آخر الأخبار

Advertisement

الاختصاص القضائي للمنازعات الاستهلاكية بين النص القانوني والواقع العملي - الأستاذ جـميلي عثمان- مجلة الباحث - العدد 40 - منشورات موقع الباحث

 


الاختصاص القضائي للمنازعات الاستهلاكية بين النص القانوني والواقع العملي - الأستاذ جـميلي عثمان- مجلة الباحث - العدد 40 - منشورات موقع الباحث


رابط تحميل العدد الذي يشمل المقال بصيغة pdf أذناه:


https://www.allbahit.com/2022/03/40-2022-26.html





الأستاذ جـميلي عثمان 

         باحث في سلك الدكتوراة جامعة سيدي مجمد

بن عبد الله فاس

الاختصاص القضائي للمنازعات الاستهلاكية بين النص القانوني و الواقع العملي

Jurisdiction for consumer disputes between the legal text and the practical reality

 مقدمة:

 إن تطور الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و ما صاحبها من ارتفاع على مستوى معيشة الأفراد عن طريق تطور وسائل الإنتاج و زيادة الاستهلاك و تنوع الخدمات المقدمة للمستهلك ترتب عنه إلحاق أضرار كبيرة بهذا الأخير الذي وجد نفسه أمام تنوع السلع و الخدمات عرضة لمجموعة من الممارسات الغير شريفة، خاصة من طرف مقدمي الخدمات الأمر الذي تحتم معه إيجاد إطار قانوني لحماية المستهلك حيث بدأ التفكير في حماية حقوق المستهلك في ستينيات القرن الماضي، وذلك بعد خطاب الرئيس الأمريكي " جون  كندي" بتاريخ 15 مارس 1962أمام الكونغريس باعتباره المستهلكين هم شريحة كبيرة في المجتمع التي تؤثر وتتأثر في السوق الاقتصادي إلا أن صوتها لا يزال غير مسموع، وحينها أعلن ما يسمى بالحقوق الأربعة للمستهلكين. وبعد ذلك ثم الإعلان اليوم العالمي لحقوق المستهلكين في 15 مارس 1983.

        ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا يتم الاحتفال باليوم العالمي لحقوق المستهلك في 15 مارس، وتتم مناقشة مواضيع لها علاقة بالمستهلك في كل احتفال، فمثلا في 2010 تم مناقشة موضوع " الطرق البديلة لتسوية نزاعات الاستهلاك" وذلك بالمغرب، وأصبحت المطالبة من طرف المستهلكين بحماية حقوقهم، وفي سبيل هذا أصدر المشرع المغربي سنة 2011 القانون رقم 08-31 والذي يقضي بتحديد تدابير حماية المستهلك.وتشكل نزاعات الاستهلاك أرضية خصبة يلعب فيها القضاء دورا مهما نظرا لخصوصية هذه النزاعات الناشئة عن عقود الاستهلاك.

      وعلى ضوء ذلك فقد كان من الواجب تحديد قواعد الاختصاص لهذا النوع من النزاعات الذي يتميز بطابعه الخاص وتحديد الاختصاص القضائي في نزاعات الاستهلاك يقصد به معرفة الجهة القضائية والمحكمة المؤهلة للنظر في النزاعات على اختلافها، فالاختصاص هو سلطة المحكمة للبث في قضية معينة أو نزاع معين و عدم الاختصاص هو فقدان ولاية هذه الجهة أو المحكمة صلاحية البث في نزاع معين و تحديد اختصاص محكمة معينة يكون بتمييز القضايا التي لها سلطة النظر فيها وفقا للقواعد التي ينص عليها القانون.

        وتكمن أهمية موضوع تدبير الاختصاص القضائي في منازعات الاستهلاك في ضرورة ضمان الأمن القضائي في هذه المنازعات، وإعطاء المستهلك الضمانات الأزمة من أجل اللجوء إلى القضاء كمؤسسة تضمن له حقوقه في هذا النوع من المعاملات الاستهلاكية.

      ومن خلال ما سبق فان التساؤل الذي يطرح نفسه، كيف قام المشرع المغربي بتدبير الاختصاص القضائي في نزاعات الاستهلاك؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا أن نقسم الموضوع إلى التصميم التالي:

المبحث الأول: قواعد الاختصاص القضائي في نزاعات الاستهلاك.

