آخر الأخبار

Advertisement

تداعيات وباء كوفيد 19 على الظاهرة الإجرامية بالمغرب - الأستاذ إسماعيل الوفى - مجلة الباحث - العدد 40 - منشورات موقع الباحث


 تداعيات وباء كوفيد 19 على الظاهرة الإجرامية بالمغرب - الأستاذ إسماعيل الوفى - مجلة الباحث - العدد 40 - منشورات موقع الباحث


رابط تحميل العدد الذي يشمل المقال بصيغة pdf أذناه:


https://www.allbahit.com/2022/03/40-2022-26.html





الأستاذ إسماعيل الوفى

      باحث بسلك الدكتوراه في القانون الخاص

 تداعيات وباء كوفيد 19 على الظاهرة

الإجرامية بالمغرب

The repercussions of the Covid-19 epidemic on the criminal phenomenon in Morocco

 مقدمة:

 إن المتتبع للشؤون المغربية سواء من بعيد أو قريب، تظهر له الجهود المبذولة من طرف المغرب في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... للرفع من مكانته داخليا وخارجيا.

ويبقى خير دليل على ذلك هو الطريقة التي تعامل بها المغرب مع تدبير جائحة كورونا على المستوى الداخلي، وكيف سخرت الدولة جميع إمكانياتها ووضعتها رهن إشارة جميع القطاعات لتكون قادرة للتصدي لهذا الوباء.

وما كانت المملكة المغربية لتحقق هذه النتائج الجد المهمة، إلا من خلال وجود إرادة حقيقية وصادقة من هرم الدولة وممثلها الأسمى جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، فبرؤيته الثاقبة وحكمته المتبصرة،جنب المغرب الوقوع في كارثة إنسانية كبرى وهذا بشهادة المنتظم الدولي،وذلك من خلال النتائج التي حققها المغرب مند فرض حالة الطوارئ في 20 مارس 2020 أي بعد ظهور الإصابة الأولى بالفيروس في المغرب.

إلا أن الحالة الوبائية ببلادنا وبالعالم بأسره شهدت تغيرا كبيرا، من حيث عدد الإصابات التي وصلت إلى أرقام قياسية سواء بالمغرب أو خارجه، وهذا ما يطلق عليه بالموجة الثانية لانتشار وباء كوفيد 19 في العالم برمته.

ورغم إمكانيات المغرب البسيطة في مجال الصحة، وبالخصوص النقص الحاد في عدد الأطباء وأيضا قلة المعدات والأجهزة الطبية، فإن المغرب حاول ولا زال يحاول بكل إمكانياته المحدودة الصمود في وجه هذه الجائحة التي دمرت كبريات الطواقم الطبية مثل فرنسا وايطاليا والولايات الأمريكية المتحدة.

فقد كان لهذا الوباء تداعيات جد مهمة مست كل القطاعات الحيوية لدولة، حيث تأثر القطاع الصحي من هذه الجائحة من خلال بروز النواقص التي تعتري هذا المجال سواء داخل المغرب أو خارجه، كما عان القطاع الاقتصادي هو أيضا من وباء كوفيد 19 حيث تضررت جميع المجالات الحيوية التي تمثل مصدرا مهما لمالية الدولة العمومية.

إلى جانب هذه التداعيات السابقة، حقق المغرب انخفاضا مهما في معدل الجريمة خاصة في الفترة الأولى للحجر الصحي، إلا أن هذا الأمر عاد كما هو عليه الحال بعدما قامت الدولة بالرفع التدريجي لهذا الحجر، فقد كان لهذا الرفع تداعياته السلبية من تفاقم الظاهرة الإجرامية والتي تعامل معها القضاء المغربي بنوع من الشدة والحزم.

وتبقى الإشكالية الرئيسية لهذا الموضوع، فيما هي تداعيات وباء كوفيد 19 على الظاهرة الإجرامية بالمغرب من الناحية الصحية والاقتصادية ...؟، وكيف تعامل القضاء المغربي مع الظاهرة الإجرامية في فترة الحجر الصحي؟

سنقسم دراستنا لهذا الموضوع إلى مطلبين اثنين، المطلب الأول سنخصصه لتداعيات وباء كوفيد 19 على المغرب، ثم سنعالج في المطلب الثاني آثار وباء كوفيد 19 على الظاهرة الإجرامية بالمغرب.

المطلب الأول: تداعيات وباء كوفيد 19 على المغرب

أعلن المغرب ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس فرض حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد لأجل غير مسمى، كوسيلة لإبقاء فيروس كورونا تحت السيطرة،ويأتي هذا القرار لتسجيل المغرب لأول إصابة بهذا الفيروس في مدينة الدار بيضاء لمواطن كان مقيما في ايطاليا.

فقد صادقت الحكومة على مرسوم عدد 293-20-2 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية في سائر أرجاء المملكة لمواجهة هذا الفيروس، ويستمد هذا المرسوم مشروعيته من خلال الدستور، الذي يعتبر أسمى قانون في البلاد، وبالخصوص في فصوله 81 و21 و24(الفقرة الرابعة)[1].

فبعد إعلان المغرب فرض حالة الطوارئ الصحية في عموم أرجاء البلاد، لمنع حدوث كارثة إنسانية تؤدي إلى انتشار الوباء بين المواطنين خصوصا في المناطق التي تشهد كثافة سكانية مرتفعة ، من هذا المنطلق سعت الدولة منذ اللحظات الأولى لظهور الوباء بالبلاد إلى التصدي له بكل مؤسساته الدستورية والوطنية.

فقد انخرطت كل مؤسسات الدولة للتصدي لهذا الوباء الفتاك وعلى رأس هذه المؤسسات، نجد وزارة الصحة التي لعبت دورا أساسيا في الوقوف في وجه وباء كوفيد 19، والتي سنخصص لها (الفقرة الأولى) ، أيضا نجد صندوق كورونا الذي دشنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس كأول المتبرعين في هذا الصندوق بمبلغ ملياري درهم، والذي سنتطرق إليه في ( الفقرة الثانية).

كما لعبت المؤسسة الأمنية ببلادنا خلال هذه الجائحة دورا رياديا قل نظيره على المستوى الإقليمي أو الدولي، فلا أحد ينكر جهود الأجهزة الأمنية في ظل الانتشار المهول لوباء كورونا وحرص ويقظة هذه المؤسسة في حماية المواطن المغربين، والتي سنعمل على معالجتها في ( الفقرة الثالثة) .

