تمظهرات المشاركة السياسية للمرأة وأثرها على التنمية، الدكتور الطيبي محمود ، العدد 46 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث - تقديم ذ محمد القاسمي
رابط تحميل المجلة التي تتضمن المقال بصيغتها الرقمية PDF الرابط أذناه:
https://www.allbahit.com/2022/08/46-2022-24.html
الدكتور الطيبي محمود
دكتور في القانون العام - المملكة
المغربية
تمظهرات المشاركة السياسية للمرأة
وأثرها على التنمية
Manifestations of women’s political participation and its impact
on development
مقدمة :
"إن الاعتراف بدور المرأة في المجتمع وإدراك أبعاده الحقيقية، ينبغي أن يوازيه اعتراف على مستوى الواقع العملي، وذلك من خلال المشاركة الفعالة والفاعلة للمرأة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... من أجل أن تضطلع هذه المرأة بأدوارها الحقيقية والكاملة.
ولأن التطورات العالمية السريعة تزداد حدة، وأصبح دور المرأة أكبر في المجتمع، بعد أن كان لا يتعدى عتبة المنازل، فإن المغرب وكغيره من الدول النامية أصبح ملزما بمنح المرأة الدور الذي يليق بها في المجتمع، باعتبارها جزء أساسي من التطورات الحاصلة، وباعتبارها جزء من المشاريع التنموية التي تستهدف المجتمع ككل.
وتشكل المشاركة السياسية للمرأة أحد أهم المداخل لتشجيع والارتقاء بمكانة المرأة، ومن تم القيام بدورها التنموي إلى جانب الرجل، حيث أن المشاركة في العمليات السياسية وولوجها لمراكز القرار سواء عن طريق التعيين أو عن طريق الانتخاب سيمنحها دون شك فرصا أكثر من أجل المساهمة في المشاريع التنموية.
ضمن هذا الإطار، تجدر الإشارة، أنه رغم التهميش الذي عرفته المرأة لمدة طويلة، إلا أنها كانت دائما حاضرة إلى جانب الرجل في تاريخ المغرب الحديث، سواء قبل الاستقلال ومساهمتها الفعالة في مقاومة المستعمر، أو بعد الاستقلال بمشاركتها في العمليات السياسية رغم ضعف هذه المشاركة، ومن أجل رفع هذا التهميش الذي عرفته المرأة والارتقاء بدورها، فقد صدرت العديد من القوانين وتعديل أخرى، واتخذت مجموعة من الإجراءات من أجل الارتقاء بوضعية المرأة في جل المجالات والميادين، كمدونة الأسرة وقانون الحالة المدنية، ومدونة الشغل والقانون الجنائي، وقانون الجنسية، ورفع التحفظات على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة... وتعزز هذا الورش التشريعي بدستور 2011 الذي أعطى للمرأة وضعية متقدمة، بتنصيصه على مبدأ المساواة بين النساء والرجال والالتزام باحترامه، ليتم تتبع ذلك بصدور مجموعة من القوانين كإجراءات لتفعيل مقتضيات الدستور، إلا أنه رغم التطورات المهمة التي تجسدت على هذا المستوى، إلا أنها لم تصل إلى المبتغى ولم تحقق الأهداف المتوخاة منها، نظرا لوجود مجموعة من الإكراهات، يأتي ضعف التتبع لهذه السياسات كأبرز هذه المعوقات، بالإضافة إلى الثقافة السائدة في المجتمع...
بناء على ما سبق، سأحاول من خلال هذا الموضوع الإجابة على مجموعة من الأسئلة، المتعلقة أساسا، بأهمية المشاركة السياسية للمرأة، والتدابير المتخذة من أجل تحسين المشاركة السياسية للنساء، والأدوار التي يمكن أن تلعبها في التنمية، والإكراهات التي تقف حاجزا في طريق تحقيق المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء، ثم الحديث عن السبل والمتطلبات اللازمة لتشجيع المشاركة السياسية للمرأة. ولأجل ذلك سأتطرق في البداية إلى التدابير المتخذة لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة (الفقرة الأولى)، وأنتقل للحديث عن دور التمكين السياسي للنساء في التنمية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التدابير المتخذة لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة
تعتبر مسألة مشاركة المرأة في العمليات السياسية وصناعة القرار من أهم مطالب الحركات الحقوقية، والنسوية على وجه الخصوص، على اعتبار أن المساواة بين الرجال والنساء في المشاركة السياسية هي جزء من العملية الديمقراطية، ولا يمكن بناء دولة ديمقراطية في ظل واقع يعرف تهميش المرأة، وابتعاد هذه الأخيرة عن العمليات السياسية، فلا طالما كانت المساواة وعدم التمييز بين الناس على أي أسس، إحدى أهم الحقوق التي شكلت جل الاتفاقيات الدولية.
والمغرب كغيره من دول العالم عرفت فيه الحركة النسوية تطورا مهما خاصة بعد الاستقلال، وكانت من أهم مطالبها تعزيز المشاركة السياسية للمرأة المغربية وجعلها في قلب التحولات التي يعرفها المشهد السياسي، هذه المشاركة التي طالما كانت ضعيفة ولا ترقى إلى وضع المرأة باعتبارها جزءا مهما من المجتمع، وحركيته من حركية المرأة.
وإذا كانت المشاركة السياسية للمرأة هي المدخل الأساسي لقيامها بأدوارها من جهة، وتنمية باقي المداخل من جهة أخرى، فإنني في هذه الفقرة سأركز على تمظهرات المشاركة السياسية للمرأة عبر مجموعة من القنوات الأساسية لصنع القرار، كالمؤسسات الانتخابية، والمؤسسات الحكومية ومراكز صنع القرار المؤسساتية، والأحزاب السياسية.
أولا: المشاركة السياسية للمرأة في المؤسسات الانتخابية
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن المشاركة السياسية للمرأة المغربية كانت دائما حاضرة منذ الاستقلال، رغم تميزها بالضعف، فبالإضافة إلى مساهمتها الفعالة إلى جنب الرجل في مقاومة الاستعمار، عرفت أول انتخابات[1] مغربية بعد الاستقلال مشاركة امرأة واحدة من أصل 690 ترشيح، وعرفت انتخابات 1970 مشاركة امرأة واحدة أيضا، لتنتقل هذه النسبة إلى مشاركة ثمانية نساء في انتخابات 1977، ليتضاعف هذا العدد إلى 16 امرأة في انتخابات 1984، هذه التجارب كاملة لم تعرف فوز أي مرشحة من بين كل المترشحين في الانتخابات، إلا أنه في انتخابات يونيو 1993 فازت امرأتين لأول مرة في التاريخ النيابي المغربي، ونفس الرقم سيتكرر في انتخابات نونبر 1997، رغم ارتفاع عدد المرشحات إلى 68 مرشحة[2].
غير أنه في الانتخابات التشريعية لسنة 2002، سيعرف المشهد السياسي المغربي تحولا مهما، بمشاركة 35 امرأة في مجلس النواب، هذه الإنجاز الذي اعتبر في حينه قفزة نوعية بوضعية المرأة خاصة على مستوى المشاركة السياسية، غير أن هذه الارتفاع في مستوى تمثيل المرأة من داخل الهيئة التشريعية جاء كنتيجة اتفاق بين الأحزاب السياسية لتخصيص لائحة وطنية من 30 مقعدا للنساء، ما أدى إلى رفع نسبتهن في المؤسسة التشريعية إلى 10% عوض %0,6 التي كانت في الولاية التشريعية السابقة عليها[3]، بحيث فازت النساء بخمسة مقاعد على مستوى القائمة المحلية، و30 مقعدا جاءت نتيجة لنظام التمثيلية المتفق عليه على مستوى القائمة الوطنية.
هذه النسبة ستعرف تراجعا في انتخابات 2007، بحيث فازت 34 امرأة في هذه الانتخابات، فازت أربع نساء في القائمة المحلية، و30 امرأة في القائمة الوطنية، هذه النتائج التي كرست وضعية المرأة على مستوى المشاركة السياسية، فإذا استثنينا النسبة المخصصة للنساء على مستوى القائمة الوطنية، فإنه على مستوى القائمة المحلية عرفت نوعا من الاستقرار، الأمر الذي يكرس الوضع المهمش للمرأة، رغم المحاولات العديدة من أجل الارتقاء بمستوى مشاركتها السياسية.
