آخر الأخبار

Advertisement

عدالة النوع الاجتماعي في الدول العربية - الأستاذة صبرا الحلا- منشورات مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية وموقع الباحث القانوني


 عدالة النوع الاجتماعي في الدول العربية - الأستاذة صبرا الحلا- منشورات مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية وموقع الباحث القانوني



رابط تحميل العدد الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf أسفله:






 

     الأستاذة صبرا الحلا

          باحثة بسلك الدكتوراه ـ كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية

    سيدي محمد بن عبد الله بفاس

      عدالة النوع الاجتماعي في الدول العربية

Gender justice in the Arab countries

مقدمة:

على الرغم من أحراز تقدم كبير ، غير مسبوق على الصعيد الدولي في تعزيز الحماية القانونية للأفراد ومجموعات الأفراد ، ضد التمييز ، فإن التقارير الواردة من جميع أنحاء العالم تؤكد أن الأعمال والممارسات التمييزية ، لم تتحول بعد إلى ذكرى من الماضي ، والتمييز متعدد الوجوه ، ولا يوجد في هياكل الدول أو الهياكل العامة فحسب ، بل أيضا في المجتمع المدني بشكل عام ، وهكذا فقد يؤثر التمييز بدرجات متفاوتة ، على طريقة معاملة الأشخاص في كافة مجالات المجتمع ، مثل السياسة والتعليم والعمل ، والخدمات الاجتماعية والطبية ، والإسكان والنظام التأديبي ، وإنفاذ القوانين وإقامة العدل على وجه العموم .

ويعد التمييز القائم على النوع الاجتماعي أو (الجنس)، من أخطر أنواع التمييز، فرغم التقدم المحرز في كثير من البلدان، ما زالت هناك قوانين تنكر على المرأة ، من بين جملة أمور (الحق في تمثيل ثروة الزوجية ، الحق في العمل ، الحق في السفر دون إذن الزوج ...) ، كما تتعرض المرأة بشكل خاص للممارسات العنيفة والتعسفية ، التي لم تهدأ حدتها بعد في كثير من البلدان سيما بلدان المنطقة العربة، ومن ثم فإنها تعاني في كثير من لأحيان من تمييز مزدوج بسبب العنصر أو الأصل، أو مجرد كونها امرأة .

ويعد النوع تعبير واسع الاستعمال في العلوم الاجتماعية، وهو وإن كان يستخدم أحيانا بديلا عن مفهوم "الجنس"، قد يدل على عملية معقدة تجعل الجنسين (الذكر والأنثى) أشخاصا اجتماعيين يحملون في أنفسهم من المعاني التي يربطونها بأعمالهم الخاصة، رغبات وبصمات واتجاهات منظمة اجتماعيا فيما يخص ما يكون الذكورة والأنوثة [1]، وهذا يعني أن النوع تعبير يشير إلى إنتاج هذا التنظيم الاجتماعي للجنسين في فئتين مميزتين مختلفتين رجالا ونساء .

النوع الاجتماعي من المفاهيم الحديثة في العالم ، ويحتاج إلى الكثير من العمل وجهد لترسيخه وتوطينه ، مع اتخاذه أداة من أدوات التثقيف الفاعلة ، تمهيدا لدمجه في التنمية وفي كافة الحقول ، ويشير النوع الاجتماعي إلى الأدوار والمسؤوليات التي يتولاها الرجال والنساء ، والتي نشأت في مجتمعاتنا وثقافتنا ، ويتم اكتساب هذه الأدوار والتطلعات بواسطة التعلم ، وهي عرضة للتغير مع الوقت ، كما أنها تختلف من ثقافة إلى أخرى وداخل الثقافة الواحدة ، وتعد أنظمة التمايز الاجتماعي (كالمركز السياسي والانتماء الطبقي ، والعرقي والإعاقات الجسدية والعقلية والسن وغيره ...) من أدوار كل جنس، لكن مفهوم النوع الاجتماعي يبقى حيويا ، لأنه في حال تطبيقه على التحليل الاجتماعي[2] ، فإنه يكشف الأسلوب الذي يتم بموجبه تأسيس تبعية النساء في المجتمع ، وبالتالي تكون هذه التبعية بحد ذاتها عرضة للتغيير أو الإلغاء.

وقد استخدم مصطلح (الجندر) أو النوع الاجتماعي لأول مرة من قبل (آن أوكلي وزملائها) في سبعينيات القرن الماضي في كتابها الشهير (الجنس، النوع والمجتمع)، وذلك لوصف خصائص الرجال والنساء اجتماعيا في مقابل الخصائص البيولوجية، كما لعبت الحركات النسوية وتطورها دورا بارزا في ترسيخ مفهوم النوع الاجتماعي وتعزيزه في مختلف المجالات.

وقد عرفت منظمة الصحة العالمية[3] النوع الاجتماعي على أنه المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعيا لا علاقة لها بالاختلافات العضوية .

ومن هنا يمكن القول أن النوع الاجتماعي، هو تصور للأدوار والعلاقات الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع ، لكل من الجنسين [4]، والنابعة من الثقافة والدين والتقاليد والمعايير الاجتماعية والحاجات الاقتصادية .

إن مجهودات المنظمات الدولية في مجال النوع الاجتماعي ، عديدة ومتجددة حسب لوائح وقوانين برامج الأمم المتحدة الموحد منذ عام 1954 ، وتم إعلان الأمم المتحدة الذي يدعو إلى المساواة مع مراعاة عدم التمييز والتفرقة في الجنس ، العرق ، اللغة ، والدين بين أفراد المجتمع في العالم  ، وتنفيذا لهذا الشعار بدأ العمل من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة من أجل النهوض بوضع المرأة في العالم منذ عام 1964 ، وانبثق عن ذلك وثائق وسياسات موجهة للمرأة والتي نذكر منها:

ـ مؤتمر مكسيكو سنة 1975 ففي هذه السنة تم إعادة تقييم مكانة المرأة في المجتمع الدولي والإنساني ، المؤتمر الذي دعا إلى المساواة ، السلم والتنمية ، والذي اعتمد خطة عمل عالمية تبنتها جميع الدول المنظمة في هيئة الأمم المتحدة ، حيث خرج المؤتمر بتوصيات واستراتيجيات حدد لها سقف للتنفيذ (عشر سنوات) ، وقد سمي بعهد المرأة من 1975 إلى 1985.

ـ المؤتمر العالمي الثاني للمرأة كوبنهاغن ، الدنمارك سنة 1980 ، جاء هذا المؤتمر كمواصلة لأهداف مؤتمر مكسيكو ، مكرسا الجهود في إنهاء التمييز والتفرقة بين المرأة والرجل ، وفيما بين النساء أنفسهن ، حسب العرق والدين والحالة الاجتماعية والاقتصادية ، من خلال الاشتغال على القوانين والتشريعات لتحقيق هذه الأهداف .

ـ المؤتمر العالمي الرابع للمرأة بكين 1995 ، شكل هذا المؤتمر نقلة نوعية في تحقيق المساواة الإيجابية بين الجنسين ، وتعزيز حقوقها الإنسانية ، فأتاح الفرصة لجميع الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص ، والأفراد لاستعراض جهودهم ، وتجديد التزاماتهم بموضوع المؤتمر الأساسي .

ومن أهم مظاهر مؤتمر بكين أنه حول الانتباه من تنمية المرأة إلى مفهوم تنمية النوع مشددا على أهمية العلاقة المتداخلة .

وعلى الرغم من أن مسألة المساواة بين المرأة والرجل ، تكرسها الدساتير في عدد من البلدان ، ومن بينها بلدان المنطقة العربية ، فإن الحقوق التي يقرها القانون تعجز في الآن نفسه ، عن كسر نماذج الأدوار الجندرية التقليدية أو إحداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، ولا تزال حقوق المرأة العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ومشاركتها في المجتمع محدودة للغاية ، وتعاني النساء في كثير من الأحيان من الفقر أكثر من الرجال ، ويتعرضن للتمييز الذي تكرسه بدوره جملة من القوانين الوطنية ، والتي تتعارض في كثير من الأحيان مع مقتضيات المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها بلدان المنطقة العربية ، تحت ذريعة موائمة مقتضيات هذه المواثيق مع قوانينها الداخلية ، مما يطرح إشكالية خطيرة بخصوص، مدى الأولوية التي تحظى بها الأحكام القانونية الدولية على القوانين الداخلية .

والتمييز القائم ضد المرأة سيما في منطقتنا العربية، مازال يعرف أوجا عدة ، أبرزها تقرير صادر عن منظمة " الإسيكوا"، إذ ينطلق هذا التقرير من أرضية ملخصات 19 بلد عربي بمساعدة الحكومات ومنظمات المجتمع المدني ، صدر هذا التقرير سنة 2018 ، وهو يمثل موردا قيما للدول العربية ، إذ يتبنى عدسة إقليمية في استعراض مختلف الجوانب التشريعية والقانونية المذكورة في كل من ملخصات الدول .

ويركز التقرير على القوانين والممارسات التي تكرس التمييز القائم ضد المرأة في المنطقة العربية لاسيما على مستوى العنف ، قوانين الأسرة ، حقوق الملكية ، والقوانين الخاصة بالعمل ، كما لا يحجم التقرير عن ذكر السلوكيات والقيم المحافظة التي تسهم في عرقلة تمكين المرأة ، كما يعرض التقرير لأهم الإصلاحات التي قامت بها بعض بلدان المنطقة والتي تتلائم مع مقتضيات المواثيق والمعاهدات التي صادقت عليها هذه الدول ، والتي تشكل كذلك تدابير ملموسة يمكن لباقي الدول اعتمادها ، وهي أمثلة محددة على تغييرات تشريعية مطلوبة لتحقيق عدالة النوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين أمام القانون .

وتظهر أهمية الموضوع من الناحية النظرية في بحث أوجه اللامساواة والتمييز القائم ضد المرأة العربية في القوانين والتشريعات الوطنية ، رغم أن الدساتير لا تتضمن أي تمييز صريح ضد المرأة ، وهو ما يطرح سؤال المكانة التي تحتلها المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها هذه الدول والتزمت باحترام تعهداتها الوطنية، وصرحت بسمو مقتضيات هذه الاتفاقيات على تشريعاتها الداخلية ، أما من الناحية العملية فالورقة تشير بشكل واضح إلى دراسة أوردتها منظمة (الإسكوا) حول وضع المرأة في المنطقة العربية مشيرة إلى أهم القوانين التي لا تزال تكرس الهوة بين الجنسين ، والمستمدة من ملخصات 19 بلد عربي ، والتي تشكل موردا قيما للدول العربية لإصلاح قوانينها وتشريعاتها التي ما زالت تنطوي على نوع من التمييز القائم على النوع الاجتماعي .

