آخر الأخبار

Advertisement

الفاعل الترابي بالمغرب والمشاركة في السياسات العمومية - الدكتور حسن الكتمور- العدد 49 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني - تقديم ذ محمد القاسمي


 الفاعل الترابي بالمغرب والمشاركة في السياسات العمومية - الدكتور حسن الكتمور- العدد 49 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني - تقديم ذ محمد القاسمي


لتحميل عدد المجلة الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf الرابط أذناه:


https://www.allbahit.com/2022/12/49-2022-30-pdf-httpsdrive.html



الدكتور حسن الكتمور

 أستاذ باحت - كلية الآداب والعلوم الانسانية فاس سايس

الأستاذ ايت همو محمد

 باحث بسلك الدكتوراه جامعة سيدي محمد بن عبد الله

 الفاعل الترابي بالمغرب والمشاركة في السياسات العمومية

The territorial actor in Morocco and participation in public policies

ملخص:

كان مفهوم السياسات العمومية مرتبطا بشكل وثيق بمؤسسة الدولة. بيد أن هذا الارتباط سرعان ما تراجع عند بداية الثمانينات من القرن الماضي، و ذلك بعد بروز مفاهيم كاللامركزية، والتي دفعت مشاركة مؤسسات أخرى غير الدولة كالجماعات الترابية في إنتاج سياسات عمومية في حدودها المجالي. بعد ذلك عرف مفهوم السياسات العمومية تطورا مرتبطا بحقل آخر غير حقل علم الادارة وهو الحقل الترابي  المتمثل في ظهور فاعل أساسي وهو الفاعل الترابي بممارسة أدوار مختلفة متمثلة في المشاركة في إعداد السياسات العمومية.

كلمات مفتاحية: الفاعل الترابي، السياسات العمومية، التنمية الترابية

Abstract:

The concept of public policies was closely linked to the institution of the state. However, this connection quickly declined at the beginning of the eighties of the last century, after the emergence of concepts such as decentralization, which prompted the participation of institutions other than the state, such as territorial authorities, in the production of public policies within their territorial limits. After that, the concept of public policies knew a development related to a field other than the field of management science, which is the dirt field represented in the emergence of a key actor, the dirt actor, by exercising different roles represented in participating in the preparation of public policies.

Keywords: Territorial actor, public policies, territorial development

مقدمة :

يعتبر إعداد وصياغة السياسات العمومية من المراحل المحددة والأساسية التي يعتمدها مختلف الفاعلين وذلك بغية تحقيق تنمية ترابية منسجمة، ونظرا لتداخل كل المجالات الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية. و كذلك في ظل تعدد المتدخلين والمؤثرين في صنع السياسات العمومية. لقد أدركت الحكومات على تباين أنظمتها السياسية واتجاهاتها الفكرية أنها بحاجة إلى دعم ومساندة شعوبها لما تتخذه من قرارات، وما تقوم به من أعمال متنوعة في جميع الظروف والأوقات. وحتى يتحقق لها ذلك، فأنها أخذت تسعى جاهدة إلى حل مشاكلهم والاستجابة لمطالبهم المتنوعة من خلال مجموعة من الخطط والبرامج (يطلق عليها السياسات العمومية) الهادفة إلى تحقيق جملة من المنافع وتخفيف المعاناة عن الغالبية منهم او بالأحرى تحقيق تنمية ترابية. إن ما يميز السياسات العمومية هو شمولية نتائجها لشرائح واسعة من المجتمع ان لم يكن المجتمع كله، مما يحتم الاهتمام بصياغتها أو رسمها بشكل يؤدي الى زيادة فرص نجاحها وتحقيق المنافع المتوقعة عند تنفيذها، وتقليل احتمالات فشلها الى أقل نسبة ممكنة.

اشكالية الدراسة: إن تبني المغرب لنظام اللامركزية كخيار سياسي لتجاوز المشاكل والاختلالات الناتجة عن المقاربة العمودية النازلة من المركز نحو الهامش، فرض عليه تبني مقاربة جديدة تقوم على ما يسمى بالتنمية المعتمدة على الذات أو التنمية المنبثقة من الأسفل في مرحلة أولى والتنمية المحلية في مرحلة ثانية والتنمية الترابية  كمرحلة أخيرة.

و هو ما جعله يبحث عن مقاربة جديدة يستوجب تطبيقها تفويض أو نقل مجموعة من الاختصاصات إلى الفاعلين بشكل يجعلهم قادرين على اتخاذ مبادرات تنموية داخل المجال الترابي، وهؤلاء الفاعلين يختلفون حسب مستوى التدخل.