ضمن نفس السياق، وفي محاولة لتحسين مشاركة المرأة، جاءت مدونة الانتخابات المعدلة لسنة 2008 بالجديد على مستويين، الأول، إحداث دوائر إضافية ضمن الجماعات الحضرية أو القروية والمقاطعات، وقد تم تخصيص هذه الدوائر الإضافية، بموجب اتفاق بين الأحزاب السياسية، حصريا لترشيح النساء. أما الثاني، فيتعلق بإحداث صندوق خاص بقيمة 10 ملايين درهم، موجه لتعزيز قدرات مرشحات الانتخابات الجماعية ليونيو 2009. وعلى إثر هذا الإجراء تم انتخاب 3428 امرأة من بين 20458 مرشحة لهذه الانتخابات مقابل 127 امرأة في 2003، ليرتفع معدل تمثيلية النساء من %0,54 إلى 10,38%، مع تسجيل حضور ضعيف جدا للمرأة على مستوى رئاسة الجماعات (12 امرأة فقط من بينهن 10 في العالم القروي)[4].
هذا التوجه التشريعي الذي عرفه المغرب من أجل تكريس دور المرأة على مستوى المشاركة السياسية، سيعرف تطورا مهما مع دستور 2011، والقوانين اللاحقة عليه، ففي هذا السياق تم ترسيخ مبدأ المساواة انطلاقا من ديباجة الدستور التي نصت على أن "المملكة المغربية تؤكد وتلتزم ب ... حظر ومكافحة كل اشكال التمييز بسبب الجنس ..." وهو ما تم التأكيد عليه في الفصل 19 من الدستور، "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى... تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء." كما جاء في الفصل 30 من الدستور أنه "لكل مواطنة ومواطن، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية..." فضلا عن ذلك تم التنصيص على إحداث الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، وذلك بموجب الفصل 19 والفصل 164 من الدستور...
هذه المقتضيات وغيرها، ومن أجل تنزيلها، تم إصدار مجموعة من القوانين وتعديل أخرى، من أجل الارتقاء بوضعية المرأة خاصة على مستوى مشاركتها السياسية، ويعتبر القانون التنظيمي لمجلس النواب[5] من بين هذه المستجدات، حيث جاء في مادته الأولى، "يتألف مجلس النواب من 395 عضوا ينتخبون بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة، من بينهم 305 أعضاء ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحلية، و90 عضوا ينتخبون برسم دائرة انتخابية وطنية، مقسمة على جزأين، يتضمن الجزء الأول منها 60 مترشحة، أما الجزء الثاني فيتضمن 30 مترشحا ذكرا لا تزيد سنهم على أربعين سنة.
هذا المقتضى الجديد الذي جاء به القانون التنظيمي لمجلس النواب، أدى بفوز 67 امرأة في انتخابات 2011، سبع نساء في القائمة المحلية، و60 امرأة في القائمة الوطنية، وما يلاحظ، هو أنه رغم ارتفاع نسبة النساء في مجلس النواب، إلا أن هذه الارتفاع جاء من خلال القائمة الوطنية التي خصصت منها كوطا إجبارية للنساء، أما على صعيد القائمة المحلية، فلم تتغير بشكل كبير، حيث فازت سبع نساء فقط في هذه الانتخابات، مقابل أربع نساء في الانتخابات السابقة عليها.
نفس القانون التنظيمي سيعرف تعديلا مهما[6]، خاصة على مستوى القائمة الوطنية، التي خصص 60 منها للنساء، أما 30 فخصصت لكلا الجنسين الذين لا تزيد سنهم عن 40 سنة، وهكذا أصبح بإمكان النساء المنافسة على صعيد القائمة المحلية والقائمة الوطنية بقسميها معا، وهو ما أدى إلى فوز 81 امرأة في الانتخابات التشريعية لسنة 2016، 60 امرأة في القائمة الوطنية، و10 نساء في القائمة المحلية، و11 امرأة في قائمة الشباب.
رغم الارتفاع الطفيف الذي عرفته تمثيلية النساء في مجلس النواب، إلا أن هذه التمثيلية لا زالت تمتاز بالضعف إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد أعضاء مجلس النواب الذي يحدد في 395 عضو، فضلا عن ذلك أن أغلب المقاعد التي فازت بها النساء كانت عبر القائمة الوطنية التي خصصت لها إجبارا، في إطار التمييز الإيجابي الذي انتهجته الدولة من أجل رفع التهميش وتشجيع المرأة على المشاركة السياسية.
في مقابل هذه الارتفاع الطفيف للتمثيلية النسائية من داخل مجلس النواب، تضاعف عدد النساء الفائزات في الانتخابات الجماعية لسنة 2015، مقارنة مع 2009، وهذا الارتفاع جاء نتيجة مجموعة من الإجراءات التنظيمية والقانونية المتخذة من أجل الرقي بوضعية المرأة ونسبة تمثيليتها، فبالإضافة إلى الحفاظ على الآلية التشريعية المتعلقة بإحداث دائرة انتخابية إضافية خاصة بالنساء على مستوى كل جماعة أو مقاطعة جماعية والتي مكنت سنة 2009 من انتخاب 3465 امرأة بمناسبة الانتخابات الجماعية الأخيرة، تم التنصيص كذلك على تخصيص ثلث المقاعد على الأقل للنساء في كل دائرة انتخابية على أن لا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المخصصة للجزء الأول من لائحة الترشيح[7].
نتيجة هذه الإجراءات حصلت النساء في الانتخابات الجماعية لسنة 2015 على 6673 مقعدا أي ما يعادل تقريبا ضعف العدد المسجل خلال الاقتراع الجماعي لسنة 2009، وهكذا ارتفعت تمثيليتهن في الجماعات والمقاطعات.
فضلا عما سبق، تم اعتماد آلية تشريعية من أجل الرقي بتمثيلية النساء داخل مجلس المستشارين تقوم على اعتماد مبدأ التناوب بين الجنسين بالنسبة للوائح الترشيح المقدمة في نطاق الهيئات الناخبة الممثلة في مجلس المستشارين كلما تعلق الأمر بإجراء الانتخاب عن طريق الاقتراع باللائحة[8]، وبفضل هذه الآلية تم الإعلان بمناسبة الاقتراع التشريعي ليوم 2 أكتوبر 2015 عن انتخاب 14 امرأة من أصل 120 مستشارا، مقابل 6 نساء فقط من أصل 270 عضوا في مجلس المستشارين للولاية التشريعية السابقة.
ضمن نفس السياق، ودائما في إطار الإجراءات التشريعية لتحسين تمثيل المرأة، فقد نصت كل من القوانين التنظيمية للجماعات، والعمالات والأقاليم، والجهات، على مجموعة من المقتضيات التي من شأنها الرقي بوضعية المرأة، فالقانون التنظيمي للجهات[9] نص في مادته 19 على أنه "... سعيا نحو بلوغ المناصفة المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور، يتعين على أن تتضمن كل لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث النواب..." كما تم التنصيص في المادة 29 منه على أنه "... يجب أن يراعى في الترشح لرئاسة اللجان الدائمة السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور..."، أما المادة 117 فقد نصت على "إحداث ثلاث هيئات استشارية لدى مجلس الجهة، من بينها هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع..."
نفس المقتضيات سيتم التنصيص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم[10]، في كل من المواد 18 و27 و111، وتم التنصيص أيضا على نفس المقتضيات في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات[11]، في كل من المادة 17 والمادة 26، والمادة 120.
ومن أجل تعزيز حضور المرأة في الهيئات المنتخبة جاء المشرع المغربي بتعديلات جديدة على القوانين الانتخابية، ففيما يخص مجالس الجماعات الترابية فقد جاء القانون التنظيمي رقم 06.21[12]، بتعديلات مهمة تتعلق بدعم التمثيلية النسوية في هذه المجالس وكذا في المجالس الجماعية، فبالنسبة إلى مجالس العمالات والأقاليم، يقر القانون آلية تشريعية لضمان تمثيلية فعلية للنساء داخل هذه المجالس، حيث تتألف لائحة الترشيح من جزئين، ويخصص الجزء الثاني حصريا للنساء ثلث المقاعد لترشيحات النساء، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المخصصة للجزء الأول، كما يحدد المقاعد المخصص للجزء الثاني في ثلث المقاعد الواجب شغلها على صعيد العمالة أو الإقليم[13].
