آخر الأخبار

Advertisement

التعسف في استعمال الحق في قانون الإجراءات المدنية - الدكتور محمد شكار ، العدد 41 من مجلة الباحث، منشورات موقع الباحث


 التعسف في استعمال الحق في قانون الإجراءات المدنية - الدكتور محمد شكار ، العدد 41 من مجلة الباحث، منشورات موقع الباحث


لتحميل العدد الذي يشمل المقال بصيغة pdf الرابط أذناه:







الدكتور محمد شكار

      دكتور في الحقوق - استاذ متعاون بجامعة

    انواكشوط

    التعسف في استعمال الحق في قانون الإجراءات المدنية

Abus de droit dans la loi de procédure civile

مقدمة:

من المستقر عليه فقهاً وقضاء في المنظومة القانونية الموضوعية والإجرائية، أنه لا يجوز لصاحب الحق أن يتعسف في استعمال حقه على نحو يلحق ضرراً بالغير، فالحق في التقاضي كغيره من الحقوق يجب استعماله بطريقة مشروعة خالية من التعسف، فاستعمال الشخص لحقه في اللجوء الى القضاء ليس مطلقاً وإنما هو مقيد بألا يكون استعماله لهذا الحق بطريقة غير مشروعة تلحق أضراراً بالغير لأنه ممنوع من التعسف في استعمال أي حق من الحقوق التي تثبت له، فلا يجوز استخدام حق التقاضي بقصد الإساءة أو الكيد أو مضايقة الخصم.

ويجمع فقهاء القانون في كلا جانبيه؛ الموضوعي والإجرائي أن إساءة استعمال حق التقاضي لا تتوافر بمجرد خسارة الدعوى، إنما تتوافر عند رفع الدعوى بسوء نية، لا بقصد الوصول إلى حق متنازع فيه، بل يقصد النكاية والإضرار بالخصم.

summary

It is established in jurisprudence and the judiciary in the substantive and procedural legal system, that the right holder may not abuse his right in a way that causes harm to others.  Rather, it is restricted that his use of this right should not be illegal in a way that causes harm to others, because it is forbidden to abuse any of the rights that are established for him. The right of litigation may not be used with the intent of offending, maliciously or harassing the opponent.                 The legal scholars are united on both sides of it;  Substantive and procedural, abuse of the right to litigation is not available merely by losing the case. Rather, it is available when the case is filed in bad faith, not with the intention of reaching a disputed right, but rather with the intention of vexing and harming the opponent.

المقدمة:

من المستقر عليه فقهاً وقضاء في المنظومة القانونية الموضوعية والإجرائية، أنه لا يجوز لصاحب الحق أن يتعسف في استعمال حقه على نحو يلحق ضرراً بالغير، فالحق في التقاضي كغيره من الحقوق يجب استعماله بطريقة مشروعة خالية من التعسف، فاستعمال الشخص لحقه في اللجوء الى القضاء ليس مطلقاً وإنما هو مقيد بألا يكون استعماله لهذا الحق بطريقة غير مشروعة تلحق أضراراً بالغير لأنه ممنوع من التعسف في استعمال أي حق من الحقوق التي تثبت له، فلا يجوز استخدام حق التقاضي بقصد الإساءة أو الكيد أو مضايقة الخصم.

ويجمع فقهاء القانون في كلا جانبيه؛ الموضوعي والإجرائي أن إساءة استعمال حق التقاضي لا تتوافر بمجرد خسارة الدعوى، إنما تتوافر عند رفع الدعوى بسوء نية، لا بقصد الوصول إلى حق متنازع فيه، بل يقصد النكاية والإضرار بالخصم.

   ومن هنا تكمن اهمية هذه الدراسة لموضوع (نظرية التعسف في استعمال الحق الكائنة وجدوى تطبيقها في قانون الإجراءات المدنية) ان سائر الحقوق مرهونة بكفالة منع ذلك التعسف، فعن طريقه يتمكن كل شخص من استحصال حقوقه ومنع الاعتداء عليها، وكذلك فإن ممارسة عدم التعسف هذا مفترض اساساً في قيام القضاء بوظيفته وأدائه لرسالته وذلك لان القضاء لا يعمل من تلقاء نفسه، وانما بناءً على طلب المُتقاضين الذين لا يتمكنون من هذا الطلب إلا إذا كان حقهم في التقاضي مُحترماً ومصوناً.

و في هذا الإطار نحاول البحث عن الآثار السلبية للتعسف الإجرائي وانعكاسات ذلك الأثر على إرساء الضمانات الأساسية التي تكفل للمتقاضين تحقيق العدالة والمساواة.

وكذلك يطرح الموضوع مشكلة هامة وهي فكرة التعسف في ميدان الإجراءات المدنية، وهذه المسألة جديرة بالاهتمام لما تحاط به من مصاعب ومحاذير ، فضلا ًعن ان هذه المسألة لا يزال الغموض يكتنفها من الفقه والقضاء الاجرائيين اذ ان من النادر أن نجد الاشارة الى تلك الفكرة في نظرية شاملة ومتكاملة ، الأمر الذي دفعنا الى محاولة وضع دراسة مُتكاملة عن تلك المسألة تثري الدراسات الإجرائية وتنطلق من تطوير الواقع من منظور كون التطور هدفاً مُرتجى لا نهاية لهُ .

  لم يحظى موضوع التعسف في استعمال الحق الصادر من القاضي بعناية تامة من قبل التشريعات العربية، سواء ان كانت تلك العناية واردة في القوانين الموضوعية او الإجرائية مما أدى الى ظهور نقص تشريعي في جوانب عدة، و لا بد لنا من التعرف على هذا النقص والعمل على معالجته قدر الامكان للوصول الى نصوص قانونية منظمة خالية من القصور التشريعي.

وسأتناول هذا الموضوع من خلال المبحثين التاليين: المبحث الأول: مفهوم التعسف في استعمال الحق.المبحث الثاني: فكرة الحق في القانون الإجراءات المدنية و تطبيقاتها.

المبحث الأول: مفهوم التعسف في استعمال الحق 

تعد نظرية التعسف في استعمال الحقوق نظرية قديمة، اذ تعود بجذورها الى القانون الروماني ، من خلال القاعدة التي تقرر ان الفعل السيئ لا يغتفر ) ( الغلو في الحق غلو في الظلم.

 

 

المطلب الأول : تعريف التعسف في استعمال الحق

إن فكرة التعسف في استعمال الحق بشكل عام ليست فنرى فقهاء الشريعة الاسلامية اهتموا بها ،كما أن فقهاء القانون الوضعي تناولوا موضوع التعسف في استعمال الحق و وضعوا  له ضوابط و محددات حتى لا تكون ممارسة الحق سبيلا للإضرار بالغير .