الفقرة الأولى: جهود وزارة الصحة في التصدي لوباء كورونا

لا أحد ينكر دور وزارة الصحة في مواجهة هذه الجائحة على الرغم من المعاناة التي يعاني منها هذا القطاع، بدءا من قلة الأطباء سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص، أيضا النقص الحاد في المعدات والوسائل الطبية التي تبقى شبه منعدمة في بعض المستشفيات.

حيث يبلغ عدد الأطباء بالمغرب حوالي 12 ألف طبيب موزعين ما بين 3855 طبيبا عاما و7557 طبيبا خاصا، أما فيما يخص البنيات التحتية الصحية بالقطاع العمومي فإن مؤسسات العلاج الصحي التي يبلغ عددها 2112، موزعة على التوالي بين المجال الحضري والقروي ب 838 و1274 مركزا[2].

وبالموازاة مع ذلك فقد قررت الحكومة تخصيص مبلغ مالي مقدر في 2 مليار درهم مخصص لاقتناء المعدات والمستلزمات الطبية الضرورية كما تم اقتناء 460 سريرا للإنعاش و580 سريرا استشفائيا عاديا و410 جهازا للتنفس بحسب وزير الاقتصاد والمالية.[3]

أما فيما يخص الاعتماد المالي المخصص لوزارة الصحة ببلادنا، فـإنه يشهد تحسنا ملحوظا عاما بعد عام، حيث خصصت الحكومة لقطاع الصحة ميزانية تقدر بحوالي 1,9 مليار دولار بزيادة قدرها 14,5 بالمئة مقارنة مع سنة 2019، الشيء الذي يمكن معه القول بأن الغطاء المالي المخصص لهذا القطاع يبقى ضعيفا شيئا ما بالمقارنة مع قطاعات أخرى والتي تحظى بالدعم المالي الكافي من طرف الدولة.

كما كشف تقرير للمجلة الطبية البريطانية BMJ، بأن هجرة الأطباء ومهني الصحة المغاربة نحو البلدان الأوروبية وبالضبط فرنسا يزداد يوما بعد يوم، حيث يبلغ عدد الأطباء المتواجدين بفرنسا حوالي 8 الآف طبيب أي بمعدل سنوي يقدر ب 300 طبيب[4]، الأمر الذي يدعو إلى إعادة التفكير مليا من لدن الجهات المختصة لفتح حوار بنّاء مع الأطباء المغاربة، للوقوف على المشاكل التي يعانون منها وعلى رأسها ضعف الأجور المقدمة لهم.

يبدو أن وباء كورونا كشف حقيقية القطاع الصحي بالمغرب، هذا القطاع الذي كان يعاني من مشاكل معقدة للغاية قبل ظهور هذه الجائحة، إلا أنه وبعد انتشار هذا الوباء في جميع التراب المغربي وزيادة عدد المصابين به، أظهر لنا الحقيقة التي كانت مغيبة شيئا ما عنا، رغم أن المغاربة يعرفون أن القطاع الصحي بالمغرب يعاني من أزمات منذ تبني المغرب لفكرة الخوصصة.

أيضا يجب ألا ننسى أن أحسن منظومات الصحة بالعالم انهارت أمام هذه الجائحة، رغم الدعم المالي والبشري المخصصة لها لكنها وجدت نفسها عاجزة عن مجابهة هذا الوباء مثل ايطاليا، لأن المشكل الرئيسي هو كثرة المصابين بكوفيد 19 زيادة على ذلك انتقال العدوى إلى الأطباء الذين أصبحوا يحاربون عدوا غير مرئي لهم.

وإذا عدنا لجهود المغرب في هذا المجال فلا أحد ينكر أن الدولة قدمت كل إمكانياتها لقطاع الصحة ولا زالت تقدم لحدن الآن، فقد ذكر تقرير أوردته جريدة هسبريس في عددها 5 نونبر لسنة 2020 أن المغرب قام باقتراض 1,2 مليار الدهم من البنك الإفريقي للتنمية، لاقتناء 666 سرير للإنعاش كما تم اقتناء كمية كافية من اختبارات الكشف عن فيروس كورونا إضافة إلى تأهيل المنصات التقنية ل 78 خدمة مستعجلات.

ولكن يبقى ارتفاع الإصابات بوباء كوفيد 19 بالمغرب، تحديا كبيرا يفرض نفسه أمام الدولة بكل مكوناتها ومؤسساتها لإيجاد حلول سريعة لمواجهة هذا الوباء، لذا دعت الضرورة إلى تبني رؤية واضحة تجنب البلاد الوقوع في أزمة صحية خانقة مثل النقص الحاد في عدد الأطباء، أيضا لا يجب أن ننسى أن منظومة الصحة ببلادنا تعرف خصصا في المستشفيات المجهزة وهذا ما يعد مشكلا حقيقيا لقطاع الصحة.

رغم كل شيء فإن المغرب وبموارده الصحية البسيطة، استطاع أن يقاوم هذا الوباء الفتاك الذي ألحق أضرارا جسيمة بقطاع الصحة العالمي، فالمغرب يعي ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه في حماية أرواح المواطنين، لذا فإن الدولة تقوم بكل ما هو ضروري لحماية الأمن الصحي والدوائي لكافة المغاربة بدون استثناء.

الفقرة الثانية: دور صندوق كورونا  في مواجهة وباء كوفيد 19

بعد إعلان المغرب عن ظهور أول إصابة بهذا الوباء فوق ترابه، أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إنشاء صندوق خاص بوباء كورونا لتوفير التمويل الضروري لمواجهة هذه الجائحة.

وقد كان أعزه الله أول المساهمين به بمبلغ مالي يقدر بنحو ملياري دهم، ثم انطلقت بعده التبرعات بهذا الصندوق من جميع القطاعات والفاعلين السياسيين ورجال الأعمال وقطاعات أخرى، حيث أفادت الخزينة العامة للمملكة أن مجموع موارد الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا المستجد، بلغت إلى غاية متم يوليوز الماضي ما قيمته 33,7 مليار درهم.

ويهدف هذا الصندوق إلى دعم الاقتصاد الوطني لمواجهة تداعيات هذا الوباء من خلال التدابير التي ستقترحها لجنة اليقظة الاقتصادية[5]، وذلك للحد من آثار هذا الفيروس على الحالة الاجتماعية والمعيشية للمواطنين، الذين تضرروا من هذه الجائحة التي مست القدرة الشرائية وزادت من نسبة البطالة خصوصا بعد فرض حالة الطوارئ الصحية ببلاد.

