آخر الأخبار

Advertisement

الوضع تحت المراقبة القضائية في التشريع الموريتاني والمقارن - الدكتور الشيخ سيداتي أحمدو أحمد مولود، العدد 41 من مجلة الباحث، منشورات موقع الباحث


 

الوضع تحت المراقبة القضائية في التشريع الموريتاني والمقارن - الدكتور الشيخ سيداتي أحمدو أحمد مولود، العدد 41 من مجلة الباحث، منشورات موقع الباحث


لتحميل العدد الذي يشمل المقال بصيغة pdf الرابط أذناه:







         الدكتور الشيخ سيداتي أحمدو أحمد مولود

       مدير مركز البحوث والدراسات بكلية الشريعة بجامعة العلوم الإسلامية بلعيون – موريتانيا أستاذ القانون الجنائي بنفس الجامعة

  الوضع تحت المراقبة القضائية في التشريع الموريتاني والمقارن

Situation sous contrôle judiciaire en Mauritanie et législation comparée

مقدمة:

    كان ميلاد الدولة الحديثة، إيذانا بانتهاء مرحلة العدالة الخاصة، عندها لم يعد بإمكان الفرد اقتضاء حقه من تلقاء نفسه، وأيقنت الدول أن حل النزاعات الجنائية يقتضي إنشاء مرفق خاص، يعنى بتحقيق العدالة وإعطاء كل ذي حق حقه، وأصبحت الدول المعاصرة تولي عناية قصوى لحق المجتمع في توقيع العقاب على مرتكبي الأفعال التي تخل بمبادئه، ويعتبرها جريمة في حقه، إلا أنه لما كانت العقوبات المقررة قانونا يصعب تطبيقها بصورة آلية، _فلا يعدم القاتل فور قتله، ولا يرجم الزاني فور ارتكابه لجريمة الزنا بل لابد لتنفيذ العقوبة القانونية، من البحث والتحري ومعاينة مكان الجريمة وطلب الشهود ..إلخ_

لذلك لزم إيجاد رابطة بين الجريمة والعقوبة، فكان الخيار الذي يلوح في الأفق، وتتوجه إليه الأنظار، هو قانون الإجراءات الجنائية، باعتباره يربط بين ارتكاب الجريمة، وتوقيع العقوبة عليها، من خلال المرور بمختلف مراحل الدعوى العمومية  التي تمر بها الجريمة...

وتاريخيا مرت الدولة الموريتانية بقوانين عدة للإجراءات الجنائية، كان أكثرها استقرارا الأمر القانوني رقم 83_163 الصادر بتاريخ09 يوليو 1983م  المضمن قانون الإجراءات الجنائية، فقضت المحاكم الجزائية ما يقارب الـ20 سنة وهي محكومة بهذا القانون ولم يتم تعديله إلا مؤخرا ليلائم مستجدات العصر وأساليب ارتكاب الجريمة، وكان ذلك 15 مايو 2007م  ونشر في الجريدة الرسمية رقم 1143، ويعرف قانون الإجراءات الجنائية عموما بأنه " مجموعة القواعد القانونية التي تنظم تحريك وسير الدعوى العمومية ، وطرق ووسائل التحقيق في الجريمة، وإجراءات المحاكمة وتوقيع الجزاء على مرتكبي الجرائم، وكذلك قواعد الطعون ضد الأحكام، وقواعد تنفيذها، " وهذا التعديل الأخير كان له الفضل في تكريس قواعد ومستجدات طالما انتظرها المهتمون بالحقل القانوني، ومن بين هذه المستجدات، نظام المصالحة  وإنشاء غرف الاتهام وكذلك نظام المراقبة القضائية، وهذا الأخير لم يكن معروفا من قبل لا على مستوى قانون الإجراءات الجنائية الملغي،  ولا على مستوى الممارسة  القضائية الميدانية، وقد عرفت بعض التشريعات المقارنة، نظام المراقبة القضائية ونصت عليه في قوانينها الإجرائية، من هذه التشريعات التشريع الفرنسي الذي تناوله في المادة 173 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، وكذلك المشرع المغربي  في قانون المسطرة الجنائية المواد 160_ 174 تأسيا بالقانون الفرنسي، ونص عليه أيضا المشرع السينغالي في المادة  127 من قانون الإجراءات الجنائية  السينغالي...

