آخر الأخبار

Advertisement

حدود مبدأ سلطان الإرادة بين الواقع وهاجس التطور - الدكتور جواد خربوش ، العدد 48 من مجلة الباحث القانونية، منشورات موقع الباحث - تقديم ذ محمد القاسمي


 حدود مبدأ سلطان الإرادة بين الواقع وهاجس التطور - الدكتور جواد خربوش ، العدد 48 من مجلة الباحث القانونية، منشورات موقع الباحث - تقديم ذ محمد القاسمي



رابط تحميل عدد المجلة الذي يشمل على المقال PDF الرابط أذناه:






     الدكتور جواد خربوش

      دكتور في العلوم القانونية والسياسية شعبة

        القانون الخاص      

  حدود مبدأ سلطان الإرادة بين الواقع وهاجس التطور

The principle of the authority of the will borders between reality and the

obsession with evolution

مقدمة :

يعتبر مبدأ سلطان الارادة من بين أهم الميكانيزمات التي يقوم عليها القانون المدني، وهو يشكل اللبنة الأساسية في إنشاء العقود ويفيد بأن إرادة العاقدين كافية لوحدها للإنشاء الرابطة العقدية، وترتيب كافة الآثار القانونية التي تتضمنها ([1])، لهذا فإن العقود التي يتم إنشاؤها بشكل صحيح تقوم مقام القانون كما جاء ذلك في الفصل 230. ([2])

لكن قبل أن يظهر هذا المبدأ كان التعاقد لا يرتكز على رضا الأطراف أي على توافق إرادتهم بل كانت هناك شكليات كان لا بد من احترامها لكي يتم إتمام العقد على وجه صحيح كما هو الحال بالنسبة لما كان سائدا في القانون الروماني، فقوة العقد أنداك كانت تستمد من تلك الشكلية التي تبرم وفقها.

لكن نتيجة التطورات التي أصبح يعرفها المجتمع الروماني أصبح يتم الاعتماد على الإرادة في تكوين العقود ولو بشكل طفيف، وذلك ما تجسد من خلال الاعتراف برضائية تكوين بعض العقود (البيع، الإيجار، الشركة) ([3]).

وبهذا أصبح الاعتماد في إنشاء العقود على الإرادة، وأصبح لمبدأ سلطان الإرادة مكانة هامة، حيث أصبح نتاج الفلسفة الفردية التي تم ظهورها في عصر الأنوار ([4]).

وقد مر مبدأ سلطان الإرادة بمحطات تاريخية بحيث أصبح دور الإرادة يتقوى وذلك في أوربا مند نهاية القرن الثاني عشر وذلك لعدة أسباب كتأثير الدين والكنيسة في ترسيخ هذا المبدأ وذلك من خلال الحث على احترام التعاقدات، بالإضافة إلى الاعتبارات الاقتصادية التي أدت إلى تزايد النشاط التجاري بحيث تمت هناك زيادة في النشاط التجاري وكان لا بُد من إزالة تلك الشكليات لأجل تحرير التبادلات ([5]).

وما ينبغي الإشارة إليه إلى أن مبدأ سلطان الإرادة بلغ قمته خلال القرن الثامن عشر حيث قامت النظرية التقليدية للعقد التي تقول بأن العقد يفيد توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، وبهذا أصبحت الإرادة، الركيزة الأساسية التي تعتمدها النظريات القانونية.

لكن هذه النظرية أصبحت محط انتقاد مند أواخر القرن 19 وذلك راجع لعدة عوامل اقتصادية واجتماعية، فبدأ التوجه إلى اعتماد توجهات حديثة في إطار قانون العقود.

وتكمن أهمية هدا الموضوع في كون مبدأ سلطان الإرادة آلية من أهم الآليات التي يقوم عليها القانون المدني على اعتبار أن الارادة هي التي تنشئ العقد، إلا أن هذا المبدأ عرف تراجعا بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية أدت الى ظهور توجهات جديدة أثرث بشكل مباشر على النتائج القانونية لمبدأ سلطان الارادة ومن هنا تبرز الأهمية الحقيقية لدراسة هذا الموضوع خاصة إذا علمنا أن طبيعة بعض العقود يمكن أن تنتج آثارا تمتد الى البيئة.