الفقرة الأولى : فكرة التعسف في استعمال الحق في الشريعة الإسلامية

    تبوأت   نظرية التعسف باستعمال الحق حيز كبير في شروح الفقهاء وقد سبقت الشريعة الاسلامية  الغراء غيرها من التشريعات بالأخذ بنظرية التعسف في استعمال الحق؛ وذلك لان الشريعة الاسلامية تقيم احكامها على اساس العدالة والرفق بالناس ورفع الحرج عنهم . وقد عنيت التشريعات المختلفة التي عرضت للتعسف في استعمال الحق بتحديد معايير التعسف وضوابطه غير انها اختلفت في تحديدها، ويقول الامام الشاطبي مؤيدا تحريم قصد الاضرار ( لا اشكال في منع القصد الى الاضرار من حيث هو اضرار لثبوت الدليل على ان لا ضرر ولا ضرار في الاسلام )..[1]

 

 

الفقرة الثانية  : تعريف القانون الوضعي لنظرية التعسف في استعمال الحق  

يرى فقهاء القانون أن الأساس القانوني لنظرية التعسف في استعمال الحق هو مبدأ العدالة، ذلك ان القانون يمنح الافراد حقوقا يتصرف بها ما يشاء مع تقييد هذا المنح او هذا الاعطاء للحقوق بان يستعملها دون ان يتجاوز الحدود المرسومة له وفقا لمقتضيات العدالة.

وفضلا عن مبدأ العدالة وما يؤديه من تأصيل لنظرية التعسف فان هناك مبدا اخر لا يقل اهميتةً وهو مبدأ حسن النية في التصرفات، اذا يعول عليه في تأصيل التصرفات القانونية التي لا يجد لديها تأصيل فكلا من المبدأين يفرضان على الشخص ان يستعمل حقه بدون تعسف او اضرار بالطرف الاخر، وسوف نتناول تعريف التعسف نتناول تعريف التعسف باستعمال الحق في مطلب اول وبيان معايير إساءة استعمال الحق في مطلب ثان.

و التعسف لغة، هو تعسف فهو متعسف والمفعول متعسف فيه، تعسف في احكامه جاءت غير عادلة، تعسف في العمل جاء دون تفكير تعسف في الكلام تكلف، وتعسف في الطريق وعن الطريق عسف، تعسف فلانا ظلمه، ولا يقبل التعسف لا يقبل الظلم، والتعسف البغي والطغيان.

واصطلاحا عرف أحد فقهاء الشريعة الاسلامية التعسف بانه ( تحايل على مقصود الشرع او هو تحايل على بلوغ هدف لم يشرع الحق لأجله ). وعرفه آخر ( بان يمارس الشخص عملا مشروعا في الاصل بمقتضى حق شرعي ثبت له – بعوض او بغير عوض- او بمقتضى اباحة مأذون فيها شرعا ، على وجه يلحق بغيره الاضرار او يخالف حكم المشروعية ). وعرفه آخر بانه ( استعمال الحق على وجه غير معتاد شرعا). اما فقهاء القانون فقد كان لهم نصيب في ايراد عدد من تعاريف التعسف اذا عرفه الاستاذ بلانيول (Planiol  ) بانه خروج عن حدود الحق من خلال كلامه المشهور حيث ينتهي الحق يبدا التعسف وعرفه آخر بانه ( استعمال للسلطات التي يتضمنها الحق بغية تحقيق هدف لا يتوافر فيه هذا الشرط )..

   وهناك من عرفه بانه استعمال الحق على وجه غير مشروع ، بمعنى مجاوزة الحق عند مزاولة الانسان له  .

     ولم تورد التشريعات العربية تعريفا للتعسف في استعمال الحق ، في ثنايا القانون المدني ، الا انه اورد  حالاته وصور تحقق التعسف في استعمال الحق في الباب التمهيدي من القانون المدني ، ونرى بان نظرية التعسف تنطبق على جميع الحقوق العينية والشخصية .[2]

    والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد : هل يمكن تطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق على الإجراءات المتبعة أمام القضاء خلال سير الدعوى المدنية  و ماهي طبيعة الخرقات الإجرائية التي يمكن أن تتسبب في الاضرار بالغير أثناء  سير الدعوى ؟.

 

المطلب الثاني : معايير إساءة استعمال الحق 

    اورد التشريعات ثلاثة معايير يكون استعمال الحق فيها غير جائز يترتب عليه الضمان (المسؤولية ) وهذه المعايير هي:

الفقرة الأولى:  قصد الاضرار بالغير

   وتأخذ هذه الصورة من صور التعسف بالمعيار النفسي في تحديد الخطأ ، فاستعمال الحق بقصد الاضرار بالغير ابلغ صور التعسف ، وهذا المعيار ذاتي قوامه توافر نية الاضرار بالغير لدى صاحب الحق ، ويعتبر صاحب الحق متعسفا في استعمال حقه طبقا لهذا المعيار حتى لو تحققت لم نفعة عارضه للم يقصدها بالأساس ، فالمالك الذي يغرس أشجاراً  عالية كثيفة في أرضه لمجرد حجب الضوء أو الرؤية عن جاره يعتبر متعسفاً في استعمال حقه حتى لو عادت هذه الأشجار عليه بنفع لم يكن مقصوداً في ذاته وغنما كان المقصود هو حجب الضوء او الرؤية عن الجار..

    ويقع على عاتق المضرور اثبات أن صاحب الحق لم يقصد من وراء استعمال حقه غير إلحاق الضرر به . وإذا كان اثبات قصد الاضرار بالغير أمراً عسيراً ، فأن القضاء يقيم قرينة على توفر قصد الاضرار من انتفاء كل مصلحة من استعمال الحق من قبل صاحبه فالجار الذي يجعل بيته مأوى للصوص يهددون جاره ويسطون على منزله يكون متعسفاً   ، ومن يتخذ كلباً شرساً في منزله لا لغرض الحراسة بل لإزعاج جيرانه يعتبر متعسفاً أيضاً ومن يهدم جداره الذي يستتر به الجار وليس له من غرض سوى انكشاف دار جاره يعتبر متعسفاً كذلك ، أما إذا هدمه لإعادة بنائه لخوفه من سقوطه فلا يعتبر متعسفاً .

الفقرة الثانية : اختلال التناسب بين المصلحة والضرر

    لا يكفي أن يكون لصاحب الحق مصلحة مشروعة من وراء استعماله حقه لكي يدرأ على نفسه شبهة التعسف في استعمال هذا الحق ، وإنما ينبغي أن تكون هذه المصلحة على قدر من الأهمية تبرر ما قد يصيب الغير من ضرر ينجم عن استعمال هذ الحق ، فإذا كانت هذه المصلحة قليلة الاهمية بالقياس إلى الضرر الذي يلحق الغير من وراء استعمال الحق ، حقت المسؤولية وتوافر التعسف في استعمال الحق ، إذ لا تعدو المصلحة التي يراد تحقيقها من استعمال الحق الا وسيلة لصرف النظر عن قصد الاضرار بالغير .[3]    

 والمعيار في هذه الحالة معيار موضوعي لا نفسي ، إذ يجب الموازنة فيها بين مصالح ذوي الشأن وهي المصلحة التي يرمى إليها من يستعمل حقه وبين الضرر الذي يلحق بالغير من جراء هذا الاستعمال ، فمتى اختل التوازن بين الأمرين بأن زاد الضرر على المصلحة زيادة كبيرة فقد حقت المسؤولية وإذا كان العكس لم يكن صاحب الحق متعسفاً .