ونظام المراقبة القضائية جاء ليحد من حالات تقييد حريات الأشخاص، باعتبار القاعدة العامة هي "أن المتهم بريء ما لم تثبت  إدانته بحكم قضائي حائز على قوة الشيء المقضي به" وهذا المبدأ مقرر في أغلب القوانين الجنائية، ونص عليه كل من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وبالتالي مادام الشخص متهما فهو بريء، ويترتب على ذلك أن يعامل على ذلك الأساس إلى أن يدان، ولعل تلك الاعتبارات هي التي جعلت المشرع يتبنى نظام المراقبة القضائية كإجراء بديل عن الحبس الاحتياطي، لأن هذا الأخير يناقض القاعدة التي ذكرنا، وأخطأ المشرع حينما سماه "بالحبس الاحتياطي"  فكان عليه _على الأقل_  أن ينقل الاسم كما نقل المضمون، من المشرع المغربي الذي يسميه " الاعتقال الاحتياطي".

ويعتبر موضوعا لمراقبة القضائية من المواضيع القانونية الهامة والتي شغلت الرأي العام الموريتاني مؤخرا بسبب لجوء القضاء الموريتاني إلى تطبقيه في بعض الملفات الشائكة التي تهم الرأي العام.

ولعل الإشكال الذي يطرحه هذا الموضوع يتمثل في محاولة الوقوف على التدابير التي وضعها المشرع الموريتاني لوضع التهم تحت طائلة نظام المراقبة القضائية، وهل تم تناول المضوع بالشكل الذي يضمن مصالح وحقوق المتهم؟

إن الإجابة على هذه الإشكالية تقتضي منا التعرض  لماهية نظام المراقبة القضائية كإجراء بديل للحبس الاحتياطي ( المبحث الأول ) قبل إبراز النظام القانوني لهذا الإجراء (المبحث الثاني (المبحث الثاني).

المبحث الأول: مــــاهية المراقبة القضائية

إن نظام المراقبة القضائية  (le contrôle judiciaire)  أحد أهم المستجدات التي أضافها تعديل قانون الإجراءات الجنائية،لسنة 2007 وخصص له المشرع الموريتاني الفرع الأول  من القسم السابع  من هذا القانون وخصوصا  المواد 123 _  137 ، وهذا النظام يعتبر بديلا   للحبس الاحتياطي، وترمي إلى إيجاد إجراء ذي بعد إنساني يمكن قاضي التحقيق  من اتخاذ تدابير مهمة وفعالة من شأنها أن تضمن حضور المتهم لإجراءات التحقيق الجزائي في إطار المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع ([1]).

فالمراقبة القضائية تدبير يختلف عن الحبس الاحتياطي، لأن الأخير عبارة عن حجز حرية المتهم فترة زمنية محددة قد تطول وقد تقصر، أما المراقبة القضائية فهي إجراء يضع قيودا على سلوك المتهم رعاية لمصلحة التحقيق، وضمن دراسة الماهية نعرض للمفهوم العام للمراقبة القضائية (المطلب الأول) على أن نوضح الأهداف التي من أجلها وجدت  (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول: مفهوم المراقبة القضائية

هي عبارة عن نظام قضائي محكم، يُخضع المتهم لبعض القيود التي يختص القضاء بتحديد الملائم منها ، من أجل منعه من الفرار، أو خوفا من تأثيره على سير التحقيق الجزائي الذي يقوم به قاضي التحقيق، أو أن يحاول إخفاء الأدلة أو التلبيس على الشهود أو إرشائهم...