وتماشيا مع ما ذكر فإلى أي حد ساهمت العوامل الاقتصادية والاجتماعية في المساس بجوهر مبدأ سلطان الإرادة؟

وبما أن الموضوع يحتمل المعالجة من خلال مجموعة من الزوايا كالحديث عن الشكلية في علاقتها بمبدأ سلطان الإرادة، وأيضا علاقته بعيوب الإرادة، وبمؤسسة التفسير والتكييف، إلى جانب علاقته بإبرام العقود بشكل الكتروني.

لكن التطرق لهده النقط لن يسعفنا في دراسة مبدأ سلطان الارادة بشكل دقيق. لذلك حاولنا الإشارة إلى بعضها بشكل ضمني وفق التصميم التالي:

1.      أولاً: العوامل الاقتصادية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان الارادة

2.      ثانياً: العوامل الاجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان الارادة

3.      أولا: العوامل الاقتصادية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان الارادة

لقد كان هاجس حماية المستهلك العامل الأساسي الذي دفع أغلب دول العالم إلى تبني قوانين جديدة شكلت ثورة حقيقية على العديد من المفاهيم التي كانت سائدة إبان وضع قانون الالتزامات والعقود المغربي ومن قبله مدونة نابوليون وفي مقدمة هذه المفاهيم مبدأ سلطان الإرادة ([6]) الذي عرفت نتائجه تأثرا بالخصوص في الحرية التعاقدية والقوة الملزمة للعقد مما جعله يخرج عن المفهوم التقليدي الذي تم تفصيله أعلاه، فمبدأ سلطان الإرادة ازدهر بموجب عوامل اقتصادية وانتكس بموجب عوامل اقتصادية ([7]).

 لهذا يجب دراستهما وفق المنظور الحديث سواء على مستوى تكوين العقد (1) أو على مستوى تنفيذ العقد (2).

1)     هاجس حماية المستهلك

لا مجال للشك في أن مفهوم المستهلك الذي كان مفهوما اقتصاديا محضا أصبح قانونيا منذ تدخل المشرع من أجل حماية المستهلك ([8]) ويقصد بهذا الأخير حسب المادة الثانية من القانون08-31 ([9]) كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجا أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي ([10]).

وتجدر الإشارة إلى أنه يجب حماية المستهلك ليس لأنه طرف ضعيف بل لأنه لا يعرف  « non-sachant » محتويات ما سيقتنيه مقارنة مع الطرف الاخر الذي يعتبر اختصاصي في ذلك المنتوج ([11]).

إضافة إلى أن الاستاذ عبد القادر العرعاري أكد على أنه باعتبار المستهلك محطة نهائية في دورة الانتاج والتوزيع لاقتصار مهمته على اقتناء حاجياته الأساسية بشكل متجدد فهو إذن فاعل اقتصادي قوي له دور ايجابي في تنشيط الرواج التجاري والصناعي وهو مبرر كافي في نظره لإنصافه ([12]).

وهناك اتجاه أخر يرى أن سبب تدخل المشرع من أجل حماية المستهلك يتمثل في كون العقود التي تبرم من طرف المستهلك هي عقود إذعان أما إذا كان العقد محل تفاوض فلن يكون هناك أي سبب يدعو لحماية المستهلك لذلك فالحماية الحقيقية يجب أن تنصب على مفهوم عقود الإذعان عوض أن تنصب على المستهلك ([13]).

  وقد أكد chabas على نفس الشيء إلا أنه أقر بأن الحماية التي يحظى بها المستهلك والتي يتدخل من أجل سنها المشرع لا تتمحور حول عقود الإذعان فقط بل حتى حول شخصية المستهلك باعتباره طرفا غير مهني ([14]).