ولأجل ذلك تم طرح الإشكال التالي :

انطلاقا من الدراسة التي قامت بها منظمة 'الإسكوا" حول عدالة النوع الاجتماعي بالمنطقة العربية، أين تكمن أوجه اللامساواة في القوانين ، وإلى أي حد استطاعت الدول العربية تحسين منظومتها القانونية الداخلية وموائمتها مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها .

وتتفرع عن هذا الإشكال مجموعة من التساؤلات الفرعية :

ـ ما هو واقع المرأة العربية في القوانين

ـ أين تكمن أوجه اللامساواة أمام القانون

ـ ما هي الإصلاحات والتحسينات التي انتهجتها بعض دول المنطقة .

ـ ما مكانة المعاهدات والمواثيق الدولية في الدساتير والتشريعات الوطنية .

ـ ما هي الأحكام القانونية التي تعزز عدالة النوع الاجتماعي وما أهم مقتضياتها 

ـ ما هي التوصيات التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية لتعزيز بعد النوع الاجتماعي في القانون.

أهداف الورقة

تقدم الورقة نظرة عامة موجزة عن عدالة النوع الاجتماعي في المنطقة العربية انطلاقا من تقرير (الإيسكوا) ، ومن خلال مساهمات أدبيات وتجارب الناشطين النسويين والمحللين الأكاديميين والجهات الفاعلة المؤسسية والجهات الحكومية ، من خلال إبراز نقط الضعف على مستوى القوانين الوطنية ، مما يحول دون تحقيق تنمية مستدامة شاملة ، واعتماد المواثيق الدولية وتوصيات المؤتمرات الدولية كآلية لتعزيز عدالة النوع الاجتماعي .

 

 

ـ المنهج المعتمد :

تجمع الورقة بين التحليل النوعي والتحليل الكمي، فتستند إلى عدد من المؤشرات الكمية التي جاء بها تقرير (الإيسكوا)، حول واقع المرأة العربية ، وأهم القوانين التي تكرس الاضطهاد القائم ضدها، ومجموعة من المؤشرات الدولية المستمدة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والمؤشرات المعنية برصد التقدم المحرز على صعيد قوانين بعض دول المنطقة، لتعزيز بعد النوع الاجتماعي في التشريعات الوطنية ، وبالتالي تستند الدراسة لمجموعة من المناهج ، كالمنهج الوصفي لمعرفة واقع المرأة العربية أمام القانون، انطلاقا من دراسة أعدتها منظمة (الإيسكوا) شملت ملخصات 19 بلد عربي، والمنهج التحليلي ، لتحليل مختلف أوجه الللامساواة أمام القانون ، والمنهج التاريخي لذكر أهم الأحكام القانونية الدولية المختارة التي تضمن الحق في المساواة أمام القانون والحق في عدم التمييز ، كما تم اعتماد المنهج المقارن لاستخلاص أهم التجارب والإصلاحات التي اعتمدها بعض دول المنطقة للنهوض بعدالة النوع الاجتماعي .

ولأجل ذلك ، تم اعتماد التصميم التالي :

ـ المبحث الأول : القوانين ودورها في تكريس أوجه اللامساواة في المنطقة العربية

     ـ المطلب الأول : المرأة العربية بين إكراهات الواقع ومحدودية القوانين

     ـ المطلب الثاني : عدالة النوع الاجتماعي في المنطقة العربية بين محدودية النص القانوني وبوادر الإصلاح 

ـ المبحث الثاني : دور المواثيق الدولية كمرجع لتحقيق المساواة أمام القانون والحق في عدم التمييز وأهم التوصيات لتعزيز عدالة النوع الاجتماعي

    ـ المطلب الأول : مكانة الاتفاقية والمعاهدات الدولية في بعض الدساتير العربية وأهم الأحكام القانونية العالمية التي تضمن الحق في المساواة أمام القانون والحق في عدم التمييز.

المبحث الأول : القوانين ودورها في تكريس أوجه اللامساواة في المنطقة العربية

إن حقوق المرأة لن تتحول إلى واقع معاش [5]، إلا إذا باتت جزء من الجهود الواسعة لحماية كوكب الأرض ولضمان أن يعيش جميع الناس باحترام وكرامة .

إن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب مزيج من التغيير من أسفل ـ مع تزايد وصول أصوات النساء من المجتمعات المحلية ـ والتغيير من الأعلى ـ مع استجابة القادة السياسيين للقيم المتغيرة ، من خلال تفعيل إصلاحات تشريعية وسياساتية تقدمية، على أنه من دون المساواة القانونية فإن العديد من مقاصد أهداف التنمية المستدامة ل 2030، وبموجب خطة 2030 للتنمية المستدامة والتي احتفلت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيرا ،سنة 2015، لن تتحقق في ظل هذه الممارسات، وتشمل هذه المقاصد المساواة بين الجنسين ، ومحاربة الفقر والصحة والتعليم وظروف العمل اللائقة ، والنمو الاقتصادي والسلام والعدل .

إن عدالة النوع الاجتماعي كما عرفتها المواثيق الدولية ، مكونة من مراحل مختلفة ، تشمل على تطوير وضمان استدامة آليات المحاسبة ، وإتاحة الإنصاف على أوجه اللامساواة القائمة ، بما يشمل الاستثمار في المؤسسات وضمان الوصول إلى الموارد والسيطرة عليها ، اقترانا بقدرة الأفراد على الاختيار الحر .

كما أن تحقيق عدالة النوع الاجتماعي يجب أن يكون قائما على المعايير الدولية لحقوق الإنسان ، ومنها على الخصوص تلك المنصوص عليها في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ، ومنهاج عمل بكين[6] ، وأجندة المرأة والسلام والأمن[7]، وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان ، فعندما تصبح الدول أطرافا في معاهدات دولية يصبح عليها الالتزام باحترام وحماية وكفالة حقوق الإنسان ، ويقضي الالتزام أن تتخذ الدول الأطراف تدابير إيجابية لتيسير التمتع بحقوق الإنسان الأساسية .

ومن خلال المصادقة على المعاهدات الدولية ، تتعهد الدول بأن تطبق تدابير وطنية وتشريعات متسقة مع التزاماتها وواجباتها التعاهدية الدولية .

المطلب الأول  : المرأة العربية بين إكراهات الواقع ومحدودية القوانين

تلعب الأسرة دورا مركزيا في المجتمع ، بل هي محور المجتمع ، فالقوانين تؤثر على توزيع القوى بين الرجال والنساء في المجتمع وفي المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية فيه ، وتمتد الآثار الاجتماعية لقوانين الأسرة بما يتجاوز المجال الخاص ليتخلل جميع جوانب حياة المرأة ، بما يشمل فرصها في العمل والسفر والحصول على الائتمان المالي ومواصلة التعليم والمشاركة في المناصب القيادية ، إن القوانين التي تنص على مواد تمييزية قادرة على إعاقة مشاركة المرأة في قوة العمل وفي حقها في التملك والموارد المالية ، وهي تقيد فرص النساء الخاصة بالمشاركة على قدم المساواة مع الرجال في الحياة السياسية وفي الاقتصاد الرسمي .

جل القوانين تحظر التمييز ضد المرأة ، وتنص أغلب قوانين المنطقة العربية على مساواة جميع المواطنين أمام القانون بما يكفل تمتع الجميع رجالا ونساء بنفس الحقوق المتساوية في جميع مجالات الحياة ، غير أن المساواة لا تعني دائما العدالة، فأوضاع الرجال والنساء واحتياجاتهم تختلف من مجتمع لآخر ، كما أن الاستفادة من هذه الحقوق يختلف باختلاف العادات والتقاليد والدين والمكانة التي تحظى بها المرأة في مجتمع معين .

وعليه سنتعرف أولا على واقع المرأة العربية المعاش من خلال مدى مشاركتها السياسية في مراكز القرار ، ونسبة العنف القائم على النوع الاجتماعي بناء على إحصاءات حديثة لمنظمة (الإيسكوا) ، وإشكالية استفادة المرأة العربية من منظومة القضاء (الفقرة الأولى ) ، ليتطرق البحث بعدها لأهم القوانين التي لازالت تكرس التمييز القائم على النوع الاجتماعي ، وأهم المبادرات العربية لتجاوز هذا الإشكال من خلال إصلاحات قانونية ودستورية ترمي هدم الفجوة القائمة بين الجنسين في المنطقة العربية ومدى فعالية هذه الإصلاحات (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى : واقع المرأة العربية حسب معطيات منظمة (الإسكوا) :

تباينت معطيات منظمة الإسكوا حول واقع المرأة العربية ، وقد شملت هذه المعطيات ثلاث مجالات ، المشاركة السياسية للمرأة العربية (أولا ) ، استفادة المرأة العربية من منظومة القضاء (ثانيا) ، العنف القائم على النوع الاجتماعي في المنطقة (ثالثا) .

أولا : أوجه محدودية المشاركة السياسة للمرأة في مراكز صنع القرار

ظلت المرأة العربية ولفترة طويلة بعيدة عن المجال السياسي ، حيث لم يسمح بالمشاركة السياسة للمرأة وتحديدا التصويت إلا في خمسينات وستينات القرن الماضي ،  ونفس الوضع عاشته حتى بعض الدول الغربية، ولكن في الوقت الذي تطورت فيه مشاركة المرأة السياسية في الغرب، تأخرت المرأة العربية كثيرا في الحصول على العديد من الحقوق كالحق في الترشح، وظل ينظر إليها على أنها كائن غير سياسي، ولا يتم الاهتمام بها إلا في فترة الاستحقاقات الانتخابية من أجل الحصول على صوتها مع إقصائها من طرف الأحزاب وأيضا من طرف المنتخبين، ولم تتمكن المرأة من الوصول إلى مناصب مهمة في المجالس المنتخبة ولا في المراكز القيادية إلا مؤخرا، وهو ما ستحاول عدد من الدول العربية تجاوزه بالاعتماد على نظام الحصص أو ما يعرف بالكوتا بدول كالمغرب والأردن والعراق ومصر.

ونظام الكوتا أو الحصص هو شكل من أشكال التمييز الإيجابي لصالح المرأة ، ويهدف إلى دعمها للتغلب على العوائق أمام مشاركتها في العمل السياسي ، والكوطا السياسية تعني تخصيص حد أدنى من المقاعد في الجالس المنتخبة والمجالس التشريعية للنساء ، لرفع نسب تمثيلهن في العمل السياسي ، وإشراكهن في صنع القرار[8] ، وتقضي أكثر نظم الكوطا بضمان أقلية حاسمة للمرأة تتراوح بين 20 و 30 في المائة من مجموع المقاعد [9].

وهي التقنية التي سمحت للمرأة الدخول إلى المعترك السياسي، ولكن استمرار غياب المرأة عن المشاركة السياسية سواء بالتصويت أو الترشح أو تقلد المناصب السياسية ظل حاضرا إلى يومنا هذا.

