آخر الأخبار

Advertisement

وجهات نظر في البحث العلمي الالكتروني - الأستاذ محمد القاسمي

الأستاذ محمد القاسمي

عضو نادي قضاة المغرب – خريج المعهد العالي للقضاء

رئيس مجلة الباحث – مدير سلسلة الأبحاث

       باحث في القانون الخاص – عضو بمركز مسارات القانوني

 

 

مقال بعنوان:

وجهات نظر في البحث العلمي الالكتروني

"مظاهر وتجليات – إيجابيات بالجملة وسلبيات إلى التخمة"

تمهيد:

 

بــسم لله الكريم، وبه نستعين، وبفضله نمضي ونغدو في طريقنا حتى نبلغ مقام اليقين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نهر الهدى وبحر الندى وعلى آله وصحبه أجمعين، ربِّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
قـبل أن أبدأ في سرد القول بالكلمات، لابد أن أقف وقفة عرفان وامتنانْ، وأثني بالقول واللسانْ، وأصرح بكل أناة وميزانْ: (شكر جزيلْ، وعرفان بالجميلْ لكل من كد واجتهد، وفي سبيل إنجاح هذا المحفل سهر وانكب، وأخص بالذكر السادة الأساتذة: الدكتورة حليمة المغاري التي وجهت لي دعوة الحضور والمشاركة.........
****************
فكما هو معلوم، فلا يخفى على أحد أيها السادة الأفاضل ما عرفه عالم اليوم من تطور تكنولوجي وما صاحبه من نهضة في مجال المعلوميات، وقفزة كبيرة في ميدان الرقميات، إذ أصبحت الأجهزة الالكترونية تكتسح كل المجالات، طمست معه تدريجيا مختلف الأنظمة التقليدية المتعارف عليها سلفا في مجمل التخصصات، هذه القفزة، كان لها بليغ الأثر على مجال العلم والمعرفة انتاجا وتصنيفا وتأليفا وتعريفا، وأقصر الحديث في هذا الصدد على البحث العلمي، وأي بحث علمي؟ ليس ذاك الذي ألفنا قراءته في المكتبات والكتب الورقية، وليس ذاك الذي انتجناه استنادا لمصادر علمية مادية ملموسة، ونشرناه في دعامات ورقية، مجلات كانت أو سلسلات أو كتب ومصنفات، لا، بل بحث علمي من نوع آخر، وبصبغة أخرى، يقع ترصيص بنيانه في مجال افتراضي، وينشر في الغالب الأعم في مجال رقمي، ويعرف به في أحيان كثيرة في مصنف الكتروني، إنه البحث العلمي الرقمي الالكتروني، ففي العقود الأخيرة، أصبح الكتاب والباحثون من كل التخصصات يعمدون إلى اعمال المعلوميات في الكتابة والتأليف، ويلجؤون للرقميات للنشر والتعريف، ويميلون للدعامات الالكترونية لبناء الانتاجات العلمية والتصنيف.
هذا التطور المشهود في مجال البحث العلمي، كان له وقع كبير على تغير النمط المتبع من قبل الكتاب والباحثين، وشكل ثورة على البحث العلمي التقليدي، لكن، وكما هو معلوم، فأي مستجد يطرأ في هذا العالم الفسيح، حتى إن وجدت له درر من الإيجابيات والحسنات التي تحسب له، ففي المقابل، وفي الغالب الأعم ستجد سلبيات ونواقص تنتج عند استخدامه، وهذا حال البحث العلمي الالكتروني تأليفا وتصنيفا ونشرا وتعريفا.
من كل هذا وذاك، يطرح لدي تساؤلات كثيرة لعل أهمها، ما المقصود بالبحث العلمي الالكتروني؟ وما مظاهره وتجلياته؟ وما أهم الإيجابيات المتحصل عليها منه؟ وما أبرز النواقص والسلبيات المفرزة عنه؟
ولأجل إعطاء مقترب جواب عن كل تلك التساؤلات، فسأعمد إلى تناول هذا الموضوع وفقا منهجية ثنائيه متمثلة في مبحثين، أخصص المبحث الأول: لإعطاء تعريف للبحث العلمي الالكتروني وإبراز مظاهره وتجلياته، لأعرج بعدها في المبحث الثاني لمناقشة إيجابياته وسلبياته.