وبالرجوع للعديد من المقتضيات التي جاء بها قانون 31.08 يظهر جليا مدى تأثر مبدأ سلطان الارادة في مرحلة تكوين العقد مما يعني أن شروط العقد وتكوينه ومحتواه أصبحوا محددين سلفا من طرف المشرع بقواعد امرة وليس فقط قواعد مكملة ([15])

ومن هنا يظهر أن مبدأ سلطان الإرادة عرف تراجعا بموجب مقتضيات قانون 31.08 والذي يبرز جليا من خلال  فرض المشرع لمجموعة من الالتزامات على المهني حيث نجد مثلا الالتزام بالإعلام ([16]) ومنح مهلة للتفكير ومهلة للرجوع إضافة إلى أن أغلب العقود التي تبرم بين المستهلك و المهني تعتبر عقود إذعان و هو ما يؤدي إلى المساس بالحرية التعاقدية للمستهلك، وحتى يؤكد المشرع هذه الحماية قام بضبطها من خلال النص على غرامات مالية متفاوتة في القسم السابع  من قانون  31.08 في حالة عدم احترام مقتضيات القسم الثاني من نفس القانون.

إضافة إلى ما سبق عرف مبدأ سلطان الإرادة تأثرا بارزا على مستوى تنفيذ العقد  أيضا ولعل ذلك راجع إلى ظهور النظام العام الاقتصادي التوجيهي نتيجة تخلف الأساس الاقتصادي للعقد وانهيار التوازن بين مركز الطرفين " وهو لا يهدف إلى الحد من حرية الأفراد المتعاقدين بطريق مباشر بل يرتكز على المساهمة في توجيه الاقتصاد الوطني والقيام بإصلاحات وترميمات للنظام الاقتصادي وهاته الإصلاحات يكون لها تأثير واضح على مجال العقود التي لم تعد في نظام التوجيه الاقتصادي تنشأ بواسطة إرادتين بل أصبحت تزاوج بين الإرادة الشخصية والإرادة الموضوعية ([17]).

ويظهر النظام العام الاقتصادي التوجيهي بشكل واضح في العقود التي تتطلب حماية للطرف الضعيف وأبرزهم المستهلكون.

وقد تجلى هذا التأثر في مرحلة تنفيذ العقد من خلال نص المشرع في المادة 19 من قانون 08-31.

على ضرورة تفسير الشك لمصلحة المستهلك إضافة إلى أن المشرع أكد بموجب القسم الثالث من المادة 15 إلى المادة 20 على إمكانية إلغاء الشروط التعسفية وهو ما أقرته فعلا محكمة النقض الفرنسية سنة 2014 حيث تتلخص وقائع هذه القضية في رفع دعوى من طرف الاتحاد الفدرالي للمستهلكين "إيزر" ضد تبادلية "ديزر" الفرنسية بخصوص إزالة 23 شرط تعسفي وضعوا في عقد أبرم مع التبادلية إيزر والمقيمين بدار المسنين باعتبارهم مستهلكين إضافة إلى المطالبة بالتعويض ([18]).

وهكذا يمكن القول بأن القوة الملزمة للعقد عرفت تراجعا ملحوظا فحتى ولو أبرم العقد بشكل صحيح فقد نص المشرع على إمكانية إلغاء شروطه إذا كانت تعسفية وبذلك يكون قد ضرب مبدأ سلطان الإرادة في عمقه.

2)     تطويق الحرية في مجال المنافسة

لقد كان تدخل المشرع المغربي ينصب بالأساس في القيام بالتنظيم، ثم انتقل بعد ذلك للحماية، إلى أن أصبح يتدخل من أجل ضبط العلاقات الاقتصادية، الشيء الذي ظهر جليا من خلال سنه لقانون حرية الأسعار والمنافسة حيث نظم حرية الأسعار وضبطها بالمنافسة على اعتبار أن المنافسة ستنعدم إذا وجدت ممارسات تسمح لمقاولة ما باحتكار السوق والقضاء على المنافسين الموجودين وحتى المحتملين ([19]).

