آخر الأخبار

Advertisement

إشكالات صياغة مسطرتي النشر والإيداع - الأستاذ عبد الحميد باعلا- منشورات مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية وموقع الباحث القانوني


 إشكالات صياغة مسطرتي النشر والإيداع - الأستاذ عبد الحميد باعلا- منشورات مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية وموقع الباحث القانوني


رابط تحميل العدد الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf أسفله:






الأستاذ عبد الحميد باعلا

              باحث بسلك الدكتوراه بكلية الشريعة أيت ملول جامعة

    ابن زهر - أكادير

         إشكالات صياغة مسطرتي النشر والإيداع:

       قراءة في الفصلين 83 و 84 من قانون التحفيظ العقاري المغربي

The drafting problem's in publication and deposit procedures:

Reading in articles 83 and 84 in moroccan dahir of real property protection

مقدمة:

تقديم مطلب التحفيظ لا يغل يد صاحب الملك عن التصرف في ملكه، كما أن العقارات موضوع المطلب ليست في مأمن من إحداث أو تأسيس حقوق عينية عليها بعد التقدم بمطلب للحفيظ، أو الإقرار بحق عيني أثناء سريان مسطرة التحفيظ، فأمام خصوصية نظام التحفيظ ومبادئه يتطلب كل هذا حماية هذه الحقوق من آثار التحفيظ خاصة أمام الأثر التطهيري ونهائية الرسم العقاري. وتبعا لهذه الغاية، حدد القانون وسيلتين لحماية هذه الحقوق وهما مسطرتي النشر والإيداع كما هي منظمة في الفصلين 83 و84 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتكميله بقانون 14.07، والهدف الرئيسي منها هو الحفاظ على الحق المكتسب خلال هذه المرحلة وحمايته من آثار نظام التحفيظ، لكن هاتين الوسيلتين ما زالتا تفتقران إلى الدقة في صياغتهما، إضافة إلى تحديد وتجميع لمقتضياتهما وعناصرها المشتتة في النصوص القانونية المختلفة ضمن هذا القانون وذلك لتجاوز الإشكالات العملية التي تطرحها.

تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على ضعف الصياغة في هاتين المسطرتين بالتركيز على عيوب الصياغة دون الدخول في تفاصيلها النظرية.

 

Abstract:

Submission of a request for protection of real estate does not lead to the suspension of the procedures on the property by its owner, moreover, the real estate subject to the application is not safe from the occurrence or expiration of real estate rights, in addition to obtaining a right during the procedures for protecting real estate property, this requires preserving and protecting it from Effects and results of the real estate property protection system. For this purpose, the law defines two means to protect the rights that arose during the procedures for protecting real estate, which are the deposit and publication procedures as stated in Articles 83 and 84 of the ''Dahir'' of the Real Estate Property Protection System as amended and supplemented by Law 14.07.

The objective of this law is to preserve the right acquired during this stage and protect it from the effects of the real estate property protection system. However, these two methods still lack accuracy in their formulation, in addition to defining its requirements and compiling its dispersed elements in the various legal texts within this law in order to overcome all issues that arise at the applicable level.

This article aims to shed light on the weakness of the formulation in these two procedures by focusing on the flaws of the formulation without entering into their contents and theoretical problems.

 

تمهيد:

لطالما كانت العقارات الركيزة الأساسية للتنمية في مختلف الميادين، وارتبط وجودها ودوام أهميتها باستمرار المعاملات الواردة عليها، وما وضعت التشريعات الحديثة المرتبطة بالعقار إلا لضمان حق تملكها والحفاظ على الملكية العقارية بمحاولة تعزيز ضمانات تحقيق الأمن العقاري، فكان  التحفيظ العقاري بفلسفته ومبادئه وقواعده أهم هذه الضمانات نظرا لما يهدف إليه من تحصين الملكية العقارية ضد كل سطو أو اعتداء سواء في بعده المادي أو القانوني، فكان السعي وراء تحصين الملكية العقارية هاجس كل من يروم اخضاع عقار لنظام التحفيظ العقاري من خلال تطهيره من كل حق لم تقره مسطرة التحفيظ ولم يطهر منه العقار بعد تأسيس الرسم العقاري، وتثبيت كلما أقره الرسم العقاري ولم يطله التطهير مما كان سابقا على طلب التحفيظ أو ما تم إقراره خلال سريان مسطرته، فهذا النظام لم يمنع المالك من ممارسة سلطاته المختلفة على حقه المملوك استعمالا واستغلالا وتصرفا حتى خلال سريان مسطرة التحفيظ، وأقر آليات لحماية الحقوق خلال مسطرة التحفيظ إما عن طريق مؤسسة التعرض، أو عن طريق مسطرتي النشر والإيداع بالنسبة للحقوق المعترف بها خلال مسطرة التحفيظ -أو ما يعرف بالحقوق الناشئة خلال مسطرة التحفيظ- فقد نظم المشرع هتين الآليتين الأخيرتين في ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بموجب القانون رقم  14.07 في الفصلين 83 و 84 منه ، وذلك بغرض حماية الملكية العقارية من الجهتين؛ من جهة المالك من خلال ضمان سلطاته حتى في مرحلة التحفيظ، ومن جهة المكتسب للحق على العقار في طور التحفيظ بتوفير وسيلة حمائيه تقيه آثار قاعدة التطهير ونهائية الرسم العقاري.

    فكان هذا منطلق أهمية هذه الآليات في حماية الحقوق الناشئة أثناء سريان مسطرة التحفيظ فهما بمثابة الضمان الوحيد لكل حق اكتسب خلال مسطرة التحفيظ بعد انتهاء سبيل التعرض، وقد خلق الحيز المنظم لهاتين المسطرتين خللا مقارنة بتنزيلاتها وتفريعاتها فإذا كانت المسطرة الأولى تركز على سيرورة المسطرة بتغيير مبدئي بسيط فإن الثانية تخلق إشكالات قد تمتد طيلة مسطرة التحفيظ ولهما أثر لما بعد التحفيظ.

وجدير بالذكر أن لكل من المسطرتين إيجابياتها وسلبياتها  تجعل من الصعب التخير بينهما رغم اختلاف طبيعتهما فتطبيق احداهما يختلف باختلاف الحق المراد اشهاره وباختلاف العقار موضوع الحق، وهو ما يجعلها تطرح العديد من الإشكاليات على مستوى تنزيلها والتي ترجع في الغالب إلى ضعف صياغتها، وهو ما سأركز عليه في هذه الورقات أي ما يتعلق بالإشكالات الناتجة عن ضعف صياغة النصوص المؤطرة لكل من مسطرتي النشر والإيداع بعيدا عن العرض النظري لكل من أحكام المسطرتين وما تطرحه من إشكالات مسطرية تدخل في الجانب النظري عموما.[1]

وسأستهل الكلام هنا فيما يتعلق بمسطرة النشر في فقرة أولى ثم بعد ذلك أعرج الحديث على مسطرة الإيداع في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: مسطرة النشر؛ قراءة في صياغة الفصل 83 من ظ.ت.ع.

ترتبط إشكالات مسطرة النشر أو الخلاصة الإصلاحية أساسا بتنزيلها وتطبيقها وتنطلق أبرز هذه الإشكالات من غموض مقتضياتها وغياب الدقة في إجراءاتها، ويتجلى أساسها القانوني في الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بالقانون 14.07 الذي ينص على أنه: '' بغض النظر عن المسطرة المقررة في الفصل 84 من هذا القانون، يمكن لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو الإقرار به أثناء مسطرة التحفيظ أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية.

تتابع مسطرة التحفيظ بصفة قانونية مع أخذ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به بعين الاعتبار.

يكتسب صاحب الحق المنشأ أو المغير أو المقر به صفة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف له به.

إذا كان الإعلان عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب أن يعاد نشره من جديد ليفتح أجل شهرين للتعرض، يبتدئ من تاريخ الإعلان عن الحق المنشأ أو المغير أو المقر به. وفي هذه الحالة لن تقبل إلا التعرضات المنصبة مباشرة على الحق المذكور.

يؤخذ بعين الاعتبار عند التحفيظ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به خلال المسطرة''.

أولا: لمحة عن مسطرة النشر والاشكالات المرتبطة بالحق المراد نشره.

قبل الحديث عن عيوب صياغة هذا الفصل لابد أولا من التعريف بهذه المسطرة باختصار فمسطرة النشر أو الخلاصة الإصلاحية كما تسمى هي آلية لحماية الحقوق الناشئة خلال مسطرة التحفيظ من الأثر التطهيري لتأسيس الرسم العقاري، فتقديم مطلب التحفيظ كما أسلفت لا يغل يد طالب التحفيظ عن التصرف في ملكه، فيمكنه كطريقة سلوك مسطرة النشر والتي أخذت اسمها هذا من إعادة نشر الإعلان وملخص المطلب الجديد بالجريدة الرسمية، وتسمية الخلاصة الإصلاحية استمدت من الإصلاح الذي يحصل في المطلب الأول بتعديل المتقدم بالمطلب فيحل الذي انتقل إليه الحق محل طالب التحفيظ.

فحسب الفصل 83 كل حق وقع إنشاءه أو تغييره أو الإقرار به، يمكن لصاحبه أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية فتتابع المسطرة في اسمه فيكتسب صفة طالب التحفيظ في حدود الحق، ويعاد نشر الإعلان عن التحديد لو تم نشره قبلا، ويفتح أجل شهرين للتعرضات في حدود هذا الحق، وذلك ابتداء من تاريخ نشر هذا الإعلان.

      وأبرز إشكالات هذا الفصل تكمن في غموض مقتضياته، فبالانطلاق من  تعميم المشرع للحق في الفقرة الأولى من هذا الفصل وأمام حصر حالاته في الإنشاء أو التغيير أو الإقرار به نجد نوعا من الغموض التشريعي، ووجه هذا الغموض هو في أن تعميم الحق لا يدرك منه الحقوق المقصودة بالنشر كما أن إطلاق الحق في نظري لا يتلاءم مع مقتضيات الفصل 10[2] ومع طبيعة مسطرة النشر كما حددها الفصل 83 أعلاه. 

فإذا كانت الخلاصة الإصلاحية كما قلنا تضع صاحب الحق المنشأ أو المغير أو المقر به في منزلة طالب التحفيظ له ما له وعليه ما عليه في حدود الحق المعترف به فإن ذلك يقتضي أن يكون الحق المعترف فيه من الحقوق المحصورة في الفصل 10 وأيضا 11 و12، حيث أن تعبير المشرع كان واضحا وجازما في حصر من لهم الحق في التقدم بمطلب التحفيظ[3].

فقد نص الفصل العاشر على أنه '' لا يجوز تقديم مطلب التحفيظ إلا ممن يأتي ذكرهم...'' وأورد من بينهم المالك، وفي هذه الحالة المالك للحق سيكون هو الذي سلك مسطرة النشر، والشريك على الشياع قد يكون أيضا هو صاحب هذا الحق موضوع مسطرة النشر متى كان الحق المعترف به بمثابة جزء مشاع من العقار موضوع المطلب الأول، أو كل من له حق عيني كحق الانتفاع، حق السطحية، الكراء الطويل الأمد، الزينة، الهواء والتعلية، والحبس، أو الارتفاقات بشرط إذن المالك،[4] فيمكن أيضا لمن وقع أن نشأ أو تغير له أو أقر له بحق من هذه الحقوق أن يتقدم بمطلب للتحفيظ مع استحضار ما ذكرناه سابقا فيما يتعلق بهذا الفصل.