المبحث الأول: البحث العلمي الالكتروني، ماهيته، مظاهره وتجلياته.
سأقسم تفاصيل هذا المبحث لمطلبين، أخصص المطلب الأول لإعطاء تعريف للبحث العلمي الالكتروني وتبيان كنهه وجوهره، لأتطرق في المطلب الثاني للحديث عن مظاهره وتجلياته.
المطلب الأول: ماهية وكنه البحث العلمي الالكتروني
يمكن تعريف البحث العلمي بصفة عامة بأنه: إِتباع أسلوب مُمنهج في استقطاب المعلومات الموثُوقة المصدر وجمعها واتّباع الأساليب العلميّة في تدوين الملاحظات حولها وتحليلها بشكل موضوعي، وذلك بغية التحقّق من صحّتها والعمل على تعديلها في حال وجود خطأ بها، أو من خلال إضافة معلومات جديدة إلى المُسجّلة سلفا لدى الباحث[1]، ويمكن أن أُعرفه كذلك استنادا لما راكمته من تجربة متواضعة في مجال التخصص على أنه: مجموعة من العمليات الذِهنية والتصورات الفِكرية التي يقوم بها الباحث، يهدف من وراءها انتاج المعرفة العِلمية في مجال وموضوع معين عن طريق تجميع المعلومات من مراجعها المختلفة ومحاولة ربط بعضها ببعض قصد الجواب عن إشكالية معينة أو عدة إشكاليات، وإِقران ذلك بالآراء الشخصِية والخلاصات العِلمية المرتكزة على أُسس ودعائِم لها من السند ما تَتأسسُ عليه، وذلك باتباع منهجية علمية أكاديمية كمبدأ عام تعطي للدراسة المُنجزة رونقا واتساقا[2].
فإذا كانت التعاريف المومأ إليها أعلاه تصدق عن البحث العلمي التقليدي، فيمكن اسقاطها كذلك على البحث العلمي الإلكتروني، ولا تختلف معه في شيء يخص أبجديات الكتابة ومبادئ التأليف وركائز النشر والتعريف، باستثناء الدعامة التي يتم فيها هذا الأخير، فهي التي تعطيه نوع من الخصوصية وتميزه بمميزات جمة، وبالمقابل تفرز في حقه سلبيات ونواقص لا تعد ولا تحصى.
فاستنادا للخصوصية التي تميزه يمكن تعريفه بأنه كل كتابة علمية في أي مجال معرفي معين منصاعة لأبجديات وركائز البحوث العلمية المتعارف عليها، والتي تتم في مجال رقمي الكتروني وافتراضي غير ملموس، يعتمد فيه الباحث بالأساس الحاسوب في رقنه ويستند على مصادر ومراجع في مجال التخصص تتسم ذاتها بكونها رقمية، ويطرحه للقراء في دعامات بنفس النمط والكيفية، سواء كانت مواقع الكترونية أو مجلات وسلسلات ومصنفات لا تقل عن المصنفات التقليدية أية أهمية.
المطلب الثاني: مظاهر وتجليات البحث العلمي الالكتروني.
يتخذ البحث العلمي الالكتروني مظاهر وتجليات عدة وغير محصورة، ففي وقتنا الراهن، لا تكاد تغوص في الأنترنيت بحاسوبك أو هاتفك إلا ووجدت انتاجات علمية كثيرة متناثرة هنا وهناك، وبصيغ متعدد سواء مقالات أو وجهات نظر أو تقارير أو مداخلات....الخ، وفي مواضيع مختلفة، ألفها كتاب من درجات علمية متفاوتة من أساتذة ودكاترة وباحثين وممارسين وحتى من طلبة لم يدم تخصصهم في مجال كتابتهم إلا أشهر معدودات، وهذه المقالات تجدها من منابع وتخصصات متنوعة، في القانون، في الاقتصاد، في التاريخ والجغرافية، في العربية...إلخ، منها من يلفتك ريعان عنوانه، ومنها من يأسرك ببناء منهجه وتصميمه، وكلها متفاوتة في درجة علميتها ومدى نجاح مؤلفها في الجواب عن الإشكالية التي تثيرها، ومن أهم مظاهر وتجليات البحث العلمي الالكتروني نجد:
