الرقابة الإدارية والقضائية وتجويد التدبير المالي بالمغرب - الدكتورة سامية رماش، العدد 48 من مجلة الباحث القانونية، منشورات موقع الباحث - تقديم ذ محمد القاسمي


رابط تحميل عدد المجلة الذي يشمل على المقال PDF الرابط أذناه:





الدكتورة سامية رماش

دكتورة في الحقوق - كلية العلوم القانونية والاقتصادية

   والاجتماعية بفاس

  الرقابة الإدارية والقضائية وتجويد التدبير المالي بالمغرب

Administrative and judicial

oversight and the  improvement of financial management in Morocco

 

الملخص:

تزاول الدولة وظائفها المختلفة لمواجهة المتطلبات العمومية، لذلك تحتاج لوسائل مادية وبشرية، إذ تعتبر الأموال العمومية، الدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية لأي دولة تسعى للوصول إلى الرقي وبلوغ أهدافها[1]، لكن يعوق الفساد في القطاع العام كفاءة الخدمات العامة، ويقوض الثقة في المؤسسات العامة، ويزيد من تكلفة الصفقات العمومية[2]، ويعتبر الفساد المالي والاقتصادي، من المشاكل التي تؤرق متخذي القرار وواضع  السياسات الاقتصادية في مختلف الدول، هذه الظاهرة التي ما فتئت تعاني منها الدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، وإن اختلف حجمه وآثاره من دولة لأخرى لاختلاف التركيبة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية لكل دولة، ومن أجل القضاء والوقاية من هذه الظاهرة أو التقليل منها بشكل ملحوظ، وجب إضفاء مصداقية وشفافية أكبر في تنفيذ الميزانية العامة للدولة[3].

وبما أن تسيير المال العام يمكن أن يحيد عن النزاهة والعقلانية، بالتالي الدخول في دوامة اختلاس وتبذير المال العام، فلا بد من فرض رقابة مالية صارمة عليه، وتعتبر هذه الأخيرة، من أهم الموضوعات التي تمس كيان الدولة، فهي ضرورية ولازمة لحماية المال العام من الضياع، وتعزيز الشفافية والحكامة[4]، مما ينعكس على الأفراد والجماعات، كما ينعكس أيضا وبصورة أكثر وضوحا على الاقتصاد الوطني بشكل مباشر.

وعليه فقد أجمع أساتذة المالية والاقتصاد على أهمية الرقابة المالية، باعتبار أن هذه الرقابة تمثل الضوابط والحدود التي تمنع التجاوزات، وتحفظ المال العام الذي يعد عصب الدولة الحديثة ووسيلتها لتحقيق التنمية المستدامة، ولما كان للرقابة دور هام بهذا الشكل، أصبحت الدول بمختلف أنظمتها تحرص كل الحرص على إيجاد آليات وضوابط وكيفيات متنوعة ومتعددة من أجل تطبيق الرقابة المالية على أكمل وأحسن وجه[5].

تاريخيا، عرفت المجتمعات الأوروبية المراقبة المالية، والتي كانت نتاج الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إذ كانت بريطانيا السباقة إلى ذلك سنة 1628 عندما حصلت الحكومة على موافقة مجلس العموم قبل فرض أية ضريبة ونفقة عمومية، كما عرفت فرنسا بدورها الرقابة المالية قبل الثورة الفرنسية وبالضبط سنة1256 ، من خلال إحداث غرفة محاسبة باريس التي مرت بعدة مراحل تاريخية إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم[6].

كما عرف المغرب بدوره الرقابة المالية مند عهد السلاطين وتطورت في فترة الحماية وما بعد الاستقلال، وقد جاء الدستور الجديد للملكة سنة 2011 بمجموعة من المستجدات [7]كنقلة نوعية في هذا الإطار، من خلال تخصيصه بابا كاملا للحكامة الرشيدة وهيئات الرقابة في جميع المرافق العمومية، مما دفع الجميع ودون استثناء، إلى إعادة النظر في أساليب الأجهزة الإدارية والمؤسسات العمومية، فضلا عن الجماعات الترابية في التعامل مع المال العام، وذلك بغرض تحسين وضعيتها بما ينسجم مع المتغيرات الوطنية والدولية، وذلك من أجل تحقيق الجودة والفعالية بتكلفة أقل، من خلال معالجة الاختلالات الوظيفية، المالية والبنيوية التي تعاني منها هذه الهيئات[8].

