آخر الأخبار

Advertisement

الوساطة الإلكترونية ودورها في حل المنازعات التجارية - الأستاذ عبد الله منيوي - منشورات مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية وموقع الباحث القانوني


 الوساطة الإلكترونية ودورها في حل المنازعات التجارية - الأستاذ عبد الله منيوي - منشورات مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية وموقع الباحث القانوني



رابط تحميل العدد الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf أسفله:







الأستاذ عبد الله منيوي

           باحث بسلك الدكتوراه، كلية الشريعة والقانون جامعة سيدي محمد بن عبد الله

عضو بالمركز الوطني للدراسات القانونية

      الوساطة الإلكترونية ودورها في حل المنازعات التجارية

Electronic mediation and its ro- le in resolving commercial disputes

ملخص الدراسة:

تبرز أهمية البحث في موضوع الوساطة الالكترونية من خلال كونه يتخذ مرجعا له وأرضية لانطلاقه فضاء لايزال بدوره حديث النشأة ألا وهو الانترنيت، ومما لا شك فيه أن من أكثر وسائل الاتصال شيوعا واستخداما من قبل المتعاملين في حقل التجارة الدولية، شبكة المعلومات الدولية (الأنترنت)، نظرا لما توفره من مزايا عديدة في شتى مجالات العلوم والمعرفة، وهو ما دفع التجار والمتعاملين في ميدان التجارة الدولية إلى التقليل من اللجوء إلى وسائل وأساليب التعاقد التقليدية، والانتقال إلى استخدام الأساليب الحديثة المتمثلة في التعاقد عبر الانترنت.

ولأن التجارة تظل محتفظة بكثير من خصائصها المشتركة بين نوعيها التقليدي والحديث، فإنه من الطبيعي أن نلاحظ نشوء إشكاليات ومنازعات قانونية بين الأطراف الفاعلة في المجال التجاري يكون - بطبيعة الحال - مرجعها المجال الجديد الذي تدور فيه الوقائع التجارية وهو الأنترنيت، حيث تثور إشكالات تتعلق بانعقاد العقد وتنفيذه أو تفسيره أو إثباته. ولأجل التكيف والتفاعل الايجابي مع الواقع الجديد فقد ظهرت العديد من الوسائل السلمية لحل مثل تلك المنازعات؛ كالتحكيم، الصلح، المفاوضات وكذلك الوساطة .

الكلمات المفاتيح: الوساطة، الإلكترونية، العقود، المنازعات التجارية، مراكز.

Summary of the study:

The importance of the research about electronic mediation is underlined by the fact that it takes a reference and a basis to launch it in a still new space that is the Internet, and there is no doubt that one of the most common means of communication that traders use in the field of international trade is the international information network (Internet), Due to the advantages it offers many in various fields of science and knowledge, which has prompted traders and workers in the field of international trade to reduce dependence on traditional means and methods of purchase and use modern methods of online purchasing.

And because commerce retains many of its common characteristics between its traditional and modern types, it is natural to witness the emergence of legal problems and conflicts between actors in the commercial field, whose reference, of course, refers to the new field in which commercial realities revolve, which is the Internet, where problems arise with regard to the conclusion of the contract and its execution, interpretation or proof. In order to adapt and interact positively with the new reality, many peaceful means have emerged to resolve these differences. Such as arbitration, conciliation, negotiations and mediation.

Keywords: mediation, electronic, contracts, centers, commercial disputes.

مقدمة:

           انعكس ظهور وسائل الاتصال الحديثة المرتبطة بالأنترنت كالبريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي على مفهوم التجارة والأعمال التجارية، حيث أتاحت هذه الوسائل للمتعاملين فيها إمكانيات عديدة كالتسويق وإبرام العقود في فضاء خيالي دون الحاجة إلى التنقل أو التواجد المادي، فأصبح تبادل السلع والخدمات ودفع مقابلها وغيرها من العمليات غاية في السهولة، وبأقل تكلفة وأقل جهد ووقت ممكن، وأصبحت العقود المبرمة عبر هذه الوسائل تسمى بعقود التجارة الإلكترونية.

تعد العقود الإلكترونية عقود دولية عابرة للحدود لا تدخل ضمن حدود دولة معينة، ويمكن أن تكون تجارية أو مدنية وفق طبيعة كل عقد والعلاقة التي تربط أطراف العقد، وتعرف التجارة الإلكترونية بأنها تنفيذ بعض أو كل المعاملات التجارية في السلع والخدمات التي تتم بين مشروع تجاري وآخر، أو بين مشروع تجاري ومستهلك، وذلك باستخدام تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات. [1]

ولأن التجارة تبقى من حيث طابعها العام هي نفسها، فإنها تظل محتفظة بكثير من خصائصها، التي تبقى مشتركة بين نوعيها التقليدي والحديث، حيث يلاحظ نشوء إشكاليات ومنازعات قانونية بين الأطراف الفاعلة في المجال التجاري -بطبيعة الحال- عبر الأنترنيت، حيث تثور إشكالات تتعلق بانعقاد العقد وتنفيذه أو تفسيره أو إثباته. ولأجل التكيف والتفاعل الايجابي مع الواقع الجديد فقد ظهرت العديد من الوسائل السلمية لحل مثل تلك المنازعات؛ كالتحكيم والصلح والمفاوضات وكذلك الوساطة.

وتعتبر الوساطة الإلكترونية إحدى طرق تسوية المنازعات بصورة عامة، على الرغم من أن التحكيم ما يزال هو الوسيلة الأساسية البديلة عن القضاء الرسمي في حسم المنازعات التجارة الدولية إلا أن الوساطة عبر الوسائل الالكترونية الحديثة التي تعد الولايات المتحدة الأمريكية مهد ولادتها أضحت تفرض نفسها وتقف إلى جانب التحكيم، فهي عموما موضوع من الموضوعات المستحدثة والتي ما زالت في طور النشوء، والتي لم تنتشر بصورة كبيرة إلا في العقدين الأخيرين، بالرغم مما يسجله كثير من الباحثين من بطء وثيرة انتشارها بالمقارنة مع التحكيم.