ويقتضي منا تحديد مفهوم المراقبة القضائية تعريف هذا المفهوم من جهة (الفقرة الأولى) وبيان طبيعته القانونية من جهة أخرى (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: تعريف المراقبة القضائية

من الملاحظ أن التشريعات التي أخذت بفكرة المراقبة القضائية لم تعرفها تعريفا يفصل بينها والإجراءات المشابهة كالحبس الاحتياطي[2]، والمشرع الموريتاني ضمن هذه التشريعات،.

وإذا نظرنا الموضوع من الناحية اللغوية فالمراقبة في اللغة من رَقَبَ الشيءَ يَرْقُبُه، وراقَبَه مُراقَبةً ورِقاباً: حَرَسَه ([3])

وفقهيا عرفها بعضهم بقوله " هي إجراء يتوسط التوقيف الاحتياطي وإطلاق السراح خلال إجراءات التحقيق" ([4]) ، أما الفقه الفرنسي فقد عرفها بأنها " نظام من الحرية المُراقبة، بمقتضاه يوضع المتهم تحت هذا النظام وتُفرض عليه مجموعة من الالتزامات التي تقيد حريته وتجنبه مساوئ التوقيف الاحتياطي".

والمشرع المغربي ذكر في المادة 159 ما نصه " الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي تدبيران استثنائيان يعمل بهما في الجنايات أو في الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية."

وعموما فالمراقبة القضائية هي إجراء يمكن أن يوضع رهنه المتهم أثناء سيرمسطرة التحقيق ([5])

الفقرة الثانية: طبيعة الوضع تحت المراقبة القضائية

          انطلاقا من التعاريف الأنفة الذكر، يتضح أن المراقبة القضائية هي تدبير أو إجراء وقائي استثنائي، ولا يمكن اعتباره عقوبة جزائية،

 

 

أولا: المراقبة القضائية تدبير حمائي

      ويعني ذلك أنها ليست من العقوبات المقررة جزائيا لتنفيذها على المتهم، وتتداخل مع الحبس الاحتياطي في هذه الصفة، فكل من المراقبة القضائية والحبس الاحتياطي إجراء وقتي حمائي يصدره قاضي التحقيق([6])

فهما إجراءان يدخلان ضمن المساطر الاستعجالية في المادة الجنائية، والمراقبة القضائية أخذتها بعض الدول حديثا واعتبرتها بديلا عن الاعتقال الاحتياطي، وبعضها أخذ بدائل أخرى غير المراقبة القضائية([7]) وذلك للتخفيف من تكدس المتهمين داخل الحبس الاحتياطي.

ثانيا: المراقبة القضائية تدبير استثنائي أصلي

يستشف من خلال القوانين التي أخذت بها الإجراء أنه تدبير استثنائي أصلي ،إذ نلاحظ أن المشرع الموريتاني، أجاز لقاضي التحقيق الاستعاضة عن الحبس الاحتياطي بالوضع تحت المراقبة القضائية، إذا كان المتهم لا يخشى هروبه أو ارتكابه لجرائم أخرى..،  وقد أحسن المشرع حينما جعل المراقبة القضائية هي الأصل وجعل الحبس الاحتياطي بديلا عنها، صونا منه لحقوق وحريات الأفراد، لأن الأصل هو البراءة، وذلك ما يستنتج من قول المشرع في المادة 123 أواخر الفقرة الأخيرة" ... مالم تكن ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو على النظام العام تتطلب اعتقاله احتياطيا....." الأمر الذي يوحي بأن المشرع اعتبر الوضع تحت لمراقبة القضائية هو الإجراء الأصلي الذي على قضاة التحقيق اتباعه في مساطر البحث الجزائية، والعدول عنها للحبس الاحتياطي لا يتم إلا على سبيل الاستثناء والندرة، وما تقديمه للمراقبة القضائية في تطرقه لها على الحبس الاحتياطي إلا دليلا على أولِيتها و أولًويتها، ولأن الأصل أيضا أن يكون المتهم في حالة سراح.

