الشرط كوصف من أوصاف الالتزام في القانون المغربي - الدكتورة حسنة أمهاوش، العدد 46 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث - تقديم ذ محمد القاسمي


رابط تحميل المجلة التي تتضمن المقال بصيغتها الرقمية PDF الرابط أذناه:


https://www.allbahit.com/2022/08/46-2022-24.html


 الدكتورة حسنة أمهاوش

حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون الخاص ومتصرفة من

الدرجة الثانية

   الشرط كوصف من أوصاف الالتزام في

القانون المغربي

The condition is a description of the obligation in Moroccan law

مقدمة:

  " الأصل في إبرام العقود هو مبدأ سلطان الإرادة، وإذا ما انعقد العقد فإنه لا يجوز تعديله أو نقضه إلا بإتفاق الطرفين المتعاقدين أو للأسباب التي يقررها القانون، فالعقد شريعة المتعاقدين[1].

وانطلاقا من هذه الحرية للأفراد في إبرام العقود، إزدادت أهمية الشروط في العقود، إذ أن كل فرد يقبل على إلتزام أو على تصرف قانوني إلا ويرغب في حماية مصالحه والإحتياط من تلك العملية التعاقدية مستقبلا، فيشترط لنفسه مجموعة شروط.

فتعليق العقود بالشروط لا يعكس فقط مجرد إرادة الدائن أو المدين في هذا التعليق وترتيب آثار المعاملات في المستقبل وإنما أيضا الرغبة في تكييف العملية التعاقدية مع مصالحه الإقتصادية، والتي قد لا تكون آنية وإنما تدور في المستقبل وجودا وعدما.

وبالرجوع إلى الفقه الإسلامي نجد أنه عرف أيضا مؤسسة الشرط وأسسها على فكرة المصلحة[2]. وقد اختلفت الشرائع المتعددة في إجازة الشرط ومدى هذه الإجازة باعتباره أمر تقضيه المعاملات أو لا تقتضيه.

ففكرة إجازة الشرط والقول بصحتها مرت تدريجيا بعدة مراحل تبعا للتطورات التي عرفها المجتمع الإنساني نفسه، فالقانون الروماني مثلا كان لا يجيز أن يشتمل العقد إلا على صفقة واحدة فإن تعددت بموجب الشرط المدخل على العقد بوحدته من حيث الزمان كان باطلا كما أخذت هذه الفكرة بمرور الزمن تتطور فأجاز فقهاء الرومان الشرط للحاجة إليه إلا إذا كان مخالفا للآداب.

وهنا تظهر جليا أهمية الشرط باعتباره تدبيرا إحتياطيا وآية من آيات الأمان والإطمئنان للمستقبل، وتزداد أهمية الشرط، باعتباره أداة لمعالجة ظاهرة الإستدانة الفاحشة للمدين أو الدائن ما دام أن تعليق العقد على الشرط ومنح إنتاج آثاره في الحال يهدف منه المتعاقدين أو أحدهما في توقي خطر مغادرته أو إعساره عند الدخول في عملية تعاقدية دون دراسة جدوى أهمية المصالح المنتظرة من العقد أو عدم الحصول على القرض من جهة تمويل المشروع.

ولقد ساهمت نظرية الشرط في تطوير النظم القانونية وذلك بظهور عقود تجارية جديدة لم تكن لتظهر بدون النظام السابق الذي يقوم على مبدأ سلطان الإرادة القائم على فكرة العقد شريعة المتعاقدين.

فحرية التعاقد تستلزم التفاوض حول شروط العقد هذه الشروط التي قد تكون مجرد أحد بنود العقد، لكنها تشكل أحد أوصاف الإلتزام وهو ما يهمنا في هذا البحث.

ولقد عالج المشرع المغربي الشرط باعتباره وصفا قد يلحق المتعاقدين بالإلتزام بعد أن يصبح متكاملا ومستوفيا لكافة عناصره في المستقبل، وذلك في القسم الثاني من قانون الإلتزامات والعقود فأفرد للشرط الفصول من 107 إلى 126 حيث تناول الأحكام العامة الأساسية المتعلقة بهذا الوصف "وصف الشرط "، مع إدخال الغايتين، بحيث تعرض لماهية الشرط وخصائصه وآثاره. ولم يقتصر على الأحكام العامة الأساسية وإنما نظم مختلف القواعد التي يدور في فلكها تكوين الشرط وتنفيذه وانقضائه بحيث لم يبقى معه خيارا كبيرا للمتعاقدين في تحديد شروطه وآثاره.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي من خلال هذا التنظيم الدقيق والمسبق للشرط يستهدف حماية التوازن العقدي وتحقيق العدالة ومتطلبات استقرار المعاملات العقدية، لكون وصف الشرط يلعب دورا جليا وأساسيا في تأثيره على المعاملات القانونية من حيث الصحة والبطلان.

ويعتبر هذا التنظيم المسبق للشرط كآلية تشريعية علاجية وقائية لحماية الطرف الضعيف في العقد من تعسف الطرف القوي وتحكمه في صياغة وتنظيم الشرط في العقد بشكل يضمن تحقيق مصالحه الإقتصادية ولو على حساب العدالة ومبادئ حسن النية، كما أن هذا التنظيم المسبق للشرط يساهم في الحد من المبدأ المشار إليه في الفصل 230 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي والتخفيف من غلوائه بجعله نظاما أكثر مرونة بتشذيب ما علق به من مظاهر وآثار سيئة على النظام القانوني لنظرية العقد.

والإشكالية التي تطرح نفسها بإلحاح تتجلى في عدة تساؤلات بخصوص مدى صحة و جواز التعامل بهذا الشرط.

فما هي الأحكام العامة التي تنظم الشرط؟ وما هو موقف التشريعات بخصوص هذا الشرط؟وما هي الآثار التي تترتب عليه؟

كل هذه التساؤلات ستكون محور هذا البحث الذي حاولنا فيه ما أمكن بيان ما يتعلق بالشرط. خصوصا وأن جل العقود لا تكاد تخلو من هذا الشرط.

ذلك أن أحد الدائن أو المدين غالبا ما يلجأ إلى تضمين العقد شرطا معينا، يتناسب مع مصلحته الشخصية تحسبا لبعض العوارض التي قد تعوقه.

ولما كانت غاية البحث الشرط كوصف من أوصاف الإلتزام، فإن تحقيق بعض مراميه يقتضى تقسيم هذا البحث إلى مبحثين، نعالج الأحكام العامة للشرط في (المبحث الأول) ثم بيان آثار الشرط (المبحث الثاني).

المبحث الأول: الأحكام العامة للشرط.

یقتضي لتحدید مفهوم الشرط البحث عن تعریف له، وبیان أنواعه وهذا ما سنتناوله في (المطلب الأول) وسنحاول من خلال ذلك الوصول إلى تحدید الأسس الفقهیة والقانونیة أو المقومات التي یستوجب أن تتوافر في الواقعة حتى تصلح شرطا ویأتي هذا في (المطلب الثاني).

1)   المطلب الأول: مفهوم الشرط و أنواعه.

    إن فكرة الشرط في الإلتزامات فكرة لها أهمیتها، حیث تعتبر وصفا في الإلتزام، یتفق علیه طرفا التعاقد، ومن ثم فإن تعلیق الإلتزم علیه یعتبر من الحریة المتروكة لإرادة الأفراد فلهم أن یعلقوا إلتزامهم على تحقق لشرط معین، أو یلعقوا فسخه على تحقیق شرط محدد.  وسنعالج في هذا المطلب تعریف الشرط وتمييزه عما يشتبه به في (الفرع أول) ودراسة أنواعه في(الفرع ثاني).

2) الفرع الأول: تعريف الشرط و تمييزه عما يشتبه به.

نتطرق في هذا الفرع إلى تعریف الشرط والتمییز بینه وبین ما یشابهه من نظم قانونیة.

3) الفقرة الأولى: تعريف الشرط.

جاء في قاموس المحيط: الشرط إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه، كالشريطة، والجمع شروط وشرائط. ويطلق الشرط أيضا على بزغ الحجام المشرط. ويقال: شرط يشرط شرطا إذا بزغ، والمشرط و المشراط المبضع[3].

ويذهب بعض الفقه إلى أن كلمة الشرط في اللغة بمعان كثيرة. والذي يتناسب فيها هو إلزام الشيء وإلتزامه في البيع ونحوه. يقال شرط فلان في البيع على فلان كذا بشرط ـ بكسر الراء وضمها ـ ألزمه شيئا فيه. وقد جاء في المثل (الشرط أملك عليك أم لك)، ومعناه: أن الشرط يملك صاحبه في إلزامه المشروط سواء أكان له أم عليه[4].

وفي الإصطلاح يطلق الشرط عند الفقهاء على معنيين:

أحدهما: الأمر الزائد عن ماهية الشيء وحقيقته الشرعية الذي يتوقف وجود الشيء على وجوده ويعدم بعدمه.

وثانيهما: وهو إلتزام المتصرف في تصرفه بأمر من الأمور زائدا على أصل التصرف سواء أكان هذا الإلتزام الزائد من مقتضى التصرف أم لم يكن من مقتضاه، وسواء أكان فيه منفعة للملتزم له أم لم يكن فيه منفعة لأحد.

والشرط في الشريعة الرومانية هو الأمر غير المحقق الوقوع ويترتب عليه تعليق الإلتزام. ويشترط عنهم أن لا يكون الشرط وقع في الماضي أو في الحال، لأن هذا يتنافى الإستقبال، فإذا علق الطرفان الإلتزام على أمر وقع في الماضي وهما يجهلان وقوعه فلا يعتبر أنهما علق الإلتزام على شرط من الشروط[5].

والمشرع الفرنسي في القانون المدني لم يعرف الشرط، وإنما عرف الإلتزام الشرطي[6]، أما المادة 1181 من نفس القانون المذكور فقد عرفت الشرط الواقف بأنه ما تعلق بحادث مستقبل غير محقق الوقوع أو بحادث وقع لكنه كان مجهولا من الطرفين[7]، كما عرفت المادة 1183 من القانون المدني الفرنسي الشرط الفاسخ بقولها بأنه الأمر الذي إذا كان تحققه عدم وجود الإلتزام، ولا يوقف الشرط الفاسخ وجود الإلتزام، وهو يلزم الدائن برد أو إعادة الشيء الذي تسلمه إلا في حالة وقوع الحدث أو الواقعة عند تحقق الشرط.

أما فيما يخص المشرع المصري فقد تناول الشرط في المواد من 265 إلى 270 من القانون المدني، ويلاحظ من خلال المادة 265 من القانون نفسه أن المشرع المصري لم يعرف الشرط مباشرة وإنما عرف الإلتزام المعلق على شرط[8].

فالشرط وفقا لما جاءت به المادة 265[9]، والمادة 266[10]، من القانون المدني المصري هو أمر مستقبل، غير محقق الوقوع وغير مخالف للنظام العام ولا للآداب، وهناك مقوم رابع هو أن الشرط أمر عارض إذ لا يمكن تصور الإلتزام بدونه[11].

