آخر الأخبار

Advertisement

الطعن في القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة - الدكتور جواد خربوش- منشورات مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية وموقع الباحث القانوني


  الطعن في القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة - الدكتور جواد خربوش- منشورات مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية وموقع الباحث القانوني


رابط تحميل العدد الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf أسفله:







    الدكتور جواد خربوش

     دكتور في العلوم القانونية والسياسية شعبة

      القانون الخاص         

   الطعن في القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة

Appeal against decisions issued by the Competition Council

مقدمة :

لقد أوجد المشرع المغربي مجلس المنافسة معتبرا إياه سلطة ضابطة للمنافسة في السوق، حيث تم منحه جملة من الاختصاصات بناءً على سلطته التقريرية التي كرسها قانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما هو الشأن بالنسبة للممارسات المنافية لقواعد المنافسة وسلطة التدخل في القضايا المتعلقة بعمليات التركيز الاقتصادي، سواء عن طريق تبليغه من طرف الجهات المحددة قانونا، أو عن طريق المبادرة التلقائية للمجلس .

وباعتبار مجلس المنافسة هيئة مستقلة ([1])، فإنه طبقا لمبدأي حق الدفاع وحق التقاضي فإن قراراته تخضع للرقابة القضائية عبر آلية الطعن فيها أمام الجهات القضائية المختصة، ولعل السبب في ذلك راجع إلى حرص المشرع على حماية الأطراف المعنية، وذلك من خلال إقراراه لهؤلاء إمكانية اللجوء إلى القضاء من أجل الطعن في القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة .

إن أهمية موضوع" الطعن في القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة" يمكن أن نستقيها من كون مجلس المنافسة كهيئة له دور هام في ضبط المجال الاقتصادي، وعليه فإن القرارات الصادرة عنه يمكن أن تمس بالمصلحة الاقتصادية للفاعلين الاقتصاديين التي من أجلها دخلوا في السوق وإلى حقل المضاربة لهذا كان من الضروري على المشرع وضع آليات قانونية تمكن من الطعن في هذه القرارات عند مساسها بمصلحة أحد الفاعلين الاقتصاديين .

وعلى هذا الأساس يثار إشكال حول مدى نجاح المشرع في تأطيره لآلية الطعن في قرارات مجلس المنافسة كآلية ممنوحة للفاعلين الاقتصاديين من أجل الدفاع عن حقوقهم عند شطط في ممارسة مجلس المنافسة لسلطته؟

ولمعالجة هذا الموضوع سنعتمد خطة البحث التالية: المبحث الأول: معايير الطعن في قرارات مجلس المنافسة. المبحث الثاني: ازدواجية الجهة المختصة بالنظر في الطعن .

المبحث الأول: معايير الطعن في قرارات مجلس المنافسة

إن الطعن في قرارات مجلس المنافسة يخضع لمعيار ذاتي (المطلب الأول) ولمعيار موضوعي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المعيار الذاتي للطعن في قرارات مجلس المنافسة

إن بعض الممارسات قد تؤدي إلى خلق وضع مسيطر لأحد الفاعلين داخل نفس السوق، مما يؤثر سلبا على باقي الفاعلين وعلى النشاط الاقتصادي، لذلك كان حريا بالمشرع في ظل تبني اقتصاد السوق الحر، التدخل لسن قوانين وضوابط تشريعية لقواعد وأخلاقيات المنافسة لمنع إساءة استعمال هذه الحرية وتفادي الفوضى والتعسف والهيمنة على الأسواق وزجر المخالفين ([2]).

وبما أن المشرع خول لمجلس المنافسة سلطة إصدار الجزاءات والعقوبات التي هي في الأصل تعود للسلطة القضائية، لذلك كان لابد أن يخضعها للرقابة القضائية ([3])، وكما هو معلوم فالقانون حدد شروطا محددة للولوج إلى القضاء من أجل اقتضاء الحقوق وهذه الشروط تتمثل في الأهلية، الصفة، المصلحة، غير أن هذه الشروط لها خصوصية حسب الجهة المخاطبة بها، وهو ما دفعنا إلى الحديث عن نطاق سريان هذه القرارات أي الفئة المستهدفة من هذا النوع من القرارات، إذ أن قانون المنافسة يخاطب بصفة عامة، المنشآت الاقتصادية، التي تمارس نشاطا اقتصاديا طبقا للمادة الثانية من القانون رقم 104.12 ،سواء كان الممارس للنشاط الاقتصادي شخصا طبيعيا أـو معنويا.