     فإذا كان التصرف الذي قام به صاحب الحق جامعاً بين الاضرار بالغير وتحقيق منفعة لصاحب الحق ، فإنه يجب النظر إلى هذه المصلحة التي تحققت فإن كانت قليلة الأهمية أو كانت عريضة اعتبر صاحب الحق متعسفاً كمن يزرع أشجاراً عالية تحجب الضوء والنور عن جاره فادت إلى تقوية الأرض ، فتقوية الأرض مصلحة عرضية ليست مقصودة .

    ويمكن ان تقوم مسؤولية صاحب الحق حتى لو كانت المنافع التي يروم تحقيقها كبيرة الأهمية بالقياس إلى الضرر إذا أمكن تلافي الاضرار بطريق أخرى ، فمن يقيم موقداً في جهة من حديقة داره لأغراض الشواء يكون مسؤولاً إذا كان بالإمكان إقامتها في جهة اخرى يمكنها حجب الدخان عن دار منزل الجار .

الفقرة  الثالثة : عدم مشروعية المصلحة

   ويجب أن تكون المصلحة من وراء استعمال الحق مشروعة فلا يكفي أن تكون المصلحة التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها كبيرة وهامة بل يجب أن تكون مشروعة ، فليس من السلوك المعتاد أن يسعى شخص تحت ستار استعمال الحق إلى تحقيق مصالح غير مشروعة . فمن يستعمل حقه لتحقيق مصلحة غير مشروعة يعتبر متعسفاً في استعمال حقه مهما عظمت المصلحة التي يروم تحقيقها من استعمال الحق ، لأن المصالح غير المشروعة لا اعتبار لها في نظر القانون .

     فالتاجر الذي يبيع سلعته بأقل من اسعارها بكثير حتى يستقل باحتكار السوق أو أن يبيع منتجات مصنعه بسعر يقل كثيراً عن تكاليف انتاجها لمجرد الاضرار بمصنع آخر ينتج بضاعة مماثلة وحتى يستقل بالسوق دون منافس ، ورب العمل الذي يفصل عاملاً لمجرد انتمائه إلى نقابة من نقابات العمال كلها مصالح غير مشروعة لا تتمتع بحماية القانون ويعتبر كل من التاجر وصاحب المصنع ورب العمل قد اساء استعمال حقه[4]

المبحث الثاني  : فكرة الحق في القانون الإجراءات المدنية و تطبيقاتها

يتضمن القانون الإجرائي مجموعة القواعد القانونية التي تبين التنظيم القضائي للدولة وتحدد إجراءات التقاضي أمام محاكمها المدنية, ولما كانت إجراءات التقاضي متنوعة ويقوم بها أشخاص عديدون , كان لابد من تنظيم هذه الإجراءات بما يؤدي إلى حسن سير العدالة وتحقيق مصلحة الخصوم. وفي سبيل تبني المشرع لهذا الهدف حرص على تقسيم الخصومة أمام القضاء إلى مراحل متعددة ومرتبطة فيما بينها بحيث تكون في النهاية وحدة واحدة تؤدي إلى تحقيق الغاية من هذا التنظيم وهي صدور الحكم الفاصل في موضوع النزاع, وبما يؤدي إلى استقرار الحقوق والمراكز القانونية.

وفي تنظيمه للخصومة المدنية وضع المشرع جملة من القواعد التي تبين الحقوق الإجرائية للخصوم,  وفقا لمراكزهم القانونية في الخصومة )مدعين أو مدع عليهم(, ونظم استعمال كل حق من هذه الحقوق

سواء من حيث شكله وميعاده.

 

المطلب الأول :مفهوم الحق في الإجراءات المدنية :

الحق الإجرائي تعبير دارج في الفقه والقضاء للدلالة عن بعض الحقوق التي تتعلق بإجراءات التقاضي والدعوى والدفاع والتنفيذ.

الفقرة الأول : تعريف الحق في قانون الاجراءات المدنية

هو تعبير عام يشمل جميع ما يقرره القانون الإجرائي العام من حقوق إجرائية مدنية كانت أو إدارية أو جنائية,فلا يقتصر مفهومه على ما يقرره قانون المرافعات فحسب؛ بل يعبر عن الحق الذي يكفله القانون الإجرائي بصفة عامة لأطراف الخصومة القضائية أو للغير )1( . وأقصد به هنا الحق الإجرائي المقرر في قانون المرافعات.

وقد اختلف الفقه القانوني في تحديد المقصود به, إذ استعمله جمهور الفقه الفرنسي قاصدا به الحق المتعلق بالعمل الإجرائي أو بإجراءات التقاضي عموما, في حين اختلف الفقه في التشريعات العربية في تحديد مفهومه إلى عدة اتجاهات, فالبعض يرى أنه يتعلق بالعمل الإجرائي أو بإجراءات التقاضي أمام القضاء, وهو المعنى الدارج للحق الإجرائي, والذي يستعمل للدلالة على ما يتعلق بإجراءات المرافعات أو الإجراءات التي يقوم بها القضاة ومعاونوهم والخصوم وكل من يرتبط بمصلحة في الخصومة في سبيلا لقيام بالدعوى والسير في إجراءاتها وإنهاءها.[5]

والبعض يرى أنه سلطة إجرائية يستمدها الخصم من وجوده في مركز قانوني معين لتحقيق المصلحة الخاصة والذاتية له؛ فالحقوق الإجرائية إذا تقتصر على ما يقرره القانون من مكنات تمثل مجموع المصالح الذاتية للخصم, وهذه الحقوق والسلطات الإجرائية تترتب على اكتساب الشخص لوصف الخصم ووجوده في مركز قانوني معين, وهي مقررة لمصلحة صاحبها؛ فله استعمالها أو عدم استعمالها دون إجبار من أحد.