وظهور الوساطة الالكترونية ما هو إلا استجابة للدعوات المتزايدة، يوما بعد آخر ، لإيجاد قضاء مريح للطرفين المتنازعين، وعدالة فاعلة، خارج أسوار المحاكم الرسمية، وبالسرعة المنشودة من قبل الأطراف وبأقل تكلفة، من خلال التوفيق بين الخصوم، مفاوضات لا يكون فيها طرف غالب وطرف مغلوب، ودون أن يترتب على ذلك أية قطيعة بين الطرفين.

سأعتمد في مقالي هذا منهجا تحليليا مقارنا من خلال إجراء بعض المقارنات ما بين بعض التشريعات العربية كقانون الوساطة الاردني على سبيل المثال، وبعض الاتفاقيات الدولية والقواعد التي تحكم هذا الموضوع، ومنها قانون اليونسترال النموذجي للتوفيق التجاري لعام 2002، وقانون نظام المركز العربي لتسوية المنازعات في الأردن، وكذلك معايير سلوك الوسطاء المعتمد من قبل نقابتي التحكيم والمحامين الأمريكيتين عام 1994، مع إبراز تجربة بعض  مراكز الوساطة الإلكترونية.

وتبدوا أهمية الموضوع من الناحية النظرية في كون النزاعات الإلكترونية ما زالت حديثة النشأة، ووضع حلول لهذه المنازعات يستدعي إعادة النظر في القوانين السارية المفعول وتدارك الفراغ التشريعي بسن قوانين تتفق مع طبيعة منازعات التجارة الإلكترونية، وأما من الناحية العملية فتظهر أهميته في كون أن المشرع المغربي لم ينظم الوساطة الإلكترونية تنظيما خاصا بالإضافة إلى غياب مراكز عبر المواقع الإلكترونية.

ولما كان مفهوم الوساطة الالكترونية يفيد في مجمله تسوية النزاع بطريقة ودية بين الطرفين، عن طريق تدخل طرف ثالث محايد يتولى عملية الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين وصولاً الى حل يرضيهما، فإن الإشكالية تثار بخصوص مدى إحاطة المشرع المغربي بمختلف جوانب الوساطة الإلكترونية بالمقارنة بالتشريعات المقارنة؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية فإنه تقتضي من بين ما تقتضيه تجاوز حدود المفهوم اللغوي للوساطة الإلكترونية إلى البحث في عناصره الجوهرية التي تهم الخصائص، الشروط، الأنواع، الآليات، وكذا الحدود، وهو ما سأعمل على تناوله من خلال الدراسة الآتية، حيث قسمت موضوعها إلى مبحثين، كل منهما يتناول مطلبين، لكل مطلب من هذه المطالب فقرتان، وفق التصميم الآتي: المبحث الأول: ماهية الوساطة الالكترونية عبر الوسائل الإلكترونية: المبحث الثاني: مراكز الوساطة الالكترونية ودور ها في تسوية المنازعات التجارية.

المبحث الأول: ماهية الوساطة عبر الوسائل الالكترونية
           إن دراستي هذه تستهدف بالأساس الوساطة الإلكترونية، لذلك وجب الوقوف على تعريفها وبيان خصائصها (المطلب الأول)، وسأبرز أنواع الوساطة الالكترونية وتنظيمها القانوني (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تعريف الوساطة عبر الوسائل الالكترونية وخصائصها
الفقرة الأولى: تعريف الوساطة الالكترونية

تقوم الوساطة في فلسفتها العامة على مقاربة أساسية هي رابح – رابح، وهي بمفهومها التقليدي وسيلة غير قضائية من وسائل تسوية المنازعات بصورة ودية، تقتضي وجود طرف ثالث؛ يسمى الوسيط، يعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين، للوصول إلى اتفاق نهائي من خلال التوصيات غير الملزمة التي يقدمها الوسيط، وهي كذلك من الوسائل البديلة لحل المنازعات تتم تحت قيادة شخص محايد، يقوم بتسهيل الطريق علي الأطراف، وإيصالهم إلى اتفاق مقبول منهم، من خلال شرحه المكاسب التي يمكن أن يحققوها بالوصول إلى حل عن طريق الاتفاق بدلا من اللجوء إلى القضاء[2].

وقد ورد تعريف الوساطة في المادة الأولى من قانون اليونسترال النموذجي للتوفيق التجاري لعام 2002، والذي عرفها بأنها عملية يتم من خلالها حل النزاع وديا بالوساطة، مع محاولة الوسيط الوصول لحل ودي للنزاع العقدي، أو القانوني، دون أن يملك سلطة إجبار المتنازعين على قبول الحل[3].

كما عرفتها المادة الأولى من نظام المركز العربي لتسوية المنازعات في الأردن بأنها "الوسيلة التي يتم بموجبها السعي لفض النزاع دون أي سلطة للوسيط أو الموفق لفرض قراره في النزاع، وذلك عن طريق تقريب وجهات النظر، وإبداء الآراء الاستشارية التي تتيح الوصول للحل بهذه الوسيلة[4] "

كما ورد تعريف الوساطة ضمن معايير سلوك الوسطاء، المعتمد من قبل نقابتي التحكيم والمحامين الأمريكيتين عام 1994 في القسم الخاص بحل النزاعات، بأنها عملية تقوم فيها جهة ثالثة محايدة بتسهيل حل النزاع من خلال تشجيع الوصول إلى اتفاقية، طواعية من قبل الأطراف المتنازعة، وذلك بتيسير الاتصال والتفاهم بينهم، والسعي للوصول إلى أفضل الحلول للنزاع، لتمكين الأطراف من الوصول إلى اتفاق[5].

ومن التعريفات الجامعة للوساطة بمفهومها التقليدي ما أورده الأستاذ  Beven، بأنها تدخل طرف ثالث محايد بين طرفي النزاع من أجل الوصول إلى صيغة نهائية لتسوية النزاع[6].

وعموما فالوساطة هي إحدى آليات الحلول البديلة لفض النزاعات المعروضة في بلدان عديدة وتشمل صورا مختلفة منها " الوساطة القضائية، الوساطة الخاصة، الوساطة الاتفاقية ".وفي ضوء ما سبق يتبلور مفهوم الوساطة وتتحدد ماهيتها، في أنها عملية تطوعية تقوم على إرادة طرفي النزاع في اللجوء اليها، يعمل فيها الأطراف مع شخص ثالث يسمى الوسيط، يتمتع بصفتي النزاهة والحياد لا يجاد حل مقبول للطرفين ينهي النزاع لذلك فهي لا يمكن ان تكون وسيلة فعالة جداً في حل المنازعات الا اذا شارك طرفا النزاع في إجراء التسوية وكانوا راغبين فعلا في التوصل إلى حل وسط ينتهي به النزاع. من هنا فإن الوساطة ليست عملية قضائية أو عملية تكميلية أو أنها عملية تجعل أطراف النزاع يعيشون في حالة من التوتر والقلق وعدم الارتياح، وإنما هي مصممة لإعطاء الأطراف المتنازعة أدوارا ومسؤوليات متساوية.