ومن أجل الحفاظ على المركز القانوني الذي نجم عن تصرف معين، والتوازنات الاقتصادية في الدولة طبقا لمبدأ كفالة الأمن القانوني، فإن مجلس المنافسة كسلطة ضابطة يتمتع بسلطة اتخاذ القرار لضبط السوق.

وما تجدر الإشارة إلى أنه في إطار ما هو اقتصادي لا نتحدث عن المركز القانوني الذي سيتم المساس به بل الحديث عن المركز الاقتصادي وبعبارة أخرى المصلحة الاقتصادية للطرف الذي سيؤثر فيه تلك القرار الصادر عن مجلس المنافسة، وكمثال حي على هذه الأوضاع نجد المادة 31 من القانون رقم 104.12 ([4]) المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة حيث تطرقت إلى القرارات التي قد يتضرر منها أحد الأشخاص المعنية بالأمر عند رفض أو قبول رئيس مجلس المنافسة كسلطة ضبط إطلاع أو تبليغ أحد الأطراف لوثائق أو عناصر من تلك الأوراق والتي تفشي أسرار أعمال أشخاص آخرين، مما يؤدي إلى المساس بالمصلحة الاقتصادية لهذا الطرف.

وعليه فإن هذه القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة والرامية إلى ضبط المجال الاقتصادي بصفة عامة والسوق بصفة خاصة قد تستهدف أي شخص، سواء كان شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا، سواء كان خاصا كالشركات مثلا والوسطاء في عمليات البورصة أو قد يكون عاما كالدولة.

المطلب الثاني: المعيار الموضوعي للطعن في قرارات مجلس المنافسة

بالنظر إلى كون قرارات مجلس المنافسة تعد محط خلاف حول طبيعتها القانونية، فإن المعيار الموضوعي المعتمد لتقدير الطعن يختلف تبعا إذا كنا أمام قرار إداري مستوفي جميع الشروط أو أمام قرارات ذات طبيعة قضائية، لذلك سنحاول ملامسة هذا الاختلاف عبر النقطة الموالية:

الطبيعة القانونية لقرارات مجلس المنافسة بين الطابع الإداري والطابع الشبه القضائي

يترتب عن ممارسة المهام الضبطية لمجلس المنافسة وانعقاده كهيئة قضائية للفصل في المنازعات المعروضة عليه، إصداره لقرارات ذات طبيعة قضائية في فحواها حتى ولو لم تصدر في الصيغة المعروفة باسم (جلالة الملك)، فالنطق بالعقوبة المالية والأوامر واجبة التنفيذ هي مؤشرات لوظيفة قضائية يمارسها مجلس المنافسة.

إن المجلس في ظل ممارسته للصلاحيات المخولة له قانونا، يمكنه إصدار مجموعة من القرارات التي تتميز بازدواجية طبيعتها القانونية حيث تتراوح بين تلك التي تصطبغ بالطابع القضائي، وتلك ذات الطابع الإداري، يمكن لمجلس المنافسة أن يصدر في إطار وظيفته قرارات ذات طبيعة قضائية على غرار القرارات الإدارية، وتتصف بالصفة القضائية ليس لأنها صادرة عن هيئة قضائية بالمعنى الفعلي للكلمة، وإنما بحكم كونها مقتبسة من العمل القضائي حيث تدخل في صميمه.