أما بالنسبة للمجالس الجماعية، فإنه ينص على الرفع من عدد المقاعد المخصصة للنساء في مجلس جماعة من الجماعات الخاضعة لنمط الاقتراع الفردي إلى 5 مقاعد، في حين يحدد عدد المقاعد المخصصة للنساء في مجالس الجماعات التي ينتخب أعضاء مجالسها بواسطة الاقتراع باللائحة في ثلث المقاعد الواجب شغلها على صعيد مجلس الجماعة، وفيما يخص الجماعات المقسمة إلى مقاطعات، فقد حدد عدد المقاعد المخصصة للنساء في ثلث المقاعد الواجب شغلها على صعيد مجلس الجماعة برسم كل مقاطعة شريطة ألا يقل عن ثلاثة مقاعد عن كل مقاطعة، وثلث المقاعد الواجب شغلها في كل مجلس مقاطعة[14].
وبفضل هذه التعديلات عرفت تمثيلية النساء في الجماعات الترابية ارتفاعا مهما، حيث انتقلت من 21.18 في المائة في انتخابات 2015 إلى 26.64 في المائة في اقتراع 8 شتنبر 2021.
أما فيما يتعلق بالعضوية في مجلس النواب، قام المشرع المغربي بتعديل نظام الكوطا المعتمد على اللائحة الوطنية وتعويضها باللائحة الجهوية[15] مع الأخذ بعين الاعتبار عدد السكان القانونيين لكل جهة، وذلك بتخصيص ثلاثة مقاعد كحد أدنى لكل دائرة جهوية، وتوزيع المقاعد المتبقية (54 مقعدا) بحسب عدد السكان، على ألا يزيد العدد الأقصى للمقاعد على 12 في أكبر دائرة جهوية[16].
ونصت الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون التنظيمي رقم 04.21[17] على أنه "يجب أن تشتمل كل لائحة ترشيح مقدمة برسم الدوائر الانتخابية الجهوية على أسماء مترشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية، وتخصص المرتبتان الأولى والثانية في كل لائحة ترشيح حصريا للنساء، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المحددة للدوائر الانتخابية المحلية..."
وهكذا أسفرت المحطة الانتخابية 8 شتنبر 2021 عن تقدم ملحوظ في عدد المقاعد التي حصلت عليها النساء، حيث كشفت الأرقام الرسمية لنتائج هذه الانتخابات عن تمكن 96 امرأة من الولوج إلى الغرفة الأولى من البرلمان، من أصل 395 مقعدا، وهو ما يمثل 24.3 في المائة من المقاعد، وحسب المعطيات التي نشرتها وزارة الداخلية على الموقع الخاص بنتائج الانتخابات، فقد انتقلت نسبة النساء داخل مجلس النواب من 20.51 في المائة في المجلس السابق إلى 24.3 في المائة في المجلس الحالي.
وعلى غرار نتائج المحطات الانتخابية السابقة، فإن هذا التقدم مرده إلى سياسة التمييز الإيجابي التي دأب عليها المشرع المغربي منذ حوالي عقدين من الزمن، والذي كان يهدف من خلاله بالأساس إلى تقوية دور المرأة وإفراز قيادات نسائية قادرة على المنافسة، وهو أمر يبدو أنه ما زال بعيد المنال بالعودة إلى عدد المقاعد التي حصلت عليها النساء برسم الدوائر الانتخابية المحلية، حيث فازت ستة نساء فقط بمقاعد نيابية في الدوائر المحلية، وهو ما يمثل تراجعا مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث حصلت النساء آنذاك على 10 مقاعد نيابية برسم الدوائر المحلية.
أما العضوية في مجلس المستشارين، فلم تسفر المحطة الانتخابية الأخيرة عن أي تغيير، حيث حافظت النساء على نفس النسبة التي حصلن عليها في انتخابات 2015، أي ولوج 14 امرأة للغرفة الثانية من البرلمان.
لا شك أن هذه الإجراءات التشريعية إيجابية وكان لها وقع على زيادة تمثيل النساء المنتخبات، غير أن هذه التمثيلية لا زالت ضعيفة، ولم تصل إلى المستوى المنتظر، لضمان أكبر مشاركة نسائية، حتى تقوم المرأة بدورها السياسي، ومنها المساهمة من موقعها التمثيلي في التنمية.
ثانيا: ولوج المرأة للمناصب الحكومية ومراكز صنع القرار
ظل موقع المرأة على مستوى الحكومة يتراوح بين المد والجزر، مع تسجيل أنه كان ولا يزال يمتاز بالضعف، ولم يصل إلى المستوى المطلوب، ولم يحقق الرهان الأساسي، وهو المناصفة.
تبعا لذلك، كانت سنة 1997 محطة بارزة، إذ لأول مرة يعرف المغرب تعيين أربع كاتبات دولة في حكومة تتكون من ثلاثين عضوا، وشكل هذا التعيين منعطفا حاسما في مسار الوعي بضعف تمثيلية النساء في مجال اتخاذ القرار[18]، غير أنه سرعان ما سيتم تقليص هذا العدد إلى كاتبتين دولة في التعديل الحكومي لسنة 1998، هما نزهة الشقروني ككاتبة دولة لدى وزير التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني مكلفة بالمعاقين وعائشة بلعربي، ككاتبة الدولة لدى وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية والتعاون المكلفة بالتعاون التي سيتم تعيينها بعد تعديل 2000 كسفيرة للمغرب لدى الاتحاد الأوروبي ليتقلص العدد بذلك إلى وزيرة واحدة، وكانت أول وزيرة في تاريخ المغرب[19]، وقد ارتفع هذا العدد في الحكومة التي تم الإعلان عنها في نونبر 2002 إلى ثلاث نساء وستواصل نزهة الشقروني حضورها في الحكومة كوزيرة منتدبة مكلفة بالجالية المغربية المقيمة في الخارج، والتي ستضم أيضا كلا من ياسمينة بادو ككاتبة دولة مكلفة بالأسرة والتضامن والعمل الاجتماعي، ونجيمة غوزالي طاي طاي ككاتبة دولة مكلفة بمحاربة الأمية والتربية غير النظامية.
وشكلت سنة 2007 منعطفا حقيقيا نحو تكريس المشاركة النسوية في الحكومة واكتسابها لآليات اتخاذ القرار، حيث سجلت الحكومة التي انبثقت في هذه السنة مشاركة سبع نساء وزيرات في قطاعات حيوية ومهمة، غير أنه في نفس الحكومة، ومع التعديل الحكومي لسنة 2008 سيتم استبعاد وزيرتين وتم الاحتفاظ بخمس وزيرات.
وبعد موجة الحراك الشعبي الذي عرفته دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي يعتبر المغرب جزءا منها، حيث قادت حركة 20 فبراير التي استطاعت أن تجمع كل التعبيرات السياسية، هذا الحراك الذي كان من بين مكتسباته، صدور دستور 2011، وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، وتشكيل حكومة جديدة، وهي التي انبثقت سنة 2012، غير أن هذه الأخيرة لم تحقق تطلعات الحركات الداعية إلى المساواة والحركات النسوية على الخصوص، ورغم التنصيص الدستوري على العمل من أجل تحقيق المساواة والمناصفة، إلا أن المسار التصاعدي الذي كانت تعرفه تشكيلات الحكومة السابقة على 2012 سيتراجع بشكل كبير في الحكومة التي انبثقت في هذه السنة بقيادة حزب العدالة والتنمية، حيث كانت مشكلة من امرأة واحدة فقط هي بسيمة الحقاوي، كوزيرة للتضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وهو ما خلف استياء في صفوف المنظمات النسائية على الخصوص، ووجهت سهام النقد لهذه الحكومة وقيادتها، وتم اعتبار هذا التراجع من طرف الحركات الحقوقية نكسة في مسار تكريس ولوج النساء إلى مراكز القرار في أعلى مستوياتها المتمثلة في الحكومة.
وفي محاولة لتدارك الموقف تم الرفع من تمثيلية المرأة في الحكومة أثناء التعديل الحكومي الذي وقع سنة 2013، إذ انتقلت هذه التمثيلية من امرأة واحدة إلى ست نساء، ومع ذلك اعتبر هذا العدد ضعيفا مقارنة مع عدد أعضاء الحكومة، الذي انتقل من 31 إلى 39 في هذا التعديل، ومقارنة أيضا مع الحكومات السابقة على دستور 2011، والذي كان من المنتظر أن يتم تعزيز مشاركتها في اتخاذ القرار.