ولموضوع الأجهزة العليا للرقابة المالية أهمية وراهنية، سواء الرقابة الداخلية التي تمارسها أجهزة إدارية، أو الخارجية الممارسة من طرف مختلف الجهات منها المحاكم المالية، وذلك في ظل تزايد الاهتمام بتجويد  تدبير المال العام وحمايته، ولكل هذا اخترنا البحث في هذا الموضوع، حيث أصبحت فعالية الأجهزة الرقابية عموما، وأجهزة مراقبة المالية خصوصا، مطلبا أساسيا لمناهضة ومحاربة الفساد المالي والإداري في ظل غياب الشفافية والمساءلة[9]، ونظرا لتعدد أنماط وأجهزة الرقابة المالية بالمغرب، ستركز هذه المقالة بالبحث والتحليل حول نوعين فقط وهما الرقابة الإدارية والرقابة القضائية، ومعرفة كيفية مساهمتهما في تحسين التدبير المالي والرقي به.

وبالربط مع أهمية الموضوع يمكن طرح الإشكالية التالية:

إلى أي حد يمكن اعتبار الرقابة الإدارية والقضائية على المال العام مدخل أساسي لتجويده؟

لتوضيح أهم النقاط التي تحيط بهذا الإشكال لا بد من طرح الأسئلة الفرعية التالية:

- ما مفهوم الرقابة على النفقات العمومية؟ وما هي مختلف الأجهزة القائمة عليها؟

- ما هي الإجراءات الرقابية المتبعة عند أداء النفقات العمومية ؟

- أي دور للمفتشية العامة للمالية في حماية المال العام ؟

- ما هو الدور الذي تلعبه المحاكم المالية في محاربة الفساد المالي؟

للإجابة على مختلف هذه الأسئلة ارتأينا إتباع خطة العمل التالية: المبحث الأول: الرقابة المالية الإدارية (الرقابة الداخلية). المبحث الثاني: الرقابة المالية القضائية (الرقابة الخارجية).

المبحث الأول: الرقابة المالية الإدارية (الرقابة الداخلية)

تتعدد الرقابة المالية بتعدد وتنوع الأجهزة المتدخلة في حماية المالية العمومية، ومن بين هذه الأنواع، الرقابة الداخلية، وهي رقابة ذاتية تمارسها الإدارة على نفسها عن طريق أجهزة إدارية ومالية تابعة للسلطة التنفيذية، من باب تجنب الوقوع في الأخطاء أو تداركها في حالة وقوعها، وتنقسم الرقابة الإدارية من حيث الزمن إلى رقابة قبلية (المطلب الأول)، ورقابة بعدية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الرقابة الإدارية القبلية

تكتسي الرقابة الإدارية القبلية أهمية كبرى، على اعتبار أنها تهدف إلى التأكد من مدى مطابقة العمليات المالية المنجزة أو المراد إنجازها، للنصوص القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل في الميدان المالي، بهذا سنتطرق خلال هذا المطلب إلى الحديث عن مراقبة الالتزام بالنفقات (الفرع الأول)، والمراقبة التراتبية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: مراقبة الالتزام بالنفقات

في إطار إصلاح نظام مراقبة النفقات، تم إدماج مصالح مراقبة الالتزام بالنفقات ومصالح الخزينة العامة للملكة ابتداءا من سنة 2006 وذلك بموجب المرسوم رقم 2.06.52 الصادر في 14 محرم 1327 ( 13 فبراير 2006) القاضي بإلحاق مراقبة الالتزام بنفقات الدولة بالخزينة العامة للمملكة وتحويل اختصاصات المراقب العام للالتزام بالنفقات إلى الخازن العام للمملكة، في أفق دعم ثقافة المحاسبة البعدية، مما أدى إلى توحيد جميع المتدخلين في مسلسل النفقات على مستوى وزارة المالية بالنسبة لباقي الوزارات بشكل يخول تجنب كثرة المتدخلين ويبسط المساطر الإدارية والمالية[10].