المبحث الثاني: مظاهر قصور قواعد الاختصاص في نزاعات الاستهلاك وآليات تجاوزها.


 

المبحث الأول: قواعد الاختصاص القضائي في منازعات الاستهلاك في التشريع المغربي.

 من المعروف أن الحقوق تعد بلا قيمة إن لم توفر للمستهلك حقوقه القضائية وتمنحه الحماية القضائية في كل مراحل الاستهلاك وتنفيذ عقد الاستهلاك لكن ما يلاحظ هنا هو تنوع وتشعب الاختصاص فيما يخص نزاعات الاستهلاك ذلك أن الاختصاص النوعي يعهد إلى كل من المحاكم التجارية والإدارية والابتدائية، هذا بالإضافة إلى حرية الأطراف فيما يخص الاختصاص المحلي بالنسبة لمنازعات الاستهلاك. وهذا ما سنتعرض له في هذا المبحث وذلك بالتطرق إلى قواعد الاختصاص النوعي في منازعات الاستهلاك (المطلب الأول) والاختصاص المحلي أيضا في هذا النوع من المنازعات (المطلب الثاني).

1.     المطلب الأول: قواعد الاختصاص النوعي في منازعات الاستهلاك.

         إن نزاعات الاستهلاك تعرف تنوع الاختصاص القضائي حسب طبيعة النزاع الحاصل بين المستهلك والمورد،

       وتخضع منازعات الاستهلاك للتنظيم القضائي المعمول به، حسب نص الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 1.11.148 بتنفيد القانون رقم 34/10 الصادر بتاريخ 17 غشت 2011 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، الذي:

يشمل التنظيم القضائي المحاكم التالية:

1ـالمحاكم الابتدائية.

المحاكم الابتدائية المدنية وتضم أقسام قضاء القرب، غرف مدنية وتجارية وغرف عقارية ـ أقسام قضاء الأسرة ....

المحاكم الابتدائية الزجرية وتضم: قضاء القرب. غرف جنحية. غرف حوادث السير. غرف قضاء الأحداث

2ـالمحاكم الإدارية.

3ـالمحاكم التجارية.

4ـمحاكم الاستئناف.

5ـمحاكم الاستئناف التجارية.

6-محاكم الاستئناف الادارية

7ـالمجلس الأعلى [1].

  وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 18 من ق.م.م ينص على ما يلي  " تختص المحاكم الابتدائية مع مراعاة الاختصاصات الخاصة المخولة إلى أقسام قضاء القرب بالنظر في جميع القضايا المدنية".....، وبقراءة قانونية لهذا المستجد التشريعي نلاحظ بأنه يمكن للمحكمة الابتدائية النظر في جميع القضايا بما فيها قضايا نزاعات الاستهلاك أي بين المستهلك الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية والتاجر المورد. [2]

       وعليه فإن تحديد نوع المحكمة المختصة للنظر في نزاع معين يكون بالاستناد على مجموعة من الاعتبارات كقيمة النزاع مثلا بحيث كلما كانت قيمة النزاع تقل عن 5000 درهم، فان الاختصاص في هذه الحالة ينعقد لأقسام قضاء القرب.[3]

     وقد يشكل النزاع أحيانا كثيرة عملا إجراميا يعاقب عليه المشرع المغربي، وفق المقتضيات القسم السابع من القانون رقم 08ـ31، وفي هذه الحالة فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الزجرية،  وهو خيار يوسع من طرق ممارسة الدعوى من طرف المستهلك وجعله يستفيد من وجود النيابة العامة في مجال الإثبات[4] كما تختص كذلك في الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 13.83 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع.

