آخر الأخبار

Advertisement

أساس المسؤولية المدنية عن الأخطاء الطبية - الدكتور محمد شكار - العدد 42 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني


 أساس المسؤولية المدنية عن الأخطاء الطبية - الدكتور محمد شكار - العدد 42 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني


لتحميل العدد بصيغته الرقمية pdf اليكم الرابط أذناه:



https://www.allbahit.com/2022/05/42-2022-26.html



الدكتور محمد شكار

         حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون - استاذ متعاون

 بجامعة انواكشوط

 أساس المسؤولية المدنية عن

الأخطاء الطبية

Base de la responsabilité civile pour faute médicale

 ملخص:

 عرفت معظم التشريعات التي تطرقت للموضوع مهنة الطب بكونها مهنة إنسانية وأخلاقية وعملية قديمة قدم الإنسان أكسبها الحقب الطويلة تقاليد وأعراف تحتم على من يمارسها أن يحترم الشخصية الإنسانية في جميع الظروف والأحوال وأن يكون قدوة حسنة في سلوكه ومعاملته مستقيما في عمله محافظا على أرواح الناس وأعراضهم رحيما بهم بادلا جهده في خدمتهم، وهو تعريف استمد روحه من قسم الشرف الذي وضعه أشهر الأطباء اليونانيين أبو قراط والذي جرى العرف الطبي في العالم بأسره على أن يؤديه كل طبيب قبل ممارسته مهنة الطب وهو القسم المعمول به في الوقت الحالي بطبيعة الحال بعد تعديله بما يلائم المعتقدات الدينية لكل بلد.

Summary:

Most of the legislation that touched on the subject defined the medical profession as being a humane, ethical and practical profession as old as man, which has long been endowed with traditions and customs that necessitate the one who practices it to respect the human personality in all circumstances and conditions and to set a good example in his behavior and straight treatment in his work, preserving people’s lives and their honor merciful to them  He exchanged his efforts in their service, a definition that derives its spirit from the oath of honor established by the most famous Greek physician Hippocrates and which is the medical custom in the whole world that every doctor should perform before practicing the profession of medicine, which is the oath in force at the present time, of course, after amending it to suit religious beliefs  for each country.

مقدمة :

يشير التاريخ الإنساني عبر مراحله المختلفة وصفحاته المتعددة إلى أهمية المسئولية الطبية والتحلي بالضوابط الأخلاقية لدى الطبيب المعالج لحماية المرضى، في إطار ضوابط قانونية وأسس تشريعية، وضعها المشرعون والحكام لتقنين مهنة الطب. ففي الحضارة الفرعونية كانت عقوبة الطبيب إذا أخطأ قد تصل إلى حد الإعدام، وعند الأشوريين إذا أخطأ الطبيب أو لم ينجح في عالج مريض يلتمس لنفسه العذر من الإرادة العليا للآلهة.

وعرفت معظم التشريعات التي تطرقت للموضوع مهنة الطب بكونها مهنة إنسانية وأخلاقية وعملية قديمة قدم الإنسان أكسبها الحقب الطويلة تقاليد وأعراف تحتم على من يمارسها أن يحترم الشخصية الإنسانية في جميع الظروف والأحوال وأن يكون قدوة حسنة في سلوكه ومعاملته مستقيما في عمله محافظا على أرواح الناس وأعراضهم رحيما بهم بادلا جهده في خدمتهم، وهو تعريف استمد روحه من قسم الشرف الذي وضعه أشهر الأطباء اليونانيين أبو قراط والذي جرى العرف الطبي في العالم بأسره على أن يؤديه كل طبيب قبل ممارسته مهنة الطب وهو القسم المعمول به في الوقت الحالي بطبيعة الحال بعد تعديله بما يلائم المعتقدات الدينية لكل بلد.

على اعتبار الطب كفرع من العلوم التجريبية المرتبطة بجسم الإنسان فإن خوله مكانة رفيعة وأهمية بالغة وهو ما تفسره درجة الاهتمام به ذلك أن العقود الأخيرة شهدت تطورات واختراقات متلاحقة في عالم الطب والعلاج تخطت في حجمها وأهميتها كل ما أمكن للإنسان سابقا من تحقيقه فيه هذا المجال، هذه الوثيرة المتسارعة للتقدم الطبي لن تهدأ في أي وقت قريب في ظل الاستثمارات المالية الضخمة التي توجه لتطوير أدوية وعقاقير حديثة ونتيجة لجهود وجيوش العلماء والأطباء الذين يعلمون حول مدار الساعة للتوصل إلى أحدث أساليب التشخيص والعلاج.

هذا التطور الطبي الهائل قد ترافق بتغير مماثل في النظرة العامة للطب ومهمة الأطباء بشكل رفع من سقف التوقعات لدرجة كبيرة وخرج أيضا بالطب الحديث عن مهمته الأصلية المتمثلة في الوقاية والعلاج من الأمراض كما يضح من مجال جراحات التجميل والتلقيح الاصطناعي وغيرها من المجالات التي أصبحت تعرف بغير التقليدية، هذا التشعب خارج مجال الوقاية والعلاج وارتفاع سقف التوقعات العامة بالإضافة إلى السعي الحثيث نحو أساليب أكثر فعالية وتعقيد قد كانت له نتائج باهرة سواء بالتصدي للأوبئة والأمراض الفتاكة وحماية جسم الإنسان أو تحقيق رغبة هذا الأخير في التمتع بقوام رشيق ومظهر جميل عن طريق إصلاح ما أفسده الظهر من معالم للحسن والجمال ومقاومة إرادة الزمن وحكم الطبيعة.

إلا أنه ومقابل ذلك واعتبار لكون مجال الطب محفوف بالمخاطر فإن التقدم السالف الذكر كانت له أيضا نتائج سلبية تمثلت في ارتفاع واضح لحجم الأخطاء الطبية المرتكبة الشيء الذي يحيلنا إلى طرح جملة من التساؤلات تتمحور أساسا حول ما هي الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب؟ وما هي عناصر هذه المسؤولية وعلى من يقع عبء إثباتها؟

المبحث الأول: الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب.

تعرف المسؤولية بأنها حالة شخص الذي ارتكب أمرا يستوجب المؤاخذة وتنقسم بشكل عام إلى مسؤولية أدبية ومسؤولية قانونية الأولى لا تدخل في دائرة القانون ولا يترتب عليها جزاء قانوني وأمرها موكول إلى الضمير والوجدان[1]، في حين تدخل الثانية في دائرة القانون ويترتب عليها جزاء قانوني ولا يتحقق إلا بوجود ضرر لحق شخص آخر غير المسئول عنها وقد تكون جنائية كما قد تكون مدينة وباعتبار هذه الأخيرة هي موضوع اهتمامنا فهي قد تكون عقدية كما قد تكون تقصيرية.