فقد شملت المساعدات الممنوحة من طرف الدولة للأسر العاملة في القطاع الغير المهيكل، والفقراء الذين لا يتوفرون على دخل أو يعملون في القطاع غير الرسمي والغير مصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي، لكون هذه الفئات هي المتضررة من هذا الوباء بصفة شخصية لا على المستوى البعيد أو القريب.

وقد استفاد من هذا الدعم المقدم من طرف صندوق كورونا حوالي 4 ملايين أسرة، فبالنسبة للأسرة المكونة من شخصين فقد خصص لها حوالي 85 دولارا، أما الأسرة التي تتكون من ثلاثة إلى أربعة أفراد فيمنح لها مبلغ 110 دولارا، بينما ستحصل الأسرة المؤلفة من أكثر من أربعة أشخاص على مبلغ مالي يقدر في 125 دولارا شهريا.

وتجدر الإشارة أن حوالي 5 ملايين مغربي استفادوا من الدعم المالي المقدم لهم من طرف صندوق كورونا حسب رئيس الحكومة، حيث اعتبر هذا الأخير أن هذه العملية هي الأكبر من نوعها في تاريخ الدولة من حيث الدعم المباشر للفئات المعوزة داخل البلاد، فقد وصلت المساعدات المقدمة لهم شهريا في فترة وجيزة إلى نحو 81 و204 دولارا حسب وزارة المالية[6].

أما فيما يتعلق بالطبقة العاملة فقد استفاد قرابة مليون من العمال بالمغرب من التعويضات الممنوحة لهم من طرف الحكومة بسبب كورونا، حيث استفاد الأجراء المتوقفون عن العمل المصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي، من دعم مالي قيمته 1000 درهم بالنسبة لشهر مارس و2000 درهم لشهور أبريل وماي ويونيو[7].

إن الروح الوطنية التي اتصفت بها الطبقة العاملة سواء العامة منها أو الخاصة، لهي خير دليل على المواطنة الحقيقية التي تنبعث من روح التضامن والتآزر المعهودة في المواطن المغربي، فبعد إطلاق حملة التبرعات من طرف الملك محمد السادس انخرطت جميع القطاعات دون استثناء في حملة المساهمة في صندوق كورونا لتصدي لهذه الجائحة.

لكن ومع الأسف ورغم كل هذه الجهود المبذولة من طرف الدولة، كان هناك تدبير غير معقلن لهذه الجائحة وبالضبط من حيث توزيع المساعدات الممنوحة من طرف صندوق كورونا للفئات المعنية بها، حيث تم صرف مبالغ طائلة وجهت في كثير من الأحيان لجهات تستحقها نظرا لتأزم وضعيتها المالية في فترة كورونا، لكن في أحيان عديدة استفادت جهات أخرى لا تستحق هذه التعويضات المقدمة لها من طرف هذا الصندوق.

فالمشكل ليس في الدولة بل في بعض السلطات المحلية التي لم تفرز الطبقات التي تستحق هذه المساعدات، بل ذهبت هذه الإعانات إلى أطراف أو جهات غير معروفة بتاتا الشيء الذي نتج عنه ضياع هذه الأموال، مما أدى ببعض الطبقات التي لم تستفد من هذه الإعانة المقدمة لها من طرف صندوق كورونا إلى تقديم تظلم للسلطات المحلية المعنية في المقام الأول بتحديد المستحقين لهذه المساعدات.

إن ما صاحب توزيع المستحقات المالية الممنوحة من طرف صندوق كوفيد 19، هو غياب الرؤية الواضحة لبعض السلطات المحلية التي غفلت تماما عن الطبقات الفقيرة والمعوزة والتي هي في أمس الحاجة لمثل هذا المبلغ المالي، لهذا كان عليها أن تقوم بعملية فرز دقيقة للأشخاص الذين يحتاجون هذه المساعدات لتجاوز هذه الجائحة بأقل الخسائر البشرية والمالية.

وعلى الرغم من قيمة هذه المبالغ المالية التي وزعت على الأسر أو على الطبقات العاملة بمختلف أشكالها وأصنافها، فإن تداعيات أزمة كورونا لا زالت تخيم على هذه الطبقات التي عانت ولا زالت تعاني لحد الساعة من غياب دخل قار يضمن لها مستوى معيشي أفضل.

إن ما قامت به الدولة المغربية لمواجهة وباء كوفيد 19 على جميع الأصعدة، له دليل على حرص المغرب ملكا، وشعبا، وحكومة، على الخطورة التي تحدق بالبلاد من جراء هذه الجائحة التي لم يشهد لها العالم مثيلا، فضرورة الموقف ألزمت على الجميع الانخراط الفعلي والتحلي بروح المواطنة للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.

فمعاناة العالم من وباء كوفيد 19 شكلت تحديا حقيقيا لدول العالم من حيث الحقوق والالتزامات المكفولة دوليا لمواطنيها، وهذا ما ينطبق فعلا على المغرب الذي ما فتئ في تدبير هذه المرحلة الراهنة بكل إمكانياته ووسائله معتمدا على نفسه في المقام الأول، كما عمل على  تسخير جهوده لحماية البلاد من الوقوع في كارثة إنسانية، بالإضافة إلى ذلك ساهم في إخراج صندوق كورونا للوجود ليكون بديلا ومعينا للأسر المعوزة.

الفقرة الثالثة: نجاعة المؤسسة الأمنية في مواجهة وباء كوفيد 19

جاء في ديباجة دستور 2011 للمملكة المغربية[8] " كون الأمن بمفهومه الاستراتيجي، قد غدا تحديا عالميا..."، من هنا تظهر لنا الأهمية التي يحظى بها الأمن داخل أي منظومة دولية، فأساس الاستقرار والأمان هو وجود جهاز أمني فعّال وناجح على جميع الأصعدة.

والمغرب كغيره من دول العالم يولي اهتماما بليغا للمنظومة الأمنية باعتبارها الضامن الوحيد لحماية المواطن من أي تهديد يمس حياته، هذه الضمانة التي تجد سندها القانوني في الممثل الأسمى ورئيس الدولة وأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

وقد شهد الجهاز الأمني ببلادنا عدة تحولات ساهمت بشكل كبير في إضفاء دينامية جديدة على هذه المؤسسة، كما أن العناية المولوية التي يوليها الملك محمد السادس لقطاع الأمن تبرهن مكانته ودوره الحقيقي، كآلية وقائية وحمائية تحارب الجريمة بمختلف أشكالها وتحافظ على بقاء هبة الدولة ومكانتها داخل الإطار الشرعي لها.