ولم يختلف المشرع المغربي عن نظيره الفرنسي أو المصري، بحيث نظمه قانون الإلتزامات والعقود في الفصول من 107 إلى 126 وذلك في الباب الأول من القسم الثاني المعنون بأوصاف الإلتزامات في الكتاب الأول. وقد عرفه في الفصل 107 ـ فقرة أولى ـ قائلا: " الشرط تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل و غير محقق الوقوع، إما وجود الإلتزام أو زواله ". فالإلتزام المقرون بشرط هو إذن إلتزام مجهول المصير، إذ الشك يدور حول معرفة ما إذا كان الأمر الذي علق عليه وجود الإلتزام أو زواله سيتحقق أولا يتحقق في المستقبل وهكذا، لو وعدت أخي بمكافأة مالية إذا هو نال إجازة الحقوق هذه السنة أكون علقت نيل أخي الإجازة بوجود الإلتزام الذي رتبته في ذمتي.

ويختص الشرط بالمعنى السالف الذكر بعدة مقومات وهي:

ـ هو أمر مستقبل، هو أمر غير محقق الوقوع، هو أمر ممكن أي غير مستحيل، هو أمر مشروع.

4) الفقرة الثانية: تمییز الشرط عما یشتبه به من مفاهیم قانونیة.

بالرغم من إستقلال الشرط بمميزات ينفرد بها عن غيره من المفاهيم القانونية الأخرى، إلا أن هناك الكثير من المفاهيم القانونية التي تتضمن بعض هذه المميزات الأمر الذي يفرض التمييز بين الشرط وغيره من المفاهيم القانونية المشابهة الأخرى كالشرط الجزائي  و الأجل مثلا.

1 ـ الشرط كوصف للإلتزام و الشرط الجزائي.

لم يعرف المشرع المغربي الشرط الجزائي، بل اكتفى بتنظيم مقتضيات الشرط في الفصل 264 من قانون الإلتزامات و العقود في باب عدم تنفيذ الإلتزامات و آثاره من الفرع الأول المعنون " بمطل المدين" التي خولت لأطراف العلاقة التعاقدية التصرف بحرية في اشتراط ما شاؤوا من بنود العقد، إذ جاء في الفقرة الثانية من نفس الفصل: " يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي قد تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالإلتزام الأصلي كليا أو جزئيا أو التأخير في تنفيذه". وفي القانون المدني الفرنسي، نص المشرع الفرنسي في القسم السـادس مـن الفصـل الرابـع فـي البـاب الثالــث، تحــت عنــوان " فــي الإلتزامات المقترنــة ببنــود جزائيــة" فــي المــادة 1226 منــه علــى أن: " البنــد الجزائـي هـو البنـد الـذي بموجبـه يحدد الفريقان المتعاقدان بذاتهما وبصورة جازمة مقدار الأضرار الموجبة الأداء فـي حـال عـدم التنفيذ "، ونص أيضاً في المادة 1229 من نفس القانون على ما يلي: " إن البند الجزائي هو تعويض عن العطل والضرر اللاحق بالدائن من جراء عدم تنفيذ الإلتزام الأصلي..."[12].

في حين نص المشرع المصري على الشرط الجزائي في المادة(112) مـن القـانون المـدني المصـري على أنه: " يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 115 إلى220 "[13].

وعرفه الفقيه المرحوم عبد الرزاق السنهوري[14]بأنه: " التعويض الذي يقوم بتقديره المتعاقدان مقدما بدلا من تركه للقاضي، و الذي يستحقه الدائن إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، وهذا هو التعويض عن عدم التنفيذ، أو على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه، و هو التعويض عن التأخير".

وقد عرفه الأستاذ الدكتور أنور سلطان[15]بقوله أن: " الشرط الجزائي اتفاق يقدر فيه المتعاقدان سلفا التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم ينفذ المدين التزامه أو إذا تأخر في تنفيذه".

ومن المتفق علیه فقها أن الشرط الجزائي الذي كان یطلق علیه في القانون الروماني "stipulatio poena "  یتبع إلتزام المدین الأصلي كما یظل محكما بشروط هذا الإلتزام وأثاره[16].

ویختلف الأمر بالنسبة للشرط كوصف في الإلتزام ذاته، فالشرط الجزائي عبارة عن تعویض یتفق علیه مقدما، في حین لا یعتبر الشرط في الإلتزام الموصوف تعویضا، إضافة إلى ذلك إن الشرط في الإلتزام الموصوف یكون إحتمالیا، أي غیر متوقف على محض إرادة أحد المتعاقدین، وذلك عكس الشرط الجزائي الذي یتوقف على محض إرادة المدین كما لو أخل  بالتزامه، مع وضعه في الإعتبار تحمله للشرط الجزائي. كما أنه في الشرط الواقف لا یقوم الالتزام أصلا، أما في الشرط الفاسخ فالالتزام یقوم صحیحا غیر أنه مهدد بالزوال في أیّة لحظة یتحقق فیها الشرط الفاسخ. أما في الشرط الجزائي یكون الإلتزام صحیحا ویستحق في حالة الإخلال بتنفیذ الإلتزام أو التأخیر في هذا التنفیذ. إن الإلتزام الذي ینطوي على شرط جزائي هو إلتزام مشروط، ومع ذلك یظل الفرق بینه وبین الشرط كوصف في الإلتزام قائما حیث أن الأول الشرط فیه محقق ومحدد بخلاف الثاني فإن الشرط فیه محتمل و مجهول[17].

 

 

2 ـ  الشرط كوصف للإلتزام و الأجل.

عالج المشرع المغربي أحكام الأجل[18]  في الفصول من 127 إلى 139 وذلك في الباب الثاني من القسم الثاني المتعلق بأوصاف الإلتزامات من الكتاب الأول من قانون الإلتزامات والعقود، ولم يعرفه بطريقة دقيقة وإنما اقتصر النص في المادة 127 من ق. ل. ع على أنه: "إذا لم يحدد للوفاء بالإلتزام أجل معين، وجب تنفيذه حالا ما لم ينتج الأجل من طبيعة الإلتزام، أو من طريقة تنفيذه، أو من المكان المعين لهذا التنفيذ، وفي هذه الحالة يعين الأجل القاضي."

     ففي الوقت الذي لم يخصص التشريع المغربي تعريفا للأجل، نجد أن جل التشريعات الحديثة تورد تعريفا له، حيث نجد أن المشرع المصري عرفه في المادة 271 من القانون المدني بأنه:

" 1 ـ يكون الإلتزام لأجل إذا كان نفاذه أو انقضاؤه مترتبا على أمر مستقبل محقق الوقوع.

2 ـ ويعتبر الأمر المحقق الوقوع متى كان وقوعه محتما، ولو لم يعرف الوقت الذي يقع فيه "[19].

وعرفه الفقه[20] بأنه:" أمر مستقبل محقق الوقوع يتوقف على حدوثه نفاذ الإلتزام أو انقضاؤه "، مثل ذلك أن يتعهد زيد بدفع مبلغ من المال في تاريخ معين حيث حلول هذا التاريخ يترتب عليه وجوب وفاء المبلغ، أو أن يؤجر داره لمدة سنة تنتهي في آخر ديسمبر من العام الحالي حيث حلول هذا التاريخ يترتب عليه انقضاء عقد الإيجار ويسمح له بالتحلل من هذا العقد.

فالإلتزام إذا لم يكن مقيد بأجل نفذ حالا طبقا لأحكام الفصل 127 من ق.ل.ع[21]. أما إذا ارتبط بأجل فإن هذا الإلتزام يكون موجودا في الحال ولكن تنفيذه أرجئ إلى ما بعد حصول الأمر المستقبل فلا يطالب المدين بالوفاء به قبل حصول تلك الحادثة.

وهذه التعارف للأجل تخفي في الحقيقة أنواعا متعددة للأجل، فالأجل ينقسم إلى عدة أنواع اعتمادا إما على بعض خصائصه، أو بالنظر إلى مآل الإلتزام ذاته.

فبالإستناد إلى خصائص الأجل :

ـ من حيث المصدر، يكون الأجل إما اتفاقيا[22] أو قانونيا[23] أو قضائيا[24].

ـ من حيث تاريخ الوقوع، يكون الأجل إما محدد التاريخ وإما غير معروف التاريخ.

أما بالنظر إلى مآل الإلتزام ذاته فإن الأجل إما أن يكون أجلا واقفا وإما أن يكون أجلا فاسخا.

فيكون الأجل واقفا إذا ترتب على إرجاء تنفيذ الإلتزام إلى حين حلول الأجل. أما إذا كان الأجل فاسخا فإن حلوله يؤدي إلى انقضاء الإلتزام.

فبالتأمل في تعريف الأجل يمكن استخلاص أوجه التشابه والإختلاف بين هذا الأخير والشرط، فمن خلال ما سبق ذكره أخلص إلى القول أن كل من الشرط والأجل يعتبران من أوصاف الإلتزام ، فكل منهما يتميز عن الآخر ومن هنا يمكن وضع مقارنة بسيطة بينهما، فهما يتشابهان في أشياء ويختلفان في أشياء أخرى، فإذا كان الشرط يتفق مع الأجل في أن كليهما يرجىء أثر الإلتزام الذي يتصف به إلى واقعة مستقبلة، إذ أن المميز الأساسي لهذه الواقعة يختلف في الشرط عنه في الأجل.

إذ أن الشرط أمر مستقبل غير محقق الوقوع يترتب على وقوعه، إما وجود الإلتزام. و هذا هو" الشرط الواقف ". وإما زوال الإلتزام. وهذا هو" الشرط الفاسخ ". وسواء أكان الشرط واقفا أم فاسخا، فإن الإلتزام موجودا، لا من وقت تحققه، بل من وقت الإتفاق على إنشائه. وإذا تحقق الشرط الفاسخ زال الإلتزام، واعتبر كأن لم يوجد أصلا.

أما الأجل، فهو أمر مستقبل محقق الوقوع، ولذلك لا يتأثر نشوء  الإلتزام بإضافته إلى أجل، فالإلتزام قد نشأ نهائيا، غاية ما في الأمر أنه يترتب على وجود الأجل، إما إرجاء نفاذ الإلتزام وهذا هو" الأجل الواقف ". كأن يقترض شخص من آخر مبلغا من المال، على أن يوفى به بعد سنة، فالإلتزام المفترض بالرد قد نشأ بصورة نهائية، على أن نفاذ هذا الإلتزام بتأخر حتى حلول الأجل (العام)، وهو سيحل لا محالة في ذلك.

وقد يترتب على الأجل انقضاء الإلتزام وهذا هو" الأجل الفاسخ ". كما إذا أجر شخص عقاره لآخر مدة سنة، فالإلتزام المؤجل بتمكين المستأجر من الإنتفاع بالعين المؤجرة ينقضي بإنقضاء هذه السنة، ولا ريب في ذلك.