ولقد ظهرت السياسات العمومية والتنمية الترابية كمقاربة جديدة تحاول أن تعيد التوازن التنموي انطلاقا من مجالات متعددة كالجهات والأقاليم والجماعات الترابية، أو من خلال مجالات جغرافية كالأحواض المائية أو الدوائر المسقية أو من خلال مجالات التعبئة الاجتماعية عن الجمعيات والتعاونيات... على هذا الأساس فهذه المجالات المختلفة تكون مسرحا لمجموعة من التدخلات والتفاعلات التي يبديها مختلف الفاعلين قصد تحقيق تنمية ترابية مبنية على اساس سياسة عمومية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار مختلف التحولات المجالية. و من هنا نتساءل عن الأهمية والدور الذي قد يلعبه الفاعل الترابي في تحقيق التنمية الترابية انطلاقا من سياسة عمومية تستند في المقام الأول للتخطيط.

-         مفاهيم الدراسة

-         السياسة العمومية

تتعدد التعاريف التي تطرقت لهذا المفهوم في الادبيات السياسية. فكل من أسهم في إعطاء تعريف حاول أن يكون أدق من غيره, فضلا عن اختلاف زوايا النظر في تناولته, يعرف المعهد العالي للدراسات العمومية في فرنسا السياسة العمومية على أنها "هي مجموع القرارات والأعمال والتدخلات المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين والاجتماعيين لأجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي ما"  بينما يذهب الباحثين الفرنسيين[1]ـ مينه و جون كلود ـ في كتابهما السياسة العمومية ويعرفانها على أن السياسة العمومية برنامج عمل حكومي في قطاع اجتماعي أو مجال جغرافي معين.

السياسة العمومية لا تتعلق بالدولة في حد ذاتها، بل بما تفعله وتنتجه وتقوم به عبر مؤسساتها الدستورية في المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لذلك عادة ما يقال أن السياسات العمومية هي محاولة النظر إلى الدولة في حالة فعل  بهذا المعنى فان السياسات العمومية [2]هي:

- حصيلة عمل الدولة، أي الفعل أو العمل المؤسساتي الذي يتم في إطار قانوني ومؤسساتي. إنها حصيلة عمل مجموعة من الفاعلين، الي ترتبط بمجموعة من المحددات مثل طبيعة دور الدور، الثقافة السياسية السائدة، توزيع الأدوار بن المؤسسات والهيئات الاجتماعية والاقتصادية.

- سلسلة طويلة من النشاطات المترابطة. إنها أكبر من مجرد قرار واحد، فعملية صنع السياسات يجب أن تفهم بصورة تشمل الإعداد والتنفيذ والتقييم والتغذية العكسية، وهنا بالرغم من الحياد الظاهر للكلمات والذي يعطي صورة ثابتة لهذه العملية، فإن السياسات العمومية ليست مسلساً بعيداً عن رهانات السلطة والمصالح والقيم والصراعات.

إن السياسات العمومية هي كذلك بالتعبير الشهير لمنظر المدرسة النسقية ديفيد إيستون:  دراسة التوزيع السلطوي للقيم.

-          مجموعة من الإجراءات والقرارات ذات المنشأ الإداري والصادرة عن السلطات العامة، والمحددة ضمن إطار منسجم يسمح بإعطاء كل إجراء أو قرار مضموناً وبعداً، وهو ما يجعل لها فاعلوها ومرجعياتها وآثارها المفترضة وجمهورها الخاص.

على الرغم من صعوبة تحديد تعريف دقيق وموحد للسياسة العمومية، فقد تم الوقوف على عدة تعريفات للسياسة العمومية، وذلك باللجوء لمختلف الكتابات الأكاديمية المهتمة بتحليل السياسات العمومية.