      أما بالنسبة للدعاوى التي يكون أحد أطرافها تاجرا سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا و الآخر مدنيا مثل المستهلك المقترض ففي هذه الحالة يكون الاختصاص إما للمحكمة التجارية وإما للحكمة المدنية المتمثلة في المحكمة الابتدائية،  وذلك حسب نوع العمل المختلط بالنسبة للخصم أو المدعى عليه، بذلك يبقى للمستهلك المقترض الحق في الاختيار بين المحكمة المدنية و المحكمة التجارية.   ففي الحالة التي يكون فيها هو المدعي يترك له الخيار في اللجوء إلى المحاكم المدنية  أو التجارية قصد المطالبة بحقوقه، وذلك لأن المعاملة هنا تكتسي طابعا مختلطا، إذ تعد مدنية بالنسبة للمستهلك وتجارية في الغالب بالنسبة للمهني مما دفع بالاجتهاد القضائي إلى ترسيخ هذه القاعدة من خلال مجموعة من القرارات كلها تصب في حماية المصلحة الفردية للمستهلكين باعتبارهم أطرافا ضعيفة في العلاقة التعاقدية مع المهنيين[5]. أما إذا كان المورد هو المدعي فيمكن له أن يرفع دعواه أمام المحاكم الابتدائية الطبيعية للمستهلك .كما يمكن للمورد أن يرفع دعواه أمام المحكمة التجارية، لكن في هذه الحالة الأخيرة يمكن للمستهلك الدفع بعدم اختصاص المحكمة التجارية نوعيا في النزاعات المختلطة، وهو ما حدث فعلا في قضية عرضت على المحكمة التجارية بالدار البيضاء إذ بادرت المدعية شركة ليونيز للمياه (ليدك) برفع دعوى أمام المحكمة التجارية ضد المدعى عليها المستهلك لمطالبتها بأداء مبلغ 53.422.85 درهم عن واجبات استهلاك الماء والكهرباء فتقدمت المدعى عليها بواسطة نائبها بمذكرة دفعت فيها بعدم الاختصاص النوعي، ملتمستا التصريح بعدم الاختصاص النوعي للمحكمة التجارية لأن العارضة شخص مدني وأن النزاع لا يندرج تحت الشروط المنصوص عليها في المادة 5  من قانون إحداث المحاكم التجارية، وبعد تأكد المحكمة من خضوع النزاع  لقانون حماية المستهلك صرحت بعدم اختصاصها نوعيا للبث في النزاع المعروض عليها .[6]

      أما فيما يخص الاختصاص بالنسبة للمحاكم الإدارية كلما تعلق الأمر بسوء تدبير المرافق العمومية الإدارية، كالمستشفيات والمدارس مثلا أو تسبب أحد أشخاص القانون العام في إلحاق الضرر بالمستهلك، لتأكيد على كون المشرع المغربي عمل على تحديد الإختصاص النوعي للمحاكم الإدارية بنوع من الدقة، وجعله من متعلقات النظام العام طبقا للمادة 12 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية رقم90ـ41.[7]

2.     المطلب الثاني: الاختصاص المحلي لنزاعات الاستهلاك

     أما فيما يخص للاختصاص المحلي المتعلق بالقضايا الاستهلاكية، فإن ممارسة الدعوى المدنية يكون إما أمام محكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه، وإذا لم يكن لهذا الأخير موطن في المغرب ولكن يتوفر على محل إقامة، كان الاختصاص لمحكمة هذا المحل وإذا لم يكن للمدعي عليه لا موطن له ولا محل إقامة في المغرب فيمكن تقديم الدعوى ضده أمام محكمة أو موطن أو إقامة المدعى أو واحد منهم عند تعددهم، أما إذا تعدد المدعى عليهم جاز للمدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إقامة أي واحد منهم، هذا ما تنص عليه المادة 27 من ق.م.م.

     هذا ويضيف بعض الفقه (عامر أحمد القيسي)، على أنه بإمكان المستهلك إقامة الدعوى أمام محكمة المكان الذي يقيم فيه المدعى عليه أو المكان الذي يحصل فيه التسليم الفعلي للشيء المبيع أو المكان الذي تؤدى فيه الخدمة، حيث أن أفضل مكان للمستهلك وهو مكان أداء الخدمة لأنه عادة ما يكون مكانها هو مكان إقامة المستهلك، والمقصود بمكان التسليم الفعلي المكان الذي يتم فيه التسليم ماديا. لذلك إذا لم يحصل التسليم، فإن على المستهلك أن يقيم الدعوى أمام محكمة مكان وجود البائع [8].