وحسب ما جاء في الفصل 134 من ق.ل.ع[25]، فإن الأجل الواقف ينتج آثار الشرط الواقف، والأجل الفاسخ ينتج آثار الشرط الفاسخ[26].

وخلاصة القول أن كل من الأجل والشرط أمر يقع في المستقل ولكن الشرط غير محقق الوقوع، يترتب على وقوعه وجود الإلتزام أو زواله، أما الأجل فهو محقق الوقوع، يترتب عليه نفاذ الإلتزام أو انقضاؤه[27].

5) الفرع الثاني: أنواع الشرط.

ینقسم الشرط إلى نوعین أساسیین هما الشرط الواقف الذي یعلق الإلتزام على وجوده (الفقرة الأولى) والشرط الفاسخ الذي یعلق الإلتزام على زواله (الفقرة الثانية).

6) الفقرة الأولى: الشرط الواقف.

فالشرط الواقف هو الذي يتوقف عليه وجود الإلتزام بحيث إذا تحقق الشرط وجد الإلتزام، وإذا تخلف لا تقوم للإلتزام قائمة ولا يخرج إلى الوجود. كما لو باع شخص لآخر دراجة نارية، فقبل المشتري بشرط تجربتها، وكما تعهد شخص لآخر ببيع منزله إن تزوجت ابنته، فالزواج هنا شرط واقف إذا تزوجت الإبنة فقد وجد الإلتزام بالبيع وإذا تخلف الشرط ولم تتزوج الإبنة، فان الإلتزام بالبيع غير موجود،وكذلك الشأن بالنسبة للمثال الأول حيث نجد أن قبول المشتري شراء الدراجة النارية قد علق على شرط واقف هو شرط التجربة، فيتوقف نشوء العقد على هذه التجربة[28].

7) الفقرة الثانية: الشرط الفاسخ.

أما الشرط الفاسخ: فهو الذي يتوقف عليه سقوط الإلتزام عند تحققه بحيث إذا تحقق الشرط زال الإلتزام وإذا تخلف أصبح الإلتزام باتا. ومثال الشرط الفاسخ نزول الدائن عن جزء من حقه بشرط أن يدفع المدين بالأقساط الباقية كل قسط في ميعاده، فالشرط هنا شرط فاسخ، إذا تحقق الشرط بأن تأخر المدين في دفع الأقساط الباقية كل قسط في ميعاده اعتبر نزول الدائن عن جزء من الدين كأن لم يكن، وإذا تخلف بأن دفع المدين الأقساط الباقية في مواعيدها أصبح الدائن في جزء من الدين باتا لا يزول[29].

8) المطلب الثاني: الأسس التي یقوم علیها الشرط.

وفقا للفصول107، 108 ونص الفصل 111 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي[30]يتضح أن للشرط مقومات أربعة هي:

فهو أمر مستقبل و غير محقق الوقوع، فهو أمر غير مستحيل وغير مخالف للنظام العام أو الآداب.

9) الفرع الأول: الشرط أمر مستقبل.

ينبغي لكي تعتبر واقعة معينة شرطا أن تكون مستقبلية أي أن يكون تحققها لاحقا على انعقاد العقد أي متأتيا بعد الموجب. ولا تكون شرطا إذا كانت متحققة عند نشوء الإلتزام.لأن المستقبل وحده هو الذي يمكن أن تتوافر فيه صفة تلازم الشرط وفي كونه محقق الوقوع، إذ أن الماضي والحاضر أمران متحققان[31].

فيكون الإلتزام بالجائزة أو الهبة إلتزاما معلقا على شرط، إذ يتوقف وجوده على تحقق هذا الشرط. وقس على ذلك سائر الحالات الأخرى التي يعلق الإلتزام فيها على شرط. فلا بد إذن أن يكون الشرط أمرا مستقبلا أما إذا كان الشرط أمرا ماضيا أو حاضرا فلا يعتبر شرطا، حتى ولو كان الطرفان أو أحدهما يعتقد وقت التعامل أنه لا يزال أمرا مستقبلا[32].

هذا وأن اعتقاد الملتزم في الأمثلة السابقة، أن إلتزامه معلق على شرط في حين أنه إلتزام نافذ أو إلتزام باطل أو حتى اعتقاد طرفي العقد معا أن الشرط لم يعرف مآله يعد وأن الإلتزام لا يزال معلقا على شرط لا يؤثر في أن الإلتزام منجز إذا كان الشرط قد تحقق فعلا قبل نشوء الإلتزام، أو في أن الإلتزام غير موجود أصلا أو أن هذا الأمر لم يتحقق[33].

لكن إذا علم الطرفان أن الشرط قد تحقق أو هو متحقق ومع ذلك علقا الإلتزام عليه باعتبار أنه قد يقع مرة أخرى في المستقبل، وكانا واهمين في هذا الظن، إذ أن الأمر لن يقع بعد ذلك، فإن الشرط يكون في هذه الحالة أمرا مستحيلا[34].

والواقعة المستقبلة المعلق عليها الإلتزام تصنف إلى عدة تقسيمات، فقد تكون أمرا إيجابيا أو أمرا سلبيا[35]، وقد تكون أمرا ماديا أو قانونيا[36]، وقد تكون أمرا بسيطا أو مركبا[37]، وتقسيمات الواقعة المستقبلة كثيرة أكتفي بما ذكرت.

انطلاقا من الأفكار السالفة الذكر يمكن القول أن معيار الإستقبال هو في الحقيقة معيار موضوعي لا شخصي، فالعبرة فيه بحقائق الأمور لا بما يثور في وجدان المتصرف أو نفس المتعاقدين[38]. فكلما ثار خلاف حول تعليق تصرف على شرط من عدمه وجب بحث مدى استقبال الواقعة الشرطية وفقا للمعيار الموضوعي وهي مسألة واقع لا رقابة لمحكمة القانون على قضاة الموضوع فيها[39].

والخلاصة أن معيار الاستقبال يدل على أننا بصدد تعليق الإلتزام العقدي لا مطلق الإلتزام.

10)                   الفرع الثاني: الشرط أمر غير محقق الوقوع.

من خصائص الشرط كذلك أن يكون الأمر المستقبل الذي يعلق عليه وجود الإلتزام أو زواله غير محقق الوقوع. أما إذا كان محقق الوقوع إن عاجلا أم آجلا، وسواء كان موعد تحققه معلوما أم غير معلوم فلا يكون شرطا[40]، بل يكون أجلا كما سبق القول[41].

فالأمر لا يكون شرطا إلا إذا كان هناك شك في وقوعه من عدمه، وهذا الشك في وقوع الأمر هو لب الشرط والصميم فيه[42]. وتحديد مسألة عدم التحقق يجب أن يتصرف إلى الأمر ذاته الذي يكون الشرط لا إلى تاريخ وقوعه، فإذا علق وجود الإلتزام أو زواله على أمر محقق معروف، فلا يكون هذا بشرط، وبالتالي لا يكون الإلتزام مشروطا[43].

وقد تكون الواقعة الشرطية غير محققة بطبيعتها كتعليق عقد إيجار حافلات على صلاحية الجو لفترة زمنية معينة خلال فصل الشتاء، وكتعليق عقد ببيع سلعة معينة على وصول شاحنة محملة بسلعة من نفس النوع أو من نوع آخر، أو تعليق تأجير محل للسكنى على الإنتقال إلى بلد آخر. وقد تكون الواقعة الشرطية محققة بطبيعتها ولكنها تصبح غير محققة بسبب الظروف التي لابستها[44].

والشرط بحسب طبيعته هو أمر مشكوك في حدوثه متردد بين أن يقع أو ألا يقع، ولذا فهو يكون بعيدا عن إرادة الأطراف التي يجب ألا تكون متحكمة في تحديد مصيره[45]. وفي هذا الصدد يقسم الفقه الشرط من حيث دور الإرادة في تحققه إلى ثلاثة أقسام:

ـ الشرط الإحتمالي (الفقرة أولى)، الشرط المختلط (الفقرة الثانية)، الشرط الإرادي ( الفقرة الثالثة).

11)                    الفقرة الأولى: الشرط الإحتمالي.

هو الشرط الذي لا دخل لإرادة الأطراف في وقوعه وإنما يتوقف تحققه على محض الصدفة أو على إرادة الغير[46]، ولا يتعلق بإرادة أحد طرفي الإلتزام[47].

ويعرف المشرع الفرنسي الشرط الإحتمالي في المادة 1169 من القانون المدني والتي تنص على أن: " الشرط الإحتمالي هو ما كان موكولا للمصادفة وغير متوقف مطلقا على إرادة الدائن أو المدين "[48]. وقد عرفته محكمة النقض المصرية بأنه: " الشرط الذي يتوقف حصوله على المصادفات المحضة دون أن يتعلق بإرادة إنسان "[49].

12)                   الفقرة الثانية: الشرط المختلط.

  هو شرط يناط تحققه المصادفة المقرونة بإرادة أحد المتعاقدين[50]. وهكذا جاء في الفصل 119 من ق.ل.ع على أنه: " الشرط الذي يتطلب لتحققه مشاركة الغير أو إجراء عمل من الدائن يعتبر مختلفا إذا رفض الغير مشاركته، أو إذا لم يقم الدائن بالعمل المنشود ولو كان المانع راجعا لسبب لا دخل لإرادته فيه"[51].

والخلاصة أن الشرط المختلط هو الذي يناط تحققه بإرادة أحد المتعاقدين مقرونة بالمصادفة أو بإرادة الغير إذا كان معينا.

13)                  الفقرة الثالثة: الشرط الإرادي.

     هو الشرط الذي يتعلق وقوعه بإرادة أحد طرفي الإلتزام، الدائن أو المدين، دون تدخل إرادة الغير، فهو إما أن يكون شرطا إراديا بسيطا أو شرطا إراديا محضا.

1 ـ الشرط الإرادي البسيط.

هو الشرط الذي يخضع لإرادة أحد طرفي الإلتزام، إلا أن هذه الإرادة ليست طليقة من كل قيد بل هي أسيرة مؤثرات وملابسات تحيط بها كأن يعلق تصرف على زواج المتعرف أو المتعرف إليه.

فمثل هذا الشرط هو شرط صحيح لأنه لا يتوقف على محض إرادة صاحب العلاقة، بل هو يخضع ولو بقدر إلى ظروف تخرج عن هذه الإرادة، فالزواج لا يتحقق بمجرد التعبير عن الإرادة بل ثمة صعوبات أو عوائق عائلية أو إقتصادية تحوط بهذا الأمر وتحول ربما دون تحقيقه.

2 ـ  الشرط الإرادي المحض.

هو الذي يتوقف تحققه على محض إرادة أحد طرفي الإلتزام بمعزل عن أي فعل آخر[52]، ويجب التمييز في هذه الحالة بين ما إذا كان الشرط موقوفا على محض إرادة الدائن أو على محض إرادة المدين، فإن كان موقوفا على محض إرادة الدائن كان شرطا صحيحا[53]، وكان الإلتزام قائما معلقا على إرادة الدائن، إن شاء تقاضى من المدين الشيء الذي ألزمه به، وإن شاء أحله من التزامه.