ووفقا لأستاذ العلوم السياسية الكندي «فانسان لوميو Vincent Lemieux ، فإن السياسة العمومية هي مجموعة من القرارات المترابطة الي يقرها فاعل أو مجموعة فاعل ن سياسيين ، ونلاحظ من هذا التعريف أن القصد من الفاعل أو مجموعة الفاعلين لا يعني الحكومة فقط، بل يتوسع ليشمل أيضا المؤسسات الأخرى وجماعات الضغط  )أحزاب سياسية، نقابات، مجتمع مدني...  ) والتي تدفع الحكومة لتبي سياسة عمومية معينة.[3]

-         الفاعل

ان استعمال مفهوم الفاعل جاء كرغبة لإعلاء قيمة الفرد داخل المجتمع، ومحاولة لتجاوز التصورات السابقة القائمة على العمل الكلي والعمل الجماعي. وقد كان كل من بول كلافال من خلال إصدار كتابه "مبادئ في الجغرافيا الاجتماعية" سنة 1973، وأرمون فريمان بإصداره لمؤلف "الجهة: المجال المعاش" سنة 1975، وكلود رافستان من خلال نشره لكتاب "جغرافية السلطان" سنة 1981 من الجغرافيين الرواد الذين كانت لهم الجرأة في إدخال هذا النوع من المفاهيم.

الفاعل هو بكل تأكيد الذي يفعل في الواقع المادي أو الواقع المعنوي أو هما معا عن قصد وروية ووعي تام بما يقوم به من أجل الوصول إلى مراميه. إنه دوما في حالة بناء استراتيجيات مستقلة أو شبه مستقلة، بعد أن يكون قد قام بتحديد اختيارات خاصة به، تحتم احتساب المغانم والمخاطر، والأرباح والخسائر، واضع في حسبانه السيناريوهات المحتملة والسبل الكفيلة  بإنجاز خططه، مسخرا في ذلك كل الوسائل والتكتيكات المناسبة  و[4]الممكنة. مفهوم الفاعل لا يتحدد في الفاعل السياسي فقط وإنما يشمل كل من له القدرة على التدخل في تراب معين.

-         الفاعل الترابي

الفاعل الترابي هو الذي يفعل في التراب او على الأقل القادر على الفعل في التراب، بشرط ان يكون تأثير ذلك الفعل دائم السريان أو تكون له تداعيات مسترسلة على المجال لمدة طويلة. لا يهم ان يكون الفعل الترابي فعلا مباشرا او غير مباشر، دو أصل داخلي او خارجي، فردي او جماعي، اقتصادي او سياسي او اجتماعي، بوعي او بدون وعي، ولكن المهم ان يكون مهيكلا للمجال ومؤثرا على المشهد و إن كان الامر ليس بنفس الدرجة والاهمية من فاعل لأخر.

يكون الفاعل الترابي مرتبطا طبعا من جهة بسلطاته التي يخولها له المجتمع أو الدولة، ولكن أيضا بديناميكيته وقدرته على قراءة الواقع ومضطرا لمعرفة الامكانيات والمؤهلات والاكراهات والمخاطر التي يعرفها التراب، وسيكون من جهة أخرى قادرا على القيام بالدور وفق ما تسمح له به حدود اللعبة وهوامش التحرك.

- التنمية

يعرفها مصطفى محسن في كتابه” التعريب والتنمية“  بأنها "ذلك الاستنهاض الواعي والمتكامل لكل المقومات المادية والروحية للمجتمع وتوظيفها لمجابهة التحديات التي تفرضها  الحطة  لتحقيق الحاجيات والمتطلبات، وتوفير الشروط الضرورية التي تجعل المجتمع المعني متملكا بنوع من الجدارة والاستحقاق للقدرة على اختراع أزمنة الحداثة والانتماء إليها والتواصل والتبادل المتكافئ معها، والتأثير فيها كفاعل مبدع، وليس كتابع هامشي مستقبل ومنفعل فقط. [5]"

تطور مفهوم التنمية بحيث انتقل من التركيز على الجوانب الاقتصادية إلى إعطاء أهمية للجوانب الاجتماعية والانسانية واعتبر الانسان أداة التنمية الترابية وغاية التنمية الاجتماعية.

-            التنمية الترابية.

-            هي عملية وحركة ديناميكية يجب الأخذ بناصيتها وتوجيهها نحو خدمة المتطلبات الاجتماعية والإنسانية العاجلة، فهناك التنمية المحلية الداخلية المحددة انطلاقا من الخصوصيات والموارد والطاقات المحلية، والتنمية المحلية القائمة على مبدأ الاعتماد المتبادل أي أن جماعة محلية لا يمكن لها أن تنمو دون أن تأخذ بعين الاعتبار الجماعات المحلية المجاورة لها، وكذلك المحيط السوسيوسياسي والجهوي الذي تنتمي إليه فهذا النوع من التنمية يفرض التكامل والتشارك والاندماج الشامل.