ولما أمكن للدائن الحاجز حسب الفصل 11 من ظهير التحفيظ العقاري المذكور؛ أن يتقدم بمطلب التحفيظ فيمكن له كذلك أن يسلك هذه المسطرة، ويضاف إلى هذا النائب الشرعي باسم المحجور[5].

فبالنظر إلى كل هذه الحقوق فهي تدخل في منطوق الفصل وتخضع لمقتضياته فتخول تبعا لذلك لأصحابها سلوك هذه المسطرة، لكن إذا أمعنا النظر في هذه الحقوق باستثناء حق الملكية فهي لا تتلاءم مع طبيعة مسطرة النشر، فأغلبها حقوق مؤقتة، وفي غالبها يستبعد تقديم مطلب للتحفيظ بناء عليها لتعلق المطلب بالعين وكونه يؤسس على اسم صاحب الأصل، فيبقى التقدم بالمطلب فقط لحفظ الرتبة والحفاظ على الحق تبعا لتحفيظ العين.

  ولعل الإشكال في هذا الموضوع إذا ربطنا بين هذه الحقوق وطبيعة الخلاصة الإصلاحية، أنه إذا كان مستبعدا لأصحاب هذه الحقوق التقدم بمطلب للتحفيظ مبدئيا، فيستبعد كذلك سلوكهم لهذه المسطرة، لكونهم لن يستفيدوا من ميزة الخلاصة الإصلاحية المتمثلة في الحلول محل طالب التحفيظ، فصاحب حق الانتفاع ينتهي حقه هذا بموت المنتفع حسب مقتضيات المادتين 79 و99[6] من مدونة الحقوق العينية أو بانقضاء مدته طبعا، ونفس الشيء يقال عن بقية الحقوق الواردة في الفصل المذكور.

وتجدر الإشارة إلى أن حقوق الارتفاق، على اعتبار طبيعتها التحملية لا تخلق كبير إشكال فيما يتعلق بمسطرة النشر، فإذا أخدنا حق المرور مثلا، فلا تتعلق المطالبة به بزمن أو بوضعية العقار فقد خول المشرع للمالك الذي لا يتوفر على أي ارتفاق بالمرور إلى الطريق العام، حق مطالبة باقي الملاكين المجاورين بإعطائه هذا الحق ولو كان العقار المطلوب الارتفاق به محفظا، إذ لا يمكن لمالك الرسم العقاري الاحتجاج بكونه غير مثقل بأي ارتفاق بالمرور لفائدة عقار المدعي طالب هذا الحق، طالما أن المشرع العقاري قد استثنى جميع الارتفاقات المقررة بنص القانون من أي إشهار في الرسم العقاري فمتى وجدت الحاجة إلى هذا الحق، أمكن لمن له مصلحة؛ طلبه بصرف النظر عن الحجية القانونية للبيانات الواردة بالرسم العقاري.

فالمشرع أقر لكل مالك عقار ليس له منفذ إلى الطريق العمومي أو له منفذ غير كاف لاستغلال عقاره أن يحصل على ممر في أرض جاره نظير تعويض مناسب شرط أن يقام هذا الممر في المكان الذي لا يسبب للأرض المرتفق بها إلا أقل ضرر.[7] 

ويبقى المنطق القانوني السليم يفرض نوعا خاصا من التعامل مع هذا الوضع بحذر شديد من طرف القضاء، لا سيما حينما يتعلق الأمر بعقارات محفظة لم تكن مثقلة بأي ارتفاق من هذا القبيل نتيجة لوضعها الطبيعي، وذلك تفاديا لبعض الممارسات التي يقوم بها بعض المتعاملين بشأن العقار المحفظ من ذوي النيات السيئة في ابتزاز ومساومة مالكي العقارات المجاورة لإجبارهم على تفويت أراضيهم تحت طائلة الارتفاق بما يخوله القانون، أو مطالبتهم بحق المرور الذي يكفي كمنفذ إلى الطريق العام مقابل تعويض لا يتناسب إطلاقا مع الضرر الذي سيحدثه لمالك العقار المرتفق به [8].

وقد ذهبت محكمة النقض في هذا الاتجاه فأكدت في قرار لها على أنه بصرف النظر عن كون الطالب كان على علم بارتفاق المرور المثقل به ملكه لفائدة عقار المطلوب وعن كونه قد التزم في عقد شرائه بترك الطريق .. فإن حق ارتفاق المرور العائد لأرض محاصرة بأرض أخرى يعتبر من الالتزامات التي يكلف بها القانون المالكين بعضهم تجاه بعض بصرف النظر عن كل اتفاقية .. فالمحكمة المصدرة للقرار المطعون لما ثبت لها من مستندات الدعوى أن عقار المطلوب محاصر بعقار الطالب وألزمته تبعا لذلك بترك الطريق في ملكه لمرور الطالب إلى عقاره تكون قد بنت قضاءها على أساس صحيح، وتستبدل العلة المنتقدة بالعلة الصحيحة المستمدة من الوقائع الثابتة لقضاة الموضوع[9].

وعليه بناء على المادة 64 من مدونة الحقوق العينية المقابل ل الفصل 142 من ظهير سنة 1915 المطبق على العقارات المحفظة، يكون مقتضاه واجب الإعمال إذا تعلق النزاع بإحداث ارتفاق جديد بالمرور إلى العقار المحفظ المحاصر من كل جانب، والذي لا منفذ له إلى الطريق العام أو الذي له منفذ غير كاف لاستثماره زراعيا أو صناعيا، لا عندما تتعلق المطالبة القضائية بفتح طريق مغلق وكان حق مرور موجودا من قبل.[10]

لكن؛ والذي نريد التأكيد عليه من خلال كل ما قيل؛ هو أن إطلاق الحق في الفصل 83 من قانون التحفيظ العقاري، يقودنا إلى الحديث عن ما قد يحصر لنا هذا الإطلاق، وقد وجدنا أن الفصل الذي يمكننا الرجوع إليه هو الفصل العاشر والفصلين بعده من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بموجب القانون 14.07، ما دام أن صاحب الحق سيسلك هذه المسطرة وسيحل محل طالب التحفيظ، فالفصل العاشر - والفصلين بعده - هو الذي حصر كل من يمكنه التقدم بمطلب للتحفيظ، وقد كان على المشرع أن يضع ما يدل على ذلك بالإحالة على الفصل المذكور أو يبدأ الفصل بما بدأ به الفصل 84 المحيل ضمنيا على الفصل 65[11]  والظي حدد الحقوق الخاضعة للإشهار، هذا من جهة، وأن يوضح الحقوق التي يمكن أن تخضع لهذه المسطرة حصرا من جهة أخرى ، رفعا للغموض وتفاديا للتوسع في التفسير بينما سيكون تلافي ذلك بتدقيق الفصل 83 المذكور.

وحتى لو كان مقصود المشرع هو الحقوق الخاضعة للإشهار بموجب الفصل 65 وهو ما ذهب إليه بعض الباحثين[12]  - إن لم نقل أغلبهم- وذلك اعتبارا بسياق ورود هذا الفصل في قانون التحفيظ العقاري وكذا علاقته بالفصل 84 بعده، فإن الإشكال لازال مطروحا بعدم وضوح الفصل وإطلاقية عبارة ''الحق'' بل إن الأمر يزيد المتعامل مع الفصل التباسا وغموضا ما دام أن المشرع قد نص وأحال في موضع دون موضع .

ولو سلمنا بأن المراد هو الحقوق الواردة في الفصل 65 فإن هذا أبعد من سابقه، فالحقوق فيه محصورة أيضا، وتجمع ما هو وارد في الفصول السابق ذكرها والمتعلقة بأصحاب الحق في تقديم مطلب التحفيظ، إضافة إلى حقوق شخصية يستبعد المنطق تقدم أصحابها بمطلب للتحفيظ، وتبعا للمنطق فهي مستبعدة قانونا بموجب الحصر الجازم في الفصل 10 وما بعده، من ظهير التحفيظ العقاري، ولا شك أن عدم إمكانية التقدم بمطلب التحفيظ يفيد عدم إمكانية سلوك هذه المسطرة ، خصوصا وأن بعض الحقوق التي يخول لها التقدم بمطلب التحفيظ ينتهي الرسم على اسم  صاحب الأصل وتحفظ رتبة صاحب الحق التابع ولو حل محل طالب التحفيظ عن طريق مسطرة النشر والخلاصة الإصلاحية التي يراد منها الحلول محل طالب التحفيظ.

ثانيا: إشكالات متعلقة بشروط المسطرة وحالات تخويلها.   

من بين النقط التي طرحها هذا الفصل أيضا والتي لا تبتعد عن ما ذكر وتنم عن غموض تشريعي هو ما يمكن تلمسه بالانطلاق من شروط هذه المسطرة كما تبناها بعض الفقه فمسطرة الفصل 83 في نظرهم أو ما يعبر عنها فقها وقضاء بمسطرة الخلاصة الإصلاحية، لا يعمل بها إلا إذا تحقق ثلاثة شروط :[13]

الشرط الأول : إن يتعلق الأمر بانتقال الحق بين أحياء، أو ما يعبر عنه بالأعمال الإرادية وكيفما كانت صورها وأشكالها. ويستبعد منها انتقال الملك بواقعة الوفاة حقيقة أو حكما.

الشرط الثاني: يتعين أن يشمل التصرف مجموع الملك، إذ يلزم المفوت إليه بتصرف ناقل لمجموع الملك أن يركن إلى الفصل 83 أو ما يعبر عنه بالمسطرة الخلاصة الإصلاحية دون مكنة اللجوء إلى مسطرة الإيداع المقررة بمقتضى الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري.

وبدل هذا الشرط الثاني وضع البعض شرط كون الحق موضوع المسطرة حقا عينيا.[14]

الشرط الثالث: أن لا تقع إحالة الملف على محكمة التحفيظ ( محكمة الفصل 37)  من ظهير التحفيظ العقاري.

وأضاف البعض شرطا رابعا وهو شرط إشهار الحقوق والتوثيق تبعا لمقتضيات المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية [15].

ولا شك أن الشرط الأول ثابت بالقانون والمنطق فمن مات على حق انتقل الحق لورثته، ولا يتطلب ذلك سلوك هذه المسطرة، أما الشرط الثاني فقد أقره البعض ولا أجد له أساسا في الفصل 83، بل إنه يتعارض نوعا ما مع مقتضى الفصل المذكور فقد جاء في الفقرة الثالثة من هذا الفصل '' يكتسب صاحب الحق المنشأ أو المغير أو المقر به صفة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف له به''، فالمشرع هنا جعل الخلاصة الإصلاحية واكتساب صفة طالب التحفيظ بواسطتها متعلقة بحدود الحق المعترف به، كما أن التعرضات على هذا الحق لا تقبل إلا في حدوده،[16] وبالتالي فهذا المقتضى أسقط هذا الشرط.