والبعض يرى أن الحق الإجرائي عبارة عن مكنة إجرائية يقررها القانون للخصم. إذ يترتب على المطالبة القضائية اعتبار الشخص خصما, ويترتب على ذلك مجموعة من النتائج القانونية تتمثل في جعل الخصم في وضع قانوني متميز, يمكن تسميته بالمركز القانوني للخصم, ولهذا المركز جانبان, الأول إيجابي: وهو ما يضم الحقوق الإجرائية, والثاني سلبي: وهو ما يضم الواجبات الإجرائية, فالحق الإجرائي إذا؛ عبارة عن مجموع المكنات الإجرائية التي يقرها القانون الإجرائي للخصم بهدف إضفاء الحماية

الإجرائية على الحقوق الموضوعية. في حين ذهب البعض إلى أن الحق الإجرائي عبارة عن مكنة أو سلطة أو مقدرة إجرائية منحها المشرع لشخص له صفة معينة حتى يمكنه من اتخاذ إجراءات قضائية من طبيعة معينة, فهو سلطة لصاحب الصفة في الالتجاء للقضاء لحماية حق من الحقوق التي يدعيها  .  في الوقت الذي يرى البعض أن الحقوق الإجرائية هي المكنات أو الرخص التي تنشأ للخصوم أو للغير في بعض الأحيان للقيام بعمل إجرائي أو شكلي وفقا للقانون في خصومة قائمة أمام القضاء أو بسببها .. وأيا ما كانت الفروق بين الاتجاهات السابقة أو الانتقادات الموجهة إلى بعضها والتي لا يتسع المقام لسردها فإن الحقوق الإجرائية هي مجموعة من الوسائل التي يكتسبها الشخص مباشرة نتيجة اكتسابه -وصف الخصم أو لصاحب الصفة عند طلب الحصول على الحماية القضائية أو التنفيذية أو بسببها لإضفاء الحماية القضائية على حقوق الخصم الموضوعية.[6]

 الفقرة الثانية :كفاية المصلحة لوجود الحق الإجرائي:

يرى غالبية الفقه القانوني كفاية شرط المصلحة لقبول الطلب القضائي وتقرير الحقوق الإجرائية المترتبة عليه, دون حاجة لاشتراط وجود الحق الموضوعي؛ إذ تكفي المصلحة بأوصافها التي حددها المشرع ،لقبول أي دعوى أو طلب أو دفع أو منازعة في التنفيذ, ولا يشترط في ذلك وجود الحق الموضوعي, إذ القول باشتراط وجود المصلحة الشخصية و المباشرة التي يقرها القانون, وأن تكون هذه المصلحة جدية ومشروعة, كاف لتحقيق الاستعمال المشروع لحق التقاضي بعيدا عن أي انحراف أو تعسف.

وشرط المصلحة متفق عليه في القانون الإجرائي في كافة الدول, وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية بنصه على أنه "لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة, والأهلية,  والمصلحة, لإثبات حقوقه ". و كذلك المشرع الموريتاني من خلال قانون الإجراءات المدنية و التجارية و الإدارية . في هذا يضيف القانون المغربي إلى المصلحة شرط الصفة, وشرط الأهلية,  في حين يكتفي المشرع الموريتاني  بالنص على المصلحة باعتبارها الشرط الوحيد لقبول الدعوى أو الطلب أو الدفع أما القضاء.

ومعنى ذلك أن الدعوى لا تكون مقبولة, إذا لم تكن للمدعي مصلحة فيها, وهذا ما أكده القضاء المغري, في العديد من أحكامه والمصلحة يعتد بها سواء كانت مادية أو أدبية, كل ما هنالك أنه يتعين أن تستوفي مجموعة من الشروط, حصرها الفقه في ثلاثة شروط, هي: أن تكون المصلحة قانونية, وأن تكون حالة وقائمة, وأن تكون شخصية.

الفقرة الثالثة: العلاقة بين الحق الإجرائي والمركز القانوني الإجرائي:

الحق الإجرائي يستمد وجوده من وجود الشخص في مركز قانوني إجرائي, وهذا الأخير يتواجد على إثر وجود الحق في طلب الحماية القضائية, وهو ما يتحقق بتوافر المصلحة المشروعة للحق في طلب الحماية القضائية, ومن ثم فإن هناك علاقة بين توافر المصلحة في طلب الحماية القضائية, وفكرة المركز القانوني الإجرائي, وما يترتب عليه من اكتساب وصف الخصم, وما يتعلق به من اكتساب الحقوق الإجرائية والالتزام بالواجبات والأعباء الإجرائية, والمركز القانوني الإجرائي هو وصف قانوني ينشأ

لمن له المصلحة المشروعة في طلب الحماية القضائية أو من يراد الاحتجاج عليه بها ويترتب عليه اكتساب الشخص للحقوق والالتزامات التي يفرضها عليه القانون الإجرائي ومن ثم فإن تواجد الشخص في مركز قانوني إجرائي هو ما يتيح له حرية ممارسة الحقوق الإجرائية من ناحية, والالتزام بالأعباء والواجبات الإجرائية من ناحية أخرى, والمركز القانوني الذي يترتب عليه تمتع الشخص بالحقوق الإجرائية, يفرض على نفس الشخص واجبا مقابلا في نفس الوقت, وهو واجب ممارسة تلك المكنات بحسن نية, وألا يتعسف في استعمالها [7]

المطلب الثاني: تطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق في قانون الاجراءات المدنية

             من ابرز ما يضطلع به القضاة من اعمال هي النظر في الدعوى المعروضة أمامهم وإصدار الأحكام القضائية و الفصل بين المتخاصمين عن طريق اجراءات شكلية حددها القانون و الزم القضاة و المتقاضين باحترام هذه المسطرة منعا من التعسف في استعمال الحق الذي يمنحه القانون للمتقاضين عد ممارسة الدعوى المدنية .

الفقرة الأولى : عناصر إساءة استعمال الحق و معايير تطبيقه على أعمال القُضاة

    بما إن القانون قد منح القاضي سلطة ممارسة القضاء واعطاه العديد من الحصانات والضمانات فيمكن تصور صدور التعسف في استعمال هذا الحق من القضاة، إذ نقسم هذا المطلب إلى  فرع أول  عناصر اساءة استعمال الحق في إعمال القضاة ، أما الفرع الثاني معايير اساءة استعمال الحق في اعمال القضاة .[8]

 

 

أولاً:  ممارسة اعمال القضاة :

     تحتل وظيفة القضاء مكاناً مهماً في النظام القانوني في  مختلف التشريعات وذلك لسمو هذه الوظيفة  ولعظم المهام الجسيمة الملقاة على عاتق القضاة ، إذ تمنحهم سلطة ممارسة القضاء ، بما في ذلك الفصل في المنازعات التي تحصل بين الافراد .