فإجراءات كالكوطا والمناصفة ، ليست هدف في حد ذاته ، بقدر ما هي وسيلة لإبراز كيف أن المرأة قادرة على تولي المناصب القيادية مثلها مثل الرجل ، وتغيير الصورة النمطية المترسخة .

إذ بلغت مشاركة المرأة في الهيئات التشريعية بمنطقة الدول العربية نسبة 18 بالمائة سنة 2018 ، مقارنة ب 24 بالمائة على مستوى العالم [10]، وهي نسبة ضعيفة بالرغم من حصول نساء المنطقة على الحق في التصويت والمشاركة في الانتخابات ، وأبرز مثال على ذلك أن السعودية لم تسمح للنساء بالتصويت والمشاركة في الانتخابات إلا ابتداء من سنة 2015[11] .

وما يمكن تأكيده هو أن إشراك المرأة بالحياة السياسية من أهم شروط الديمقراطية والتنمية ، فعندما نتحدث عن الديمقراطية لا بد أن نسلم بأن أحد مرتكزاتها هو المساواة وإعطاء الفرصة للجميع دون تفرقة بين الجنسين، ولا بين الشباب والأكبر سنا، وإذا كانت المساواة منصوص عليها بالدساتير العربية إلا أنها تحتاج لآليات لتطبيقها على أرض الواقع، وتحتاج أكثر إلى تفعيل مبدأ العدالة وليس فقط المساواة.

ثانيا : المرأة وضعف الاستفادة من منظومة القضاء

بالرغم من أن منظومة القضاء متاحة لجميع المواطنين على حد سواء ، إلا أن عوامل الأمية وجهل المرأة بحقوقها في مجموعة من المجالات ، يحول دون الاستفادة القصوى والعادلة من خدمات هذا القطاع .

إذ لا تزال الأمية في بعض الدول العربية تشكل عائقا أمام النساء ، لاسيما النساء الفقيرات في المناطق الريفية ، كما أن ضعف المعلومات القانونية ، وجهل النساء للخيارات القانونية المتوفرة لهن حال طلبهن الحماية من العنف القائم ضد النوع الاجتماعي ، أو تحصيل حقوقهن في الوظيفة أو التعليم أو الجنسية ، أو الميراث، أو في سياق الخلافات العائلية .

ولا تستجيب إدارة منظومة العدالة في أغلب الدول بشكل جيد للاختلافات واحتياجات الرجال والنساء لهذا المرفق ، وهو ما يعزى إلى النقص الحاصل على مستوى تدريب العاملين في هذا القطاع وتوعيتهم حول قضايا النوع الاجتماعي ، وقد بذلت بعض الدول مؤخرا جهودا لزيادة عدد ضابطات الشرطة والعاملات في الادعاء العام ، وفي تشكيل وحدات خاصة تتعامل مع حالات العنف ضد النساء [12]، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تعد نفقات الخدمات القانونية عقبة كبيرة تعترض النساء والرجال الفقراء الذين يلتمسون العدالة عبر نظام العدالة الرسمي ، وقد تحجم المرأة عن رفع دعاوى بالمحاكم بسبب التكاليف ، ولا تعد خدمات المساعدة القانونية ممولة بشكل جيد في الدول العربية ، وحتى وإن توفرت ، تكون شروط الاستفادة منها مشددة ، وفي بعض الدول العربية لا تكون هذه المساعدة القانونية والممولة حكوميا متوفرة إلا للمدعى عليهم جنائيا .

ووقد جاء في تقرير (الإسكوا) ، أن هناك دراسة حول معدلات الحصول على العدالة في مصر والأردن ولبنان واليمن ، توصلت إلى أن النساء يذهبن إلى المحكمة في قضايا الأحوال الشخصية كملاذ أخير فقط ، وأن القيم المرتبطة بالنوع الاجتماعي ، لا تزال تصم النساء اللائي يطالبن بحقوقهن القانونية عبر المحاكم [13]، وتوصلت الدراسة أيضا إلى أن تحسين الخدمات المتاحة للنساء في نظم القضاء ، ما زال أمرا غائبا إلى حد بعيد ، وقد تعاونت منظمات المجتمع المدني مع المحاكم وهيئات المحامين لدعم النساء الملتمسات للعدالة ، لكن لا يزال أثر هذه التدابير يقتصر على حالات فردية ، ولا تزال مراعاة القضاء للمنظور النسائي في الأحكام نادرة الحدوث .

كما لا تزال بعض الدول تحتفظ بنظام الولاية مثل (السعودية واليمن) ، إذ يجب على المرأة الحصول على إذن للزواج من رجل أجنبي ومن وزارة الداخلية ومن ولي أمرها .

ويختلف نظام الولاية من بلد لآخر في المنطقة العربية ، بحسب التقاليد والعادات المحلية والسياق الثقافي والمناخ السياسي ... ، وفي بعض الدول مثل السعودية والسودان لا يزال نظام الولي قائما ، وقد عملت السعودية على تعديل هذا النظام سنة 2017 نتيجة لأمر موجه إلى الهيئات الحكومية بالامتناع عن مطالبة النساء باستصدار موافقة الولي لدى الحصول على الخدمات والإجراءات ، باستثناء ما يبرره القانون[14] ، كما أعلنت المملكة السعودية سنة 2019 على أن النساء فوق 21 سنة لم يعد مطلوبا منهن تحصيل موافقة الولي الذكر للحصول على جواز السفر ، والسفر للخارج .

كما أنه في أجزاء من الصومال واليمن والسودان وجيبوتي ، التي تعرف نزاعات عرقية ، يعتمد أغلب الناس على آليات القانون العرفي ، التي تدار حصرا على يد رجال كبار السن ، وتعد هذه النظم العرفية غير مناسبة تماما للتعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعي ، كما لا تقدم هذه النظم أي حماية للنساء والفتيات[15] .

أما بخصوص دخول النساء سلك القضاء ، فلا يوجد ما يمنع قانونا دخولهن هذا المجال والترقي فيه ، إلا أن القيم المحافظة المرتبطة بالنوع الاجتماعي ، قادرة على منعهن من السعي في مسار وظيفي بالسلك القضائي ، ففي أغلب الدول العربية يتبين أن نسبة النساء تقل في المحاكم الأعلى درجة بالمقارنة مع المحاكم الأقل درجة، والتي يبدأ فيها القضاة عادة مسيرتهم الوظيفية [16]، وهو ما يعزى إلى تدني مستويات الشفافية والافتقار إلى النزاهة في التعيينات ، واستمرار التنميط الجنساني ... ، لكن رغم هذه المعوقات نلاحظ تحسن بسيط على مستوى بعض الدول العربية ، فقد بلغت نسبة النساء المشتغلات بالقضاء في لبنان 49,3 بالمائة ، ونسبة 42 بالمائة في الجزائر ، و 43,1 بالمائة في تونس ، وهي نسب تمضي في الاتجاه الصحيح لتحقيق المساواة بين الجنسين في التعيينات بالسلك القضائي .

وقد عملت مجموعة من المنظمات المعنية بالنوع الاجتماعي ، مثل الشبكة القانونية للنساء العربيات ، ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث [17]، ولجنة القانونيين الدولية ، والمنظمة الدولية لقانون التنمية ، على إحداث مبادرات على المستوى الإقليمي لتطوير شبكات القاضيات ، من خلال ملتقيات ودورات تدريبية على المستوى الوطني والدولي .

ثالثا : نسب وإحصاءات حول العنف القائم على النوع الاجتماعي بالمنطقة العربية

إن العنف القائم على النوع الاجتماعي في الدول العربية مازال يسجل أعلى النسب بالمقارنة مع بقية العالم ، وإن كانت حدته وآثاره ترتفع في فترة النزاعات بالمقارنة مع مثيلها في حالات السلم .

أ ـ العنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق النزاع

شهدت منطقة الدول العربية على مدار العقد الماضي عددا من النزاعات ، التي أدت إلى تزايد معدلات العنف القائم ضد النوع الاجتماعي ، وقد استفاد الجناة من وسائل تمكنهم من الإفلات من العقاب مع تزايد معدلات النزوح ، وتوفر آليات رسمية قضائية قليلة للتخفيف من الأضرار ، وفي هذا السياق يصبح توفر العدالة للنساء والفتيات مسألة صعبة .

وقد شهدت المناطق المتأثرة من النزاع في بعض الدول العربية ، أشكالا جديدة من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ، فالنزاعات في العراق وسوريا والصومال ، عرفت تزايد في معدلات الاغتصاب والأذى الجنسي والاسترقاق الجنسي كأسلحة للحرب ، إن الاستخدام الممنهج للاسترقاق الجنسي والزواج القسري بحق الفتيات والأطفال من قبل بعض التنظيمات الناشطة في مناطق النزاع، كل هذا يؤدي إلى نوع من التطبيع مع هذه الممارسات سيما إذا طالت مدة النزاع .

وقد طالب مجلس الأمن في قرار صادر سنة 2019 تحت رقم 2467 المعني بالمرأة والسلام والأمن، الدول الأعضاء باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الانتهاكات، وذلك بالعمل على التشريعات وتحسين آليات التحقيق والمقاضاة في حالات العنف الجنسي في سياق النزاعات، وبعدها، بما يشمل قوانين حماية الضحايا والشهود ، والمساعدة القانونية ، وتوفير وحدات شرطية متخصصة لدى المحاكم في هذا النوع من الانتهاكات[18] .

وبالنسبة للنساء النازحات داخليا، فلا توجد ضمانات قانونية لحصولهن على الرعاية الصحية ، وحتى إن وجدت فإن تكلفتها غالية ، مما يعرض النساء والفتيات ضحايا العنف والاغتصاب إلى التخلي عن هذه الخدمات ، خاصة فيما يتعلق بالوصول إلى موانع الحمل ، وصحة الأم والرضيع ، وغيرها من الخدمات .

وتظهر دراسات أجرتها ومنظمة (الإسكوا) أنه في حالة اللاجئات السوريات ، والنساء الفلسطينيات في مناطق الاحتلال ، عدم قدرتهن على الوصول إلى موانع الحمل، وإلى الخدمات الصحية الأساسية وتعرضهن للولادة المبكرة واعتلال المواليد[19] وارتفاع حالات الوفيات في صفوفهن ، وحرمانهن من تصاريح السفر في حالات حرجة لإنقاذ حياتهن[20] .

ومن حيث الممارسة ، لا تبلغ ضحايا الاغتصاب بالتعرض لجرائم الاغتصاب والعنف الجنسي لجملة من الأسباب ، الخوف من الانتقام ، جلب الخزي والعار للأسرة أو ما يدعى ب "شرف الأسرة" ، كما تخشى بعض الناجيات من اتهامهن بالزنا وله عقوبات مختلفة بحسب ما إن كان مرتكب الجريمة متزوجا أو غير متزوج [21].