وتنقسم هذه القرارات ذات الصبغة القضائية التي يتولى مجلس المنافسة إصدارها بمناسبة ممارسته لمهامه التقريرية إلى:

الأوامر: يقصد بالأوامر مجموع التعليمات التي يصدرها المجلس للمعنيين بها من أجل الحفاظ على السير العادي للمنافسة داخل السوق أو من أجل تبسيط الإجراءات أمامه، حيث يتدرج في إلزام هؤلاء بتنفيذ تعليماته، بداية من الأوامر المرتبطة بالغرامات التهديدية ثم العقوبات المالية، تمهيدا لاتخاذ القرارات المناسبة المتعلقة بقضاياهم.

ومن الأوامر التي تدخل ضمن القرارات ذات الطبيعة القضائية التي يتولى المجلس إصدارها، الأمر بالتبليغ عن عمليات التركيز الاقتصادي أو الأمر باتخاذ تدابير ضرورية سواء كانت تدابير تحفظية أو تدابير تهدف المحافظة على المنافسة أو الأمر بتطبيق تعليمات أو طلبات معينة أو تعهدات متخذة أو الأمر بالرجوع
إلى الحالة السابقة أو قرارات بعدم متابعة إجراءات النظر في الممارسات المنافية للمنافسة.

العقوبات: يصدر مجلس المنافسة عقوبات مالية أصلية ضد المؤسسات التي قامت بمخالفة قواعد قانون المنافسة، كما يصدر غرامات مالية عند مخالفة الأوامر التي يصدرها لها، كما يصدر عقوبات تكميلية للعقوبات المالية الأصلية.

إلى جانب القرارات القضائية يقوم المجلس عموما بإصدار قرارات إما تنظيمية أو فردية.

القرارات الإدارية التنظيمية: تتضمن هذه القرارات قواعد عامة ومجردة تتكلف بإصدارها السلطات الإدارية المختصة لكي تطبق على عدد غير معين وغير محدد من الأشخاص، ولا يمكن معرفة من سيطبق عليهم القرار بصورة مسبقة ذلك أن العمل أو التصرف التنظيمي صدر لكي يطبق على كل ما يوجد في مركز قانوني معين اتجاه الإدارة العامة سواء حاليا أو مستقبلا ([5]).

ومن بين القرارات التي تدخل ضمن هذه الزمرة، نجد القرار القاضي بتحديد النظام الداخلي لمجلس المنافسة ([6]).

كما يمكن للمجلس بحكم ممارسته لصلاحياته الاستشارية إصدار قرارات للإدلاء بآرائه في إطار الاستشارة الاختيارية أو الإجبارية الواردة عليه من الجهات المحددة قانونا، غير أن السؤال المطروح في هذا الإطار هو مدى اعتبار قرارات المجلس الصادرة في شأن تقديم المشورة قرارات إدارية تنظيمية؟

للإجابة على هذا التساؤل لابد أولا أن نشير إلى مقومات القرار الإداري، حيث يستوجب هذا الأخير مجموعة من الشروط الأساسية التي بانتقائها تنتفي عن القرار الصفة الإدارية، وهي كالتالي:

§       أن يكون القرار عملا قانونيا

§       أن يصدر القرار من جانب واحد

§       أن يصدر القرار عن سلطة إدارية عامة

§       أن يصدر القرار بإرادة الإدارة الملزمة

§       أن يكون القرار نهائيا

§       أن يؤثر القرار في مركز المخاطب به.

نرى أن أهم شرط يمكن من خلاله تقييم مدى إدارية القرارات الصادرة في شأن آراء المجلس، هو الشرط الأخير المتعلق بتأثير القرار في مركز المخاطب به ([7]).

حيث استحضارا للقيمة القانونية لأراء المجلس، خلصنا إلى أن تلك الآراء لا تلزم طالبيها سواء كان ذلك في إطار الاستشارة الإلزامية أو الاختيارية، وعليه فإن القرارات القاضية بإصدار تلك الآراء لا تعتبر ملزمة هي الأخرى، طالما أن هذه الأخيرة لا قوة إلزامية لها اتجاه طالبيها.

ونتيجة لذلك فإن القرارات الصادرة في إطار تقديم المشورة لا تعتبر قرارات إدارية ولا تنظيمية، بل أعمال إدارية تشاورية ([8]) فقط.