والتنمية الترابية تهدف لتحسين ظروف عيش السكان  (المرافق – التجهيزات) وتحول نوعي وهيكلي للمجتمع وللذهنية والسلوكيات التي تتمثل في تقدمه مما يضمن الاستدامة ويستوجب تدبير شؤونه بنفسه  بشكل يمكن من تراكم ثرواته (النمو المادي في شكل مداخيل). تندرج في إطار ترابي معين بهدف تنميته والرفع من قدرته التنافسية. وعلى هذا الأساس، تعتبر التنمية الترابية أو المجالية اليوم كإطار مرجعي لتأهيل برامج الاستثمارات العمومية واستراتيجيات الفاعلين المحليين.

 التنمية الترابية هي عملية تحويل مجال ترابي إلى وضعية أفضل عبر خلق مشروع تنموي ترابي يراعي الخصوصية المحلية و الرؤية الاستراتيجية المحكمة.

الفاعلون ومراحل تنزيل السياسات العمومية

1-     الفاعلون في التنمية الترابية  

يمكن أن نعرف الفاعلين و رهاناتهم و العمليات التي يقومون بها و الوسائل التي يتوفرون عليها ومنطق تدخلهم.

بالرغم من اختلاف الباحثين في تصنيف الفاعلين، يمكن أن [6]نعرض تصنيف ثلاث فرق من الباحثين، حيث تم التعبيرعن وجهة نظر كل فريق منهم على النحو التالي:           

فالفريق الأول يرى أن الفاعلين المشاركين في الفعل الترابي ينقسمون إلى ثلاثة أصناف: الجماعات الإقليمية الحضرية (السلطات السياسية والإدارات) السكان يجب أن تجد تطلعاتهم سبيلا للتعبير عنها، والتي تستدعي الضرورات إيجاد الحلول لها بصفة دائمة وليست بصفة ظرفية أو مصلحية,- الوسطاء من المختصين والهيئات والجمعيات الاجتماعية والذين يعملون على ربط الصلة بين الاستراتيجيات الفردية و طموحات السلطات العمومية أما الفريق الثاني فيصنف الفاعلين إلي صنفين هما المرسلين (destinations) والمستقبلين destinataires، وذلك كما جاء على النحو التالي :

- المستقبلون هم الذين يأتون في جهة استعمال المجالات المنتجَة: إنهم المنتجون للممارسات والمهيئين بمهارات لاستعمال هذه المجالات، وهم السكان، المستعملون، المواطنون، فإليهم يتوجه المجال المنتَج في حالة المجالات الحضرية. .

 - أما المرسلون فهم الذين يأتون في جهة من يعرضون ويصنعون المجال المنتَج: هم يتحكمون في القواعد والقوانين، وعلى هذا النحو تكون لهم الشرعية والقدرة على تصميم مجالات الآخرين، ونعرفهم عموما بالثلاثي: المنتخبون، موظفو الجماعات الإقليمية والمصممون." بينما يرى الفريق الثالث من الباحثين، أن تصنيف الفاعلين يتم وفقا للخصوصيات المتعددة للظاهرة الحضرية المعاصرة، وبالنسبة للمجالات العمومية فإنهم يعددون الفاعلين في أربعة أنماط :

 - الفاعلون الاقتصاديون والفاعلون السياسيون، و المختصون في المجال ( المعماريون، العمرانيون، المهندسون )، السكان- المستعملون- المواطنون.

 

 

على المستوي المحلي

الجماعات الترابية

الساكنة المحلية

التعاونيات

المجتمع المدني

المنتخب المحلي

المكتب الوطني للكهرباء

المكتب الوطني للماء الصالح للشرب

على المستوى الوطني

المؤسسة الملكية

المؤسسات الوزارية

الأحزاب السياسية

المنظمات الدولية

الغرف المهنية

الغرف البرلمانية

على المستوى الجهوي

          المجلس الجهوي

          وكالة الحوض المائي

          المندوبية السامية للتخطيط

          المراكز الجهوية للاستثمار الفلاحي

          المديريات الوزارية

          الأبناك

          الولاية

          المنسقية الجهوية

 

الفاعلون في التنمية الترابية

 

 

 

 

 

 

2-     مراحل تنزيل السياسات العمومية

لا يمكن لأية دولة او حكومة مهما كانت امكاناتها المادية والبشرية، ومواردها الاقتصادية من تلبية المطالب التي يتقدم بها مواطنوها، او معالجة جميع مشاكلهم مرةً واحدة، انما يتطلب ذلك العمل بنظام الصفوف او الطوابير، أي تقديم الاهم على المهم من المشاكل والقضايا، وفقاً لجدول الاسبقيات السياسية، الذي يعد بهدف تلبية هذه المطالب، وحل المشكلات الواحدة بعد الاخرى بحسب اهميتها او درجة الحاحها، أو قوة الفئة او المجموعة التي تتأثر بها او بنتائجها.