المطلب الثاني: أهداف نظام الوضع تحت المراقبة القضائية

لما كان الحبس الاحتياطي يرتب أضرارا على الأفراد، ويتعارض مع مبدأ افتراض البراءة([8])، كان من اللازم الاستغناء عنه أو تلافيه، الأمر الذي جعل المشرع يفترض الخيار الأخير، فتلافى مساوئ الحبس الاحتياطي، انطلاقا من تحديت نظام جديد يدعى بــ "المراقبة القضائية" ولم يكن ذلك عبثا، بل جاء هذا النظام من أجل تحقيق عدة أهداف، يدخل بعضها ضمن الإطار العام لحماية قواعد حقوق الإنسان(الفقرة الأولى) والبعض الآخر من أجل تحقيق المصالح الفردية للمجتمع (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:  الأهداف العامة للمراقبة القضائية

جاء نظام المراقبة القضائية محملا بهدف سامي ومطلب لكل متعطش لصيانة الحقوق وضمان الحريات، وكان هدف المراقبة القضائية العام هو " الحد من حالات تقييد حريات الأشخاص، خاصة في ظل نتائج التجارب التي مرت بها الأمم، والتي أثبتت مساوئ الحبس الاحتياطي، حيث يؤدي إلى إرهاق كاهل الدولة من الناحية المادية([9]) فازدحام السجون وإيداع المتهمين في السجن يؤدي إلى زيادة حجم الإنفاق على السجناء، بدون مردودية لا على المستوي الجنائي، _ فلا يخفف من الظاهرة الإجرامية_ ولا على مستوى إعادة تأهيل السجناء، لأن السجون اليوم أصبحت مدارس تخرج أصناف المجرمين، على العكس من الدور المنوط بها، والذي هو إعادة تأهيل المجرم ودمجه في المجتمع  ...

الفقرة الثانية:  الأهداف الخاص للوضع تحت المراقبة القضائية

لئن كان هدف المراقبة القضائية العام هو الحد من حالات تقييد حريات الأفراد، وتأثيرها على قواعد حقوق الإنسان، إلا أن من الأهداف التي من أجلها كرسها المشرع _والتي هي خاصة بالمتهم ولمصلحته_  <ضمان حضور المتهم في جميع مراحل التحقيق> فهذا الإجراء يضمن تواجد المتهم أثناء درس القضية، إلى أن يتم البت فيها، ولا يخضع للوضع تحت المراقبة القضائية إلاالمتهمون بالجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس، أما المخالفات ومثلها الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط، فلا يخضع المتهم فيهما للوضع تحت المراقبة القضائية، ويجدر بنا أن نكرر التنبيه على الطابع الاستثنائي للوضع تحت المراقبة القضائية، على أن الأصل هو البراءة([10])

المبحث الثاني:  النظام القانوني للوضع تحت المراقبة القضائية

إن اعتبار المراقبة القضائية بديلا للحبس الاحتياطي، يؤكد عمل المشرع على صيانة مبدأ قرينة البراءة، والتي تعد ضمانة أساسية للمحاكمة العادلة، كما أنه يساعد على الحد من الاكتظاظ داخل السجون، وما يتطلبه الأمر من إيواء، وتمريض، وطعام ...

والمراقبة القضائية تدبير يدخل ضمن التدابير التي يمر بها المتهم في مرحلة التحقيق أثناء البحث الابتدائي، الذي يقوم به القاضي المكلف بالتحقيق، إذ أن من صلاحياته البحث والتحقيق في القضايا التي تحيلها له النيابة العامة، وأثناء مسطرة البحث التي يقوم بها قد يرى أن من الضروري إيقاف المتهم ووضعه رهن الاعتقال، ومن خلال السلطة التقديرية المخولة له يحدد التدبير اللازم لوضع المتهم رهنه، فقد يضعه رهن المراقبة القضائية، وقد يرى بأنه لابد من وضعه قيد الحبس الاحتياطي، وتقدير ذلك يرجع لاجتهاده هو، وكغيره من التدابير الاحترازية، يمر الوضع تحت المراقبة القضائية بإجراءات تتمثل في تدابير يخضع لها المعني فترة محددة  (المطلب الثاني) ولكنها تخضع للسلطة التقديرية للجهات المكلفة بهذا الإجراء (المطلب الأول).