القرارات الإدارية الفردية: هي تلك القرارات التي تخاطب أفراد معنيين بذواتهم أي تتعلق بأفراد معروفين بأسمائهم وأشخصاهم ولو تعدد هؤلاء الأشخاص، ومن القرارات الفردية التي يصدرها المجلس بمناسبة ممارسته لصلاحياته التقريرية في تنظيم مجال المنافسة نجد:

التراخيص: إن المجلس بمناسبة ممارسته لصلاحياته التقريرية، خاصة في مجال الرقابة على عمليات التركيز الاقتصادي، يمكنه إصدار مجموعة من القرارات التي تهدف مراقبة وضبط تلك العمليات، ويتعلق الأمر بقبول أو عدم قبول النظر في ملفات تلك العمليات وبقبول الترخيص بها أو رفض الترخيص وكذا وقف الترخيص أو سحبه، والسؤال المطروح هو مدى اعتبار أعمال المجلس تلك، قرارات إدارية؟

يجب أولا التسليم أن تسليم التراخيص هو من صميم العمل الإداري، فالإدارة هي مكلفة مبدئيا بصلاحية الترخيص، وعلى غرار ما سلكناه بخصوص تقييم مدى إدارية القرارات القاضية بإصدار آراء المجلس، سنقوم بتقييم مدى إدارية القرارات الصادرة بشأن التراخيص المتعلقة بعمليات التركيز الاقتصادي ،حيث نلاحظ من خلال مقتضيات الناظمة لإجراءات الرقابة على تلك العمليات ([9]) أن المشرع خول للمجلس إصدار تلك القرارات بعض دراسة ملفات القضايا المعنية ،وعليه نلاحظ أن جميع الشروط قيام قرار إداري متوفرة بتلك القرارات بمال فيها تأثير في مراكز المخاطبين بها إما بالترخيص لهم أو منعهم أو وقف الترخيص أو سحبه.

مما يمكن بناءً عليه التأكيد على الطبيعة الإدارية للقرارات التي يصدرها المجلس في مجال الرقابة على عمليات التركيز الاقتصادي.

-القرارات المتعلقة بالوضعية الفردية لأعضاء وأطر المجلس: ويتعلق الأمر هنا بالقرارات التي يصدرها المجلس بمناسبة نظره في الوضعيات الفردية لأعضائه وموظفيه، حيث يمكنه إصدار قرارات تقضي إما بالتعيين أو الإعفاء من المهام أو الترقية أو التأديب أو غيره....

وطالما يخضع موظفي المجلس للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، كما أن القرارات التي يصدرها تأثر في وضعياتهم الوظيفية والمهنية، مما يمكن معه الاعتراف بالطبيعة الإدارية لتلك القرارات.

 

 

 

المبحث الثاني: ازدواجية الجهة القضائية المختصة بالنظر في الطعن في قرارات مجلس المنافسة

           إن ازدواجية الطبيعة القانونية التي تتصفها بها القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة بين الصبغة القضائية والطابع الإداري يجعلنا أمام ازدواجية الجهة المختصة في النظر في الطعن المرتبط بهذه القرارات.

أعطى المشرع المغربي لجهتين قضائيتين صلاحية البت في قرارات مجلس المنافسة، والطعن فيها حيث تنص المادة 44 من قانون حرية الأسعار والمنافسة على صلاحية كل من الغرفة الإدارية بمحكمة النقض ومحكمة الاستئناف بالرباط للنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات مجلس المنافسة، وعليه سنتعرض للطعن أمام الغرفة الإدارية لمحكمة النقض (المطلب الأول)، ثم الطعن أمام محكمة الاستئناف (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الطعن أمام الغرفة الإدارية

تعتبر الغرفة الإدارية إحدى مكونات محكمة النقض إلى جانب الغرفة المدنية والتجارية وغيرها من الغرف... ([10])، وقد منحها القانون رقم 104.12 اختصاص النظر في بعض القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة في إطار مراقبة مشروعية القرارات الصادرة عن السلطات (الهيئات الإدارية) عملا بمقتضيات الفقرة الثانية من الفضل 118 من الدستور ([11])

وتنص الفقرة الأولى من المادة 44 من القانون رقم 104.12 على أن:"تقدم الطعون ضد قرارات مجلس المنافسة المتخذة تطبيقا للأحكام الفقرة الخامسة من المادة 15 والبند 3 من المادة 17 والمادتين 19و20 من هذا القانون، والقرارات المتخذة من لدن الإدارة، تطبيقا لأحكام المادة 18 من هذا القانون، داخل أجل ثلاثين (30) يوما ابتداء من التاريخ تبليغ القرار، أمام الغرفة الإدارية لمحكمة النقض ".