وبعد مرور سنة من هذا الإدماج، وبمقتضى قرار لوزير المالية بتاريخ 14 فبراير 2007، تم إحداث مصالح للخزينة لدى الوزارات على رأسها خازن لكل وزارة أو لعدة وزارات، مما أدى إلى الجمع بين المراقب والمحاسب في هيكلة واحدة، إذ أصبحت كل خزينة وزارية تضم ثلاث مصالح وهي[11]:

·       مصلحة مراقبة النفقات المتعلقة بالمعدات والخدمات.

·       مصلحة مراقبة النفقات المتعلقة بالموظفين.

·       مصلحة الأداء والمداخيل والمحاسبة.

وقد طال هذا الإدماج، المصالح الخارجية على المستويين الجهوي والإقليمي، إذ تم إحداث خزينة جهوية في كل جهة وخزينة إقليمية في كل عمالة أو إقليم.

تشكل مراقبة الالتزام بالنفقات جهازا إداريا، يضطلع بمراقبة تنفيذ النفقات العمومية في مرحلتها السابقة أي مرحلة الالتزام الذي يرتبط بأول خطوة إدارية يقوم بها الآمر بالصرف المشرف على تنفيذ النفقات العمومية، فهو كما عرفه المشرع في الفصل 33 من المرسوم الملكي المنظم للمحاسبة العمومية: [12]"العمل الذي تحدث أو تثبت بموجبه منظمة عمومية أو جهاز عام سندا يترتب عنه تحمل" هذا التعريف ينطبق على الالتزام القانوني فقط، في حين يعني الالتزام المحاسبي تخصيص جزء من الاعتمادات المالية لتغطية نفقة ناتجة عن الالتزام القانوني[13].

وكيفما كانت طبيعة هذا الالتزام، فهو يبقى الإجراء الذي يتصدر التنفيذ الإداري في مجال التنفيذ المادي للنفقات العمومية، ويجعل من الدولة طرفا مدينا للمستفيد من قيمة النفقة، في انتظار باقي مراحل التنفيذ وإجراءاته، بهذا توخى المشرع من إحداثه لمراقبة الالتزام بالنفقات، وضع معيار فعال لمواجهة واستدراك الأخطاء قبل وقوعها، فهي مراقبة قبلية تجري في بداية إنشاء وإحداث النفقة العمومية سواء على مستوى الدولة أو الجماعات المحلية وهيآتها أو المؤسسات العمومية، بهدف التأكد من أن جميع النفقات العمومية خاضعة لمراقبة قبلية[14].

تتم مراقبة المحاسب العمومي للنفقات على مرحلتين، مرحلة الالتزام بالنفقات ومرحلة الأداء:

أ)على مستوى مراقبة الالتزامات بالنفقات[15]:

يقوم المحاسب العمومي بمراقبة المشروعية من خلال التأكد من أن مقترحات الالتزام بالنفقات مشروعة، بالنظر للأحكام التشريعية والتنظيمية ذات الطابع المالي، كما أنه يقوم بالمراقبة المالية للتأكد من الآتي:

- توفر الاعتمادات والمناصب المالية؛

- الإدراج المالي للنفقة؛

- صحة العمليات الحسابية لمبلغ الالتزام؛

-  مجموع النفقة التي تلتزم الإدارة المعنية بھا طيلة السنة التي أدرجت خلالھا؛

- الانعكاس الذي قد يكون للالتزام المقترح على استعمال مجموع اعتمادات السنة الجارية والسنوات اللاحقة؛

تتم ھذه المراقبة في إطار التنزيلات المالية لقانون المالية أو ميزانيات مصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة، أو عند الاقتضاء، برامج استعمال الحسابات الخصوصية للخزينة. ترفق اقتراحات الالتزام بالنفقات المقدمة من طرف المصالح الآمرة بالصرف ببطاقة الالتزام، تتضمن التنزيل وباب الميزانية الموافق له في الميزانية العامة أو ميزانية مصلحة الدولة المسيرة بصورة مستقلة ،أو في برامج الاستعمال للحساب الخصوصي للخزينة المعنية، تتم مراقبة الالتزام بالنفقات:[16]

- إما بوضع التأشيرة على مقترح الالتزام بالنفقات؛

- إما بإيقاف التأشيرة على اقتراحات الالتزام بالنفقات، وإعادة ملفات الالتزام غير المؤشر عليھا إلى المصلحة الآمرة بالصرف من أجل تسويتھا؛