  أما إن كان الشرط موقوفا على محض إرادة المدين، فإن كان شرطا فاسخا كأن يلتزم المدين حالا ويجعل فسخ هذا الإلتزام معلقا على إرادته المحضة، كان الشرط صحيحا وكان الإلتزام قائما، لأن الإلتزام لم يعلق وجوده على محض إرادة المدين، فهو إذا قد وجد، وإنما استبقى المدين زمامه في يده، إن شاء أبقاه وإن شاء فسخه[54].

أما إن كان الشرط موقوف عل محض إرادة المدين شرطا واقفا، كان يلتزم المدين إذا أراد، أو يلتزم إذا رأى ذلك معقولا أو مناسبا، فهذا شرط يجعل عقدة الإلتزام منحلة منذ البداية، إذ أن الإلتزام قد علق وجوده على محض إرادة المدين، إن شاء حفظ الشرط ومن هنا يكون الشرط محقق الوقوع بمشيئة المدين، وإن شاء جعله يتحقق ومن هنا يكون الشرط مستحيل الوقوع بمشيئة المدين أيضا.

و من ثم يكون الشرط باطلا، وهذا ما يقضى به الفصل 112 من ق.ل.ع[55].

14)                  الفرع الثالث: الشرط أمر ممكن.

يجب أن يكون الشرط ليس فقط أمرا غير محقق الوقوع بل أيضا أمرا ممكنا، فليس كل أمر غير محقق الوقوع مستحيل بالضرورة، وبعبارة أخرى "من مستلزمات الشرط عدم استطاعة الجزم بما سيكون من أمره ولهذا وجب أن يكون غير مستحيل الوقوع".

وكل شرط يقوم على شيء مستحيل يكون باطلا ولا يؤدي إلى بطلان الإلتزام الذي يعلق عليه، ولا يصير الإلتزام صحيحا إذا أصبح الشرط ممكنا فيما بعد.

والشرط المستحيل الذي يبطل العقد هو الذي يستحيل تحقيقه إما لكونه مخالفا لنواميس الطبيعة، أو المبادئ القانونية العامة[56].

ويعرف الأستاذ مأمون الكزبري الأمر المستحيل الوقوع بأنه هو الذي لا يمكن تحقيقه بسبب مغيرته لمقتضيات الطبيعة، وإما بسبب تعارضه وأحكام القانون[57]. وهو نفس التعريف الذي تبناه أغلبية الفقه الذي عرف لنا الحادث الشرطي غير الممكن أو المستحيل بأنه ذلك الذي لا يمكن تحققه لكونه مخالفا نواميس الطبيعة أو أحكام القوانين، فيكون محققا عدم وقوعه[58].

ولم يحاول فقهاء الشريعة الإسلامية تعريف الشرط المستحيل تعريفا خاصا لأن الإستحالة لديهم تدخل في عموم النص، سواء كانت استحالة من حيث محل العقد، أم استحالة من حيث الشرط، فالنص يقضي بأن " المسلمون على شروطهم ما وافق الحق في ذلك ". ثم إن "كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل"، إذن فكل ما يستحيل تحققه عادة وعقلا وشرعا. فهو شرط مستحيل[59].

وإذا كان المشرع المغربي لم يعرف الشرط المستحيل مثله مثل معظم التشريعات المقارنة فإنه رغم ذلك تبنى التعريف الذي أعطاه الفقه للشرط المستحيل وذلك عندما نص في الفصل 108 من ق.ل.ع على أن كل شرط يقوم على شيء مستحيل يكون باطلا[60].

وبعد تعريف الشرط المستحيل لابد والتطرق لتقسيماته العديدة بحسب الزاوية التي يتم النظر إليها من خلالها.

وأهم تقسيمين لهما هما اللذان يتعلقان بتصنيفها إلى استحالة مادية[61]وقانونية من جهة[62]، وإلى استحالة مطلقة[63]واستحالة نسبية من جهة أخرى[64].

15)                  الفرع الرابع: الشرط المشروع أو غير مخالف للنظام العام و الآداب العامة.

ينص الفصل 108 من ق.ل.ع السابق الذكر على أن: " كل شرط يقوم على شيء مستحيل أو مخالف للأخلاق الحميدة أو القانون يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الإلتزام الذي يعلق عليه ".

فالمشرع المغربي إذن لم يعط تعريفا للشرط غير المشروع وإنما نص فقط على حكمه وخيرا فعل لأن مهمة وضع التعاريف يستحسن إسنادها للفقه بدل التشريع.

وعرفه الفقه، بأنه " كل شرط إرادي يتجه قصد واضعه إلى إحداث فعل غير مشروع أو إلى تقييد إستعمال حق يهم النظام العام"[65].

وقد عرض المشرع المغربي على وجه التخصيص لبعض أنواع من الشروط غير المشروعة التي تقع باطلة، وتؤدي إلى بطلان الإلتزام الذي يعلق عليها وذلك في الفصلين 109 و110 من ق.ل.ع .

  فالفصل 109 من نفس القانون المذكور أعلاه نص في فقرته الأولى على أن: " كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان، كحق الإنسان في أن يتزوج، وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية، يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الإلتزام الذي يعلق عليه".

عل أن المشرع استثنى من حكم البطلان الحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت وفي منطقة محددين[66].

  والفصل 110 نص في فقرته الأولى على أن: " الشرط الذي ينافي طبيعة الفعل القانوني الذي أضيف إليه يكون باطلا ويبطل الإلتزام الذي يعلق عليه "[67]. فإذا ما بعت سيارة واشترطت على المشتري منعه من التصرف في المبيع بصورة مؤبدة، فإن شرطي هذا يقع باطلا لأنه ينافي حق المالك في التصرف في ملكه وبطلان الشرط يؤدي إلى بطلان البيع المعلق عليه.

ويكون الشرط المخالف للآداب باطلا أيضا ولا يقوم الإلتزام الذي علق عليه، ومثال ذلك أن يلتزم شخص نحو آخر بمبلغ من النقود بشرط أن يقوم بعمل غير مشروع، وكذلك الحكم إذا التزم شخص نحو آخر بمبلغ من النقود، بشرط أن يرتكب جريمة معينة، فكل هذه الشروط مخالفة للآداب، لأنها جزاء مادي على القيام بعمل معين[68].

وتجدر الإشارة في هذا المقام أن مفهوم الآداب العامة يتطور باستمرار، ومن أنه يعود للقضاء تكييف عدم مطابقة الشرط للآداب العامة تبعا لحاجات العصر وأخلاقه وحسب نظرة المجتمع إلى الحياة و إلى الأمور.

16)                  الفرع الخامس: الشرط أمر عارض.

يقصد بالصفة العارضة للشرط أنه وصف يدخل على الحق بعد تمامه وتكامل عناصره، فالشرط لا يساهم في تكوين الحق ذاته، بل يضاف إليه بعد تكوينه، فيمكن إذن تصور قيام الحق بدون الشرط، والشرط إذا وجد أصبح الحق موصوفا، وإذا لم يوجد، فالحق يقوم بالرغم من ذلك، لأنه استكمل عناصره ويكون بسيطا منجزا، أي أنه حق غير موصوف[69].

فالوصف في الحق المشروط أمر عارض يلحق الحق بعد تكامل عناصره، أما الوصف في الحق الإحتمالي فهو أمر غير عارض، إذ أنه ينقصه عنصر من عناصر تكوينه والوصف في الحق الإحتمالي هو بالذات نقصان هذا العنصر، ومثل الحق الإحتمالي حق الموصى له قبل موت الموصى وحق الوارث قبل موت الموروث وهنا لا يكون للموصى له أو الوارث إلا حق احتمالي قد نقصه عنصر من عناصر تكوينه هو موت الموصى أو المورث،ولا يعتبر هذا الموت شرطا بل هو عنصر من عناصر تكوين الحق.

والصفة العارضة للشرط لها أهمية بارزة في التمييز بين الحق الإحتمالي والحق الشرطي، ذلك أنه يمكن تصور قيام الحق المشروط، كاملا دون الشرط، أما الحق الإحتمالي فهو حق ينقصه عنصر من عناصر تكوينه. فلا يمكن تصور قيامه كاملا دون هذا العنصر.

أما إذا تحقق الشرط في الإلتزام المشروط، كان للحق أثر رجعي في حين لو استكمل الحق الإحتمالي عنصر التكوين الذي ينقصه، فإنه يصبح حقا كاملا دون أثر رجعي من وقت استكمال العنصر الناقص لا من وقت وجود الحق الإحتمالي.

وإذا كان الفقه يعتبر الشرط بمعنى الوصف بمثابة عنصر جوهري في الإلتزام، فإن الرأي الغالب يعتبره أمرا عارضا يعلق التزاما استكمل كافة عناصر تكوينه، ودون أن يكون للشرط حكما قانونيا لازما لقيام الإتفاق أو الإلتزام الذي ينشأ عنه، وهذا هو معنى الشرط.

  فهو يرد على تصرف استجمع مقومات وجوده ابتداء وهو مجرد وصف عارض يتصور وجود العقد بدونه، فعرضية الشرط هاته هي التي تفسر فكرة الأثر الرجعي[70].

وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن انعدام الفائدة من الشرط يوجب اعتباره كأن لم يكن إذ لا بد في الشرط، حتى يعتد به، أن تكون ثمة فائدة في تحققه، أما إذا طرأ ما من شأنه أن يعدم هذه الفائدة فإنه يجب اعتبار الشرط كأن لم يكن والإلتزام المعلق عليه التزاما منجزا.

فالفصل 111 من ق.ل.ع نص على أنه: "يبطل ويعتبر كأن لم يكن الشرط الذي تنعدم فيه كل فائدة ذات بال، سواء بالنسبة إلى من وضعه أو إلى شخص آخر غيره، أو بالنسبة إلى مادة الإلتزام "[71].

المبحث الثاني: الآثار القانونیة لإقتران الشرط بالإلتزام.

سنتناول في هذا المبحث الآثار القانونیة للشرط عند اقترانه بالإلتزام، وهي تتكون من مرحلتین، لذا في(المطلب الأول) سندرس آثار الشرط في مرحلة التعلیق، ثم في(المطلب الثاني) آثار الشرط عند إنتهاء مرحلة التعلیق.

17)                   المطلب الأول: آثار الشرط في مرحلة التعليق.

لتحلیل آثار الشرط في مرحلة التعلیق سنقسم المطلب لفرعین. نتناول في (الفرع الأول) آثار الشرط الواقف في مرحلة التعلیق، وفي (الفرع الثاني) آثار الشرط الفاسخ في مرحلة التعلیق كذلك.

18)                  الفرع الأول: آثار الشرط الواقف في مرحلة التعليق.