كما أن الأعمال التي يقوم بها هذا الجهاز والتي تعد من واجباته الوطنية، على مر التاريخ المغربي لهي خير برهان على التضحيات التي يقوم بها نساء ورجال الأمن كل من موقع مسؤوليته، فالواجب الوطني والأمانة التي تربى عليها رجل الأمن توجب عليه العمل والاجتهاد في تأدية واجبه على أحسن وجه.

وكعادته، لا يتخلف جهاز الأمن عن القيام بواجبه عندما تستدعيه الضرورة الملحة لذلك، فعندما احتاجت الدولة للمؤسسة الأمنية بمختلف أطرها عند تفشي وباء كوفيد 19، لبى الأمن نداء رئيس الدولة صاحب الجلالة الملك محمد السادس للقيام بما تتطلبه منه المرحلة الراهنة.

فحينما أعلنت الحكومة عن فرض حالة الطوارئ الصحية بعموم البلاد في شهر مارس 2020، عهد إلى تطبيقه وتنزيله على أرض الواقع لجهاز الأمن باعتباره صاحب الاختصاص في مثل هذه القضايا، حيث عملت مختلف الأجهزة الأمنية ليلا نهارا على تطبيق مرسوم حالة الطوارئ الصحية بشكل يضمن عدم تفشي الوباء في عموم البلاد.

ومن بين الخطوات التي لجأت إليها المؤسسة الأمنية الممثلة في مديرها العام السيد عبد اللطيف الحموشي، لمواجهة هذه الجائحة هي تقييد حركة التنقل في عموم البلاد، حيث أصبح ضروريا حصول الشخص على رخصة للخروج من منزله لقضاء مستلزماته مسلمة له من طرف السلطة المحلية، كما تم تقييد حركة التنقل بين المدن إلا في حالة تنقل البضائع والمواد الغذائية أو للضرورة القصوى.

كما شملت الإجراءات التي اعتمدها المغرب لمواجهة وباء كورونا، مثل تعليق التعليم الخاص والعام وحظر السفر والتجمعات الكبيرة، بالإضافة إلى إغلاق المقاهي والمطاعم وتعليق الصلاة في المساجد، حيث فسرت هذه الخطوات بأنها تعد انتهاكا لحقوق المواطنين، إلا أن هناك استطلاع للرأي العام أجراه المعهد المغربي لتحليل السياسات في مارس وهو مركز أبحاث مستقل مقيم في الرباط، بأن غالبية المواطنين يؤيدون الخطوات الاستباقية التي قامت بها السلطات.

كما عملت المديرية العامة للأمن الوطني على تزويد عناصرها في نقاط المراقبة بتطبيق الكتروني على هواتفهم الذكية[9]، من أجل ضبط تنقلات المواطنين وزجر كل مخالف لحالة الطوارئ الصحية، خصوصا أن هناك بعض المواطنين لم يحترموا الإجراءات المعمول بها من طرف رجال الشرطة، لذا كان لابد من تشديد المراقبة عليهم في بعض الأحيان كون الأمر يتعلق بأرواح الناس وممتلكاتهم.

ونعتقد أن تغليب مفهوم الأمن على مفهوم الحرية يبقى واردا في بعض الأحيان، ولعل السبب في ذلك راجع بالأساس إلى انتشار وباء كوفيد 19 في العالم بشكل مخيف مع تطور اهتمام الناس بخطورته[10]، لذا كان على الدول ومن ضمنها المغرب تغليب المقاربة الأمنية في هذه الوضعية لحماية البلاد من الانزلاق في مستنقع وباء كوفيد 19.

إن الفوضى التي خلفتها كورونا والفزع الذي نتج عنها، أكسبت رجال الشرطة مكانة رفيعة ومتميزة في نفوس المغاربة سواء بالداخل أو بالخارج، كونهم يضحون بأنفسهم ويواجهون هذا الوباء في الصفوف الأمامية ويقومون بما تتطلبه منهم مصلحة الوطن، وهذا ليس بجديد على المؤسسة الأمنية ببلادنا فمنذ تأسيسها وهي تأخذ على عاتقها حماية أمن الوطن.

أيضا لا ننسى ما قام به المدير العام للأمن الوطني، الذي رفع من مكانة هذه المؤسسة داخليا وخارجيا،وأعطى أهمية كبرى لرجل الشرطة لما يمثله هذا الأخير داخل منظومة الأمن الوطني، حيث أصبح لدينا جهاز أمني متطور يواكب كل المستجدات ويعمل بدينامية جديدة تنافس الأجهزة الأمنية الكبرى والمتقدمة.

وبالفعل، اليوم أصبح لدينا جهاز أمني ناجح على جميع المستويات، يستطيع مواجهة كل المخاطر والتحديات التي تهدد أمن وسلامة المواطنين، وأبسط مثال يدل على هذه النجاعة الأمنية التي تحظى بها بلادنا، هي القدرة والمهنية التي تحلى بها رجال الشرطة خلال جائحة كورونا، حيث تم تغييب المصلحة الشخصية لرجل الأمن وأضحت المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وتم العمل بمبدأ نكران الذات وأن الواجب المهني لرجل الشرطة يتطلب منه الضحية لأجل للوطن.

وحتى جهاز الأمن لم يسلم هو أيضا من جائحة كورونا، حيث تعددت الإصابات في صفوف الأمن من ولاية إلى أخرى، لا سيما وأن رجال الشرطة يقفون في الصفوف الأمامية لمواجهة هذا الوباء بكل تجرد ومسؤولية ونزاهة، لهذا كان لابد للمديرية العامة للأمن الوطني من توفير الحماية اللازمة لرجل الشرطة، ليكون في منأى من تهديد هذا الوباء له حتى يؤدي مهامه المطلوبة منه في أحسن الأحوال.

إن المؤسسة الأمنية اليوم وبالخصوص جهاز الاستخبارات في الدول المتقدمة، أضحى نموذجا في الابتكار والاختراع الخاص بمجال الأوبئة، فقد تم إنشاء الهيئة المتخصصة في جمع المعلومات عن الأوبئة في الولايات المتحدة الأمريكية، مهمته الأساسية تنحصر في الجانب الوقائي والتصدي لأي تهديدات خارجية تهدد الشعب الأمريكي، و هذا ما ينقصن الدول العربية والتي لا تمتلك مثل هذه المراكز العلمية عالية المستوى،  فنتمنى من المؤسسات الاستخباراتية ببلدنا أن تأخذ بعين الاعتبار بمثل هذه المراكز التي دعت الضرورة لها في مثل هذا العصر.