استنادا إلى مقتضيات الفقرة أعلاه وبالاضطلاع على أحكام المواد المشار إليها أعلا، نلاحظ أن الغرفة الإدارية المكلفة بالنظر في الطعون الموجهة ضد القرارات التي يصدرها المجلس في إطار رقابته على عمليات التركيز الاقتصادي، والتي تتعلق بقبول النظر في طلبات الترخيص من عدمها لعدم الاختصاص، وقبول الترخيص ورفضه وسحبه زهي قرارات ذات طبيعة إدارية محضة وكذا الأوامر المرتبطة بتلك القرارات كتلك المتعلقة باتخاذ تدابير معينة من أجل المحافظة على حسن سير المنافسة، والتي إن كانت ذات طبيعة قضائية إلا أن صدورها كإجراء إداري إلى جانب قرارات الترخيص يسمح بالقول بإمكانه الطعن فيها أمام القضاء الإداري إلى جانب القرارات الإدارية المحضة.

وعليه يمكن القول أن الغرفة الإدارية لمحكمة النقض مكلفة بالنظر في الطعون الموجهة ضد القرارات، التي يصدرها المجلس في ميدان الرقابة على عمليات التركيز الاقتصادي ذات طبيعة إدارية.

أما مسطرة الطعن المطبقة من قبل هذه الغرفة نلاحظ فيما يخص أجل رفع الطعن الذي حددته الفقرة الأولى من المادة 44 في 30 يوما، أنه جاء مخالفا لما هو منصوص عليه في أحكام القواعد العامة ([12]) والقانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية أو في قانون المسطرة المدنية، تبقى هي الضابط الذي يمثل الشريعة العامة في تحديد وضبط تلك الإجراءات، والتي تتعلق بالشروط الموضوعية ([13]) والشكلية([14]) الواجب توفرها لقبول الطعن من طرف الغرفة الإدارية.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع لزم الصمت أيضا بخصوص طريقة الطعن التي يمكن بمقتضاها الطعن في قرارات المجلس، لكن بالرجوع إلى مقتضيات المادة 9 من القانون أعلاه، نجد أن الغرفة الإدارية لمحكمة النقض مختصة ابتدائيا وإنتهائيا بالنظر في الطعون المحالة إليها، مما يعني أنها تنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المجلس بصفتها محكمة أول وآخر درجة ([15]) لكن السؤال المطروح هو: ما نطاق سلطات القاضي الإداري وهو ينظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المجلس، أو بصيغة أخرى ماهي حدود رقابة القاضي الإداري على قرارات المجلس؟

المطلب الثاني: الطعن أمام محكمة الاستئناف بالرباط

في مقابل الطعن أمام الغرفة الإدارية لمحكمة النقض في القرارات الصادرة في القضايا المتعلقة بعمليات التركيز الاقتصادي، خول المشرع لمحكمة الاستئناف بالرباط النظر في الطعون المقدمة ضد باقي القرارات الأخرى التي يصدرها مجلس المنافسة، حيث جاء في الفقرة 2 من المادة 44 من القانون رقم 104.12 أنه: "تقدم الطعون ضد القرارات الأخرى المتخذة من لدن مجلس المنافسة أمام محكمة الاستئناف بالرباط، ويتم رفعها والتحقيق والبت فيها طبقا للمقتضيات أدناه،"

وعليه فإن محكمة الاستئناف مختصة بالنظر في جميع القرارات القابلة للطعن الصادرة عن المجلس في قضايا الممارسات المنافية للمنافسة لكن تجب الإشارة إلى أن المشرع لم يدخل قرار المجلس بالموافقة على إنجاز عمليات التركيز الاقتصادي ضمن القرارات القابلة للطعن أمام الغرفة الإدارية لمحكمة النقض بدليل عدم وجود الفقرة الأولى من المادة من القانون رقم ضمن أحكام الفقرة الأولى من الماد من نفس القانون، مما يعني –بمفهوم المخالفة –أنها تدخل ضمن قائمة القرارات التي تكون محل طعن أمام محكمة الاستئناف بالرباط.