یقصد بفترة التعلیق المرحلة التي لا یعرف فیها معیار الشرط و هي الفترة الممتدة من تاریخ وجود الإلتزام المعلق على شرط إلى یوم تحقیقه أو تخلفه.  وتختلف الآثار حسب ما إذا كان الشرط واقفا أو فاسخا. وفي هذا الفرع سندرس آثار الشرط الواقف.

لاستبيان أثار الشرط الواقف في التشريع المغربي و عل مستوى قانون الإلتزامات و العقود فإنه لا بد من الإشارة أولا إلى أن الإلتزام المعلق على شرط واقف التزام موجود غير أنه التزام غير نافذ[72]، فالإلتزام إذا لا يصبح نافذا إلا إذا تحقق الشرط الواقف لكن یكون للدائن حق محتمل في ذمة المدین.

و یترتب على كون الإلتزام المعلق على شرط واقف غیر مؤكد الوجود أثناء فترة التعلیق، أنه لا یجوز للدائن أثناء هذه الفترة أن يطالب المدين بتنفيذ الإلتزام جبرا لأنه غير مؤكد الوجود[73].

ويثار سؤال حول مصير دعوى التنفيذ الجبري التي ترفع خلال التعليق وبعد رفعها بتحقق الشرط قبل البث فيها؟

فهنا قد يصادف الأمر أحد الأمرين:

 

ـ فالأول: يرى بقبول تلك الدعوى، رغم أن الحكم يستند إلى وقت رفعها إلا أن الشرط يستند في تحققه إلى وقت سابق على رفعها وذلك باعتبار الأثر الرجعي للشرط باعتباره حقا قائما وناجزا لا من تحققه وإنما من وقت إبرام العقد[74].

ـ أما الثاني: يرى الحكم بعدم قبول تلك الدعوى، ذلك أنه لا يعتد بالأثر الرجعي لتحقق الشرط، وبالتالي لن يكون الحق موجود إلا من لحظة تحقق الشرط.

ولیس للدائن أن یتمسك بالمقاصة في مواجهة المدین لأن المقاصة القانونیة لا تقع بین حق معلق و دین نافذ. وقد نص المشرع في ق.ل.ع على شروط معينة، فإذا توافرت وقعت المقاصة بحكم القانون[75]، وهذه المقاصة القانونية قد نظم المشرع المغربي أحكامها[76] تفصيلا في الباب الخامس من القسم السادس من الكتاب الأول في الفصول من 357 إلى الفصل 368 من قانون الإلتزامات و العقود.

كما لا يجوز للدائن مطالبة التسجيل بالرسم العقاري، وهكذا جاء في قرار لمحكمة الإستيناف بالرباط[77] إن: " البيع العقاري المعلق على شرط واقف غير قابل للتسجيل لأن الحق الناتج عن مثل هذا البيع هو قبل تحقق الشرط حق شخصي بحث".

كما لا يسري التقادم بالنسبة للإلتزام المعلق على شرط واقف إلا من وقت تحققه، حيث جاء في الفصل 380 من قانون الإلتزامات والعقود أنه:" لا يسري التقادم بالنسبة للحقوق إلا من يوم اكتسابها، وبناء على ذلك لا يكون للتقادم محل:

1ـ بالنسبة إلى الحقوق المعلقة على شرط، حتى يتحقق الشرط.."[78].

ویستطیع الدائن حال حیاته أن ینقل حقه الإحتمالي للغیر بالحوالة و هو الرأي الذي أخذ به المشرع المغربي إذ نص الفصل 189 من ق.ل.ع على أنه:" يجوز انتقال الحقوق والديون من الدائن الأصلي إلى شخص آخر، إما بمقتضى القانون وإما بمقتضى اتفاق المتعاقدين"[79]. وكما يحق للدائن بحق شرطي أن يتصرف فيه بكافة أشكال التصرف كالبيع أو الهبة أو غيرهما، وله حق التنازل عنه دون الإضرار بحقوق الغير ذي النية الحسنة، وتنتقل بوفاته لورثته الشرعيين[80].

ولا يجوز للمدين من خلال هذه الفترة القیام بأي عمل من شانه إعاقة حصول الدائن على حقه وكذلك لصاحب الحق الإحتمالي أن یجري الأعمال المادیة اللازمة لصیانته من التلف. ویمكن للدائن أیضا القیام ببعض الإجراءات التحفظیة لیكفل حقه الإحتمالي[81] كأن یقوم بتقييد رهن لضمان دينه المعلق على شرط، ويجمع الفقه على صحة الدائن في تقييد هذا الرهن عملا بالقاعدة القائلة بأن:" جميع التصرفات المنشئة لحق من الحقوق العينية التبعية أو المقررة لها، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب شهرها بطريق القيد، ويترتب على عدم القيد أن هذه الحقوق لا تكون حجة على الغير"[82]، وكما یمكنه رفع الدعوى غیر المباشرة[83] والدعوى الصوریة[84] للمحافظة على ضمانه العام.

وقد قرر التقنین المدني المصري في هذا المجال أن حكم الإلتزام قبل تحقق الشرط الواقف هو التزام موجود لكنه غیر بات وغیر نافذ، عملا بما نصت علیه المادة 268 من القانون المدني المصري[85].

 ویتضح أن الإلتزام المعلق على شرط واقف هو التزام موجود حتى قبل تحقق الشرط و لكنه غیر بات. وكونه موجود یترتب علیه اعتباره عنصرا إیجابیا في ذمة الدائن یجوز له أن یتصرف فیه إلى الغیر كما ینتقل إلى ورثته بالميراث، وكذلك یجوز للدائن أن یتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على حقه وهي ما تسمى بالإجراءات التحفظیة كوضع الأختام و فرض الحراسة.

ومع ذلك فإن هذا الإلتزام لا یكون محضا قبل تحقق الشرط إذ لا یعرف إذا كان الشرط سیتحقق أم لا، فلا یكون نافذا وأیضا لا یقبل التنفیذ القهري عن طریق بیع أموال المدین بالمزاد العلني ولا التنفیذ الإختياري من جانب المدین. وإذا قام المدین بوفائه اختيارا معتقدا أنه غیر معلق على شرط جاز له استرداد ما وفاه طبقا لقواعد استرداد ما دفع بغیر حق[86].

كما لا یجوز للدائن أن یتمسك بالمقاصة في مواجهة المدین أثناء مرحلة التعلیق لأن المقاصة طریق لاستيفاء الحق، وأیضا لیس له أن یباشر الدعوى البولیصیة لأنها لا تستلزم أن یكون حق الدائن وموجودا فحسب بل تتطلب علاوة على ذلك أن یكون حقه مستحق الأداء. ولا یسري التقادم أثناء فترة التعلیق بالنسبة لإلتزام المدین المعلق على شرط واقف لأنه لا یستحق الأداء إلا من وقت تحقق الشرط.

وإذا كان الإلتزام المعلّق التزاما بنقل ملكیة شيء معین بالذات فلا تنتقل إلى الدائن معلقة على الشرط الواقف و ذلك سواء كان الشيء منقولا أو عقا ا ر وتم تسجیل التصرف، ویكون المدین مالكا تحت شرط فاسخ لكن له أن یتدخل في إجراءات القسمة و في الدعاوي التي یكون المدین طرفا فیها. و یجوز طلب تعیین حارس على العین المملوكة تحت شرط واقف وإذا كان المدین ینازع في هذا الحق ویخشى على العین بسبب هذه المنازعة[87].

وبخصوص الشرط الواقف في مرحلة التعلیق في التشریع الفرنسي فقد خاض الفقه الفرنسي في میكانیزم الشرط

 ((le mécanisme de la condition و إعتبره الآثار المترتبة على الشرط المعلق وذلك حینما یكون جزافيا، أي مدى الجهل بما إذا كان هذا الشرط سوف یتحقق أو لن یتحقق، مع الوضع في الإعتبار نتائج تخلفه أو نتائج تحققه، و یثیر هذا الفقه فكرة عدم وجود الإلتزام في حالة التعلیق، ذلك أن حق الدائن لم یتوّلد بعد.

ویترتب على ذلك أنه لا یستطیع الدائن أن یطالب بالسداد فلیس ثمة تنفیذ إجباري، كما أنه لیس للمدین السداد على نحو سلیم كونه إذا سدّد یكون سداد غیر مستحق. كما لا یسري فیه التقادم المسقط[88].

وكذلك الطائفة الثانیة من الآثار في مرحلة التعلیق تتمثل في وجود حق شرطي للدائن، ویترتب على وجوده جملة من النتائج أهمها أن الحق یعتبر صحیحا من وجهة النظر القانونیة، ومن ثم فإن للدائن أن یتخذ من الإجراءات ما یحافظ به على هذا الحق، ولهذا یحمیه القانون ویعطي صاحبه من الوسائل ما یحافظ بها علیها، مثاله أنه للدائن أن یقوم بكل الأعمال التحفظیة الخاصة بدینه طالما أن هذا الدین لم یتوّلد بعد، وله ذلك اعتبارا من وقت التعلیق من فحص العقد التأسیسي المنشئ لدینه، وله أیضا إستعمال الإمتیاز الخاص به والثابت كتابة أو الرهن العقاري. كما له أن یحصل على ضمان جدید ولكن لا یحصل الدائن في هذه الحالات إلاّ على ترتیب مشروط للدائنین غایة الأمر أن مصالحه ستحظى بالحمایة، وأخیرا هذا الحق ینتقل كغیره من الحقوق بین الأحیاء أو إلى الورثة بعد الوفاة[89].

 

 

19)                  الفرع الثاني: آثار الشرط الفاسخ في مرحلة التعليق.

    سنتطرق في هذا الفرع لما یرتبه الشرط الفاسخ من آثار في مرحلة التعلیق، أي قبل تحقق الشرط وبیان مصیره.

الشرط الفاسخ في مرحلة التعلیق بالنسبة للمشرع المغربي، یعتبر قائما ونافذا غير أنه مهدد بالزوال إذا ما تحقق الشرط، فالعقد المعلق على شرط فاسخ موجودا تمام الوجود، فلا أثر للشرط عل تكوينه من جهة، ولا على آثاره من جهة أخرى، أي أن العقد رغم تعليقه فهو ينتج كافة آثاره كالعقد الناجز[90]، فهو كالإلتزام الناجز يعتبر موجودا وواجب التنفيذ فور نشوئه وان كان قابلا للزوال[91].

          ومن جانب آخر یُلاحظ أن الوفاء بالإلتزام في هذه الحالة هو وفاء صحیح طالما أن الشرط لم یتحقق لكون الإلتزام المعلّق على شرط فاسخ مستحق الأداء. ویترتب على هذا أنه ینتقل شرعا إلى خلفه العام أي الورثة الشرعيين. لقوله تعالى "للرجال نصیب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصیب ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثُر نصیبا مفروضا"[92].