وإذا كان جهاز الأمن الوطني انخرط بكل مكوناته للتصدي لتداعيات وباء كوفيد 19 التي أضرت بالمغرب من كل النواحي، فإننا لا ننسى أيضا دوره المهم في تثبيت الأمن في ربوع البلاد و الضرب على أيدي المخالفين الذين ساهموا بشكل أو بأخر في المساس بحقوق المواطنين، وذلك عن طريق تقديمهم للقضاء حتى يقول كلمته الأخيرة في حق كل مخالف للنصوص القانونية المعمول بها داخل البلاد.

المطلب الثاني: أثار وباء كوفيد 19 على الظاهرة الإجرامية بالمغرب

تعتبر الجريمة ظاهرة عالمية منذ ظهور البشرية على سطح الأرض، حيث تختلف هذه الأخيرة من وقت إلى آخر معتمدة في ذلك على التطور والتقدم الحاصل بفعل الإنسان، الشيء الذي نتج عنه ظهور أصناف جديدة من الإجرام ساهمت بشكل مباشر في إلحاق الضرر بالفرد كونه هو الحلقة الضعيفة في المجتمع.

لهذا كان على المجتمعات إيجاد الحلول الممكنة للتصدي لأي جريمة كيفما كان شكلها، وهذا ما عمل عليه المغرب من خلال اعتماده على مقاربة قانونية تمكن المجتمع من ضمان أمنه الداخلي، والعيش في بيئة يسود فيها القانون والعدل لكل أطياف الشعب.

وستنحصر هذه الدراسة على تناول الجريمة في ظل الحجر الصحي في الفقرة الأولى، ثم نخصص الفقرة الثانية لتناول المحاكم المغربية لمثل هذه الجرائم في فترة الحجر الصحي. 

 

 

الفقرة الأولى: الجريمة في ظل الحجر الصحي

عرف المشرع المغربي مفهوم الجريمة في الفصل 110 من القانون الجنائي بقوله[11] " الجريمة عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه "، من خلال هذا التعريف يظهر لنا أن المشرع الجنائي كان حريصا على إعطاء تعريف دقيق لمفهوم الجريمة يحيط بجميع الجوانب الموضوعية التي تؤدي بالإنسان لارتكاب فعل مخالف للقانون.

كما أن هناك مفهوم اجتماعي للجريمة منصوص عليه في الفصل الأول من القانون الجنائي، الذي جاء فيه " يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية "، وبالتالي فالجريمة هي كل فعل أو امتناع – صادر عن إرادة جنائية – يحظره القانون الجنائي ويعاقب عليه بسبب ما يحدثه من اضطراب اجتماعي[12].

وبالتالي يمكننا أن نعرف الجريمة بأنها ظاهرة اجتماعية تؤدي بالإنسان إلى ارتكاب فعل مخالف للقانون أو معاقب عليه بمقتضاه، أو أن يمتنع هذا الشخص عن تنفيذ أمر أوجبه القانون وعاقب على من تركه عمدا دون عذر مقبول منه.

وعليه فالجريمة تبقى مرتبطة بالإنسان كارتباط الجسد بالروح، وهي تتغير باستمرار بفعل تغير الإنسان معها نتيجة ظهور عدة عوامل أدت بها إلى سلوك هذا المسار، ومن بين هذه العوامل التي ساهمت بشكل كبير في ازدياد أو انخفاض معدل الجريمة بالمغرب، هو وباء كورونا الذي مثل تحديا كبيرا لسياسة الجنائية ببلادنا من منطلق النهج المتبع في سياسة التجريم والعقاب.

إن القول بأن معدل الجريمة انخفض في المغرب في زمن وباء كوفيد 19 ليس بالكلام الصحيح، على اعتبار وجود حجر صحي مطبق من طرف الدولة والذي يحد من حرية التنقل والتجول في عموم المغرب، كما أن عناصر الشرطة أصبحت مستنفرة ليلا نهارا ومركزة في الشوارع والأزقة، الشيء الذي يصعب معه للمجرم أن ينفذ جريمته وهو في ظروف عادية، أيضا لا ننسى أن حتى العنصر البشري الذي سيكون مستهدفا بالجريمة أصبح منعدما في ربوع البلاد نتيجة الحجر الصحي المفروض عليه.

نحن لا نبخس عمل عناصر الشرطة لا في زمن كورونا أو في الحالة العادية، بل يبقى الأمن الذي تنعم به البلاد هو من أكبر التضحيات التي يقوم بها جهاز الشرطة في تكريس الطمأنينة والأمان لكافة المواطنين، لكن مفهوم الأمن الذي يطبقه رجل الشرطة في زمن كورونا ليس بمفهوم الأمن المعمول به من طرف هذه عناصر في الظروف العادية.

ثم إن الحكم بارتفاع معدل الجريمة أو انخفاضها في زمن الجائحة، لا يوصلنا إلى النتيجة الحقيقية وهي هل الجريمة مستقرة أم متغيرة؟ لكون السبب الحقيقي في معرفة معدل نمو الجريمة بالمغرب هو الإنسان، وما ينتج عنه من أعمال وأفعال تؤذي به إما لتطبيق القانون أو مخالفته وإلحاق الضرر بالآخرين.

فقد أشار التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2016، أن معدل الإجرام بالمغرب قد تزايد بشكل كبير للغاية، حيث بلغت عدد الاعتقالات التي قامت بها قوات الأمن حوالي 466.997 اعتقال، أي بمعدل 23 في المائة مقارنة مع 2015، مما يدل على أن معدل نمو الجريمة في المغرب أصبح في ارتفاع سنة بعد سنة.

وحسب تقرير مؤشر الأمن العالمي لسنة 2017[13]، فقد كلفت الجريمة والعنف اقتصاد المغرب حوالي 6,6 في المائة من ناتجه الداخلي الخام لسنة 2016 أي بمعدل 558 دولارا للفرد الواحد، الشيء الذي يدل على أن الجريمة تؤثر على اقتصاد المغرب بطريقة خطيرة للغاية إذا لم تكن هناك حلول جذرية لمعالجة الظاهرة الإجرامية ببلادنا.