لقد كانت لأطراف العقد الحرية سواء في إبرام العقد أو في تحديد شروطه كما سبق الذكر عند تحليل الحرية التعاقدية وفق المنظور التقليدي، حيث كانت العقود تبرم بين الدائن والمدين، إلا أنه وبفعل التطورات  تدخل فاعلين اقتصاديين شكلوا قوة اقتصادية مما أدى إلى ضرورة تدخل المشرع  وهو ما حدث فعلا بمقتضى قانون تنظيم الأثمان ومراقبتها وشروط إمساك المنتوجات والبضائع بتاريخ 12 أكتوبر 1971 إلا أنه ألغي بموجب قانون 99.06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة لكن النصوص المتخدة لتطبيق قانون 12 أكتوبر 1971 كانت قد ظلت سارية مع اشتراط عدم تعارضها مع أحكام  قانون 99.06.

 أما حاليا وبعد صدور دستور 2011 أصبح القانون 104.12 هو الذي ينظم حرية الأسعار والمنافسة ([20])،  حيث نص في قسمه الأول على حرية الأسعار إلا إنه ربطها بصدور نص تنظيمي يحدد كيفيات تنظيم أسعار السلع والخدمات والمنتوجات([21])، ومن هنا يظهر بجلاء أن المشرع وضع نطاقا لحرية الأسعار ولم يتركه على إطلاقتيه.

 ولهذا يمكن القول أن الحرية التعاقدية كنتيجة قانونية لمبدأ سلطان الإرادة عرفت تراجعا واضحا انطلاقا من المادة 2 من قانون 12-104 حيث أن المشرع لم يكتفي بتنظيم حرية الأسعار وإنما قام أيضا بضبطها.

ورغم أن المشرع نص على حرية الأسعار إلا أنه ضبطها بالمنافسة ([22])،  فهذه الحرية تمارس داخل نطاق المنافسة و يظهر ذلك جليا من خلال تخصيص القسم الثاني من قانون 104.12  للممارسات المنافية لقواعد المنافسة كالحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشئات أخرى ([23]).

وانطلاقا مما نص عليه المشرع في المواد 6، 7، 8 و10 من قانون 104.12 يظهر بشكل واضح انتهاك للقوة الملزمة للعقد كأثر قانوني لمبدأ سلطان الإرادة وذلك بحضره لبعض الاتفاقات سواء الصريحة أو الضمنية والتي رتب عليها جزاء البطلان، فرغم نشوئها بشكل صحيح وفي عقد سليم وبرضى الأطراف قد يطالها البطلان إذا خالفت ما نصت عليه الفصول الأنفة الذكر.

وتماشيا مع ذلك حرص المشرع المغربي على ضبط مجال المنافسة من خلال إعطائه مجموعة من الصلاحيات لمجلس المنافسة الذي لم يعد له دور استشاري منذ صدور قانون 13.20 المتعلق بمجلس المنافسة ([24])  الذي نص في مادته الثانية على أن هذا المجلس يتمتع بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي كما هي معرفة في القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

واعتمادا على ما سبق يمكن القول أن ظهور توجهات تنادي بحماية المستهلك وضبط مجال المنافسة باعتبارهما عاملين اقتصاديين ساهما بشكل مباشر في تراجع مبدأ سلطان الإرادة، دون إغفال عوامل اجتماعية كان لها دور أيضا في تراجع مبدأ سلطان الإرادة وعلى رأسها الحفاظ على المصلحة العامة وذلك بتدخل الدولة من خلال فرض عقود وفق شكلية معينة (عقود الإذعان، العقود الإجبارية) جعلت مبدأ سلطان الإرادة في تراجع.

4.      ثانياً: العوامل الاجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان الارادة

تأثر مبدأ سلطان الارادة بمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية مما أدى الى تراجع الطريقة التقليدية في التعاقد التي كانت تستند أساسا على المساواة أثناء التفاوض على شروط العقد حيث ظهرت أنواع جديدة للتعاقد كانا أبرزها عقود الاذعان (1) والعقود الاجبارية(2).