وإلى جانب هذا المفهوم التقليدي الذي أتيت على تقديمه، هناك مفهوم حديث للوساطة، نابع من تدخل أجهزة الاتصال الحديثة ومنها شبكة الانترنيت في إجرائها، فيقصد بالوساطة عبر الانترنيت أو الوساطة الالكترونية : اتصال طرف ثالث محايد مع طرفي النزاع على شبكة الانترنيت، من أجل الوصول إلى تسوية نهائية لهذا النزاع، أو هي وسيلة لحل نزاعات عقود التجارة الالكترونية، والعقود الالكترونية عموما، عبر استخدام الوسائل التكنولوجية، وعلى رأسها شبكة الانترنيت، حيث يتم الاستعانة من قبل الأطراف المتنازعين بوسيط، لا يقوم باتخاذ قرار لحل النزاع، ولكنه يساعدهم على إيجاد حل مقبول لكل منهما بشكل محايد.[7]

ولعل من أبرز مراكز الوساطة والتحكيم الالكترونية التي تقدم خدمة لتسوية المنازعات بالطرق الالكترونية مركز الوساطة (مركز الويبو للتحكيم والوساطة)[8]، ومركز الوساطة (square Trade) الذي يتيح للمتعاملين في ميدان التجارة الدولية خدمة أخرى غير خدمة الوساطة الالكترونية، ألا وهي خدمة المفاوضات المباشرة.

الفقرة الثانية: خصائص الوساطة الالكترونية

حققت الوساطة الالكترونية كوسيلة لتسوية المنازعات عن بعد نجاحا واسعا، واقبالا هائلا من قبل المتنازعين في ميدان التجارة الدولية، وهو معطى يرجع لما تمتاز به هذه الوسيلة من خصائص ومزايا معينة أهمها:

أولا: فعالية الأدوات المستخدمة للتفاوض في عملية الوساطة الالكترونية وضمان تسجيل المناقشات التي تجري بين طرفي النزاع في برنامج مستقل على شبكة الانترنت، وفي كل مراحل المفاوضات، بدءا من مرحلة الاتصال الأولي بين طرفي النزاع، حتى الاتفاق النهائي بينهما، وتوفير قاعدة بيانات متكاملة تشمل سير الوساطة وأمثلة متعددة لأنواع القضايا. وكيفية الإثبات، وتقديم الطلبات، وتزويد كل من طرفي النزاع بنموذج، يتضمن سائر الحلول الودية لفض النزاع، بغية تمكينهم من التفاوض على تسوية النزاع، وحفظ كامل المستندات والوثائق وتخزينها، وتزويد المحكمة بنسخة من الاتفاق النهائي الموقع عليه من قبل المتنازعين إذا ما رفض أحد المتنازعين تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

ثانيا: كما وتمتاز الوساطة الالكترونية بمرونتها وعدم التقييد بإجراءات مرسومة، واستغلال الوقت بشكل أمثل، والحصول على حلول سريعة، مما يخفف من عدد القضايا التي تسجل أمام المحاكم وبالتالي يعود بالتأثير الايجابي على الموارد العامة، من خلال خفض تكاليف حل المنازعات عن طريق المحاكم، كما أنه تعمل على التقليل من مشكلات الانفعال العاطفي التي يتعرض لها الاطراف في حال المواجهة، وجها لوجه إذ يمكنهم استخدام أسلوب الوساطة الالكترونية لحل قضاياهم بطريقة مناسبة، وبدون حضور مادي.

ثالثا: ومن المزايا التي تتمتع بها الوساطة الالكترونية أيضا بساطة إجراءاتها، ووضوح قواعدها، حيث يمكن استخدامها لتسوية عقود منازعات التجارة الدولية في مختلف الميادين والمجالات .

رابعا: كذلك فان الوساطة الالكترونية هي عملية قليلة التكلفة ، حيث إن التكاليف المالية التي يتحملها الأطراف عند اللجوء للوساطة الالكترونية قليلة جدا، إذا ما قورنت بتكاليف حل النزاع قضائيا أو أو حتى عن طريق الوساطة التقليدية، فالحضور أمام شاشة الحاسوب يعفي الأطراف ويكفيهم عناء التنقل لملاقات بعضهم البعض في الوساطة العادية، أو للمثول أمام القضاء في حالة التقاضي. ، وهي وسيلة من الوسائل الاكثر فعالية لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية ، حيث تؤكد إحدى الدراسات أن أكثر من 87% من منازعات التجارة الدولية قد تمت تسويتها عن طريق الوساطة[9]

خامسا: كما وتشير الدراسات الأمريكية الى ان 75% من منازعات العمل الدولية قد تم تسويتها عن طريق اللجوء الى الوساطة.

سادسا: وتؤدي الوساطة الالكترونية في حل النزاعات إلى المحافظة على العلاقات الودية بين الخصوم، مما يفتح آفاق أخرى في سبيل التعاون الاقتصادي.

سابعا: زد على ذلك أنها تتيح لطرفي النزاع حرية الانسحاب واللجوء للتقاضي حيث إن بإمكان أي منهما الانسحاب في أي لحظة من متابعة عملية الوساطة والعودة إلى التمسك بكافة الحقوق والدفوع القانونية أمام القضاء دون أي تأثير لآليات الحلول البديلة على إجراءات التقاضي فضلا عن أنها عملية تسمح للوسيط بتقييم المراكز القانونية للخصوم.[10]

ثامنا: استخدام الوسائل التقنية الحديثة، وأهمها شبكة الانترنيت، في عملية الوساطة بقصد توفير ميزات السرعة والسهولة في تسوية النزاع، مع توفير مرتكزات الثقة والامان، عبر وسائل الكترونية فعالة، منذ لحظة إحالة النزاع إلى الوساطة ، وحتى تسويته نهائيا.