         غير أنه بصدور قانون حماية المستهلك بالمغرب، فقد سن المشرع المغربي نظاما جديدا للاختصاص المحلي وهو ما يتضح من خلال المادة 111 ق ح م التي تنص على أنه " يجب أن تقام دعوى الأداء أمام المحكمة التابع لها موطن أو محل إقامة المقترض خلال السنتين المواليتين للحدث الذي أدى إلى إقامتها تحت طائلة السقوط حق المطالبة بفوائد التأخير" [9]

كما تنص المادة 202 من نفس القانون" في حالة نزاع بين المورد والمستهلك، ورغم وجود أي شرط مخالف، فإن المحكمة المختصة هي محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك أو محكمة المحل الذي يقع فيع الفعل المتسبب في الضرر باختيار هذا الأخير" [10]

وتبعا لذلك فإن الاختصاص المحلي أصبح ينعقد لمحكمة موطن أو إقامة المستهلك، وما يلاحظ على هذه النصوص أنها:

-        جاءت لحماية المستهلك، فبعد أن كانت القواعد المتعلقة بالاختصاص المحلي تنص على صيغة "المدعى عليه" لتحديد المحكمة المختصة محليا جاء قانون 31-08 لينص على كون الاختصاص يرجع لمحكمة موطن أو إقامة المستهلك أو المقترض سواء كان مدعيا أو مدعى عليه.

-        جاءت بصيغة عامة قابلة للتطبيق على كافة أنواع النزاعات المتعلقة بقانون حماية المستهلك، سواء أكانت ذات بعد مدني، مختلط، إداري، زجري، وبغض النظر عن المحكمة المختصة في النزاع على اعتبار أنها قواعد جاءت عامة في نص خاص يقدم على النص العام.

وانطلاقا من كون الاختصاص المحلي في قضايا الاستهلال من النظام العام حسب مقتضيات المادة 151 من قانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك. خصوصا في القروض العقارية والقروض الاستهلاكية فإنه يترتب على ذلك أنه:

-        لا يمكن للخصوم الاتفاق على رفع دعوى أمام محكمة غير مختصة محليا بصورة مطلقة

-        للأطراف التمسك بالدفع بعدم الاختصاص المحلي في أية مرحلة من مراحل الدعوى، ولو لأول مرة أمام محكمة النقض عند الطعن بالنقض.

-        يتعين على المحكمة إثارته تلقائيا ولو لم يطلبه الأطراف.

-        على النيابة العامة سواء كان تدخلها إلزاميا أو إختياريا، إبداء الدفع بعدم الاختصاص المحلي.

-        وهو ذاته التوجه الذي بدأت تسلكه المحاكم المغربية سواء منها الابتدائية أو التجارية في تطبيقاتها لمقتضيات ق 08/31 في علاقتها بالاختصاص المحلي[11].

-        ففيما يخص المحاكم التجارية نجدها قضت في حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء عدد 4644 بتاريخ 04/04/2012 ملف رقم 2011/6/8/16978 طبقا لمقتضيات المادة 202 من قانون 31.08 فان المحكمة المختصة في حال وقوع نزاع بين المورد والمستهلك رغم وجود أي شرط مخالف تكون هي محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك.

       لذالك تكون المحكمة محقة فيما ذهبت إليه عندما صرحت بعدم اختصاصها المحلي لتواجد موطن المستهلك خارج دائرة نفوذها.

     وتجدر  الإشارة إلى أنه يكون الاختصاص المحلي للدعاوى المدنية لمحكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب للضرر أو أمام محكمة موطن المدعى عليه باختيار الجامعة الوطنية أو جمعية حماية المستهلك. و تقام الدعاوى المدنية التابعة أمام المحكمة الزجرية وفقا للشروط المقررة في قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية و ذلك حسب مقتضيات المادة 159 من القانون 31/08 .

       هذا وقد كان المشرع الفرنسي يعتبر الاختصاص المحلي من النظام العام ويبطل كل شرط مخالف له، لكن وعلى الرغم من وجود هذا النص إلا أن الواقع يعكس حقيقة أخرى، حيث يلاحظ أن أغلب العقود الاستهلاكية المتداولة في الساحة الاقتصادية الفرنسية ومن بينها عقود القرض السكني تتضمن شروطا يمنح بموجبها الاختصاص لمحكمة موطن المهني من أجل فض النزاعات، وهو الأمر الذي يدفع المستهلك إلى الاعتقاد بصحة هذا الشرط ويؤدي به إلى التزام الحياد وعدم القيام برفع الدعوى القضائية أو اللجوء إلى العدالة لمقاضاة المهني، لأنه من الناحية النفسية سوف تسيطر عليه فكرة أن المحكمة لن تنصفه وإنها ستعطي الحق لخصمه[12]..