إن هذا الشرط يربطنا بالنقاش السابق عند الحديث عن إطلاقية الحق في الفصل83 السالف الذكر، وعن طريقة تحصل الحق من إنشاء أو تغيير أو إقرار كما ورد في هذا الفصل، فهذا الشرط يسقط لورود الحق نكرة مطلقة وأيضا لتحديد حالات وجود الحق من إنشاء أو تغيير أو إقرار، وإلا فقد يكون الأسلم فيما يتعلق بمسطرة النشر أن تخول في حق ثابت في مجموع الملك تبعا لهذا الشرط، لأن ذلك ما سيكون أفيد للأطراف وسيجعل مسطرة الخلاصة الإصلاحية أمنع، وخاصة متى كان الحق المنشأ أو المغير أو المقر به يجعل الملك – ولو في حدود الحق- يخرج من يد طالب التحفيظ فحينها فقط يمكن أن يتشجع صاحب الحق المعترف به لسلوك هذه المسطرة دون مسطرة الإيداع.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهمية مسطرة الخلاصة الإصلاحية تبقى في ضمان مركز صاحب الحق وحفظ صفته أمام القضاء، والاستفادة مبدئيا من فوات تبعات عبء الإثبات قبالة المتعرض، أما فيما يتعلق بالحلول محل طالب التحفيظ فذلك مما يمكن تلافيه متى تبث الحق بعد تأسيس الرسم العقاري وذلك عن طريق طلب هذا المالك تغيير اسم العقار المحفظ، وتشترط الموافقة الصريحة لكافة الشركاء المقيدين ضرورية في حالة الشياع، فينشر طلبه بالجريدة الرسمية ويقيد في سجل الإيداع بعد انصرام خمسة عشر يوما من تاريخ هذا النشر ويضمن الاسم الجديد بالرسم العقاري وبنظيره ويشار إليه لاحقا في التقييدات والوثائق.[17]

إن الحديث عن الحالات التي حددها المشرع في هذا الفصل لإمكان إجراء مسطرة النشر يخلق أيضا إشكالا، يتعلق بالأساس بطبيعة الحقوق المحمية بواسطة هذه المسطرة ففي الغالب لا يكون الحق المراد نشره وإنشاء خلاصة إصلاحية له منشأ، وقد يحصل أن ينشأ حق خلال مسطرة التحفيظ، لكن هذا في نظري يجعل نشوء الحق محصورا في حالات قليلة، كما أن التغيير تتعدد صوره والإقرار يكون مرده في الغالب إلى حكم القضاء بثبوت حق أو بنتيجة ملف المحافظة في المرحلة القضائية.

لكن المثير هو أن التعبيرات الواردة في هذا الفصل، من إنشاء أو إقرار أو تغيير؛ لا نجد بينها ما يدل على انتقال الملك بالتفويت، وقد ذهب بعض الفقه إلى إدخال التفويت في حالة التغيير الوارد في الفصل 83،[18] لكن هذا لا يستقيم وإن كان هذا التفويت أو البيع سينتج عنه تغيير المالك ، فيبقى التغيير في نظري هو نتيجة للتفويت والتعبير الأصح هو التعبير بالانتقال كما هو ديدن المشرع في نصوص أخرى، فقد عبر المشرع عن هذا في أساس توثيق التصرفات العقارية في المادة 4 من مدونة الحقوق العينية فنص على أنه '' يجب أن تحرر- تحت طائلة البطلان - جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها''، فهذه المادة التي هي بمثابة القاعدة العامة في توثيق التصرفات العقارية قد عبرت بمصطلح النقل للدلالة على التفويت إضافة إلى مصطلح الإنشاء، أما مصطلح التغيير كما هو وارد في الفصل السابق فمرادفه هنا في المادة هو مصطلح التعديل، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تباين مصطلحي الإنشاء والتغيير وأن كلاهما لا يعبران عن تفويت الملكية، التي عبر عنها بالنقل أو الانتقال، ويبقى الإقرار القضائي الوارد في الفصل عاما فالقضاء إما أن يقر بحق لم يكن قبلا فنتحدث عن الإنشاء، وإما أن يتعلق الأمر بإقرار بانتقال الحق أو قد يتعلق الأمر بتغيير وتعديل الحق.

 وقد عبر المشرع أيضا بمصطلح النقل في مقتضى آخر وفي نفس الباب الذي ورد فيه الفصل موضوع الدراسة فقد جاء في الفصل 65 الذي يؤسس للتقييد ''...متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عيني عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه...''، فنص المشرع في هذا الفصل أيضا على النقل، تأكيدا لفكرة أن التفويت يعبر عنه بانتقال الملكية، وأضاف المشرع هنا مصطلح التأسيس وهو يأتي مرادفا للإنشاء الوارد في الفصل 83، ولكن هذا المصطلح الأخير قد ذكره المشرع في الفصل الأول من ظهير التحفيظ العقاري المعدل بموجب القانون 14.07، إضافة إلى النقل والتغيير والإسقاط، فنص في فقرته الأخيرة على أن '' تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك، في الرسم العقاري المؤسس له.''.

فعلى غرار الفصل 65 تحدث الفصل الأول أيضا عن التأسيس والنقل والتغيير والإقرار والإسقاط، فجمعها هنا دليل على اختلافها ونفس الشيء بالنسبة لما جاء في الفصل 67 '' إن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية، الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه''.

وعليه فلا يمكن أن نجعل أحد المصطلحات الواردة في الفصل 83 من إنشاء أو تغيير أو إسقاط مرادفا للتفويت ما دام أن التفويت عبارة عن نقل للملكية والمشرع  في نصوص كثيرة ميز بينها كما ذكرنا، فالتأسيس مرادف للإنشاء، وفي التغيير تعديل، لكن البيع  أو التفويت عموما لا يعبر عنه إلا بالنقل، فينبغي إذا على المشرع إعادة النظر في هذه المصطلحات، وإضافة عبارة النقل أو الانتقال إلى الفصل المذكور، وأيضا توحيد المصطلحات وليس تارة يعبر بالإنشاء وتارة بالتأسيس ونفس الأمر بخصوص التعديل والتغيير.

فيكون في نظري تعديل هذا الفصل ضروريا وذلك بتقييد عبارة ''الحق'' وإضافة عبارة انتقال الملك إلى حالات مسطرة النشر ليتلاءم مع النصوص الأخرى، فيقيد بذلك الحق المراد حمايته من أثر التطهير بواسطة هذه المسطرة، ويقيد الأجل تبعا له فينتهي بإحالة الملف على المحكمة أما ما وجد من حقوق بعد الإحالة على المحكمة فيسلك فيه الإيداع، ويبقى التخيير بين المسطرتين -كما هو معمول به- قبل إحالة الملف على المحكمة انسجاما مع الفصل، وينتهي خيار مسطرة النشر بالإحالة وتستمر الإيداعات طبقا للفصل 84 إلى نهاية المسطرة.

 وإن كانت عبارة الإقرار في الفصل 83 قد تحول دون هذا القول متى كان الإقرار بالحق هو نتيجة الفصل القضائي في التعرضات، فإن المشرع أدخل هذا في الفصل 83 دون الفصل 84 فجعل مسطرة النشر هي التي تطبق في حالة الإقرار بالحق على مستوى القضاء، وبالتالي لم يفتح المجال في هذا لمسطرة الإيداع.

 وهذا مشكل في حد ذاته، فبيد أن الملف قد اجتاز مرحلة القضاء، وحكمت المحكمة لصالح المتعرض وأقرت بحق خلال هذه المسطرة، ربما سيكون الأسلم أن تسلك في هذا مسطرة الإيداع ما دام أن الحق المودع قد عرف منتهاه بعد انتهاء المرحلة القضائية، ما دام أن مسطرة الخلاصة الإصلاحية لها خصوصيتها المتمثلة في إعادة النشر وفتح أجل التعرضات ضد الحق المعترف به حسب الفصل 83،[19] مع ما يستصحبه ذلك من إطالة المسطرة بلا داع، خصوصا إذا تعلق الأمر بحق ناتج عن الإقرار بتعرض جزئي أو حق عيني لا يشمل كافة الملك موضوع النزاع، أو حق من الحقوق الأخرى غير حق الملكية، فهذه الحقوق لن تؤثر في مطلب التحفيظ وستنتهي في غالبها إلى تقييدات بالرسم العقاري، مما يجعل إخضاعها لمقتضيات هذا الفصل دون ميز أو تفصيل أو على الأقل فتح الخيار بين المسطرتين في مسألة الإقرار القضائي يخلق مشكلا يجب تجاوزه، ما دام أن تعبير الفصل منذ بدايته يوحي بالمكنة ووجود الخيار بنص المشرع على أنه ''  يمكن لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو الإقرار به'' وأيضا قوله '' أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية'' فالذي يستشف من العبارتين أن المشرع يخير صاحب الحق في أن يسلك مسطرة النشر أو غيرها والتي لا يمكن أن تكون غير مسطرة الإيداع، وأيضا تعبيره ب '' أن يطلب'' يؤكد الخيار، لكن المشرع لم يستثن الحقوق المعترف بها والمقر بوجودها عقب المحاكمة من هذا التعبير الذي يوحي بالتخيير.

فكان على المشرع أن يرفع هذا الغموض بالتنصيص على ثبوت الخيار من عدمه بالنسبة للحق الناشئ أو المغير أو المقر به، بجعل الإقرار بالحق ضمن حالات الفصل 84، فيفتح فيه المجال لإتباع مسطرة إيداعه طبقا لمقتضيات هذا الفصل الأخير، وكذا تمييز حالات الإقرار بين ما إذا كان الحق منصبا على كافة الملك بما يستدعي الخلاصة الإصلاحية وتغيير طالب التحفيظ، وبينما إذا كان الأسلم سلوك مسطرة الإيداع، فيورد المشرع ما يخول سلطة تقديرية للسيد المحافظ لتحديد الإجراء الأسلم، فيترك الخيار في حالة الحق المقر به بين مسطرتي الفصلين 83 و 84، تحت تقدير المحافظ.

أما بخصوص الشرط الثالث المتمثل في أن لا يحال الملف على محكمة التحفيظ، فهو في الأصل لا نجد له أساسا قانونيا في الفصل 83 وإنما أخد باعتبار المنطق، إذ لا يتصور أن يتم سلوك أي من المسطرتين سواء تعلق الأمر بالخلاصة الإصلاحية أو الإيداع، والحال أن الملف قد أحيل على المحكمة بوثائقه الأصلية، فالمعمول به هو الاعتذار عن الطلب ولو اقتضى الأمر بيانا كتابيا برفض إيداع العقد لعلة توجه الملف بوثائقه إلى المحكمة ولكون النزاع لا زال رائجا أمام قضاء التحفيظ ولما يحسم بعد.

 ولو أخذ بهذا الشرط الذي حدده الفقه انطلاقا من المنطق والمعمول به على مستوى وكالات المحافظة العقارية فهو أيضا يطرح إشكالا، ويتمثل بالأساس في انعدام الأساس القانوني الذي يخول للمحكمة إحالة الملف على المحافظ قصد نشر خلاصة إصلاحية، واستعادة الملف للبث فيه من جديد،[20] وإذا قارنا بين هذا الشرط وما جاء في الفصل موضوع الدراسة، الذي يتحدث عن الحق المقر به وكذا ما جاء في الفصل 37 في فقرته الأخيرة حيث نص المشرع على أنه '' يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بالإعلان عن الحقوق المحكوم بها، وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها في الفصل 83''.