تاسعا: حرية الطرفين في اختيار القواعد الاجرائية التي تناسبهم ومرونة الإجراءات خلال عملية الوساطة التي تتم عبر شبكة الانترنيت، مع منح الطرفين – دون غيرهما – كامل الحرية في زيارة الموقع الالكتروني لمركز الوساطة للاطلاع المباشر على خطوات العملية برمتها.[11]

المطلب الثاني: أنواع الوساطة عبر الوسائل الالكترونية وتنظيمها القانوني

الفقرة الأولى: أنواع الوساطة الالكترونية

لما كانت الوساطة عملية طوعية تتم بواسطة طرف ثالث محايد، ويتولى الأطراف وضع قواعدها الاجرائية أو يلجأون إلى مؤسسات متخصصة تقوم بعماية الوساطة، فإنه عادة ما توضع إجراءات الوساطة، بشكل يحترم المساواة والعدل بين الأطراف المتنازعة، وبصورة تساعد على التحضير للتسوية، بعد أن يقدم كل طرف أفضل عرض لحسم النزاع، بشكل سري إلى الشخص الثالث الحيادي الذي يسير في عملية التقارب بين عرضي الطرفين، من خلال قيامه بمفاوضات، يسعى من خلالها، إلى خلق مناخ ينهي بالمصالحة.

من الناحية المبدئية تقسم الوساطة إلى وساطة تقليدية، ووساطة تتم عبر شبكة الانترنيت والوساطة التقليدية ثلاثة أنواع كما هو معلوم : قضائية، يتولى فيها القضاء الإحالة على الوسطاء المعتمدين لديه، أو اتفاقية، يتفق عليها الأطراف في ذات العقد الأصلي أو في عقد لا حق قبل أن ينشب بينهم نزاع، أو قانونية، توجب فيها القوانين الوطنية لبعض الدول، إحالة الأطراف إلى وسيط، قبل المرور بمرحلة التقاضي.

والفارق الرئيسي بين الوساطة التقليدية والوساطة عبر شبكة الانترنيت يكمن – كما هو الحال في الفرق بين سائر الوسائل البديلة التقليدية والوسائل البديلة الالكترونية – في استخدام شبكة الانترنيت في النوع الثاني دون الأول، باعتبارها وسيلة للقيام بإجراءات الوساطة منذ بدايتها حتى تسوية النزاع، أو حتى اقتناع الأطراف باللجوء إلى وسيلة أخرى لتسوية النزاع بدلا من الوساطة.

وبالتالي فإن استخدام هذه التكنلوجيا الحديثة، هو الذي يضفي على الوساطة شكلها الحديث، إذ يمكن أن يكون إتمام عملية الوساطة، معاصرا بالصوت والصورة، عن طريق تقنية (video conference)، أو قد يكون بدون صورة من خلال الحديث المتزامن بين الأطراف، عبر ما يعرف بغرف الدردشة (chat rooms)، ويمكن – في سبيل تقريب وجهات النظر والوصول إلى أكثر الحلول قبولا لدى الأطراف – أن يتصل الوسيط بكل طرف على حدة، عبر بريده الالكتروني، وبإمكان هذا الطرف أن يجيب الوسيط عبر ذات الآلية، أو يرسل ما يشاء من رسائل وتعليقات حول موضوع النزاع.

وسواء تمت الوساطة بأي من هذين النوعين، فإنها لا تخرج عن إحدى الصورتين:
-
الصورة الأولى: الوساطة البسيطة (Facilitative): ويقتصر دور الوسيط فيها على مجرد إيصال عروض الأطراف، ووجهات نظرهم إلى بعضهم البعض، دون أن يكون له أي تأثير في اقتراح الحلول، أو وضع تسوية للنزاع، الأمر الذي يجعل الوسيط أقرب إلى كونه رابطا بين طرفين منه إلى كونه وسيطا.
-
الصورة الثانية: الوساطة الفعالة/التقييمية (Evaluation): يقوم الوسيط فيها بدور إيجابي بين طرفي النزاع، ولا يكتفي بنقل وجهات نظرهم إلى بعضهم البعض، بل يساعد في إنشاء الاقتراحات، والبحث عن حلول للتسوية، ومراجعة الأطراف لحين الوصول إلى موافقتهم عليها.


-
وللوساطة صورة أخرى تستخدم مفهوم (الغرف الثلاثة)، ويجتمع فيها الوسيط – أولا- مع أحد الفريقين، ثم يجتمع مع الفريق الثاني في غرفة افتراضية أخرى، ثم يجتمع بالفريقين سوية، وبواسطة ذات الوسائل الالكترونية، بغية القيام بمتطلبات الوساطة، لغرض الوصول إلى تسوية مقبولة للنزاع.

يوجد أيضا من يعتمد المنطلق المؤسساتي ليميز بين أنواع الوساطة الالكترونية، حيث يقسمها تبعا لذلك المنطلق/المعيار إلى نوعين
-
وساطة حرة، يقوم بها الأشخاص بشكل فردي احترافي.
-
وساطة مؤسساتية، تنظم من قبل مركز وساطة معين، وتخضع لنظامه.
وهناك عدد من مراكز التسوية التي تتخذ من الوساطة وسيلة لحل النزاعات، من أشهرها مركز وساطة Web Médiate، الذي يختص بالقيام بالوساطة الفعالة بين الأطراف المتنازعة، وهو يعد من أشهر مواقع الوساطة عبر شبكة الانترنت .

ومن المراكز المعروفة أيضا والتي تمارس عملية تسوية المنازعات من خلال الوساطة عبر شبكة الانترنت الدولية، مركز E-Mediator، ومركز ECODIR، للوساطة عبر شبكة الانترنت، وهو مركز خاص بتسوية منازعات المستهلكين في دول الاتحاد الاوربي.

 

 

الفقرة الثانية: التنظيم القانوني للوساطة الالكترونية:

القانون النموذجي للتوفيق لسنة 2002: اليونسترال هو الاختصار اللغوي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي وهي الهيئة القانونية الرئيسية التابعة لمنظومة الأمم المتحدة في مجال القانون التجاري الدولي.