وقد تخشى الناجيات من العنف الجنسي ، أن يتم الضغط عليهن للزواج من الجناة في دول بها ما يسمى ب " قوانين الزواج من المغتصب" ، وهي توقف محاكمة الجاني في جرائم الاغتصاب أو الاختطاف إذا تزوج بالضحية ، على أن هذه النصوص القانونية تتقاعس عن توفير الحماية اللازمة للنوع الاجتماعي من جراء انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان [22].

وتوصي لجنة (سيداو) بأن توصف قوانين العقوبات الاغتصاب بأنه جريمة ضد حق المرأة في الأمان الشخصي والسلامة البدنية [23]، وفي دول عربية عديدة نجد المواد المتصلة بالاغتصاب ضمن أبواب قانون العقوبات التي تتصدى للجرائم المتصلة بالشرف أو الآداب والأخلاق ، ففي الأردن وليبيا والجزائر يصنف الاغتصاب كجريمة تمس بالشرف والآداب العامة [24]، وهذا يعني أن القضايا المتصلة بمدركات شرف الأسرة والآداب العامة قد تكون في مناط تركيز المحاكم لدى نظرها إلى الجريمة ، وتحديد العقوبة .

ب ـ العنف القائم على النوع الاجتماعي في فترات السلم

أكدت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة " الباروميتر العربي" ، أن ربع الأسر العربية تشهد عنفا قائما ضد النوع الاجتماعي .

ويعد العنف ضد المرأة أسوأ أنواع العنف الأسري ، والذي صنفته منظمة الصحة العالمية ضمن " المشكلات الصحية الكبرى" ، وتشير بيانات المنظمة إلى أن أكثر حالت العنف الأسري ، تكون ضد النساء ، ومن أمثلة ذلك لبنان ، رغم أن نسبة العنف الأسري فيه لا تتجاوز 6 في المائة ، إلا أن 82 في المائة تشكل عنفا ضد النساء .

أما في اليمن التي تعد الأعلى عربيا في انتشار العنف الأسري ، تشكل فيها نسبة العنف ضد المرأة 30 في المائة من الحالات .

وتظهر نتائج الدراسة أن العنف ضد النساء يعد أكثر انتشارا في المغرب ومصر، حيث ينتشر بين أكثر من 70 في المائة من ربع العائلات ، وفي الجزائر حوالي 66 في المائة من خمس العائلات تتعرض فيها المرأة للعنف ، وكذلك الأمر في السودان والأردن والعراق .

ويبدو أن الأقارب هم الملاذ الأول للنساء المعنفات ، فيما كان اللجوء إلى الشرطة أو المستشفيات والمنظمات المعنية بالعنف ضد المرأة متواضع جدا .

وتحذر منظمة الصحة العالمية ، من أن العنف الممارس ضد المرأة ، يمكن أن يؤدي إلى تكبد تكاليف اجتماعية واقتصادية ضخمة ، فقد تعاني النساء من العزلة وعدم القدرة على العمل وفقدان الأجر ، ونقص المشاركة في الأنشطة المنتظمة ، وعدم التمكن من الاعتناء بأنفسهن وأطفالهن إلا بشكل محدود .

ويمكن تجريم العنف الأسري عبر عدة أدوات تشريعية ، والتي تحتاج أولا إلى الإقرار بأن النساء معرضات بصورة غير متناسبة لخطر العنف بالمنزل ، وفي إطار الزواج ، وهو ما يقتضي سن تشريع خاص وحساس للنوع الاجتماعي ، يقر بالعنف ضد النساء كأحد مظاهر اختلال علاقات القوة بين الرجال والنساء ، وقد فعلت ست دول عربية ( البحرين[25] ، الأردن[26] ، المغرب[27] ، لبنان[28] ، السعودية[29] ، تونس[30]) قوانين منفصلة للعنف الأسري ، تضم جملة من المواد التي تغطي الملاحقة القضائية ، وتغطي أيضا العقوبات وتدابير الوقاية والحماية والجبر ، في حين أن دول أخرى مثل مصر والعراق وفلسطين أعدت مسودات قوانين تتصدى للعنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي ، غير أنه لم يتم تبنيها بعد .

المطلب الثاني : عدالة النوع الاجتماعي في المنطقة العربية بين محدودية النص القانوني وبوادر الإصلاح

لأول وهلة وفي قراءة متأنية للقوانين العربية ، بدءا بالدستور ، ثم التشريعات، يتبن أنها لا تنطوي على أي تمييز صريح ضد المرأة ، وانطلاقا من عدم وجود تمييز صريح في الدستور والتشريع ، إلا أن التمييز الضمني القائم على النوع الاجتماعي نجده متجليا بشكل صارخ ، لا من ناحية النص القانوني نفسه ، أو من خلال آليات تطبيقه، فعلى سبيل المثال : تنص المادة 6 من الدستور الأردني ، على أن " الأردنيون أمام القانون سواء ، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات ، وإن اختلفوا في العرق ، أو اللغة، أو الدين "، إلا أنه وبسبب عدم إضافة كلمة " الجنس" على هذه المادة ، يطرح تساؤلات عديدة ؟

وهو ما عالجته الدراسة من خلال إبراز أوجه اللامساوة بين الجنسين على مستوى قوانين الأسرة والجنسية (الفقرة الأول) ، وعلى مستوى قوانين العمل (الفقرة الثانية ) مع ذكر مبادرات الإصلاح في كل منها .

الفقرة الأولى : قوانين الأسرة وعدالة النوع الاجتماعي

لقد مرت قوانين الأسرة والجنسية في الدول العربية بتغيرات كبيرة على مدى القرن الماضي ، وهي عملية لا تزال مستمرة[31] ، فقد طرأ تقدم كبير فيما يتعلق بإلغاء القواعد القانونية التمييزية في كل من المغرب وتونس ، وعززت كثير من الدول الأخرى تدابير الحماية القانونية المقدمة للنساء والأطفال ، على أن أوجه اللامساواة لا تزال قائمة ، وهو ما سنتعرف عليه من خلال أوجه اللامساواة بين الجنسين على مستوى قوانين الأسرة ، وأهم المبادرات في هذا الإطار (أولا) ، لنستعرض بعدها الإشكالات التي لا زالت تطرحها قوانين العمل والمتصلة بالنوع الاجتماعي  (ثانيا) .

أولا : قوانين الأسرة والنوع الاجتماعي : أوجه المحدودية وسبل الإصلاح

من شأن المعاملة غير المتكافئة والفجوات الموجودة في القانون حول الطلاق ، وفي الملكية والحضانة والنفقة ، إلى جانب الأعباء التي تترتب على بعض القواعد الإجرائية ، أن تزيد من تدني أوضاع المرأة العربية ، وتكريس أوجه اللامساواة بين الجنسين، و نناقش أدناه أهم أوجه اللامساواة على مستوى قوانين الأحوال الشخصية بالمنطقة العربية ، بالتركيز على : تعدد الزوجات، وواجب الطاعة، الطلاق، والحضانة والنفقة .

أ ـ تعدد الزوجات

تقر قوانين الأحوال لشخصية للمسلمين بتعدد الزوجات باستثناء تونس، حيث تم حظره منذ عام 1956[32] ، وتتباين القيود على تعدد الزوجات من بلد لآخر ، وتفعل أغلب الدول نظما وإجراءات تحمي حقوق الزوجة الأولى في حال لجأ زوجها إلى الزواج من ثانية ، فالزوج المتزوج من عدة نساء مطلوب منه شرعا وقانونا القدرة على إعالتهن وبشكل متساو ، وفي دول عديدة يطالب القانون أن يخطر الزوج زوجته الأولى برغبته في الزواج من ثانية ، وفي دول أخرى مطلوب من القاضي الموافقة على الزواج غير أن هذا الشرط غير معمول به في دول الخليج .

وفي المغرب يتم فرض قيود مشددة على تعدد الزوجات ، إذ يطلب من الزوج أن يقدم للمحكمة ما يثبت مبررا استثنائيا للزواج وأن يثبت توفره على موارد مالية كافية لتغطية نفقات العائلة والمسكن وضمان المعاملة المتساوية ، لكن من حيث الممارسة يمكن الالتفاف حول هذا المطلب القانوني عبر استغلال ثغرات قانونية ، وقد دعت اتفاقية سيداو في إحدى توصياتها إلى ضرورة تقنين تعدد الزوجات بمزيد من الشروط التي تضمن حقوق الزوجة والأطفال ، لأن الإحصاءات أثبتت أن تعدد الزوجات في الواقع يشكل عنفا ضد النساء وأداة للاعتداء عليهن وتجريدهن من حقوقهن .

فبمقتضى القانون المصري ، يمكن للقاضي منع الطلاق في حال اتخاذ زوج زوجة أخرى ، إذ يقع على الزوجة عبء إثبات الضرر ، ذلك أن الزواج الثاني لا يعد وحده سببا للطلاق [33].

ب ـ واجب الطاعة

تضم أغلب قوانين الأسرة مفاهيم مثل القوامة والولاية ، وهي أحكام لها شروطها وقواعدها حسب الفقه والشريعة الإسلامية ، فالقوامة هي مجموعة من الالتزامات والحقوق بين الرجال والنساء في الزواج ، بموجبها حدد الفقه التزام الزوج بالحماية والإنفاق ، وفي المقابل يترتب على الزوجات واجب الطاعة للأزواج ، والولاية تشير إلى واجب الآباء أو أفراد الأسرة الذكور بممارسة الولاية على من يقومون بإعالتهم[34] .

والنساء اللاتي يتبين أنهن غير مطيعات قد يخسرن حقوقهن في النفقة ، وقد تستخدم أيضا كمبرر للطلاق في بعض الدول ، إذ يطلب من النساء اليمنيات الحصول على إذن الزوج لمغادرة البيت أو للعمل [35]، وعملت دول أخرى على إصلاح قوانين الأحوال الشخصية وإلغاء واجب الطاعة ، فقد ألغت تونس هذا النص القانوني سنة 1993 ، وألغاه المغرب سنة 2004 .

في حين ما زالت مصر تنهج بعض القوانين التمييزية ضد المرأة ، حيث نصت المادة 60 من قانون العقوبات المصري ، أن أي فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية ، ويستخدم هذا النص عند تأديب الزوج لزوجته في إطار ما يسمى ب " الطاعة" ، مما يوقع ضررا كبيرا عليها ، وهنا لا تستطيع اللجوء إلى المحكمة ، كما يميز قانون العقوبات المصري بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا ، إذ تعاقب المرأة بالحبس سنتين طبقا للمادة 274 ، أما الزوج الذي ثبت زناه فيعاقب بالحبس ستة أشهر فقط طبقا للمادة  277 من قانون العقوبات المصري .