       وللتصدي لهذا الوضع تدخل المشرع الفرنسي معتبرا أن كل شرط من شأنه إلغاء أو عرقلة حق المستهلك في ممارسة الدعوى القضائية شرط تعسفي يترتب عنه البطلان[13]وقد بادرت لجنة إعادة صياغة قانون الاستهلاك الفرنسي إلى اقتراح ضرورة السماح للقاضي بإثارة وسائل المستهلكين من تلقاء نفسه، وهو ما لم تقبله محكمة النقض الفرنسية حينما قررت بأنه عندما يكون هناك نص تم سنه لغرض حمائي، فان البطلان لا يمكن إثارته إلا من قبل الشخص المقصود بالحماية، الأمر الدي يمنع القاضي من اثارته من تلقاء نفسه.

      لكن محكمة العدل الاروبية وعن حق ذهبت في اتجاه مخالف في قرارها الصادر بتاريخ 27/06/2000 معتبرة انه يحق للقاضي إثارة بطلان الشروط التعسفية من تلقاء نفسه ولو لم يطلب الأطراف ذالك صراحة [14]. وتجدر الإشارة إلى أنه على صعيد الاتحاد الأوروبي تم حل إشكالية تنازع الاختصاص المحلي بشأن التقاضي في المنازعات الاستهلاكية عبر الحدود بين الدول الأعضاء بموجب الاتفاقية الموقعة في العاصمة البلجيكية بروكسيل بتاريخ 27 شتنبر 1968 والمتعلقة بالاختصاص القضائي وتنفيذ القرارات المدنية والتجارية المطبقة على كافة النزاعات المدنية والتجارية بما فيها المنازعات الاستهلاكية، حيث تم النص على أن محكمة التراب الوطني لدولة المدعى عليه هي المختصة للفصل في جميع القضايا غير أن المواد 13و14و15 من الاتفاقية نفسها تنص على أن الاختصاص يعود لمحكمة موطن المستهلك سواء كان مدعيا أو مدعى عليه[15]

أما بالنسبة للتشريع الجزائري فإن قانون الإجراءات المدنية في المواد 8 و9 و 10أعطى مجموعة من القواعد التي يقوم عليها هدا الاختصاص والتي تسمح للمدعي أن يوجه دعواه بطريقة صحيحة، فالأصل أن الدعوى ترفع للجهة  القضائية التي فيها موطن المدعى عليه، فعلى المستهلك إذن في حالة تضرره من أي خطأ أو تقصير أو إهمال من خلال استهلاكه لمنتوج ما أو إهماله أو سوء الخدمة المقدمة  له من طرف المهني أو الصناعي أو الحرفي أن يرفع الدعوى أمام المحكمة التي فيها موطن المدعى عليه .[16]

المبحث الثاني: مظاهر قصور قواعد الاختصاص في نزاعات الاستهلاك وآليات تجاوزها

        بعد الحديث في المبحث الأول عن قواعد الاختصاص سواء النوعي أو المحلي في منازعات الاستهلاك، يجب أن لا ننسى تبيان مظاهر القصور والمحدودية التي تعتري قواعد الاختصاص فيما يخص نزاعات الاستهلاك ، وذلك من شأنه أن يبعد المستهلك عن الولوج إلى القضاء وذلك لتعقد وقصور قواعد الاختصاص في المنازعات الاستهلاكية. لذلك ارتأينا أن نتطرق إلى مظاهر قصور قواعد الاختصاص (المطلب الأول) على أن نعرض بعض الحلول كسبل لتجاوز هذا القصور والمحدودية (المطلب الثاني).