كل سياسة عمومية يتم تنزيلها تبعا لسلسلة من المراحل والتي تسمح بتتبع تطورات سياسة عمومية معينة.[7] مراحل تنزيل السياسة العمومية

ويرتبط تنزيل السياسة العمومية بمجموعة من الأشكال والتي تختلف بناءا على مجموعة من المعايير أهمها حسب المقياس والزمن الى جانب الخصوصية المحلية والاشكالات المرتبطة بها, وحسب طبيعة الفاعل ونوعيتها أيضا بحيث قد تكون شمولية أو قطاعية، كما تختلف أيضا الوسائل والأدوات  المستعملة. أما تنفيذ هذه السياسة برسم خطة أو أكثر تحتوى على عدد كبير من البرامج ومجموعة من المشروعات المترابطة والمتكاملة بحيث يوجد نوعا متكامل من التنسيق الفكري والتقارب الزمني بين مختلف القطاعات والأجهزة والمهن المختلفة العاملة في مجالات الرعاية والتنمية الترابية. كما بدأت ثقافة المقاربة التشاركية في صنع السياسة العمومية تظهر في بلادنا، و أصبح بإمكان المجتمع المدني أن يكون طرفا في صياغة و اقتراح السياسة العمومية، بل إن دستور 2011 أعطى للمجتمع المدني القدرة على تقييمها و تتبعها قد أثبتت التجارب السياسية حتى الآن أن إدراج قضية مجتمعية في الأجندة السياسية للسلطات العمومية كانت وطنية أو محلية، وفي هذه المرحلة تحديد المشكل الذي ستعالجه السياسة العمومية المعنية. وتبين هذه المرحلة الظروف التي تؤدي إلى ظهور الفعل العمومي والذي يتخذ عدة مسارات ممكنة تبعا لطبيعة المدخلات (كوارث طبيعية، انتشار أوبئة، تفاقم الفقر، ارتفاع معدلات البطالة...). يكون إما نتيجة مبادرة الفاعلين السياسيين، عندما يتعلق الأمر بقضايا قد يؤدي رفض تحمل أعبائها في لحظة معينة إلى الإضرار بشرعيتهم السياسية، فلا يمكن لحكومة مثلا أن تتجاهل بشكل مستمر حركة إضراب على الصعيد الوطني، وإما نتيجة وجود مطالب جماعية انتقلت إلى مستوى المطلب السياسي المنظم، بفعل وجود دعم منظم ومتنام من طرف الفاعلين الاجتماعيين، كالجمعيات والنقابات أو غيرها من الحركات الاجتماعية المنظمة، حين ذاك يمكن للسلطة أن تأخذ هذه المطالب في الحسبان ما لم يكن هناك إجماع سلبي لدى الأجهزة التقريرية بهدف منع وصول قضية خطيرة أو حساسة إلى الأجندة السياسية. غير أن المرحلة الأهم في السياسات العمومية تبقى هي مرحلة التدخل، ويتعلق الأمر بسيرورة الإعداد والتنفيذ والتقويم، حيث يتأثر الاستخدام الملموس للسياسات العامة بعدد من المعطيات، كالتحديد الدقيق للقضايا التي يراد التدخل فيها أو تدبيرها، والموارد المتوفرة بشكل طاقة بشرية ومادية وسيناريوهات الحلول التي يمكن تصورها، وفرص النجاح التي توفرها الظروف أثناء لحظة التدخل، وكذلك بمدى القبول أو الدعم الاجتماعي لها

أجمع جميع الفاعلون في ميدان التنمية الترابية، أن نموذج اللاتوازن في العلاقة بين الإنسان والمجال هو نتيجة وترجمة فعلية لمقاربة التدبير الكلاسيكي، التي تقوم وتتأسس على اعتبار عمليات التنمية مجرد فعل وقرار سياسي يتخذه الفاعلون في ميدان التدبير للتحكم في حالة الخلل بهدف تحقيق التوازن بين مدخلات التنمية الاجتماعية، دون مراعاة لخصوصية المستهدف من هذه العلميات والذي يعرب في قاموسها التدبيري كمفعول به فاقد للأهلية، لا مجال له للمشاركة والتشارك في السيرورة التنموية. مما أنتج لنا التراكم في الأزمات والمصاعب الاجتماعية الممثلة في الفقر بجميع متغيراته التابعة، التهميش والإقصاء [8]والهشاشة.