    ویتطابق موقف التشریع المدني المصري مع ما قرره القانون المغربي، معتبرا الإلتزام المعلق على شرط فاسخ التزام قائم ونافذ في أثناء فترة التعلیق وإن كان مهددا بالزوال. ولذلك یأخذ الإلتزام المعلق على شرط فاسخ في أثناء مرحلة التعلیق حكم الإلتزام البسیط غیر الموصوف، بمعنى أنه یعتبر موجودا وواجب النفاذ فور نشوئه وإن كان قابلا للزوال، مما یجعل التصرفات التي یأتیها الدائن بهذا الإلتزام معلقة على نفس الشرط الفاسخ المعلق علیه حقه.

   وبالتالي یترتب على إعتبار الإلتزام المعلق على شرط فاسخ التزام موجود ونافذ في مرحلة التعلیق، أنه للدائن أن یباشر أي إجراء من إجراءات التنفیذ في مواجهة المدین. وإذا قام المدین بالوفاء بالتزامه المعلق على شرط فاسخ اعتبر وفاؤه وفاءً بالتزام مستحق الأداء.

    كما یجوز للدائن من جهة أخرى أن یتمسك بحقه وبما قد ینشأ في ذمته من التزام لصالح مدینه ولو كان هذا الإلتزام باتا، كما یسري التقادم أثناء فترة التعلیق بالنسبة للإلتزام المعلق على شرط فاسخ لأنه التزام مستحق الأداء، وله كذلك أن یباشر الدعوى البولیصیة. أما ما تعلق بنقل الملكیة فإذا كانت ملكیة شيء منقول فإنها تنتقل بالإفراز، أما إذا كانت عقا ا ر فتنتقل بالتسجیل لكنها مهددة بالزوال[93].

  وقضى المشرع الفرنسي في هذا السیاق بأنه طالما أن الإلتزام المعلق على شرط لاغي التزام قائم وصحیح ویرّتب كافة أثاره إلى أن یتحقق هذا الشرط فتزول الآثار تبعا وبأثر رجعي. وقد تبنى الفقیه الفرنسي باتریك كانین هذا الموقف بقوله أن الإلتزام المشروط ینتج كل أثاره ویجب أن تكون نافذة مثل أي التزام منجز وبسیط[94]. والوضعیة الأصّح في هذه الحالة أن الإلتزام خاضع للشرط اللاغي بصفة فوریة ویرّتب جمیع أثاره كونه صحیحا، وبالتالي یفرض الإلتزام، ولا یسري الحق على المدین الذي نفّذ التزامه إتجاه الدائن بصفة فوریة حتى وإن كان باتا وقطعیا إذا كان معلقا على حق مشروط لاغي[95].

20)                 المطلب الثاني: آثار الإلتزام المعلق على شرط بعد انتهاء مرحلة التعليق.

  إذا انتهت مرحلة التعليق، فإن مآل الشرط يتبن، فهو إما أن يتحقق أو يتخلف، وسواء تحقق أو تخلف، فهناك آثار تترتب على ذلك. في حالتي الشرط الواقف والفاسخ.

ويكون لتحقق الشرط الواقف أو الفاسخ، أثرا رجعيا، في الكثرة الغالبة من الأحوال، ويتم التعرض الآن لضوابط تحقق الشرط أو تخلفه (الفرع الأول)، ومن بعد يتم التعرض لآثر تحقق الشرط الواقف والفاسخ أو تخلفه (الفرع الثاني).

21)                   الفرع الأول: ضوابط تحقق الشرط أو تخلفه.

ينتهي التعليق بتحديد مصير الشرط الذي يمكن أن يتحقق أو أن يتخلف، ذلك أن الشرط قد يتحقق إما فعلا أو حكما، والقاعدة العامة في ذلك خضوع الشرط للإرادة المطلقة، فهو لا يعتبر متحققا إلا إذا تمت الواقعة الشرطية على النحو المتفق عليه بين الأطراف وهو ما أكدته المادة 1175 من القانون المدني الفرنسي والتي تنص على أنه:" يجب أن يكون تحقق الشرط على الوجه الذي يظهر أن الطرفين قد أرادا قصدا أن يكون كذلك".

22)                 الفقرة الأولى: تحقق الشرط أو تخلفه فعلا.

  العبرة بإرادة طرفي الإلتزام في تحقق الشرط أو تخلفه، وإن كان قانون الإلتزامات والعقود المغربي لم ينص صراحة على ذلك، فإن الفكرة انتقلت إليه من القانون المدني الفرنسي بصورة ضمنية[96]، خاصة الفصل 1175 السالف الذكر، لكنه لم يخرج عن نطاقها مثلا عندما جعل من بين ضوابط تحقق أو تخلف الشرط في الفصل 119 من ق.ل.ع[97]، ضرورة مشاركة الغير في تحقيق الحادث الشرطي أو عدم قيام الدائن بعمل معين أو انقضاء المدة المحددة لتحقق الشرط وتلك كلها ضوابط تدور في فلك الفكرة القائمة بوجوب تحقق الشرط على نحو ما أراده المتعاقدان وقصداه.

23)                 أولا: تحقق الشرط.

تطبيقا لقاعدة خضوع تحقق الشرط أو تخلفه لإرادة المتعاقدين، وإعمالا لحقيقة قصد المتعاقدين في إطار طبيعة الشرط فإن الشرط يجب أن يتحقق فعلا بكل أجزائه.

فالقاعدة العامة أن الشرط لا يعد " متحققا إلا إذا تحققت الواقعة فعلا"[98]، إذ جاء في الفصل 117 من ق.ل.ع " إذا علق التزام على شرط حصول أمر في وقت محدد، اعتبر الشرط متخلفا إذا انقضى الوقت دون أن يقع الأمر"[99].

أما الفصل 118 من نفس القانون فقد جاء فيه:"إذا علق التزام مشروع على شرط عدم وقوع أمر في وقت محدد فإن هذا الشرط يتحقق إذا انقضى الوقت من غير أن يقع الأمر. وهو يتحقق كذلك إذا أصبح، قبل فوات الأجل، مؤكدا أن الأمر لن يقع. وإذا لم يحدد أي أجل، فلا يتحقق الشرط إلا إذا أصبح مؤكدا أن الأمر لن يقع".

  وانطلاقا من الفصلين أعلاه فإنه إذا كان المتعاقدين قد راعيا صفة خاصة أو اعتبارا شخصيا فيمن يقوم بالعمل ثم باشره شخص آخر سواه فإن الشرط يعد متخلفا، وإذا تمثل الشرط في تحقيق غاية فإن الشرط لا يتحقق لمجرد بذل عناية، فإذا علق المتعاقدان عقدهما على زواج المتعهد له من فتاة معينة فإن الشرط لا يتحقق إلا بزواج المتعهد له نفسه منها، ولا يجديه أن عليها الزواج وألح فيه ولكنها رفضته أو أن أسبابا قاهرة قد حالة دونه. ولكن قصد المتعاقدين قد يتصرف إلى جعل الشرط متحققا إذ بذل من أنيط به العمل الجهد اللازم دون أن يكون ملزما بإدراج النتائج.

وإذا كان الشرط يتكون من واقعة تقبل الإنقسام أو من واقعتين منفصلتين أو أكثر ثم تحقق شق أو جزء من الشرط، فإن ذلك لا يخول الدائن الحق في المطالبة بتنفيذ العقد المقابل للجزء الذي تحقق أو تخلف من الشرط، لأن آثار العقد تظل معلقة برمتها طالما لم يتحقق الشرط بكل أجزائه[100].

 ورغم وضوح فكرة عدم قابلية الشرط للإنقسام إلا أن أمر تحديد ما إذا كان الشرط يقبل التجزئة أم لا يبقى من اختصاص المحكمة بحيث أن مسألة تحقق الشرط أو جزء منه تدخل في إطار كيفية تحقق الشرط باعتبارها من المسائل الواقعية لا القانونية.

ويتوجب على المحكمة لتحديد مدى اعتبار الشرط متحققا أم متخلفا أن تحدد مضمون الشرط، وذلك قبل بحث آثاره أو كيفية تحققه أو تخلفه.

والشرط قانونا واقعة وليس جزء من الواقعة فإن تحقق جزء من الواقعة فإنه لا يمكن القول بأن الشرط قد تحقق. وقد يحدد المتعاقدان أجلا للشرط، فإن انقضى الأجل دون تحقق الحادث اعتبر الشرط متحققا، فإذا وقع نزاع يعرض على المحكمة التي لا تملك تحديد ذلك الأجل تطبيقا لما جاء به الفصل 117 من ق.ل.ع وذلك انسجاما مع مبدأ العقد شريعة المتعاقدين[101].

 

24)                 ثانيا: تخلف الشرط فعلا.

يعتبر الشرط متخلفا فقط، في حالة عدم حصوله داخل الوقت المحدد، بل أيضا إذا حدثت واقعة تؤكد أنه لن يتحقق مطلقا وتبقى للمحكمة الكلمة لتجزم بمآل الشرط. وإذا لم يتعين وقت لوقوع الحادث، فتحقق الشرط ممكن في كل آن[102].

ومرور وقت طويل دون تحقق الشرط لا يحصل منه متخلفا إلا إذا أصبح من المؤكد أنه لن يقع في المستقبل، إذ جاء في قرار لمحكمة النقض أنه:" ـ الشرط الواقف إذا لم يحدد له أجل أمكن أن يتحقق في أي وقت ولا يعتبر متخلفا إلا إذا أصبح من المؤكد أن واقعة موافقة الجهة لن تتحقق في المستقبل"[103].

ويرى بعض الفقه أنه عند عدم تعيين مدة يتحقق خلالها الشرط، يعين القاضي مدة معقولة مستخلصا إياها من نية الطرفين ومن ظروف التعاقد وملابساتها.

وفي التشريع المغربي عالج المشرع المغربي هذه المسألة بنص خاص بمقتضى الفقرة الأخيرة من الفصل 117 من ق.ل.ع[104].

25)                 الفقرة الثانية: ضوابط تحقق أو تخلف الشرط حكما.

يتحقق الشرط حكما إذا حال صاحب المصلحة دون تحققه، كما يتخلف حكما إذا حققه صاحب المصلحة بطريقة الغش ويتم التعرض لهذين الأمرين فيما يلي:

26)                 أولا: تحقق الشرط حكما.

  إن هذا المبدأ عالجه التشريع المغربي من خلال مقتضيات الفصل 122 من ق.ل.ع والذي جاء فيه:" يعتبر الشرط متحققا إذا حال من غير حق المدين، الملتزم على شرط دون تحققه، أو إذا كان مماطلا في العمل على تحققه".

ولا يشترط أن يكون عدم تحقق الشرط صدر عن المدين قصدا، بل يكتفي أن يكون قد تم بدون حق ولا مسوغ، وعلى المدين إذا ادعى أن الدائن هو الذي استعجل وقوع الأمر المعلق عليه الشرطان يثبت ذلك، وإلا لا يعد الأمر المعلق به الشرط متحققا.

27)                 ثانيا: تخلف الشرط حكما.

أشار الفصل 123 من ق.ل.ع إلى هذا المبدأ والذي جاء فيه" تحقق الشرط لا ينتج أي أثر إذا حصل تدليس ممن كانت له فيه مصلحة".