فقد نادت العديد من الناشطات النسويات إلى إلغاء مفهوم أن الزوج يعيل الزوجة ، فالكثير من الرجال غير قادرين على كسب الأموال الكافية لإعالة أسرهن ، فخرجت النساء للعمل سواء في القطاع الرسمي أو غير الرسمي ، كما يتولين أيضا أغلب أعمال ومسؤوليات الرعاية غير مدفوعة الأجر في البيت ، لكن كثيرا ما يحتفظ الرجال بحقهم في اتخاذ القرارات والسيطرة على الزوجات انطلاقا من نصوص قانونية تضمن لهم هذا الحق وتتجاهل مسؤولية الإعالة والحماية للأسرة دون الحصول على حقوق إضافية .

ج ـ الطلاق:

يعتبر حصول الرجال على الطلاق أسهل بكثير مقارنة بالنساء ، إذ في الغالب الأعم  يحق للرجل المسلم أن يطلق زوجته بقرار منفرد وشخصي (يمين الطلاق) ، كما يحق له أن يطلب من المحكمة الحكم بالطلاق دون تقديم أدلة أو مبررات ، حتى إذا كان القانون يطالب الزوج بتسجيل الطلاق رسميا ، ومع ذلك لازالت بعض الدول العربية (مصر) تعتبر الطلاق نافذا رغم عدم تسجيله ، وهو ما تم إلغاءه في تونس فقط [36].

في حين أن المرأة المسلمة بالمنطقة العربية ملزمة بتبرير استصدار حكم الطلاق لمصلحتها ، لأسباب محددة مذكورة في قوانين الأحوال الشخصية ، مثل وقوع الضرر أو الهجر ، أو غياب الزوج ، وعبء الإثبات يقع على الزوجة ، كما يتعين عليها أن تثبت تعرضها للأذى ، وأسباب الطلاق محددة للغاية ويصعب إثباتها ، كما أن العملية القانونية مطولة ومكلفة ماليا.

ورغم أن المرأة تستطيع طلب الخلع ، وهو ما لا تحتاج معه لإثبات الضرر ، لكن مطلوب منها في المقابل أن تتنازل عن كافة حقوقها ، وتعتبر تونس البلد الوحيد الذي يساوي بين الرجال والنساء في طلب الطلاق ، كما قام المغرب بإصلاحات تهم الطلاق بما يسمح بطلاق الشقاق ، وهو متاح للرجال والنساء على قدم المساواة .

د ـ الوصاية وحضانة الأطفال بعد الطلاق والنفقة :

يميز المشرع عادة بين دور الأب والأم في تربية الأطفال (الحضانة) ودور الأب والأم كوصي وولي على الأطفال، فالحضانة تشمل الأنشطة اللازمة لتنشئة الأطفال مثل الإطعام وكفالة الملابس والاستحمام والتنشئة، وهي متصلة غالبا بالأم، أما الولاية، فهي الإشراف والوصاية على الطفل، وهي متصلة بالأب، وللوصي سلطة اتخاذ القرارات الخاصة بالطفل وممتلكاته، بما يتصل بالشؤون المالية والتعليم والسفر....

أغلب الدول العربية تنص على أن الرجال من لهم حق ممارسة الوصاية على الأطفال ، باستثناء تونس والجزائر التي تعطي الأم حق الوصاية على أطفالها ، ومصر التي تعطي الوصاية للأم فقط في مجال التعليم[37] .

وتعطى الحضانة والوصاية بناء على " مصلحة الطفل الفضلى " وهو ما لا تقره مجموعة من الدول العربية باستثناء الجزائر وتونس ، حيث الحضانة والوصاية يحددان بناء على مصلحة الطفل الفضلى ، حيث نص إصلاح سنة 2005 لقانون الأسرة الجزائري ، على أنه من بعد الطلاق يحصل على الوصاية من لديه الحضانة .

 هـ ـ النصيب من الأصول الزوجية والنفقة :

بما أن المشرع ينص بأن لكل من الأزواج والزوجات ذمم مالية مستقلة ، لذا فبعد الطلاق يحتفظ الطرفان بالممتلكات المسجلة باسم كل منهما ، وعادة ما يلزم الأزواج على دفع نفقة الزوجات بعد الطلاق ، على الأقل أثناء أشهر العدة ، ومع ذلك لا يوفر القانون أي ضمانات أو تدابير ، وتحت تأثير الضغوط الاجتماعية والأسرية كثيرا ما تتخلى النساء عن حقهن في الذمة المالية المستقلة ، وبدلا من هذا يكرسون حياتهن ودخلهن للأسرة ، ونتيجة لذلك يسيطر الزوج على أغلبية أصول الأسرة التي تم الحصول عليها نتيجة عمل الطرفين ، وفي المقابل تتعاظم وتتطور ثروة الزوج ، فعند حدوث الطلاق ، لا يعترف للمرأة بنصيبها في ثروة الزوج المستحقة كاعتراف بإسهاماتها المالية وغير المالية أثناء فترة الزواج[38] ، وهو ما عالجته بعض الدول كالمغرب وتونس بإمكانية عمل عقد منفصل لتنظيم تشارك الأصول بينهما ، إلا أن الممارسة أثبت أن هذه الآلية لا يتم اللجوء إليها إلا نادرا ، وأثبت الواقع أن النساء يلجأن للمحاكم للمطالبة بحقهن من ثروة الزوج ، التي نتجت عن تضحيتها وإسهامها في نجاحه ، في مقابل هضم حقوقها المالية وضياع جهودها في حال الطلاق ، وهو ما لا توفره قوانين الأسرة في المنطقة العربية .

كما أن تحديد مبلغ النفقة ومصروفات الأطفال المترتبة على الزوج ، وإنفاذ عملية تقديم هذه النفقات للزوجة عبر المحاكم ، قد يكون مسألة صعبة للغاية ، فالنساء لا يحصلن عادة على مصروفات الأطفال بشكل منتظم ، كما أن هذه المبالغ عادة ما تكون غير كافية لتغطية نفقات الأطفال بالكامل[39] ، لقد أنشأت بعض الدول صناديق للنفقة لضمان حصول الزوجات على الدعم المالي إذا تقاعس الزوج عن كفالة النفقة المترتبة عليه ، يلزم الأزواج بتسديد هذه المبالغ ، لكن إلى حين أن يحدث هذا ، تحصل الزوجة على نفقتها بانتظام [40]، على أن صناديق النفقة هذه لم تغطى بشكل كامل ، وهناك صعوبات عملية تحول دون تقديم مستحقات النفقة بشكل كامل .

الفقرة الثانية : قوانين العمل والنوع الاجتماعي

من غير المبالغ التأكيد بأن أكثر ظاهرة يعاني منها سوق العمل ، إنما تتمثل في مفهوم المزاجية والانتقاء ، المبني على معايير ذاتية وغير موضوعية في تحديد الطرف المقابل في العلاقة التعاقدية ، فمما لا شك فيه أن مفهوم الانتقائية ـ وإن كان من الممكن استخدامه من قبل طرفي علاقة العمل ، لكنه وكما هو متعارف عليه : " من يملك القدرة على الطلب يملك القدرة على الانتقاء "  .

تشهد الدول العربية تفاوتا صارخا في الدخل بين الرجال والنساء ، وهو مؤشر خطير على عدم المساواة في الفرص الاقتصادية المتاحة للجنسين ، فبالرجوع للنصوص القانونية نجدها تساوي بين الرجل والمرأة ، في التوقيع على العقود ، وتسجيل العمل التجاري ، وفتح حساب مصرفي ... ، لكن في المتوسط فإن 26 في المائة من النساء العربيات من لديهن حسابات مصرفية مقارنة ب 65 في المائة من النساء على المستوى العالمي[41] .

حتى عندما لا يميز القانون ضد النساء في ملكية الأراضي ، فمن حيث الممارسة يتم إقصاء النساء من الملكية ، على سبيل المثال فإن القانون المدني والتجاري المصري يعطي النساء الحق في تملك الأراضي واستخدامها ، غير أنه بالرجوع للإحصاءات يتبين بأن النساء تملك 5,2 في المائة فقط من الأراضي في مصر ، بسبب العوامل الاجتماعية، والضغوط العائلية التي تمارسها الأسر الريفية على النساء بضرورة التخلي عن الأرض أو بيعها لأقاربهن من الرجال [42]، وهو ما يعرض النساء لرفض طلباتهن في الحصول على قروض ، لعدم قدرتهن على تقديم إثباتات بالملكية كضمان للقرض ، كما أن مشاركة المرأة العربية في سوق العمل ، هي الأدنى عالميا ، كما أن النساء يعمل بشكل أكبر في أعمال غير مدفوعة الأجر ، وقد قدر أن قيمة أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها المرأة لصالح الأسرة في مصر وحدها بلغت 496 مليار جنيه مصري (30 مليار دولار) في عام 2015[43] ، وإذا كانت النساء في الدول العربية تفضل العمل بالقطاع العام لما يوفره من امتيازات ، كإجازات الأمومة وبعض الاستحقاقات والتعويضات المعمول بها في القطاع العام ، فإنه على النقيض من ذلك تواجه النساء معوقات كبيرة في القطاع الخاص .

لقد التزمت بعض الدول العربية بتوفير سياسات ترفع من نسبة النساء في قوة العمل ، من خلال إزالة بعض النصوص القانونية التي تتطلب موافقة الزوج على عمل الزوجة أو سفرها ، وكذلك السماح أخيرا للمرأة السعودية بالسياقة مما يتيح لها ولوج قطاع العمل غير الرسمي وريادة الأعمال بشكل أكبر ، وكذلك تكريس النصوص التي تضمن المساواة في الأجر عن نفس العمل ، والنصوص المناهضة للتمييز والتحرش في أماكن العمل .

وهو ما سنعالجه من خلال المساواة في الأجر عن نفس العمل (أولا ) ، والمساواة في الحماية الاجتماعية ثانيا .

 

أولا : المساواة في الأجر

لا زالت بعض الدول العربية تعرف تفاوتا في الأجر بين النساء والرجال عن نفس العمل، فالمساواة في الأجر عن العمل المتساوي، تعني أن النساء والرجال ذوي المؤهلات المماثلة يحصلون على نفس الأجر عندما يؤدون نفس العمل أو عن العمل المتساوي في نفس الظروف أو في ظروف مماثلة .

وفي بعض الدول، تنص القوانين على الأجر المتساوي على العمل الذي يقوم به الرجال والنساء في نفس المجال وبنفس المؤسسة.