في بلادنا، كانت عملية صنع السياسات العمومية تتسم بالانفرادية و المزاجية، فبعد إجهاض تجربة التخطيط الاقتصادي، عاش المغرب نوعا من التخبط في صنع المخططات الاقتصادية. فبعد فشل الرهان الكلي على القطاع الفلاحي، تم التفكير في إقامة قاعدة صناعية وطنية صلبة. واصطدم هذا الحلم بنقص في التمويل و بعزوف الرأسمال الوطني عن الاستثمار في القطاع الصناعي. كما تميز صنع السياسة العمومية بالتفكير في القطاعات الاقتصادية دونما ربطها بالقطاعات الاجتماعية وهو ما جعل الفاعل السياسي يخلط بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية المنشودة، فكل هم الفاعل السياسي انصب حول كيفية رفع المؤشرات الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية دونما الالتفات إلى البيئة الغريبة التي أنبتت فيها هذه الوحدات الإنتاجية والتي تشكو الفقر والأمية و انعدام البنيات التحتية ومحدودية الطلب الداخلي وهو ما يؤدي بالمشروع التنموي برمته إلى الفشل [9].

إن دينامية من هذا القبيل، كفيلة بأن تهيئ الأرضية الملائمة للقيام بمجموعة من الإصلاحات السياسية، من شأنها أن تساهم في تعزيز اللامركزية، وتوسيع مشاركة السكان، من خلال تعزيز مبادئ المشاركة والتشارك والعدالة والشفافية والإدماج بين مختلف الفاعلين.

 هذه المبادئ العامة للمنهج الحديث في التدبير، جاءت كعناصر أساسية لموضوعة التنمية التي تعتبر غاية لتحقيق التوازن للموارد المكونة للمجال. ويتأسس ذلك على مجموعة من المتطلبات، أهمها الإشراك والمشاركة بين الفاعلين، من خلال مجموعة من القنوات المؤسساتية والقانونية، التي تمنح الفاعل والفرد الكفايات المناسبة للتوافق على أرضية مشتركة لعملية الإعداد يكون فيها للرأي والرأي الأخر حضور فعلي دون عمليات الحجر على رأي أي جهة.

يختلف ترتيب الاولويات حسب برامج الفاعلون كما كذلك تساهم عدة عوامل أخرى في التأثير على أولويات السياسات العمومية، كالمحيط الجهوي والتحديات الإقليمية والتي تواجهها الدول.

ولقد تميز التحول الذى عرفه المغرب في بروز اشكال جديدة من التدبير منح الصلاحية للعديد من الفاعلين في تبني سياسة عمومية قادرة على مواكبة مختلف التحولات المجالية، ومنه أصبح الفاعل الترابي يعتمد على مخططات لصنع السياسات العمومية، ويعتمد على البرامج المندمجة التي تصبو التأثير في المجال الاقتصادي والاجتماعي. كما تشبع الفاعلين بآليات جديدة لصنع السياسات العمومية او للتأثير في صياغتها كالمناظرات القطاعية و البرامج القطاعية التي تنتج عنها.

لكن مستوى الفاعل لم يواكب هذه التحولات الماكرو سياسية التي تعرفها بلادنا، و ظلت الأحزاب شاردة عن النص، لا هي واكبت تطور الترسانة القانونية، ولا هي أجابت عن مختلف الأسئلة المطروحة حول السياسات العمومية و التي تهم الارتقاء بالسياسات القطاعية التي تعرف قصورا كبيرا في المرور من التصور و ترجمته على أرض الواقع، أو تنزيل دور  المؤسسة التشريعية التي أصبحت مطالبة بتقييم هذه السياسات العامة. ثم كذلك وضع و صياغة سياسات أكثر إقناعا و أكثر واقعية و احترافية من تلك البرامج التي لا ترقى لدرجة السياسات العمومية المندمجة و التي بإمكانها رفع تحديات بلادنا في العشرية القادمة.