وقد اعتمدت الأونسيترال هذا القانون النموذجي في 24 حزيران/يونيه 2002، وهو يقدّم قواعد موحّدة فيما يتعلق بعملية التوفيق/الوساطة، تشجيعاً على اللجوء إلى الوساطة وحرصاً على زيادة القابلية للتنبّؤ واليقين في استخدامها. وتلافيا لعدم اليقين الناجم عن عدم وجود أحكام تشريعية. ويتناول القانون النموذجي الجوانب الإجرائية للتوفيق/الوساطة، بما في ذلك تعيين الموفِّقين/الوسطاء، وبدء التوفيق/الوساطة وإنهاؤه، وتسيير إجراءاته، والاتصالات بين الوسيط والأطراف الأخرى، وسرّية الأدلة ومقبوليتها في الإجراءات الأخرى، بالإضافة إلى قضايا ما بعد الوساطة، مثل قيام بالسهر على إنفاذ اتفاقات التسوية[12]

نشير كذلك إلى أنه ومنذ وضع قانون الأونسيترال النموذجي لسنة 2002 وإلى الآن قامت 17 دولة بالمصادقة عليه وهي دول ذات قيمة نوعية، حيث نجد من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، كندا، بلجيكا، سويسرا....مما يعكس حجم الاهتمام المتزايد بالوساطة بصفة عامة، و الوساطة الالكترونية بشكل خاص، باعتبارها آلية بديلة وفعالة لتسوية المنازعات التجارية، وما يترتب عن ذلك من تشجيع للاستثمار.

المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)

المنظمة العالمية للملكية الفكرية أو الويبو (WIPO)، منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، تعمل من أجل حماية الحقوق الملكية الفردية للأفراد. ظهرت في سنة 1967 وتأسست سنة 1974. انطلقت بعد انعقاد مؤتمر باريس للملكية الصناعية في 1833 بيرن، ومؤتمر حماية المصنفات الأدبية والفنية، الموقّع في سنة 1886. مهمتها فرض الاحترام للخصوصية الفكرية في العالم بأسره، إضافة إلى حماية حقوق الفرد الملكية(صور، أغاني، فنون...) وتبعا لذلك ف (الويبو) هيئة محايدة ودولية غير ربحية تقدم خدمات تسوية المنازعات، وتتيح خيارات فعالة من حيث الوقت والتكاليف لتسوية المنازعات. وتمكن خدمات الوساطة والتحكيم والتحكيم المعجل وقرارات الخبراء التي تقدمها الويبو إلى الخواص من الأطراف من تسوية منازعاتهم المحلية أو الدولية في مجالي الملكية الفكرية والتكنولوجيا بفعالية دون اللجوء إلى المحاكم. ويقدم المركز أيضا خدمات تسوية المنازعات الخاصة بأسماء الحقول.

أما بالنظر للتشريعات المقارنة فنصت الفقرة ب من المادة السابعة من قانون الوساطة الأردني على أنه " اذا توصل الوسيط الى تسوية النزاع كليا او جزئيا ، يقدم إلى قاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح تقريرا بذلك ويرفق به اتفاقية التسوية الموقعة من قبل أطراف النزاع للمصادقة عليها من قبل قاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح وتعتبر هذه الاتفاقية بعد المصادقة عليها بمثابة حكم قطعي لا يخضع لأي طريق من طرق الطعن «[13]

نصت المادة الثامنة من قانون الوساطة الاردني على أنه "تعتبر جميع إجراءات الوساطة سرية ولا يجوز الإتيان بها أو بما تم فيها من تنازلات من قبل أطراف النزاع أمام أية محكمة أو أي جهة كانت".

أما المادة التاسعة منه فقد نصت على أنه يجب الحرص على سرية جميع المعلومات المتعلقة بإجراءات التوفيق ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، وما لم يكن إفشاؤها لازما بمقتضى القانون أو لأغراض تنفيذ اتفاقية التسوية أو إنفاذه" .[14]

المبحث الثاني: الوساطة ودورها في تسوية المنازعات التجارية

تعرفت من خلال المبحث السابق على كل من التعريف القانوني وكذا التأطير القانوني في التشريع الدولي للوساطة الالكترونية وذلك انسجاما مع الطبيعة الكونية لهذه الوسيلة، كما رأيت أن الوساطة قد تكون بسيطة تقتصر على مجرد نقل وجهات نظر الأطراف إلى بعضهم البعض لحين الوصول إلى تسوية، كما يمكن أن تكون فعالة يساهم فيها الوسيط بإنشاء الحلول واقتراح النهايات التي تساعد في حسم النزاع، لذا فالتساؤل الذي يستتبع هذه الخطوة هنا، هو البحث عن الآليات التي تتم بها الوساطة بين الأطراف المتنازعة ؟وكيف تقوم المراكز المتخصصة بعملية الوساطة بين الأطراف المتنازعة؟ وما آليات الوساطة والفرق بينها وشبيهاتها؟ (المطلب الأول)؟، وما هو التقييم القانوني لدور الوساطة عبر الوسائل الالكترونية في تسوية المنازعات التي تقوم في بيئة الدولية (المطلب الثاني)، هذا ما سنتعرف عليه من خلال المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: آليات الوساطة الالكترونية وتميزها عن التحكيم والمفاوضات المباشرة
الفقرة الأولى: آليات الوساطة الالكترونية

في الوساطة التقليدية تتخلص الية عمل الوسيط الذي يمكن ان يكون شخصا طبيعيا او معنويا بوصفه طرفا ثالثا محايدا يهدف الى الصلح بين الطرفين (conciliateur) عبر الاجتماع بهما والتركيز على النقاط المقبولة من قبلهما والتي تصلح ان تكون اساسا في تسوية النزاع ويمكن ان يكون الاجتماع بكل طرف لوحده في سبيل توطيد الاساس المتفق عليه بين الطرفين بشكل مرن وصولا الى تسوية نهائية مقبولة من الاطراف .

وللوساطة عبر شبكة الانترنت الية تتجلى فيها اهمية استخدام شبكة الانترنت في كل مرحل من مراحل عملية الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لحسم المنازعات بدءا من تقديم طلب الوساطة الذي يتم بملء النموذج الالكتروني المعد سلفا على الموقع الالكتروني لمركز الوساطة والمتضمن جملة بيانات شخصية وموضوعية تخص موضوع النزاع والطرف الاخر مرورا باتصال المركز بالطرف الاخر بعد قبول نظر النزاع من خلال الوساطة عبر المركز اذ ان المادة (4/فقرة2) من قانون الأونسيترال النموذجية للتوفيق التجاري الدولي لعام 2002 تحدد للطرف الاخر المدعو الى حل النزاع الوساطة مدة (30) يوما من تاريخ استلام طلب اجراء التسوية للرد عليها الاجاد أو الرفض حكيما منه للوساطة يترتب عليها انتهاء اجراءات الوساطة واغلاق القضية الكترونيا في حين حدد مركز وساطة square Trade هذه المهلة ب(14) يوما وقصرها مركز تسوية internet neural على (10) أيام فقط .