 الفقرة الأولى: التأليف والكتابة الالكترونية: في وقت ليس بالبعيد، كان السائد لدى الكتاب والباحثين في شتى العلوم تحرير كتابتهم وأبحاثهم بالطرق التقليدية المتمثلة في أقلام المداد والورق، ولكن، وبعد التطور الذي عرفته الحياة في مختلف المجالات ومنها مجال البحث العلمي، تغير التوجه تدريجيا من الكتابة والتأليف الورقي إلى التأليف الالكتروني كقاعدة عامة، والذي يعتمد فيه الكاتب والباحث الحاسوب وغيره من الأجهزة الأخرى المشابهة لتأليف وترصيص بنيان مؤلفاته، باستعمال برامج تسهل المأمورية في كل شيء.
الفقرة الثانية: النشر والتوزيع الالكتروني: لقد منح الفضاء الرقمي للكتاب والباحثين متسع من المجال قصد نشر أبحاثهم وتوزيعها والتعريف بها على نطاق واسع دون قيود أو عوارض، فكل ما يتحتم عليهم القيام به رفع البحث أو المقال المراد نشره في دعامة رقمية سواء كانت موقعا أو مدونة شخصية لتجده منتشرا كالنار في الهشيم، يشاركه العادي والبادي ويحمله الواقف والداني.
الفقرة الثالثة: البحث عن المراجع العلمية في المجال الرقمي: في عصر السرعة والمعلوميات، أصبح كثير من الكتاب والباحثين لا يكلفون أنفسهم عناء التنقل للمكتبات قصد الحصول عن المصادر والمراجع بغية اعتمادها في تأليف أبحاثهم، كل ما في الأمر، الولوج لمحركات البحث الالكترونية وتحميل عشرات الكتب والمراجع من مختلف التخصصات في دقائق معدودات، وهذه من المزايا التي يوفرها المجال الرقمي خدمة للبحث العلمي.
الفقرة الرابعة: نشر الانتاجات العلمية في المواقع الالكترونية والمدونات الشخصية: غالبا ما تجد الانتاجات العلمية الرقمية المنشأة بهذه الكيفية دعامات بنفس النوعية –أي الكترونية- لتنشر فيها من قبل أصحابها لخلفيات معينة كسهولة النشر، وسعة رقعة الأشخاص الذي يمكن أن تصل إليهم، بالإضافة إلا أنها تنشر في كثير من الحلات دون رقيب وحسيب عليها ولما تتضمنه من محتوى، ومن أهم الدعامات الإلكترونية التي تنشر فيها نجد مثالا لا حصرا:
أولا: المجلات العلمية الالكترونية: انطلاقا من تجربتي في مجال إدارة أحد المجلات الالكترونية والتي ذامت لأكثر من ثلاث سنوات، اكتشفت جملة من الأمور من قبيل ميل الكتاب والباحثين لنشر إنتاجاتهم العلمية في المجلات الالكترونية، وتوجه الكثير منهم لتأسيس مجلات خاصة بهم، إما تقليدا لمن سبقهم في الميدان أو محاولة منهم لصنع شخصية يسمع دويها في الأركان، دون أدنى معرفة من قبل الكثير منهم بما يستوجب القيام به لتأسيس هذه الدعامات من شروط والتزامات إدارية وكذا التزامات علمية تجاه القارئ الذي دائما ما ينتظر المعلومة الصحيحة المحكمة الخالية من أي نقص أو التباس، ولا أنكر واستنادا لنفس التجربة أنني صادفت الصالح والطالح، والمميز والركيك، وسيتأتى لي مناقشة كل ذلك في ابانه.
ثانيا: السلسلات العلمية الإلكترونية: تتميز السلسلات الرقمية بتخصصها في الغالب الأعم في نشر البحوث العلمية المعمقة كالكتب والأطاريح والرسائل الجامعية ومختلف البحوث الأخرى التي تخرج من دائرة المقالات التي تتكلف المجلات بنشرها والتعريف بها.
ثالثا: باقي المصنفات الرقمية: وهذه المصنفات كثيرة ومتعددة أذكر منها مثالا لا حصرا: المواقع الإلكترونية التي أصبحت تكتسح المجال الرقمي والمئات منها متخصصة في مجال النشر العلمي للإنتاجات في مختلف المناحي البحثية، وبالإضافة لها نجد المدونات الشخصية الرقمية التي يخصصها أصحابها لنشر انتاجاتهم بشكل معلوماتي الكتروني في تخصص معين، تم القنوات الرقمية التي تنشط بالأخص على موقع اليوتوب وباقي المواقع المشابهة...الخ.