سياسة إعداد التراب كآلية للتنمية الترابية

إعداد التراب هو تلك العملية التقنية والسياسية والادارية التي تتولى تحقيق تنمية شمولية و متوازنة لجميع المناطق بالقدر الذي يخدم مصالح الساكنة عن طريق توزيع عادل للثروات وللأنشطة. كما تهدف سياسة إعداد التراب إلى محاربة الاختلالات السوسيومجالية بين كافة المناطق أينما وجدت بيد أن المواطن في أية بقعة يبقى من حقه الاستفادة من ثروات هذا البلد و [10]من نصيبه في التنمية، هكذا فمبادئ إعداد التراب الوطني تعتبر بمثابة المحرك الموجه لآليات هذه التنمية؛ فمبدأ المواطنة كأحد المبادئ التي يقوم عليها إعداد التراب الوطني تتجاذبه السياسات العامة للدولة عبر القطاعات الكبرى للمجتمع. و يتم التمييز هنا بين حاجيات أساسية تكون الدولة ملزمة بالإجابة للمواطنين عنها من قبيل المواصلات حيث تلتزم الدولة بتوفير شبكة طرقية تغطي مجموع التراب الوطني و تفك العزلة عن المناطق النائية و القروية.

أصبحت التنمية الترابية تشكل حجر الزاوية لمختلف الممارسات المحلية حيث أن كل تنمية اجتماعية تدعمها ديناميات ترابية محلية لتسيير الموارد البشرية و الشراكة و لسوق الشغل و للعطاء المضاد  و لخلق علاقات الثقة و ذلك باعتبار التراب المحلي الفضاء الأكثر اندماجيه للمستويات الموضوعية  و الانسانية و الاجتماعية ويعد الإطار الأكثر إجرائية لتنفيذ السياسات العمومية و متابعتها في المجال الاجتماعي كما يمثل أيضا المرجعية الأكثر تجديدية لتطوير منظومة الحكامة نفسها في ارتباطها بالخصوصيات المجتمعية المحلية في  ضوء مبدأ المقاربة الترابية، و يجعلها ترتكز أكثر على مفهوم تدبير الشأن الحضري.

و تبرز أهمية التكوين أكثر فأكثر من خلال نهج الدولة لمقاربة شمولية تروم تعميم التعليم الأساسي للأطفال دون 15 سنة حسب منطوق الميثاق الوطني للتربية و التكوين، كما تحاول سن إجراءات تحفيزية لشغيلة القطاع التي تعمل في ظروف صعبة.

   ونفس المقاربة نجدها في قطاع الصحة حيث يبقى الهدف توفير تغطية شاملة للتراب الوطني بالخدمات الصحية الضرورية، وببنية استشفائية تستوعب حجم طلب السكان بجل المناطق. أما الحاجيات العادية كالسكن أو الخدمات اليومية فهي غالبا ما تناط للقطاع الخاص وتخرج بالتالي عن الالتزامات المباشرة للدولة، غير أن هذا لا ينفي دور الدولة في توجيه وتشجيع نمو المراكز الترابية الخاصة القادرة على استقبال مختلف الطلبات.

   أما فعالية الاقتصاد الوطني والسياسات العمومية التي تنهجها الدولة، وهي تشمل الفعالية الترابية الشاملة للخدمات العمومية الكبرى وللشبكات الوطنية للنقل والاتصال وتحويل الطاقة، والفعالية الاقتصادية للمجالات الحضرية و القروية. بيد أن النجاعة التنموية تستوجب التسريع من وثيرة النمو والرفع من الأداءات الإجمالية للاقتصاد الوطني بهدف التأسيس لتنمية محورها الانسان و محيطه.

خاتمة :

تعد التنمية الترابية هدفا لمختلف الفاعلين ويتجلى ذلك في تنزيل وتفعيل السياسات العمومية، حيث أن كل تراب يخضع لمجموعة من التدخلات، التي تختلف باختلاف الفاعلين وباختلاف رهاناتهم واستراتيجياتهم، فنتيجة تفاقم الأوضاع الاجتماعية على المستوى المحلي، وتراجع التماسك الاجتماعي، وتزايد حدة الإقصاء وتهميش شرائح واسعة من السكان وتعرضهم للهشاشة الاجتماعية، بفعل عجز المجتمعات الحديثة عن المزاوجة بين إنتاج الخيرات والثروات والنمو الاقتصادي من جهة، وبين خلق مناصب الشغل وتعميم نمط العيش الكريم وما يستلزمانه من عدالة اجتماعية من جهة أخرى، كان لابد للفاعلين الاجتماعيين المحليين وخصوصا المجتمع المدني من التدخل لتجاوز هذه الأوضاع الهشة، فأصبح الفاعل الترابي قوة تنموية واقتراحية واجتماعية ملحوظة، فرضت على الدولة الاعتراف بها وإشراكها في الشأن العام والمحلي، وتبعا لذلك أصبحت تطفو على الساحة السياسية والشأن المحلي جملة من المفاهيم كالديمقراطية المحلية – الفاعل الجمعوي – اللامركزية – التنمية المحلية. لقد انتقلت الدولة نتيجة هذه الأوضاع من الحضور المركزي والتدخل الضروري إلى سياسة جديدة تقوم على تعدد واختلاف الفاعلين، واعتبار التنمية الترابية محطة أساسية في إعادة هيكلة السياسة العمومية، فأضحت التنمية الترابية تقوم على قرارات يتخذها الفاعلون الترابيون من أجل تحسين نمط عيشهم وتحقيق وجود أفضل وبناء مستقبل يستجيب لطموحاتهم وأمالهم، أي أن استراتيجية التنمية الترابية تنفذ من طرف الساكنة المعنية ومن أجلها، فالتنمية الترابية تربط بين فاعلين مختلفين وتوحد بين إرادتهم حول مختلف المشاريع التنموية.