ففي المنظور القانوني تتم كفالة المساواة في الأجر عن نفس العمل في أغلب القوانين الوطنية باستثناء السعودية ، إن القوانين التي تطبق تعريف المساواة في الأجر على (العمل ذي القيمة المتساوية) ، تضمن مساواة أكبر لأنها تراعي أنواع الأعمال التي تشتغل بها النساء أكثر ، والتي كانت تاريخيا تتسم بأجورها الزهيدة ، والعوامل الواجب مراعاتها أثناء تحديد ما إذا كانت الأعمال المختلفة لها قيمة متساوية ، تشمل : نفس مستوى المهارة ، مستوى الجهد والمسؤولية المطلوب للعمل، وظروف العمل المتاحة للعاملين والعاملات ، وقد نصت المنظمات الدولية على آليات لتعزيز الأجر المتساوي ، ففي الأردن مثلا شكلت منظمة العمل الدولية واللجنة الوطنية لشؤون المرأة ، واللجنة التوجيهية الوطنية للمساواة في الأجور ، عام 2011 ، أبحاث ودراسات وخرجت بتوصيات تم بموجها تعديل قانون العمل الأردني عام 2019 فتم حظر التمييز بين الجنسين في الأجور [44].

فالتمييز على مستوى العمل لا يشمل فقط الأجور ، وإنما يطال أيضا التوظيف والترقيات والتدريب ، وظروف العمل ، إذ يجرم قانون العقوبات الجزائري التمييز المبني على الجنس في التوظيف ، كما جل قوانين العمل العربية تحظر الفصل من العمل بسبب الحمل .

غير أنه ، رغم حظر الدستور المصري التمييز بين الرجال والنساء في العمل ، وضرورة توفير فرص متساوية للجنسين في مجال التوظيف والأجور ... ، إلا أن هذه المساواة منقوصة ، حيث يحظر على المرأة الاشتغال في بعض الوظائف ويفضل الذكور عليها ، وأيضا حق الزوج في منع زوجته من العمل رغم ما نص عليه الدستور من حقها في العمل ، وكذلك الظروف المادية الصعبة التي تحيط بممارسة المرأة للعمل ، وعدم وجود دور حضانة لرعاية أبناءها وتحايل أصحاب العمل على النص 139 من قانون العمل المصري الذي يلزم بإنشاء دور حضانة لأولاد العاملات والتي تم تعليقها على شرط مائة عاملة في المكان ، كما أن قانون العمل لا يتضمن إجراءات خاصة بالإبلاغ عن التحرش الجنسي في مكان العمل .

وتشكل مسؤولية إعالة الأسرة أحد أشكال القهر التي فرضها المجتمع على المرأة ، حيث نجد أن المرأة تشارك في إعالة الأسر المصرية بنسبة 60 في المائة ، كما تتولى رعاية الأسرة بشكل كامل بنسبة 40 في المائة ، وهي الإعالة التي تفرض عليها ضغوطا لا تستطيع تجنبها[45] .

ثانيا : المساواة في الحماية الاجتماعية

يعتبر برنامج الحماية الاجتماعية أحد أهم مكونات شبكة الأمان الاجتماعي، التي تهدف إلى تحقيق تنمية اجتماعية شاملة ومستدامة من خلال تطوير السياسات الاجتماعية بالتعاون مع الشركاء في القطاع الاجتماعي وتقديم البرامج والخدمات على أساس العدالة والمساواة ، باعتبارها حقوقا مشروعة لكافة الفئات المهمشة والفقيرة، دون تمييز بين الرجال والنساء ، وذلك من خلال استحداث شبكة حماية اجتماعية تتمكن فعليا من الحد من الفقر ، الذي يقف حائلا دون تحقيق التنمية ، وهو ما يؤدي إلى تآكل لثروة البشرية ، ويشكل خطرا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي .

تتعرض النساء في كثير من الأحيان للتمييز من خلال منحهن أجورا أقل من تلك التي تمنح للرجال (حتى عند ممارسة العمل نفسه) ، كما أنهن عرضة بشكل متزايد للعمل غير المنظم أو العرضي أو المؤقت أو بدوام جزئي ، وفي القطاعات التي لا تغطيها أنظمة الحماية الاجتماعية (الفلاحة والصناعة التقليدية) ، والأنشطة غير التسويقية التي لا تترتب عنها حقوق الضمان الاجتماعي ( العمل المنزلي ، رعاية الأطفال والمسنين) ، ووظائف تطبعها فترات انقطاع ( الأمومة) ، ووقف مبكر للنشاط، وقد أثارت منظمة العمل الدولية في توصيتها رقم 202 بشكل صريح التمييز ضد المرأة في أنظمة الحماية الاجتماعية .

وتشترط معايير منظمة العمل الدولية ألا تقل إجازة الأمومة عن 14 أسبوعا ، للمساعدة في المساواة بين الجنسين في فرص الالتحاق بسوق العمل ، وتدعم المساواة بين الجنسين أطر قانونية تطالب بدفع مستحقات إجازة الأمومة أو الأبوة من قبل الحكومة ، لا صاحب العمل ، وحظر فصل العاملات بسبب الحمل ، وتنص أغلب دول المنطقة على مستحقات إجازة الأمومة مدفوعة الأجر للنساء ، وإن كان مبلغ الأجر ومدة الإجازة تتباين من دولة لأخرى ، وهي محددة في 14 أسبوعا في كل من الجزائر وجيبوتي والعراق وليبيا والصومال والمغرب ، وتحصل النساء في البحرين على إجازة أمومة محددة في 60 يوما مدفوعة الأجر ، وفي أغلب الدول يدفع صاحب العمل إجازة الأمومة بالكامل ، وفي دول أخرى تقدم الحكومة تمويل هذه الإجازة عبر نظام الضمان الاجتماعي ، لتجنب التمييز ضد النساء ، على سبيل المثال ينص قانون الضمان الاجتماعي الأردني ، على استحقاقات إجازة الأمومة بواقع 10 أسابيع مدفوعة الأجر من إدارة الضمان الاجتماعي[46] .

وتعد مسؤولية صاحب العمل أقل دعما لعدالة النوع الاجتماعي ، ففي بعض الحالات قد يتردد أصحاب العمل في تعيين واستبقاء وترقية النساء في سن الحمل والولادة ، لتجنب دفع الرسوم الواجبة عليهم أثناء إجازة الأمومة .

وتقدم دول قليلة بالمنطقة إجازة أبوة للرجال والتي تتراوح ما بين يومين إلى 3 أيام ، وهي خطوة أولى نحو الاعتراف بدور الرجال في رعاية الأسرة [47]، وهو ما يساعد كذلك في كسر التنميطات المتصلة بأدوار الرجال والنساء في رعاية الأطفال وفي العمل بأجر ، كما أن المواد التي يمكن أن تحدد ما إذا كان بإمكان النساء والرجال الحصول على نفس المستحقات من العمل الرسمي ، تتصل بمستحقات صناديق التقاعد التي تتيح قدر من الأمان لدى الخروج من سوق العمل ، وتتطلب المساواة بين الجنسين وجود قوانين تنص على سن موحد للتقاعد ، وقوانين تنص على احتساب المشاركات في صندوق التقاعد أثناء فترات رعاية الأطفال .

إن لدى أغلب الدول العربية قوانين تنص على حقوق ومستحقات الرجال والنساء في العمل ، لكن هناك ثغرات متصلة بالمساواة بين الجنسين ، إذ يمكن للدول اتباع السياسات الفضلى لبعض الدول الأخرى فيما يتعلق بإصلاح مواد قوانين العمل ، بالمجالات التالية :

ـ التصدي لاستغلال النساء في العمل غير الرسمي ، من خلال تمديد مظلة الحماية القانونية والاجتماعية إلى قوة العمل غير الرسمية .

ـ ضمان قدرة جميع النساء على الاستفادة من صناديق التقاعد ، والاعتراف بقيمة أعمال الرعاية والعمل المنزلي التي تسهم بها النساء في الاقتصاد .

ـ إلغاء القوانين التي تحظر على النساء الاشتغال ببعض المهن .

ـ تحسين القوانين التي تقدم مستحقات إجازة الأمومة ، بما يلبي معيار منظمة العمل الدولية (14 أسبوعا) .

ـ التصدي لظروف العمل غير اللائقة التي تعرفها العاملات المنزليات ، بما يضمن الحماية والإنصاف في حالات التعرض للعنف أو الإساءة أو الاستغلال .

المبحث الثاني : مكانة المواثيق والمعاهدات الدولية في بعض الدساتير العربية وأهم الأحكام العالمية المختارة التي تشكل  مرجعا لتحقيق المساواة أمام القانون والحق في عدم التمييز

إن هدف الورقة ليس التطرق لكل الأحكام القانونية العالمية ، التي تضمن الحق في المساواة وعدم التمييز بين الرجال والنساء أمام القانون ، إنما يتجلى الهدف الأساسي إلى الإشارة بشكل موجز لأهم الأحكام الدولية التي تحظر التمييز والمعاملة اللامتساوية أمام القانون والعدالة بصفة عامة ، والتي تتضمن في توصياتها  مبادئ ملزمة للدول لإصلاح منظومتها القانونية والتشريعية لمسايرة ما نصت عليه المعاهدات والأوفاق الدولية .

المطلب الأول : مكانة الاتفاقية والمعاهدات الدولية في بعض الدساتير العربية

 تحتل قواعد القانون الدولي مكانة متميزة من حيث تنوع وتعدد مصادرها، إذ تشكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية، مصدرا هاما في النظام القانوني الدولي ، وأداة مرنة للاستجابة لمتطلبات الحياة الدولية .

إن تحديد مكانة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، التي تبرمها الدول ، سواء كانت ذات طبيعة ثنائية أو متعددة الأطراف ، تتحدد على النطاق الداخلي من خلال سلم تدرج القواعد القانونية الوطنية ، سواء تعلق الأمر بالقواعد التشريعية ، أو القواعد الدستورية ، وهو ما يمكن معرفته من خلال تباين مكانة هذه المعاهدات في بعض الدساتير العربية ( الفقرة الأولى) ، لنتعرف بعد ذلك على بعض النماذج من الدساتير العربية والمكانة التي تحتلها الأوفاق الدولية فيها ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تباين مكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في بعض الدول العربية

لقد كرست المادة 13 من مشروع إعلان حقوق وواجبات الدول الصادر في 1949 عن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، حيث جاء في هذا المشروع ما يلي : " على كل دولة واجب تنفيذ التزاماتها التي فرضتها عليها المعاهدات وغيرها ، من مصادر القانون الدولي بحسن نية ، وليس لها أن تحتج للتحلل من هذا الواجب بأحكام دستورها ، أو تشريعها " .

ما يمكن استخلاصة من نص المادة 13 من مشروع إعلان حقوق وواجبات الدول لسنة 1949، وجوب تنفيذ الالتزامات بحسن نية ، ويدخل تحت هذا الواجب تنفيذ الالتزامات المترتبة عن المعاهدات الدولية من جهة ، باعتبارها مصدرا من مصادر القانون الدولي ، ومن جهة أخرى ، فإن هذه الالتزامات ذات أولوية ، وتتقدم على القوانين الداخلية للدول .