- إما برفض التأشيرة معلل؛

تضمن جميع الملاحظات على مقترح الالتزام، في حالة إيقاف التأشيرة أو رفضھا، في تبليغ واحد إلى المصلحة الآمرة بالصرف المعنية. تحدد آجال وضع تأشيرة المحاسب العمومي على الالتزامات بالنفقات بالتأشيرة أو إيقافھا أو رفضھا في:

- اثني عشر ( 12 ) يوم عمل كاملة بالنسبة لصفقات الدولة؛

- خمسة ( 5) أيام عمل كاملة بالنسبة للنفقات الأخرى؛

وتحتسب ھذه الآجال ابتداء من تاريخ إيداع مقترح الالتزام بالنفقة، وبمجرد انصرام الأجل المحدد لمراقبة التزامات النفقات، يجب على المحاسب العمومي وضع التأشيرة على مقترح الالتزام وإرجاع الملف إلى المصلحة الآمرة بالصرف المعنية.

يجب على المصالح الآمرة بالصرف، قبل أي شروع في تنفيذ الأشغال أو الخدمات أو تسليم التوريدات، أن تبلغ مع المصادقة، عندما يستلزم الأمر ذلك، إلى المقاول أو المورد أو الخدماتي المعني، مراجع التأشيرة على النفقات الموضوعة على الصفقات، بما في ذلك سندات الطلب وعلى الاتفاقيات وعلى العقود وكذا على العقود الملحقة بھا، إن وجدت، في حالة ما إذا كانت ھذه التأشيرة مطلوبة، ويمكن عند الاقتضاء، للمقاول أو المورد أو الخدماتي المعني أن يطالب المصلحة الآمرة بالصرف المعنية بمراجعة التأشيرة المذكورة.

ب - على مستوى مرحلة الأداء:

يجب على المحاسب العمومي، قبل التأشير من أجل الأداء، أن يقوم بمراقبة صحة النفقة وذلك بالتأكد من[17]:

_ صحة حسابات التصفية؛

_ وجود التأشيرة القبلية للالتزام حينما تكون ھذه التأشيرة مطلوبة؛

_ الصفة الإبرائية للتسديد؛

كما أن المحاسب العمومي مكلف بالتأكد من:

_ إمضاء الآمر بالصرف المؤھل أو مفوضه؛

_ توفر اعتمادات الأداء؛

_ الإدلاء بالوثائق والمستندات المثبتة للنفقة، والمنصوص عليھا في القوائم المعدة من طرف الوزير المكلف بالمالية، بما في ذلك تلك التي تحمل الإشھاد بتنفيذ الخدمة من طرف الآمر بالصرف، أو الآمر بالصرف المساعد المؤھل.

فإذا لم يعاين المحاسب العمومي أية مخالفة فإنه يقوم بالتأشير وتسديد أوامر الأداء. غير أنه، إذا ما عاين وقت قيامه بالمراقبة، مخالفة للمقتضيات السالفة الذكر فعليه إيقاف التأشيرة وإرجاع أوامر الأداء غير المؤشر عليها، مرفقة بمذكرة معللة بشكل قانوني، تضم مجموع الملاحظات التي أثارها إلى الآمر بالصرف بغرض تسويتها، ويجب أن يتم وضع التأشيرة أو رفضها في أجل خمسة أيام بالنسبة للنفقات الخاصة بالموظفين، وفي خمسة عشر يوما بالنسبة للنفقات الأخرى، تحسب من تاريخ توصل المحاسب العمومي بورقات الإصدار وأوامر الأداء[18].

فإذا أوقف المحاسب العمومي تطبيق أداء النفقة وطلب الآمر بالصرف، كتابة وتحت مسؤوليته، صرف النظر على ذلك، باشر المحاسب العمومي الذي لم يعد مسؤولا عن ذلك، التأشير لأجل الأداء، وأرفق مع الأمر بالصرف أو الحوالة، نسخة مذكرة ملاحظاته وكذا الأمر بالتسخير، وذلك باستثناء الحالات التي كان رفض الأداء فيها من طرف المحاسب العمومي معللا ب:

_ عدم وجود الاعتمادات أو عدم توفرها أو عدم كفايتها؛

_ عدم توفر الصفة الإبرائية للتسديد؛

_ عدم وجود التأشيرة القبلية للالتزام حينما تكون هذه التأشيرة مطلوبة؛

ج) الاستثناءات[19]:

لا تخضع لمراقبة المشروعية:

_ نفقات الموظفين والأعوان المرتبطة بالوضعيات الإدارية والرواتب، باستثناء تلك المتعلقة بقرارات التعيين؛

_ لا تعرض للتأشيرة عند مراقبة الالتزام بالنفقات، النفقات المؤداة بدون سابق أمر بالصرف، إلا إذا كانت تلك النفقات تھم أجور موظفي وأعوان الدولة المدنيين والعسكريين، والترسيم وإعادة الإدماج وتغيير الدرجة ومغادرة الخدمة، مھما كان مبلغھا وكذا كل نفقات الموظفين والأعوان التي يقل مبلغھا أو يساوي خمسة آلاف ( 5.000 ) درھم؛

_ النفقات المتعلقة بالتحويلات والإعانات المقدمة للمؤسسات العامة والضرائب والرسوم، والقرارات القضائية والإيجارات مھما كان مبلغھا، باستثناء العقود الأصلية للإيجار والعقود التعديلية المرتبطة بھا؛

_ نفقات المعدات والخدمات التي يقل مبلغھا أو يساوي عشرين ألف ( 20.000) درھم؛

_ لا تخضع لمراقبة الالتزام ومراقبة الأداء صفقات الدولة، بما في ذلك سندات الطلب، والاتفاقيات والعقود المبرمة في إطار البرامج والمشاريع المستفيدة من أموال المساھمة الخارجية، المقدمة في شكل ھبات تطبيقا للاتفاقيات ثنائية؛

من أجل التحمل المحاسبي في محاسبته للالتزامات، يتعين على المصالح الآمرة بالصرف أن توجه في نھاية كل شھر، إلى المحاسب العمومي المعني بيانا يتضمن المرجع المطابق لھا، وصاحب الصفقة وموضوع ومبلغ النفقة المدرج في اعتمادات الأداء الخاصة بالسنة الجارية، وكذا الإدراج المالي المعني.

الفرع الثاني: المراقبة التراتبية: Contrôle modulé de la dépense

تطبق المراقبة التراتبية المخففة، على نفقات المصالح الآمرة بالصرف التي تتوفر على نظام مراقبة داخلية، يمكنها في مرحلة الالتزام بالنفقة، من التأكد من مشروعية النفقة، على ضوء النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الطابع المالي، ومن مجموع النفقة التي تلتزم بها الإدارة طيلة سنة الإدراج، ومن الانعكاسات المحتملة للالتزام على استعمال مجموع الاعتمادات برسم السنة المالية الجارية، كما يمكنها في مرحلة الأمر بالصرف، من التأكد من توفر الاعتمادات ومن وجود تأشيرة المحاسب العمومي على مقرر الالتزام، ومن عدم أداء الدين المستحق أكثر من مرة واحدة[20].

ويتولى المحاسب العمومي ممارسة المراقبة التراتبية المخففة على نفقات المصالح الآمرة بالصرف، مع مراعاة الاستثناءات السابق بيانها في مرحلة الالتزام، من خلال التأكد من توفر الاعتمادات والمناصب المالية وصحة العمليات الحسابية المتعلقة بمبلغ الالتزام، وكذا صحة الإدراج المالي، كما يقوم أيضا بالتأكد من مدى مشروعية مقترح الالتزام، بالنظر للنصوص التشريعية والتنظيمية ذات الطابع المالي، كما خول المشرع للمصالح الآمرة بالصرف، إمكانية الاستفادة من تخفيف إضافي للمراقبة التراتبية للنفقة، بواسطة قرار يتخذه الوزير المكلف بالمالية، في حالة استيفائها لشرطين أساسيين هما تقييم الكفاءة التدبيرية للمصالح المذكورة من جهة، وتوفرها على نظام للإفتحاص والمراقبة الداخلية من جهة أخرى[21].

تنصب المراقبة التراتبية المقرونة بالتخفيف الإضافي على مرحلتي الالتزام والأداء، تسري على المراقبة التراتبية في المرحلة الاولى، كافة الإجراءات المتعلقة بكيفية ممارسة المراقبة من قبل المحاسب العمومي، وكذا تلك المتعلقة بإلزامية تمثيل الأطراف المعنية من مراجع التأشيرة السابق بيانها، هذا ولا يمكن للمحاسب العمومي خلال مرحلة الأداء في حالة التخفيف الإضافي، أن يقوم أو يعيد القيام بمراقبة مشروعية النفقة، غير أن جميع الإجراءات المسطرية المتعلقة بوضع التأشيرة على الأوامر بالأداء، أو إيقافها وإرجاعها إلى المصالح الآمرة بالصرف، وكذا الآجال التي يتوفر عليها المحاسب العمومي للقيام بذلك، الخاصة بمراقبة صحة النفقة في إطار المراقبة التراتبية السابق بيانها، تسري كذلك على مراقبة صحة النفقة في إطار المراقبة التراتبية المقترنة بالتخفيف الإضافي.

المطلب الثاني: الرقابة الإدارية البعدية

تهدف الرقابة الإدارية البعدية، إلى التحقق من الإنجاز المادي للخدمات المقدمة، والأشغال المنجزة والتوريدات المسلمة، ويتم الأمر عن طريق بعض الأجهزة الإدارية المختصة بالتحقيق، سنكتفي بالحديث عن جهازين فقط، هما المفتشية العامة للمالية (الفرع الأول)، والمفتشية العامة للإدارة الترابية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: المفتشية العامة للمالية

هذه الهيأة تمثل أعلى جهاز إداري للتفتيش المالي بالمغرب، وتتبع مباشرة لوزير المالية، وقد أنشئت بموجب ظهير 14 أبريل1960 ، وهي مختصة بالتدخل الواسع على مستوى المصالح العمومية في كل الوزارات والدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام، وكل هيئة تستفيد من دعم مالي تساهم به الدولة في رأسمالها. وتعتبر رقابة المفتشية العامة للمالية أسلوبا من أساليب الرقابة الإدارية السابقة، كما هو الشأن بالنسبة لرقابة الالتزام بالنفقات، ويشكل هذا النوع من الرقابة بصفة عامة أحد أهم العناصر المكونة لمراقبة المالية بالمغرب، وذلك راجع إلى صلابة تكوين المفتشين وكذلك إلى تقنية التفتيش المفاجئ والتي تجعل المحاسبين والآمرين بالصرف في ترقب مستمر لزيارة المفتشين[22].

بالمقابل تتوفر أيضا الوزارات الأخرى على هيئات للمراقبة والتفتيش، تعمل تحت السلطة الرئاسية المباشرة للوزير المعني بالأمر، وغالبا ما تدعى مفتشيات عامة، تقوم بالصلاحيات المخولة إليها بمقتضى القوانين المحددة لاختصاصاتها وتنظيمها. فمهام هذه المفتشيات تنحصر في المراقبة الداخلية للمصالح المركزية والخارجية، وكذا بعض المؤسسات الخاضعة لوصاية هذه الوزارات، في حين المفتشية العامة للمالية، تضطلع بمهام ذات طابع أفقي وشمولي، وتمارس اختصاصات واسعة تشمل الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية[23].

وتختص المفتشية العامة للمالية بسلطات واسعة، تشمل إجراء عمليات التفتيش والافتحاص المالي على كل الإدارات والمصالح العمومية، وعلى الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين، وكذا القيام بكل التحريات التي تهم تدبير المال العام وتعتمد في عملها على عنصر المفاجأة، إذ تقوم بدورات تفتيش مفاجئة للإدارات تحدد حسب دواعي الاختيار، إما بناء على طلبات التدخل من وزراء أو مسؤولي مصالح معينة، أو بناء على تلقي شكاوى أو إشاعات مؤكدة، أو استنادا إلى اقتراح من المفتش العام بإجراء كل تحقيق يراه مفيدا ويحدد موضوعه بموافقة وزير المالية، وتحيط هذه المراقبة بكافة جوانب المصلحة موضوع البحث وتتوج بمحضر شامل يسجل نتائج التفتيش[24]، تعتمد هيئة التفتيش العام للمالية على تنظيم مباشر وبسيط لا يعير اهتماما كبيرا للبيئة الكلاسيكية للإدارة، بقدر ما يركز على أسلوب مرن يتمحور حول مهام التفتيش وقسم التكوين والتعاون[25]، فمهام التفتيش تتمحور حول:

- مهمة التفتيش ومراقبة مصالح الوزارة المكلفة بالمالية؛

- مهمة التفتيش والمراقبة وتدقيق المقاولات والمؤسسات والمصالح العمومية؛

- مهمة تدقيق المشاريع العامة والدراسات؛

وهي بذلك جهاز مركزي يمتد نشاطه إلى كل القطاعات العمومية في كل أنحاء المغرب، مما أكسبها مكانة هامة ضمن أجهزة الرقابة المالية بالمغرب. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن المفتشية العامة للمالية لا تمارس مهام المراقبة بصفة دائمة وتلقائية على جميع الهيئات الخاضعة لتدخلها، وإنما يتم ذلك بصفة محددة، في إطار برنامج سنوي يعده المفتش العام للمالية تحت إشراف وزير المالية، ويشمل بعض المصالح الإدارية والمؤسسات العمومية التي يتم اختيارها بناءا على معايير محاسبية ومالية، واستنادا كذلك على إفادات صادرة عن المصالح التي تقوم دائما بمهام مراقبة التدبير المالي والمحاسبي، كمديرية المؤسسات العمومية والخصوصية،  والمراقبة العامة للالتزام بنفقات الدولة، والخزينة العامة للمملكة.[26]

خلافا لأجهزة المراقبة الإدارية الأخرى، فإن هيئة التفتيش العام للمالية، لا يمكنها إلا الكشف عن المخالفات وتقديم ملاحظاتها[27]، وإخبار السلطة الرئاسية للجهة المراقبة ووزير المالية في حالة ثبوت إخلال خطير. كما أن سلطتها الزجرية تنحصر في إثارة مسطرة تعليق نشاط المحاسب في حالة إذا ما تبين لها خطورة المخالفة، دون أن يتمكن المفتش من تنفيذ العقوبة. ويبقى الهدف من تدخل المفتشية العامة للمالية هو مراقبة مشروعية العمليات المنجزة من طرف الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين، ولا تقتصر رقابتها على مشروعية العمليات المالية التي يقومون بها فقط، بل تتعداها إلى طريقة تسييرهم للمرافق العمومية التي تخضع لإشرافهم، ومدى ملائمة عملياتها وقراراتها[28] لروح القانون ومتطلبات المحيط السوسيو اقتصادي.

الفرع الثاني: المفتشية العامة للإدارة الترابية

يمكن حصر المهام الرقابية للمفتشية العامة للإدارة الترابية والجانب التنظيمي لهيأة التفتيش بموجب المرسوم 2.94.100 الصادر بتاريخ 16 يونيو1994 ، الخاص بالنظام الأساسي لهذا الجهاز[29]، وذلك على غرار نظام المفتشيات العامة التي دأب المغرب على إحداثه داخل الوزارات. وتتحد مهمة المفتشية العامة للإدارة الترابية طبقا لمرسوم 16 يونيو 1994، في مراقبة وفحص التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة لوزارة الداخلية والجماعات الترابية وهيئاته، بالإضافة إلى إمكانية إسناد مهمة إنجاز الدراسات للمفتشية العامة طبقا للمادة 5 من المرسوم رقم 2.94.100، على أن طلب التدخل من المفتشية يبقى مفتوحا أمام أي وزير معني بناء على طلب موجه لوزير الداخلية، كما يحظى أعضاء هيأة التفتيش بسلطة الإطلاع على الوثائق التي تمكنهم من أداء مهامهم، كما أنه بإمكانهم اللجوء إلى أي تحقيق أو تحرير يتضح أنه ضروري، وذلك طبقا للمادة 8 من نفس المرسوم[30].

كما تعمل المفتشية العامة للإدارة الترابية على القيام بإجراء عمليات التفتيش والمراقبة والتقصي، كلما توفرت المعايير المعتمدة والبراهين والأدلة، مع وجود اختلاسات واختلالات سواء عن طريق شكايات وتظلمات مستشارين جماعيين أو برلمانيين أو عن طريق تقارير معدة من قبل المجالس الجهوية للحسابات أو من خلال فعاليات