3.     المطلب الأول: مظاهر قصور قواعد الاختصاص في منازعات الاستهلاك

      بعد أن نتطرق إلى مظاهر قصور الاختصاص المحلي في قانون حماية المستهلك في( الفقرة الأولى) سنتحدث في (الفقرة الثانية) عن مظاهر قصور الاختصاص المحلي

4.     الفقرة الأولى: محدودية الاختصاص النوعي

       يكمن القصور والمحدودية فيما يخص الاختصاص النوعي في عدم تحديد المشرع المغربي في قانون الاستهلاك للإختصاص النوعي في قضايا الاستهلاك، حيث ظل الأمر خاضعا للقواعد العامة الشيء الذي انعكس سلبا على المستهلك وذلك لأنه في بعض الحالات قد يفرض على هدا الاخير من قبل المهني اللجوء لجهة قضائية أخرى غير القضاء المدني كالمحاكم التجارية مثلا وذلك بحجة امتياز نزاعات الاستهلاك بالطابع المختلط، أو التوجه إلى المحاكم الإدارية إذا تعلق الأمر بشخص من أشخاص القانون العام فيجد بالتالي نفسه أمام أكثر من جهة قضائية مفروض عليه اللجوء إليها، إما بسبب شرط تعسفي من طرف المقرض، أو بسبب طبيعة النزاع.

      لكن تجدر الإشارة إلى أنه حين يكون المستهلك مدعى عليه فلايمكن للمهني مقاضاته إلا أمام المحكمة الابتدائية وله أن يدفع بعدم الاختصاص إذا ما تمت مقاضاته أمام المحكمة التجارية أو الإدارية مثلا.

إذن نلاحظ أنه بالنسبة للاختصاص النوعي فإن المشرع المغربي لم يراعي خصوصية نزاعات الاستهلاك وذلك بعدم تحديده في القانون 08-31 المتعلق بحماية المستهلك على نصوص خاصة بالاختصاص النوعي في إطار منازعات الاستهلاك، وأبقى الأمر مقتصر على القواعد العامة من أجل تحديد الجهة المختصة نوعيا في النزاع القائم.

5.     الفقرة الثانية: محدودية الاختصاص المحلي

       كما تم الذكر سابقا فإن قواعد الاختصاص المحلي في نزاعات الاستهلاك يخضع ايضا لقانون المسطرة المدنية أو قانون إحداث المحاكم التجارية أو الإدارية وبذلك فإن الاختصاص المحلي في منازعات الاستهلاك يعود لمحكمة موطن المدعى عليه، كما أنه لا يعتبر من النظام العام.

        الشيء الذي ترتب عليه آثار سلبية خصوصا في مواجهة المستهلك الذي يعد طرفا ضعيفا في العلاقة التعاقدية، في ظل انتشار البنود التعاقدية التي تمنح الاختصاص لمحكمة بعيدة عن المستهلك غالبا ما تكون هي محكمة الدار البيضاء، وبذلك يكون المشرع قد فتح الباب أمام المهني لإدراج الشروط التعسفية في عقد القرض، ويعني ذلك إسناد الاختصاص إلى المحكمة التي يوجد بها المقر الاجتماعي للمؤسسة المقرضة، لأن رفع الدعوى في مثل هده الحالات يقتضي الانتقال الى المكان الذي يوجد به المقرالاجتماعى الذي قد يكون بعيدا عن  موطن المستهلك، مما يؤدي إلى عزوفه عن طرق باب القضاء للمطالبة بحقوقه. [17]

وهذه الإشكالية تداركها المشرع المغربي في قانون تدابير حماية المستهلك. [18]

6.     المطلب الثاني: سبل تجاوز مظاهر القصور الاختصاص

       بعد رصد بعض الإشكالات والمعيقات التي تجعل قواعد الاختصاص القضائي في منازعات الاستهلاك، يشوبها القصور والمحدودية، سنحاول الآن ذكر مجموعة من الاقتراحات والحلول لتجاوز أزمة الاختصاص القضائي في منازعات الاستهلاك.