والسؤال المطروح هو كيف يمكن التوفيق بين هذا الشرط وبين المقتضى السالف؟ أو بتعبير أدق كيف يمكن الجمع بين عدم إمكان ممارسة مسطرة النشر والملف قد وجه إلى محكمة التحفيظ وبين جعل المشرع من هذه المسطرة الآلية الوحيدة لإشهار الحقوق المعترف بها والمقر بها من قبل محكمة التحفيظ؟

لا شك أن التفسير الوحيد للتوفيق بين الأمرين هو القول بأن الخيار في سلوك إحدى المسطرتين أي مسطرة النشر أو الإيداع عموما، أو بالأحرى سلوك مسطرة النشر لا ينتهي كليا بإحالة الملف على القضاء بل إنه يصبح بإمكان صاحب الحق حصرا في الإقرار القضائي أن يشهر حقه بواسطة مسطرة الفصل 83.

لكن هذا الاحتمال أيضا فيه نظر فكما تقدم عند الحديث عن عبارة ''المقر به'' في علاقته بطبيعة مسطرة النشر التي تنشر فيها القضية من جديد ويفتح فيها أجل للتعرضات، وإن كان المعمول به على مستوى المحافظات هو فتح أجل الشهرين للتعرضات المنصبة على حدود الحق كما ورد في الفصل 83، فمثلا لو تعلق الأمر بحق مشاع مع مطلب التحفيظ السابق والذي بث فيه القضاء وحكم لصالح المتعرض فإن كل تعرض من هذا القبيل يرفض لأنه تعلق بالحق السابق والذي حسم فيه القضاء لكنه يقبل التعرض الذي يعين الحق المعترف به موضوعا له، ففي هذه التعرضات يتم تحري الكثير من الدقة في دراستها على عكس التعرض على المسطرة العادية.

والإشكال الذي نعالجه هنا هو إرجاع ملف قضية عرضت على المحكمة إليها مرة أخرى للبث فيها من جديد وذلك بعد مرور أجل شهرين، في حال أنها قد حكمت بصحة التعرض، والأولى أن يباشر بالتحفيظ بعد حكم المحكمة، دون إطالة المسطرة لما قد يكون بلا داع في الغالب، وسيجعل مسطرة التحفيظ تدور في سلسلة بين الفصل القضائي في الملف والإقرار به، وبين نشر خلاصة إصلاحية تغير طالب التحفيظ وتضع مكانه صاحب الحق وينشر في الجريدة الرسمية وبطرق النشر الأخرى[21] فيفتح أجل التعرضات، وفي حال وجود تعرض جديد يتم إحالة الملف مرة أخرى على المحكمة وهكذا، ندور في نفس الدوامة.

 في حين أنه يمكن تجاوز كل هذا، بخلق مسطرة خاصة بهذا الإقرار القضائي، تستثني الحق الذي أقره القضاء من إجراءات الخلاصة الإصلاحية، وتجعل من صاحب الحق المقر به طالبا للتحفيظ دون هذه التعقيدات خصوصا أمام سعي المشرع في جل نصوص هذا القانون إلى تسريع وتيرة التحفيظ وإقرار مبادئ -خاصة مبدأ التطهير- لهذه الغاية وخول حق المطالبة بالتعويض في حال التضرر من قرار التحفيظ سواء في هذا القانون أو انطلاقا من القواعد العامة في القوانين الأخرى.

ففي ظل كل هذه المبادئ والضمانات التي وضعت لغاية التسريع من وتيرة التحفيظ وبالمقابل حفظ حقوق المتضررين من آثار التحفيظ، لا نجد هذا كله متلائما مع هذا المقتضى، هذا إذا كان الحق المعترف به منصبا على كافة الملك، والإشكال يكون أكبر في حال كان هذا الحق إقرارا بصحة تعرض جزئي أو حق عيني عدا حق الملكية.

وأيضا نتساءل في هذا الصدد عن مدى توفر الانسجام التشريعي بين هذا المقتضى وما نص عليه الفصل 30 من قانون التحفيظ العقاري الذي جاء فيه '' خلال الثلاثة أشهر الموالية لانصرام أجل التعرض يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بتحفيظ العقار بعد التحقق من إنجاز جميع الإجراءات المقررة في هذا القانون، ومن شرعية الطلب وكفاية الحجج المدلى بها، وعدم وقوع أي تعرض  ''، والسؤال المطروح هو هل ينطبق هذا الفصل على المطلب المنشور عن طريق الخلاصة الإصلاحية، أي لو انتهى أجل التعرضات المفتوح في خضم مسطرة النشر دون تعرض هل يرجع إلى هذا الفصل ويبتدئ أجل الثلاثة أشهر ابتداء من هذا تاريخ نهاية التعرضات الثاني أم الأول المتعلق بالمتقدم الأول بمطلب التحفيظ؟

فما دام أن المشرع لم يحل في الفصل 83 ولم يشر إلى أي مقتضى من هذا القبيل، فإن الأسلم هو الرجوع إلى عموم الفصل 30، حيث أن المشرع أطلق التعرض وبالتالي فالأجل ينطلق من تاريخ نهاية أجل التعرضات سواء العادية أو التعرض الاستثنائي إن وجد، وكذلك الشأن بخصوص التعرض في إطار مسطرة الخلاصة الإصلاحية، وقد تثار أيضا مسألة التعرض الاستثنائي في هذه المسطرة، لكنها مستبعدة ما دام أن الفصل قد حدد أجل شهرين للتعرض دون أن يحيل على الفصل 29 المتعلق بالتعرض الاستثنائي.[22]

الفقرة الثانية: مسطرة الإيداع؛ قراءة في صياغة الفصل 84 من ظ.ت.ع.

إضافة إلى مسطرة النشر أو الخلاصة الإصلاحية يخول القانون لمن نشأَ حقٌ خاص به خلال سريان مسطرة التحفيظ أن يحفظ حقه عن طريق إيداعه طبقا لمقتضيات الفصل 84 الذي جاء فيه '' إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه، من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك. ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات.

يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك.''

ويعتبر هذا الفصل هو الأساس القانوني لمسطرة الإيداع والتي يمكن تعريفها بأنها '' أداة قانونية تمكن مكتسب حق خاضع للإشهار بالرسوم العقارية، من حماية حقه من أثر التطهير، وذلك خلال سريان مسطرة التحفيظ، وتحفظ رتبته كتقييد بعد تأسيس الرسم العقاري''.

ويعتبر الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري الإطار القانوني لهذه المسطرة وهو الذي سننطلق منه للحديث عن ما يكتنف صياغته من غموض (أولا) ثم ندلف إلى ما يتعلق بالتعرض عليه في قراءة لصياغة البند الأخير من الفصل 24 ق.ت.ع (ثانيا)

أولا: قراءة في صياغة الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري.

 فالمقرر في النص أعلاه بخصوص الإيداع أنه إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه، من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك، ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات ونص كذلك على أن الحق المذكور يقيد عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك.

وقد طرح هذا الفصل مجموعة من الإشكالات سواء ما كان نتيجة لغموضه والنقص الذي يعتريه أو في علاقته بفصول أخرى من هذا القانون وغيره كما هو الشأن بالنسبة لعلاقته مع الفصل 65 وقبله الفصل 24 الذي يؤسس للتعرض على الإيداع، وأول ما يمكن الوقوف عنده في الفصل المذكور هو بدايته ارتباطا مع الفصل 83 الذي سبقه، وأيضا في علاقة مع الفصل 65 من نفس القانون والمحدد للحقوق القابلة للتقييد كما تقدم، فقد نص المشرع فيه على أنه '' إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار...''.

فإذا كان الفصل 83 قد فتح المجال لسلوك مسطرة الخلاصة الإصلاحية في حالة نشوء الحق أو تغييره أو الإقرار به، فإنه وعلى خلاف ذلك فإن الفصل 84 استغنى عن حالتي التغيير والإقرار بالحق وأبقى على حالة نشوء الحق ليتكرر معنا النقاش المتقدم في الفصل السابق.

ولا غرو في كون التغيير للحق والإقرار القضائي خاصا بمسطرة الخلاصة الإصلاحية، لكن التعبير بالإنشاء لا يتلاءم في نظري مع قصد المشرع منه، بالانطلاق من حمولته اللغوية وأيضا ارتباطا بما ذكر في الفصل السابق، فأغلب ما يتم إيداعه بواسطة هذه المسطرة، هو الحقوق التي انتقلت خلال مرحلة التحفيظ، وهي المقصودة من الفصل إضافة إلى ما نشأ وتأسس خلال فترة التحفيظ.

فالمشرع بتعبيره هذا '' إذا نشأ '' يكون قد ضيق دائرة الحقوق المودعة، وهذا خلاف قصده، فهو لا يريد استثناء الحقوق المنتقلة من إمكانية إيداعها طبقا للفصل 84، بل إنها تأخذ الحيز الكبير من بين مجمل الحقوق التي يمكن إيداعها ومن بينها الحقوق التي تم تأسيسها خلال فترة التحفيظ، وهذه الأخيرة هي التي تتلاءم مع التعبير الذي أورده المشرع في هذا الفصل وهو الإنشاء.

فلا شك عندنا في وجود فرق بين مصطلحي النقل أو الانتقال والذي يراد به تفويت الحق سواء كان ذلك بعوض أو بغيره، وبين نشوء الحق بداية والذي يراد به التأسيس، خصوصا وأن المشرع في نصوص أخرى جمع التعبيرات على نحو يفيد المغايرة كما هو الشأن بالنسبة للفصل الأول والفصل 65 والفصل 67 من قانون التحفيظ العقاري كما تقدم، وأيضا المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، والتي يمكن حصرها في النقل أو الانتقال والتأسيس أو الإنشاء والتعديل أو التغيير والإقرار ثم الإسقاط.

أما عبارة الإنشاء فقد وردت في المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية مع النقل فنص المشرع على أنه ''يجب أن تحرر- تحت طائلة البطلان - جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها''، لكنها لم ترد في قانون التحفيظ العقاري، إلا في الفصلين 83 و84 كما تقدم، وقد وردت أيضا هذه العبارة في فصول التقييد الاحتياطي، فنص المشرع على أنه ''...ولا يمكن خلال هذه المدة قبول أي تقييد آخر لحق يقتضي إنشاؤه موافقة الأطراف''،[23] والذي يهمنا من هذا الفصل هو مصطلح الإنشاء، فقد ورد في هذا الفصل متعلقا بالتقييد الاحتياطي،وقد وردت أيضا هذه العبارة في الفقرة الأولى من الفصل 89 من نفس القانون  '' إذا كان الطلب يتعلق بحق يقتضي إنشاؤه موافقة المالك...''.