  المطلب الأول: تكييف المسؤولية المدنية للطبيب.

  سنتناول هذا المطلب بتقسيمه إلى فقرتين نتحدث عن نظام المسؤولية العقدية والتقصيرية للطبيب (فقرة أولى) وتكيف العقد الطبي (فقرة ثانية).

  الفقرة الأولى: نظام المسؤولية العقدية والتقصيرية للطبيب.

  الواقع أن عدم تناول المشرع في عديد من الدول تنظيم المسؤولية المدنية للطبيب أثار نقاشا حول تكييفها وجعل الفقه والقضاء يترددان بين اعتبارها مسؤولية تقصيرية أم عقدية فالمسؤولية العقدية مصدرها العقد وبالتالي الإدارة وتنشأن عن الإخلال بالتزام معدرة العقد، وهو التزام متغير تباعا لما اشتمل عليه العقد من شروط والدائن والمدين مرتبطين فيها قبل تحقق المسؤولية، في حين المسؤولية التقصيرية مصدرها القانون تنشأ متى كان الإلتزام الذي وقع الإخلال مصدره العمل الغير المشروع وهو واحد لا يتغير ويتمثل في عدم الإضرار بالغير والمدين فيها عادة أجنبيا عن الدائن[2]

  لا تخرج المسؤولية المدنية للطب عن هذه التقسيمات، وهي إما مسؤولية تقصيرية في حالة انتقاء العقد بين الطبيب والمريض المصاب بالضرر أو مسؤولية عقدية إذا كانت نتيجة رابطة عقدية بين المريض والطبيب.

وقد ظل القضاء الفرنسي يعتبر مسؤولية الطبيب المدنية مسؤولية تقصرية إلى أن أصدرت الغرفة المدنية بمحكمة النقض الفرنسية قرارها الشهير سنة 1936. حيث أعطى للقضاء الفرنسي اتجاها آخر اعتبر فيه الطبيب مرتبطا بعقد مع مريضه يلتزم بقتضاه ليس بشفائه من المرض لكن بتقديم عناية يقظة تتطلبها له أحوال المريض الصحية، وأن إخلال الطبيب بهذا الالتزام تتولد عنه مسؤولية عقدية.

وفي الوقت الذي استقر فيه القضاء الفرنسي على اعتبار المسؤولية المدنية للطبيب مسؤولية عقدية إلى في بعض الأحوال الإسثنائية فإن القضاء في المغرب لا زال يتأرجح بين مسؤوليتين حيث أن القضاء المغربي كان يكيف العلاقة بين الطبيب والمريض على أساس تقصيري ويطبق عليها الفصلين 77-78 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي[3] إلى غاية صدور قرار عن محكمة الاستئناف سنة 1946[4] اعتبرت بمقتضاه أن العلاقة بين الطبيب والمريض تكون عقدية وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأحكام اعتبرت مسؤولية الطبيب تقصيرية كالحكم الصادر عن المحكمة التقصيرية بالناظور[5] حيث اختار تطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية.

  يستخلص مما سبق، أن المسؤولية في ظل القوانين التقليدية الحالية لا تعكس واقعها الحقيقي وإطارها الصحيح ويرجع ذلك إلى قلة عدد القضايا المتعلقة بالمسؤولية المدنية للطبيب بالإضافة إلى عدم مقاضاة الأطباء وذلك راجع إلى القصور القانوني وقلة الوعي لدى فئات عريضة من المواطنين المتضررين بإمكانية مطالبة الأطباء مدنيا بحقهم في التعويض ولعله أصبح من اللازم تدخل المشرع لتقنين مسؤولية الطبيب المدنية عن أخطائه، خصوصا مجال التأمين الذي أصبح يشمل المسؤولية المدنية سواء منها التقصيرية أو التعاقدية سوف يخفف العبء عن الطبيب لتغطية الأضرار الاقتصادية التي قد تلحق به أثناء مزاولته لمهنة الطب عندما يكون مطالبا بالتعويض[6]. 

  وأخيرا تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان الأصل في مسؤولية الطبيب تجاه المريض مسؤولية عقدية فإن هذا لا ينفي إمكانية قيام المسؤولية التقصيرية تتجلى أهم صورها فيما يلي:

  - حالة وصول الخطأ الطبي إلى الخطأ الجنائي:

يعتبر الفقه والقضاء أن وصول الخطأ الطبي إلى درجة الجرم الجنائي يوجب تطبيق المسؤولية التقصيرية حتى ولو كان هناك عقد بين الطبيب والمريض على اعتبار أن خطأ الطبيب في هذه الحالة يكون إخلال بقواعد القانون الجنائي يترتب عنه ضرر خاص وبالتالي يكون الطبيب قد أخل بإلتزام مصدره القانون وهو ما يمكن المتضرر من إقامة دعوى التعويض على أساسه وتباعا للدعوة الجنائية أمام القاضي الجنائي ولو كان مصدر العلاقة عقدا.

وتتجلى المسؤولية التقصيرية الناتجة عن جرم في بعض التصرفات الصادرة عن الطبيب خارج الأخطاء التقنية ومن ذلك عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر الفصل 431 من القانون الجنائي، إفشاء السر المهني الفصل 446.

- انعدام العقد أو عدم صحته:

ويقع ذلك في الحالات التي تنعدم فيها الرابطة التعاقدية ما بين الطبيب والمريض، حيث متى انعدمت هذه الرابطة فإن مسؤولية الطبيب هي مسؤولية تقصيرية، ومثال لذلك: إذا تدخل الطبيب تلقائيا من غير دعوته من طرف المريض، كما الوهن لإنقاد ضحية حادثة سير في الطريق، أو تدخل لإنقاد غريق، فتدخله هذا ألا يتم بناء على عقد ولا تعتبر دعوة الطبيب من قبل الجمهور بمثابة إيجاب من المريض ما دام الجمهور، لا صفة له في النيابة عن المريض.

 

 

الفقرة الثانية: تكييف العقد الطبي.

تصنف العقود إلى عقود مسماة وعقود غير مسماة،[7] العقد المسمى هو العقد الذي نظمه المشرع وأعطاه إسما خاصا يعرف به من بين سائر العقود وأفرد له أحكاما مميزة له (كعقد البيع)، والعقد غير المسمى لم يظفر بتنظيم خاص ولم يفرد له المشرع اسما خاصا فهو متروك لإدارة المتعاقدين يكيفونه حسب مشيئتهم.

وقد اختلف الفقه في تصنيف العقد الطبي بين عقد من نوع خاص اعتبارا لظروفه الخاصة ولما يترتب عنه من التزامات تمتاز بالخصوصية المتجلية في:

- ارتباطه بشخصية الطبيب وما ينجم عنها من ثقة المريض فيه.