لقد عالجت دساتير المنطقة العربية مسألة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ، والإشكال الذي كان يطرح دائما هو تمسك الدول بمشروعية ملائمة القوانين الدولية بشكل لا يتعارض مع الثوابت الوطنية والدينية والسيادية للدولة ، والمنصوص عليها في دستورها، وبشكل يحفظ خصوصيات الدولة، ففي مقابل هذا التوجه الذي يدافع بشدة على ضرورة خلق توازن بين مبدأ سيادة وخصوصية الدولة ، وبين اعتماد المواثيق والمعاهدات الدولية، ظهر توجه يدعو إلى ضرورة ملائمة التشريعات الوطنية مع كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ، بل ورفع التحفظات عن هذه الاتفاقيات، معتبرا أن الغاية من إقرار الأمم المتحدة نظام التحفظات ، هو تشجيع الدول على الانضمام والتوقيع على هذه المواثيق ، وبالتالي فتمسك الدول بهذه التحفظات ، من شأنه إفراغ هذه المواثيق من محتواها ، وهو ما يعد تحايلا وسوء نية يمس بمضمون الاتفاقية.

الفقرة الثانية : مكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في بعض الدساتير العربية ( تونس والجزائر والمغرب ) نموذجا

هناك من الدساتير من توسعت، في وضع الأحكام الداخلية الخاصة لهذه المعاهدات، كالدستور التونسي والجزائري (أولا)، وهناك من أشارت إلى هذه المسألة بإيجاز على غرار الدستور المغربي ولكن تفصلت في أحكامها بشكل موسع في تشريعها الداخلي  (ثانيا).

أولا : الدستور التونسي والجزائري

لقد خصص الدستور التونسي حيزا مهما للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، كما أنه تميز عن بقية الدساتير العربية ، بكونه انفرد بتخصيص حيز كامل للمعاهدات والاتفاقيات المغاربية ، نظرا للأهم التي أولاها الدستور للشأن المغاربي ، كما خصص الفصل الثاني والثلاثون من الباب الثاني المعنون ب " السلطة التشريعية" ، وقد تناول هذا الفصل أنواع المعاهدات، وشروط نفاذها ، وسموها على القانون الداخلي.

أما الفقرة الثانية من الباب التاسع، فقد أشارت إلى المجلس الدستوري ، باعتباره هيئة دستورية يرجع إليها اختصاص فحص مدى دستورية المعاهدات .

أما الدستور الجزائري لسنة 1996 ، فقد تطرق إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية من خلال الفصل الثاني من الباب الثاني المعنون بتنظيم السلطات " السلطة التشريعية" .

وتناولت المواد (131)[48] (132)[49] و (162)[50] ، أنواع المعاهدات وإجراءات إدماج المعاهدة ، وسمو المعاهدة على القانون الداخلي .

ثانيا : مكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في الدستور والتشريع المغربي

لقد سار المشرع المغربي في اتجاه ترجيح الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي منذ مدة طويلة ، فقد نص دستور المملكة المغربية لسنة 2011 في تصديره بشكل صريح وواضح على جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب ، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة ، وهويتها الوطنية الراسخة ، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ، والعمل على ملائمة هذه التشريعات ، مع ما تتطلبه تلك المصادقة، ويمكن تحديد ملامح ومظاهر الأولوية في التشريع المغربي من خلال عدة قوانين متفرقة :

ـ قانون الجنسية : والذي نص في مادته الأولى ، بخصوص المصادر القانونية في مادة الجنسية ، على أن الأحكام المتعلقة بالجنسية المغربية تحدد بموجب القانون ، وعند الاقتضاء بمقتضى المعاهدات والأوفاق الدولية المتعلقة بالجنسية[51] المصادق عليها والموافق على نشرها ، والتي ترجح على أحكام القانون الداخلي .

ـ ظهير تسليم المجرمين الأجانب إلى حكومتهم [52]: والذي نص في مادته الأولى على أن التسليم والمسطرة المتبعة في هذا الشأن تخضع للفصول التالية ما لم تكن هناك مقتضيات مخالفة لها ناجمة عن المعاهدات .

ـ القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية[53] : ينص في مادته 713 ، على أولوية الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية فيما يخص التعاون القضائي مع الدول الأجنبية .

ـ القانون المتعلق بحماية الملكية الصناعية : تنص المادة 3 على أنه يستفيد من الحماية رعايا البلدان المشتركة في كل معاهدة مبرمة في مجال الملكية الصناعية يكون المغرب طرفا فيها .

وغيرها من القوانين لا يسع المجال لمعالجتها جميعا ، ويبدو من خلال هذه النصوص تفاوت القيمة القانونية للقانون الدولي من تشريع وطني لآخر ، وذلك إما من خلال مجرد الإحالة عليه ، أو من خلال الاعتراف صراحة بسموه على القانون الداخلي عند التعارض .

المطلب الثاني : الأحكام القانونية العالمية المختارة التي تضمن الحق في المساواة أمام القانون والحق في عدم التمييز

إن الأوفاق والمعاهدات الدولية التي تحظر التمييز وعدم المساواة كثيرة ومتعددة ، أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن 1948، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية1966 ، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1965، اتفاقية حقوق الطفل 1989، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979 ، إعلان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد 1981 ، والعديد العديد من الاتفاقيات المعنية بعدم التمييز واللامساواة ، ولكننا في هذا الشأن سنقتصر على ثلاث اتفاقيات ،الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن (أولا) ، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ثانيا)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (ثالثا) .

أولا : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948

في أعقاب حظر التمييز بسبب العنصر والجنس واللغة والدين في ميثاق الأمم المتحدة ، بات إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، فضلا عن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في عام 1948 الخطوة التالية المهمة في عملية التوطيد القانوني لمبدأ المساواة أمام القانون ، وما ينشأ عنها من حظر التمييز .

إذ تعلن المادة الأولى من الإعلان العالمي أن " جميع البشر يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق " ، بينما تنص المادة 2 على ما يلي : " لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان ، دونما تمييز من أي نوع ، ولا سيما التمييز بسبب العنصر ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة ، أو المولد ، أو أي وضع آخر ".

ثانيا : العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966

الحق في المساواة وعدم التعرض للتمييز تحميه مختلف أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[54] ، في الفقرة 1 من المادة 2: " تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد ، باحترام الحقوق المعترف بها فيه ، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها ، دون أي تمييز بسبب العرق ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ...".

وتمثل المادة 26 من العهد حجز الزاوية للحماية من التمييز ، وتوفر حقا ذاتيا في المساواة ، وتحظر التمييز في القانون أو في الواقع ، في أي ميدان تنظمه وتحميه السلطات العامة [55]، كما تشدد المادة 3 على المساواة بين الجنسين ، والتي بمقتضاها: تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد ، بكفالة تساوي الرجال والنساء في التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد ".

كما تنص المادة 13 من نفس العهد على :" الناس جميعا سواء أمام القضاء ، وهو ما يمثل ضمانا مهما ، قد يلزم الدول في حالات معينة بتقديم معونة قانونية ، تكفل إجراءات قضائية منصفة وعادلة للأشخاص المعوزين ، وتضمن المادة 25 من ذات العهد مشاركة كل مواطن في شؤون الحياة العامة على قدم المساواة ، دون أي وجه من وجوه التمييز السابق ذكرها ، وبدون قيود غير معقولة .

ثالثا : اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979

تصف المادة 1 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، مصطلح "التمييز ضد المرأة" بأنه:

أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ، ويكون من آثاره أو أغراضه ، توهين ، أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية ، أو في أي ميدان آخر ، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل .

وبالنظر إلى أهمية حقوق المرأة في مجال إقامة العدل ، والدور الذي تؤديه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، في تعزيز تلك الحقوق ، فقد نصت الاتفاقية في مادتها الثانية : باتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية وتشريعاتها المناسبة الأخرى ، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى .

كما نصت على ضرورة: اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها ، بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات ، لحظر كل تمييز ضد المرأة ، وإقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل ، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى ، من أي عمل تمييزي .

كما نصت الاتفاقية في الفقرة (و) من المادة الثانية على اتخاذ جميع التدابير المناسبة ، بما في ذلك التشريع ، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة والتي تشكل تمييزا ضد المرأة .

خاتمة :

في سياق تحليل الثغرات القانونية ، التي تكرس التمييز واللامساواة ، تستعين تقييمات الدول والتقييم الإقليمي بالمعايير الدولية المتفق عليها والمكفولة بموجب أدوات ومعايير رئيسية مستقاة من القانون الدولي ، كما أن جهود الإصلاح القطرية والإقليمية المتسقة مع خطة التنمية المستدامة المتفق عليها دوليا ، يضيف المزيد من المصداقية والدعم لهذه الجهود .

هذه التوصيات يمكن أيضا أن تساعد الدول في إعداد التقارير حول التقدم المحرز باتجاه الوفاء بأهداف التنمية المستدامة لسنة 2030 والمتعارف عليها دوليا ، والمتصلة تجديدا ب :

ـ هدف التنمية المستدامة رقم 5: "تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات".

ـ هدف التنمية المستدامة رقم 10 :" والذي يدعو إلى الحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها".

تقدم الاستراتيجية العالمية حول "المساواة في القانون للنساء والفتيات بحلول 2030" ، التي تم الاتفاق عليها مؤخرا من الدول الأطراف في الأمم المتحدة ، بمثابة نقطة الانطلاق للإصلاحات القانونية ، هذه الاستراتيجية التي نسقتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة ، تقدم توجيهات عملية ، والتي تتجلى في ست نقط :( الإصلاحات الشاملة، التمكين الاقتصادي، سن الزواج، قوانين الجنسية، قوانين الاغتصاب،العلاقات الأسرية ).

على المستوى الدولي فإن تقديم التقارير حول التقدم المحرز على مسار تنفيذ مقاصد وأهداف التنمية المستدامة لسنة 2030 ، يعتبر آلية مهمة للمحاسبة ، وهناك دول مهمة بالمنطقة تقدمت باستعراضات وطنية طوعية بالتقدم الذي أحرزته في مجال عدالة النوع الاجتماعي .

يمكن أن تشمل التوصيات المعنية بعدالة النوع الاجتماعي في الدول العربية التغيير في التشريعات والتوصيات بسياسات وبرامج محددة ، تضمن خضوع الدولة للمحاسبة على إنجاز نتائج عدالة النوع الاجتماعي المرجوة ، كما أن إصلاح القوانين القائمة على التمييز ، يمكن أن يزيد من فعاليتها إذا رافقتها آليات لتعزيز القدرات المؤسسية لإنفاذ المواد القانونية التي تنص على المساواة بين الجنسين ، والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي ، وتوسيع إتاحة العدالة للنساء والفتيات .