لائحة المصادر والمراجع

v              الحوار الوطني للإعداد التراب 2000 "المجال المغربي واقع الحال" وزارة اعداد التراب الوطني و التنمية الترابية.

v              بوجروف سعيد، 2012 : الجهة والجهوية بالمغرب: أي مشروع لأي تراب؟ الطبعة الأولى. المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.

v              ذ.حسن قرنفل "المجتمع المدني والنخبة السياسة، إقصاء أم تكامل". إفريقيا الشرق المغرب 2000 م.

v              دليل تحليل السياسات العامة، دليل منجز في إطار مشروع دعم أعمال البرلمان المغربي، بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

v              رشيد لبكر، إعداد التراب الوطني ورهان التنمية الجهوية، منشورات عكاظ، الرباط، 2002.

v              مهتدي بوزكري: النخب القروية، الإدارة الترابية وسياسة التنمية القروية مساهمة في دراسة الرهانات السوسيوسياسية للفاعلين.

v              عبد المالك ورد: الفاعل المحلي وسياسة المدينة بالمغرب ،سلسلة دراسات وابحاث رقم20 منشورات جامعة مولاي اسماعيل كلية الاداب والعلوم الانسانية مكناس الطبعة 1/2006 الصفحة 14.

v              عبد الصمد عفيفي مـحاضرة حول تـحليل السياسات العمومية كلية الأدب والعلوم الإنسانية.

v Suzanne SAVEY, Espace, Territoire et Développement local. Université de Montpellier III (France)

v Saïd BOUJROUF, Innovation et recomposition territoriale au Maroc. Une mise perspective géo-histoire. Rencontres de l’innovation territoriale.

)R). PASSET et (J). THEYS : ''Héritiers du futur : Aménagement de Territoire. Environnement et développement durable'' Edition de l’Aube, Paris, 1995


دليل تحليل السياسات العمومية، دعم أعمال البرلمان المغربي، منجز من طرف مركز جامعة نيويورك للتنمية الدولية ص 107-

 [2]- دليل تحليل السياسات العامة،  دليل  منجز في إطار مشروع دعم أعمال البرلمان المغربي، بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

[3] Lemieux, V. (2002). L’étude des Politiques Publiques. (2e édition). Québec: Les Presse de l’Université Laval..

محاضرات في التنمية الترابة والفاعلون للأستاذ حسن المباركي، الفصل الأول ماستر دينامية المجالات الجغرافية الاعداد والتنمية التربية، السنة الجامعية 2016-2017.

[5] مصطفي محسن، التعريب والتنمية ، سلسلة شراع 1 يونيو 1996

[6] محاضرات الفاعلون للأستاذ حسن المباركي الفصل الأول ماستر دينامية المجالات الجغرافية الإعداد والتنمية الترابية 2016/ 2017.

[7]  مـحاضرة حول تـحليل السياسات العمومية للأستاذ عبد الصمد عفيفي كلية الأدب والعلوم الإنسانية مراكش 2016-2017     

[8] رضا الهمادي رئيس المرصد المغربي للسياسات العمومية " السياسات العمومية بالمغرب، مميزاتها، و طرق صياغتها "   

[9]دليل تحليل السياسات العامة، دليل منجز في إطار مشروع دعم أعمال البرلمان المغربي، بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

  [10]مديرية إعداد التراب الوطني، ”SNAT“ 2004.

    رشيد لبكر، إعداد التراب الوطني ورهان التنمية الجهوية، منشورات عكاظ، الرباط، 2002.


إرسال تعليق

0 تعليقات