   وقد يتصرف القاضي بنحو يؤدي إلى خسارة أحد الاطراف الدعوى بسبب طلب من القاضي ، كأن يطلب القاضي من أحد الخصوم اجراءات متعددة أو انتداب الخبراء دون أن يكون لها داع بالمعنى الحقيقي بحيث لا تؤدي طلبت القاضي هذه سوى إلى المماطلة أو تكليف الخصوم مبالغ طائلة دون أي مسوغ قانوني لها ؛ ما دام مسار القانوني متجهاً نحو سلوك قرار معين فيحسم الدعوى . أو قد يقوم قاضي_ مثلا _ بتطليق زوجة من زوجها بغية الزواج منها .فهذا القاضي استغل و انحرف بإعمال وظيفته  ، وكان قصده جلب المنفعة لنفسه عن طريق الزواج منها ، أو قد يقوم قاضي بشراء عقار متنازع  عليه وأخذه لنفسه.[9]

   والتساؤل: هل يمكن مسألة القاضي مدنياً عن مثل هذه الانحرافات التي تؤدي إلى التعسف في استعمال القاضي لسلطته ؟ .

    الأصل أنه لا يسأل القاضي لأنه يتمتع بحصانة قضائية ولا يجوز رفع دعوى ضده الا عن طريق الشكوى من القضاة  ، لكن إذا اثبت المضرور أن القاضي قد استعمال حقه استعمالاً غير جائز في استخدام سلطته بحيث تعمد الاضرار بأحد اطراف الدعوى فله الحق أن يطالب بالتعويض على أساس التعسف في استعمال الحق . ويصبح استعمال الحق غير جائز في الاحوال الآتية :

أ‌-                    إذ لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الاضرار بالغير  . 

ب‌-               ب – إذ كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الاهمية بحيث لا تتناسب مطلقاً مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها .

ج- إذ كانت المصاح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة  .

ثانياً: تحقق الضرر:

    يعد ركن الضرر من عناصر المسؤولية عن التعسف في استعمال الحق من العناصر المهمة التي تقوم عليها تلك المسؤولية ، إذ لا يكفي لقيام المسؤولية عن التعسف مجرد الانحراف في استعمال الحق ، بل يتعين أن يترتب على هذا الانحراف عن الغاية من استعمال الحق ، والضرر هو الاذى الذي يصيب الشخص من جراء المساس بحث من حقوقه أو مصلحة مشروعة له سواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة متعلقة بسلامة جسمه أو عاطفته أو بماله أو حريته أو شرفه أو اعتباره. 

    كقيام القاضي بطلب اجراءات طويلة ومتعددة من أحد الخصوم أو انتداب الخبراء دون أن يكون لها داعِ بالمعنى الحقيقي بحيث تؤدي هذه الطلبات بالإضافة إلى المماطلة والتسويف إلى احداث اضرار مادية وتكليف الخصوم مبالغ طائلة دون مسوغ قانوني .

    وقد نص التقنين الالماني على أنه (( لا يباح استعمال الحق إذ لم يكن من غرض له سوى احداث ضرر بالغير ))..

   ويتحقق الضرر عندما يقوم القاضي بترجيح مصلحته الشخصية على مصلحة الخصوم في الدعوى ، ولو لم يكن لديه أي نية في الاضرار اطلاقاً..[10]

ثالثاً :علاقة السببية:

   يشترط وجود علاقة سببية بين انحراف القاضي في استعماله لسلطته والضرر الذي يصيب الخصوم من جراء ذلك ، حتى تترتب المسؤولية عن اساءة استعمال الحق  ، إذ لا يسأل القاضي عن اضرار الخصوم إذ لم يكن متعسفاً في استعمال سلطته وصلاحية كقاضِ فلا يسأل القاضي عن افلاس أحد الخصوم إذ تم التنفيذ الجبري على جميع امواله واستولى عليها الدائنون إذ لم يقدم القاضي بأي تصرف أو اساءة باستعماله سلطته كقاضِ.

 

الفقرة الثانية : معايير اساءة استعمال الحق في اعمال القضاة

جاءت هذه المعايير على النحوي التالي :[11]

 ( 1-من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان

2- ويصبح استعمال الحق غير جائز في الاحوال الاتية :

ا- اذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الأضرار بالغير

ب- اذا كانت المصالح التي يرمي  هذا الاستعمال الى تحقيقها قليلة بحيث لا تتناسب مطلقا مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.

ج- اذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها غير مشروعة).

و تنطبق هذه المعايير على اعمال القضاة  في الآتي :

اولا : نية الاضرار بالغير:

     هذا المعيار هو اول صور التعسف اذ وجدت هذه الفكرة منذ القانون الروماني في القاعدة التي تقرر ان (الفعل السيء لا يغتفر) , وهذا معيار ذاتي يحتاج الى الغوص في اعماق النفس البشرية, الا انه يمكن استخلاص العنصر المادي المؤكد للعنصر النفسي من انتفاء اي مصلحة من استعمال الحق استعمالا يسبب للغير ضررا, ويلاحظ انه لا تتوفر هذه الصورة الا اذا كان قصد الاضرار هو القصد الوحيد.[12]

    واذا كان اثبات قصد الاضرار بالغير امرا عسيرا فان القضاء كثيرا ما يستخلصه من انعدام مصلحة صاحب الحق في استعمال حقه كالقاضي الذي يطلب إجراءات قضائية مطوله لا لشيء سوى لأطاله مدة الدعوى.

    وقد درجة قضاء المحاكم الفرنسية في اوائل القرن التاسع عشر على ان من يستعمل حقة لمجرد الاضرار بالغير لأنه يتنافى مع ابسط قواعد العدالة التي تستلزم عدم الاضرار بالغير.

     ونلاحظ يكفي وجود دافع سيء في استعمال الحق لتعييبه واعتباره تعسفي ولا شك ان استعمال الحق بقصد الاضرار هو اكثر صور التعسف قبحا واجدرها بالمنع و معاقبة فاعليها لذا فقد اخذ الرومان بهذا المعيار بالرغم من اتجاههم بإطلاق الحقوق, والجدير بالذكر انه من اسوا الامور ان يتخذ القاضي من حقة في ممارسة القضاء وسيلة لتحقيق غاياته الشخصية ويكون سعيه الحقيقي نية الاضرار بأحد الخصوم لعداوة شخصية او رغبة في انتقام ؛ لان القضاة بشر غير معصومين من الخطأ .

       ومعيار قصد الاضرار بالغير لا يكفي وحده لإقامة دعوى التعسف وإنما ينبغي ان يشترك معه بعض الدوافع المادية الاخرى التي تقيم القرائن على حدوثه, ومرد هذا المعيار يعود الى قواعد الاخلاق في استعمال الحق اذا ان استعمال الحق لإشباع رغبة الاضرار بالغير يتجاهل القادة الاخلاقية في الالتزام والتي ينبغي احترامها.

      ونظرا لصعبة هذا المعيار فلقد لجاء القانون والفقه الى استبعاد العناصر النفسية في المسؤولية التقصيرية , وقد جرى العمل على ان يضطر المدي ان يثبت بان المدعى عليه لم يكن لدية اي مصلحة عند استعمال حقه وان هذا المعيار غير كافي لوحده لأنه في حالات معينة يبدو هذا المعيار واسعا جدا وفي حالات  اخرى يبدو ضيقا جدا.