ولا بد من التذكير بالقرارات التي يتم الطعن فيها أمام هذه الأخيرة، حيث يتعلق الأمر بـ:

×   القرارات التي تتضمن أوامر باتخاذ الإجراءات الضرورية للمحافظة على السير العادي للمنافسة.

×   القرارات المتعلقة باتخاذ التدابير التحفظية ووقف الممارسات المخلة بالمنافسة.

×   القرارات المتعلقة بعدم قبول الإحالة لانتفاء أحد شروطها.

×   القرارات المتعلقة بعدم متابعة إجراءات النظر في الممارسات المنافية للمنافسة.

×   القرارات المتخذة في إطار المادة 31 من القانون 104.12 المتعلقة بقبول أو رفض رئيس مجلس المنافسة إطلاع أو تبليغ أحد الأطراف لوثائق أو عناصر من تلك الوثائق والتي تفشي أسرار أعمال أشخاص آخرين، شريطة ألا يكون الطعن فيها مستقلا عن القرارات المتخذة في الجوهر ([16]).

×   القرارات المتعلقة بالعقوبات، سواء الأصلية أو التكميلية منها التي يفرضها المجلس على المخالفين لقواعد قانون المنافسة.

أما بخصوص الصفة التي تنظر بها محكمة الاستئناف بالرباط في الطعون الموجهة ضد قرارات المجلس، فاستحضارا لازدواجية الطبيعة القانونية لمجلس المنافسة التي تحتمل الطابع شبه القضائي، يمكن القول أن محكمة الاستئناف تنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المجلس بصفتها محكمة ثاني درجة، وبالتالي يكون المجلس بإصداره تلك القرارات محكمة أول درجة، لكن من الناحية النظرية لا يمكن التسليم ببداهة هذا الطرح، لأن مكونات التنظيم القضائي محددة على سبيل الحصر ولا يمكن إضافة المجلس كمكون جديد إلى جانبها، لاعتبارات تشريعية ([17]) وأخرى واقعية ([18]).

لكن المشرع المغربي بتنصيصه على إمكانية الطعن أمام محكمة الاستئناف كمحكمة ثاني درجة، يكون قد قبل بإمكانية إصباغ المجلس بصفة محكمة أول درجة –ولو بتحفظ-.

بخصوص مسطرة الطعن المطبقة في هذا الإطار فقد نص المشرع عليها بالرباط بمقتضى أحكام المواد من 44 إلى 57 من القانون رقم 104.12 حيث نظم إجراءات الطعن في قرارات مجلس المنافسة في صلب القانون 104.12 بدليل الفقرة 2 من الماجة 44 من نفس القانون، بخلاف إجراءات الطعن أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، حيث سكت المشرع تاركا المجال للمقتضيات العامة لتأطيرها.

حسب المادة 46 من القانون رقم 104.12، يجب أن يقدم الطعن ضد قرارات المجلس المشار إليها في الفقرة 2 من المادة 44 من نفس القانون، داخل أجل 30 من تاريخ استلام التبليغ من طرف الأطراف المعنية أو مندوب الحكومة أو هما معا.

نلاحظ أن أجل الطعن، أعلاه، أمام محكمة الاستئناف بالرباط، جاء مطابقا لأجل الطعن بالاستئناف في القواعد العامة ([19]).

لكن القانون حدد على سبيل الحصر الأشخاص التي يمكنها الطعن ضد القرارات الصادرة عن المجلس القابلة للطعن أمام محكمة الاستئناف بالرباط في الأطراف المعنية ومندوب الحكومة فقط، على خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة لقرارات المجلس القابلة للطعن أمام الغرفة الإدارية لمحكمة النقض، وكذلك بالنسبة لإجراءات الطعن بالاستئناف بصفة عامة، حيث يبقى المعيار الوحيد هو شروط رفع الدعوى (الصفة والمصلحة والأهلية).