كانت الانتخابات التي تم إجراؤها سنة 2016 فرصة لتصحيح الوضع، ومنح فرصة للمرأة في الحكومة الجديدة، هذه الحكومة التي ستنبثق سنة 2017 بعد مسار عسير، وبالفعل فقد كان هناك تقدم طفيف، بحيث تم تعيين تسع نساء في الحكومة الجديدة، من بينهن وزيرة واحدة ويتعلق الأمر ببسيمة حقاوي وزيرة الأسرة، والمساواة والتضامن والتنمية الاجتماعية، وثمانية كاتبات دولة.
هذا التقدم لم يتم الحفاظ عليه، في التعديل الحكومي لسنة 2019 من نفس الولاية الحكومية الذي ضم بالإضافة إلى رئيس الحكومة 23 وزيرا من بينهم أربع نساء فقط.
أما في الحكومة الحالية التي تشكلت بعد نتائج الانتخابات الأخيرة التي تم إجراؤها في 8 شتنبر 2021، والتي أسفرت عن تعيين 24 وزير بالإضافة إلى رئيس الحكومة، فقد عرفت مشاركة ستة نساء كوزيرات في الحكومة بعدما كان عددهن أربع وزيرات في الحكومة التي ترأسها سعد الدين العثماني، أي حوالي ثلث الوزارات، ويتعلق الأمر بنادية فتاح العلوي، التي عينت وزيرة للاقتصاد والمالية، وفاطمة الزهراء المنصوري التي تقلدت حقيبة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وفاطمة الزهراء عمور في منصب وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وكذلك تعيين ليلى بنعلي، وزيرة للانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، وعواطف حيار في منصب وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وغيثة مزور وزيرة منتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.
وهكذا تراوحت المشاركة النسائية في الحكومات المتتالية بين المد والجزر دون أن تعرف أي تقدم حقيقي نحو تحقيق المناصفة والمساواة، ما يوحي بعدم وجود نية حقيقية لتحسين وضعية المرأة، وإعطائها فرصا أكثر للمشاركة في مناصب اتخاذ القرار على أعلى مستوياتها، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ... للبلاد.
فرغم التنصيص الدستوري لسنة 2011 على مبدأ المساواة، وسعي الدولة إلى تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء، وتنصيص القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها[20] على أن الحكومة تتكون من الوزراء رجالا ونساء، إلا أن تنزيل النصوص التشريعية على أرض الواقع لا زال محتشما.
أما على المستوى المناصب العليا، فقد صدر القانون المتعلق بالتعيين في المناصب العليا[21]، وجاء بمجموعة من المقتضيات من أجل تعزيز مكانة المٍرأة في المناصب العليا، ومن ذلك ما جاء في المادة 4، "تطبيقا لأحكام الفصل 92 من الدستور، تحدد كما يلي مبادئ ومعايير التعيين في المناصب العليا...
تكافؤ الفرص والاستحقاق والشفافية والمساواة في وجه جميع المرشحات والمرشحين.
عدم التمييز بجميع أشكاله في اختيار المرشحات والمرشحين للمناصب العليا، بما فيها التمييز بسبب الانتماء السياسي أو النقابي، أو بسبب اللغة أو الدين أو الجنس أو الإعاقة أو أي سبب أخر يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان وأحكام الدستور.
المناصفة بين النساء والرجال، باعتبارها مبدأ تسعى الدولة لتحقيقه طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 19 من الدستور..."
على المستوى العملي عرف ولوج المرأة المغربية نوعا من التحسن، وإن كان لم يصل إلى تطلعات المنظمات الحقوقية والنسوية، إلا أنه مقارنة مع التذبذب الذي عارفته المشاركة النسائية في الحكومات، فإن احتلالهم للمناصب العليا عرف تحسنا طفيفا، وهكذا رأينا العديد من النساء تقلدنا منصب سفير... ورأينا امرأة مستشارة للملك، كما تم تعيين امرأة في منصب الوالي، وكذلك امرأة تشغل حاليا منصب الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات... إلى غير ذلك من المناصب التي تكرس تعزيز مكانة المرأة في مناصب اتخاذ القرار.
من جهة أخرى، يوجد تحسن أخر على مستوى احتلال المرأة لمناصب المسؤولية في الوظيفة العمومية في جل القطاعات، حيث تشير العديد من التقارير إلى التقدم الذي عرفته المرأة في هذا الصدد، إلا أن هذا التقدم يبقى ضعيفا ولم يصل إلى مستوى تحقيق المناصفة الذي تسعى إليه الدولة تطبيقا لمضامين الدستور، وإلى ما تتطلع إليه المنظمات النسوية.
ضمن هذا الإطار، فإنه على الرغم من أن تمثيلية النساء في الإدارات العمومية تبدو أقرب إلى المناصفة، فإنها لا تزال غير قادرة على الوصول إلى مناصب المسؤولية، فإذا كانت نسبة التأنيث في الإدارة العمومية قد حققت في سنة 2016 نسبة 39.7 بالمائة مقابل 60.3 بالمئة للرجال، فإن تمثيل المرأة بمناصب المسؤولية بالكاد يصل إلى 22.2 بالمئة، مقابل 77.8 بالمائة للرجال[22].
لا شك أن ولوج المرأة لمناصب المسؤولية والقرار، قد عرف نوعا من التحسن خصوصا في الألفية الثانية، إلا أن هذا التحسن لم يصل بعد إلى المكانة الحقيقية التي يجب أن تحتلها المرأة، وإذا كانت أغلب التقارير الدولية والوطنية تعترف في هذا الصدد بمستوى التقدم الذي عرفته المرأة المغربية في المشاركة السياسية والولوج إلى مناصب المسؤولية وصنع القرار، فإنها في ذات الوقت، تقر على أن هذا التقدم لا يزال يتسم بالضعف، ولا زال هناك الكثير من العمل والمزيد من المجهودات، من أجل تكريس المساواة بين الرجال والنساء ومأسستها، حتى تكون المرأة قادرة على المساهمة جنبا إلى جنب الرجل في مسلسل التنمية، الذي عرف ويعرف تعثرات متواصلة.
ثالثا: المرأة وصناعة القرار الحزبي
العديد من القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية تقر بحق المرأة في المشاركة السياسية، ولكن إخراج ذلك الحق من إطاره التجريدي إلى الواقع المعاش يتطلب عملا دؤوبا ومجهودا مضاعفا، وتمثل الأحزاب السياسية آلية محورية في تكريس وتشجيع المشاركة السياسية للمرأة، إذ أن الأحزاب هي التي تقوم بتجنيد المرشحين للانتخابات واختيارهم، وهي التي تحدد جدول أعمال السياسات داخل البلد، غير أن الواقع يؤكد على النزعة الحزبية بأن يكون تمثيل النساء على المستوى القاعدي أو في الأدوار الداعمة، بينما يكون تمثيلهن محدودا في مواقع صنع القرار، ولقد ظلت مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية أقل بكثير من مشاركة الرجل[23].
تتمثل أهم وظائف الأحزاب السياسية في التأطير، وتشجيع المشاركة السياسية، وضمن هذا الصدد تلعب هذه الأحزاب دورا مهما وأساسيا في تأطير النساء وتشجيعهن على المشاركة السياسية، من خلال تقديم الدعم لهن، ومنحهن مناصب المسؤولية والقيادة داخل هياكل الحزب، وإعطاء الفرصة للمرأة من أجل الإبداع والممارسة، لا يكون فقط من خلال جعلهن كجيش انتخابي، وإنما عبر منحهن مراكز صنع القرار الحزبي، ومن خلاله المشاركة عبر مختلف المؤسسات ومراكز صنع القرار.