ولا يخفى أن هذا الفصل قصد قمع الغش الذي قد يقع من المدين أو الدائن حسب الظروف.

  فهكذا يجرد الشرط من كل أثر، ويعتبر بالتالي متخلفا، رغم تحققه في الواقع، إذا كان الشرط قد تحقق بغش من كانت له مصلحة في تحققه، كأن يعمد المؤمن على الحريق إلى حرق البناء الذي أمنه.

وفي جميع الأحوال يكون هناك خطأ من الطرف الذي عمل على تحقق الشرط، فيجب عليه التعويض عن الخطأ، وخير تعويض هو أن يعتبر الشرط الذي عمل على تحققه قد تخلف، فهذا التعويض العيني عن الخطأ الذي ارتكبه.

     فالتدليس هنا يثبت بكافة وسائل الإثبات ما دام الأمر من الأمور الواقعية والتي لا رقابة لمحكمة النقض على قضاء الموضوع بخصوصها، ويقع عبء إثباتها على مدعي التدليس.

28)                 الفرع الثاني: أثر تحقق الشرط أو تخلفه.

تختلف آثار الشرط عما إذا كان الشرط الذي علق عليه التصرف واقفا أم فاسخا.

وعليه سيتم التعرض أولا للشرط الواقف (الفقرة الأولى)، ثم من بعد التعرض للشرط الفاسخ (الفقرة الثانية).

29)                 الفقرة الأولى: آثار الشرط الواقف.

تختلف نتائج تحقق الشرط عن آثار تخلفه.

30)                 أولا: أثر تحقق الشرط الواقف.

ينص الفصل 124 من ق.ل.ع على أنه:" لتحقق الشرط أثر رجعي يعود إلى يوم الإتفاق على الإلتزام، إذا ظهر من إرادة المتعاقدين أو من طبيعة الإلتزام أنه قصد إعطاء هذا الأثر"[105].

إذن فالمبدأ في التشريع المغربي أن لتحقق الشرط أثر فوريا لا أثرا رجعيا، وفكرة الأثر الرجعي تجد جذورها في القانون الروماني، ولكن الشراح يختلفون في تأصيل هذه القاعدة، ولكن الإتجاه السائد في الفقه المعاصر يذهب إلى أن قاعدة رجعية الأثر الرجعي تجد أساسها في إرادة المتعاقدين. ففكرة الأثر الرجعي للشرط التي ترجع إلى القانون الروماني، كما سبق القول، قد أخذت بها بعض التقنينات كالقانون المدني الفرنسي في المادة 1179 والقانون المدني المصري في المادة 270 لتبرير بعض الآثار التي تترتب على تحقق الشرط، وأهمها فسخ التصرفات التي يجريها أثناء قيام الشرط المدين تحت شرط واقف، أو صاحب المقرون بشرط فاسخ[106].

لئن كان المبدأ في التشريع المغربي أن للشرط أثرا فوريا، فإن لهذا المبدأ استثنائيين ورد عليها النص في الفصل 124 من ق.ل.ع وهما:

إرادة المتعاقدين في استبعاد الأثر الفوري للشرط وإعطائه أثرا رجعيا، وطبيعة الإلتزام إذا كانت تأبى الأثر الرجعي.

وبتحقق الشرط الواقف فإن حق الدائن بتأكيد وجوده ويصبح حقا نافذا مستحق الأداء، ومن ثمة فإنه يرتب جميع الآثار التي يرتبها الإلتزام البسيط الناجز[107]، كما أنه عندما يتحقق الشرط يجب على الملتزم تنفيذ التزامه رضاء وإلا نفذه عليه الدائن بطريق التنفيذ الجبري ومعلوم أن قاعدة سريان الشرط الواقف بأثر رجعي لا تتعلق بالنظام العام، بل يجوز للأطراف مخالفتها، كما يجوز للقاضي عند الخلاف إبعادها إذا كانت تتعارض وطبيعة الإلتزام المبرم[108].

فإذا هلك محل الإلتزام المعلق على شرط واقف، أو عيب لحق به، أو نقصان قيمته، وذلك في مرحلة التعليق، يلزم عندما يتحقق الشرط تطبيق القواعد المنصوص عليها في الفصل 120 من ق.ل.ع، مالم يتفق الطرفان على خلافها[109].

31)                  ثانيا: أثر تخلف الشرط الواقف.

إذا تخلف الشرط الواقف، فإن الإلتزام المعلق عليه يزول ويعتبر كأن لم يكن وأصبح على طرف محللا من أي تكليف. ويتفرع عن ذلك زوال كل التصرفات والإجراءات التحفظية التي يباشرها الدائن فيما يتعلق بحقه الذي كان معلقا على تحقق الشرط.

وان يزول هذا الحق ذاته فلا يوجد في تركته ولا يؤول إلى ورثته. وأن ما كان قبض من الدين المعلق على شرط واقف فيصبح مقبوضا دون حق ويلزم رده، وإذا كان القابض قد تصرف في ما قبضه أثناء فترة تعليق الشرط تلغى تصرفاته لأنها كانت معلقة على الشرط الواقف الذي صار تخلفه بعدئذ[110].

32)                 الفقرة الثانية: أثر الشرط الفاسخ.

للشرط الفاسخ آثار تختلف بحسب تحققه أو تخلفه.

33)                أولا: تحقق الشرط الفاسخ.

إذا تحقق الشرط الفاسخ، أصبح الإلتزام كأن لم يكن وفسخ التصرف الذي كان معلقا عليه، ووجب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل، جزاء هذا التصرف، لذلك أوجب الفصل 121 من ق.ل.ع المغربي على الدائن أن يرد ما أخذه إذا تحقق الشرط الفاسخ[111].

إذا فتحققه يزيل الإلتزام المعلق عليه ويعتبر الإلتزام كأن لم يكن. ويقع ذلك بحكم القانون، دون حاجة إلى حكم أو إعذار.

وآثار الشرط الفاسخ تترتب كافة على أساس أنه وصف للتراضي وبالتالي تكون منبثقة من الإلتزامات عقدية وإرادية، وأهم تلك الآثار نص عليها الفصل 121 و125 من ق.ل.ع.

     غير أن هذه النتائج تختلف بحسب ما إذا كان الشرط فاسخا ضمنيا لذلك وجب التمييز بينهما.

1)   التمييز بين الشرط الصريح الفاسخ والشرط الضمني الفاسخ.

يتمثل الشرط الصريح الفاسخ في اتفاق الأفراد مسبقا على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه عند عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه، ومن ثم لا يكون للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ الذي يقع حتما دون أن يكون له إمهال المدين المتخلف عن الوفاء[112]، وليس للمدين الحق في عرض تنفيذ التزامه إلا إذا قبل الدائن ذلك.

وقد يقضى الإتفاق بوقوع الفسخ دون حاجة إلى حكم قضائي أو دون حاجة إلى إعذار.

فالإتفاق على الفسخ التلقائي ينبغي أن يكون قاطع الدلالة على ذلك، حيث يجب أن تتجه إرادة الأطراف بوضوح تام إلى وجوب الفسخ التلقائي للعقد عند الإخلال بالإلتزام حسب ما جاء به الفصل 260 من ق.ل.ع[113].

أما إذا اكتفى الأفراد بمجرد النص على الفسخ عند الإخلال بالإلتزام، فإن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد تأكيد تطبيق القواعد العامة بالفسخ لعدم التنفيذ في العقود الملزمة للجانبين، أي تطبيق أحكام الفسخ القضائي.

وفي الحالة التي تتجه فيها نية المتعاقدين إلى فسخ العقد عند إخلال المدين بإلتزامه، فالفسخ يكون الجزاء المباشر للإخلال بالإلتزام. إلا أن هذا الجزاء لا يمكن إعماله إلا بعد إعذار المدين وبصدور حكم قضائي، حيث يتمتع القاضي بسلطة تقديرية واسعة في الإستجابة لطلب الدائن في الحكم بالفسخ. ويجوز للقاضي رفض الفسخ إذا كان ما لم يوفي به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الإلتزام في جملته. ويستطيع المدين أن يتوقى الفسخ بتنفيذ التزامه قبل صدور حكم نهائي في الدعوى[114].

ومن ثم يحق لكل من تعاقد في العقود التبادلية طلب فسخ العقد، عند إخلال الطرف الآخر بالتزاماته، ولو لم تتحقق له مصلحة اقتصادية من الفسخ، وهذا الحق يعتبر العقد متضمنا له ولو خلا من اشتراطه، ولا يجوز حرمان المتعاقدين منه أو الحد منه إلا باتفاق صريح.

وإذا جاء العقد التبادلي خاليا من النص على الفسخ اكتفى الأطراف بالنص فيه على الفسخ عند الإخلال بالإلتزام أو جاءت صيغة الإتفاق على الفسخ عامة غير صريحة ودالة على وجوب الفسخ حتما بمجرد الإخلال بالإلتزام، فإن للقاضي أن يقضي بالفسخ إعمالا للشرط الفاسخ الضمني الذي نضم حكمه الفصل 259 من ق.ل.ع[115].

ونخلص مما سبق إلى أن الفرق بين الشرط الصريح الفاسخ والشرط الفاسخ الضمني يكمن في التفرقة بين الفسخ الإتفاق والفسخ القضائي أي بين الفصل 259 والفصل 260 من ق.ل.ع.

أما القانون المدني الفرنسي فينص في الفصل 1184 على أن الشرط الفاسخ يكون دائما مضمرا في العقود الملزمة للجانبين وذلك لمواجهته تخلف أحد طرفي العقد عن الوفاء بإلتزامه، فهو ينظم الفسخ القضائي ويقيمه على فكرة الشرط الفاسخ الضمني[116].

2) صور الشرط الصريح الفاسخ.

طبقا للفصل 260 من ق.ل.ع[117] يتمتع أطراف العقد بحرية واسعة في الإتفاق على الفسخ.

وبالتالي عندما يثار نزاع يجب على المحكمة أن تتحرى حقيقة مراد العاقدين للتأكد من مدى اتجاه النية إلى الخروج على القواعد العامة في الفسخ أي استبعاد سلطة القاضي واعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه بمجرد الإخلال بالإلتزام[118]. فالشرط الصريح الفاسخ لا يشكل خروجا على مبدأ الفسخ القضائي للعقد، لذا لا يمكن القول به أو إعماله إلا إذا كانت عبارات العقد واضحة في الدلالة على قيامه[119].

وللشرط الصريح الفاسخ ثلاث صور:

ـ الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه.

ـ الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم.

ـ الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار.

ـ الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه.

يمثل هذا الاتفاق الصورة البسيطة للشرط الصريح الفاسخ، ويترتب عليه حرمان القاضي من سلطته التقديرية في الحكم الفاسخ، ويتحتم عليه النطق به، متى طلبه الدائن، بعد التحقق من وقوع المخالفة الموجبة له. إذ يقتصر دور القاضي على التثبت من واقعة الإخلال بالإالتزام وعما إذا كان هذا الإخلال مقدرا له أن يكون سببا لإعمال الشرط الصريح الفاسخ المتفق عليه.