إن القضاء على الجريمة وصورها من المغرب لا يمكن أن يكون رهين وضعية أو فترة زمنية أو فيروس ما، بل لا بد لنا من وضع سياسية جنائية متكاملة تراع الجانب الاقتصادي والاجتماعي والقانوني، وتغلب الجانب الوقائي على الجانب الزجري من خلال دعم العقوبات البديلة ودعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حتى يكون هناك توازن بين الجريمة والظروف المسببة لها، وإلا فإننا سنكون أمام سياسة تشريعية تشرعن للإجرام وتغيب الحلول الجذرية للقضاء على الجريمة.

ويبقى الخوض في مسألة انخفاض الجريمة بالمغرب في فترة وباء كوفيد 19، عارية من الصحة تماما لأن القياس على ارتفاع معدل الجريمة من انخفاضه لا يعمل به في حالة الطوارئ كيفما كان شكلها، لسبب أن الجريمة تحكمها متغيرات وظروف هي التي تكون السبب المباشر في ارتكابها، لهذا فإننا نعتبر بأن الجريمة ولو شهدت انخفاضا تدريجيا فالسبب يعود لوجود رجل الشرطة في كل مكان وزمان أثناء فترة الحجر الصحي، وبالتالي فالجريمة تقلصت بفعل عناصر الأمن وليس بفعل جائحة كورونا.

إن واقع الجريمة بالمغرب يبقى كغيره من دول العالم إذا لم تكن هناك حلول واقعية لمعالجة الجريمة، حيث ظهر في المغرب نوع خاص من الإجرام وهو ليس بجديد بل تضاعف أثناء فترة الحجر الصحي ببلادنا، ألا وهو العنف الأسري الذي يحتضنه بيت الزوجية وتكون الزوجة هي الضحية الأولى فيه.

حيث صدر تقرير عن الأمم المتحدة بمشاركة 19 جمعية نسائية والذي يحمل عنوان[14] " العنف ضد النساء والفتيات في أوقات الأزمات... تجربة الحجر الصحي في المغرب" والذي توصل إلى أن النساء اللواتي لهن أولاد هن أكثر تعرضا للعنف من اللواتي ليس لهن أولاد، وهذا أمر طبيعي والسبب في ذلك هو بقاء الرجل في المنزل كل الوقت، مما يؤدي إلى وجود مشاحنات وصراعات داخلية بين الأزواج لانعدام ثقافة الحوار والتفاهم فيما بينهم.

كل هذا كان نتيجة الضغوطات النفسية[15] التي تعرضت لها الأسرة بأكملها، مما أدى بأفرادها إلى تفريغ هذه الشحنات السلبية إما بين الأزواج فيما بينهم أو حدوث صدمات بين الأطفال و الآباء خصوصا وأنهم يعيشون في بيت واحد، وبالتالي كان لابد من وجود إستراتجية لمواجهة الضغوط النفسية التي تتعرض لها الأسرة خلال فترة الحجر الصحي ببلادنا، تتجلى من خلال تغيير مصدر الضغط و التوتر الناتج عن وباء كوفيد-19 واستبداله بطاقة ايجابية تكون هي البديلة لمواجهة أثار وباء كوفيد-19 على الشخص.

إن مفهوم الجريمة لا يتغير في أي بلد سواء كان متقدما أم متأخر، لأن العنصر البشري هو العامل المباشر في حصول هذه الجريمة في أي مكان أو زمان، وبالتالي فان حقيقة الجريمة لا ترتبط بظروف أو أزمات معينة بل إن مستوى الإجرام قد يزيد عن شكله التقليدي، بسبب أن الإنسان يبقى دائما مستعد لارتكاب أي جريمة كيفما كانت وهذا راجع بالأساس إلى بنيته البيولوجية، ويبقى القول بأن وباء كوفيد 19 قلص مستوى الجريمة ليس في محله لأن وجود الإنسان في الحياة ينتج عنه وجود الجريمة. 

الفقرة الثانية: معالجة المحاكم المغربية لجرائم الحجر الصحي

بعد تفشي وباء كورونا بالمغرب وتفاديا لانتشار هذا الوباء بين صفوف هيئة القضاء، كان لابد من وقف النظر في جميع القضايا المعروضة على المحاكم حفاظا على صحة وسلامة المواطن المغربي، لذا نجد أن القضاء ببلادنا اعتمد تقنية المحاكمة عن بعد لعدم تعطيل مصالح الناس التي تبقى مرهونة بصدور حكم قضائي مؤيد أو معارض لقضاياهم.

وبالفعل انطلقت جل المحاكم ببلادنا في النظر في القضايا المعروضة عليها في فترة الحجر الصحي، إلا أن المسالة تبقى متعلقة إلى حد ما في كيفية الخوض في هذه الجرائم من الناحية القانونية، أي ما هو التكييف القانوني لمثل هذه الجرائم المرتكبة في زمن كورونا،هل نطبق النص بحذافيره أم أن على القضاء أن يراعي الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمجرم ودوافع ارتكابه هذه الجريمة في فترة الحجر الصحي.

إن المتتبع للأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية يجد بأنها لم تجانب الصواب في كيفية النظر في الجرائم المحالة عليها، أي أنها نظرت إلى هذه الجرائم على أنها تهديد للأمن الداخلي وكونها ارتكبت في فترة الحجر الصحي، الشيء الذي يخرجها من الإطار العادي للجريمة إلى المسار الضيق من الناحية القانونية وتفسيرها تفسيرا مغايرا لا يراعي للجاني أي ظرف كيفما كان.

حيث ذهبت بعض المحاكم المغربية إلى تفسير جنحة السرقة المرتكبة في فترة الحجر الصحي بكونها تعد جناية، معتمدة في ذلك على اقتران جنحة السرقة على ظرف مشدد للعقوبة وهو وقوعها في زمن الكارثة، وذلك استنادا على الفصل 510 من القانون الجنائي وبضبط الفقرة الخامسة منه التي جاء فيها " ارتكاب السرقة في أوقات الحريق أو الانفجار أو الانهدام أو الفيضان، أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أية كارثة أخرى ".

وقبل أن نناقش حكم محكمة القنيطرة من الناحية القانونية لابد علينا أولا تعريف معنى الكارثة، وقد جاء في لسان العرب أن مصطلح الكارثة يعني كرثه الأمر يكرث هو يكرثه كرثا وأكرثه أي ساءه واشتدّ عليه وبلغ منه المشقة.