عمليا لا طالما شكلت الأحزاب السياسية بالمغرب أحد نقط الضعف بالنسبة للمشاركة السياسية للمرأة، فهذه الأخيرة لا تزال لا تحظى بالاهتمام اللازم من طرف هذه الأحزاب، كما أن هذه الأخيرة لا تعطي للمرأة المكانة اللازمة من داخل هياكل الأحزاب التي لا زالت تتسم بعدم الثقة في المرأة، ومن أجل الحد من هذا التمييز ومنح فرصة أكبر للمرأة في الممارسة الحزبية، والمشاركة السياسية في صنع القرار الحزبي وتولي القيادة الحزبية، صدر في هذا الإطار القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، والذي نص على أن يعمل كل حزب سياسي على توسيع وتعميم مشاركة النساء والشباب في التنمية السياسية للبلاد، ولهذه الغاية يسعى كل حزب سياسي لبلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء داخل أجهزته المسيرة وطنيا وجهويا، في أفق التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة بين النساء والرجال..."[24]
غير أنه رغم مرور أكثر من عقد من الزمن على صدور القانون التنظيمي فإن المشاركة النسوية في هياكل الأحزاب السياسية لا زالت تتسم بالضعف والتهميش مقارنة مع الرجل، فرغم أن المشهد الحزبي المغربي يعرف وجود أحزاب كثيرة، إلا أن أغلب هذه الأحزاب يتولى زعامتها رجال.
وإذا كان زعماء الأحزاب السياسية يتمسكون بخطابات مشجعة لإدماج المرأة في المجال السياسي، فإن وضعية المرأة داخل الأجهزة التنظيمية والتنفيذية للأحزاب تشير إلى تأخر كبير على هذا المستوى، ورغم ارتباط نشاط الفعاليات النسائية منذ الحماية بالنشاط الحزبي، فإن المرأة لم تستطع أن تكتسح مجال اتخاذ القرار، ولا الأجهزة القيادية للأحزاب السياسية[25]، اللهم استثناءات قليلة من النساء اللواتي يحصلن على العضوية من داخل بعض الأجهزة التنظيمية للحزب، خاصة بعد صدور القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، إلا أن هذه الاستثناءات لا تزال تتسم بالضعف، ولم تحقق ما تتطلع إليه المنظمات النسائية من جهة، ولم تصل إلى المناصفة التي نص عليها الدستور المغربي، ولا بد من مضاعفة الجهود من أجل تشجيع المرأة وتأطيرها من أجل المشاركة الفعالة من داخل الأحزاب السياسية بشكل عام، ومن داخل هياكل هذه الأحزاب وتولي قيادتها بشكل خاص، على اعتبار أن الأحزاب السياسية هي إحدى قنوات ولوج مراكز القرار السياسي.
الفقرة الثانية: دور التمكين السياسي للمرأة في التنمية
رغم الإمكانيات التي تتوفر عليها المرأة والأهمية التي تحتلها من داخل المجتمع، إلا أن ذلك لم يساعدها في القيام بأدوارها كاملة خاصة في التنمية جنبا إلى جنب الرجل، ومن خلال مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... وذلك يعود إلى مجموعة من الإكراهات والعوائق التي تقف حاجزا في طريق تحقيق المرأة إلى ما تتطلع إليه من خلال مشاركتها السياسية.
سأحاول التطرق في هذه الفقرة إلى أهمية المشاركة السياسية للمرأة في التنمية(أولا)، ثم أنتقل إلى الحديث عن السبل الكفيلة بتأهيل المرأة للمشاركة الفعالة في المشهد السياسي، ومن تم القيام بدورها في التنمية (ثانيا).
أولا: أهمية المشاركة السياسية للمرأة في التنمية
ظلت المرأة لمدة طويلة خارج اهتمامات السياسات العمومية للحكومات على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... فرغم أن النساء يمثلن أكثر من نصف عدد سكان العالم، إلا أن مشاركتهن لا زالت هامشية في جميع المجالات، خاصة في الدول النامية، والمغرب باعتباره واحد من هذه الدول، ما زالت مشاركة المرأة فيه ضعيفة رغم المحاولات الكثيرة من أجل الارتقاء بوضعية المرأة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية...
هذه المحاولات التي فرضتها التحولات العالمية، حيث أصبح لزاما عليه الارتقاء بمشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية... لما يعرفه العالم من تطورات كبيرة ويومية فرضت تنافسية محتدمة بين الدول، ومن أجل بقاءه ضمن هذه التنافسية وملاحقة الركب والتطورات السريعة التي يعرفها العالم.
كما سبق وأن أشرنا، فقد حقق المغرب في العقدين الأخيرين مراكمة العديد من القوانين والإجراءات التي هدفت وتهدف إلى تحسين وضعية المرأة في جل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... هذه الإجراءات جاءت بعد قناعة أن النساء يشكلن جزءا مهما من المجتمع (حوالي 51 في المئة من عدد السكان)، وأي مشروع تنموي لن يكتمل ولن يحقق أهدافه دون مشاركتهن الفعالة والناجعة، خاصة مع التطورات والمستجدات التي يعرفها العالم، والتي فرضت نفسها بقوة، وأصبح من اللازم منح المرأة الفرصة لتقوم بدورها، وتشارك في المشاريع التنموية.
وتشكل المشاركة السياسية الفعالة للمرأة أهم المداخيل لتقوية قدراتها، والقيام بدورها في التنمية عبر باقي المجالات، وولوج المرأة إلى مناصب صنع القرار سواء في بعدها التمثيلي أو التنفيذي، سيمنحها دون شك الفرصة لإثبات قدراتها في صنع السياسات التنموية والمشاركة فيها، خاصة بعد التهميش الذي نالته لمدة طويلة.
تبعا لذلك، فإن منح النساء نفس الحق في الولوج إلى مناصب صناعة القرار السياسي، وباقي المجالات الأخرى كالتربية والإعلام والأنشطة الاقتصادية والموارد المالية... لا يشكل أي تهديد أو تراجع للرجال في الولوج لنفس الحقوق، على العكس من ذلك، فإن مشاركة النساء بدون أي تمييز تعد من بين العوامل الحاسمة التي أضحت ضرورية لتنمية البلاد، ناهيك عن أن مبدأ المساواة يمثل أيضا مبدأ للمسؤولية تجاه الأجيال القادمة[26]، حيث لا يمكننا الحديث عن أي مشروع تنموي أو نموذج تنموي بدون مساواة حقيقية، وفي ظل وجود تمييز بين النساء والرجال.
يؤدي الحد من ولوج المرأة لمناصب القرار والمسؤولية إلى تأثير سلبي عل النمو الاقتصادي، وفي هذا الصدد، فقد حددت دراسة نموذجية نظرية، مدعومة بتحليل تجريبي شمل حوالي مئة دولة، طيلة مدة زمنية بلغت 30 سنة، آلية هذا التأثير، والتي تكمن في أن التمييز العمودي إزاء النساء يقلص من المستوى المتوسط للمسؤولين والمديرين، من حيث المهارات والكفاءات[27].
ومن جهة أخرى فقد ثبت أن المقاولات التي تتضمن مجالسها الإدارية أعضاء من النساء، تسجل أداءات مالية جيدة في المتوسط، ومن ثم فإنه من شأن إقامة التوازن بين النساء والرجال في المجالس الإدارية أن يؤدي إلى استقرار أكبر ومقاومة أفضل أمام تقلبات السوق[28].
وقد "أوضح المديرون التنفيذيون الذين استطلع رأيهم حول النماذج المختلفة للقيادة، أن النساء كن أكثر تعاونا، وأفضل إصغاء، ويمتلكن قدرة أعلى على إقامة علاقات اجتماعية أفضل، بالإضافة إلى أنهن أكثر تعاطفا وعقلانية"[29]. "وأوضح علماء الأعصاب أن النساء يتخذن قرارات تتضمن أقل قدر من المخاطر، وأكثر حسما في ظل ظروف يسودها التوتر الشديد، الأمر الذي ربما يفسر حقيقة أو وجود امرأة واحدة على الأقل في مجالس إدارات المؤسسات ذات رأس المال الضخم قد مكنها من تحقيق مستوى أداء أعلى بنسبة 26 في المائة في الأعوام التي سبقت وتلت الأزمة المالية في العامين 2007 و2008 مقارنة بالشركات التي اقتصرت مجالس إدارتها فقط على الرجال"[30].
رغم الأهمية التي تحتلها المساواة بين الرجال والنساء في التنمية، خاصة في الولوج إلى مراكز القرار، ورغم الإجراءات العديدة التي اتخذت في هذا الشأن من أجل منح المرأة المكانة الحقيقية التي تستحقها، إلا أن هذه الإجراءات لم تكرس المساواة الحقيقية التي بإمكانها أن تحقق تطلعات المنظمات النسوية، وتمنح النساء الفرصة للمشاركة في التنمية، وذلك راجع إلى مجموعة من الإكراهات والمعيقات التي لا زالت تقف حاجزا بين ولوج المرأة لمراكز القرار سواء الانتخابية أو التنفيذية، ويبقى العمل ومضاعفة المجهودات من جميع الأطراف المجتمعية لتأهيل المرأة من أجل المشاركة السياسية الفعالة والناجعة ضروريا، حتى تقوم بدورها التنموي إلى جانب الرجل.