ثانيا : عدم التناسب بين المصلحة والضرر.

     المصلحة هي المنفعة التي تعود على صاحب الحق سواء كان هو من يستعمل الحق او غيره فالمصلحة هنا ينظر اليها بالنسبة لمن تقرر الحق لصالحة .وفي حالة تقدير التعسف في اعمال القضاة ينظر الى مدى ما يعود عليهم من مصالح نتيجة استعمال سلطتهم القضائية.[13]

وهذا المعيار يتسم بالمرونة والموضوعية على عكس سابقة لأنه سهل اثباته بكافة الطرائق والقرائن المادية البحتة ولا سيما انه سهل التطبيق.

      ويتخذ هذا المعيار صورتين هما غيبة المصلحة في استعمال  الحق وتفاهة المصلحة, ويعبر عن غيبة المصلحة بتعبيرات مختلفة ( انعدام الاسباب الجادة ) او   ( دون باعث قوي) او ( بغير مبرر ) او ( دون حاجة ) وغيرها مما يفيد انه ليس هنالك اي فائدة من استعمال الحق. وعليه فقد قضت الاحكام متى كان استعمال الحق يحقق مصلحة تافهة ضارة او قليلة الاهمية وفي هذه الحالة يكون استعمال القاضي سلطته في القضاء ينطوي على اساءة في استعمال الحق اذا تم تسخيره للأضرار  بالأخرين مقابل مصلحة تافهة وقليلة الاهمية والقيمة لان هذه السلطة لم توظف لذلك على الاطلاق  , كالقاضي الذي يستخدم سلطته متجاوزا  تسلسل الاجراءات القانونية لتعلق القضية بمصلحته الخاصة , كان يقوم قاضي بإصدار امر القاء القبض  على دكتور نتيجة خطا طبي على احد اقرباء القاضي بالرغم من ان  النظام الداخلي لنقابة الاطباء ينص على ان لا يجوز اصدار امر القاء القبض على الطبيب الابعد ثبوت الخطأ , ولكن القاضي استخدم سلطته لتحقيق مصلحة شخصية.

ثالثا : عدم مشروعية المصلحة :

     تندرج في نطاق هذا المعيار  تلك الحالة لتي يهدف فيها صاحب الحق الى تحقيق مصلحة غير مشروعة  , وتكون غير مشروعة اذا ما كان تحقيقها ينطوي على مخالفة لأحكام القانون او متعارضا مع النظام العام او الآداب العامة. وعلى ذلك فمن ينحرف باستعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مشروعة فانه يعد متعسفا في استعمال حقه . وهذا المعيار معيار موضوعي مرن يخول القضاء سلطة كبيرة في مراقبة الحقوق , ويجد بنا القول بان سلطة القاضي في ممارسة القضاء والرخصة الممنوحة له انما وجدت لتحقيق مصلحة مشروعة وإحقاق الحق وإقامة العدل بين الناس . [14]

    ويطلق بعض الفقهاء المصلحة غير القانونية على المصلحة غير المشروعة  , الا ان تعبير المصلحة غير المشروعة ادق واقرب للمعنى المقصود لان مصطلح المصلحة غير المشروعة ينطبق على جميع المصالح التي تتسم بالانحراف سواء في السلوك او الغرض او النتيجة , اما المصلحة غير القانونية فهي تنصرف الى المصالح الغير موافقة للقانون اي انها جزء من المصلحة غير المشروعة وان كان الاثنان ينصبان في قالب واحد وهو الانحراف عن غاية الحق وهدفه .

وعليه لا يجوز استعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مشروعة  ولو كانت المصالح التي تعود على صاحب الحق ذات اهمية كبيرة , والمصلحة المشروعة او القانونية هي المصلحة الجديرة بالحماية القانونية والتي تتفق مع الغاية من تقرير الحق والا يكون ذلك بقصد الاضرار بالغير , فالمصلحة المشروعة هي مصلحة تتفق مع النظام العام و الآداب العامة وهي التي يعترف بها القانون ويحمي.

     وابرز مثال على هذه الصورة احالة قاضي على لجنة شؤون القضاة , بناء على شكوى مقدمة من احد المواطنين ضد القاضي المعني واتهمه فيها بان له علاقة بزوجته , وان القاضي كان يغازلها ويعدها بالطلاق من زوجها باستخدام نفوذه وسلطته , وعن طريق امرأة كانت تقوم بدور الوسيط بينهما , وعن طريق اخذ اقوال الزوجة تبين انها قامت بمحادثة احد الاشخاص عن طريق الفيس بوك وتبين انه قاضي وكانت بحاجة الى لاستشارة احد الاشخاص ممن له المام بالقانون , وشرحت له  رغبتها بإقامة دعوى تفريق ضد زوجها  ومنها نشأت  العلاقة بينهما وتطورت عن طريق الاتصالات الهاتفية وتكررت اللقاءات بينهما . وقد تم ادانة هذا القاضي وتوجيه عقوبة الانذار له . [15]

الفقرة الثالثة : معاير إساءة استعمال الحق الممنوح لأطراف الدعوى

بيان المركز الإجرائي للخصوم في الدعوى, للوقوف على حقيقة مركز كلا الخصمين المدعي والمدعى عليه وقد تعددت اتجاهاتهم في ذلك, على نحو لا يتسع المقام لذكره, وتبعا لهذا المركز الإجرائي للخصوم -فإن هناك عددا من الحقوق والواجبات الإجرائية لكلا الخصمين, بداية من حق التقاضي, وحق الدعوى,  والمساواة بينهم, ومرورا بالحق في الحضور, وواجب الإعلان, والإعذار, والإثبات, والدفاع, والدفوع,  وانتهاء بالحكم في الدعوى والطعن فيه.

و حق التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة التي تثبت للكافة, فلا يسأل من ولج أبواب القضاء تمسكا أو زودا عن حق يدعيه لنفسه؛ إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح, إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق؛ ابتغاء الإضرار بالخصم؛ فإنه تحق مساءلته عن تعويض الأضرار التي تلحق هذا الخصم بسبب إساءة استعمال هذا الحق, وتقدير قيام التعسف والغلو في استعمال الحق وثبوت الضرر الناتج عن هذا التعسف والذي يلحق طالب التعويض فيه, هو مما تستقل به محكمة الموضوع ما دامت أبانت عناصره ووجه أحقية طالب التعويض فيه  .[16]

إذ استعمال الحق في التقاضي وما يتفرع عنه من حقوق إجرائية, لم يعد لدى الفكر القانوني سلطة مطلقة يجوز للشخص استعمالها كيف شاء, وإنما يجب أن يتقيد بالغايات المشروعة لاستعماله؛ بأن تكون لهذا الحق حدود يقف عندها فلا يكون سلطانه مطلقا دون حد يحده, ذلك أن كل حق في ذاته يهدف إلى

تحقيق غاية معينة, وهذه الغاية لا تجيز أبدا الغلو في استعماله, لأن الغلو في العدل غلو في الظلم, والحق إذا بغى أشبه الباطل, ولأن استعماله إلى أقصى حدوده يؤدي إلى ظلم فاحش.