 أما تعريف مفهوم الكارثة من الناحية الاصطلاحية فهي التحول المفاجئ غير المتوقع في أسلوب الحياة العامة بسبب ظواهر طبيعية أو من فعل الإنسان، تتسبب في العديد من الإصابات والوفيات أو الخسائر المادية الكبيرة[16].

وحتى نعتد بأن هذا الشيء كارثة أم لا لابد من وجود سمات لها مثل:

- صعوبة التنبؤ بحدوث أغلبها

- إذا ما حدثت الكارثة فإنها تترك خسائر جسيمة في الجوانب المادية والبشرية

- الكارثة قد يكون سببها الإنسان إما عمدا أو إهمالا، وقد ترجع إلى غيره[17].

من خلال ما سبق يمكننا أن نعرف مفهوم الكارثة بأنها عبارة عن شيء غير مألوف، قد يكون حدث طبيعي أو اصطناعي أو بيئي يؤدي إلى التقليص من الحركة البشرية على جميع الأصعدة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية، مما تضطر معه الدولة إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لمواجهة هذا الحدث.

أما برجوعنا إلى الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة والذي قضى بأن جنحة السرقة المقترفة من طرف شخصين، متهمين بسرقة كبش من أحد الرعاة بمشاركة أحد الأشخاص الذي اشترى منهم هذا الكبش بمعية شخص رابع كان مع المشتري عند القيام بعملية الشراء،يعد جناية وليس جنحة لاقترانه بظرف مشدد للعقوبة، وهو وقوع هذه السرقة في فترة الحجر الصحي أو بمعنى أخر ارتكاب السرقة في فترة كارثة تجتاح البلاد طبقا لمضمون الفصل 510[18] من القانون الجنائي، حيث توبع الأشخاص الثلاثة في حالة اعتقال أما الشخص الرابع توبع في حالة سراح.

إن التكييف القانوني الذي أعطاه القاضي الجنائي لهذه النازلة يخرج الفصل 510 من مضمونه الأصلي، حيث إذا رجعنا للنص الفرنسي الأصلي نجده أنه استعمل عبارة «tout autre trouble» التي تبين التعداد أي المراحل التي تخرج الفعل من جنحة إلى جناية، كما أن الترجمة الحرفية للفقرة توحي بمعنى آخر " ارتكاب السرقة في أوقات الحريق أو انفجار أو الانهدام أو الفيضان، أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أي اضطراب آخر "[19].

وبالتالي فان عبارة "كارثة" التي جاء بها الفصل الجنائي المغربي غير دقيقة من ناحية الترجمة، لكون الفصل الجنائي الفرنسي جاء واضحا في هذه المسألة من حيث استعماله عبارة " اضطراب آخر" وليس عبارة كارثة التي وظفها المشرع المغربي، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن محكمة القنيطرة التي بثت في هذه القضية حرفت النص الجنائي عن معناه الحقيقي، وأولت أو فسرت النص الجنائي لغير صالح المتهم أو غيبت مبدأ شرعية العقوبة، حيث حكمت بحكم قضائي لا يناسب الفعل ألجرمي المرتكب.

وبالرجوع إلى النصوص القانونية الأخرى نجدها أنها توظف عبارة " كارثة"، حيث نص الفصل 609 من القانون الجنائي على هذه العبارة "... وذلك في حالة حادثة أو اضطراب أو غرق أو فيضان أو حريق أو أي كارثة أخرى..." كما تطرق الفصل 750 من قانون الالتزامات والعقود لهذه العبارة "... إذا كان سبب الحادثة أو الكارثة راجعا إلى مخالفة أو عدم مراعاة رب العمل...".

 ومن هنا نتساءل عن دور القضاء المغربي في تغييب هذه العبارة عن أحكامه الصادرة عنه، ألا يمكن القول بأن استعمال هذه العبارة في زمن كورونا لم يكن مناسبا لعدة اعتبارات، من بينها أن هذا المصطلح موجود في عديد من النصوص القانونية الأخرى وإذا تم توظيفه في الأحكام القضائية فإننا سنعيش كل يوم كوارث وليس كارثة واحدة.

ورغبة من المشرع المغربي في وضع تعريف موحد لعبارة " كارثة" ضمن منظومته القانونية، نجد أنه تطرق إليها ضمن قانون رقم 110.14 الخاص بإحداث نظام لتغطية الوقائع الكارثية الصادر في 2016، الذي أشار في مادته 3 إلى تعريف مفهوم الكارثة بقوله " كل حدث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب ويرجع السبب الحاسم فيه إلى قوة الفعل غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف للإنسان".

وعليه فان التشريع المغربي تدرج على استعمال هذا المفهوم لعدم إفلات أي حالة يمكن أن تؤدي إلى حصول أضرار جسيمة تمس بالأشخاص والممتلكات، لذا نجد أن المشرع يعدد الحالات التي يمكن أن تسبب الفعل ألجرمي، وتفاديا لإغفال أي واقعة أخرى قد تكون سببا مباشرا في حصول فعل يضر بالمجتمع، يأتي بعبارة في الأخير تدل على العناصر التي لم يتم إدراجها في النص القانوني رغبة منه في عدم الإفلات من العقاب.

فالمشرع المغربي يحرص تمام الحرص على عدم وجود أي ثغرة في النص القانوني وبالخصوص النص الجنائي، اهتماما منه في عدم ترك مؤسسة القضاء في الوقوع في أي لبس أو شك يؤثر على مصداقية أحكامها، لذا نجده يمنع القاضي الجنائي من عدم تفسير النص الجنائي أو تأويله لغير ما نص له، بل تطبيقه كما هو صادر عن المؤسسة التشريعية.

ويبقى الحكم الصادر عن محكمة القنيطرة حدثا تاريخيا ومحطة مهمة في المسار القضائي بالمغرب، فالقضاء كان دائما في خدمة العدالة ونبراسا للوصول للحقيقة المضللة في قاعات المحكمة، إلا أننا اليوم نشاهد حكما قضائيا أخرج الجريمة من إطارها العادي ووضعها في حلقة ضيقة معتمدا في ذلك على النص القانوني، الذي فهمه من جانب وغابت عنه جوانب أخرى وحمّل المتهم وغيره فعلا جرميا أكبر من الجريمة نفسها.