- قابليته للإنتهاء بالإدارة المنفردة لأحد عاقديه:

- ارتباطه بجسم الإنسان وما يتولد عن ذلك من ضرورة وعي الطبيب بجسامة  مهمته.

وحسب الفقيه "بان سافاتي"، أن أهم ما يميز العقد الطبي هو تلك السلطة التي تخول للطبيب على جسم المريض.[8]

أما الإتجاه الذي صنف العقد الطبي ضمن خانة العقود المسماة، حاول إلحاقه ببعض العقود التي نظمها المشرع تعقد الوكالة و عقد الشغل كعقد المقاولة.

العقد الطبي عقد شغل :

لقد ذهب بعض الفقهاء، إلى أن الطبيب يرتبط بالمريض بمقتضى عقد شغل، أو "عقد إجازة  الخدمة" إلا أنهم انتقدوه حيث أنه لا يمكن تكييف العقد الطبي على أساس أنه عقد إجازة خدمة أو لا عقد شغل وذلك لأن أهم ما يميز عقد الشغل عن باقي العقود هو معيار التبعية القانونية، وهو أهم عنصر يفتقده العقد الطبي، ذلك أن الطبيب وضمن مؤسسة الطب الحر يمارس مهنته من غير أن يكون تابعا للمريض[9].إضافة إلى أن قبول تكييف العقد الطبي على أساس أنه عقد شغل، سيؤدي إلى تمنيع الأطباء بامتيازات أكثر بحيث يستفيدون بالمقتضيات التي جاء بها قانون الشغل لحماية الإجراء.

العقد الطبي عقد وكالة :

اعتبر الفقه الفرنسي وعلى رأسهم الفقيه "بوتيه" أن عقود المهن الحرة بصفة عامة، والعقد بين الطبيب والمريض بصفة خاصة هي من قبيل الوكالة. إلا أن هذه النظرة لا تتفق وطبيعة الوكالة إذ أنها تقوم على التزام الوكيل بالعمل القانوني لحساب الموكل  وليس في العلاج أي معنى للتصريف القانوني[10].

العقد الطبي عقد مقاولة :

عقد المقاولة أو إجارة الصنعة، عقد يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين بصنع شيء معين مقابل أجر يلتزم الطرف الآخر بدفعه له ويرى فريق من الفقهاء أن الطبيب يلتزم بعلاج المريض مقابل أجر، وأن له الحرية في اختيار طريقة العلاج، وانتقاء علاقة التبعية إلا أن الأمر ليس كذلك حيث التزام المقاولة التزام بنتيجة، بينما التزام الطبيب هو التزام بوسيلة.

نستشف مما سبق أن هناك عديد من المحاولات الفقهية لتصنيف العقد الطبي، إلا أنها محاولات باءت جميعها بالفشل، ويعتبر الرأي السائد فقها وقضاء أن العقد الطبي غير مسمى اعتبارا لظروف الخاصة ولما يترتب عنه من التزامات تمتاز بالخصوصية.

المطلب الثاني: طبيعة إلتزام الطبيب

إن تحديد نوع إلزام الطبيب تثير عدة مشاكل قانونية وعملية، فقد يبدوا أن هناك إلتزاما واحدا يرتبه العقد الطبي وهو بدل العناية الممكنة من أجل شفاء المريض وليس تحقيق نتيجة معينة، إلا أنه ونظرا للتطور الذي عرفه عالم الطب وظهور تخصصات حديثة أصبح يثار الجدل حول طبيعة التزام الطبيب. هل هو إلتزام بتحقيق نتيجة معينة، وهناك نتساءل عن إمكانيات الطبيب وقدراته في هذا المجال وهذه النقطة كانت من بين النقط المؤثرة في تردد القضاء والفقه في التدقيق في نوع التزام الطبيب إلى جانب أن المسألة تتعلق بجسم الإنسان وبحياته. أم أن هذا الطبيب ملزم فقه ببذل العناية الممكنة لشفاء المريض.

فلتحديد إلتزام الطبيب أهمية بالغة في تقرير مدى مسؤوليته عن الضرر اللاحق بالمريض وعلى العموم فعلى الطبيب كمبدأ عام أن يلتزم بتبصير المريض وإشراكه في القرار الطبي أي إحاطة المريض بالمعلومات  الضرورية والمؤثرة حول أي عمل طبي قد يكون جسمه محلا له.[11]

سنحاول في هذا الصدد التطرق إلى الحالات التي يكون فيها الطبيب ملزم ببذل عناية والحالات الأخرى التي يكون فيها ملزما بتحقيق نتيجة معينة.

الفقرة الأولى: الإلتزام ببذل عناية:

لقد تضاربت الآراء بخصوص طبيعة إلتزام الطبيب هل هو إلتزام ببذل عناية أم بتحقيق نتيجة لكن مما لا شك فيه هو أن الإلتزام ببذل عناية هو الإلتزام الأصلي للطبيب إذ يتلخص هذا الالتزام بالجهود الصادقة واليقظة التي تنفق مع الظروف والقواعد العلمية الثابتة في علم الطب بهدف شفاء المريض.

فالطبيب لا يلتزم بضمان شفاء المريض أو منع المرض من التطور أو ألا يموت المريض، فكل ما على الطبيب هو بدل العناية الكافية للمريض بوصف العلاج الملائم له وتبصيره بمرضه. فإذا ما ساءت حالة المريض لا يعد الطبيب مخلا بإلتزامه إلا إذا قام الدليل على تقصيره في العناية أو وقوع خطأ منه يمكن أن تترتب عليه المسؤولية، في حالة الطبيب الذي يترك مثلا آلة حادة في بطن المريض الذي أجرى له العملية إما سهوى أو نتيجة إهمال، فالتزام الطبيب يبذل عناية وليس بتحقيق نتيجة راجع إلى أنه لا يعقل أن يكون محل العقد حياة إنسان.[12]

فمضمون الإلتزام ببذل عناية تحكمه وتؤثر عليه عدة عوامل منها:

المستوى المهني للطبيب:

من المعلوم أنه إلى جانب الأطباء العامون هناك أطباء اختصاصيون فالالتزامات المفروضة على الطبيب العام ليست نفسها المفروضة على الطبيب الاختصاصي الذي يطلب منه عناية أكثر بحكم تخصصه محصور في اتجاه واحد، لذلك فالقضاء في الغالب يكون أكثر تشددا في تقدير الخطأ المنسوب لهذا الأخير.

القواعد التي تفرضها مهنة الطب ودرجة تقدم العلوم الطبية:

فشفاء المريض يتوقف على اعتبارات خارجة عن إرادة الطبيب كحالة المريض ودرجة مناعة جسمه وكذا مستوى علم الطب في علاج المرض المصاب به هذا الأخير.[13]

حجم الإمكانيات المتوفرة لدى الطبيب

فتقدير مدى العناية التي يبدلها الطبيب مرتبط بالإمكانيات المتاحة له من أجهزة ومعدات طبية ممكنة.