 

 

 

المطلب الأول: الجهات المكلفة بالإشراف على الوضع تحت المراقبة القضائية

نصت المادة 125 من قانون الاجراءات النائية على أنه: <<يقوم قاضي التحقيق المختص، أو القاضي الذي ينتدبه لهذا الغرض، بالمكان الذي يسكن به المتهم بتعيين شخص طبيعي أو معنوي مؤهل للمشاركة في تطبيق الوضع  تحت المراقبة القضائية أو بتعيين مصلحة للشرطة أو للدرك أو أية مصلحة قضائية أو إدارية مختصة>>

     انطلاقا من نص المادة السابقة فإن المشرع _إلى جانب قاضي التحقيق_ أسند لجهات موازية حق المشاركة في تطبيق وتفعيل مقتضيات الوضع رهن المراقبة القضائية[11]، وذلك لتنوع التدابير التي قد يخضع المتهم لأحدها أو أكثر، وبالتالي قد تكون الجهة المسنود إليها الإشراف شخصا طبيعيا كما في حالة إذا أمر قاضي التحقيق المتهم بالخضوع للفحص الطبي، فإن مهمة الإشراف تسند إلى طبيب([12])، وقد تكون شخصا معنويا، كما في حالة المنع من إصدار الشيكات، فمهمة الإشراف هنا يقوم بتطبيقها البنك أو الوكالة المصرفية، أو المؤسسة التي تسير الحساب البنكي ...( انظر المادة 135 من قانون الإجراءات الجنائية).

ولما كان قاضي التحقيق هو الجهة الأولى و الرئيسة في الإشراف على الوضع تحت المراقبة القضائية، فإنه وحده المختص بإصدار قرار الوضع تحت المراقبة القضائية (الفقرة  الأولى) كما أنه الوحيد الذي بإمكانه إلغاء القرار (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى:  إصدار قرار الوضع تحت المراقبة القضائية

     لتقرير المراقبة القضائية لابد من وجود سلطة توكل إليها هذه المهمة، الأمر الذي جعل المشرع يعين قاضي التحقيق ويكلفه بمهمة إصدار قرار الوضع تحت المراقبة القضائية، وهو ما يأخذ من أحكام الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية التي تضمن ما يلي: " يُصدر قاضي التحقيق بشأن الوضع تحت المراقبة القضائية، أمرا يبلغه في الحال شفهيا للمتهم ويسجل هذا التبليغ في المحضر ويبلغه أيضا إلى ممثل النيابة العامة داخل أربع وعشرين (24) ساعة.

ولهما الحق في استئنافه خلال اليوم الموالي لصدوره، طبقا للشكليات المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق بشأن الإفراج المؤقت".

وبالرجوع لنص هذه المادة نلاحظ أن قاضي التحقيق هو وحده المختص بإصدار قرار الوضع تحت المراقبة القضائية، وهو ملزم بتبليغ الأمر بعدة شروط:

v  أن يبلغ أمر أو قرار المراقبة القضائية للمتهم في الحال، فلا ينبغي تأخير إخبار المتهم بوضعه رهن المراقبة القضائية، تحت طائلة الطعن في القرار واستئنافه

v  أن يتم التبليغ مشافهة، بحيث لا يستطيع المتهم الإعذار بعدم الابلاغ بشكل واضح، ويبلغ أيضا لممثل النيابة العامة" أن قاضي التحقيق قد أبلغ المتهم بوضعه تحت المراقبة القضائية، في أجل أربعة وعشرين (24)ساعة ، ويتم تسجيل التبليغ في المحضر، ويحق للمتهم أو دفاعه أن يتسلم نسخة من الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية.([13])

الفقرة الثانية:  إلغاء قرار الوضع تحت المراقبة القضائية

          نصت المادة 123 من قانون الاجراءات الجنائية الفقرة الخامسة على أنه: << يمكن لقاضي التحقيق إلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية، تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه>>.