المبحث الثاني: ثلة من إيجابيات البحث العلمي الالكتروني وجملة من سلبياته.
سأقسم تفاصيل هذا المبحث لمطلبين، أستعرض في المطلب الأول أهم الإيجابيات التي يتيحها البحث العلمي الإلكتروني، لأعقب بعدها في المطلب الثاني لإبراز أهم السلبيات التي يطرحها.
المطلب الأول: أهم الإيجابيات المستفادة من البحث العلمي الالكتروني.
للبحث العلمي في المجال الرقمي الالكتروني إيجابيات كثيرة ومتعددة سأحاول الوقوف على الأهم منها فقط فيما يلي:
الفقرة الأولى: سهولة الحصول على المعرفة العلمية في المجال الرقمي: مع التطور المهول الذي عرفه المجال المعلوماتي والرقمي، فقد أصبحت هناك منصات متخصصة في تجميع المصادر العلمية والمراجع الأكاديمية في مختلف المشارب في دعامات الكترونية، تخول للباحثين والكتاب الاستفادة منها دون عناء أو مشقة، فكل ما هنالك أن يلج الباحث للمنصة أو الدعامة المخزن فيها المادة العلمية ويحمل ما يشاء من الكتب والبحوث الأخرى المعمقة، وغالبية هذه المنصات تقدم هذه المراجع بدون مقابل مادي يذكر، وهناك أخرى استثناء تتطلب أداء بعض المبالغ المالية، وهذه المكنة التي منحها المجال الرقمي للبحث العلمي مزية تحسب له، ولا يمكن البت نكران ما أزالت من حمل ثقيل على الراغبين في الحصول على المادة العلمية والذين لا تتوفر لهم الإمكانيات للتنقل والبحث عنها، فلم يعودوا يكلفون أنفسهم كقاعدة عامة عناء السفر والتنقل للمكتبات للبحث عن المراجع والكتب وجدو افيها شيء أو لم يجدوا.
الفقرة الثانية: التعريف بالإنتاجات العلمية في المجال الالكتروني الرقمي: للمجال الرقمي الالكتروني دور كبير في التعريف بالإنتاجات العلمية والمصنفات الأكاديمية التي جادت بها جعب الكتاب والباحثين، حيث لا تكاد تجد عديدا من المواقع والصفحات والمجموعات الرقمية والمنصات والمدونات تعرض كتب ومقالات وبحوث علمية معمقة وتجد صدا كبيرا عند الباحثين عنها، حيث تجدها يشير بها هنا وهناك ويحملها الغادي والرائح ويروج لها في كل مكان خصوصا إذا كان مؤلفات ذات قيمة وتناقش مواضيع ذات راهنية، فللمجال الرقمي دور كبير في التعريف بالبحث العلمي الذي انتجه ثلة من الكتاب والباحثين وهذه نقطة بيضاء إيجابية تحسب له.
الفقرة الثالثة: وصول المعرفة العلمية المنجزة في المجال الرقمي للعالمية: كما هو معلوم أن الشبكات العنكبوتية تربط أوصال العالم بخيوط معلوماتية رقمية غير مرئية، فلا تحتاج في هذا الوقت أن تسافر وتتنقل لتزور بلدان لتحصل فيها على أمور علمية أنت في حاجة إليها، بل يكفي أن تجلس في غرفتك وتفتح حاسوبك وتطلق العنان لمحركات البحث، وهي تتكلف بالمهمة وتأتيك بكل شيء ترغب فيه، وهذا القول كذلك يصدق على الإصدارات العلمية التي يتم انتاجها، فكل ما على الكاتب والباحث إلا أن ينشر انتاجه العلمي في موقع أو صفحة أو مدونة...إلخ، وتجد هذا البحث المنتج يصول ويجول العالم بأسره في دقائق معدودات، حيث يكون متاح للجميع في كل البقاع، ويتم التعريف به على أوسع نطاق دون قيود أو حواجز إجرائية التي غالبا ما تصادف البحث العلمي المنشور في الدعامات الورقية، وهذه ميزة أخرى تحسب للمجال الرقمي الالكتروني لفائدة البحث العلمي .