ثانيا: متطلبات تأهيل المرأة للمشاركة السياسية
يقتضي تأهيل المرأة من أجل مشاركتها الفعالة والناجعة، وتواجدها بشكل متساو مع الرجل في المشهد السياسي والعمليات السياسية ومراكز صنع القرار، التغلب على العوائق والإكراهات التي تقف حاجز أمامها، مما يعني أخذ مجموعة من التدابير المترابطة فيما بينها، والتي لا شك أنها ستساهم في تقوية وضعية المرأة السياسية، وتمنحها الفرصة من أجل إثباتها ذاتها في العمليات السياسية، وتتلخص هذه التدابير في الآتي:
1_التمكين الاقتصادي للنساء
يشكل التمكين الاقتصادي للمرأة أحد الآليات الأساسية لدفع المرأة نحو المشاركة السياسية، وتشجيعها، فهو يمنح المرأة الثقة في النفس وفي قدراتها لولوج المشهد السياسي والقيام بنفس الأدوار التي يقوم بها الرجال، وما يلاحظ في هذا الإطار هو سيطرة الرجال على الميدان الاقتصادي بشكل كبير. حيث تعاني النساء من إقصاء ما فتئت تتزايد حدته، ويبقى المؤشر الأكثر تجسيدا لهذا الإقصاء، هو معدل مشاركة النساء في سوق الشغل، إذ انخفض هذا المعدل، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط، من 26.6 في المائة سنة 2008 إلى 21.8 في المائة سنة 2018، ويسجل هذا المعدل مستويات أدنى في المناطق الحضرية، حيث بلغ 18.1 في المائة سنة 2018، مما يفيد أن حوالي 82 في المائة من نساء المدن البالغات سن العمل لا يشاركن في النشاط الاقتصادي، وبالتالي لا يتوفرن على دخل خاص بهن[31].
وتعتبر النساء أكثر عرضة للبطالة من الرجال، إذ بلغ معدل البطالة على المستوى الوطني 14.1 في المائة لدى النساء، مقابل 8.1 في المائة لدى الرجال سنة 2018، ويعتبر هذا المعدل أكثر ارتفاعا في الوسط الحضري حيث يصل إلى 23.9 لدى النساء، مقابل 10.9 في المائة لدى الرجال[32].
ويعرض هذا الوضع النساء لمزيد من الهشاشة الاجتماعية، لا سيما بالنظر لنقص استفادتهن من آليات الحماية الاجتماعية، ذلك أن عددا قليلا فقط من النساء يستفدن من معاش للتقاعد، ففي سنة 2018 لم يتجاوز عدد النساء من مجموع متقاعدي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (17 في المائة)، مقابل 83 في المائة من الرجال، كما أن متوسط معاشهن يبلغ 1.909 درهما مقابل 1.974 درهما للرجال، وفي حالة الطلاق تتوقف استفادة المرأة من التغطية الصحية للزوج، أما في حالة الترمل، فإن استفادتها وأطفالها من الحماية الاجتماعية تكون مشروطة بوجود تحويل معاش التقاعد "معاش الخلف" (والذي يشكل نصف معاش تقاعد الزوج قيد حياته)[33].
بناء على ذلك، فإن تحقيق المساواة والمناصفة في الميادين الاقتصادية يعتبر إحدى الأولويات من أجل منح المرأة الفرصة للاستقلالية الذاتية أولا، ثم مساهمتها في التنمية الاقتصادية من جهة أخرى، بالإضافة أن ذلك سيساعدها في الولوج إلى مراكز القرار السياسي، وبالتالي مساهمتها انطلاقا من المراكز التي تحتلها في التنمية.
فضلا عن ذلك، فممارسة المرأة للمهن الاقتصادية، ومعرفتها الجيدة بعوالم الاقتصاد والتشغيل سيمكنها من تجربة مهنية وعملية تساعدها في اتخاذ القرارات الصائبة نحو أي مشروع تنموي، وذلك سيشكل لا شك إضافة للسياسات العمومية المتخذة في هذا الشأن.
إن أهمية المرأة في المجتمع ما فتئت تتزايد، باعتبارها تشكل جزءا مهما من الرأسمال البشري، وبالتالي تعزيز دورها في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... لا شك سيكون له الأثر الكبير في التنمية، وبدون لعب المرأة لأدوارها كاملة إلى جانب الرجل، فإن أي ورش يكون هدفه التنمية سيكون ضعيفا إذا لم تُمنح المرأة المكانة اللائقة، خاصة في واقع أصبحت فيه المنافسة على أشدها.
بناء على ما سبق، يبدو أن أهمية المساواة والارتقاء بوضعية المرأة أصبح أمرا ضروريا، لما يمكن أن تلعبه المرأة من أدوار مهمة في التنمية، بل لا يمكن تصور أي مشروع للتنمية بدون وجود المرأة كفاعل أساسي فيه، فهي تشكل إلى جانب الرجل اللبنة الأساسية لأي مشروع، بل إن هذا الأخير سيكون محكوما بالفشل إذا لم تلعب فيه المرأة أدوارها كاملة.
2_الحق في الولوج المتساوي للتعليم ومحاربة الهدر المدرسي وسط الفتيات
إذا كان الرأسمال البشري هو الثروة الحقيقية لأي دولة، فإن التدبير الجيد لهذا الرأسمال هو السبيل نحو تحقيق النمو، وبناء إنسان واعي يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات، ومن ثم مساهمة كل أطياف هذا الرأسمال في تقدم الدولة وازدهارها في مختلف المجالات، ويعتبر التعليم الجيد أساس هذا البناء.
فالتعليم بالإضافة إلى كونه حقا من حقوق الإنسان، فإن لتعليم المرأة تأثير مباشر وحاسم في تشكيل تصورات الفرد عن الحياة والزواج والأسرة والمواطنة، وعلاوة على ذلك، بفضل مسالك التكوين التي توفرها منظومة التعليم والتكوين، يتدخل هذا الأخير بشكل كبير في قرار المرأة المشاركة في سوق العمل المهيكل وفي توزيع اليد العاملة تبعا للقطاعات الاقتصادية وفي اختيار نمط العمل حسب الوضع المهني، بالإضافة إلى الحصول على عمل مأجور وما يقترن بذلك من ضمان اجتماعي[34]، الذي يمنح المرأة الثقة في ولوجها للمعترك السياسي ومنافستها للرجل في اتخاذ القرارات السياسية الصائبة والمساهمة في المشاريع التنموية، فضلا عن ذلك يساعد التعليم المرأة على الاختيارات السياسية، وتشكيلها للتصورات والتوجهات التي تراها الأصلح والأكثر فعالية للمجتمع.
علاوة على ذلك يساعد التعليم كل أطياف المجتمع والنساء على الخصوص، على تغيير الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة نحو المرأة، وبتغيير هذه الأخيرة نظرتها نحو نفسها، خاصة وأن الثقافة السائدة هي أحد المشاكل التي تقف حاجزا في المشاركة السياسية للمرأة.
فالنماذج المغلقة حول المرأة هي جد متجذرة في الوعي الجماعي، وأن ذلك يعيق الوعي بكل أبعاد المشاركة السياسية للمرأة، إنما تنبني على تدرج في المراتب الاجتماعية، وعلة الإحالة إلى التقسيم التقليدي للأدوار، حيث يعود المجال العمومي إلى الرجال، في حين أن المجال العائلي موكول إلى المرأة، وبعيدا عن معمعة السياسة التي لا تتلاءم مع أدوارها[35]، وهذه النظرة نحو المرأة، لا تتعلق بالرجال فقط، وإنما بالمرأة نفسها، فالعوامل الثقافية التي اكتسبتها لمدة طويلة من الزمن، أثرت عليها بشكل كبير، وأصبحت معها متأكدة من أن المجال السياسي خاص بالرجال، ومهمتها تكمن في القيام بأشغال العمل المنزلي، ويشكل ضعف التكوين والتعليم أحد الأسباب الأساسية لانتشار هذه الثقافة وتجذرها في مختلف أطياف المجتمع بما في ذلك المرأة نفسها.