وأضافت الفقرة السادسة من المادة المذكورة " يمكن إلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية أثناء جميع مراحل التحقيق، إذا لم يحترم المتهم الالتزامات المفروضة عليه بمقتضى الأمر الصادر عن قاضي التحقيق، وفي هذه الحالة، يصدر قاضي التحقيق ضده أمرا بالإيداع أو أمرا بالقبض، بعد أخذ رأي النيابة العامة"([14])

من خلال ما سابق يتضح أنبإمكان قاضي التحقيق إلغاء قرار الوضع تحت المراقبة القضائية بناء على ما يلي:

v  إخلال المتهم بالالتزامات المفروضة عليه، فعند إخلال المتهم بأحد التدابير المقررة من طرف قاضي التحقيق أجاز له المشرع إنهاء المراقبة القضائية وإصدار أمر  توقيف بحقه([15]) ويتم ذلك بعد استطلاع رأي النيابة العامة، واشترط المشرع الفرنسي صراحة أن يكون إخلال المتهم بالتزامه إراديا([16])

v  طلب المتهم، فجل القوانين التي أخذت بنظام المراقبة القضائية، تتفق في هذا الإجراء، ويتخذ قاضي التحقيق قراره بشأن الموافقة أو عدمها.

v  كما يمكن استئناف قرار الوضع تحت المراقبة القضائية من لدن المتهم أو محاميه أمام غرفة الاتهام بحكمة الإستئناف حسب مقتضيات البند الرابع من المادة 186 من ق إ ج م

المطلب الثاني:  تدابير ومدة الوضع تحت المراقبة القضائية

تدابير المراقبة القضائية هي الإجراءات التي يخضع المتهم لواحد أو أكثر منها، بناء على السلطة التقديرية لقاضي التحقيق، المكلف بالبحث في القضايا الموجهة للمتهم، ونعرض لهذه التدابير في (الفقرة الأولى) على أن نبين مدة الوضع تحت المراقبة القضائية في (الفقرة الثانية)

 

 

 

الفقرة الأولى: تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية

حددت المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية الموريتاني 18 تدبيراَ يمكن أن يخضع المتهم لواحد أو أكثر منها_ ومن الواضح أنها منقولة من نص المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية المغربية_ وهي عبارة عن ضوابط _أو التزامات كما سماها المشرع _يلتزم المتهم بالانتظام والمواظبة عليها، وهذه التدابير حسب المادة السابقة هي:

ü   عدم مغادرة الحدود الترابية المحددة من طرف قاضي التحقيق، لكن المشرع سكت عن الحدود البحرية والجوية؟؛

ü   عدم التغيب عن المنزل أو السكن المحدد من طرف قاضي التحقيق، إلا وفق الشروط والأسباب التي يحددها؛

ü   عدم التردد على بعض الأمكنة التي يحددها قاضي التحقيق؛

ü   إشعار قاضي التحقيق بأي تنقل خارج الحدود المعينة؛

ü   التقدم بصفة دورية أمام المصالح والسلطات المعينة من طرف قاضي التحقيق؛

ü   الاستجابة للاستدعاءات الموجهة إلى الخاضع للمراقبة من أية سلطة أو أي شخص مؤهل معين من طرف قاضي التحقيق؛

ü   الخضوع لتدابير المراقبة المتعلقة بالنشاط المهني أو حول مثابرته  على تعليم معين؛

ü   إغلاق الحدود، وهو مختلف نسبيا عن عدم مغادرة الحدود؛([17])

ü   تقديم الوثائق المتعلقة بهويته لاسيما جواز السفر إما لكتابة الضبط أو لمصلحة الشرطة أو الدرك مقابل وصل؛

ü   المنع من سياقة جميع الناقلات أو بعضها, أو تسليم رخصة السياقة لكتابة الضبط مقابل وصل. ويمكن لقاضي التحقيق أن يأذن له باستعمال رخصة السياقة لمزاولة نشاطه المهني؛

ü   المنع من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وه الخصوص من طرف قاضي التحقيق؛