الفقرة الرابعة: منح الفرصة للمبتدئين في التأليف قصد النشر والتعريف: للمجال الإلكتروني الفضل الكبير على العديد من الكتاب والباحثين والمبتدئين في التأليف العلمي، حيث منحهم فرصة ذهبية ومتسعا من المجال لنشر أعمالهم وكتاباتهم بايجابياتها وحتى بأخطائها ومغالطاتها، حيث تجد في الغالب الأعم أن أي كاتب أو باحث يكون المقال الأول له في أحيان كثيرة منشورا في موقع أو مجلة الكترونية أو سلسلة أو غيرها من المنصات، فهذا الباحث بمجرد ما يرى أن بحثه قد تم نشره وبدأ الاقبال عليه بمشاركته واعادة توزيعه الكترونيا وتحميله قصد الاطلاع، لا يتردد في كتابة مقال آخر ونشره مرة أخرى وهنا تنشأ وتشيد لديه شخصية بحثية تسقل بكثرة الكتابة والتأليف، وهذه الميزة الأخرى التي يمنحها المجال الرقمي للبحث العلمي والباحثين نقطة مضيئة تنضاف لإيجابياته.
 وللإشارة فأول مقال نشر لعبد ربه مند أربع سنوات تقريبا كان في موقع الكتروني، والاقبال الذي لقاه جعلني أكتب مقالات أخرى وأنشرها في مجلات ورقية والكترونية ومواقع رقمية، وهي فرصة لنقف ونلقي بالشكر الجزيل لكل من كان لهم الفضل في بناء شخصياتنا البحثية في سنوات الماستر وسقلها في سنوات الدكتوراه.
المطلب الثاني: أبرز السلبيات الناتجة عن البحث العلمي الالكتروني.
رغم كثرة الإيجابيات التي يتيحها البحث العلمي الالكتروني والميزات التي تحسب له، إلا أنه في المقابل يطرح سلبيات ونواقص لا تعد ولا تحصى، أورد منها مثالا لا حصرا:
الفقرة الأول: التأليف العلمي في المجال الالكتروني من قبل من هب ودب: مع الأسف، وبالأسف الشديد، فقد أصبح وكقاعدة عامة من هب ودب يطلق  العنان لقلمه ويكتب ويؤلف انتاجات في المجال العلمي الرقمي دون التقيد بأبسط الأمور العلمية والمنهجية المتعارف عليها، ودون أن تكون له دراية كافية ومراس وافر في المجال المكتوب عنه، حيث تجد مقالات لفلان وعلان أقل ما يقال عنها أنها رديئة منهجيا، مفتقر علميا، لا تضيف أي جديد سوى تكرار ما تم تكريسه سلفا، وهذه الأمور أصبحنا نلمسها في المبتدئين وحتى في المتمرسين وذلك لاعتبارات جمة سيأتي ذكر بعض منها تبعا.
 وانطلاقا من تجربتي الشخصية في مجال النشر العلمي للمقالات والأبحاث، فلا أنكر أن مجلتي تتوصل بمقالات كثيرة منها الصالح والطالح، ومنها المفيد وغير المفيد، أتذكر كثيرا مقالات بعناوين بارزة رفضت اللجنة العلمية للمجلة نشرها بأسباب وذرائع كثيرة، وأعطت لأصحابها نصائح واشارات علها تكون لهم مشكاة للرقي بكتاباتهم وإعادة النظر في مسار تأليفهم وأبجديات ذلك.
الفقرة الثانية: اجتياح السرقات الأدبية والعلمية للمجال الرقمي: لا يخفى عليكم أيها السادة الأفاضل وقع السرقات العلمية والأدبية السلبي على البحث العلمي، فهي مؤشر ينخر مبيانه في تحديد مراتب الدول بخصوص البحث العلمي في مختلف التخصصات، فمع الأسف، تجد الكثير من الكتاب والباحثين يحترفون السرقات العلمية والأدبية والنحل والانتحال وينسبون منتوجات الآخرين لأنفسهم، فمن خلال تجربتي المتواضعة في النشر العلمي، وقفت على العديد من الخرقات من هذا القبيل، أتذكر موقفا تقدم خلاله أحد الطلبة الباحثين لنشر رسالة ماستر ناقشها لنتفاجأ بعدها أنها لطالبة سلمته إياها لكي يعتمدها كمرجع، حيث عوض أن يقتبس اقتباس علميا من الرسالة، أخذ الرسالة كلها وغير لها صفحة الغلاف وناقشها باسمه وحاول نشرها الكترونيا، ومن