تجدر الإشارة في هذا الصدد، أنه رغم الإصلاحات العديدة والمتتالية التي تمت في ميدان التعليم، إلا أن "المعطيات لا زالت تتسم بالتناقض وتسهم في إثارة الشكوك حول مصداقيتها، فحسب المسح الوطني حول الأمية (وزارة التربية والتعليم، 2012)، تبلغ نسبة الأمية بين السكان الذين تبلغ أعمارهم 10 سنوات وما فوق 28 بالمائة، (19 بالمائة بالوسط الحضري، و42 في المائة بالوسط القروي)، وتطال الأمية النساء بدرجة أكبر مقارنة مع الرجال (بنسبة 37 في المائة مقابل 25 في المائة لدى الرجال)، ولا سيما منهن النساء القرويات (بنسبة 55 في المائة مقابل 31 في المائة لدى الرجال). وحددت المندوبية السامية للتخطيط، من جهتها، المعدل الوطني للأمية في 36.1 في المائة خلال 2012 (47.6 في المائة لدى النساء و25.3 لدى الرجال)، وتصل نسبة الأمية في الوسط القروي، إلى 51.1 في المائة مقابل 26.7 في المائة في الوسط الحضري، كما أن أقل من 7 من أصل 10 نساء قرويات أميات (67.4 في المائة مقابل 36.2 في المائة في الوسط الحضري و37.2 بالنسبة للرجال في الوسط القروي)"[36].
تبعا لما سبق، فإن التعليم والتكوين يعتبر اللبنة الأساسية لتغيير وجهة نظر المجتمع تجاه المرأة وخاصة في دخولها لعالم السياسة والمشاركة فيه بفعالية، بالإضافة أن التعليم سيسهل مهام المرأة في تكوينها وتأطيرها السياسي، ما يمنحها المشاركة الفعالة والناجعة في اتخاذ القرارات السياسية.
فضلا عن ذلك، إذ يشكل التعليم حقا من حقوق الإنسان، وبدون تمييز على أي أسس مهما كانت، فإنه سيساهم في تنمية البلاد بمشاركة كل أطيافه بما في ذلك المرأة التي تشكل نصف المجتمع.
وبالتالي، فإن التعليم بالإضافة أنه سيساعد المرأة في ولوجها لعالم السياسة، فإنه يساهم في تنمية البلاد، كما أنه سيغير الثقافة المجتمعية ونظرة المجتمع السلبية للمرأة، ونظرة هذه الأخيرة لنفسها، كما أنه يرسخ الحقوق والواجبات، وتكريس المواطنة الحقة التي تنبني عليها دولة الحق والقانون.
3_تطوير النظام القانوني
لا شك أن الورش التشريعي عرف تطورا مهما في العقدين الأخيرين، في كل ما يتعلق بتأهيل المرأة وتحسين تموقعها المجتمعي، ومن تم تحسين مستوى مشاركتها السياسية، ورغم الإجراءات العديدة والقوانين الصادرة في هذا الشأن، إلا أن ذلك مازال يمتاز بالضعف خاصة من الناحية العملية، فالمرأة لم تحقق بعد المناصفة المنصوص عليها دستوريا، ورغم التقدم الذي عرفته المشاركة السياسية للمرأة نتيجة هذه الإجراءات، إلا أنه لم يحقق تطلعات المنظمات النسوية والحقوقية.
بناء على ذلك، وفي هذا السياق، ينبغي تفعيل النصوص القانونية بشكل أكثر صرامة نحو تكريس المشاركة الفعلية والفعالة للمرأة، كما ينبغي الضغط على الأحزاب السياسية بإصدار قوانين تمنح للمرأة مكانتها من داخل هذه الأحزاب وتشجع مشاركتها في صناعة القرار الحزبي والتقدم بترشيحاتها للمناصب الانتخابية.
فضلا عن ذلك، يمكن إصدار قوانين، تكرس التناوب في الترشيحات بين الرجال والنساء، كما يشكل تحسين ترتيب المرأة في لائحة الترشيحات المقدمة للانتخابات اجراء من شأنه تفعيل المشاركة السياسية للنساء، وذلك بوضعها في مراتب تمنحها فوزا أكيدا.
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن جعل التمويل الحزبي بناء على قوة المشاركة النسوية داخل هياكل القرار الحزبي، وبناء على نسبة النساء اللواتي تم تقديمهن للترشيح، ومراتبهن داخل لائحة الترشيحات.
كما أنه ينبغي إعادة النظر في الترشيحات المقدمة من الأحزاب السياسية لتمثيل النساء في البرلمان، ووضع شروط مبنية على الكفاءة والموضوعية، تجنبا لتحول تقنية الكوطا إلى ريع سياسي يستفيد منه المقربون من الدوائر الحزبية، هذا، مع ضرورة تقويم تجربة الكوطا النسائية انطلاقا من أسس موضوعية، تنطلق من العمل الحزبي من جهة، والعمل البرلماني من جهة أخرى[37].
علاوة على ما سبق، يشكل تأهيل المرأة لمناصب صنع القرار التنفيذية آلية مهمة في تعزيز مشاركة المرأة وتسهيل مهمتها في اتخاذ القرار السياسي، سواء على مستوى الوظيفة العمومية، أو على مستوى باقي المناصب العليا، وكذلك المناصب الحكومية.
خاتمة:
انطلاقا مما سبق، نستنتج الأهمية الكبيرة للمشاركة السياسية للمرأة في التنمية، ورغم التقدم الذي عرفه المغرب بهذا الخصوص سواء على المستوى التشريعي، أو على المستوى العملي، إلا أنه لا زال يحتاج إلى مضاعفة الجهود من أجل منحها مكانة تليق بدورها ومكانتها في المجتمع.
وإذا كانت المشاركة السياسية للمرأة تعتبر من أهم المداخيل لمشاركتها في المشاريع التنموية، وهو ما حاولت التطرق إليه في هذا الموضوع، إلا أن ذلك يرتبط بتكامل باقي المداخيل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... كما اتضح لنا ذلك من خلال ما سبق، وبذلك فإن مسألة المساواة بين النساء والرجال يعد موضوعا مجتمعيا متعدد الأبعاد، القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية...، وعليه فإن الحديث عن الارتقاء بوضعية المرأة، رهين بتحقق المساواة في أبعادها المتكاملة والمترابطة، وينبغي العمل على هذا الأساس حتى يتم تأهيل المرأة للمشاركة السياسية الفعالة والناجعة، وبالتالي مساهمتها إلى جانب الرجال في المشاريع التنموية.
لائحة المراجع:
v الكتب
ü دانييل بيل: نموذج الصين، الجدارة السياسية وحدود الديمقراطية، ترجمة، عماد عواد، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، العدد 485، الكويت.
v النصوص القانونية
ü ظهير شريف رقم 165-11-1 صادر في 16 من ذي القعدة 1432 (14 أكتوبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية، عدد 5987 بتاريخ 19 ذو القعدة 1432 (17 أكتوبر 2011.
ü ظهير شريف رقم 118-16-1 صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 أغسطس 2016) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 16-20 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية، عدد 6490، بتاريخ 7 ذو القعدة 1437 (11 أغسطس 2016).
ü الظهير الشريف رقم 173-11-1 صادر في 24 من ذي الحجة 1432 (21 نونبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 11-59 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، الجريدة الرسمية، عدد 5997 مكرر، بتاريخ 25 ذو الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011).
ü الظهير الشريف رقم 172-11-1 صادر في 24 من ذي الحجة 1432 (21 نونبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 11-28 المتعلق بمجلس المستشارين، الجريدة الرسمية، عدد 5997 مكرر، بتاريخ 25 ذو الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011).
ü ظهير شريف رقم 83-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات، الجريدة الرسمية، عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو 2015).
ü ظهير شريف رقم 84-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، الجريدة الرسمية، عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو 2015).
ü ظهير شريف رقم 85-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، الجريدة الرسمية، عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو 2015).
ü ظهير شريف رقم 1.21.41 صادر في 8 رمضان 1442 (21 أبريل 2021) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 06.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب اعضاء مجالس الجماعات الترابية، الجريدة الرسمية عدد 6987 بتاريخ 5 شوال 1442 (17 ماي 2021).