ü   الخضوع لتدابير الفحص والعلاج أو لنظام الاستشفاء سيما من أجل إزالة التسمم؛

ü   إيداع كفالة مالية يحدد قاضي التحقيق مبلغها وأجل أدائها، مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر؛

ü   عدم مزاولة بعض الأنشطة ذات طبيعة مهينة أو اجتماعية أو تجارية ما عدا المهام الانتخابية أو النقابية، وذلك في الحالة التي ترتكب فيها الجريمة أثناء ممارسة هذه الأنشطة أو بمناسبتها، أو إذا كان يخشي ارتكاب جريمة جديدة لها علاقة بممارية نشاط المعني. غير أنه إذا تعلق الأمر بعدم مزاولة مهنة المحاماة، فإن المدعى العام لدى محكمة الاستئناف يحيل الأمر بطلب من قاضي التحقيق على مجلس هيئة المحامين، الذي يبت طبقا للمقتضيات ذات الصلة من القانون المنظم لمهنة المحاماة وفي حالة عدم البت داخل أجل شهرين من تاريخ الإحالة يعود لقاضي التحقيق اتخاذ القرار بنفسه. يمكن الطعن في قرار مجلس الهيئة طبقا للمقتضيات ذات الصلة من القانون المذكور.

ü   عدم إصدار الشيكات؛

ü   عدم حيازة الأسلحة([18]) وتسليمها إلى المصالح الأمنية المختصة مقابل وصل؛

ü   تقديم ضمانات شخصية أو عينية يحددها قاضي التحقيق تستهدف ضمان حقوق الضحية؛

ü   إثبات مساهمة المتهم في التحملات العائلية أو أنه يؤدي بانتظام النفقة المحكوم بها عليه.

 

 علما بأن هذه التدابير هي نفسها المنصوص عليها في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية المغربية، وساق المشرع الفرنسي 16 تدبيرا، في حين نص الموريتاني والمغربي على 18 تدبيرا([19]).

الفقرة الثانية: مدة الوضع تحت المراقبة القضائية

 نصت المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: << يمكن أن يوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق لمد شهرين قابلة للتجديد خمس مرات لأجل ضمان حضوره، ما لم تكن ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو على النظام العام تتطلب اعتقاله احتياطيا>>

انطلاقا من نص المادة فإن المدة التي يقضيها المتهم رهن المراقبة القضائية هي شهران، وهي قابلة للتجديد خمس مرات بحسب ما يتطلبه التحقيق، وهذه المدة هي نفسها المقررة في المسطرة الجنائية المغربية حيث تنص المادة 160 على ما يلي: << يمكن أن يوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق لمد شهرين قابلة للتجديد خمس مرات،خاصة لأجل لضمان حضوره، مالم تكن ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو على النظام العام تتطلب اعتقاله احتياطيا>>

   من الواضح أن مشرعنا أخذ المقتضيات المتعلقة بمدة المراقبة القضائية حرفياً من المشرع المغربي، ومما يشهد على ذلك، قوله في الأخير "تتطلب اعتقاله احتياطيا" ومن المعروف أن المشرع الموريتاني يسميه الحبس الاحتياطي، والذي يسميه الاعتقال الاحتياطي هو المشرع المغربي، وبالتالي كان صواب المشرع أن يقول " تتطلب حبسه احتياطيا "...

 وهذه المدة في مجموعها تصل إلى سنة  وهي مدة ضئيلة مقارنة مع الحبس الاحتياطي، الذي قد تصل مدته إلى أربع وعشرين شهرا بل قد تصل في بعض الحالات إلى ثلاث سنوات وستة أشهر حسب الفقرتين الأخيرتين من المادة 138من ق إ ج .