      إن الغلط الذي وقعت فيه المحكمة الابتدائية بالقنيطرة جاء نتيجة الخلط بين مفهوم الكارثة وكورونا، حيث اعتبرت المحكمة بأن وباء كوفيد 19 يعد كارثة رغم أن المعايير التي يمكن الاعتماد عليها للقول بأن هذا الوباء يعد كارثة بعيدة كل البعد، فالكارثة إذا حلت ببلد ما فإنها تشل جميع مقومات الحياة ولا يمكن العيش فيها لأنها تعد بلادا منكوبة، إذن أين نحن من هذا الوباء الذي تحاول الدولة السيطرة عليه، بموازاة مع ذلك تبقى مؤسسات الدولة في خدمة المواطن ونحن نعيش اليوم انطلاق عملية التلقيح تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.

ونعتقد في الأخير أن على المحكمة الابتدائية بالقنيطرة أن تبقي فعل السرقة في حدود الجنحة، لكون الوضعية التي تمر بها البلاد ساهمت إلى حد كبير في تضرر فئات كثيرة من الناس بهذا الوباء، فرغم الظروف القاسية التي يعيشها المواطن المغربي إلا انه يحترم القانون وكان سندا وجنبا إلى جنب مع جميع المؤسسات سواء الأمنية أو القضائية أو العسكرية لمحاربة وباء كوفيد 19 بالمغرب، وبالتالي فالقانون أو القضاء أو الأمن كلها مؤسسات أوجدتها الدولة لخدمة الشعب وصون كرامته والتعامل معه في حدود القانون لأن المغرب دولة الحق و القانون.

وتبقى تداعيات وباء كوفيد 19 الذي يجتاح العالم تتواصل ليومنا هذا، حيث تضررت جميع القطاعات من هذه الجائحة بدون استثناء، كل هذا كان له الانعكاس السلبي على المواطن المغربي الذي عان هو أيضا من هذا الوباء، فرغم قلة الموارد المالية أو البشرية للدولة إلا أن هذه الأخيرة واجهت هذه الجائحة بكل إمكانياتها المحدودة، وقد نجحت الدولة إلى حد ما في تجنيب المغرب في الوقوع في كارثة صحية و اقتصادية... تكون أضرارها وخيمة على الدولة و المواطن معا.

 

 

 

 

لائحة المراجع:

مرسوم قانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها، منشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 6867 مكرر، ص 1782.

مؤلف جماعي، إستراتيجية المغرب في مواجهة كوبيد 19، مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، الأوراق السياسية أبريل 2020.

وزارة الصحة، مشروع النجاعة في الأداء الملحق بمشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة برسم سنة 2016.

تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، الانعكاسات الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية لفيروس كورونا " كوبيد- 19" و السبل الممكنة لتجاوزها، إحالة رقم 28/2020.

كريم لحرش، الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح و تحليل، سلسلة العمل التشريعي و الاجتهاد القضائي (3)، توزيع مكتبة الرشاد سطات، طبعة 2012.



[1]- مرسوم  قانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها، منشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 6867 مكرر، ص 1782.

[2]- وزارة الصحة، الصحة بالأرقام 2004، مديرية التخطيط و الموارد المالية، ص 41.

[3] - مؤلف جماعي، إستراتيجية المغرب في مواجهة كوبيد 19، مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، الأوراق السياسية أبريل 2020، ص 6.

[4]- وزارة الصحة، مشروع النجاعة في الأداء الملحق بمشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة برسم سنة 2016، ص 58.

-وزارة المالية و الاقتصاد و إصلاح الإدارة، بيان صحفي، إحداث صندوق تدبير و مواجهة و باء فيروس كورونا.[5]

[6]- تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، الانعكاسات الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية لفيروس كورونا " كوبيد- 19" و السبل الممكنة لتجاوزها، إحالة رقم 28/2020، ص 25.

[7]- haut-commissariat au plan, enquête sur l’impact du coronavirus sur la situation économique, sociale et psychologique des ménages, note de synthèse des principaux résultats,2020, p 11.

لتوسع أكثر في هذا المجال راجع:

- Note stratégique, de la crise du covid-19 au Maroc , le haut –commissariat au plan et le système des nations unies au Maroc et la banque mondiale, juillet 2020, p 2.

[8]- كريم لحرش، الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح و تحليل، سلسلة العمل التشريعي و الاجتهاد القضائي (3)، توزيع مكتبة الرشاد سطات، طبعة 2012، ص 10.

 

[10]  - المندوبية السامية للتخطيط، تطور سلوك المغاربة تجاه جائحة كوبيد – 19، المرحلة الثانية من البحث حول تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و النفسي للأسر، 2020، ص 3.

[11]- دار الإنماء الثقافي، قانون المسطرة الجنائية و القانون الجنائي وفق آخر التعديلات، سلسلة المعرفة القانونية للجميع، الطبعة الثانية، 2016، ص 276.

[12]- نور الدين العمراني، شرح القسم العام من القانون الجنائي المغربي، مطبعة وراقة سجل ماسة الزيتون مكناس، الطبعة 2014، ص 59.

[13]- التقرير السنوي 2016، للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، ص 91.

[14]- تقرير البحث العلمي التكميلي، انعكاسات جائحة كوبيد-19 على العنف ضد النساء بالمغرب، يونيو 2020، ص 8.

[15]  - يعتبر الضغط النفسي بمثابة صيرورة تظهر حينما تتجاوز معطيات الوضعية الاجتماعية قدرات الفرد الكيفية، كما أنها حالة من اللاتوازن بين معطيات الواقع الاجتماعي و مؤهلات الفرد وقدراته.

- مصطفى أوسرار و عبد الله أزور، استراتيجيات مواجهة الضغوط النفسية في وضعية الحجر الصحي، النشر العلمية، عدد 01 ماي 2020، الصادرة عن خلية الدعم النفسي عن بعد كوبيد-19، ص 8.

[16]- محمد حمزة محمد صلاح، الكوارث الطبيعية في بلاد الشام و مصر( 491-923 ه = 1097-1517 م )، لرسالة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي، الجامعة الإسلامية– غزة، عمادة الدراسات العليا كلية الآداب قسم التاريخ و الآثار، السنة الجامعية 2009-2010، ص 2.

[17]- محمد حمزة محمد صلاح، المرجع السابق، ص 4.

[18] - نور الدين العمراني، شرح القانون الجنائي الخاص المغربي، مطبعة وراقة سجل ماسة الزيتون ، مكناس، الطبعة 2013-2014، ص 248.

[19]- article 510 du code pénal français :

« si le vol a été commis au cours d’un incendie ou après une explosion, un effondrement, une inondation, un naufrage, une révolte, une émeute ou tout autre trouble ».


إرسال تعليق

0 تعليقات