7.     الفقرة الأولى: آليات تجاوز محدودية الاختصاص النوعي

      إن أهم آلية لتجاوز القصور الذي يعتري الاختصاص النوعي في نزاعات الاستهلاك هي إضافة قسم خاص بالحقوق القضائية للمستهلك والولوج إلى العدالة في القانون رقم 08-31 يتضمن مادة خاصة بالاختصاص النوعي حسب رأي الأستاذ عبد الحميد أخريف "ينعقد الاختصاص القضائي في قضايا الاستهلاك حصريا للمحكمة الابتدائية لموطن المستهلك أو للمحكمة الابتدائية لمحل إبرام العقد وكل اتفاق على خلاف ذلك يعتبر باطلا. [19]

      إن مثل هذا التعديل ضرورة ملحة لتجنب المستهلك بصفة عامة، والمقترض لأجل السكن بصفة خاصة، مشاق اللجوء إلى القضاء التجاري الذي يبقى قضاء غريبا عنه بما يتسم به من قواعد قاسية تتميز بالصرامة والسرعة مقارنة مع القواعد  المدنية كما أن هذا التعديل سيضع حدا لتضارب الاجتهادات القضائية حول الاختصاص النوعي في منازعات القروض البنكية المخصصة للسكن خاصة وأن القضاء التجاري المغربي يميل في غالب الأحيان إلى إسناد الاختصاص في هذه المنازعات إلى المحاكم التجارية على اعتبار أن القرض البنكي عقد تجاري بطبيعته. [20]

8.     الفقرة الثانية: سبل تجاوز الشروط التعسفية المتعلقة بالاختصاص القضائي

         إنه ومن بين السبل التي يجب اتخاذها كحلول لأزمة الاختصاص القضائي في منازعات الاستهلاك، تعزيز حق المستهلك في الدفع بالشرط التعسفي الذي قد يتعلق في بعض الحالات بإدراج المقرض لشرط تعسفي في العقد يفرض بموجبه على المستهلك نوع المحكمة التي يرجع لها الاختصاص في حسم النزاع، وذلك ما يعتبر تعسفا في حق المستهلك ويعطيه الحق في الدفع بالشرط التعسفي.

        كما أنه لا يجب فرض الطرق البديلة لتسوية المنازعات في عقد الاستهلاك بكيفية تقصي بها القضاء العادي من النظر في النزاع، وهذا ما أشار إله قانون حماية المستهلك في حديثه عن الشروط التعسفية لكنه لا يشير إلى الوسائل البديلة بصيغة صريحة، كما أنه يجب حين اعتماد هذه الطرق البديلة كطريق أولي قبل عرض النزاع على القضاء اختيار الوسيلة الأكثر تلاؤما مع طبيعة نزاعات الاستهلاك كالوساطة مثلا وليس التحكيم على اعتبار هذا الأخير خاص بالنزاعات التجارية. [21]

     وفي الأخير يمكننا القول أن موضوع تدبير الاختصاص في منازعات الاستهلاك، من أهم المواضيع التي تمت مناقشتها ومعالجتها في عدة كتابات لما لها من أهمية في تحقيق الأمن القضائي على مستوى نزاعات الاستهلاك، ذلك باعتبار القضاء هو ملجأ المستهلك وملاذه لأخذ والمطالبة بحقوقه، لكن لا زالت تعترضه عدة إشكالات ولا زال المشرع المغربي لم يضع للاختصاص إطارا قانونيا كافيا وواضحا، لذلك وجب التفات المشرع المغربي إلى هذا القصور على مستوى تدبير الاختصاص في نزاعات الاستهلاك بالنسبة للنصوص التشريعية أولا والواقع العملي ثانيا .

 


لائحة المراجع

القوانين:

Ø   قانون المسطرة المدنية

Ø   القانون المتعلق بمحكمة النقض

Ø   القانون المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك

Ø   القانون المحدث لقضاء القرب

Ø   القانون المحدث للمحاكم الإدارية

Ø   القانون المحدث للمحاكم التجارية

كتب:

Ø             يوسف الزوجال" نظام الوسائل البديلة لفض منازعات عقود الاستهلاك بالمغرب بين التأصيل و التأويل والتحليل"الطبعة الأولى سنة 2017

Ø             المهدي العزوزي"تسوية نزاعات الاستهلاك في ضوء قانون رقم 31/08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك"

مقالات :

Ø             المهدي العزوزي" الإختصاص القضائي في نزاعات الاستهلاك، دراسة في ضوء قانون تدابير حماية المستهلك وأولى الاجتهادات القضائية الصادرة في ظله المجلة المغربية للقانون الاقتصادي

Ø             عبد الحميد أخريف" قراءة في مشروع قانون 08-31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك" المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، العدد 3 سنة 2010