1)     عقود الاذعان

يقصد بعقد الاذعان عقد يبرم دون مساومة حيث يتولى الطرف المتفوق قانونيا أو فعليا تحديد كل شروطه دون أن يكون باستطاعة الطرف الثاني الضعيف أن يناقش تلك أو يفضل عليها تعديلات معينة ولا يكون أمامه الا قبولها جملة أو رفضها جملة ([25]).

وانطلاقا من هدا التعريف أن الطرف الثاني المتعاقد تكون له الحرية الكاملة في اللجوء من عدمه إلى ما يعرضه عليه الطرف الاول الا أن ارادته تصبح مستهدفة عندما يكون ملزما بقبول تلك الشروط كما هي أو رفضها دون إمكانية مناقشتها.

ويظهر أن سلطة القاضي في المغرب في تحقيق التوازن من خلال تأويل العقد تكون ضيقة إذا كانت عباراته واضحة، لأن كل من دخل في علاقة بإرادة واعية لا يستطيع أن يتخلى عنما التزم به.                                                                           

وتستعمل عقود الاذعان في عدة مجالات كعقود الاشتراك والخدمات (الماء، الكهرباء) الا أن أبرز مثال لعقود الاذعان هو عقد النقل، حيث ظهر هذا الاخير منذ زمن بعيد ويعتبر من العقود المركبة التي تضم اضافة الى الناقل والمسافر شركة التأمين.

وتعتبر عقود النقل عقودا نموذجية بامتياز حيث أن المسافر يكون ملزما بالموافقة على ماورد في تذكرة السفر دون إمكانية التفاوض حولها ويعتبر اللجوء إلى العقود النموذجية في الوقت الحاضر أمرا لا مفر منه، حيث أن  اللجوء إلى هده العقود له عدة امتيازات تتمثل بالأساس في ما ينتج عنها من تبسيط وتسهيل في المعاملات فليس من المعقول أن يناقش الناقل بنود العقد مع كل مسافر على حدى، إضافة إلى أن هده العقود النموذجية قد تكون خلاصة خبرة فنية وقانونية وربما ذات خبرة علمية وليست هده العقود في معظم صورها عقود إذعان ([26]).

إذن يظهر على أن عقود الإذعان تتميز بافتقارها إلى المناقشة والمساومة بين طرفيها حيث ينفرد طرف بإعداد بنود العقد والتي غالبا ما تكون في قالب شكلي.                                                                                                                                                                                                                                                    

5.      2)العقود الاجبارية

لقد أدى تدخل المشرع في العديد من المرات إلى التضييق من سيادة مبدأ الحرية التعاقدية حيث لم يبقى محتفظا بتلك الصرامة التي أعطيت له في البداية، حيث إن المصلحة العامة اقتضت في الكثير من الأحيان إجبار الشخص على إبرام عقد معين كما هو الشأن بالنسبة لمجال التأمين الاجباري على السيارات ([27]).

وقد عرفت المادة الأولى من القانون رقم 99.17 المتعلق بمدونة التأمينات أن عقد التأمين اتفاق بين المؤمن والمكتتب من أجل تغطية خطر ما، ويحدد هذا الاتفاق التزاماتهما المتبادلة.[28]وقد أدى التطور الاقتصادي الحديث الى ظهور حالات لا يتسع فيها القام للمناقشات والمفاوضات التي تسبق ابرام العقد عادة مما يحصل أحد العاقدين في حالات كثيرة.

 يحدد شروط العقد مقدما على نحو لا يقبل المناقشة ويعرضها على الجانب الاخر الدي يكون له الخيار في أن يقبلها بدون نقاش أو أن يمتنع عن قبولها ([29])، وهو الشأن بالنسبة لعقد التأمين حيث يكون المكتتب أو المؤمن له ملزما بقبول البنود التي جاء دكرها في العقد، باعتباره عقدا اجباريا.