فقرة الثانية: الإلتزام بتحقيق نتيجة:

كما هو معلوم والمطلوب من الطبيب أثناء علاجه لمريضه هو بدل عناية يقطة في نفس مستواه المهني وهذا يعني أنه لا يضمن نتيجة معنية بالذات إلا أنه اعتبار لتطور علم الطب وظهور تخصصات تفرض أحيانا تحقيق نتائج محددة فإن الطبيب يكون مسؤولا عن تحيق هاته النتيجة.

وكمثال على الحالات التي يكون فيها الطبيب ملزم بتحقيق نتيجة نجد.

الجراحة التجميلية: في هذا النوع من الجراحات يكون الطبيب ملزم بالإضافة إلى بذل جهود من أجل العناية بالمريض فهو ملزم تحقيق نتيجة معينة وهي الوعد الذي التزم به الجراح التجميلي لمريضه كتحسين شكله أو شد وجهه إلخ...

 استعمال الأجهزة والآلات الطبية: فبفضل التطور التكنولوجي أصبح الطب المعاصر يعتمد سواء في التشخيص أو العلاج أو الجراحة على بعض الأجهزة والأدوات الطبية واستعمال الطبيب لهذه التجهيزات والمعدات يقتضي منه ألا يلحق أي ضرر بالمريض من جراء استعمالها وأن يضمن سلامته فهو ملزم بتحقيق بنتيجة ويتجه القضاء في هذا المجال إلى تطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية المبنية على الخطأ المفترض لحارس الشيء والتي لا يمكن دفعها من قبل الطبيب إلا بإقامة الدليل على كونه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر وأن الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو قوة قاهرة أو لخطأ المضرور أو لفعل الغير الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود[14].

 نقل الدم وإعطاء السوائل والتلقيح:

  إن الطبيب أو الجهة المكلفة بنقل الدم كمركز تحاقن الدم أو ما يصطلح عليه ببنك الدم مدعو للتأكد من نقاء الدم وسلامته من كل جرثومة يمكن أن تنقل العدوى للمريض وبأن ينقل إليه الدم بما يطابق فصيلته، فالطبيب وإن كان ليس مسؤولا عن شفاء المريض بواسطة الدم الذي يحقنه به لأن التزامه  أساسا هو التزام ببدل العناية اليقظة في العلاج وليس تحقيق نتيجة الشفاء من المرض إلا أنه يصبح ملتزما بنتيجة هي سلامة المريض من كل عدوى يمكن أن يسببه له نقل دم ملوث أو خطير على صحته كأن يكون من غير فصيلته[15].

المبحث الثاني: أساس المسؤولية الطبية و أركانها

إن المسؤولية الطبية سواء كانت عقدية أم تقصيرية تتحقق بقيام ثلاثة عناصر وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر وعبء الإثبات في المسؤولية المدنية .

فماهو أساس هذه المسؤولية؟ و ما عناصرها؟

المطلب الأول أساس المسؤولية الطبية

الفقرة الأولى: أساس المسؤولية الطبية في القانون الفرنسي والمصري

ذهب القضاء الفرنسي والمصري في بداية بحث نوع مسؤولية الطبيب الى انها مسؤولية تقصيرية مبررين هذا بان طبيعة العلاج ونوع الدواء وطريقة إجراء  العملية وغير ذلك من المسائل الفنية الطبية كلها أمور يجهلها الطبيب فلم تدخل في تقديره ولم تنصرف إرادته إليها ، فالتزام الذي يقع على الطبيب موجبه مراعات القواعد والأصول العلمية او الطبية التي لم تنشأ من العقد والالتزامات التعاقدية هي التي أرادها الطرفين وانصرفت اليها إرادتهما المشتركة . وكانت غاية هذا القضاء حماية

مهنة الطب فمن شأن تأسيس المسؤولية على المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي او المادة 163 من القانون المدني المصري المنظمة للمسؤولية التقصيرية الذي من شأنها ان تلقي عبء اثبات الخطأ على عاتق المريض وهذا الاثبات بالغ الصعوبة ولهذا فان هذا القضاء يشجع الأطباء على تقدم العلم وتطوير وسائل العلاج دون ان تلاحقهم شبح المسؤولية.

ولكن يرد على ذلك بان كثير من الالتزامات  التي يرتبها العقد في ذمة احد طرفيه مصدرها القانون كما ان القانون المدني ذاته يضع كثير من الالتزامات  في مرتبة القواعد المكملة لإرادة الطرفين ويستطيعون الاتفاق على ما يخالفها وسنجد في هذه الدراسة ان القواعد المهنية التي تحكم عمل الطبيب الذي يقاس على ضوئها مسلكه فيما اذا شكل خطأ طبي ام لا منشأها القانون او واجبات الطبيب او اخلاقيات المهنة حتى لو لم ينص عليها العقد .

كما ان المسؤولية العقدية هي الأخرى تستلزم اثباتا من المريض بعدم مراعاة مسلك الطبيب الاصول المستقرة في علم الطب .  ولهذا عاد القضاء الى اعتبار مسؤولية الطبيب مسؤولية عقدية فاصدرت محكمة النقض الفرنسية عام 1936 حكماً قررت فيه نشوء عقد بين الطبيب والمريض يلتزم

بمقتضاه الطبيب لا بشفاء المريض بل بتقديم العناية اليقظة التي تقتضيها الظروف الخاصة للمريض والتي تتفق مع المهنة ومقتضيات التطور العلمي ويترتب على الاخلال بهذا الالت ا زم العقدي ولو من غير قصد نشوء مسؤولية من نفس النوع المسؤولية العقدية .

وتبقى مسؤولية الطبيب عقدية حتى لو كان العلاج والرعاية الطبية قد تمت بدون مقابل من جانب المريض اي على سبيل الود او الصدقة وتبقى المسؤولية عقدية حتى بالنسبة للمؤسسات العلاجية كما تبقى مسؤولية عقدية في العلاقة الخاصة بين الأطباء الزملاء وحتى في حالة لو كان الشخص الذي تعاقد مع الطبيب قد ابرم معه اشتراطا  لمصلحة الغير كما هو الحال في عقد صاحب العمل مع الطبيب لعلاج العاملين ولا خوف على تطور مهنة الطب ذلك ان عبء الاثبات لا تتوقف على طبيعة المسؤولية وانما على طبيعة الالتزامات  فالقاعدة انه في الالتزام بتحقيق نتيجة فان عبء الاثبات على المدين المدعى عليه اذ يفترض القانون صدور خطأ منه بمجرد اقامة المدعي الدليل على عدم تحقق النتيجة وفي الالتزامات ببذل عناية عبء الاثبات يقع على المدعي والاصل ان التزم الطبيب هو الالتزام  بذل عناية وليس بتحقيق نتيجة الا في استثنائية.