Ø             عبد المهيمن حمزة" حماية المستهلك في القروض العقارية مسألة الاختصاص والمهلة القضائية (نمودجا) "مقال منشور بمجلة القضاء المدني عدد 7

الأطروحات والرسائل:

Ø             مهدي منير، المظاهر القانونية لحماية المستهلك أطروحة لنيل الدكتوراه  في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية وجدة

Ø             قوبعي بلحول، الحماية الإجرائية للمستهلك رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص جامعة تلمسان سنة 2008/2009

Ø             آسيا شعبان، فضل المنازعات المرتبطة بالاستهلاك رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس

Ø             حيدر طالب محمد علي الاختصاص القضائي بمنازعة عقد التوريد جامعة النهرين.

 

المواقع الالكترونية :

Ø             الأمن القضائي وفض نزاعات الاستهلاك أمام القضاء، مقال منشور بالموقع الالكتروني www.marocdroit.com تاريخ الزيارة 2017/05/02 على الساعة 17:48



[1] تجدر الإشارة إلى أنه تم تغيير هذه التسمية بمقتضى ظهير شريف رقم 1.11.170 صادر في 27 ذي القعدة 1432(25 أكتوبر2011) بتنفيذ القانون رقم 58.11 المتعلق بمحكمة النقض، المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.223 الصادر في 2  ربيع الأول 1377ه(27شتنبر 1957) بشأن المجلس الأعلى.

[2]يوسف الزوجال، نظام الوسائل البديلة لفض منازعات عقود الاستهلاك بالمغرب بين التأصيل والتأويل والتحليل،الطبعة الأول ىسنة 2017 ص121

[3]المادة 10 من القانون رقم 42ـ10 الصادر في غشت 2011  المحدث لأقسام قضاء القرب

[4]المهدي العزوزي، الإختصاص القضائي في نزاعات الاستهلاك، دراسة في ضوء قانون تدابير حماية المستهلك وأولى الاجتهادات القضائية الصادرة في ظله المجلة المغربية للقانون الاقتصاد يعدد 5و6ص124

[5]قوبعي بلحول، الحماية الإجرائية للمستهلك رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص جامعة تلمسان سنة 2008/2009، ص 15-16.

[6]حكم المحكمة التجارية بالدارالبيضاءعدد6117 بتاريخ25/04/2012 ملف رقم أورده المهدي العزوزي، ص128.129.

[7]-المهدي العزوزي, تسوية نزاعات الإستهلاك في ضوء قانون رقم 31/08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك ,ص  30 و 31.

[8]آسيا شعبان، فضل المنازعات المرتبطة بالاستهلاك رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس ص 39

[9]المادة 111 من قانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.

[10]المادة 202 من القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك

[11] المهدي العزوزي تسوية نزاعات الاستهلاك في ضوء قانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك ص: 42-43

 حيدر طالب محمد علي الاختصاص القضائي بمنازعة عقد التوريد جامعة النهرين ص: 2.[12]

[13]عبد المهيمن حمزة، حماية المستهلك في القروض العقارية مسألة الاختصاص والمهلة القضائية (نمودجا) مقال منشور بمجلة القضاء المدني عدد 7 ص: 227 – 228.

[14]المهدي العزوزي مرجع سابق ص: 42.

[15]مهدي منير، المظاهر القانونية لحماية المستهلك أطروحة لنيل الدكتوراه  في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية وجدة ص 301

[16]قوبعي بلحول" الحماية الاجرائية للمستهلك" رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص جامعة تلمسان سنة 2008/2009  ص 20

[17]مهدي العزوزي، مرجع سابق ص  41 و42

[18]انظر المادتين 111 و 202 من قانون تدابير حماية المستهلك 08-31

[19]عبد الحميد أخريف: قراءة في مشروع قانون 08-31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك. المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، العدد 3 سنة 2010 ص 212

[20]عبد المهيمن حمزة، مرجع سابق 225

[21]الامن القضائي وفض نزاعات الاستهلاك أمام القضاء، مقال منشور بالموقع الاكتروني www.marocdroit.com تاريخ الزيارة 2017/05/02 على الساعة 17:48


إرسال تعليق

0 تعليقات