 أما بخصوص مدونة الحقوق العينية فقد وردت أيضا في سياقها لتتلاءم مع قصد المشرع، فأحسن المشرع إيرادها في هذه المادة  دون غيرها، فنص على أنه لا يجوز إنشاء حق عيني يضاف إلى ما هو محصور في المادتين 9 و10 فجاء فيها '' لا يجوز إنشاء أي حق عيني آخر إلا بقانون.[24]

 فهذه المادة هي التي لاءمت بين الحمولة اللغوية لعبارة الإنشاء، وبين مقصود المشرع الذي هو نفي إمكانية إحداث أو تأسيس أو إضافة أي حق عيني آخر إلى دائرة الحقوق العينية التي حددها المشرع في المواد 9 و10 من مدونة الحقوق العينية،[25] وهذا التوظيف للمصطلح بما يعنيه لغة، إن دل على شيء فإنما يدل على تعميم حمولته اللغوية في أي نص وظف فيه، ولكن المشرع قد وظفه في جميع المواضع المذكورة في قانون التحفيظ العقاري بالخصوص؛ توظيفا غير سليم في نظري، إلا في هذا السياق الذي وظف توظيفا سليما.

وفي مدونة الحقوق العينية ورد هذا المصطلح أيضا في باب الرهون، إضافة إلى العنونة للفصل الثاني منه بإنشاء الرهن الرسمي تحدث المشرع في الرهن الاتفاقي عن الحالات التي تقدمت معنا واستثناها من مقتضيات المادة الرابعة من المدونة فنص على أنه '' لا تسري أحكام المادة 4 أعلاه على إنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط الرهن...''[26]  فعدد المشرع كما في المادة الرابعة حالات حصول الحق وفصل بين النقل والإنشاء.

والحاصل أن المشرع في الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، قد حاول إخراج الحالات الأخرى التي يكتسب بها الحق على خلاف ما ورد في الفصل قبله، فجعل مسطرة الإيداع قاصرة على الحق المنشأ خلال فترة التحفيظ، ولما أردف المشرع أن مسطرة الإيداع تسلك، متى تعلق الأمر بحق خاضع للإشهار، أفرز نوعا من عدم الانسجام بين الحمولة اللغوية للإنشاء وبين طبيعة الحقوق الخاضعة للإشهار والتي يتم إيداعها طبقا لهذه المسطرة، فهي كما قلنا لا تقتصر على ما تم إنشاءه بل يدخل في نطاق تطبيق هذه المسطرة كل حق انتقل من طالب التحفيظ إلى المودع، وما أقره طالب التحفيظ أو تنازل عنه، وهذا خارج عن منطوق ما ذكره المشرع، لكنه موافق لقصده، إلا أن العبارة المستعملة ليست سليمة مما يتعين معه إعادة النظر فيها وتعديلها.

ارتباطا بما سبق لابد من الوقوف عند تحديد المشرع لنطاق ممارسة هذه في الحقوق الخاضعة للإشهار، وقد أحسن المشرع صنعا في هذا التحديد خلافا لما هو الأمر في مسطرة الخلاصة الإصلاحية، لكن هذا التحديد الناتج عن الإحالة على الحقوق الخاضعة للإشهار، لا يزال يكتنفه الغموض ويفتقر إلى الدقة ومزيد من التحديد، وهذه الحقوق الواردة في الفصل 65 من هذا القانون حددها المشرع في: '' جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض، وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري، وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به، متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عيني عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، وكذا جميع عقود أكرية العقارات لمدة تفوق ثلاث سنوات، وكل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة غير مستحقة الأداء أو الإبراء منه''.

إن هذه الحقوق في مجموعها لا يمكن الجزم بكونها كلها قابلة للإيداع طبقا لهذا الفصل 84، فإذا استثنينا الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء وكذا المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري، فإن كل ما بقي فيه نظر، فمعلوم أن الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به قد جعل المشرع إشهارها طبقا للشروط والإجراءات المنصوص عليها في الفصل 83 من هذا القانون، أي بواسطة مسطرة النشر والخلاصة الإصلاحية وذلك حسب الفصل 37 من قانون التحفيظ العقاري[27].

 كما أن إمكانية خضوع الحقوق الشخصية الواردة في الفصل 65 للتقييد وهي كما ذكرنا الكراء لمدة تفوق ثلاث سنوات والحوالة والإبراء، لا يعني بالضرورة إمكانية إيداعها طبقا للفصل 84، لأنها بطبيعتها عبارة عن حقوق شخصية ولا تدخل ضمن الحقوق التي نص عليها المشرع والتي يطالها التطهير أو بالأحرى ليست لها تلك الأهمية التي للحقوق العينية والتي تحتاج إلى الحماية عن طريق إيداعها وحفظ رتبتها بين التقييدات، وذلك انطلاقا من  الفصل الأول والفصل 62 من قانون التحفيظ العقاري، اللذان يتحدثان عن الحقوق العينية والتحملات العقارية كما تقدم معنا [28].

وتأسيسا على ما سبق يمكن التأكيد على حسن توجه المشرع في هذه الإحالة الضمنية على الحقوق الخاضعة للإشهار والتي حددها الفصل 65 وأيضا بعض النصوص الأخرى في قوانين خاصة،[29] وهذا على عكس ما هو منصوص عليه في الفصل السابق المتعلق بمسطرة النشر، لكن رغم ذلك فهذه الإحالة لم ترفع غموض النص أمام عمومها وإطلاقية الحق رغم قيد الإحالة وفي علاقة طبيعة المسطرة مع الحقوق الخاضعة للإشهار، إلا أنها تحتاج إلى مزيد من الدقة سواء في التنصيص على الإحالة  صراحة وأيضا تقييدها بالحقوق التي يمكن إيداعها طبقا لهذا الفصل، فليس يكفي أن يرفع الغموض عن نص بالإحالة على نص آخر هو الآخر يفتقر إلى الدقة.  

ثانيا: التعرض على مسطرة الإيداع.

إن من بين الإشكاليات التي ترتبط بمسطرة الإيداع، تتعلق بالتعرض على هذه المسطرة وذلك ارتباطا بالفصل 24 من قانون التحفيظ العقاري في فقرته الأخيرة، ما دام إجراء إيداع على إيداع يتعذر قرر المشرع هذه المسطرة التي هي التعرض على الإيداع [30].

نص المشرع في الفصل 24 من قانون التحفيظ العقاري على أنه  '' يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ خلال أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية إن لم يكن قام بذلك من قبل وذلك:

... 3- في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون.

فالمشرع لم يكتفي بالتعرض العادي والاستثنائي، والتعرض على مسطرة النشر في الفصل 83  فوسع في هذا الفصل نطاق التعرض ليشمل التعرض على الإيداع أيضا، وفي توجه المشرع هذا نستشف مجموعة من الإشكالات، أمام غموض النص التشريعي وأيضا وجود نقص تشريعي في المقتضيات الخاصة بالتعرض على الإيداع، تستوجب – لتجاوز الخلل التشريعي ووضع حد للإشكالات التي أفرزها- إعادة النظر فيها وإضفاء تعديل إما على الفصل 84 المنظم لمسطرة الإيداع عموما، أو الفقرة الأخيرة من الفصل 24 المنظمة لهذا المقتضى المتعلق بالتعرض على الإيداع.

إن أول إشكال يرتبط بهذه المسألة، يتعلق بالجدوى من إقرار هذا النوع من التعرض أساسا، فنظرا لطبيعة مسطرة الإيداع وأيضا بالانطلاق من مآل الحقوق المودعة بواسطتها، وأيضا إيراد المشرع لها في باب التقييدات، فإن هذا كله يجعلنا ننظر إلى الحق المودع كتقييد ونكيفه تكييف التقييد، لكن بالمقابل تضمين المشرع للإيداعات بسجل التعرضات وفتح الباب للتعرض عليها في إطار الفصل 24 من قانون التحفيظ العقاري، يجعل النقاش مفتوحا في التكييف القانوني لهذا الإيداع وبالتالي مدى نجاعة فتح باب التعرض عليه.

فالمشكل الحقيقي مرتبط بالغموض في التكييف القانوني لمسطرة الإيداع، فإذا انطلقنا من قاعدة اعتبار المآل فإن الحقوق المودعة عبارة عن تقييدات، وبالتالي خضوعها لأحكام التقييدات والتي من أبرزها التزام مبدأ تسلسل التقييدات، والفصل بين التقيدات المتعارضة محسوم بالأخذ بالأسبق تاريخا من حيث التقييد ولا يعتد بالمتأخر في التقييد وإن تقدم اكتساب الحق وبصرف النظر عن طريق اكتسابه، وذلك طبقا للفصول 1 و 62 و 63 و66 و67 و77 من قانون التحفيظ العقاري، والتي تؤكد على أن الحق لا يعتد به إلا من تاريخ تقييده بالرسم العقاري، كما لا حجية له في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، وإذا كان الأمر كذلك فإنه بالقياس على مسألة التعرض على الإيداع باعتبار الشبه في نوع المنازعة وأيضا للاعتبارات المذكورة والمتعلقة بتنظيم هذه المسطرة قانونا وبطبيعتها، فإن حال المودع المنازع في حق مودع كحال طالب التقييد المنازع للمقيد عن حسن نية، فيبقى له المطالبة بالتعويض، خصوصا إذا تعلق الأمر بإيداع جاء بعد انتهاء أجل التعرضات.

أما بالمقابل إذا انطلقنا من كون محل الإيداع هو سجل التعرضات وكيفنا الإيداع على أنه تعرض خلال مرحلة التحفيظ، فيجتمع لدينا تعرضان، تعرض على تعرض وهو أمر مستبعد، لكن هذا الأمر شبيه نوعا ما بالتعرض المتبادل مع اختلاف في الطبيعة، فالأول يجمع بين تعرضين في مقابلة بعضهما والثاني يتعلق بمطلبين قدما لنفس العقار.

 وهذا التكييف مستبعد، فقد تقدم معنا أن التعرض هو ادعاء لوجود حق لم يقر المتقدم بمطلب التحفيظ به، أما الإيداع فهو طلب إدراج حق ثابت وغالبا ما يكون نتيجة ما أقر به صاحب الملك، وذلك لحفظ رتبته بعد انتهاء المسطرة وتأسيس الرسم العقاري، ويبقى الجامع بين المسطرتين هو الهدف الكامن في السعي إلى حماية الحق من آثار التحفيظ، وأيضا السجل الذي يودع فيه كل منهما وهو سجل التعرضات.

ولا شك أن الحقوق المودعة عن طريق مسطرة الإيداع، ينظر إليها في الغالب باعتبار مآلها، فتأخذ حكم التقييدات، نظرا لأن المشرع عالجها في باب التقييدات، لكن المشرع حين فتح المجال للتعرض على الإيداع خلق نوعا من اللبس في تكييف هذه المسطرة، رغم ما لها من خصوصية، فكان حريا بالمشرع لو أفرد أحكامها وبين كل ما يتعلق بها في الفصل 84 ولو اقتضى الحال إضافة فصل أو فصول مكررة لهذه المسطرتين (النشر والإيداع).