 

الفقرة الثانية: نتائج الطبيعة العقدية  و التقصيرية للمسؤولية الطبية

حالات تعتبر فيها مسؤولية الطبيب مسؤولية عقدية:

-        التقادم الطويل

-        عدم  افتراض التضامن في المسؤولية العقدية،

-        لا مجال لتطبيق المسؤولية الشيئية حال استخدام الطبيب ادوات وآلات  طبية،

-        التعويض عن الضرر المتوقع فقط .

حالات تعتبر فيها مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية :

-1 عندما تأخذ مخالفة الطبيب التزامه ببذل عناية طابعاً جنائياً )جزائيا  ( اي عندما يعتبر فعله جريمة. وهذه من نتائج مسالة الخيرة بين المسؤولية العقدية والتقصيرية

-2 عندما يتدخل الطبيب من تلقاء نفسه لانقاذ جريح او غريق فقد الوعي .

-3 الحالات التي ينجم عن تدخل المريض ضررا يصيب الغير كاهمال معالجة شخص مختل عقلياً فيصيب الغير بضرر او اصابة الغير من عدوى المريض تحت رعاية الطبيب او بسبب استعمال نفس الآلة او الاداة للعلاج.

-4 امتناع الطبيب عن علاج المريض او انقاذه بلا سبب مشروع فالطبيب وان كان حرا  في مزاولة مهنته وله الحق في مباشرتها بالكيفية التي  يراها الا ان هذا الحق يقيد بواجبات المهنة .

-5 الحالات التي يسلم فيها الطبيب شهادة طبية او تقرير غير مطابق للحقيقة  فثبوت المسؤولية العقدية تجاه الغير مثل تحرير تقرير طبي للعامل بمواجهة صاحب العمل او الضمان الاجتماعي.

-6 دعوى اصحاب المرتد مناقشة الدعوى الورثة ودعوى الغير المتضرر .

-7 مسؤولية الطبيب الممتنع مسؤولية تقصيرية فنحن امام التزام  يفرضه القانون لا العقد في بعض الحالات.

 المطلب الثاني : اركان المسؤولية الطبية

الفقرة الأولى : ركن الخطأ

  يعد الخطأ أول ركن من أركان المسؤولية المدنية  للطبيب، حيث تنتفي المسؤولية بانتفاء الخطأ فهناك صعوبة في وضع تعريف محدد للخطأ، فتضاربت التعاريف، ففقهاء الشريعة الإسلامية عرفوا الخطأ بأنه الخطأ الفاحش الذي لا تقره أصول الطبابة، وعرفه الفقيه مازو بأنه تقصير في مسلك الإنسان لا يقع من شخص يقظ، وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالمسؤولية[16]، وعرفه بلانيول بأنه إخلال بالالتزام سواء كان قانوني أو عقدي.

  و لقد استقر الفقه والقضاء على أن كل خطأ صادر عن الطبيب يوجب مسؤوليته عن ذلك ، نظرا للطابع التقني لمهنة الطب، فإنه يشترط لقيام الخطأ أن يكون محققا، واضحا، متميزا[17]،  ولنبين طبيعة وخصائص الخطأ الطبي لا بد من عرض معيار عرض الخطأ الطبي (أولا)، ثم صور الخطأ الطبي (ثانيا).

أولا: معيار الخطأ الطبي:

  لقد تأرجح الفقه بين معيارين لاستخلاص الخطأ، أحدهما شخصي والآخر موضوعي فالمعيار الشخصي أو الواقعي هو ذلك المعيار الذي يعتمد على البحث في حالة الشخص المتسبب في الضرر نفسه، فالمقياس هنا هو ذات الشخص بحيث يكون مخطأ إذا كان تصرفه يعد انحراف في السلوك بالنسبة إليه[18].

  أما المعيار الموضوعي فيعتمد على مقارنة سلوك من أحدث الضرر بسلوك الشخص المجرد، نضعه في نفس الظروف الخارجية، ويكون إنسان عادي من أواسط الناس.

  ولذلك يميل غالبية الفقه والقضاء إلى تطبيق المعيار الموضوعي وقياس سلوك  الطبيب على السلوك المألوف من طبيب وسط يوجد في نفس مستواه المهني مع مراعاة الظروف الخارجية، ومركزه وكفاءته العلمية كالتخصص ومستواه المهني، وهذا ما استقر عليه القضاء المغربي فقد جاء في الحكم الصادر عن محكمة الإستئناف بالرباط 31/03/1989 (لا يسأل الطبيب إلا إذا ثبت ثبوتا قطعيا بإرتكابه خطأ لا يأتيه طبيب يقظ في نفس مستواه المهني ونفس الظروف الخارجية).

  ثانيا: صور الخطأ:

  يجمع الفقه على أن الخطأ الطبي فهو السلوك غير السوي الذي لا يأتيه عادة طبيب يمتاز بدرجة عادية من الحرص واليقظة، وجد في نفس الظروف الخارجية التي وجد فيها الطبيب المعنى بالمساءلة، ونميز في مجال الأخطاء الطبية بين تلك المرتبطة بالواجبات الإنسانية.

  أ ـ الأخطاء الطبية الناجمة عن الإخلال بالواجبات الإنسانية:

  إن الوظيفة الاجتماعية لمهنة الطب والمبادئ النبيلة التي تقوم عليها وقواعد السلوك الطبي تحمل الطبيب عدة إلتزامات وهي كالتالي:

   عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر:

  طبقا لمقتضيات الفصل 431 من القانون الجنائي فإن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر يعد إلتزاما عاما ومجردا، فهو إلتزام يلتزم به جميع أفراد المجتمع فبالأحرى الطبيب، وقد أكد هذا الإلتزام الفصل 3 من مدونة قواعد السلوك الطبي.[19]

  رضى المريض:

  مبدئيا قبل أن يقوم الطبيب بعلاج أو إجراء عملية جراحية يتعين عليه أخذ رضى المريض وإن تعذر ذلك كأن يكون المريض غير متمتع بكامل الأهلية فإنه تعتد برضاء ممثليه القانونيين أو أقربائه، كما يمكن أن يتدخل الطبيب بدون إذن المريض وذلك في الأحوال الاستثنائية التي تتوفر فيها عنصر الاستعجال[20].

  رفض علاج المريض:

  يجب أن نميز بين حالة رفض الطبيب تقديم خدماته للمريض أصلا والحالة التي يمتنع فيها عن مواصلة هذه الخدمات بعدما كان  قد بدأها، ففي الحالة الأولى فعلاقة الطبيب بالمريض ضمن علاقة تعاقدية. تقوم بناءً على التراضي، وطبقا للفصل 27 من مدونة السلوك الطبي يحق للطبيب رفض تقديم خدماته. أما في الحالة الثانية فبناءً على الفصل 24و 34 و 30 من مدونة قواعد السلوك الطبي فإنه يحق للطبيب قطع علاج المريض في حالة عدم إتباع هذا الأخير لتعليمات الطبيب وعموما فإن إخلال الطبيب بالتزاماته يترتب عليه قيام مسؤوليته المدنية.