فرغم الإتفاق الصريح على الفسخ التلقائي للعقد عند الإخلال بالإالتزامات الناشئة عنه، فإن الفصل 255 من ق.ل.ع يشترط صراحة ضرورة إنذار المدين بتنفيذ التزامه ما لم ينص الاتفاق صراحة على عدم لزوم الإنذار[120].

غير أنه رغم الإتفاق، الصريح على توجيه الدائن إنذارا للمدين بتنفيذ التزامه المعلق على شرط فاسخ، فإن الدائن يعفى من توجيه هذا الإنذار في حالتين ينص عليهما الفصل 256 من ق.ل.ع[121].

ـ الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة الى حكم.

يكون الإتفاق على الشرط الفاسخ في هذه الحالة أقوى من الحالة السابقة، حيث يترتب عليه انفساخ العقد من تلقاء نفسه بمجرد الإخلال بالإلتزام، دون حاجة لرفع دعوى للحصول عل حكم بالفسخ. وللدائن أن يعتبر العقد مفسوخا عند عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه دون استصدار حكم من القضاء بذلك، وهو ما نص عليه الفصل 260 من ق.ل.ع.

فإذا نازع المدين في واقعة تنفيذ العقد أو في قيام الشرط أو توافر شروط إعماله، تعين اللجوء إلى القضاء للتثبت من ذلك. ويقتصر دور القاضي في هذه الحالة على التحقق من واقعة الوفاء بالإلتزام، ومدى مشروعية الإمتناع عن التنفيذ أو توافر شروط إعمال الشرط الصريح الفاسخ، فإذا تبين له ذلك الشرط قضى بوقوع الفسخ دون أن يكون له سلطة تقديرية في ذلك[122].

ويكون الحكم مقررا للفسخ لا منشئا له، حيث يتصرف الفسخ إلى الوقت الذي تحقق فيه الشرط.

ـ الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار.

في هذه الحالة يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه بمجرد حلول ميعاد التنفيذ دون قيام المدين بذلك، ويقع الفسخ دون أن يكون الدائن ملزما بإعذار المدين أو برفع دعوى لإستصدار حكم قضائي في هذا الصدد.

وإذا لزم تدخل القضاء إذا ما ثار نزاع حول مدى الإخلال بالإلتزام أو مدى تحقق الشرط الصريح الفاسخ، فإن دور القاضي قاصر على التحقق من توافر شروط الفسخ، ويتعين عليه القضاء به متى تثبت من توافر تلك الشروط، ويكون الحكم الصادر مقررا للفسخ لا منشئا له[123].

وجدير بالذكر أن الشرط الصريح الفاسخ مقرر لصالح الدائن وليس للمدين حيث ينعقد له الخيار بين طلب التنفيذ أو طلب الفسخ.

34)                ثانيا: أثر تخلف الشرط الفاسخ.

  يكون الإلتزام قبل تحقق الشرط الفاسخ قائما ونافذا، ويترتب على تخلف الشرط الفاسخ عدم تعرضه لخطر الزوال، فيتأكد ثبوت الحق نهائيا في ذمة الدائن، وتتأيد بجميع تصرفاته القانونية بشأن هذا الحق.

  1) مبدأ الأثر الفوري للشرط.

  تمسك القانون المدني المغربي بفكرة الأثر الفوري للشرط والتي تتضح من نص الفصل 124 من ق.ل.ع الذي ينص عل أنه:" لتحقق الشرط أثر رجعي يعود إلى يوم الإتفاق على الإلتزام إلا إذا ظهر من إرادة المتعاقدين أو من طبيعة الإلتزام أنه قصد إعطاؤه هذا الأثر". لئن كان المبدأ في التشريع المغربي أن للشرط إذا أثرا فوريا، فإن لهذا المبدأ استثنائيين ورد عليهما النص في الفصل 124 المذكور أعلاه، وهما: إرادة المتعاقدين في استبعاد الأثر الفوري وإعطائه أثرا رجعيا.

وطبيعة الإلتزام إذا كانت تأبى الأثر الفوري، وهذا المسلك الذي تبناه المشرع المغربي يتسق مع نهج التقنينيين الألماني في مادته 158 من القانون المدني والتقنين السويسري في مادته 151 من قانون الالتزامات[124].

  أما فقهاء الشريعة الإسلامية إزاء فكرة الأثر الرجعي فإنهم يرون أنه ليس للشرط أثر رجعي، فقد جاء في ( المجلة) " المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط " ( المادة 82)[125].

وينقسم الفقه في المغرب بخصوص تفسير الفصل 124 أعلاه إلى فريق يؤكد مبدأ الأثر الرجعي للشرط فيفسر الفصل 124 على أساس أن المشرع تبنى مبدأ الأثر الرجعي للشرط باعتبار أن من القواعد الأساسية للشرط في قانون الإلتزامات والعقود المغربي وغيره من القوانين الحديثة أن تحققه ينتج الآثار المترتبة عليه، لا من وقت هذا التحقق فحسب، بل من تاريخ نشوء الحق معلقا على شرط، هكذا يستند أثر الشرط إلى الماضي[126]. أما الفريق الثاني وعلى رأسهم الأستاذ مأمون الكزبري[127] فيؤكد الأثر الفوري للشرط وأن المشرع تبنى هذا المبدأ وأورد عليه استثناء وهو الأثر الرجعي.

أما بخصوص موقف القضاء المغربي من طبيعة أثر الشرط فإنه باستقراء مجموعة من الإجتهادات القضائية يبدوا جليا أن القضاء تشبث بعناصر الفصل 124 من ق.ل.ع واعتبر أن للشرط أثرا رجعيا ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك[128].

2) استثناءات الأثر الفوري.

حسب ما قصد به الفصل 124 من ق.ل.ع فإنه يجب استبعاد قاعدة الأثر الفوري للشرط، إذا تبين من إرادة المتعاقدين أنهما أرادا استبعاد الأثر الفوري للشرط وإعطائه أثرا رجعيا، وطبيعة الإلتزام إذا كانت تأبى الأثر الفوري.

والإعراب عن الإرادة في استبعاد الأثر الفوري قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا، إنما يجب التشدد في استخلاص النية الضمنية للمتعاقدين في استبعاد الأثر الفوري لأن المشرع صرف نيتهما المحتملة إلى استبعاد هذا الأثر ، لا بد من قيام دليل واضح لا لبس فيه على أنهما قصد العكس[129].

خاتمة

إلى هنا بلغ البحث نهايته، و الحاجة تدعو إلى تسجيل النتائج الآتية:

ـ أن الشرط بالمفهوم الفني هو التزام مستقبل يتوقف عليه وجود الإلتزام أو زواله عند تحققه.

فهو بذلك من ناحية أمر مستقبل غير قائم قبل وأثناء العقد أو التصرف المعلق عليه. بمعنى أنه أمرا حاضرا، ولا فرق في أن يكون الأمر المستقبل أمرا سلبيا أو ايجابيا إذ أن الشرط حكمه في الحالتين سيان.

ودلالة الإستقبال في الشرط يتم تحديدها والكشف عنها بمعيار موضوعي إذ يتجسد هذا المعيار بحقيقة الأمر التي يتم تعليق التصرف عليها. وليس بما يدور في خلد المتعاقدين أو بما ينطوي عليه تفكيرهما.

ـ أن الشرط فاسخا كان أم واقفا يجب أن يكون مشروعا، وأن لا يكون مستحيلا، فإذا لم يكن الشرط كذلك تعرض هو و التصرف للبطلان، إذ أن حكم الشرط الواقف المستحيل غير المشروع هو البطلان.

أما حكم الشرط الفاسخ غير المشروع المستحيل فهو يتأرجح بين خيارين:

1) ـ يسري عليه ما يسري على الشرط الواقف غير المشروع المستحيل من حكم.

2) ـ تطبيق حكم الشرط الفاسخ والمخالف للنظام العام والآداب الذي جاء به القانون المدني المصري. والذي مفاده أن العقد والإلتزام الذي علق عليه وجوده على شرط فاسخ ومخالف للنظام العام لا يمكن تحققه لأنه مستحيل استحالة قانونية، فالقانون لا يعترف بالشرط عندما يكون ذلك الشرط غير مشروع، ومن ثم فإن العقد يعد صحيحا، ولكن الشرط يعتبر وكأنه غير موجود وغير معتبر.

أما إذا كان الشرط الفاسخ مخالفا للنظام العام والآداب هو الدافع إلى إبرام العقد فيعد غير قائم وغير معتبر وبما أنه هو الباعث إلى التعاقد فإنه يبطل هو والإلتزام معا.

ـ أن المشرع المغربي كان موفقا إلى حد بعيد، في ضبط تنظيم أحكام الشرط حيث كان شديد التأثير بالقانون الفرنسي والفقه الإسلامي الذي اقتبس منه فكرة خيار الشرط كما سبق تقدم.

ـ أن المشرع المغربي عمل على تحقيق نوع من التوازن بين حقوق الدائن والمدين أثناء فترة تعليق الإلتزام وذلك من خلال:

ـ فرض الرقابة على تحقق الشرط أو تخلفه بنوعيه الفاسخ والواقف.

ـ بطلان الشرط الإرادي المحض.

ـ على المشرع المغربي تحديد أجل قانوني معقول للحكم على تحقق الشرط أو تخلفه بنوعيه الفاسخ والواقف.

 

 

 

 

 

 

المراجع المعتمدة

ـ ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين، الجزء الثالث، سنة 1389 هـ .

ـ ادريس العلوي العبدلاوي: النظرية العامة للإلتزام، نظرية العقد، مكتبة الرشاد، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1996.

ـ أمينة ناعمي: أحكام الشرط في القانون المدني المغربي على ضوء الفقه و الإجتهاد القضائي، دراسة مقارنة، دار الافاق المغربية للنشر و التوزيع، مطبعة الامنية، الرباط، فبراير 2009.

ـ أنور السلطان: النظرية العامة للإلتزام، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 1997.

ـ أنور العمروسي: الشرط والأجل في القانون المدني، الأوصاف المعدلة لأثر الإلتزام معلقا على نصوصهما بالفقه والقضاء النقض، دار محمود للنشر والتوزيع، بدون طبعة.

ـ جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري المصري: لسان العرب، طبعة بيروت، سنة 1956.

ـ خليفة الخروبي: قانون مدني،  أوصاف الإلتزام، مطبعة مجمع الأطرش للكتاب المختص تونس، طبعة 2008.

ـ سليمان مرقس: شرح القانون المدني، الجزء الثاني، في الإلتزامات، طبعة 1964.

ـ سمیر تناغو: محمد حسین منصور:  القانون و الإلتزام، دار المطبوعات الجامعیة، القاهرة،1998 .

ـ سمیر