 لقد ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن هذه المسطرة المتعلقة بالتعرض على الإيداع لا يمكن اعتبارها ضرورة تشريعية ملحة ما دام بإمكان المنازع في الإيداع أن يودع دعواه بوصفها دعوى عينية في المطلب طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، انطلاقا من اعتبار الدعاوى العقارية حقوقا قابلة للإشهار، واعتبر هذا التوجه المقتضى المتعلق بالتعرض على الإيداع بمثابة نص ولد ميتا، فمسطرة التعرض على الإيداع لا تمنع من المنازعة في دعوى الإيداع أمام القضاء فهذه المكنة تبقى مفتوحة حتى بعد حفظ رتبة الحق بعد تأسيس الرسم العقاري.[31]

وهذا ما دفع البعض إلى القول بأن المنازعة في الإيداع لا تحتم على المحافظ تعليق اتخاذ قرار التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري بالحسم في النزاع المتعلق بالتعرض على الإيداع، بل يجب عليه اتخاذ قرار التحفيظ متى انتهت مرحلة التعرضات بعدم وجودها أو بالبث فيها، وما دامت إجراءات التحفيظ قد تم احترامها، مع مراعاة الاستقلالية بين مسطرة التحفيظ من جهة، وبين مسطرة المنازعة في الإيداع من جهة أخرى، فيبقى حق المودع -تبعا لهذا التوجه- معلقا ولا يقيد في رتبته فيبقى هو والتعرض على صفتهما إلى حين التشطيب على أحدهما بعد بث القضاء أو يحول التعرض على الإيداع إلى تقييد احتياطي مؤسس على مقال الدعوى إلى حين انتهاء النزاع [32].

 لكن هناك موقف آخر لا يخرج عن نطاق المعلوم من مؤسسة التعرض، وبالتالي لا يميز هذا التعرض على مسطرة الإيداع على التعرض العادي، فيبقي اتخاذ قرار التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري معلقا، ولا يجوز للمحافظ حسب هذا التوجه أن يتخذ قرار التحفيظ ما دامت المنازعة في الإيداع لم تنته بعد، وبذلك فإن التعرض على الإيداع يمنع تأسيس الرسم العقاري كما هو حال كل تعرض إذ لا يتصور تقييد التعرض على الإيداع في الرسم العقاري.[33]

إن سكوت المشرع عن تنظيم هذه المسطرة سواء في الفصل 24 الذي أصل فيه للتعرض على الإيداع دون تعليق بقيد أو شرط أو في الفصل 84 الذي هو أصل مسطرة الإيداع والذي يفتقر إلى الكثير من الدقة ووضوح الصياغة، هو الذي أفرز لنا نقاشا واسعا يتعلق بمختلف المسائل المرتبطة بهذه المسطرة.

وقد شكل أجل التعرض وجها من أوجه الصياغة المعيبة لهذا المقتضى المتعلق بمسطرة التعرض على الإيداع، فإذا كان المشرع قد أخضع هذا المقتضى لأحكام الفصل 24 ولآجاله فإن الإشكال لا يزال قائما، بل إن تنظيمه في هذا الفصل هو عين المشكل، فلو تركه المشرع مفتوحا ومستقلا، لأمكن البحث عن تفسير، لأن البون شاسع بين نطاق المسطرتين فمسطرة التعرض تنتهي بالحسم في التعرضات، لكن مجال مسطرة الإيداع واسع ويبدأ منذ أولى إجراءات التحفيظ إلى غاية تأسيس الرسم العقاري.

 كما إنه لا يتصور الحديث عن الإيداع في فترة التعرضات وقبل البث فيها، فيستبعد أن يعمد شخص إلى ترتيب حق على عقار عليه تعرضات، وحتى لو تم ذلك فإنه يسلك مسطرة النشر، وهذا هو المعمول به حتى على مستوى أغلب المحافظات فلا يترك الخيار لصاحب الحق في إيداعه طبقا للفصل 84، متى كان بإمكانه سلوك مسطرة الخلاصة الإصلاحية.

وأول ما يثار هنا هو أجل التعرض العادي، فلا يختلف اثنان في أن ورود مقتضى التعرض في الفصل 24 يعني خضوعه لأجل الشهرين الوارد فيه، فنتساءل بالتالي عن نطاق هذين الشهرين ضمن النطاق المخصص لمسطرة الإيداع.

فأجل الشهرين المتعلق بالتعرضات العادية معلوم نطاقه، فيبتدئ من تاريخ الإعلان عن التحديد النهائي، بينما مكنة الإيداع مفتوحة طيلة مراحل التحفيظ، فلا يمكن الجمع بين المقتضيين، المتعلقين بالتعرض العادي والتعرض على الإيداع في أجل موحد إلا إذا ورد الإيداع متزامنا مع نشر الإعلان النهائي عن التحديد بالجريدة الرسمية، فيفتح أجل التعرضات على المسطرة العادية مع التعرض على الإيداع المدرج في الوقت ذاته، فيكون لهذا المقتضى التشريعي معنى، ارتباطا مع طبيعة مسطرة التحفيظ وآجالها، خصوصا آجال التعرض التي اعتبرها أغلب الباحثين من النظام العام،[34] ما دام أن إيداع الحقوق لا يرتبط بأجل التعرض المحدد بل يمكن لكل شخص اكتسب حقا من الحقوق أن يطلب إيداعه منذ إيداع مطلب للتحفيظ بالمحافظة العقارية إلى حين تحفيظ العقار وتأسيس رسم عقاري له [35].

والسؤال المطروح بناء على ما سبق يتعلق بالتعرض على الحقوق المودعة طيلة مسطرة التحفيظ فيما عدى ما جاء داخل أجل التعرضات، وقد أفرز لنا هذا الإشكال توجهين فقهيين:

اتجاه أول؛ يرى أن أجل الشهرين يرافق مسطرة الإيداع إلى نهاية أمدها بتأسيس الرسم العقاري، فهذا التوجه يسير وفق منطوق الفقرة الأخيرة من الفصل 24 وكذا الفصل 84 موضوع الدراسة ولا يحيد عنه، فهو بذلك يحاول التوفيق بين المقتضيات مهملا أن الأجل في الفصل 24 متعلق بنشر الإعلان عن التحديد بالجريدة الرسمية، ولا يتلاءم مع طبيعة مسطرة الإيداع، حيث يمكن إيداع الحقوق إلى حين صدور قرار التحفيظ، وما دام الحق في التعرض لا ينشأ إلا بعد إيداع الحق فيبقى الحق في التعرض عليها متى تم إيداعها [36].

اتجاه ثان؛ يرى بأن التعرض على الإيداع مرتبط بسياقه، فقد ورد في الفصل 24 وبالتالي فهو مرتبط بكل تفاصيله فلا يخرج عن الأجل المحدد فيه والمبتدأ من تاريخ نشر الإعلان عن التحديد بالجريدة الرسمية، وإلا فبفتح الباب للتعرض كلما وجد إيداع دون احترام للأجل المنصوص عليه ومراعاة نطاقه، لن يتأسس الرسم العقاري قط، فتبقى المسطرة دائرة في حلقة مفرغة، وكلما اقتربنا من تأسيس الرسم العقاري، يحصل إيداع حق فيفتح مجال للتعرض عليه وإذا حصل تعرض يحال على المحكمة فلا يتأسس الرسم لهذا، خصوصا وأن المودع لم يعطه المشرع لا صفة طالب التحفيظ ولا المتعرض.[37]  

لكن المنطق يقتضي أن يكون التعرض دائرا مع الإيداع وجودا وعدما، وما دام أن المشرع قد سمح بالإيداع بعد فوات أجل التعرض، فإن التعرض عليه يبقى كذلك، ويقبل كلما وجد إيداع طيلة فترة التحفيظ، فتعلقه بالإيداع وليس بالإشهار والنشر في الجريدة الرسمية ولا علاقة له بالتحديد والإعلان عنه.

وتبعا لهذا يرى أحد الباحثين أنه وفي ظل غياب تحديد تشريعي يحدد أجلا للإيداع طبقا للفصل 84، فإنه يتعين كلما تعلق الأمر بتعرض على حق مودع أن يتم إحالة هذا الإيداع وحده والتعرض عليه على المحكمة دون إحالة جميع وثائق مسطرة التحفيظ والإيداعات الأخرى التي لا علاقة لها بالإيداع موضوع التعرض قبل انتهاء أجل التعرض أو بعده [38].

أما فيما يخص التعرض الاستثنائي فإنه لا يوجد ما يدل على خضوع الإيداع لإمكان التعرض الاستثنائي بعد فوات الشهرين المخصصين للتعرض العادي، فالفصل 29 صريح في تعلق مقتضاه بمطلب التحفيظ والتعرض عليه وليس فيه ما يدل على ربطه بحالات التعرض ومن بينها الحالة الأخيرة المتعلقة بحق أودع طبقا للفصل 84، كما أنه لا يوجد مقتضى يسمح بقبول تعرض على إيداع جاء بعد نهاية أجل التعرض العادي، وذلك بناء على مكنة فتح أجل للتعرض الاستثنائي، لأن التعرض على الإيداع لا يتعلق كما أسلفنا بالمطلب ولا بالتعرض العادي، بل يتعلق بحصول الإيداع فمتى وجد الإيداع أمكن التعرض عليه قبل فوات أجل الشهرين الوارد في الفصل 24، ولا تعلق له بالتعرض الاستثنائي لخصوصية المسطرة.

ولكن تطرح مسألة غياب الانسجام التشريعي لهذا المقتضى في علاقة مع ما جاء في الفصلين 27 و30 من قانون التحفيظ، فالأول ينفي إمكانية قبول أي تعرض باستثناء ماهو منصوص عليه في الفصل 29 من نفس القانون،[39] مما معناه عدم إمكان قبول تعرض غير التعرض الاستثنائي فكيف يمكن التوفيق بين هذا المقتضى وما يتعلق بالتعرض المخول في إطار كل من مسطرتي النشر والإيداع؟

أما النص الثاني فنص على أنه '' خلال الثلاثة أشهر الموالية لانصرام أجل التعرض يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بتحفيظ العقار بعد التحقق من إنجاز جميع الإجراءات المقررة في هذا القانون، ومن شرعية الطلب وكفاية الحجج المدلى بها، وعدم وقوع أي تعرض''[40]  والشاهد هنا هو أن المشرع حدد أجلا للتحفيظ وإن لم يكن على سبيل الإلزام وهو ما لا يتوافق مع ما قلناه من تعلق التعرض على الإيداع بالحقوق المكتسبة طيلة مسطرة التحفيظ، فإطالة المسطرة بالتعرض على الإيداع فيه تغييب لمقتضيات هذا الفصل.

وحتى لو سلمنا بمسألة الأجل، وقبلنا بسلامة المقتضى المتعلق بالتعرض على الإيداع، فإنه يصعب التسليم والقبول أساسا بورود تعرضات على هذه المسطرة، في ظل غياب أي وسيلة لإشهار هذا الحق، وأمام غياب الصفة المطلوبة للمودع للدفع والدفاع، فحتى طلب المودع مثلا الحكم ببطلان إيداع معارض قيد قبله بمطلب التحفيظ والتشطيب عليه منه بسوء نية ، لا أساس له، وذلك لانعدام صفة المودع كمتعرض حتى يمكنه المنازعة في الإيداع المعارض لإيداعه،[41] وهذا ما يجعلنا نؤكد الطرح السابق من أن هذا المقتضى التشريعي ولد ميتا أو بتعبير ووصف أدق يمكن القول أن حال التعرض على الإيداع بالنسبة للحالات الأخرى الواردة في الفصل 24، حال اليتيم فهذا المقتضى ولد يتيما وعاش بين أقران آخرين لا يجمعهم جامع سوى مسمى التعرض.