وبعد دفع الرسوم المترتبة على عملية الوساطة الى مركز التسوية وباتفاق طرفي النزاع على شكل الوسيط والاجراءات التي ستتبع في عملية الوساطة تبدا مهمة الوسيط التي تقوم اولا على مرحلة تمهيد يساعد فيها الوسيط طرفي النزاع بتبادل المعلومات والصفقات وتحديد المسائل الجوهرية محل الخلاف ثم يقوم الوسيط الناجح بمساعدة الاطراف على تطوير الخيارات وابتكار طرق لخلق الحلول الممكنة وفق الخيارات المتاحة المتولدة من طرف مناقشتهم هذه المناقشات تم عبر شبكة الانترنت من خلال تحديد صفحة الكترونية للنزاع على الموقع الالكتروني لمركز التسوية واعطاء كل طرف كلمة المرور(password) الخاصة به للحفاض على سرية جلسات الوساطة او يتولى الوسيط ذلك عند عدم اتفاقهما .

يقوم الوسيط بتنبيه الطرفين الى العوائق التي يمكن ان تحول دون الوصول الى تسوية نهائية لا سيما إفهام الطرفين ان النزاع في هذا الوقت دخل مرحلة تبادل التنازلات لتضييق رقعة النزاع ويمكن للوسيط في هذه الحالة ان يستخدم الية الاجتماع المشترك لا يساعد على الوصول الى تسوية مناسبة ليقوم الوسيط في نهاية العملية كلها بصياغة مسودة اتفاقية الوساطة النهائية والملزمة والتي يطلق عليها (Binding Settlement Agreement) ، للطرفين و عرضها عليها للتوقيع عليها.

ويمكن ملاحظة الدور الايجابي الذي يلعبه استخدام شبكة الانترنيت في عملية الوساطة، حتى أثناء جلسات الوساطة، عندما يكون هناك رغبة من أحد أطراف النزاع في تعديل طلباته أو أدلة اثباته المقدمة الى مركز الوساطة أو المبرزة أثناء الجلسات ، اذا يحق لأي من طرفي النزاع في مثل هذه الحالات الدخول الى الموقع الالكتروني الخاص بمركز التسوية، و الدخول الى قضيته عبر كلمة المرور الممنوحة له من المركز مسبقا، و الخاصة بالنزاع المراد اجراء التعديل عليه، ليدخل الى صفحة النزاع الخاصة بالقضية المطلوبة و الدخول اليها، و اجراء التعديل الذي يريد، مع اشعار الوسيط، و الطرف الآخر بذلك، من خلال ارسال نسخ من التعديل أو البيان بعددهم.

وتستخدم مراكز وساطة متعددة عبر الانترنيت، هذه الآليات في عمليات الوساطة التي تقوم بها بين المتنازعين، ومن تلك المراكز، مركز On Line Résolution.
وتستوفي المراكز التي تتولى القيام بعمليات الوساطة عبر شبكة الانترنت رسوما معينة مقابل ما تقدمه من خدمات و من هذه المراكز Internet Neural، الذي يستوفي (250) دولارا، عن تقديم الطلب من المدعي، و مثل هذا المبلغ عند اجابة المدعى عليه بالإيجاب، مبلغ (125) دولارا، عن كل ساعة من جلسات الوساطة لحد الساعة (6) مساء ، يضاف له (50%) للجلسات من بعد الساعة (7) مساء و لغاية الساعة (7) صباحا، هذا في حالات الوساطة التي تتطلب اجتماعات و استخدام آليات ال (Conférence Vidéo) ، أما اذا جرت عملية الوساطة عبر البريد الالكتروني فقط، فان المركز يستوفي رسومه على أساس الدقيقة الواحدة، بدء من (1) دولار حتى (6) دولار للدقيقة الواحدة، حسب قيمة المبلغ المتنازع بشأنه.
الفقرة الثانية: تمييز الوساطة عن التحكيم

يمكن أن يفيد عقد المقارنة بين الوسائل البديلة موضوع البحث في نقطة جوهرية، تتمثل في منح الأطراف التي ترغب اللجوء الى وسائل التقاضي البديلة صورة واضحة المعالم، دقيقة التصور، للعواقب التي يمكن أن تنتج عن اختيار وسيلة معينة، و بالتالي يكون للأطراف كامل الحرية في اللجوء الى الآليات التي يرون أنها أنسب لظروفهم، و أقدر على تسوية النزاع الذي نشب بينهم ، و نميز الوساطة عن كل من التحكيم (أولا)، والمفاوضات المباشرة (ثانيا)، كما يلي :
 التمييز بين الوساطة و التحكيم:

عند عقد مقارنة بين الوساطة عبر الانترنت ، و التحكيم عبر الانترنت لبيان أوجه الشبه و الاختلاف بينهما، نجد أنهما يتشابهان في عدم امكانية اللجوء إلى كل منهما، إلا بناء على تراضي الأطراف على ذلك، سواء قبل النزاع، و يسمى عندئذ (شرط التحكيم) أو (عقد أو اتفاق التحكيم) أو (عقد أو اتفاق الوساطة)
و يختلفان في:


- أن الوساطة عادة ما تكون بين أطراف يعرفون بعضهم جيدا، و تربطهم علاقات وثيقة، في حين قد لا تكون هناك معرفة بين الاطراف التي تلجأ الى التحكيم، سوى أنهم تربطهم علاقة تجارية.


- كما أن الوسيط لا يتمتع سوى بحق اقتراح الحلول و محاولة التوفيق بين رغبات ومصالح الأطراف، في حين يتمتع المحكم بسلطة القرار التحكيمي.
-
و لهذا يعد الحياد و الاستقلال شرطا لازما في الحكم، في حين يعد شرط الخبرة والكفاءة و القدرة على الاقتناع و اقتراح الحلول هي ما يلزم في الوسيط.