وتستمد العقود الاجبارية قوتها الإلزامية من النص القانوني وهو ما أكدت عليه المادة 120 من مدونة التأمينات المغربية فالمؤمن له يكون ملزما بالتأمين على سيارته الا أن ارادته تبقى حرة في اختيار شركة التأمين التي يود التعاقد معها وبمجرد اختياره للشركة تستهدف ارادته مرة أخرى حيث يصبح ملزما بالموافقة على العقد النموذجي الدي سبق وضعه من طرف تلك الشركة. 

خاتمة:

بما أن المنهجية الحديثة تؤكد على عدم إدراج خلاصة للموضوع في الخاتمة فإنه يمكن الاقتصار على إعطاء النتائج التالية:

ü    لا يمكن اعتبار مبدأ سلطان الإرادة في الوقت الراهن من النظام العام، وفي هذا الإطار يمكننا الذهاب إلى أكثر مما قاله Christian larroumet  ([30])   عند حديثه عن الحرية التعاقدية.

والقول على أن مبدأ سلطان الإرادة لا يعتبر مبدأ دستوريا لأنه لا يوجد أي مقتضى في دستور2011 ينص على هذا المبدأ.

ü    لم تكن النتائج القانونية المترتبة على مبدأ سلطان الإرادة على إطلاقتها حيث عرفت حدودا حتى على مستوى المفهوم التقليدي لمبدأ سلطان الإرادة.

ü    مبدأ سلطان الإرادة عرف تراجعا بسبب ظهور عوامل اقتصادية واجتماعية.

ü    القوة الملزمة للعقد عرفت تراجعا ملحوظا على مستوى المفهوم الحديث لمبدأ سلطان الإرادة وذلك بموجب مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة وقانون حماية المستهلك.

ü    قد تنشأ مقتضيات صحيحة وفق ق ل ع إلا أنه يلحقها جزاء البطلان إذا خالفت مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة.

ü    بعد ظهور نظام عام اقتصادي توجيهي عرفت الحرية التعاقدية تراجعا حيث أصبحت الدولة تتدخل من أجل توجيه العقد ولو على حساب المصلحة الفردية للأشخاص.

ü    نسبية اثار العقد عرفت تراجعا حيث أصبحت اثار العقد تمتد حتى إلى البيئة باعتبارها طرفا غير مباشر في العقد.

ü    لا يمكن القول بأنه تم الاستغناء عن مبدأ سلطان الإرادة إلا أنه تم التراجع عنه لصالح ظهور عقود جديدة أغلبها اتسمت بطابع الشكلية التي فرضها المشرع من اجل حماية الرضا الصادر عن أحد أطراف العقد، و من تم، فإنه في مثل هذه الحالة، تساهم الشكلية في احترام الإرادة )[31]) لهذا ينبغي الدفاع عنها و إقرارها في جميع العقود.

ü    العامل التكنولوجي بدوره أثر على مبدأ سلطان الإرادة حيث عرف تغييرا حتى على مستوى التعبير عن هذه الإرادة فأصبح التعبير إلكترونيا.

ü    صحيح أن مبدأ سلطان الإرادة عرف تراجعا بفعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنه، فبعض العقود ما زالت تعتبر مبدأ سلطان الإرادة هو الأصل كعقود الشغل رغم وجود بعض الاستثناءات.

لائحة المراجع:

عبد الرحمان الشرقاوي، "القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام، على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي"، الكتاب الأول، الجزء الأول التصرف القانوني، منشورات فريق البحث في تحديث القانون والعدالة"، الطبعة الأولى 2012.

عبد الحق الصافي، "القانون المدني، الجزء الأول، المصدر الارادي للالتزامات، العقد، الكتاب الأول، تكوين العقد"، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2006.1427.

البكاي معزوز: حماية المتعاقد أو المستهلك بين القواعد العامة و القوانين الخاصة، مداخلة  بمناسبة ندوة وطنية في موضوع مائوية صدور ق.ل.ع المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية مكناس يومي 13و 14 /02/2015 . 