وما يؤكد هذا ما قلناه من أن أجل ممارسته حدده الفصل24 في شهرين من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية، والحال أن التصرفات على العقار في طور التحفيظ تباشر في حقيقة الأمر بعد انقضاء أجل التعرضات.[42]

  خلاصة القول؛ إن مختلف الإشكالات المرتبطة بهذه المسألة هي ناتجة عن ضعف صياغة المقتضى المرتبط بالتعرض على الإيداع، وهو ما يستوجب إعادة النظر فيه، فتجاوز هذا العيب في صياغة هذا المقتضى متوقف على إما:

-         إلغاء هذا المقتضى أساسا واعتبار الإيداع -تبعا لمآله-بمثابة تقييد يراعى فيه الأسبق في الإيداع متى كان حسن النية، فلا يفتح فيه أجل التعرضات ويبقى التعرض حصرا في ما يرد على مطلب التحفيظ سواء العادي أو الاستثنائي أو في إطار مسطرة النشر حسب الفصل 83، ويبقى الإيداع تبعا لتقدير المحافظ في الحقوق المكتسبة لاحقا على انتهاء أجل التعرض، ومن ادعى حقا في مواجهة المودع ينزل منزلة المقيد ويتم التقاضي على هذا الأساس، وهذا سيساعد تسريع مسطرة التحفيظ، ويحقق غاية المشرع التي هي تسريع وتيرة التحفيظ العقاري.

-         تعديل الفقرة الأخيرة والحالة الأخيرة من حالات التعرض ضمن الفصل 24 من قانون التحفيظ العقاري، وذلك بإيراد أجل يراعي خصوصية مسطرة الإيداع، فلا يعلق بابتداء أجل التعرض العادي المرتبط بنشر الإعلان النهائي عن التحديد بالجريدة الرسمية، فتكون صياغة الفقرة المذكورة على نحو '' 3- في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون؛ على أن يحتسب الأجل أعلاه ابتداء من يوم الإيداع''.

-         تعديل الفصل 84 بحيث يحصر نطاق مسطرة الإيداع بما يتلاءم مع أقصى أجل للتعرضات، ولعل هذا صعب، فحتى وإن كان لا ضير في غل يد طالب التحفيظ عن التصرف في ملكه لأشهر إلى حين اتخاذ قرار التحفيظ إلا أن إيقاف اكتساب الحقوق خلال مرحلة التحفيظ أمر صعب، ويبقى الحل الأمثل هو تعديل الفقرة الأخيرة من الفصل 24.

ويدخل في هذا مراجعة الفصل 84 من ظ.ت.ع والتنصيص على إمكانية إشهار الحقوق المراد إيداعها لتصل للعموم وبالتالي يمكننا الحديث وقتها عن تلقي التعرضات، فلا يتصور التعرض عليها دون إشهارها لضعف فرصة العلم بالإيداع أصلا [43].

إن التعرض على الإيداع لا يصلح أن يكون بندا أو حتى فقرة ضمن فصل من الفصول بل ينبغي أن يخصص لقواعده فصل -أو إذا اقتضى الحال فصولا - كما هو الشأن بالنسبة للتعرض الاستثنائي وأن يكون لصيقا بفصل مسطرة الإيداع نظرا لخصوصيته التي ترتبط بخصوصيتها.   

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع كما أنه خص مسطرة النشر أو الخلاصة الإصلاحية بالإقرار القضائي دون مسطرة الإيداع بموجب الفصل 37 من قانون التحفيظ العقاري كما تقدم، فإنه أيضا خص الحقوق المكتسبة خلال فترة التحفيظ، إذا تعلق الأمر بمسطرة التحفيظ الإجباري، بالخضوع لمسطرة الإيداع دون غيرها فنص في الفصل 51-17 على أنه:'' يجب نشر كل حق تم اكتسابه خلال مسطرة التحفيظ طبقا لمقتضيات الفصل 84 من هذا القانون''.

ولعل غاية المشرع من هذا هو تحصين هذه المسطرة من تعديل المطالب وإعادة النشر في الجريدة الرسمية، وبالتالي إعادة فتح أجل التعرضات، وكل هذا لا يتوافق مع خصوصية هذه المسطرة ومع الغاية التي وضعت من أجلها، لكن ما مآل هذه الغاية أمام الفقرة الأخيرة من الفصل 24  موضوع الدراسة؟ وكيف يمكن التوفيق بين هذه الغاية المتمثلة في تسريع إجراءات التحفيظ الإجباري بعد أجل أربعة أشهر المخولة للتعرض،[44] والمتوخاة من منع نشر الحقوق إلا بواسطة الإيداع طبقا للفصل 84 وبين المقتضى الذي جاء بعد التعديل بالقانون 14.07 والمتعلق بفتح المجال للتعرض على الإيداع؟

 فإذا كانت هذه غاية المشرع ولا يتصور غير ذلك، فإنه لا نرى جدوى من هذا المقتضى الوارد في هذا الفصل ما دام الإيداع سيتم وفقا للفصل 84، والذي خول المشرع إمكانية التعرض عليه ضمن حالات التعرض الواردة في الفصل 24 السالف، ومما يزيد الطين بلة  ما نص عليه المشرع في الفصل 51-18 الذي جاء فيه '' لا يقبل أي تعرض بعد انتهاء الأجل المنصوص عليه في الفصل 51-16 من هذا القانون.'' ففي الأمر تعارض صريح وغياب للانسجام بين هذا الفصل الأخير، في علاقته مع الفصل قبله الذي أوجب في الحقوق المكتسبة أن تسلك فيها مسطرة الإيداع فقط، وبين المقتضى الخاص بالتعرض على الإيداع المذكور، فكان على المشرع إن أراد فعلا تحصين هذه المسطرة من التعرض أن يصرح بذلك، بأن يجعل هذه الحقوق المكتسبة في إطار التحفيظ الإجباري محصنة من التعرض بعد أن يتم إيداعها، وإلا فبإعادة النظر في مقتضى التعرض على الإيداع وهو اللازم كما ذكرنا.

خاتمة:

إنه وعلى امتداد الصفحات السابقة حاولت الإحاطة بمجمل ما يرتبط بمسطرتي النشر والإيداع باختصار وبالتركيز على ما انطلق منه المقال في الاشكال المتقدم، وهو ما يتعلق بإشكاليات مسطرتي النشر والإيداع والتي تمس جانب الصياغة، وظلك بعيدا عن التفريعات والتفصيلات في الجانب النظري الظي يجد محله في البحوث المختلفة التي تناولت الجانب النظري لكل من مسطرتي النشر والإيداع، مع الوقوف على أهم الإشكالات العملية التي تطرحها، وتبقى إضافة هذا البحث المتواضع هو ربط الإشكالات العملية لهذه المساطر بالصياغة المعيبة، وبضعف الصياغة على مستوى الفصلين المؤطرين لهتين المسطرتين، بين التنظيم القانوني المحتشم والتوسع في دائرة التنزيل.

فالإشكال الرئيسي ينطلق من هذه النقطة المرتبطة بحسنة التنظيم، الذي يدل على أهمية واهتمام المشرع بهذه المرحلة الحساسة من مراحل التحفيظ وهي المرحلة المصاحبة لسريان المسطرة قبل البث في قرار التحفيظ، لما قد ينشأ في هذه الفترة من عمليات على العقار في طور التحفيظ، فلا تغل يد طالب التحفيظ عن استعمال أو استغلال أو حتى التصرف في ملكه خلال هذه الفترة، لكن بالمقابل تفتقر هذه المقتضيات إلى مزيد من الدقة، وإلى إعادة النظر في صياغتها إن في مضمون الفصلين 83 و84 نفسه أو في علاقتهما مع مختلف نصوص ظهير التحفيظ كما عدل وتمم بموجب القانون رقم  14.07 خصوصا ما يرتبط بالتعرض على كل من المسطرتين.   

فما دام أن المشرع قد فتح الباب أمام التصرف في الملك خلال مسطرة التحفيظ، وجعل هاتين المسطرتين (النشر والإيداع) كوسيلة لحفظ هذه الحقوق المكتسبة وحمايتها من الأثر التطهيري للتحفيظ، ففي اعتقادي أن كل هذا يمكن تلافيه أيضا بإضافة الحقوق إلى مستثنيات قاعدة التطهير والتنصيص على ذلك، ويفتح المجال للقضاء للبث في ما قد يطالها من نزاعات بعيدا عن قيود مسطرة التحفيظ وخصوصيتها، كما يجب إعادة النظر في هذين الفصلين ومراعاة علاقتها مع النصوص الأخرى المرتبطة بها.

 وارتباطا بمسألة التعرض يمكن التأكيد على نـأنأأن هذا اللبس والغموض في المقتضيات، والناتج عن غياب الانسجام التشريعي بين مقتضيات مسألة واحدة، هو الذي يجعلنا نؤيد الطرح المرتبط بغياب الدقة، والتسرع أحيانا في تشريع النصوص القانونية في تغييب معيب لأهم المقتضيات التي تتعلق بها، ولا شك أن مؤسسة التعرض، لا زالت تحتاج إلى تعديلات دقيقة وإلى تقنين موحد يكون ذا نظرة شمولية تستجمع كل مكامن التعرض في مختلف النصوص مع مراعاة خصوصياتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع:

حدو معسو '' حماية الحقوق الواردة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي النشر والإيداع طبقا للفصلين 83 و 84 من ظهير التحفيظ العقاري'' مطبعة النجاح الجديدة - الدار البيضاء 1439هـ - 2018 م.

حسن فتوخ '' حقوق الارتفاق العقارية في ضوء مدونة الحقوق العينية وقانون التعمير'' مقال نشره بصفحته الرسمية بتاريخ 28/12/2014، تاريخ الإطلاع 17/04/2021.

محمد حمدون رسالة ماستر تحت إشراف محمد شاذي '' حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع'' ، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، القانون الخاص، التوثيق والمنازعات العقارية، 2018/2019.

عمر أزوكار '' آثار انتقال الحقوق أثناء مسطرة التحفيظ'' مقال بمجلة المنبر القانوني العدد الأول 2011.

عمر أزوكار '' التعرض على مسطرة الإيداع الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، أعمال الندوة العلمية : قانون التحفيظ العقاري بين روح ظهير 1913 ومستجدات قانون 14.07، مقال نشر بمجلة المنبر القانوني، 2012.

قرار عدد 2455 صادر بتاريخ 21 شتنبر 2005 في الملف المدني عدد 147/1/3/2004 - مجلة قضاء محكمة النقض عدد 64- 65 ص 101.

القرار عدد 4124 الصادر بتاريخ 4 أكتوبر 2011 في الملف المدني عدد 3901/1/6/2010 منشور بمجلة ملفات عقارية عدد 2.



[1] - يمكن الرجوع للإحاطة بمجمل ما يخص مسطرتي النشر والإيداع إلى كل من: خير الدين الطاوس '' إشهار الحقوق المكتسبة خلال مسطرة التحفيظ وآثارها في ضوء مستجدات القانون 14.07'' دار السلام للطباعة والنشر، الرباط، ط 1 ص2015، و حدو معسو '' حماية الحقوق الواردة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي النشر والإيداع طبقا للفصلين 83 و 84 من ظهير التحفيظ العقاري'' مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء 1439هـ - 2018 م ، توزيع مكتبة الرشاد سطات. 