لائحة المراجع:

ربى حسن مفتاح ، عبد الرحمان أبو شمالة ، مسرد ومفاهيم ومصطلحات النوع الاجتماعي ، منشورات المتاح ، رام الله ، فلسطين ، 2006.

مصطفى حمدي غانم ، عبد الصمد علي ، مي عبد المطلب عبد الرحيم ، إدماج النوع الاجتماعي في التنمية في ريف محافظة أسيوط ، قسم المجتمع الريفي والإرشاد الزراعي ، كلية الزراعة ، جامعة أسيوط ، مصر 2010.

شيفردا ليندا ، أنثوية العلم، ترجمة يمني طريف خولي ، عالم المعرفة ، العدد 306 ، 2004 .

أوجامع إبراهيم ، إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في ميزانية الدولة ، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية ، مدرسة العلوم الاقتصادية ، مدرسة الدكوراه ، تسيير المالية العامة ، كلية العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية ، جامعة أبي بكر بلقايد ، تلمسان ، 2011.

ماجدة فؤاد، مكانة المرأة في التشريعات المحلية، ندوة قضايا المرأة المصرية بين الواقع والمستقبل، 18 ـ19 فبراير ، القاهرة 1997 .

نيفين عبد المنعم مسعد، المرأة في انتخابات مجلس الشعب لعام 2005 ، المرأة العربية في المواجهة النضالية والمشاركة العامة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، كلية الاقتصا والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة 2005 .

جيهان عبد السميع محمد أحمد ، مظاهر التمييز ضد المرأة في مجال التشريعات ورؤية سوسيولوجية للواقع المصري ، حوليات آداب، عين شمس، المجلد 46 ، عدد أكتوبر ـ ديسمبر 2011.



[1] ـ ربى حسن مفتاح ، عبد الرحمان أبو شمالة ، مسرد ومفاهيم ومصطلحات النوع الاجتماعي ، منشورات المتاح ، رام الله ، فلسطين ، 2006، ص 9 

[2]  ـ مصطفى حمدي غانم ، عبد الصمد علي ، مي عبد المطلب عبد الرحيم ، إدماج النوع الاجتماعي في التنمية في ريف محافظة أسيوط ، قسم المجتمع الريفي والإرشاد الزراعي ، كلية الزراعة ، جامعة أسيوط ، مصر 2010 ، 289.

[3]  ـ شيفردا ليندا ، أنثوية العلم، ترجمة يمني طريف خولي ، عالم المعرفة ، العدد 306 ، 2004 ، ص 8.

[4]  ـ أوجامع إبراهيم ، إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في ميزانية الدولة ، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية ، مدرسة العلوم الاقتصادية ، مدرسة الدكوراه ، تسيير المالية العامة ، كلية العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية ، جامعة أبي بكر بلقايد ، تلمسان ، 2011، ص 6.

ـ الجمعية العامة للأمم المتحدة ، تحويل عالمنا : خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ، 31 أكتوبر 2015 ، [5]

ـ إعلان ونهاج عمل بكين ، اعتمد في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة (بيكين ، 1995) ، أتظر الرابط :

[6]Report of the fouth world conference on women (Beijing,4- 15september 1995) , United Nations (A/CONF.177/20) 17 october 1995 .

[7] ـ الأمم المتحدة قرار مجلس الأمن رقم 1325 ( 2000) اعتمده مجلس الأمن في الدورة ال4213 ، بتاريخ 31 أكتوبر 2000 ، نيويورك .

 ـ نعيمة سمينة ، قانون الكوطا النسوية في دول المغرب العربي : الواقع والإشكالات ، 2012 ، ص : 9 [8]

[9] - Dhalerup , D & Freidenvall , L, Quotas as a fast track ‘ to equal representation for women : international feminist , journal of politics , 1 march 2005 , p : 60

[10] - Inter –Parliamentary Union (IPU) , Women in parliament in 2018 , the year in review , (Geneva , IPU, 2919)

[11] - Hatoon al-Fassi , is female suffrage in the Gulf important ? , London School of Economics middle East centre , 2017

[12] - OECD and Cawtar , women in public lifer , Gender , law and policy in the middle East and North Africa (OECD,2014) , p : 261.

[13] - S . Barakat, the cost of justice , exploratory assessment on women’s access to justice in Lebaon , Jordan , Egypt and Yemen (Oxford , Oxfam  international 2018)

ـ المملكة العربية السعودية ، مرسوم رقم 33322بتاريخ 21 18 أبريل 2017.[14]

[15] - ESCWA , the state of Gender justice in the Arab region , 2017 , p : 28

[16] - ESCWA , women in the Judiciary in the Arab states : Removing Barriers , Increasing Numbers (Beirut , ESCWA , 2019 ) , p : 32

[17] - CAWTAR , Regional Training Kit for Trainers on Buillding Capacities of service while Working on Gender –Based Violence Elimination (Tunis ,CAWTAR , 2016)

[18]  ـ قرار مجلس 2467 المعني بالمرأة والسلام والأمن : العنف الجنسي في النزاعات ، 23 أبريل 2019 ، نيويورك ، مجلس الأمن، 2019.

[19] - G, Samari , Syrian Refugee women’s health in Lebanon , Turkey , and Jordan and Recommendations for Improved practice , World medical and health policy , vol 9 , no 2 (2017) , pp : 255- 274

[20] - ESCWA , social and economic situation of Palestinian women and girls (July 2016-2018) (Beirut , ESCWA , 2018) pp 21,22

[21]ـ لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان : التعليق العام رقم 20 ، حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، المادة 7 ، 1992 .

ـ لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، الملاحظات الختامية ، العراق ، من 4 إلى 27أكتوبر 2015 ، الفقرة 39[22]

ـ لجنة سيداو ، التوصية العامة رقم 35 ، الفقرة 11[23]

ـ الجزائر ، قانون العقوبات المادة 336 ، الأردن ، قانون العقوبات المادة 292 ، ليبيا ، قانون العقوبات المادة 407 .[24]

ـ القانون رقم 17 لعام 2015 بشأن الحماية من العنف الأسري [25]

ـ القانون رقم 15 لعام 207 بشأن الحماية من العنف الأسري (تعديلا للقانون رقم 6 لعام 2008 ) .[26]

ـ قانون عدد 103.13 لعام 2018 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء .[27]

ـ قانون رقم 293 لعام 2014 بشأن حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري .[28]

ـ نظام الحماية من الإيذاء ، مرسوم ملكي رقم م/52لعام 2013[29]

ـ القانون الأساسي عدد 58 لعام 2017 بشأن القضاء على العنف ضد المرأة .[30]

[31] - K.*stilt , S waheediand S, Griffin , the ambitions of muslim family law reform , Harvard journal of lax and Gender , vol 41 , 2018 , pp :301 -341

ـ مجلة الأحوال الشخصية التونسية لعام 1956 ، الفصل 18 [32]

[33] ـ ماجدة فؤاد ، مكانة المرأة في التشريعات المحلية ، ندوة قضايا المرأة المصرية بين الواقع والمستقبل ، 18 ـ19 فبراير ، القاهرة 1997 .

[34] - Musawah , who provides ? who cares ? changing dynamics in muslim families , Malaysia , Musawah , 2018

ـ اليمن ، قانون الأحوال الشخصية ، رقم 20  لعام 1992 ، المادة 40 [35]

[36]ـ الطلاق الشفهي مسألة خلافية ، ففي المجتمعات المسلمة على المستوى الدولي وفي بعض الدول يعد محظورا بموجب القانون ، على سبيل المثال ، يطالب القانون في ماليزيا برمي يمين الطلاق في المحكمة ، وخلاف ذلك يعتبر مخالفة جنائية .

[37] - Musawah , who prلاvides ? who cares ? changing dynamics in muslim families (Malaysia , Musawah , 2018 ) p : 46

[38]ـ نيفين عبد المنعم مسعد ، المرأة في انتخابات مجلس الشعب لعام 2005 ، المرأة العربية في المواجهة النضالية والمشاركة العامة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، كلية الاقتصا والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة 2005 .

[39] - National Council for women , National strategy for the empowerment of egyptian women 2030 , vision and pillars (Cairo, National Council for Women ) 2017 , p : 53

[40] - Z.Albarazi and L . Van Waaz , understanding statelessness in the Syrian refugee context (institute on statelessness and inclusion ) , 2016

[41] - A.demirguc –kunt et al , Global financial inclusion database (Washington DC , World Bank ) , 2018

[42] - World Bank , Egypt Women Economic Empowerment Study (Washington , DC) , 2019 , p : 32

ـ نفس المرجع السابق ، ص 16 [43]

ـ الأردن ، قانون العمل رقم 8 لعام 1996  المعدل بقانون 14 لعام 2019 [44]

[45] ـ جيهان عبد السميع محمد أحمد ، مظاهر التمييز ضد المرأة في مجال التشريعات ورؤية سوسيولوجية للواقع المصري ، حوليات آداب ، عين شمس ، المجلد 46 ، عدد أكتوبر ـ ديسمبر 201، ص 5 .

[46] - Organization for Economic cooperation and development (OECD) , women in public life (Paris , OECD) , 2014 , p : 23

[47] - S . Belwal and R. Belwal , «Work –life balance , family – freindly policies and Quality of work life issues : studying employer ‘s perspectives of working women in oman « , journal of international women’s studies , vol 15 , n 1 , 2014

[48] ـ (المادة 131) ، يصادر رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم والتحالف والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بحدود الدولة ، والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص ، والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة بعد أن توافق عليها كل غرفة من البرلمان لطرحه .

[49] ـ المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون .

[50] ـ إذا رتأى المجلس الدستوري عدم دستور معاهدة أو اتفاق أو اتفاقية ، فلا يتم المصادقة عليها .

[51]  ـ القانون رقم 62.06 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.07.80 ، الصادر (23 مارس 2007) بتغيير وتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.250 الصادر (6 شتنبر 1958) بسن قانون الجنسية المغربية ، الجريدة الرسمية عدد 5513 بتاريخ 2 أبريل 2007.

[52]ـ ظهير شريف رقم 1.58.057 بشأن تسليم المجرمين الأجانب إلى حكوماتهم ، الجريدة الرسمية عدد 2408 بتاريخ (19 دجنبر 1958)

[53] ـ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الصادر بتنفيذ ظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر (3 أكتوبر 2002) الجريدة الرسمية عدد (30 يناير 2003)

[54] ـ فيما يتعلق بمسألة عدم التمييز ، أنظر التعليق العام رقم 18 للجنة المعنية بحقوق الإنسان في وثيقة الأمم المتحدة ، المشار إليها باسم مجموعة التعليقات العامة الصادرة عن الأمم المتحدة ، الصفحات : 134ـ137

ـ المرجع نفسه ، الصفحة 136 ، الفقرة 12 [55]


إرسال تعليق

0 تعليقات