1969/1 الصادر بتاريخ 16/06/199، المرجع نفسه،
ص: 227.
[73] -قرار عدد 1239/1 الصادر بتاريخ 30/06/2004 في ملف رقم
11513-13267/2004، المرجع السابق، ص: 195.
[74] -قرار أورده يوسف المنصوري، المرجع السابق، ص: 27.
[75] -الظهير المتعلق بالمسطرة الجنائية القديمة.
[76] -المادة 137 من قانون المسطرة الجنائية.
[77] -ويتعلق الأمر بالاتفاقية المغربية ودولة الإمارات
العربية المتحدة المتعلقة بالتعاون القضائي والإعلانات القضائية وتنفيذ الأحكام
وتسليم المحرمين.
[78] -قرار عدد 1727/1 صادر بتاريخ 16/12/97، في ملف جنائي
رقم 409-22/97، مجلة المجلس الأعلى، عدد 54، 2000ـ ص:265.
[79] -قرار عدد 1729/1 صادر بتاريخ 16/12/97، في ملف رقم
413/22/97 ، المرجع السابق، ص: 181.
[80] -مصطفى المودن، المرجع السابق، ص 88.
[81] -جعفر العلوي، إشكالية مؤسسة التسليم،. مرجع سابق، ص:
45.
[82] -مصطفى المودن، المرجع السابق، ص: 98.
[83] -وتنص هذه المادة على ما يلي:: "يخبر الطرف المطلوب
منه التسليم الظرف طالب التسليم على الطريقة المقررة في الفقرة الأولى من المادة
10 بمقره حول التسليم.
-يعلل بأسباب كل رفض
كلي أو جزئي للتسليم...".
[84] -مصطفى لمودن، المرجع السابق، 90.
[85] -قرار عدد 678، صادر بتاريخ 28 مايو 1975 في ملف رقم
5098 أشار إليه جعفر العلوي، انتكاسة مؤسسة التسليم...، المرجع سابق، ص: 46.
[86] -قرار الغرفة الجنائية عدد 85 الصادر بتاريخ 24-03-1961،
أشارت إليه رحمة زروق، المرجع السابق، ص: 69.
[87] -قرار عدد 13/5600 الصادر بتاريخ 29/04/1970، والقرار
عدد 14/1090 الصادر بتاريخ 1219/1970، أشارت إليها رحمة زروق، المرجع السابق، ص:
61.
0 تعليقات