المطلب الثاني: المراكز المرصدة للوساطة الإلكترونية

لقد وجدت تسوية المنازعات عبر الوساطة والتوفيق الإلكتروني تطبيقات فعلية ومتنوعة وشاملة لمنازعات التجارة الإلكترونية وذلك من خلال مبادرات خاصة تبنتها بعض التنظيمات الاقتصادية والإقليمية والإتحادية المهنية الفعالة في هذا المجال والتي تهتم بمواكبة التطور الإلكتروني السريع ومن أهم هذه

المنظمات والهيئات:

الفقرة الأولى: مركز Square trade médiator .

يعد مركز Square trade من أشهر وأول المراكز المتخصصة في مجال حل المنازعات بطريق الوساطة الإلكترونية، وقد نظر المركز في الكثير من المنازعات الناشئة عن المعاملات التي تتم من خلال سوق البيع بالمزاد عبر الأنترنت " E-BAY " والذي يعد أول موقع أمريكي للبيع بالمزاد العلني، وتحديدا المنازعات التي تنشأ بين الشركة القائمة على المركز وبين المتعاملين بالمزاد بيعا أو شراء من خلال السوق.

ومن أشهر المنازعات التي نشأت عن البيع بالمزاد عبر السوق المشار إليه نذكر قيام شركة " ROLAX SA " وشركة " MANUFACTURE DES MONTRES ROLEX S .A " لإنتاج الساعات برفع دعوى ضد شركتي " EBAY GMBH et EBAY INTERNATIONAL AG "، وتأسست الدعوى على قيام الشركتين الأخيرتين بعرض ساعات اسم "رولكس" وأسماء أخرى دون وجه حق.

إلى جانب ذلك يوجد نظام OOO)) Online Ombuds Office وهو نظام لحل المنازعات الناشئة عن Cyberespaces وغيرها من المنازعات التي يرغب الأطراف حلها طبقا لهذا النظام، وذلك كله عن طريق الوساطة، فعلى الشخص الذي يرغب في إخضاع منازعته لهذا النظام لا يكون عليه إلا ملئ استمارة إلكترونية يوضح فيها طبيعة المنازعة والحل المأمول.

وطبقا لنظامOOO) ) يتم تعيين وسيط بمجرد تلقي طلب الوساطة أو إلى أي طريقة أخرى من طرق  حل النزاعات، بالاتصال بالمدعي لاستكمال ما نقص من معلومات كان يجب أن يشملها طلب التسوية بطريق الوساطة. [15]

الفقرة الثانية: مركز المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO .

تم إنشاء هذا المركز عام 1994 ، وهو يقدم خدمات لتسوية النزاعات التجارية الدولية بين الأطراف الخاصة في مجال الملكية الفكرية، وهو جزء من مكتب الويبو الدولي ويدير الإجراءات الوساطة التحكيم التحكيم المعجل، كما يقدم المركز خدمات استشارية بشأن اتفاقات الاحتكام وصياغتها عندالاقتضاء.[16]

كذلك كان للدور الكبير الذي تمارسه المنظمة العالمية للملكية الفكرية "" WIPO إسهامات كبيرة في تطوير وتفعيل نظام الوساطة الخاصة بالتجارة الإلكترونية، بتنظيم المنازعات الخاصة بالأنترنت لاسيما المتعلقة بالملكية  الفكرية، وأسماء المواقع، والعلامات التجارية، ويمكن من خلال هذا النظام التغلب على العديد من الصعوبات، حيث يسمح بحرية اختيار القانون الواجب التطبيق، ويتضمن وحدة الجزاء رغم اختلاف الجنسيات.

خاتمة:

من خلال كل ما سبق يمكن لنا القول أن الوساطة الإلكترونية عرفت ازدهارا في الدول التي نظمتها تشريعيا، وعمدت إلى إجراءاتها في فض منازعات التجارة الإلكترونية، عكس المغرب الذي لا زال لم يأخذ بمثل هذا النوع من الوساطة في قوانينه وتشريعاته، باستثناء الوساطة الاتفاقية التي نظمها في القانون رقم 05 - 08 في الفصول من 327 - 55 إلى 327 - 69 من قانون المسطرة المدنية.

ومن أجل تجاوز مختلف العقبات التشريعية التي تحول دون الارتقاء بالوساطة كطريقة لحل المنازعات الإلكترونية فإننا نقترح:

- وضع تشريع خاص بالوساطة الإلكترونية كوسيلة لفض المنازعات بشكل عام والمنازعات التجارية بشكل خاص.

- كوين خبراء متخصصين في مجال المنازعات التجارية الإلكترونية حيث دائما ما يرغب المتنازعين في عرض نزاعاتهم على ذوي الخبرة في المجال الفني والتجاري لهذه التجارة

- إنشاء مراكز للوساطة الإلكترونية وإقامة دورات توعوية وذلك لتثقيف الأفراد وإلمامهم التام بمزايا وإجراءات الوساطة الإلكترونية كوسيلة بديلة لفض المنازعات.

- ضرورة تأمين المعاملات الإلكترونية عبر الأنترنت ووضع قائمة للمراكز الخاصة بحل النزاعات الإلكترونية دوليا واعتماد قراراتها دوليا أيضا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع:

أولا: الكتب:

v            الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات، بنسالم أوديجا، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى 2009 .

v            طرق فض المنازعات في التجارة الإلكترونية، ملاي حفيظ علوي قاديري، الطبعة الأولى 2013 .

v            تحديات شبكة الانترنت، بوليس انطونيوس، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان، بدون سنة نشر.

v            التحكيم الاختياري والاجباري، احمد ابو الوفا، منشاة المعارف، الاسكندرية، 2001 .

v            تنازع القوانين بشان المسؤولية عن سوء استخدام الانترنت، جمال محمود الكردي ، ط1، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2007.

v            المفاضلة بين الوسائل التحكيمية وغير التحكيمية في تسوية المنازعات الدولية، الخيرقشي، ط1 ، بيروت ، لبنان ، 1999 .

v            العقود الدولية التحكيم الالكتروني، الياس ناصيف،  ط1 ، منشورات الجميلي ، لبنان ، 2012 .

v            التقاضي الالكتروني في الدعوى الالكترونية واجراءاتها امام المحاكم، خالد ممدوح ابراهيم، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ن 2008.

v            التحكيم التجاري الدولي ، محمود مختار احمد بريري ، ط3، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2004 .

v            التحكيم الالكتروني، محمد ابراهيم ابو الهيجاء ،  دار الثقافة لنشر والتوزيع ، عمان ، الاردن ، 2010

v            ابرام العقد عبر الانترنت ، عبد الباسط جاسم محمد ، ط1 ، بيروت ، لبنان ، 2010 .

v            تنازع القوانين في العقود الالكترونية ، محمد احمد علي المحاسنة ، ط1، عمان ، الاردن ، 2013 .