ü ظهير شريف رقم 1.21.39 صادر في 8 رمضان 1442 (21 أبريل 2021) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 04.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي 27.11 المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية عدد6987، بتاريخ 5 شوال 1442 (17 ماي 2021).
ü الظهير الشريف رقم 33-15-1 صادر في 28 من جمادى الأولى 1436 (19 مارس 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 13-015 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، الجريدة الرسمية، عدد 6348، بتاريخ 12 جمادى الآخرة 1436 (2 أبريل 2015).
ü ظهير شريف رقم 20-12-1 صادر في 27 من شعبان 1433 (17 يوليو 2012) بتنفيذ القانون التنظيمي 12-02 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور، الجريدة الرسمية، عدد 6066، بتاريخ 29 شعبان 1433 (19 يوليو 2012).
ü ظهير شريف رقم 166-11-1 صادر في 24 من ذي القعدة 1432 (22 أكتوبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية، الجريدة الرسمية، عدد 5989، بتاريخ 29 ذو القعدة 1432 (24 أكتوبر 2011).
[1]
- على اعتبار أن الانتخابات جزء فقط من المشهد السياسي والعملية
السياسية، والمشاركة السياسية ليست رهينة بالانتخابات فقط، وإنما بكل العمليات
السياسية التي تساهم من خلالها في صناعة القرار، وعن طريقها تساهم في التنمية بكل
تجلياتها، والانتخابات المشار إليها سابقا كانت في 17 ماي 1963.
[2]
- محمد بنهلال: المشاركة السياسية للمرأة في المغرب بين المعوقات
وسبل التجاوز، المجلة العربية للعلوم السياسية، ص: 169. مقال متاح على الموقع
الالكتروني:
https://www.researchgate.net/publication/286456948
[3]
- تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان: وضعية المساواة والمناصفة في
المغرب، صون غايات وأهداف الدستور وإعمالها، منشورات المجلس الوطني لحقوق الإنسان،
2015، ص: 50.
[4]
- نفس المرجع.
[5]
- ظهير شريف رقم 165-11-1 صادر في 16 من ذي القعدة 1432 (14 أكتوبر
2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية،
عدد 5987 بتاريخ 19 ذو القعدة 1432 (17 أكتوبر 2011)، ص: 5053.
[6]
- ظهير شريف رقم 118-16-1 صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 أغسطس
2016) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 16-20 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي
رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية، عدد 6490، بتاريخ 7 ذو القعدة
1437 (11 أغسطس 2016)، ص: 5853.
[7]
- المادة 76 من الظهير الشريف رقم 173-11-1 صادر في 24 من ذي الحجة
1432 (21 نونبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 11-59 المتعلق بانتخاب أعضاء
مجالس الجماعات الترابية، الجريدة الرسمية، عدد 5997 مكرر، بتاريخ 25 ذو الحجة
1432 (22 نوفمبر 2011).
[8]
- المادة 24 من الظهير الشريف رقم 172-11-1 صادر في 24 من ذي الحجة
1432 (21 نونبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 11-28 المتعلق بمجلس
المستشارين، الجريدة الرسمية، عدد 5997 مكرر، بتاريخ 25 ذو الحجة 1432 (22 نوفمبر
2011).
[9]
- ظهير شريف رقم 83-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 (7 يوليو 2015)
بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات، الجريدة الرسمية، عدد 6380،
بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو 2015)، ص: 6585.
[10]
- ظهير شريف رقم
84-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-112
المتعلق بالعمالات والأقاليم، الجريدة الرسمية، عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23
يوليو 2015)، ص: 6625.
[11]
- ظهير شريف رقم 85-15-1 صادر في 20 رمضان 1436 (7 يوليو 2015)
بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، الجريدة الرسمية، عدد
6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو 2015)، ص: 6660.
[12] -
ظهير شريف رقم 1.21.41 صادر في 8 رمضان 1442 (21 أبريل 2021) بتنفيذ القانون
التنظيمي رقم 06.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق
بانتخاب اعضاء مجالس الجماعات الترابية، الجريدة الرسمية عدد 6987 بتاريخ 5 شوال
1442 (17 ماي 2021)، ص: 3413.
[13] -
المادة 110 من نفس القانون التنظيمي.
[14] -
المادة 128 المكررة من نفس القانون التنظيمي.
[15] - ظهير شريف رقم 1.21.39 صادر في 8 رمضان
1442 (21 أبريل 2021) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 04.21 القاضي بتغيير وتتميم
القانون التنظيمي 27.11 المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية عدد6987، بتاريخ 5
شوال 1442 (17 ماي 2021)، ص. 3405.
[16] -
المادة الأولى من نفس القانون التنظيمي.
[17] -
نفس المرجع.
[18] - محمد بنهلال: مرجع سابق، ص: 131.
[19]
- المرجع نفسه.
[20]
- المادة 2 من الظهير الشريف رقم 33-15-1 صادر في 28 من جمادى
الأولى 1436 (19 مارس 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 13-015 المتعلق بتنظيم
وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، الجريدة الرسمية، عدد 6348،
بتاريخ 12 جمادى الآخرة 1436 (2 أبريل 2015)، ص: 3515.
[21]
- ظهير شريف رقم 20-12-1 صادر في 27 من شعبان 1433 (17 يوليو 2012)
بتنفيذ القانون التنظيمي 12-02 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام
الفصلين 49 و92 من الدستور، الجريدة الرسمية، عدد 6066، بتاريخ 29 شعبان 1433 (19
يوليو 2012)، ص: 4235.
[22]
- مكانة المرأة الموظفة بمناصب المسؤولية في الإدارة العمومية
بالمغرب، تقرير لوزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، 2018، ص: 57.
ويشير التقرير نفسه
إلى أن هذه الإحصائيات لا تشمل موظفي المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية
العامة للحماية المدنية. منشور على الموقع الالكتروني للوزارة:
https://www.mmsp.gov.ma/uploads/documents/RapportPlaceFemmesPostesResponsabilite_APM_26032019_Ar.pdf
[23]
- المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، برنامج الأمم المتحدة
الإنمائي: دليل الممارسات الجيدة للنهوض بالمشاركة السياسية للمرأة، "تمكين
المرأة من أجل أحزاب سياسية أقوى"، ص: 1.
https://www.ndi.org/sites/default/files/Empowering-Women-ARA_0.pdf
[24]
- ظهير شريف رقم 166-11-1 صادر في 24 من ذي القعدة 1432 (22 أكتوبر
2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية، الجريدة
الرسمية، عدد 5989، بتاريخ 29 ذو القعدة 1432 (24 أكتوبر 2011)، ص: 5172.
[25]
- محمد بنهلال: مرجع سابق، ص، 132.
[26]
- تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعية والبيئي بعنوان،
"النهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية والسياسية، تحقيق المساواة بين النساء والرجال مسؤولية الجميع: تصورات
وتوصيات معيارية ومؤسساتية، 2012، ص: 15.
منشور على الموقع
الرسمي للمجلس: http://www.ces.ma/ar/Pages/default.aspx
[27]
- تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بعنوان،
"النهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية والسياسية، أشكال التمييز ضد النساء في الحياة الاقتصادية: حقائق
وتوصيات"، 2014، ص: 35. منشور على نفس الموقع السابق.
[28]
- المرجع نفسه.
[29]
- دانييل بيل: نموذج الصين،
الجدارة السياسية وحدود الديمقراطية، ترجمة، عماد عواد، منشورات المجلس الوطني
للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، العدد 485، الكويت، ص: 135.
[30] - المرجع
نفسه.
[31]
- تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بعنوان
"النموذج التنموي الجديد للمغرب"، 2019، ص: 53. منشور على الموقع الرسمي
للمجلس.
[32]
- المرجع نفسه.
[33]
- المرجع نفسه.
[34]
- تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص: 34.
[35]
- مأخوذ عن محمد بنهلال: مرجع سابق، ص: 134.
[36]
- مأخوذ من تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص: 34.
[37] - جواد
الشفدي: "ضعف التمكين السياسي للنساء، الأسباب، التداعيات والحلول"، ص:
43. مقال منشور ضمن مؤلف جماعي صادر عن مؤسسة كونراد أديناور في المغرب، موجود على
الموقع الالكتروني التالي:
https://participer.ma/wp-content/uploads/2021/08/Engageons-nous-E-learning-2.pdf
0 تعليقات