المواقف كذلك قيام أحد خريجي الماستر باعتماد عنوان سلسلة لمنتوجه سبق لصاحب العنوان الأصلي أن سجل هذا العنوان لمصنفه وحصل على رقم دولي معياري لهذه الدورية وهو ما يشكل تعدي على الملكية الفكرية والأدبية، بالإضافة لما كان يروج ومازال من دعوى قضائية رفعت من أساتذة متمرسين وباحثين على آخرين بعلة السرقة العلمية الالكترونية للأبحاث والمقالات، وكذا ما عرفته بعض انتاجات الآخرين من تسريب للمجال الرقمي دون أي إذن مسبقا منهم.
الفقرة الثالثة: الترويج للمغالطات العلمية الكترونيا واكتساح التصنع والتقليد ورداءة القيمة العلمية للإنتاجات: كثير من الكتاب والباحثين يعمدون للكتابة والتأليف في مجالات معينة حتى في مجال تخصصهم ويؤلفون أمور لا رقيب عليها ولا حسب، فبمجرد ما ينتهي صاحبنا من تأليف منتوجه، يبادر إلى اغراق المجال الرقمي به دون أن يخضعه للقيود والأبجديات العليمة، وحتى دون أن يعرضه على متمرس في المجال لعله يقوم له ما اعوج فيه ويصوب كل مغالطات تعثريه، فتجد مقالات في ظاهر عناوينها شيء وعند تصفح باطنها تجد أنها تخوض في أمور كثيرة لا علاقة لها بالعنوان والاشكال المطروح، وتجدها إضافة إلى ذلك مغرقة بالمغالطات العلمية التي غالبا ما يكون سببها عدم التمكن من المجال المحررة فيه الدراسة أو البحث أو الفهم الخاطئ لتفاصيله، حيث يجد مؤلف هذه الانتاجات من هذه الطينة المجال الرقمي الالكتروني لنشرها بعللها التي لا تعد ولا تحصى، وغالبا ما تكون وبالا على قارئيها الذين يجدون أنفسهم يكرسون في ذاكراتهم معلومات مغلوطة يتخذونها سندا في النقاش وتبادل الأفكار.
وبالإضافة إلى نشر المغالطات العلمية في المجال الرقمي، نجد ظواهر أخرى شاذة انتشرت كالوباء في أوصال البحث العلمي وهي التقليد والتصنع، حيث غالبا ما تجد طلبة وباحثين يقلدون أشخاص آخرين في مسائل العلم والمعرفة، فهذا بمجرد ما يرى أن باحث أنشأ دعامة كمجلة أو سلسلة يبادر إلى انشاء مجلة أو سلسلة بدوره، أو بمجرد ما يراه كتب في موضوع يبادر هو عينه للكتابة في نفس الموضوع، لا لشيء، إلا للتقليد والتصنع ومحاولة تقفي الآثار بجهالة، أتذكر أنه مند انشائي لمجلة رقمية بأن ثلة ممن حولي بادروا لإنشاء مجلات سرعان ما توقفت في بداياتها لأنها لم تكن مؤسسة على الناصية الصحيحة، بل كان للتقليد والتصنع لا غير، ولا أقول هذا الكلام لأعاتب من يرغب في انشاء دعامات لينشر فيها الباحثين أعمالهم، بل أقول هذا الكلام ليستفيق كل غافل ويعلم أن تقليد الآخرين يجب أن يكون من باب القدوة، وأن تكون المسائل المنتجة لأجل الاستمرارية في العطاء وليس لأجل خلق شهرة مؤقتة سرعان ما تندحر بمرور الوقت وتتهاوى.
وكل ما ذكر أعلاه – أي السرقات الأدبية والتقليد والتصنع – يكون سببا لا محالة لرداءة المنتوج العلمي وتفشي المغالطات فيه، فكثير من تطلع على واجهات انتاجات علمية تعتقد في بادئ الأمر أن فحواها سيعكس عنوانها الفاره، لتتفاجأ أن قيمتها العلمية أقل من أن تكون منعدمة، وأعطي المثال بالظروف التي عرفها مغربنا الحبيب من جراء جائحة كورونا وفرض حالة الطوارئ الصحية، حيث تفاجأت مجلتي بسيل جارف من المقالات تناقش مختلف المواضيع المرتبطة بالجائحة، منها ما نجح في مناقشة الاشكال المطروح والبعض الآخر فشل في ذلك، والذي حز في نفسي تذكري لبعض الدراسات رفضت اللجنة العلمية لمجلتي نشرها لدواعي كثيرة تمنعها من العرض للجمهور أنها في يومه الموالي وجدتها منشورة في مواقع الكترونية ودعامات أخرى ويشير بها على أوسع نطاق، وكل ما في الأمر أنني وقفت وقفة ذهول ولم أحرك ساكنا لأنه ليس بيدي حيلة.