  ب ـ الأخطاء الناجمة عن الإخلال بالأصول الفنية والتقنية:

  هذه الأخطاء قد تكون مادية أو عادية ظاهرة لا تتطلب الخبرة للتثبت منها، وقد تكون عسيرة التحديد والتمييز لأن طبيعة الفن الطبي وتقنياته تضفي عليها طابعا خاصا ونذكر منها على وجه الخصوص.

  الخطأ في التشخيص وإختيار العلاج:

  تعتبر مرحلة التشخيص أهم مرحلة في عمل الطبيب وأدقها، فخلالها يحاول الطبيب التعرف على المرض وتحديد وضعه في إطار محدد، واستقر الإجتهاد القضائي على أن مجرد الخطأ في التشخيص لا يثير مسؤولية الطبيب، والذي يجب أخذه بعين الاعتبار في تقدير خطأ الطبيب هو الكيفية التي أنجزها التشخيص والمراحل التي قطعها والطرق المستعملة فيه، وطبقا للفصل 30 من مدونة السلوك الطبي يجب على الطبيب أن يقوم بتشخيص بفائق العناية دون اعتبار للوقت الذي يستغرقه هذا العمل، وله بأن يستعين بخبرات وإمكانيات أطباء آخرين.

  وإضافة إلى تشخيص المرض تأتي مرحلة المعالجة التي تتمثل في اختيار نوع العلاج ذلك إذا أهمل القيام بالمعالجة الضرورية كما لو اتخذ قرار بالمعالجة بناءً على مشاهدته الأولية للمريض فقط.

  الأخطاء الطبية في مجال الجراحة العلاجية:

  يتحمل الطبيب الجراح عدة إلتزامات سواء قبل العملية أو خلالها أو بعدها ويجب أن يكون مسلكه مطابقا للأعراف والعادات المستقرة لمهنة الطب وأصول العلم مع التحلي بالحرص واليقظة اللازمين، ويعد حصوله على موافقة المريض أمر مهم ما لم تكن حالته حالة مستعجلة وهكذا يجب على الطبيب ما يلي:

-        الإطلاع على كافة المعلومات المتعلقة بالمريض قبل إجراء العملية وإجراء كافة الفحوصات اللازمة للتعرف على الحالة الصحية للمريض.

-        الاستعانة بطبيب مختص في التخدير للتدخل قبل الجراحة تخدير المريض بعد فحصه ومراقبته أثناء العملية وبعدها.

-        الحرص على سلامة المريض وتثبيته جيدا على طاولة العمليات لمنعه من السقوط.

-        التصبر والاحتياط أثناء سد الجراح وتطميدها والتأكد من عدم ترك أجسام غريبة بجسم المريض.

الفقرة الثانية: ركن الضرر

لكي نتطرق للضرر كعنصر من عناصر المسؤولية لابد من تحديد مفهوم الضرر (أولا) وأنواع الضرر (ثانيا) وشروط تحقق الضرر (ثالثا).

أولا: تعريف الضرر:

إن الضرر الذي يصيب المريض من جراء خطأ الطبيب هو الذي يبرر حق المريض في المطالبة بالتعويض إذ بدون حدوث لا يتيح الخطأ إمكانية مسائلة الطبيب، وقد عرفه الفقهاء بكونه "الأذى الذي يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو شرفه وعواطفه"[21].

وإلى جانب هذا عرفه المشرع المغربي في مجال المسؤولية التقصيرية في الفصل 98 من ق.ل.ع[22] وأما في مجال المسؤولية العقدية فقد عرفه في الفصل 264 بأنه ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب متى كانا تجين مباشرة عن عدم الوفاء بالإلتزام.

أما القضاء فقد استقر على أن الضرر ركن من أركان المسؤولية، لابد من ثبوته لقيامها، وأن مسألة تقدير الضرر متروكة لسلطة القاضي يراعي فيها الظروف الخاصة بكل حالة.

ثانيا: أنواع الضرر:

أضرار تصيب المريض:

-         تتمثل في مصاريف ونفقات طبية في شراء الأدوية والعلاج والإقامة بالمستشفى.

-         عجز مؤقت يتجلى في فقدان الدخل من جراء التوقف عن العمل.

-         عجز دائم يترك ضررا نفسيا من جراء العاصمة أو اقتصاديا من جراء فقدان العمل.

-         ضرر يتمثل في تشوه الخلق أو الضرر جمالي.

أضرار تصيب الغير:

تتجسد في الضررين، ضرر مادي أشخاصا ينفق عليهم المضرور، وهو ما يصطلح عبر تسميته بالضرر المرتد، وضرر معنوي يتمثل في لوعة الفراق بسبب وفاة المضرور.

ثالثا: شروط الضرر:

أ ـ يجب أن يصيب حقا أو مصلحة مشروعة للمضرور:

يتعين أن يصيب الضرر حقا من حقوق المريض كالحق في الحياة والتمتع بصحة جيدة، الذين لا يسوغ الاعتداء عليهما[23].

وكما يمكن أن يصيب الضرر حقا للغير فموت المريض من جراء خطأ يلحق ضررا بأولاد الميت وزوجته لحرمانهم من النفقة المقررة لهم بمقتضى القانون[24]. وغير أنه إذا ثبت أن الهالك لم يكن يعولهم فإنهم لا يستحقون أي تعويض لإنعدام الضرر، وقد قضت محكمة الاستئناف بالرباط في هذا الإتجاه أنه يتعين أن تم الإدلاء بحجج تؤكد أن الهالك كان يعول والديه وليس فقط درج على إعطائهم جزء من راتبه[25]

إضافة إلى هذا يشترط في الضرر أن يصيب مصلحة مالية، ويضرب الفقهاء مثلا لذلك كأن يكون القتيل كان يعيل شخصا بمقتضى إلتزام مكتوب فإنه يستحق التعويض عن الضرر ولكن يجب أن تكون المصلحة مشروعة[26]

ب ـ يجب أن يكون محققا:

 الضرر الحال والمستقبل:

يتعين أن يكون الضرر محققا وذلك بأن يكون حالا أو كان مستقبلا، فالضرر الحال هو الذي تحقق بالفعل وثبت وجوده كأن يموت المريض، والضرر المستقبل هو ضرر لم يقع بعد ولكنه واقع لا محالة في المستقبل وإن كان يصعب على القضاء تقدير ضرر المستقبل حينما يصبح بالإمكان تقديره.