ويتم إيداع الطعن في القرارات القابلة للطعن أمام محكمة الاستئناف، لدى مجلس المنافسة مقابل وصل، حيث تعتبر نسخة من مقال الطعن تحمل طابع المجلس بمثابة طعن، ثم يتم إثبات إيداع المقال في سجل خاص ([20]).

والملاحظ أن إجراءات إيداع مقال الطعن لدى مجلس المنافسة، جاءت مطابقة لتلك المنصوص عليها في القواعد العامة للاستئناف ([21])، ويجب أن يتضمن مقال الطعن الأسماء الكاملة للأطراف المعنية وصفاتهم ومهنهم وسكناهم أو إقامتهم، وإذا تعلق الأمر بشركة، يجب أن يتضمن تسميتها وطبيعتها ومقرها، كما ينبغي أن يشير إلى الموضوع والأفعال والوسائل المثارة، وأن ترفق معه الوثائق التي يرغب المدعي في استعمالها، كما يجب أن يرفق بعدد نسخ منه تعادل عدد الأطراف المعنية ([22]).

ويوجه مقال الطعن بعد مرور 10 أيام من تاريخ إيداعه مرفقا بالوثائق وملف القضية الذي يتضمن المحاضر والتقارير الخاصة بالبحث والمؤاخذات والملاحظات والتقرير والوثائق دون مصاريف إلى كتابة ضبط محكمة الاستئناف بالرباط ([23]).

من خلال ما سبق، يمكن الخلاص إلى أن القضاء الإداري الممثل في الغرفة الإدارية لمحكمة النقض هو الجهة الأصيلة المختصة بالنظر في الطعون ضد قرارات مجلس المنافسة، وما القضاء العادي -محكمة الاستئناف –إلا استثناء من القاعدة

خاتمة:

إن مجلس المنافسة باعتباره سلطة إدارية مستقلة فهو يتمتع بسلطة إصدار القرارات الإدارية وهذا ما يجعل هذه الأخيرة تخضع لمبدأ المشروعية، بحيث يلتزم المجلس عند اتخاذه القرارات باحترام مقتضيات النصوص القانونية، وهذا ما يجعلها أحيانا تكون محل الطعن أمام القضاء الإداري –الغرفة الإدارية لمحكمة النقض - وأحيانا أخرى أمام القضاء العادي –محكمة الاستئناف-.

غير أننا نأمل أن يتدخل المشرع لحل مشكلة ازدواجية الجهة القضائية المختصة برقابة قرارات مجلس المنافسة، الذي أدى إلى تشتت المنازعات الناشئة عن هذه القرارات بين جهتي القضاء العادي والقضاء الإداري.

وقصد تجنب صدور أحكام وقرارات قضائية متعارضة في مجال المنافسة، فإنه يتعين على المشرع:

v  اعتماد هيئة قضائية واحدة تختص برقابة كل الأعمال الصادرة عن مجلس المنافسة، وتعمل على توحيد الاجتهاد القضائي في مجال المنافسة.

v  تبسيط إجراءات الدعوى من خلال تفادي الإحالة كل مرة إلى القواعد العامة التي لا تتلاءم وطبيعة المنازعات الناشئة عن قرارات مجلس المنافسة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع:

عبد الرزاق العمراني، مجلس المنافسة الجديد-على ضوء القانونيين الحديثين لحرية الأسعار والمنافسة ومجلس المنافسة، مجلة القضاء والقانون، عدد 165 يونيو 2015 .

فوراري مجدوب، الاختصاص الرقابي لسلطة الضبط للبريد والمواصلات، مجلة التواصل القضائي عدد 2-3 ،2013-2014.

مليكة الصروخ: القانون الإداري-دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الطبعة الرابعة الدار البيضاء ،1998.

عبد الكريم طالب، "التنظيم القضائي المغربي "دراسة عملية"، مطبعة النجاح، 2014.