الفقرة الرابعة: صناعة شخصيات بحثية وهمية وقبر أخرى متمرسة راقية: في الآونة الأخيرة، ظهرت لساحة البحث والتأليف العلمي شخصيات تدعي أن لها صيت كبير في مجال وتخصص معين، كل ما انتجوه ليكتسبوا هذه الصفة بعض المقالات المنشورة في المجال الالكتروني لم يخضعوها حتى للتقييم والتحكيم، حيث تجد فلان يطلق على نفسه "باحث في التجارة الدولية" وكل ما هنالك أنه ألف مقال في هذا المجال، وآخر يطلق على نفسه "باحث في السياسات العامة الخارجية"، وآخر يطلق على نفسه "رئيس المركز الدولي للبحث العلمي"...وهلم جرا من الصفات والألقاب التي ما أنزل الله بها من سلطان، حتى فقدت الصفات العلمية والبحثية الحقيقة قيمتها، وتجد طالبا في الإجازة بمجرد ما ينتهي من تحرير بحث الإجازة الخاص به يقوم بنشره على عواهنه ويطلق على نفسه صفة "باحث في القانون مثلا" أو تجد طالبا باحثا في ماستر معين يطلق على نفسه صفة "باحث في العلوم القانونية"، ولتعلم امعية المسألة وتفشيها، ما عليك إلا أن تراجع المواقع المختصة بنشر المقالات وتنظر بأم أعينك للصفحات والمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعية لتعلم كل ذلك، وهي مسألة في الحقيقة ساهمت في انشاء شخصيات بحثية هي في بوادرها وهمية حتى وإن كانت ستكون حقيقية فلا تكون كذلك إلا بعد مراس في مجال التخصص وخوض تجارب كثيرة.
كل هذه الأمور ساهمت في قبر ثلة من الباحثين الأفذاذ الذين أغرقوا المكتبات الوطنية والدولية بعديد من البحوث والانتاجات العلمية وكرسوا نظريات كثيرة، وفي الحقيقة فهذا الوضع نحن من كرسنا وجوده ومنحناه من الاهتمام الشيء الكثير حتى تفشى وترسخ وأصبح من الصعب تدارك انتشاره واجهاض حالات ميلاده.
خلاصة:
أخلص في خاتمة هذا المقال لأصرح أن البحث العلمي الالكتروني أصبح ركيزة في المنظومة العلمية والمعرفية ولا يمكن الاستغناء عنه لأي سبب كان، كل ما هنالك أن نعمل على تعزيز الإيجابيات التي يمنحنا إيها ونقوم بسقلها لدرجة يؤتي معه ثماره المنتظرة، وفي المقابل أن نسعى بحزم لتجاوز أو على الأقل التقليص من السلبيات المفرزة من قبله والتي تمس في كثير من الحالات البحث العلمي في كنهه وجوهره وتشوه صورته وأنتم أيها السادة الأفاضل أسياد العارفين بأن كل باحث وكاتب تكون له غيرة على درجة البحث العلمي في وطنه ومؤشرها في الإحصاءات العالمية، فغالبا ما نحس بالفخر عندما نجد مغربنا الحبيب في المراتب الأولى في مختلف أصعدت العلم والمعرفة، وكل ما علينا فعله أن نسير قدما للنهوض به وتعزيز مكانته بأيدينا وأقلامنا وسننال المراد بحول لله.

 

 

تم بحمد الله وتوفيقه...وجوده وكرمه وتنويره



[1]- ايمان الحياري، مقالة بعنوان "ما هو البحث العلمي"، منشور بالموقع الالكتروني (https://mawdoo3.com) تاريخ الاطلاع 11/05/2020 على الساعة 15:20.

-[2] محمد القاسمي، مقال بعنوان "شغفي كقانوني..."، منشور بموقع مجلة القانون والأعمال (https://www.droitetentreprise.com//?s=)، تاريخ الاطلاع 26/06/2020 على الساعة 11:30.

إرسال تعليق

0 تعليقات