الضرر المحتمل: 

لا يجب الخلط بين الضرر المستقبل والضرر المتوقع، فالأول محقق في المستقبل، أما الثاني فهو مجرد ضرر يحتمل وقوعه كما يحتمل عدم وقوعه، فإن وقع يصبح ضررا محققا ويستحق عنه التعويض وإن لم يقع فإنه لا يستوجب التعويض عنه لأن الضرر لم يقع أصلا.

 

 

الفقرة الثالثة: العلاقة السببية:

إن العلاقة السببية هي الصلة التي تربط بين الفعل والنتيجة، بحيث يثبت أن الفعل هو الذي أدى إلى حدوث النتيجة، فرابطة السببية تجعل الخطأ علة الضرر وسبب وقوعه[27]. فمجرد ثبوت الخطأ ووقوع الضرر لا يكفي للحكم بقيام المسؤولية، إلا إذا كان هناك رابط الخيط كالرابط الموصل للتيار، فإذا انعدمت رابطة السببية بين الخطأ والضرر انتفت المسؤولية.

ويزداد أمر إثبات علاقة السببية تعقيدا في نطاق المسؤولية الطبية، ويبقى أمر عسيرا للغاية، ولذلك التجأ الفقه إلى البحث عن معيار الرابطة السببية.

ولهذا تعددت النظريات الفقه في موضوع رابطة السببية، فنتج عن ذلك ظهور ثلاث نظريات، نظرية تعادل الأسباب ونظرية السبب القريب ونطرية السبب المنتج واستقر القضاء المغربي[28] على نظرية السبب المنتج وذلك نظرا لإيجابيات هذه النظرية فهي تأخذ معيار التوقع المعقول من أجل تفادي الثغرات لقياسه على السبب المنتج، أي أن الأسباب المعتبرة هي تلك الأسباب التي كان بإمكان الشخص العادي أن يعرف أنها من الممكن أن تؤدي إلى حدووث الضرر.

الفقرة الرابعة : عبء الإثبات في المسؤولية المدنية للطبيب:

طبقا للقواعد العامة فالمريض المدعي هو الذي يقع عليه عبء إثبات عناصر المسؤولية أي يثبت أن الطبيب قد أخطأ وأن هناك ضرر لحق به من جراء ذلك الخطأ وأن الصلة بينها ثابتة.

وإلى جانب هذا فإن إثبات شروط المسؤولية المدنية للطبيب مرتبطة أساسا بنوع الإلتزام الذي يعرفه الفقه بأنه إلتزام لا يرمي إلى تحقيق غاية معينة بل هو إلتزام ببذل الجهود للوصول إلى غرض سواء تحقق هذا الغرض أو لم يتحقق فهو إذن التزام يعمل لكنه عمل لا يضمن نتيجته "وهو ما يسميها الفقه بالتزام ببذل عناية.[29]

وإن كان إثبات الضرر يعد أمرا لا يثير كثيرا من الصعوبات فإن الأمر يختلف فيما يتعلق بإثبات الخطأ والعلاقة السببية في الحالة التي لا يكون فيها الطبيب ملزما سوى ببذل عناية خلافا للحالة التي يكون فيها الطبيب ملزما بتحقيق نتيجة فإنه يكفي لإقامة مسؤولية الطبيب إثبات الالتزام الذي يقع على عاتقه بالإضافة إلى حدوث الضرر.

فعندما يكون الطبيب ملزم ببذل عناية فقط فالمريض يكون من العسر عليه إثبات وجود الخطأ أو العلاقة  السببية بين الخطأ والضرر[30] وذلك لتنوع الميادين العلمية للطبيب في العلاج والجراحة سوء تعلق الأمر بجسم الإنسان أو المواد الكيماوية وهي أمور لا يكاد يفقه فيها أحد شيئا سوى الطبيب مما يجعل القاضي نفسه غير قادر على الإحاطة بالميادين العلمية لمعرفة الخطأ من الصواب.

وإذا كانت مقتضيات المسطرة المدنية تمكن القاضي من الاستعانة بالخبرة لإثبات الخطأ والعلاقة السببية فالأمر لا يخفي علينا تعاطف الخبراء مع زملائهم في المهنة بحكم أن الخبير ينتمي إلى نفس المهنة ويؤدي هذا إلى تفويت الفرصة على المريض لإثبات الخطأ.[31]

وإضافة إلى أن السبب الذي يؤدي بالقاضي إلى الاقتناع بتقرير الخبرة هو جهله بأصول مهنة الطب، وأن المريض، لا يستطيع مناقشة فحوى الخبرة بسبب جهله وعلم فن الطب مما قد يؤدي حتما إلى ضياع حق المريض في التعويض حتى وإن كان محقا فيه.

الخاتمة:

كلما أخل الطبيب بالتزامه تجاه مريضه وتسبب هذا الإخلال في أضرار سواء كانت مادية أو معنوية ، مباشرة  أو غير مباشرة  يكون  من حق المريض المتضرر أو عائلته تتبع الطبيب علي  أساس المسؤولية المدنية وطلب التعويض  ومن جهة أخرى فإن الطبيب المخطئ يكون عرضة لتبعات أخرى  تكتسي صبغة  زجرية.  سواء من خلال المسؤولية الجزائية التي خولتها النصوص العامة أو الخاصة، أومن خلال المسؤولية التأديبية التي منحها القانون المنظم للمهنة ضدّ كل طبيب مخل  بواجباته  المنصوص عليها صلب مجلة واجبات الطبيب و تتجلى  هذه الواجبات خاصة  في ضرورة احترام واجب النزاهة والإخلاص و المبادئ العامة التي تحكم المهنة و بالتالي فإنّ عدم احترام هذه الواجبات يكون منطلق للمساءلة التأديبية.

لكن دراسة مسؤولية الطبيب بوجه عام تعرف بعض الصعوبات لعل أهمها يتعلق بمسألة إثبات الخطأ. بحيث يجد المريض المتضرر صعوبة في إثبات خطأ الطبيب و إسناد المسؤولية إليه مما يحول دون الحصول على تعويضات.

أمّا الصعوبة الثانية فإنها تبرز من خلال عدم تحديد مفهوم الخطأ التأديبي بحيث لا نجد تعريفا واضحا  صلب مجلة واجبات الطبيب  يعرّف هذا الخطأ وترك المجال لهيئة التأديب للاجتهاد في ذلك  وبالتالي فإن الضرورة تدعو إلي إيجاد مفهوم موّحد و دقيق للخطأ التأديبي حتى تقع المعادلة بين الخطأ والعقوبة .