   ومن الجدير بالملاحظة أن المشرع  ولئن كان قد حدد مدة الوضع تحت المراقبة القضائية، إلا أنه لم يحدد الجزاء المترتب على مخالفة قاضي التحقيق لهذه المدة، وإن خالفها حُق للمتهم أو محاميه أو النيابة العامة طلب إبطال الإجراء لأنه إجراء مشوب بالبطلان[20]

 

 

 

 

 

 

خـــــاتمة:

إن المراقبة القضائية باعتبارها تدبيرا تحفظيا أصبحت واقعا قانونيا اعترفت بها العديد من التشريعات، وأردفتها لقوانينها الإجرائية الجزائية، وبإمكان القضاء الموريتاني بعد تبني المشرع لهذا الإجراء أن يكرسه على أرض الواقع وأن لا يلجأ إلى الحبس الاحتياطي إلا في حالة الضرورة القصوى لما له من تأثيرات سلبية على حقوق الأفراد وحرياتهم علما وأن كل متهم يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته وفق محاكمة عادلة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه، هذا فضلا عن تكلفة الحبس الاحتياطي الاقتصادية والاجتماعية فنحن في مجتمع ثقافته القانونية متواضعة ولكل من ولج الحبس في بلادنا حتى وإن حكم ببراءته تبقى تلك الجرائم التي حبس احتياطيا من أجلها وتمت تبرئته منها تلاحقه كوصمة عار في جبينه.

وصفوة القول أن تدبير المراقبة القضائية يبقى إجراء احترازيا استثنائيا، أثبت نجاعته_لدى  التشريعات المقارنة التي أخذت به_ من حيث الحد من تكدس المتهمين داخل السجون، ومكن  من تفعيل الجانب الإنساني للعقوبة في الإصلاح والتهذيب، وقلل من الآثار السلبية للحبس الاحتياطي ...



[1]مقتطف من "  عرض أسباب " تعديل قانون الإجراءات الجنائية لسنة 2007

[2] فاروق الفحل، التوقيف الاحتياطي المؤقت، رسالة دكتوراه جامعة دمشق، دار الأنوار للطباعة، دمشق، 1982، ص 369.

[3] «لسان العرب» (1/ 425)

[4] د. بوكحيل الأخضر ، < الحبس الاحتياطي والمراقبة القضائية في التشريع المقارن>، ديوان المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية، 1992 صفحة 369

[5] المادة 123 من قانون الاجراءات الجنائية الموريتاني" يمكن أن يوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أي مرحلة من مراحل التحقيق ..."

[6] الفقرة الثانية: من قانون الاجراءات الجنائية

[7] من تلك التشريعات مثلا، _التي أخذ بعضها بالمراقبة القضائية، وأح البعض الآخر بالإفراج بكفالة_ القانون الجزائري، و القانون الياباني، والقانون الصيني، والإطالي، ...

[8] د.عصام شكيب صعب، (المراقبة القضائية كتدبير بديل للحبس الاحتياطي)، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، العدد (4) 2019م ، ص 482

[9] مولاي اعل، وأحمد/ إسلم، (قانون الاجراءات الجنائية الجديد بين المزايا والعيوب)  بدون ذكر الطبعة، 2008 ص 31

[10] جاء في المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية، ما نصه: "كل شخص تم اتهامه أو متابعته يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بقرار حائز على قوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية"

[11] الحسن بيهي، <المراقبة القضائية وفق قانون المسطرة الجنائية المغربي> مقال منشور على موقع " المنصة القانونية"        http//sajplus.com  ))

[12] المادة 132 من قانون الإجراءات الجنائية

[13] الفقرة الأخيرة من المادة 123

[14] هذه الفقرة مأخوذة حرفيا من المسطرة الجنائية المغربية المادة 160 الفقرتين (4،5)

[15] د. عصام شكيب صعب، مرجع سابق، ص 478

[16] عصام شكيب صعب ، مرجع السابق، ص 479

[17] مولاي اعل/مولاي اعل، وأحمد اسلم عبد القادر، مرجع سابق، ص 33

[18] والمقصود الحيازة المشروعة، أما الحيازة الأخرى فتشكل جريمة حمل السلاح بدون رخصة

[19] مولاي اعل/أحمد اسلم، مرجع سابق ص 31

[20] مولاي اعل/ وأحمد اسلم، مرجع سابق ص 37


إرسال تعليق

0 تعليقات