ظهير شريف رقم 1.03.11 صادر في 14 من ربيع الأول 1432(18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حمائية للمستهلك.

عبد القادر العرعاري، وجهة نظر خاصة في مادة القانون المدني المعمق بين الفقه والقضاء الطبعة الأولى سنة 2010.

ظهير شريف رقم 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1935(30يونيو 2014) بتنفيد القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

محمد العروصي، المختصر في بعض العقود المسماة (عقد البيع والمقايضة والكراء) الطبعة الثانية، مطبعة مرجان، سنة 2014.

ظهير شريف رقم 1.02.238 صادر في25 رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات (الجريدة الرسمية عدد 5054بتاريخ 2 رمضان 1423 الموافق ل 7 نونبر 2002 ص 3105).



([1]) كما تم تعريفه:

le principe de l'autonomie de la volonté signifiée que le contrat tire sa force obligatoire des volontés des parties qui sont souveraine. il y a donc deux éléments d'une part, la souveraineté de la volonté, d'autre part la force obligatoire de la volonté.

 Christian Larroumet, droit civil, tome 3 les obligations, le contrat, 3°édition 1996 p: 101

أنظر أيضا:

-                     عبد الرحمان الشرقاوي، "القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام، على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي"، الكتاب الأول، الجزء الأول التصرف القانوني، منشورات فريق البحث في تحديث القانون والعدالة"، الطبعة الأولى 2012، ص: 44.1.

-                      عبد الحق الصافي، "القانون المدني، الجزء الأول، المصدر الارادي للالتزامات، العقد، الكتاب الأول، تكوين العقد"، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2006.1427، ص: 103.

([2]) الذي نص على أ نه: "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون".

 (3) عبد الحق الصافي، مرجع سابق ص: 102.

 

([4]) عبد الرحمان الشرقاوي، مرجع سابق ص43.

 

([5]) عبد الحق الصافي مرجع سابق ص 103.

([6]) عبد الرحمان الشرقاوي، م.س ص46

([7]) البكاي معزوز: حماية المتعاقد أو المستهلك بين القواعد العامة و القوانين الخاصة، مداخلة  بمناسبة ندوة وطنية في موضوع مائوية صدور ق.ل.ع المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مكناس يومي 13و 14 /02/2015 . 

([8]( Christian larroumet o.p cit p109

([9]) ظهير شريف رقم 1.03.11 صادر في 14 من ربيع الأول 1432(18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حمائية للمستهلك.

 ([10]) وانطلاقا من هذا التعريف يظهر أن المشرع أخد بالاتجاه الواسع وهو نفس الموقف الذي دافع عنه الفقيه الفرنسي فرييه ديدييه الذي ذهب إلى أن مفهوم المستهلك الواسع للمستهلك هو الذي ينسجم مع غايات قانون الاستهلاك.

من أجل الاطلاع على الاتجاهات الفقهية بخصوص مفهوم المستهلك انظر:

-                     عبد الرحمان الشرقاوي، م.س ص 70-71

-                     زكرياء العماري، حماية المستهلك دراسات و أبحاث في ضوء مستجدات القانون رقم 08-31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، سلسلة "دراسة و أبحاث " مجلة القضاء المدني، دون ذكر العدد، ص : من 27 إلى 31.

 وتجدر الاشارة الى أن محكمة النقض الفرنسية كانت سباقة الى الاخد بالمفهوم الواسع للمستهلك

…dans le silence de la loi (n°23 du 10 janvier 1978 (produits et services), la première chambre civile, le 28 avril 1987 n’a pas hésité à considérer une société anonyme comme un consommateur 

-                     Henri et léon mazeau, jean mazeau, francois chabas, o.p cit  p 31.

([11]) Henri et léon mazeau, jean mazeau, francois chabas, o.p cit  p 31.

([12]) عبد القادر العرعاري، وجهة نظر خاصة في مادة القانون المدني المعمق بين الفقه والقضاء الطبعة الأولى سنة 2010 ص66.

([13]) Christian larroumet o.p cit p 109

([14]) Henri et léon mazeau, jean mazeau, francois chabas, o.p cit  p 30

..". Il ne faudrait d’ailleurs pas croire que la protection du consommateur se résume en une lutte contre le contrat d’adhésion. Certes, ce dernier est au premier chef visé mais la réglementation ne se limite pas à lui. Ce qui importe au législateur, c’est la personne du consommateur, dans son activité extra_ professionnelle, même si celle-ci se traduit par un contrat de gré à gré."

([15]) Christian larroumet o.p cit, p :106.

([16])  وقد خصص المشرع الباب الأول للالتزام العام بالاعلام من المادة الثالثة إلى المادة الحدية عشر وتخصيص الباب الثاني للاعلام باجال التسليم من المدة 12 الى المادة 14

([17]) عبد الرزاق حباني: التدخل التشريعي في المجال التعاقدي، مجلة الحقوق، العدد الرابع عشر يناير- ماي 2013، ص : 222

([18]) ...لذلك قضت محكمة النقض بـ:                                 

PAR CES MOTIFS, et sans qu’il y ait lieu de statuer sur les autres griefs du pourvoi :

CASSE ET ANNULE, mais seulement en ce qu’il déclare sans objet la demande d’interdiction de l’usage à l’avenir des clauses contenues dans le contrat de séjour proposé jusqu’au 19 avril 2011 par la Mutualité française Isère gestionnaire de l’EHPAD en l’état de son nouveau contrat de séjour et de son nouveau règlement de fonctionnement, et en ce qu’il déboute l’association UFC38 de sa demande en suppression de « six autres clauses de l’ancien contrat de séjour de l’EHPAD », l’arrêt rendu le 7 mai 2013, entre les parties, par la cour d’appel de Grenoble ; remet, en conséquence, sur ces points, la cause et les parties dans l’état où elles se trouvaient avant ledit arrêt et, pour être fait droit, les renvoie devant la cour d’appel de Chambéry

  Arrêt n° 1095 du 1er octobre 2014 – Cour de cassation – Première chambre civile – ECLI :FR :CCASS :C101095

Publié : https ://www.courdecassation.fr/jurisprudence_2/premiere_chambre_civile_568/1095_1er_30242.html

([19]) Christian larroumet o.p cit p 118.

([20]) ظهير شريف رقم 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1935(30يونيو 2014) بتنفيد القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

([21]) المادة 2 من قانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

([22]) تنص المادة 2 من نفس القانونتحدد أسعار السلع والخدمات والمنتوجات عن طريق المنافسة الحرة.

([23]) محمد العروصي، المختصر في بعض العقود المسماة (عقد البيع والمقايضة والكراء) الطبعة الثانية، مطبعة مرجان، سنة 2014 ص 31.

([24]) ظهير شريف رقم01.14.117 صادر في 2 رمضان 1435( يونيو 2014) بتنفيد القانون 13.20 المتعلق بمجلس المنافسة.

([25])  عبد الحق صافي مرجع سابق ص 287 .

([26]) عبد الله خضيري، عقد الإدعان بين الرضا والاكراهات الاقتصادية رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص وحدة قانون الأعمال والمقاولات جامعة محمد الخامس الرباط كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، 2013-2014، ص 63.

([27]) عبد الرحمان الشرقاوي، م.س، ص 46.

([28]) ظهير شريف رقم 1.02.238 صادر في25 رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات (الجريدة الرسمية عدد 5054بتاريخ 2 رمضان 1423 الموافق ل 7 نونبر 2002 ص 3105).

([29])  عبد الله خضيري م.س ص 41 .

 ([30]) "  toute fois, le conseil constitutionnel considérer que la liberté contractuelle n’étais pas une principe de valeur constitutionnelle ( cons . const.3 aout 1994, J.C .B 1995.II. 22404 ;note Brouselle)

Christian larroumet, o.p cit p 122

([31]) عبد الرحمان الشرقاوي : القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، مرجع سابق،ص : 43

إرسال تعليق

0 تعليقات