ومن هنا كان لابد أن يكون للحق حدود تحده, وتحول دون التعسف فيه, يستوي في ذلك الحق الموضوعي والحق الإجرائي, فلا يستعمل هذا الأخير وسيلة للتنكيل بالخصم والكيد به, وإلا كان صاحبه

و يكون استعمال الحق بين اطراف الدعوى  غير مشروع في الحالات التالية :

1 - إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة .

2 – إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير .

3 -  إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها لا تتناسب البتة مع الضرر الذي يلحق بالغير .

 4-إذا كان من شأنه أن يلحق بالغير ضرراً فاحشاً غير مألوف .

كما نص المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية على أنه "لا محل للمسئولية المدنية إذا فعل شخص بغير قصد الإضرار ما كان له الحق في فعله, غير أنه إذا كان من شأن مباشرة هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير وكان من الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته, من غير أذى جسيم لصاحب الحق, فإن المسئولية المدنية تقوم إذا لم يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو لإيقافه .

وفي ضوء هذه الضوابط, يمكن القول بأن الحق في التقاضي ليس مطلقا, وإنما مقيد بالضوابط التي نص عليها القانون بشأن استعمال الحق وتتنوع الحقوق الإجرائية التي يجب على الخصم القيام بها إلى أنواع عديدة, منها:

واجب احترام الشكل, وواجب الإعلام بالإجراءات, وواجب الحضور, ومتابعة الإجراءات, وواجب الإثبات, وواجب الكشف عن الحقيقة, وواجب حسن النية, وغيرها من الواجبات المهمة التي تعد ركيزة من ركائز الدعوى المدنية, ويؤدي الإخلال بها إلى الإخلال بإجراءات العدالة ذاتها.[17]

والواجبات الإجرائية تجد مصدرها المباشر في القانون, واتفاق الخصوم وأوامر القاضي يمكن أن تكون مصدرا مباشرا لبعض الواجبات, والانحراف عن هذه الواجبات يثير نوعا من المسئولية يختلف من حيث طبيعته ومضمونه عن نظم المسئولية الأخرى.

فهذه الواجبات تستهدف في المقام الأول تحقيق حسن سير وانتظام العمل القضائي ومن هذه الزاوية فإنها تتصل إلى حد بعيد بالمصلحة العامة.

و إذا كان الحق في التقاضي مكفولا لكل شخص, وكان هذا الحق من الحقوق الدستورية التي لا يجوز حرمان الشخص منها, فإن هذا الحق يجب أن يتوافر فيه حسن النية, فإذا لجأ الشخص إلى القضاء مستعملا حقه في التقاضي مدعيا كان أم مدعى عليه, تعين عليه أن يبتعد عن أساليب المكر والاحتيال,  وألا يتخذ من الحق في التقاضي وسيلة للإضرار بخصمه والكيد له, كما يجب عليه ألا يتعسف في استخدام هذا الحق, وإلا أمكن للمضاربين من هذا التعسف مطالبته بالتعويض.[18]

ذلك أن استعمال الحق في التقاضي باعتباره وسيلة تتضمن سلطات مخولة لشخص معين لتحقيق مصلحة معينة, وهذه المصلحة هي غاية الحق, لم يعد لدى الفكر القانوني سلطة مطلقة يجوز للشخص استعمالها كيف شاء, وإنما يجب أن يتقيد بالحدود المشروعة لاستعماله بأن تكون لهذا الحق حدودا يقف عندها فلا يكون سلطانه مطلقا دون حد يحده , وذلك لأن كل حق في ذاته يهدف إلى تحقيق غاية معينة ,  وهذه الغاية لا تجيز أبدا الغلو في استعماله , لأن "الغلو في العدل غلو في الظلم", فالحق إذا بغي أشبه الباطل , واستعمال الحق إلى أقصى حدوده يؤدي إلى ظلم فاحش.  وقاعدة "الغلو في العدل غلو في الظلم" قاعدة رومانية قديمة تستند إلى فكرة مقتضاها أن تتقيد الحقوق بتحقيق غاياتها, وهو ما يقتضي الرقابة على تحقيق هذه الغاية, وهي فكرة أخلاقية قال بها الرومان منذ القدم , فإذا كانت ثمة قاعدة قديمة تقرر )ما ظلمك آخذ بحقه( أو )من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ للغير من ضرر(, فإنه وإلى جوارها تقف قاعدة أخرى تقيد الحقوق بغاياتها بحيث تقوم مسئولية صاحب الحق متى استعمله ملتزما بحدود الموضوعية ومع ذلك أحدث ضررا بالغير, وهو ما سمي بالانحراف عن غاية الحق أو ما هو معروف في الوسط القانوني بالتعسف في استعمال الحق إذ تتقيد الحقوق في استعمالاتها, فضلا عن حدودها الموضوعية بحدودها الغائية أي بتحقيق غاياتها".[19]

الخاتمة:

ان الاساس القانوني لنظرية التعسف في استعمال الحق هو مبدأ العدالة، ذلك ان القانون يمنح الافراد حقوقا يتصرف بها ما يشاء مع تقييد هذا المنح او هذا الاعطاء للحقوق بان يستعملها دون ان يتجاوز الحدود المرسومة له وفقا لمقتضيات العدالة.

ويكون استعمال الحق فيها غير جائز يترتب عليه الضمان.  وأصبحت السلطة القضائية معياراً لتقدم المجتمعات ورقي الأمم وتحضرها لذا حرصت الدساتير والقوانين على كفالة اداء تلك السلطة لمهامها على وجه يضمن استقلالها و موضوعيتها وعدم قابليتها للعزل .

 بما إن القانون قد منح القاضي سلطة ممارسة القضاء ومنحهُ العديد من الحصانات والضمانات فيمكن تصور صدور التعسف في استعمال هذا الحق من القضاة .

كما يمكن أن يحصل تعسف في استعمال الحق من خلال ممارسة اجراءات التقاضي سواء من طرف القضاة و اطراف الدعوى وهذا ما تم التطرق له في هذا البحث و بعد الدراسة خرجت ببعض التوصيات بالتوصيات اجملها في ما يلي :

1.                  يجب على القاضي دراسة الدعوى بشكل جيد بحيث يبذل ما بوسعه ويتحدى الصواب للوصول لرؤيا وقرار صحيح في الدعوى المنظورة عند اصدار الحكم القضائي , وعليه أن يتمهل ويمعن النظر , فالقاضي ملزم بمراعاة القانون إذ يجب أن يكون الحكام القضائي موافقاً للقانون ؛ وعليه فإن القانون غير ملزم بأن يكون الحكم القضائي صحيحاً فهو اجتهاده الشخصي وهو لا يحاسب على اجتهاده الشخصي ما لم يهمل أو يقصر. وبالتالي يؤدي ذلك الى اشاعة الامن والطمأنينة للوصول الى العدالة الحقة .

