الأستاذة نجوى غميجة
باحثة بسلك الدكتوراه - جامعة محمد
الخامس- الرباط
الآلية الوطنية
للوقاية من التعذيب: دعامة أساسية للوقاية من التعذيب بالمؤسسات السجنية بالمغرب
Mécanisme
National de Prévention de la Torture : un pilier pour la prévention de la
torture dans les établissements pénitentiaires
au Maroc
مقدمة:
يرتبط تطور
حقوق الانسان كونيا بثلاث عوامل أساسية ترتبط بالدينامية الداخلية للدول والمحيطين
الإقليمي والدولي والتنظيم الأممي المتمثل في مجموع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية
في مجال حقوق الانسان.
ومن هذا المنطلق، وانسجاما مع
الدينامية الحقوقية التي عرفها المغرب في التسعينيات والتي تمثلت أساسا في إحداث
المجلس الاستشاري لحقوق (المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا)، فضلا عن الدستور المغربي
لسنة 1992، الذي أكد في ديباجته تشبث المملكة بحقوق الإنسان كما هو
متعارف عليها دوليا، صادق المغرب سنة 1993على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من
ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وفي هذا السياق، أصبحت مسألة مناهضة التعذيب وتجريمه مقتضى
دستوريا سنة 2011 من خلال الوثيقة الدستورية الجديدة، وذلك طبقا للفصل 22 من الدستور،
وتعريف جريمة التعذيب في الفصل 231-1 من القانون الجنائي المغربي.
واستكمالا لتطبيق اتفاقية
مناهضة التعذيب، صادق المغرب سنة 2014 على البروتوكول الاختيـاري لاتفاقيـة
مناهضـة التعذيـب وغـيره مـــن ضــروب المعاملــة أو العقوبــة القاسية أو
اللاإنسانية أو المهينة. إذ بانضمامه إلى
البروتوكول الاختياري المذكور أصبح المغرب ملزما بإنشاء الآلية الوطنية للوقاية من
التعذيب.
وفي هذا الصدد، تم الإعلان عن
التنصيب الرسمي للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب في 21 شتنبر 2019، طبقا
لمقتضيات القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان
ونظامه الداخلي.[1] وبالتالي، أصبح المجلس
الوطني للوقاية من التعذيب يضطلع بمهمتين اثنتين الأولى حمائية والثانية وقائية.
وبموجب القانون 15.76، خول
للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب الحق في القيام بزيارات منتظمة، وكلما طلب
المجلس الوطني ذلك، لمختلف الأماكن السالبة للحرية بغرض وقاية الأشخاص المحرومين
من حريتهم من أي شكل من أشكال التعذيب.
وتعتبر المؤسسات السجنية من بين
الأماكن السالبة للحرية التي تدخل ضمن مجال الزيارات المنتظمة التي تقوم بها
الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب لجميع أماكن الحرمان من الحرية. وفي نفس هذا
السياق، وجبت الإشارة إلى أن القانون 23.98المنظم للسجون يعتبر قفزة نوعية على
مستوى التشريع السجني، إذ تأسس على فلسفة عقابية حديثة هدفها التأهيل والإعداد
لإعادة الإدماج وفق مبدأ تفريد العقوبة.
وبهذا الخصوص، جاء القانون
23.98 والمرسوم التطبيقي له بمجموعة من الضمانات والآليات من أجل حماية حقوق
السجناء طبقا للنصوص والمواثيق الدولية التي سبق للمغرب أن صادق عليها. غير أنه،
ومن أجل تضمين المستجدات الدستورية والقانونية والحقوقية التي عرفتها المملكة
المغربية، وإدراج المعايير الدولية[2] التي لا يتضمنها القانون
في صيغته الحالية، تم إحداث ورش لمراجعة القانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير
المؤسسات السجنية من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج. وعليه،
تم إعداد مسودة تعديل القانون المنظم للسجون، انتقلت من مسودة مشروع قانون إلى
مشروع قانون رقم 19.21 معروض الآن على المسطرة التشريعية.
إن المملكة المغربية تتبنى
اليوم استراتيجية فعالة للوقاية من التعذيب ومنعه بشكل تام، من خلال ترسانة
قانونية هامة تتلاءم مع الالتزامات الدولية للملكة المغربية في هذا المجال.
وبناء على ما سبق، وفي الوقت
الذي أحاط فيه التشريع المغربي بمسألة حظر التعذيب، كان لزاما على المملكة
المغربية إحداث آلية وطنية لإجراء زيارات منتظمة لجميع أماكن الاعتقال بما فيها
المؤسسات السجنية في إطار التزاماتها الدولية في هذا المجال- البرتوكول الاختياري
الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب-، الشيء الذي قادنا إلى طرح الإشكالية الآتية: ما
هما الإطارين المعياري والمرجعي لمنع التعذيب بالمغرب؟ ما هو الدور الوقائي الجديد المنوط بالمجلس
الوطني لحقوق الانسان؟ وأين يتجلى مجال اشتغال الالية الوطنية للوقاية من التعذيب
بالمؤسسات السجنية؟
وحتى يتم الإحاطة بهذه الإشكالية،
ارتأينا الإجابة عليها من خلال التصميم التالي: المبحث الأول: الإطارين المعياري
والمرجعي لمناهضة التعذيب ومهام وصلاحيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان. المبحث
الثاني: الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بالمغرب.
المبحث الأول: الإطارين
المعياري والمرجعي لمنع التعذيب ومهام وصلاحيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان
المطلب الأول: الإطارين المعياري والمرجعي للوقاية من
التعذيب
يعتبر الإطار المعياري بمثابة
مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تتفاعل فيما بينها. ويشكل موضوع مناهضة التعذيب
محورا عرضانيا لا محيد عنه. وفي هذا
الصدد، يعرف موضوع حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو
اللاإنسانية أو المهينة اهتماما خاصا في الحماية الدولية لحقوق الإنسان. ويتم
التطرق للتعذيب في عدد كبير من المعاهدات، كما يشكل جزءا من
القانون الدولي العرفي الملزم لجميع الدول. وجدير بالذكر أن حظر التعذيب مطلق ولا يمكن تبريره تحت أي ظرف من الظروف.
ويرتبط سياق التطور الخاص
بالإطار المعياري لمناهضة التعذيب بالدور الذي لعبته الثورات الكبرى في تطوير
نظرية حقوق الإنسان، فضلا عن الانتقال من عصبة الأمم التي سبق وأن تأسست عام 1919
بعد الحرب العالمية الأولى بموجب معاهدة فرساي "لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق
السلام والأمن" إلى منظمة الأمم المتحدة سنة 1946. كما يدخل إعلان حقوق الإنسان
والمواطن على إثر ثروة 1789 باعتباره وثيقة حقوقية متضمنة لمبادئ الثروة الفرنسية.
وبالنظر إلى الأهمية الخاصة الممنوحة لحظر التعذيب، فإن
الالتزامات الدولية للدول في مجال احترام حقوق الإنسان وحمايتها تتعزز بالتزام
إضافي واستباقي يرمي إلى الوقاية من التعذيب والحيلولة دون وقوعه. وفيما يلي سنقوم
بعرض الإطارين المعياري والمرجعي لحظر التعذيب والوقاية منه. [3]
أ - الإطار المعياري
• الإعلان العالمي لحقوق الانسان:[4]
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمثابة النص
التأسيسي الأول في تاريخ حقوق الانسان، كما يشكل اللبنة الأساسية للشرعية الدولية
لهاته الحقوق. ويرد الحظر القاطع للتعذيب في هذه الوثيقة التأسيسية للنظام العالمي
لحقوق الإنسان، إذ تنص المادة 5 من الإعلان على أنه: "لا يجوز إخضاع أحد
للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة."
ولقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالحقوق غير
المنتقصة والمتمثلة في أربعة حقوق أساسية: الحق في الحياة، الحق في الحماية من
التعذيب، الحق في المساواة أمام القانون، وحرية الفكر والضمير والدين. وبالتالي،
فإن حقوق الإنسان حسب هذا الإعلان هي حقوق يمتلكها أي شخص، غير قابلة للتجزيء،
ثابتة وكونية وشمولية.
• العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية :[5]
يعتبر العهد
الدولي معاهدة دولية ملزمة لجميع الدول التي صادقت عليه. ويهدف العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية إلى ضمان حماية الحقوق المدنية والسياسية، بما فيها
الحق في عدم التعرض للتعذيب. وتنص المادة 7 منه على أنه: "لا يجوز إخضاع أحد
للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى
وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر."
كما تنص
المادة 10 على ضرورة المعاملة الإنسانية للأشخاص مسلوبي الحرية: "يعامل جميع
المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني."
ويتألف العهد من ديباجة و53 مادة موزعة على 6 أجزاء
بالإضافة إلى بروتوكولين اختياريين، الأول يعطي اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
صلاحية البت في الشكاوى، والثاني تتعهد من خلاله الدول الأطراف بحظر عقوبة
الإعدام.
• اتفاقية مناهضة التعذيب: [6]
تتضمن هذه المعاهدة سلسلة من الاحكام المتعلقة بالحظر
المطلق للتعذيب وإنشاء لجنة مناهضة التعذيب[7]
لرصد امتثال الدول للالتزامات التعاهدية وتنظر اللجنة في تقارير الدول الأطراف
والشكاوى الفردية.
تتولى لجنة لمناهضة التعذيب، بموجب المادة 17
من الاتفاقية، مسؤولية ضمان الامتثال لهذا الصك وتنفيذه. وتتألف اللجنة من 10
خبراء مستقلين يتمتعون بنزاهة أخلاقية عالية وكفاءة معترف بها في ميدان حقوق
الإنسان، وترصد تنفيذ الاتفاقية من جانب الدول الأطراف فيها.
ويجب على جميع الدول، بما فيها المغرب، أن
تقدم تقارير دورية إلى اللجنة عن تنفيذ الاتفاقية (المادة 19). وفي البداية، يجب
على الدول أن تقدم تقاريرها بعد سنة من انضمامها إلى الاتفاقية ثم كل أربع سنوات.
وتنظر اللجنة في كل تقرير وتعرب عن شواغلها وتوصياتها إلى الدولة الطرف في شكل
«ملاحظات ختامية».
وبالإضافة إلى التقارير، يجوز لللجنة أيضاً
إجراء تحقيقات ودراسة الشكاوى المقدمة بين الدول (المادتان 20 و21) والنظر في
الشكاوى الفردية (المادة 22). وقد اعترفت المملكة المغربية باختصاص اللجنة في تلقي
الشكاوى والبلاغات الفردية.
ونجد بأن المادة الأولى من هذه الاتفاقية تقوم بتعريف
لمصطلح التعذيب:
1- لأغراض هذه الاتفاقية
يقصد 'بالتعذيب ' أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديا كان أم عقليا، يلحق
عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف
،أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه ،هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو
ارغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم
على التمييز أيا كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي
شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية
أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.
2- لا تخل هذه المادة بأي صك دولي أو تشريع وطني يتضمن أو
يمكن أن يتضمن أحكاما ذات تطبيق أشمل. (المادة1)
ويمكن القول بأن تعريف اتفاقية مناهضة التعذيب ينبني على
المكونات التالية:
• المعاناة الجسدية أو العقلية المتعمدة
• بمساعدة مباشرة أو غير مباشرة من موظف في
الخدمة العامة
• لأغراض محددة.
كما تنص الاتفاقية على واجب اتخاذ تدابير للوقاية من
التعذيب وذلك من خلال المادة 2:
1- تتخذ كل دولة
طرف اجراءات تشريعية أو ادارية أو قضائية فعالة أو أية اجراءات أخرى لمنع أعمال
التعذيب في أي اقليم يخضع لاختصاصها القضائي.
2- لا يجوز
التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا
بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو اية حالة من حالات الطوارئ العامة الاخرى
كمبرر للتعذيب.
3- لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة
أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب.
وتنص المادة 3
من الاتفاقية على مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يقضي بعدم قيام الدول ترحيل أو
تسليم شخص إلى دولة أخرى إذا كانت هناك «أسباب جدية» للاعتقاد أن يكون الشخص في
خطر التعرض للتعذيب.
1-
لا يجوز لأية
دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده ("ان ترده") أو أن تسلمه إلى دولة
أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض
للتعذيب.
2-لا تراعى السلطات المختصة لتحديد ما إذا
كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق،
وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في
الدولة المعنية.
كما تولي الاتفاقية أهمية للتكوين والتثقيف في مجال
الوقاية من التعذيب وذلك من خلال المادة 10:
1-
تضمن كل دولة
إدراج التعليم والاعلام فيما يتعلق بحظر التعذيب على الوجه الكامل في برامج تدريب
الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين سواء أكانوا من المدنيين أو العسكريين،
والعاملين في ميدان الطب، والموظفين العموميين أو غيرهم ممن تكون لهم علاقة
باحتجاز أي فرد معرض لأي شكل من أشكال التوقيف أو اعتقال أو سجن أو باستجواب هذا
الفرد أو معاملته.
2- تضمن كل دولة
طرف إدراج هذا الحظر في القوانين والتعليمات التي يتم إصدارها فيما يختص بواجبات
ووظائف مثل هؤلاء الاشخاص.
تؤكد الاتفاقية كذلك على الحق في التشكي، وهو ما جاء في
المادة 13:
"تضمن كل دولة طرف لأي فرد يدعى بأنه قد
تعرض للتعذيب في أي اقليم يخضع لولايتها القضائية، الحق في أن يرفع شكوى إلى
سلطاتها المختصة وفي تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة. وينبغي
اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة
السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم."
ووفقاً
للمادة 15:
"تضمن كل
دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل
في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء
بهذه الاقوال."
تعتبر هذه الاتفاقية بمثابة صك دولي ملزم
قانونا يحدد التزامات الدول باتخاذ تدابير تشريعية أو إدارية أو قضائية أو غيرها
من التدابير الفعالة لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لولايتها.
• البروتوكول اختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة: [8]
تُستكمل اتفاقية مناهضة التعذيب ببروتوكول
اختياري اعتُمد في عام 2002 ودخل حيز النفاذ في عام 2006. ولا يضع البروتوكول
الاختياري معايير جديدة. على العكس من ذلك، يقوم على تعزيز الالتزامات المحددة
بمنع التعذيب الواردة في المادتين 2 و16 من الاتفاقية عن طريق إنشاء نظام لزيارات
منتظمة لأماكن الاحتجاز تقوم بها.
o اللجنة الفرعية لمناهضة
التعذيب:
أنشأ هذا البروتوكول لجنة فرعية
لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية (المادة 2) (المادة 2)
تتألف من 25 عضواً مستقلاً ومحايداً من مختلف مناطق العالم. واللجنة الفرعية مكلفة
بإجراء زيارات موقعية لتفتيش أماكن الاحتجاز بالاشتراك مع الهيئات الوطنية، وتقديم
المشورة والمساعدة وتقديم التوصيات والملاحظات إلى الدول الأطراف (للاطلاع على
مزيد من المعلومات، انظر المادة 11).
وتضطلع اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب
بثلاث مهام رئيسية:
- زيارة أماكن الاحتجاز في
الدول الأطراف؛
- تقديم المشورة والمساعدة إلى
كل من الدول الأطراف والآليات الوقائية الوطنية بشأن إنشاء وعمل الآليات الوقائية
الوطنية (المادة 11 من البروتوكول الاختياري)؛
- التعاون مع المنظمات
والمؤسسات الدولية والإقليمية والوطنية التي تعمل على تعزيز الحماية من التعذيب
وإساءة المعاملة.
o الآلية الوطنية للوقاية من
التعذيب:
استكمالا لعمل الهيئات الدولية
في مجال الوقاية من التعذيب، يعهد البرتوكول الاختياري باعتباره المعاهدة الدولية
الوقائية الوحيدة لحقوق الإنسان إلى الهيئات الوطنية - أي الآليات الوطنية للوقاية
من التعذيب مهمة القيام بزيارات منتظمة لأماكن الاحتجاز على الصعيدين الوطني
والمحلي.
وتعتبر الآليات الوطنية لمنع
التعذيب هيئات منشأة وفقاً للبروتوكول اتفاقية مناهضة التعذيب، وفقاً للمادة 3 من
البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب. ويتم في هذا الصدد، إنشاء أو تعيين
أو الاحتفاظ على الصعيد الوطني بهيئة زائرة واحدة أو أكثر مسؤولة عن منع التعذيب
وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
من خلال ما سبق، يمكن القول بأن
البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب يقوم على دعامتين أساسيتين،
الأولى تتمثل في اللجنة الفرعية باعتبارها هيئة دولية، والثانية تتمثل في الآلية
الوطنية الوقائية.
وتجدر الإشارة أن عدد من
المعاهدات الدولية الأخرى لحقوق الإنسان تقوم بحظر التعذيب وغيره من ضروب سوء
المعاملة. ونذكر في هذا الصدد، اتفاقية حقوق الطفل التي تتضمن حكما محددا يتعلق
بالتعذيب وإساءة معاملة الأطفال (المادة 37). وكذلك نجد مثل هذا الحكم في اتفاقية حماية حقوق
جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (المادة 10) واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي
الإعاقة (المادة 15).
أ - الإطار المرجعي
أما فيما يخص الإطار المرجعي
الخاص بالوقاية من التعذيب وحظره نذكر أساسا:
• الدستور المغربي :
جعل المغرب من مناهضة التعذيب مقتضى دستوريا، من خلال تضمين الفصل 22 من
دستور 2011 تجريما صريحا لجميع لانتهاكات بما فيها التعذيب:
لا يجوز المس بالسلامة الجسدية
أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.
لا يجوز لأحد أن يعامل الغير،
تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة
الإنسانية.
ممارسة التعذيب بكافة أشكاله،
ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون. (الفصل 22 من دستور المملكة)
كما جاء الفصل 23 بضمانات تخص
الحقوق الأساسية للأشخاص مسلوبي الحرية، من أجل تفادي أي شكل من أشكال الانتهاكات
الخاصة بحقوق الإنسان داخل أماكن الاعتقال:
لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص
أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها
القانون. الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض
مقترفيها لأقسى العقوبات.
يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله،
على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام
الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية
الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون.
قرينة البراءة والحق في محاكمة
عادلة مضمونان.
يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية،
وبظروف اعتقال إنسانية. ويمكنه أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة الإدماج.
يُحظَر كل تحريض على العنصرية
أو الكراهية أو العنف.
يُعاقب القانون على جريمة
الإبادة وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة
والممنهجة لحقوق الإنسان. ( الفصل 23 من دستور المملكة)
• القانون الجنائي :
يتم تعريف جريمة التعذيب في
الفصل 231-1 من القانون الجنائي المغربي، والذي يضمن للضحية عدة ضمانات خلال مرحلة
البحث ومرحلة التحقيق وخلال المحاكمة، كما يقضي ببطلان أي اعترافات انتزعت تحت
التعذيب ويخول للضحية الحق في المطالبة بجبر الأضرار.[9]
وتجدر الإشارة إلى أن هذه
النصوص تواكبها عدة إجراءات مصاحبة تتمثل أساسا في إصدار دوريات ومذكرات لحث موظفي
الأماكن السالبة للحرية على التشبث بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب وعدم المس
بالسلامة الجسدية أو العقلية أو النفسية لأي شخص تحت أي ظرف أو ذريعة أو تعريضه لأي معاملة حاطة للكرامة.
وبناء على كل ما سبق، نستخلص
بأن المغرب قد
المطلب الثاني: المجلس الوطني لحقوق الإنسان: المهام
والصلاحيات.
بعد مرور تسعة وعشرين عاماً على
تأييد المجتمع الدولي رسمياً لفكرة إنشاء مؤسسات وطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان
من خلال دعم مبادئ باريس، من الواضح أن وجود مؤسسات وطنية مستقلة وفعالة لحقوق
الإنسان أمر مهم ومفيد بنفس القدر اليوم.
اعتمدت الجمعية العامة سنة 1993للأمم
المتحدة القرار 48/134 المعنون «المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان»،
الذي شجعت فيه جميع دول العالم على إنشاء مؤسسات وطنية مستقلة لحقوق الإنسان. وتم
إرفاق هذا القرار بالمبادئ المتعلقة بالنظام الأساسي للمؤسسات الوطنية لتعزيز
وحماية حقوق الإنسان، المعروف بمبادئ باريس[10].
وتعتبر المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان مؤسسات
مستقلة غير قضائية أنشأتها الدول بموجب نص دستوري أو تشريعي، وهي مكلفة بتعزيز
حقوق الإنسان وحمايتها.
ويسمح للمؤسسات الوطنية لحقوق
الإنسان بمحاسبة حكوماتها والنهوض بحقوق الإنسان. كما تعتبر هذه المؤسسات مسؤولة
في الوقت نفسه عن العمل بشكل وثيق مع المجتمع المدني. وبالتالي يمكن أن تكون
بمثابة جسر بين المجتمع المدني والسلطات، بينما تظل مستقلة عن كليهما.
ومن جهة أخرى وبصفتها جهات
فاعلة محلية، فإن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لديها فهم عميق للسياق الذي تعمل
فيه ويمكنها العمل بمرور الوقت لإحداث فرق.
وفي المملكة المغربية، وتماشيا
مع مبادئ باريس هي باعتبارها دستور المؤسسات الوطنية، تم إحداث المجلس الاستشاري
لحقوق الإنسان بمقتضى الظهير الشريف رقم 12.90.1 الصادر في 24 رمضان 1410 الموافق
20 أبريل 1990.
يعتبر المجلس الوطني لحقوق
الإنسان المحدث في الفاتح من مارس 2011 ليحل محل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة،
تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها،
وبضمان ممارستها الكاملة والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنين. كما
يقوم المجلس الوطني لحقوق الانسان بتكريس الطابع الكوني لهذه الحقوق، بصفتها غير
قابلة للتجزيء.
ولقد عرف المجلس الوطني سنة
2018 إعادة تنظيمه بموجب القانون رقم 76.15[11] المتعلق
بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وأتى هذا التغيير لتضمين بعض ما جاءت
به الوثيقة الدستورية لسنة 2011 وإعطائه وضعا دستوريا باعتباره هيئة لحماية حقوق
الإنسان والنهوض بها، إذ تنص المادة 161 من الدستور على أن "المجلس الوطني
لحقوق الانسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة. تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة
بالدفاع عن حقوق الانسان والحريات وحمايتها وبضمان ممارستها الكاملة والنهوض بها
وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق
الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال".
ومن خلال القانون 76.15، يناط
بالمجلس الوطني لحقوق الانسان مهام رصد ومراقبة وتتبع أوضاع حقوق الإنسان على
الصعيدين الوطني والجهوي؛ إجراء التحقيقات والتحريات اللازمة بشأن انتهاكات حقوق
الإنسان وإنجاز تقارير تتضمن خلاصات ما قام به كما يتولى توجيه هذه التقارير إلى
الجهات المختصة، مشفوعة بتوصياته.
كما يقوم المجلس بالنظر في جميع
حالات انتهاك حقوق الإنسان، إما تلقائيا أو بناء على شكاية فضلا عن دراسة الشكايات
ومعالجتها وتتبع مسارها وإخبار المعنيين بالأمر بمآلها.
كما يسمح للمجلس الوطني لحقوق
الإنسان بزيارة أماكن الاعتقال والمؤسسات السجنية، ومراقبة أحوال السجناء
ومعاملتهم، وكذا مراكز حماية الطفولة وإعادة الإدماج، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية،
والمؤسسات الاستشفائية الخاصة بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية، وأماكن الاحتفاظ
بالأجانب في وضعية غير قانونية.
كما يمكن للمجلس الوطني التدخل
بكيفية عاجلة كلما تعلق الأمر بحالة من حالات التوتر قد تفضي إلى وقوع انتهاك حق
من حقوق الإنسان بصفة فردية أو جماعية، وذلك ببذل كل مساعي الوساطة والصلح التي
يراها مناسبة بتنسيق مع السلطات العمومية المعنية.[12]
ومن جهة أخرى، يلعب المجلس
الوطني لحقوق الانسان دورا محوريا في مجال النهوض بحقوق الإنسان إذ يتولى دراسة
مدى ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية
المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، كما يعمل على
تشجيع مواصلة مصادقة المملكة المغربية على المعاهدات الدولية والإقليمية المتعلقة
بحقوق الإنسان أو الانضمام إليها.
ومن أجل النهوض بحقوق الفئات
الهشة وتعزيزها، تم إحداث بموجب القانون 76.15 ثلاث آليات وطنية، وهي:
·
الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب.
·
الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل.
·
الآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.
نلاحظ مما سبق، بأن المجلس
الوطني لحقوق الانسان أصبح يتوفر على منظومة حمائية متكاملة بفضل توسع اختصاصاته
في مجال حماية حقوق الإنسان. وتجدر الإشارة، أنه في إطار المهام الرقابية للمجلس
الوطني، يقوم هدا الأخير بمراقبة تتبع أوضاع السجناء والمؤسسات السجنية من خلال الزيارات التي يقوم
بها ولجانه الجهوية للسجون. ومن جانبها، تقوم المندوبية العامة لإدارة السجون
وإعادة الإدماج بالتفاعل مع ملاحظات وتوصيات وتقارير المجلس الوطني باعتباره شريكا
أساسيا في مجال تعزيز حماية الحقوق الأساسية للسجناء.
وفي نفس هذا السياق، أنيط
بالمجلس الوطني إلى جانب مهامه الحمائية، مهمة وقائية تدخل أساسا في مجال اشتغاله
المتعلق بالأماكن السالبة للحرية. فوفقا للقانون 76.15، أصبح للمجلس الوطني-
باعتباره يضطلع بمهمة الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب السالفة الذكر- صلاحية
الولوج إلى مختلف الأماكن السالبة للحرية والاطلاع على ظروف الاعتقال وإجراء مقابلات
فردية مع السجناء والموظفين.
المبحث الثاني: الآلية الوطنية
للوقاية من التعذيب بالمغرب
المطلب الأول: ظروف نشأة الآلية
الوطنية للوقاية من التعذيب والاختصاصات المنوطة بها.
انسجاما مع الدينامية الحقوقية
التي عرفها المغرب في التسعينيات، وتكريسا لمبادئ حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب،
التي ستصبح مقتضى دستوريا سنة 2011، من خلال الفصل 22 من الدستور، وتعريف جريمة
التعذيب في الفصل 231-1 من القانون الجنائي المغربي، صادقت المملكة سنة 1993على
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية
أو المهينة، التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية
العامة 1984، ودخلت حيز التنفيذ 1987.
وفي إطار استكمال تطبيق اتفاقية
مناهضة التعذيب وضمان التزام الدول الأطراف، تم تأسيس البروتوكول الاختياري
لاتفاقية مناهضة التعذيب الذي وافق المغرب على الانضمام إليه سنة 2014. وكما قلنا
سابقا فإن هذا البرتوكول الاختياري يقوم على دعامتين اثنين متمثلتين في هيئة دولية
وآلية وقائية وطنية.
وتنص المادة 17 من البرتوكول
الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب على إنشاء آلية وطنية وقائية للوقاية من
التعذيب:
المادة 17 تستبقـي كل
دولة طرف أو تعيّن أو تنشئ، في غضون فترة أقصاها سنة واحدة بعد بدء نفاذ هذا
البروتوكول أو التصديق عليه أو الانضمام إليه، آلية وقائية وطنية مستقلة واحدة أو
أكثر لمنع التعذيب على المستوى المحلي. والآليات المنشأة بواسطة وحدات لا مركزية
يمكن تعيينها آليات وقائية وطنية لأغراض هذا البروتوكول إذا كان نشاطها متفقا مع
ما ينص عليه من أحكام.
وبالتالي، فإن الآليات الوقائية الوطنية هي
العنصر الوطني لنظام الوقاية الذي أنشأه البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة
التعذيب. إذ تقوم هاته الآليات بزيارات منتظمة إلى جميع أنواع الأماكن التي يُحرم
فيها الأشخاص من حريتهم. ومن خلال زياراتها، تحدد الآليات الوقائية الوطنية
العلامات التحذيرية لمنع التعذيب في
أماكن الاعتقال.
وبناء عليه، تم إحداث الآلية
الوطنية للوقاية من التعذيب، وذلك بتنصيب المجلس الوطني لحقوق الإنسان لهياكلها، وفقا
للقانون رقم 15. 76 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس
الوطني لحقوق الإنسان.
وحسب المادة 13 من القانون
المذكور، تختص الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بدراسة وضعية وواقع معاملة
الأشخاص المحرومين من حريتهم من خلال القيام بزيارات منتظمة، إعداد توصيات من
شأنها تحسين معاملة وأوضاع الأشخاص مسلوبي الحرية وتقديم مقترحات وملاحظات بشأن
التشريعات أو مقترحات القوانين ذات الصلة بالوقاية من التعذيب.
وتجدر الإشارة أن الآلية
الوطنية للوقاية يمكنها زيارة جميع الأماكن السالبة للحرية بما فيها السجون، مخافر
الشرطة، مخافر الدرك الملكي، دور حماية الطفولة، مستشفيات الأمراض العقلية، أماكن
الاحتفاظ بالمحاكم، مؤسسات الرعاية الاجتماعية، المطارات، إلى آخره.
ووفقا للمادة 15 من نفس
القانون، فإن على السلطات العمومية المكلفة بإدارة أماكم الحرمان من الحرية مد
أعضاء الآلية الوطنية بجميع المعلومات اللازمة، وتمكينهم من الولوج إلى جميع أماكن
الحرمان من الحرية وحرية اختيارها فضلا عن إجراء مقابلات مع الأشخاص مسلوبي الحرية
بطريقة منفردة.
وتعتمد الآلية الوطنية للوقاية
من التعذيب على خطة سنوية تقوم من خلالها ببسط أهدافها وطرق اشتغالها. وعلى سبيل
المثال، فقد تضمنت خطة عمل الآلية لسنة 2021 على خمسة محاور أساسية:
·
المحور الأول: استكمال إحداث هيئة تنظيمية فعالة.
·
المحور الثاني: مواصلة تعزيز القدرات والمهارات الضرورية لأعضاء فريق
الآلية.
·
المحور الثالث: مواصلة زيارة الأماكن السالبة للحرية من أجل اكتساب نظرة
عامة على جميع أنواع أماكن الحرمان من الحرية.
·
المحور الرابع: دعم الأداء الفعال للآلية من خلال مجموعة من المؤشرات.
·
المحور الخامس: برنامج تواصلي ذو بعد وطني وبعد دولي.
وقبل الشروع في الحديث على عمل
الآلية داخل المؤسسات السجنية ( المطلب الثاني) سنتحدث بطريقة عامة على المنهجية
المعتمدة للقيام بالزيارات بجميع الأماكن السالبة للحرية.
وفي هذا الإطار، يخضع اختيار
الأماكن المراد زيارتها لمعايير خاصة، تتعلق أساسا بالفئة المستهدفة والبعد
الجغرافي والجانب الموضوعاتي. يتم كذلك بلورة استبيانات تحتوي على المعلومات
الكاملة المتعلقة بالأماكن السالبة للحرية المراد زيارتها. بعد الزيارة يتم التحقق
من النتائج المتحصل عليها وتحليلها وفقا للمعايير الوطنية والدولية المعمول بها.
وعلى أساس النتائج المتحصل
عليها، يتم بلورة مجموعة من الملاحظات والتوصيات من أجل معالجة الاختلالات وإيجاد
حل للإشكالات المطروحة. تصاغ هذه التوصيات بتقارير تنجزها الآلية، بهدف توثيق
الأوضاع وتحليلها وتقييم التقدم المحرز أثناء زيارات التتبع للحصول على قاعدة
بيانات واضحة تسمح بالتواصل الفعال مع سلطات الأماكن السالبة للحرية.
المطلب الثاني: مجال اشتغال
الالية الوطنية للوقاية من التعذيب بالمؤسسات السجنية.
لقد أبانت تجربة الآليات
الوقائية الوطنية في العالم بأن الرصد الوقائي يسهم في الحد من أعمال التعذيب وسوء
المعاملة، التي يمكن أن تحدث عادة في أماكن لا تخضع لإشراف مستقل وخارجي. لذلك،
فإن وجود آليات وقائية وطنية في الأماكن التي يوجد فيها أشخاص محرومون من الحرية
يشكل دعامة أساسية للوقاية من حدوث انتهاكات إنسانية وذلك من خلال الرصد واكتشاف
عوامل الخطر التي من شأنها أن تؤدي إلى سوء المعاملة أو التعذيب.
وبالتالي، فإن الآلية الوطنية
للوقاية من التعذيب تسعى أساسا إلى تجنب حدوث حالات سوء المعاملة والتعذيب من خلال
الزيارات التي تقوم بها لمختلف مرافق الاعتقال من أجل تحديد أوجه القصور في
القواعد والإجراءات والممارسات ذات الصلة، وكذلك بلورة توصيات لمعالجتها،
والمساعدة على تعزيز وإصلاح البناء المؤسساتي والحث على الممارسات الفضلى في هذا
المجال.
وباعتبارها مؤسسات تستقبل الأشخاص
الصادرة في حقهم تدابير سالبة للحرية[13]،
تقوم الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بالمغرب بزيارات منتظمة للمؤسسات
السجنية.
واعتبارا للأهمية القصوى لموضوع
الوقاية من التعذيب ومنعه، وفي إطار مواكبة المندوبية العامة لإدارة السجون
وإعادة الإدماج لتوجهات المملكة الرامية إلى احترام حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب
وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، سبق للمندوبية العامة
لإدارة السجون وإعادة الإدماج بتعميم دوريات ومذكرات تحث موظفيها من خلالها على
التشبث بمقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب وتفادي أية سلوكات خارجة عن نطاق القانون.
كما تقوم المندوبية العامة
بتضمين الوقاية من التعذيب ومنعه في برامجها للتكوين الأساسي والمستمر والمختص.
ولقد استفاد أطرها بكافة اختصاصاتهم من دورات تكوينية في هذا المجال. ونذكر على
سبيل المثال برنامج الشراكة الذي يجمع كل من المندوبية العامة ومركز دراسات حقوق
الانسان والديموقراطية ومركز جنيف للمراقبة الديموقراطية على القوات المسلحة، إذ
سبق وأن استفاد أكثر من 523 موظف من تكوينات في مجال الوقاية من التعذيب.[14]
كما سبق وأن استفاد موظفي
المندوبية العامة من دورة تكوينية حول "الآلية الوطنية للوقاية من
التعذيب" بتأطير من طرف خبراء المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى
أن هذا التكوين قام بالربط بين الجانب النظري والجانب التطبيقي من خلال تنظيم
زيارة محاكاة ميدانية إلى مؤسسة سجنية.[15]
ورغم أن تجربة الآلية الوطنية
للوقاية من التعذيب حديثة العهد، إلا أنها استطاعت خلال السنتين الماضيتين اللتين
تزامنتا مع أزمة كوفيد19 الصحية، من القيام بزيارات إلى بعض المؤسسات السجنية.
ولقد سجلت الآلية الوطنية في
حصيلة أنشطتها لسنة 2021 مجموعة من الملاحظات والتوصيات والممارسات الفضلى التي من
شأنها النهوض بأنسنة الفضاء السجني والوقاية من التعذيب بمجمل مرافقه.
ومن بين الممارسات الفضلى التي
ثمنتها الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، نجد مبادرة المندوبية العامة المتعلقة
بتعميم "دليل السجين" على كافة السجناء من أجل التعرف على حقوقهم
وواجباتهم داخل المؤسسة السجنية. كما أقرت
الآلية الوطنية بالانخراط التام للمندوبية العامة من أجل الحد من تفشي ظاهرة كوفيد
19 بالمؤسسات السجنية من خلال كافة التدابير الوقائية والعلاجية التي اتخذتها.[16]
أما فيما يخص الحقوق الأساسية
للسجناء، فقد قامت الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بتسجيل ملاحظاتها فيما يخص
الحق في الرعاية الصحية والحق في التغذية والنظافة والحق في إيواء يحترم المعايير
الدولية المعمول بيها.
وفي هذا الصدد، قدمت الآلية
الوطنية للوقاية من التعذيب توصياتها بشأن الملاحظات التي سجلتها أثناء الزيارات،
والتي ارتبطت أساسا بضرورة تحسين ظروف الاعتقال من إيواء وتغذية وخدمات طبية طبقا
لقواعد نيلسون منديلا وما هو معمول به في القانون المنظم للسجون.
وبالتالي، يشكل المجلس الوطني
لحقوق الانسان جزءاً من منظومة قانونية تتعلق بمناهضة التعذيب والوقاية منه
بالمؤسسات السجنية بالمغرب، إذ تتمثل مهمته في التزامه كآلية للوقاية من التعذيب
في معرفة واقع الأشخاص المحرومين من حريتهم من منظور حقوق الإنسان، تحديد الأسباب
العامة لانتهاكات هذه الحقوق والعمل على إحداث تغييرات في الظروف والممارسات داخل
الوسط السجني، بغية تخفيف وطأة الاعتقال وزيادة فرص حصول الأشخاص المحرومين من
حريتهم على حقوقهم الأساسية؛ وبالتالي المساهمة بشكل فعال في أنسنة ظروف الاعتقال.
خاتمة:
إن منع التعذيب والوقاية منه
بطريقة فعالة يتطلب وضع استراتيجية شاملة واتباع نهج متكامل، يتألف من ثلاثة عناصر
مترابطة: إطار قانوني يحظر التعذيب؛ التطبيق الفعال لهذا الإطار القانوني؛ وآليات
دولية ووطنية لمناهضة التعذيب والوقاية منه.
وتجدر الإشارة، إلى أنه ولفترة
طويلة، ركزت مكافحة التعذيب على العنصرين الأولين المتعلقين بإصدار إطار قانوني
ناجع لمنع التعذيب والوقاية منه، قبل أن تصبح الدول المصادقة على البرتوكول
الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب ملزمة بإنشاء آليات على المستوى الوطني
بالموازاة مع اشتغال اللجنة الفرعية لمنع التعذيب على الصعيد الدولي من أجل العمل
وفق مقاربة استباقية ووقائية لحظر التعذيب بجميع الأماكن السالبة للحرية.
ويمكن القول بأن الآلية الوطنية
للوقاية من التعذيب بالنسبة للقطاعات الوصية على أماكن الحرمان من الحرية عامة، والمندوبية
العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج خاصة، هي بمثابة فرصة للتغيير الإيجابي وشريك
أساسي من أجل النهوض بأنسنة ظروف الاعتقال وغرس ثقافة حقوق الانسان في الوسط
السجني.
قائمة المراجع:
o
الظهير الشريف رقم 1.18.17 الصادر في 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) بتنفيذ القانون رقم 76.15 المتعلق
بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
o
الصيغة المنقحة المقترحة للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء
"قواعد نيسلون مانديلا" سنة 2015.
o
حقوق
الإنسان: مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1993، رقم
المبيعA.94.XIV-Vol.1, Part 1، ص 28.
o
الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.
o
العهد الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966
تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49.
o
اتفاقية
مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملةأو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو
المهينة، اعتمدتها الجمعية العامة وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام
اليها في القرار 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1984 تاريخ بدء النفاذ:
26 حزيران/ يونيه 1987، وفقا للمادة 27 (1.
o
البروتوكول
اختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو
اللاإنسانية أو المهينة، اعتمدته
الجمعية العامة في 18 ديسمبر 2002 ودخلت حيز النفاذ في 22 يونيو 2006 .
o
د.خالد
الشرقاوي السموني، التعذيب في القانون الجنائي المغربي، مدونة
قانونية - أمنية شاملة.
o
مبادئ باريس:
مجموعة معايير دولية تنظم وتوجه أعمال المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، اعتمدتها
الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993.
o
ا لظهير الشريف
رقم 1.18.17 بتنفيذ القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق
الإنسان (22 فبراير 2018)
o
تقديم المجلس
الوطني لحقوق الإنسان، صلاحيات المجلس في مجال حماية حقوق الإنسان، https://www.cndh.ma/ar/tqdym-lmjls-lwtny-lhqwq-lnsn/tqdym-lmjls-lwtny-lhqwq-lnsn
o
قانون رقم
98-23 يتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، المادة 2.
o
تقرير " وضعية السجون
بالمغرب على ضوء المعايير الدولية والتشريعات الوطنية وضرورة الإصلاح
(2016-2020)". مركز دراسات حقوق الانسان. 2021.
o
بلاغ المندوبية العامة متوفر على https://www.dgapr.gov.ma/articles.php?id_art=625.
o
التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان 2021 تداعيات
كوفيد 19 على الفئات الهشة ومسارات الفعلية، فبراير 2022، ص 250.
[1] نشر بتاريخ فاتح مارس 2018 بالجريدة الرسمية عدد 6652، الظهير الشريف رقم
1.18.17 الصادر في 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) بتنفيذ
القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
[2] الصيغة المنقحة المقترحة للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء "قواعد
نيسلون مانديلا" سنة 2015.
[3] حقوق
الإنسان: مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1993، رقم المبيعA.94.XIV-Vol.1, Part 1، ص 28.
[4] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اعتمد ونشر
على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10
كانون الأول/ديسمبر 1948
[5] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اعتمد
وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200
ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966 تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976،
وفقا لأحكام المادة 49.
[6] اتفاقية
مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو
المهينة، اعتمدتها الجمعية العامة وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام
اليها في القرار 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1984 تاريخ بدء النفاذ:
26 حزيران/ يونيه 1987، وفقا للمادة 27 (1)
[7] لجنة
مناهضة التعذيب ترصد تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب لدى الدول الأطراف في الاتفاقية، وتتألف من 10 خبراء
منتخبين حسب المادة 17 من الاتفاقية.
[8] البروتوكول اختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب
المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، اعتمدته الجمعية العامة في 18 ديسمبر 2002 ودخلت حيز النفاذ
في 22 يونيو 2006.
[9] د.خالد
الشرقاوي السموني، التعذيب في القانون الجنائي المغربي، مدونة قانونية - أمنية شاملة.
1.
[10] مبادئ باريس: مجموعة معايير
دولية تنظم وتوجه أعمال المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، اعتمدتها الجمعية العامة
للأمم المتحدة في عام 1993.
[11]ا لظهير
الشريف رقم 1.18.17 بتنفيذ القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني
لحقوق الإنسان (22 فبراير 2018)
[12]تقديم المجلس الوطني
لحقوق الإنسان، صلاحيات المجلس في مجال حماية حقوق الإنسان، https://www.cndh.ma/ar/tqdym-lmjls-lwtny-lhqwq-lnsn/tqdym-lmjls-lwtny-lhqwq-lnsn
[14] تقرير
" وضعية السجون بالمغرب على ضوء المعايير
الدولية والتشريعات الوطنية وضرورة الإصلاح (2016-2020)". مركز دراسات حقوق
الانسان. 2021.
[15] بلاغ المندوبية العامة متوفر على https://www.dgapr.gov.ma/articles.php?id_art=625.
[16] التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان 2021 تداعيات
كوفيد 19 على الفئات الهشة ومسارات الفعلية، فبراير 2022، ص 250.
0 تعليقات