كريم الحرش، "القضاء الإداري المغربي"، مطبعة طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى 2012.

ظهير شريف 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1435 -30 يونيو 2014 –بتنفيذ القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الجريدة الرسمية عدد 6276.



([1]) طبقا للفصل 166 من الدستور يعتبر مجلس المنافسة، هيئة مستقلة مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.

 ([2]) عبد الرزاق العمراني، مجلس المنافسة الجديد-على ضوء القانونيين الحديثين لحرية الأسعار والمنافسة ومجلس المنافسة، مجلة القضاء والقانون، عدد 165 يونيو 2015 ص 39.

 ([3]) فوراري مجدوب، الاختصاص الرقابي لسلطة الضبط للبريد والمواصلات، مجلة التواصل القضائي عدد 2-3 ،2013-2014، ص 133.

 ([4]) ظهير شريف 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1435 -30 يونيو 2014 –بتنفيذ القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الجريدة الرسمية عدد 6276.

 ([5]) مليكة الصروخ: القانون الإداري-دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الطبعة الرابعة الدار البيضاء ،1998 ص393.

 ([6]) أنظر المادة 21 من القانون رقم 20.13 م.م.م.

 ([7]) علما أن هذا التميز لا يمكن أن يمس بأهمية باقي الشروط، بقدر ما يساهم في تقييم مدى إدارية القرار بشكل فعال لا فحسب.

 ([8]) محمد الهيني: دور هيئات النوظمة في ضمان حكامة إدارية واقتصادية فعالة،

 ([9]) أنظر من المادة 11 ألى المادة 22 من قانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

 ([10]) عبد الكريم طالب، "التنظيم القضائي المغربي "دراسة عملية"، مطبعة النجاح، 2014،  ص: 80 .

 ([11]) تنص الفقرة الثانية من المادة 118 من الدستور المغربي "كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة".

 ([12]) تنص المادة 360 من قانون المسطرة المدنية على أن:" يجب مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثانية من هذا الفصل أن تقدم طلبات إلغاء مقررات السلطات الإدارية للشطط في استعمال السلطة داخل 60 يوما من يوم نشر أو تبليغ المقرر المطعون فيه"

 ([13]) تترواح الشروط الموضوعية بين تلك المتعلقة برفع الدعوى الإلغاء (الأهلية –الصفة-المصلحة)، وتلك المتعلقة بالقرار المطعون فيه (أن يكون إداريا –طبيعة القرار المطعون فيه).

 ([14]) وتتمثل الشروط الشكلية في الشروط المتعلقة بآجال الدعوى، وفي انعدام الدعوى الموازية.

 ([15]) كريم الحرش، "القضاء الإداري المغربي"، مطبعة طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى 2012، ص: 121 و122.

 ([16]) المادة 45 من القانون رقم 104.12 م.ح.أ.م.

 ([17]) من أهم الاعتبارات التشريعية أنه لا يمكن إدخال أي تعديل على مقتضيات التنظيم القضائي للمملكة إلا بمقتضى قانوني صريح ولا نجد هذا الأخير، لا في النصوص المنظمة للمنافسة ولا في نصوص التنظيم القضائي للمملكة

 ([18]) لا يمكن قبول مجلس المنافسة كمحكمة إلى جانب المحاكم القضائية، نظرا لعدة اعتبارات منها فلسفته وتكوينه وصلاحياته، التي لا تتماشى والعمل القضائي إلا في بعضه، وهذا ليس كافيا لاعتباره محكمة.

 ([19]) تنص الفقرة 2 من الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية على أنه: "يجب أن يقدم استئناف أحكام المحاكم الابتدائية خلال ثلاثين يوما".

 ([20]) المادة 47 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

 ([21]) ينص الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية على أنه: يقدم الاستئناف أمام كتابة الضبط المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه.........."

([22]) المادة 48 من قانون رقم 104.12 م.ح.أ.م.

([23]) الفقرة الأولى من المادة 49 من القانون رقم 104.12 م.ح .أ.م.


إرسال تعليق

0 تعليقات