ثانيا : الاتفاقيات والقوانين

v            قانون الاونسترال النموذجي للتوفيق التجاري الدولي للأمم المتحدة / نيويورك لعام 2002.

v            قانون الوساطة الاردني ، عمان ، رقم 37 لسنة 2003 .والمعدل برقم 12 لسنة 2009.

ثالثا: الأطروحات والرسائل:

v            الوسائل الإلكترونية لحل منازعات عقود التجارة الإلكترونية، بوجمعة جعفر، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في العلوم القانونية، جامعة إكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية – 2015.

v            الحلول البديلة لفض المنازعات في المادة التجارية "الوساطة الاتفاقية كنموذج"، إيمان أزناي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السويسي- الرباط، السنة الجامعية 2009 / 2010 .



[1] - بوجمعة جعفر، الوسائل الإلكترونية لحل منازعات عقود التجارة الإلكترونية، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في العلوم القانونية، جامعة إكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية - 2015 ، ص 2.

[2] - بنسالم أوديجا، الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى 1992 ، ص 34 ، 35 .

[3] - قانون الاونسترال النموذجي للتوفيق التجاري الدولي للأمم المتحدة / نيويورك لعام 2002.

[4] - قانون الوساطة الاردني ، عمان ، رقم 37 لسنة 2003 .والمعدل برقم 12 لسنة 2009.

[5] - بوليس انطونيوس، تحديات شبكة الانترنت ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت لبنان ،بدون سنة نشر، ص 16.

[6] - (مرجع سابق)، بوجمعة جعفر، الوسائل الإلكترونية لحل منازعات عقود التجارة الإلكترونية، ص 28.

[7] - محمد احمد علي المحاسنة ، تنازع القوانين في العقود الالكترونية ، ط1، عمان ، الاردن ، 2013 ، ص 32.

[8] - محمد احمد علي المحاسنة ، تنازع القوانين في العقود الالكترونية ، ط1، عمان ، الاردن ، 2013 .

[9] - الخيرقشي ، المفاضلة بين الوسائل التحكيمية وغير التحكيمية في تسوية المنازعات الدولية ، ط1 ، بيروت ، لبنان ، 1999 .

[10] - خالد ممدوح ابراهيم، التقاضي الالكتروني في الدعوى الالكترونية واجراءاتها امام المحاكم، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية 2008، ص: 77.

[11] - جمال محمود الكردي ،تنازع القوانين بشان المسؤولية عن سوء استخدام الانترنت، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة ، 2007، ص: 111.

[12] - وتتلخص الجوانب التي عملت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي على تنظيمها من خلال القانون النموذجي بخصوص الوساطة فيما يلي:
-
نطاق التطبيق والتعاريف المادة 1
-
تفسير القانون (المادة 2)
-
تغيير أحكام هذا القانون بالاتفاق (المادة 3)
-
بدء إجراءات التوفيق (المادة 4)
-
عدد الوسطاء وطريقة تعيينهم (المادة 5)
-
تسيير إجراءات الوساطة والتوفيق (المادة 6)
-
إفشاء المعلومات (المادة 8)
-
وضعية الأدلة (المادة 10)
-
إنهاء إجراءات الوساطة (المادة 11)
-
إنفاذ اتفاق التسوية (المادة 14)

[13] - وتقابلها الفقرتين 2 و3 من المادة 18 من قواعد الوساطة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية الويبو .

[14] - أما المادة العاشرة منه فقد نصت على أنه " لا يجوز لطرفي النزاع في إجراءات التوفيق ولا للموفق ولا لأي شخص آخر بمن فيهم القائمون بإدارة إجراءات التوفيق الاعتماد على أي مما يلي أو تقديمه كدليل أو الإدلاء بشهادة أو إعطاء دليل بشأنه في إجراءات تحكيمية أو قضائية أو إجراءات مماثلة :

الدعوة الموجهة من أحد الطرفين للمشاركة في إجراءات التوفيق أو كون أحد الطرفين راغبا في المشاركة في إجراءات التوفيق .
بالآراء أو المقترحات التي أبداها أحد طرفي التوفيق بشأن تسوية ممكنة للنزاع.
تالبيانات أو الاقرارات التي قدمها أحد الطرفين أثناء إجراءات التوفيق .
ثالاقتراحات المقدمة من الموفق .
جكون أحد الطرفين قد أبدى رغبته في قبول اقتراح تسوية مقدم من الموفق .
حوثيقة أعدت لأغراض إجراءات التوفيق.
تنطبق الفقرة 1 من هذه المادة بصرف النظر عن شكل المعلومات او الادلة المشار اليها فيها
لا يجوز لهيئة تحكيم او محكمة او سلطة حكومية مختصة اخرى ان تأمر بإفشاء المعلومات المشار اليها في الفقرة 1 من هذه المادة واذا قدمت تلك المعلومات كدليل خلافا لأحكام الفقرة 1 من هذه المادة وجب اعتبار ذلك الدليل غير مقبول غير انه يجوز افشاء تلك المعلومات او قبولها كدليل طالما كان ذلك لازما بمقتضى القانون او لأغراض تنفيذ اتفاق تسوية او انفاذه
تنطبق أحكام الفقرات 1،2،3 من هذه المادة سواء كانت أم لم تكن الإجراءات التحكيمية أو القضائية أو الإجراءات المماثلة تتعلق بالنزاع الذي يشكل أو كان ليشكل موضوع إجراءات التوفيق .
كما نصت نفس المادة على أنه " لا يجوز لقاضي الوساطة تحت طائلة البطلان ، النظر في موضوع الدعوى التي سبق وأن أحيلت الى للوساطة" .

 

[15] - بوجمعة جعفر، مرجع سابق، ص 37

[16] - إلياس حداد، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، مقال منشور بالموقع الإلكتروني ency.com-www.arab تاريخ الزيارة 01/12/2022/ ، على الساعة 12:30


إرسال تعليق

0 تعليقات