إذا كانت الأخطاء المرتكبة في العمل الطبي العادي تطرح اشكالات فإن الوضع سيزيد تعقيدا حين يتعلق الأمر بأنواع معقدة من الأعمال الطبية التي تتزايد باستمرار ولهذا فلا يسعنا سوى أن ندعوا الباحث العلمي ليتطرق لإشكاليات تطرحها بعض المواضيع في الطب الحديث و ما واكبه من انتشار للآلات الطبية المتطورة الشيء الذي يتطلب توسيع نطاق المسؤولية و تطورها حماية للمريض دون الإخلال بحقوق الطبيب .

 

 

قائمة المراجع

ü             عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الاول، مصادر الالتزام.

ü             أحمد درويش، "مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب، "الطبعة الأولى كلية الحقوق بالرباط المغرب 1989,

ü             محمد حسن المنصور: المسؤولية الطبية، الطبعة الأولى، مطبعة دار النشر 1989.

ü             مأمون الكزبري: نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزام المغربي، الطبعة الثانية مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء.

ü             محمد الكشبور، "نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 1993.

ü             الحسين بندالي، مسار: الخطأ المدني للطبيب، مجلة المناظرة، الطبعة 1998، العدد الثالث.

ü             خالد أمجاط، "إلتزام الطبيب بتبصير المريض" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا والمعمقة، كلية الحقوق أكدال. الرباط - 2004/2005.

ü             حنان كزيري "المسؤولية المدنية لأطباء جراحي الأسنان" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة: كلية الحقوق أكدال الرباط، 2006/2007،

ü             رسالة المحاماة، مجلة، دورية تصدرها هيئة المحامين، العدد: 50 أبريل 1988. 

ü             الهادي مشعب " البيولوجيا والقانون " رسالة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء 1995،1996.

محمد فيصل موسى شديد " الأعمال الطبية المستحدثة أمام القانون" مذكرة للإحراز على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص: كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 1993.



[1]  محمد عبد النباوي" لمسؤولية المدنية لأطباء القطاع الخاص، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، دجنبر 2003. ص: 23-24.

[2]  الدكتور محمد عبد النباوي، مرجع سابق، ص: 25.

[3]  رسالة المحاماة، مجلة، دورية تصدرها هيئة المحامين، العدد: 50 أبريل 1988. 

[4]  قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 29/1/1946، منشرور بمجلة المحاكم المغربية عدد 976. 

[5]  حكم عدد 937 تاريخ 28/6/1996 بالملف المدني 1168/94 (غير منشور)

[6]  محمد عبد النبوي، مرجع سابق، ص: 89-90-91.

[7]  . الدكتور عبد القادر العرعاري، "الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة عقد البيع، الطبعة الثانية، مكتبة دار الأمان 2009، ص: 4

[8] محمد عبد النباوي، مرجع سابق، ص: 78

[9]  د. أحمد درويش، "مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب، "الطبعة الأولى كلية الحقوق بالرباط المغرب 1989 ص: 137- 138.

[10]  محمد عبد النباوي، مرجع سابق ص: 65.

[11]  خالد أمجاط، "إلتزام الطبيب بتبصير المريض" رسالة لنيل دبلوم  الدراسات العليا والمعمقة، كلية الحقوق أكدال. الرباط- 2004/2005، ص: 109.

[12]  د. محمد عبد النباوي، مرجع سابق، ص: 42-43.

[13]  د. محمد عبد النباوي، "مرجع سابق ص: 42-43.

[14]  د. محمد عبد النباوي، مرجع سابق ص: 46-47.

[15]  حنان كزيري ، "المسؤولية المدنية لأطباء جراحي الأسنان" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة: كلية الحقوق أكدال الرباط، 2006/2007، ص: 15.

[16]  الحسين بندالي، مسار:  الخطأ المدني للطبيب، مجلة المناظرة، الطبعة 1998، العدد 3، ص: 57.

[17]  محمد حسن المنصور: المسؤولية الطبية، الطبعة الأولى، مطبعة دار النشر 1989. ص: 66.

[18]  مأمون الكزباري: نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزام المغربي، الطبعة 3، ص: 372.

[19]  عبد النبوي : المسؤولية المدنية لأطباء القطاع الخاص، مطبعة النجاح الجديدة/ دجنبر 2003، ص: 9.

[20]  لقد كان للقضاء رأي في ذلك حيث صرحه محكمة الإستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 20/04/2000. (إن الطبيب المعالج لم يحصل على ترخيص أو إذن من المريض أو من زوجها لإزالة الرحم وإن الأطباء الخبراء الذين قاموا بالفحص بعد استئصال الرحم- أكدوا أنها لم تكن تتشكوا من سرطان  يبرر التدخل السريع من طرف الطبيب).

[21]  قرار محكمة النقض الفرنسية في 30/5/1962، أنظر المسؤولية الطبية : حسين منصور، ص: 112.

[22]  الفصلان 98 من ق.ل.ع عرف الضرر بكونه الخسارة التي لحقت المدعي فعلا أو التي سيضطر على الإنفاق نتائج الفصل المضربه.

[23]  الفصل 23 من مدونة قواعد السلوك الطبي (يجب على الطبيب أن يقدم للمريض كل العلاجات الطبية ويكون همه الأسمى المحافظة على خيانته وتخفيف آلامه، وقد  ورد نفس المضمون في ديباجية دستور منظمة الصحة العالمية.

[24]  الفصلين 115و 124 من مدونة الأحوال الشخصية.

[25]  قرار 5648 بتاريخ 9 دجنبر 1964، أنظر، نظرية الإلتزام مأمون الكزيري، ص: 398.

[26]   رفض الفقهاء الفرنسيين طلب تعويض لفائدة امرأة عن وفاة خليلها بحاجة أن المصلحة المالية غير مشروعة ولا يحق لها المطالبة بالعويض، قرار مجلس الدولة الفرنسي "ماي 1928.

[27]  عبد السلام التويجي: المسؤولية الطبية، ص: 201. .

[28]  قراري المجلس الأعلى 12/11/1958 و 1/4/62 حيث اعتبر الشخص الذي في شارع مظلم وفي جو ممطر، مرتديا معطفا سود يجب الرؤيا مخطئا، لأنه كان بإمكانه أن يتوقع ظهور سيارة مسرعة تصدمه لإنحجاب رؤيته، وفي قرار آخر اعتبرت أن سرعة المتهم ليست هي سبب الاصطدام، بل حركة الضحية غير المنتظمة لأنه لم يعلن عن تحويل اتجاهه إلا في الوقت الذي قام به فعلا.

[29]  د. السهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الأول ص: 231.

[30]  أحمد درويش: مسؤولية الأطباء، رسالة نوفمبر في 1984 بجامعة محمد الخامس أكدال لنيل دبلوم الدراسات العليا في العلوم القانونية. 

[31]  ذ. حسن زكي الأبراش. مسؤولية الأطباء والجراحين المدنين في القانون المصري والقانون، ص: 169.


إرسال تعليق

0 تعليقات