2.                  نرى من الضروري للفقه الإجرائي من معالجة الغموض الذي يكتنف الحكم الموصوف بالتعسف بصورة وافية والحيلولة دون الوقوف على قصد المحكمة من الحكم الذي اصدرته وبذا يتحقق الاستقرار هنا باليقين القانوني من خلال معرفة الافراد لمراكزهم القانونية على نحو دقيق ومؤكد وواضح ، اذ يمكنهم ذلك من معرفة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات وهو ما يتيح لهم التصرف باطمئنان استناداً اليها دون خوف او قلق من نتائج هذا التصرف في المستقبل .

3- للوصول الى الاستقرار القانوني والحافظ على مراكز الافراد ، ولتحقيق بالوقت ذاته اليقين القانوني فإننا نقترح تطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق الواردة في القانون المدني على ثنايا قانون المرافعات المدنية.

 

 

 

قائمة المراجع

أولا :الكتب

1.                  احمد ابو الوفا , المرافعات المدنية والتجارية , منشأة المعارف , 1990.

2.                  جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور , لسان العرب , دار بيروت , 1956 .

3.                  حسين عامر , التعسف في استعمال الحقوق , الهيأة المصرية العامة للكتاب , 1998.

4.                  د.أحمد ابراهيم عبد التواب , النظرية العامة للتعسف في استعمال الحق الاجرائي , ط1، القاهرة , 2006 .

5.                  د.ادم وهيب النداوي , المرافعات المدنية .

6.                  د.داليا مجدي عبد الغني , المسؤولية عن اساءة استعمال حق التقاضي , دار الجامعة الجديدة ,2016 .

7.                  د.عباس العبودي, شرح احكام قانون المرافعات المدنية , ط2، دار النشر السنهوري, 2016 .

8.                  د.سليمان مرقس , الوافي في شرح القانون المدني في الالتزامات في الفعل الضار والمسؤولية المدنية المجلد الأول , ط5 ، دون ناشر , 1992 .

9.                  د.عبد المجيد الحكيم وآخرون , ونظرية الالتزام في القانون المدني العراقي , ج1 , مصادر الالتزام , 1980 .

10.             د.عصمت عبد المجيد بكر , اصول المرافعات المدنية , ط1 , جامعة جيهان , اربيل , 2013 .

11.             د.فتحي الدريني , نظري التعسف في استعمال الحق في الفقه الاسلامي , ط1 ، مؤسسة الرسالة , 1967 .

12.             د.وجدي راغب فهمي , النظرية العامة للعمل القضائي , منشأة المعارف , الاسكندرية , 1974 .

13.             عبد القادر محمد القيسي , الحصانة القضائية ومبدأ استقلال القضاء في التشريع الإسلامي والقانون العراقي , المكتبة القانونية , بغداد , 2013.

14.             محمد أمين المعروف بأبن عابدين رد المحتار على الدر المختار , ج5 .

ثالثاً : الرسائل والاطاريح الجامعية :

15.             د.بان عصام محمد , الخطأ القضائي في الدعوى المدنية (دراسة مقارنة ) ، اطروحة دكتوراه

16.             حاتم حيال شريف، المسؤولية التأديبية للقضاة في القانون العراقي ، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة بغداد ، 2014.

 رابعاً : البحوث القانونية :

17.             د.عادل شمران حميد ، التعسف في استعمال حق التقاضي ، بحث منشور في مجلة اهل البيت ، العدد 20 ، 2016.



.داليا مجدي عبد الغني , المسؤولية عن اساءة استعمال حق التقاضي , دار الجامعة الجديدة ,2016 , ص8 .

.داليا مجدي عبد الغني , المسؤولية عن اساءة استعمال حق التقاضي , دار الجامعة الجديدة ,2016 , ص83 .

 

ابن فرحون , تبصرة الحكام , ج1، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1971 ، ص152 , 153 .

 

د.عادل شمران حميد , التعسف في استعمال حق التقاضي , بحث منشور في مجلة اهل البيت , العدد 20 , 2016، ص 5

د.عادل شمران حميد , التعسف في استعمال حق التقاضي , بحث منشور في مجلة اهل البيت , العدد 20 , 2016 ، ص 5

 

د.أحمد ابراهيم عبد التواب , النظرية العامة للتعسف في استعمال الحق الاجرائي , القاهرة , 2006 , ط 1, ص387 .

 

د.داليا مجدي عبد الغني , المسؤولية عن اساءة استعمال حق التقاضي , دار الجامعة الجديدة ,2016 , ص 178 مرجع سابق  .

 

د.عباس العبودي , شرح احكام قانون المرافعات المدنية , دار النشر السنهوري , الطبعة الثانية , 2016 , ص94  . 

(1)   محمد أمين المعروف بأبن عابدين رد المحتار على الدر المختار , ج5 , ص352 . 

(1)   د.عصمت عبد المجيد بكر , اصول المرافعات المدنية , اربيل , جامعة جيهان , الطبعة الاولى , 2013 , ص140 . 

د.ادم وهيب النداوي , المرافعات المدنية لمكتبة السنهوري , بلا ناشر أو سنة نشر, ص346.

عصمت عبد المجيد بكر , اصول المرافعات المدنية , ط1 , جامعة جيهان , اربيل  مرجع سابق ص122, 2013 .

 [11]

د.بان عصام محمد , الخطأ القضائي في الدعوى المدنية (دراسة مقارنة ) , اطروحة دكتوراه مقدمة إلى  كلية القانون , جامعة كربلاء , 2018 , ص123 . مرجع سابق 

د.فتحي الدريني , المصدر السابق , ص89 . 

د.ادم وهيب النداوي , المرافعات المدنية لمكتبة السنهوري , بلا ناشر أو سنة نشر, ص346. 

احمد ابو الوفا , المرافعات المدنية والتجارية , منشأة المعارف , 1990 , ص32 . 

 حاتم حيال شريف , المسؤولية التأديبية للقضاة في القانون العراقي , رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة بغداد , 2014 , ص68  

حاتم حيال شريف , المسؤولية التأديبية للقضاة في القانون العراقي , رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة بغداد  منشورة إلكترونيا , 2014 ,مرجع سابق ص 93. 

احمد ابو الوفا , المرافعات المدنية والتجارية , منشأة المعارف , 1990 ,  مرجع سابق ص66 . 

 د.وجدي راغب فهمي , النظرية العامة للعمل القضائي , منشأة المعارف ,الاسكندرية , 1974 , مرجع سابق ص 166.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات