لتحميل عدد المجلة الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf الرابط أذناه:
https://www.allbahit.com/2022/12/49-2022-30-pdf-httpsdrive.html
الأستاذ عملوك المهدي
باحث في القانون العام
ماهية الشرطة الإدارية ودورها في حماية النظام العام
What is the administrative police and its role in
protecting public order
مقدمة:
الضبط الإداري، الشرطة الإدارية أو البوليس الإداري إحدى الدعامات الرئيسية التي تقوم عليها وظيفة الإدارة العامة، التي تعمل على إشباع حاجيات الأفراد بتقديم أفضل الخدمات لهم.[1]
لذلك يفضل الأستاذ عبد القادر باينة مفهوم الضبط الإداري الذي يستعمله الفقهاء في الوطن العربي ويعتبره أقوم على تعبير الشرطة الإدارية، التي لا تقتصر على مفهوم السلطة أو الردع، بل تؤكد أيضا على التنظيم وضبط النشاط الإداري والحياة العامة بالبلاد وتوجيه نشاط المواطنين في نطاق الصالح العام يعني في إطار الحفاظ على النظام العام.[2]
ففي الوقت الذي كانت أغراض سلطة الضبط الإداري مقتصرة على إشاعة الأمن العام والصحة العامة والحفاظ على السكينة العامة وراحة عموم الناس، شهدت نظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تطورات كبيرة مما استوجب تدخل الدولة الفاعل، لتنظيم حريات الأفراد التي بدورها تعددت مناحي نشاطاتها وتنوعت أشكالها، لهذا فإن تدخل سلطة الضبط الإداري لتحقيق مصالح المجتمع العليا والمتمثلة في الحفاظ على النظام العام أصبح ضرورة لا مناص منها.
إن الضبط الإداري والشرطة الإدارية أو البوليس الإداري هو نشاط ومظهر من مظاهر عمل الإدارة تهدف من خلاله الحفاظ على النظام العام أو إعادته لنصابه عند اختلاله من خلال الوسائل والأساليب المقررة لها قانونا، ويقتضي ذلك منحها الإدارة العديد من الامتيازات اللازمة لتحقيق الغاية المذكورة، إلا أن تلك الامتيازات لا يمكن أن تكون غاية بحد ذاتها، بقدر ما هي وسائل يمكن لسلطة الضبط الإداري من خلالها أن تقوم بأداء مهامها بفاعلية ونشاط .
غير أنه وبسبب الارتباط المباشر النشاط الضبط الإداري بحقوق الأفراد وحرياتهم العامة، فإن ذلك يمكن أن يرتب أثره تجاه سلطة الضبط الإداري بحيث لا يمكن أن تكون لها حرية مطلقة عند أداء مهامها، دون حدود و قيود بل يجب عليها التقيد بإجراء
الموازنة بين متطلبات المحافظة على النظام العام كونه يمثل غاية الضبط الإداري من جهة واحترام حقوق الأفراد وحرياتهم العامة من جهة أخرى حتى وان تطلب ذلك تنظيمها لممارسة الأفراد لتلك الحريات تفاديا للتهديد الحاصل بالنظام العام.
وحيث أن فكرة النظام العام، فكرة مرنة ونسبية ومتغيرة من زمان لأخر ومن مكان الآخر، بحيث لا يمكن تحديد
ماهيتها ضمن مفهوم محدد سلفا في النصوص القانونية أو الأحكام القضائية، فإنه قد يفسح المجال أمام سلطة الضبط الإداري في التعسف بالسلطة الممنوحة لها لفرض المحافظة على النظام العام، بشكل قد يرتب آثاره السلبية تجاه حقوق الأفراد وحرياتهم العامة، من خلال المساس بها أو تقييدها دون مبرر قانوني خاصة وان عناصر النظام العام لم تعد قاصرة على العناصر التقليدية لها والمتمثلة بالأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة بل أصبحت شاملة في الوقت الحاضر لعناصر أخرى، كالنظام العام المعنوي (الأخلاق العامة) والنظام العام البيئي (جمال الرونق والرواء) والنظام العام الاقتصادي. [3]
وفي هذا الصدد، فإننا سنتطرق في هذا المقال لتأصيل فكرة الضبط الإداري من خلال التطرق لطبيعة الضبط الإداري في
المطلب الأول و انواعه وعلاقته ببعض الأنظمة المشابهة له في المطلب الثاني ثم اهدافه في
المطلب الثالث.
المطلب الأول : تأصيل فكرة الضبط الإداري
إن الضبط الإداري إحدى الدعامات الرئيسية التي تقوم عليها وظيفة الإدارة العامة التي تعمل على إشباع حاجات الأفراد بتقديم أفضل الخدمات لهم.
والسلطات العمومية هي المكلفة بالحفاظ على النظام العام وكل دولة لا تستطيع الحفاظ عليه فلا يمكن أن تعتبر دولة قادرة على القيام بمسؤولياتها من اجل حماية مواطنيها وسلامة الدولة نفسها .
لما كانت سلطة الضبط الإداري تطال مجالات شتى، فقد تباينت آراء فقهاء القانون في تناولهم لطبيعتها، إذ رأى قسم منهم أنها سلطة قانونية محايدة
(الفقرة الاولى) في حين عدها آخرون سلطة ذات طبيعة سياسية
(الفقرة الثانية) بينما أكد رأي آخر على الطبيعة المزدوجة لسلطة الضبط الإداري
(الفقرة الثالثة).
الفقرة الاولى: الضبط الإداري سلطة قانونية محايدة .
يری جانب من الفقه بان سلطة الضبط هي سلطة قانونية محايدة، تمارس في حدود القانون وتخضع لرقابة القضاء للتأكد من مشروعية عمل الضبط، ويقصد بالحيادية في هذا الخصوص "أن تـنصرف وظيفة الضبط الإداري إلى غاية الأوضاع الرتيبة لحياة المجتمع من أي خلل ضمن إطار يباشر فيه الأفراد حرياتهم حتى لإرساء استخدامها وتسود الفوضى".[4]
ويمثل هذا الاتجاه في الفقه الفرنسي الفقيه (ber nard)، والذي ينكر وجود نظام عام سياسي مستقل يكون مبررا لوجود سلطة ضبط سياسية، على اعتبار أن هناك فروقا جوهرية بين السلطتين الإدارية والسياسية، وأن السلطة الإدارية كقاعدة عامة لابد من أن تكون بمنأى عن المؤثرات السياسية داخل الدولة الأمر الذي يترتب عليه عدم ارتباط النظام العام بالنظام السياسي، ومتى حصل ذلك فإنه يؤدي إلى انتفاء الصفة القانونية عن فكرة النظام العام التي تمثل غاية الضبط الإداري، ومن أنصار هذا الاتجاه الفقيه (ULman) والذي أكد على الطبيعة القانونية المحايدة للضبط الإداري، إلا أنها، حسب هذا الرأي، قد تتحول إلى طبيعة سياسية متى ما حصل انحراف باستعمالها من قبل الأشخاص القائمين بها.
أما في الفقه العربي فقد ذهب ذ. محمود سعد الدين الشريف إلى إيضاح الطبيعة القانونية المحايدة للضبط الإداري من خلال تمديد الخصائص
المميزة لهذه الفكرة، كونها ضرورية، كما تصنف بكونها حيادية، إضافة إلى خضوع وظيفة الضبط الإداري لسيادة القانون ورقابة القضاء الإداري، كونها تمثل نشاطا إداريا يستمد شرعيته من النصوص الدستورية والتشريعية، وأخيرا ما تتميز به هذه الوظيفة هو اعتمادها على وسيلة السلطة العامة في المحافظة على النظام العام.
الفقرة الثانية: الضبط الإداري سلطة سياسية
اتجه جانب من الفقه الإداري إلى المناداة بالطبيعة السياسية للضبط الإداري ويمثل هذا الاتجاه الفقيه باسكو (pasco) في الفقه
الفرنسي و د. محمد عصفور في الفقه العربي، حيث يؤكد أصحابه بأن طبيعة الضبط الإداري في الجوهر ما هو إلا فكرة سياسية بحتة ويتمثل بمظهرين في وقت واحد، هما المظهر الخارجي الظاهر للعيان ويتجلى بتحقيق الأمن في الشوارع، والمظهر الداخلي المتمثل بالأمن الذي يمكن أن تشعر به سلطة الحكم.
لذلك فإنه إذا كان هنالك حدا لا يختلف من مجتمع لأخر ضمن نطاق النظام العام والمتمثل في تحقيق الأمن العام والصحة العامة
والسكينة العامة، فإن هناك حدا آخر يختلف بين المجتمعات ويتعلق بحماية النظام السياسي في الدولة، ويبرز ذلك بصورة واضحة في الرقابة القضائية على سلطات الإدارة في مجال الضبط الإداري والقيود التي تفرض على الحريات العامة بإدعاء حماية النظام العام، رغم أنها تفرض حماية السلطة الحاكمة في الدولة.
ولغرض تأكيد الطبيعة السياسية للضبط الإداري فقد ذهب الفقيه باسكو إلى أن الضبط الإداري ما هو إلا سلطة سياسية لها حق الرقابة والدفاع عن كيان الدولة، وتملك هذه السلطة في سبيل تحقيق غايتها، الحق في إجبار الأفراد على احترام نظام الدولة ولو بالقوة.
وانتقد أصحاب هذا الاتجاه الرأي القائل بالطبيعة القانونية المحايدة للضبط الإداري، على اعتبار أن ذلك يعد ضربا من الخيال، ولا يمكن أن يوجد إلا في المجتمعات المثالية، ومن الناحية النظرية حيث أن الواقع العملي يشير إلى خلاف ذلك، باعتبار أن الطبقة الحاكمة هي التي تفرض النظام الذي يمكن لها من خلاله البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، وقد تعرض هذا الرأي العديد من الانتقادات:
اولا : إغفاله جانبا هاما من النشاط الضبطي وهو الضبط الإداري بالمعنى الضيق.
ثانيا :يترتب عليه التوسع في نظرية أعمال السيادة وهو أمر غير مستحب، لأنه يؤدي إلى عدم خضوع أعمال الضبط لرقابة القضاء الإداري.
ثالثا:إنه يضفي على السلطة التنفيذية نوعين من الولاية، إحداهما تنفيذ القوانين والأخرى ذات طابع سياسي وهذا غير متصور عقلا.
الفقرة الثالثة: الطبيعة المزدوجة للضبط الإداري
لغرض التوفيق بين الاتجاهين السابقين، فقد تبنى بعض الفقه اتجاها وسطا يقوم على الاعتداد بالطبيعة المزدوجة للضبط الإداري كونها ذي طبيعة قانونية محايدة في الوظائف التقليدية للضبط الإداري وذي طبيعة سياسية في الوظائف ذات الطابع السياسي.
ويربط أصحاب هذا الرأي بين طبيعة الضبط الإداري من جهة وغايتها من جهة أخرى، حيث أن وظيفة الضبط الإداري في كافة الدول، ديمقراطة كانت أو ديكتاتورية، إنما تهدف إلى ممارسة الأفراد لحرياتهم العامة، والحيلولة دون إساءة استعمالها بشكل لا تكون معه مضرة بحريات الآخرين، الأمر الذي يتطلب اتخاذ الإجراءات المانعة لارتكاب الجرائم الجنائية، والعمل على حماية النظام العام بعناصره التقليدية من امن عام وصحة عامة وسكينة عامة.
وتكتنف هذه الوظيفة طبيعة قانونية حيادية وفق مبادئ الحياد الوظيفي دون أية شبهة سياسية، وهذا بخلاف ما هو عليه الحال عندما يكون الغرض من ممارسة الضبط الإداري الوظيفة سياسية أو لغرض منع ارتكاب جرائم سياسة، وهي التي تنصب عادة على أمن الدولة أو تتعلق بنظامها السياسي إذ يعمد النظام السياسي عادة على إصدار العديد من القوانين التي تحقق له الطمأنينة السياسية وعندها فلا يمكن القول بغير الطبيعة السياسية الضبط الإداري.
وبالعودة إلى سلطات الدولة التقليدية نجد توافر هذه المقومات فيها، فقد اعترف بها الدستور، ولها من الهيئات ما تستطيع تنفيذ ما يلقى على كاهلها من مهام وواجبات، بلا تدخل سلطة أخرى ولاسيما في الأنظمة الديمقراطية.
وإذا اتفقت سلطات الدولة التقليدية في هذه الأمور المشتركة فإنها تختلف فيما تنفرد به كل منها لاختلاف طبيعة النشاط الذي تمارسه.
وحسب رأي الدكتور عدنان الزنكة، فإن سلطة الضبط الإداري لا تتوافر فيها المقومات لكي تعد سلطة مستقلة في الدولة أسوة بالسلطات الثلاث الأخرى، زد على ذلك لا يمكن إضافتها إلى السلطات التقليدية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) كسلطة رابعة وما تصدر عنها من إجراءات أو قرارات تهدف إلى حماية النظام العام، إن هي إلا استثناء على مواد الدستور أو مخالفتها له لدى ممارسة اختصاصاتها، لذا لا يمكن عدها سلطة مستقلة من سلطات الدولة بل هي جزء من السلطة التنفيذية.[5]
المطلب الثاني: الضبط الإداري و الأنظمة المشابهة له.
إذا كان تعريف الضبط الإداري لم يلق اتفاقا حاسما بين أقطاب الفقه الإداري، وكذلك طبيعته القانونية لم تكن أفضل حالا، حيث احتدم الخلاف فقهيا بصدد تحديدها، كذلك يتداخل مفهوم الضبط الإداري ببعض المفاهيم الأخرى، سيما إذا كانت أهدافها متقاربة أو يكمل بعضها البعض الآخر أو تصب كلها في اتجاه واحد، حيث يخشى أن يؤدي ذلك التداخل، إلى سوء فهم أو تفسير لمضمونها أو حمله على غير محمله.
لذلك سنتطرق لتمييز الضبط الإداري عن بعض الأنظمة المشابهة له، من خلال التمييز بين الضبط الإداري والضبط التشريعي في الفقرة
الاولى ، والتمييز بين الضبط الإداري والضبط القضائي في الفقرة
الثانية، والتمييز بين الشرطة الإدارية والمرفق العام في الفقرة
الثالثة .
الفقرة الاولى: الضبط الإداري والضبط التشريعي
سنتناول في هذه الفقرة الفرق بين الضبط الإداري والضبط التشريعي وذلك وفقا للمعيار الشكلي اولا ثم المعيار الموضوعي
ثانيا.
اولا: المعيار الشكلي
يمارس الضبط الإداري من طرف السلطة الإدارية التي تنتمي إلى السلطة التنفيذية وذلك من خلال وضع القيود والضوابط على ممارسة الحريات الفردية لأجل حماية النظام العام، أما الضبط التشريعي فتمارسه السلطة التشريعية وذلك بإصدار القوانين التي تنظم الحريات الفردية التي كفلها الدستور للأفراد فهو يشمل القوانين والتشريعات التي تحدد نطاق مباشرة الحريات الفردية التي نص عليها الدستور، لكن الأصل العام لا يحرم السلطة
التنفيذية من استخدام سلطتها المستقلة في فرض قيود أخرى على حريات الأفراد طالما أنها ضرورية لحماية
النظام العام في المجتمع وهو ما أدى إلى إدخال لوائح الضبط في إصدار اللوائح المستقلة.[6]
ثانيا :المعيار الموضوعي
إن الضبط الإداري يقصد به مختلف التدابير والأعمال الإدارية التي ترمي للحفاظ على النظام العام، وبهذا فإن المهمة الوقائية للضبط الإداري تتمثل في الحفاظ على النظام العام وذلك بالوقاية من حدوث الجرائم وغيرها من الأفعال التي تهدد الأمن العام أو السكينة العامة أو الصحة العامة في المجتمع.
أما الضبط التشريعي يشمل القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية والتي تحدد وتضبط وتبين كيفيات ممارسة الحريات الواردة في الدستور ذلك أن معظم تلك الحريات تقتضي سن قوانين متعلقة بها.
الفقرة الثانية: الضبط الإداري والضبط القضائي
يقصد بالضبط القضائي الإجراءات التي تتخذها السلطة الضبطية في التحري عن الجرائم بعد حدوثها في سبيل القبض على مرتكبي هذه الجرائم وجمع الأدلة اللازمة للتحقيق وإقامة الدعوى لمحاكمة المتهمين وإنزال العقوبة على من تثبت إدانته[7]، ونوضح فيما يلي أهمية
التمييز بين الضبط الاداري و الضبط القضائي اولا،
ومعايير التمييز
بينهما ثانيا .
أولا: أهمية التمييز بين الضبط الإداري والضبط القضائي
إن التمييز بين الضبط الإداري والضبط القضائي يظهر في مجالين الأول مجال الاختصاص والثاني في مجال المسؤولية.
1-مجال الاختصاص القضائي
إن نشاط الضبط الإداري يتصل بالسلطة التنفيذية أما الضبط القضائي فيتعلق بممارسة ولاية السلطة القضائية، وعليه فإن أعمال الضبط القضائي أعمال قضائية وتدخل المنازعات المتعلقة بها في اختصاص