[2] - ينص الفصل العاشر من ظهير التحفيظ العقاري على أنه: '' لا يجوز تقديم مطلب التحفيظ إلا ممن يأتي ذكرهم:

1- المالك؛

2- الشريك في الملك مع الاحتفاظ بحق الشفعة لشركائه، وذلك عندما تتوفر فيهم الشروط اللازمة للأخذ بها؛

3- المتمتع بأحد الحقوق العينية الآتية: حق الانتفاع، حق السطحية، الكراء الطويل الأمد، الزينة، الهواء والتعلية، والحبس؛

4- المتمتع بارتفاقات عقارية بعد موافقة صاحب الملك.

والكل مع مراعاة المقتضيات المتعلقة بالتحفيظ الإجباري.

[3] - جاء في الفصل 11  '' يجوز للدائن، الذي لم يقبض دينه عند حلول أجله، طلب التحفيظ بناء على قرار قضائي صادر لفائدته بالحجز العقاري ضد مدينه. وينص الفصل 12 على أنه: '' يحق للنائب الشرعي أن يقدم مطلبا للتحفيظ في اسم المحجور أو القاصر حين تكون لهذا المحجور أو القاصر حقوق تسمح له بتقديم الطلب لو لم يكن محجورا أو قاصرا.''

انظر الفصل 10 من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه بموجب القانون 14.07.

[5] - ينص الفصل 12 من قانون التحفيظ العقاري على أنه '' يحق للنائب الشرعي أن يقدم مطلبا للتحفيظ في اسم المحجور أو القاصر حين تكون لهذا المحجور أو القاصر حقوق تسمح له بتقديم الطلب لو لم يكن محجورا أو قاصرا.''

[6] - جاء في المادة 79 من مدونة الحقوق العينية أنه: ''  الانتفاع حق عيني يخول للمنتفع استعمال عقار على ملك الغير واستغلاله، وتنقضي
مدته لزوما بموت المنتفع.'' و تنص المادة 99 على أنه: '' ينقضي حق الانتفاع:  بموت المنتفع؛ بانصرام المدة المحددة للانتفاع ؛بهلاك العقار المنتفع به هلاكا كليا؛بالتنازل عنه صراحة؛
باجتماع صفتي المنتفع ومالك الرقبة في شخص واحد.''

[7] - المادة 64 من القانون 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية.

[8] - حسن فتوخ '' حقوق الارتفاق العقارية في ضوء مدونة الحقوق العينية وقانون التعمير'' مقال نشره بصفحته الرسمية بتاريخ 28/12/2014 ، تاريخ الإطلاع 17/04/2021.

[9] - قرار عدد 2455 صادر بتاريخ 21 شتنبر 2005 في الملف المدني عدد 147/1/3/2004 - مجلة قضاء محكمة النقض عدد 64- 65 ص 101، ذكر في المرجع نفسه.

[10] - القرار عدد 4124 الصادر بتاريخ 4 أكتوبر 2011 في الملف المدني عدد 3901/1/6/2010 منشور بمجلة ملفات عقارية عدد 2، أورده حسن فتوخ

[11] - الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري سيأتي ذكره وهو يحيل على الفصل 65 الذي جاء فيه:  '' يجب أن تشهر بواسطة تقييد في الرسم العقاري، جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض، وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري، وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به، متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عيني عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، وكذا جميع عقود أكرية العقارات لمدة تفوق ثلاث سنوات، وكل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة غير مستحقة الأداء أو الإبراء منه.''

[12] - أنظر محمد حمدون رسالة ماستر تحت إشراف محمد شاذي '' حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع'' ، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، القانون الخاص، التوثيق والمنازعات العقارية، 2018/2019، ص 16 و17.

[13] - عمر أزوكار '' آثار انتقال الحقوق أثناء مسطرة التحفيظ'' مقال بمجلة المنبر القانوني العدد الأول 2011، ص 20 وما بعدها. 

[14] - ينظر أيضا محمد حمدون ، م.س، ص 16 و 17.

[15] - المرجع نفسه، ص 14 وما بعدها، وتنص المادة 4 من م ح ع على أنه ''يجب أن تحرر- تحت طائلة البطلان - جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكالات الخاصة بها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لن ينص قانون خاص على خلاف ذلك.
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.

تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها''.

[16] - جاء في الفقرة الرابعة من الفصل 83 '' إذا كان الإعلان عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب أن يعاد نشره من جديد ليفتح أجل شهرين للتعرض، يبتدئ من تاريخ الإعلان عن الحق المنشأ أو المغير أو المقر به. وفي هذه الحالة لن تقبل إلا التعرضات المنصبة مباشرة على الحق المذكور.

[17] - أنظر الفصل 52 مكرر من قانون التحفيظ العقاري المعدل بالقانون 14.07.

[18] - أنظر عبد الكريم شهبون '' الشافي في شرح قانون التحفيظ العقاري، م.س، ص 216.

[19] - وقد كان المعمول به سابقا هو أن المحافظ بعد إرجاع الملف من قبل محكمة التحفيظ والحكم بصحة التعرض مثلا، يقوم بإلغاء المطلب السابق ومطالبة المحكوم له بالتقدم بمطلب جديد باسمه، فتغير الوضع بعد القانون 14.07، وأصبحت الحقوق المعترف بها تنشر بواسطة مسطرة الخلاصة الإصلاحية طبقا للفصلين 37 و 83 من قانون التحفيظ العقاري.

[20] - انظر محمد حمدون '' حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع'' م.س، ص 17و 18.

[21] - أنظر الفصلين 17 و18 من ظهير التحفيظ العقاري.

[22] - ينص الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه: '' بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق، شريطة ألا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية.

يتعين على المتعرض أن يدلي للمحافظ على الأملاك العقارية، بالوثائق المبينة للأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل، وبالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه. كما يتعين عليه أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يثبت حصوله على المساعدة القضائية.

يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي.''

[23] - أنظر الفصل 86 من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بالقانون 14.07 ''  '' تحدد في عشرة أيام مدة صلاحية التقييد الاحتياطي المطلوب بناء على سند، ولا يمكن خلال هذه المدة قبول أي تقييد آخر لحق يقتضي إنشاؤه موافقة الأطراف''.

[24] - أنظر المادة 11 من القانون 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية.

[25] - أنظر المادة 9 التي حددت الحقوق العينية الأصلية وهي: حق الملكية؛ حق الارتفاق والتحملات العقارية ؛ حق الانتفاع ؛ حق العمرى ؛ حق الاستعمال ؛ حق السطحية؛ حق الكراء الطويل الأمد ؛ حق الحبس ؛ حق الزينة؛ حق الهواء والتعلية؛ الحقوق العرفية المنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ.

والحقوق العينية التبعية  في المادة 10 وهي : الامتيازات ؛ الرهن الحيازي ؛ الرهون الرسمية . 

[26] - الفقرة الثانية من المادة 174 من مدونة الحقوق العينية '' ... لا تسري أحكام المادة 4 أعلاه على إنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط الرهن الاتفاقي المقرر لضمان أداء دين لا تتجاوز قيمته المبلغ المالي المحدد بنص تنظيمي''

[27] - عند افتتاح المناقشات يعرض القاضي المقرر القضية ويعين المسائل التي تتطلب حلا دون أن يبدي أي رأي ثم يقع الاستماع إلى الأطراف ويقدم ممثل النيابة العامة إن اقتضى الحال مستنتجاته، ثم يفصل في القضية إما في الحين وإما بعد المداولة.

تبت المحكمة في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتملاته ونطاقه، وتحيل الأطراف للعمل بقرارها، بعد اكتساب الحكم قوة الشيء المقضي به، على المحافظ على الأملاك العقارية الذي له وحده النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كلا أو بعضا مع الاحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل 37 مكرر.

تبين المحكمة في حكمها حدود ومساحة الأجزاء المحكوم بها لفائدة المتعرضين، وفي حالة الشياع نصيب كل واحد منهم.

إذا قبل التعرض أثناء جريان الدعوى من طرف طالب التحفيظ أو المستفيد من حق تم التصريح به طبقا للفصل 84، أو تنازل المتعرض عن تعرضه فإن المحكمة المعروض عليها النزاع تشهد بذلك القبول أو التنازل وتحيل الملف على المحافظ على الأملاك العقارية الذي يقوم عند الاقتضاء بالتحفيظ مع اعتبار اتفاقات الأطراف أو تصالحهم.

يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بالإعلان عن الحقوق المحكوم بها، وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها في الفصل 83.''

[28] - تنص الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من ظهير التحفيظ العقاري على أن تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك، في الرسم العقاري المؤسس له'' أما الفصل 62  فهو الآخر يؤكد على أن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.

[29] - كما هو الشأن بالنسبة للحجز التحفظي بموجب الفصل 454 من ق.م.م وغيره.

[30] - عمر أزوكار '' التعرض على مسطرة الإيداع الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، أعمال الندوة العلمية : قانون التحفيظ العقاري بين روح ظهير 1913 ومستجدات قانون 14.07، مقال نشر بمجلة المنبر القانوني، 2012، ص 33.

[31] - أنظر عمر أزوكار '' التعرض على مسطرة الإيداع الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري'' م.س، ص 46.

[32] - المرجع نفسه '' عمر أزوكار'' ص 44 و45 بتصرف.

[33] - المصدر نفسه ، ص 45.

[34] - مضمون دورية المحافظ عدد 27 بتاريخ 10 أبريل 1980.

[35] -عبد الغني بولنوار '' مسطرة التعرض على الإيداع و التعرض عليها وفق الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري''  رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، س 2013 و 2014، الصفحة 68 69 بتصرف

[36] - أنظر محمد حمدون'' حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع''، م.س، ص 76 و77.

[37] - المرجع نفسه، محمد حمدون، ص 77.

[38] - هشام عليوي، التعرض على الحقوق المودعة في إطار الفصل 84 من ظ ت ع في ضوء مستجدات القانون 14،07 مقال منشور بسلسلة "دراسات و أبحاث المنازعات العقارية، الجزء الأول منشورات مجلة القضاء المدني مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2014 ، ص162.

[39] - ينص الفصل 27 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه '' لا يقبل أي تعرض باستثناء ما هو منصوص عليه في الفصل 29 بعد انصرام أجل شهرين يبتدئ من تاريخ نشر الإعلان المذكور في الفصل 23 من هذا القانون بالجريدة الرسمية''.

[40] - الفصل 30 من نفس القانون.

[41] - قرار عدد 313 بتاريخ 23/01/2008، ملف مدني عدد 2/2/2006، أورده عمر أزوكار

[42] - عمر أزوكار '' التعرض على مسطرة الإيداع الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري'' م.س ، ص 46.

[43] - نبيلة الراصفي ''مسطرة الإيداع في ظهير التحفيظ العقاري'' رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات القانونية والعقارية، جامعة القاضي عياض - كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية  2018ـ 2019، ص 98.

[44] - ينص الفصل 51- 16 من قانون التحفيظ العقاري على أنه '' تقبل التعرضات داخل أجل أربعة أشهر ابتداء من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية للإعلان عن إيداع اللائحة والتصميم التجزيئيين بمقر السلطة المحلية''.


إرسال تعليق

0 تعليقات