آخر الأخبار

Advertisement

منازعات الحق في الإضراب بين النص القانوني واجتهاد القضاء الإداري - الأستاذ عبد الوهاب ابريك- العدد 42 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني

 


منازعات الحق في الإضراب بين النص  القانوني واجتهاد القضاء الإداري - الأستاذ عبد الوهاب ابريك- العدد 42 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني



لتحميل العدد بصيغته الرقمية pdf اليكم الرابط أذناه:







الأستاذ عبد الوهاب ابريك

      باحث بسلك دكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية

 والاجتماعية سلا.

   منازعات الحق في الإضراب بين النص  القانوني واجتهاد القضاء الإداري

the right to strike between the legal text and the jurisprudence of the administrative judiciary

 مقدمة:

يعد الإضراب بالنظر إلى مضمونه الاجتماعي وسيلة يلجأ إليها الأجراء والموظفون على حد سواء قصد الضغط على مشغليهم أو الإدارة للاستجابة لمطالبهم عبر التوقف التام والكلي عن العمل لمدة معينة وذلك بشكل جماعي، ويهدف أساسا إلى تعزيز المشاركة العمالية في القرارات التي تهم المؤسسة وتقوية مكانة الطبقة الشغيلة كطرف أساسي في علاقات الشغل، ويؤدي إلى تأسيس علاقات منسجمة بين أطراف الشغل واقرار سلم اجتماعي على قاعدة ما أفرزه الإضراب من مفاوضات ومصالحة.

 لقد عرفت أغلب الأنظمة القانونية تدرجا في سبيل الاعتراف بالإضراب كحق يمارسه الأجراء والموظفين، ففي فرنسا مثلا كان قانون 1825 يعتبر التوقف عن العمل جريمة يعاقب عليها، وفي سنة 1864 تم إلغاء هذا النص، مع أن القضاء ظل يتعامل مع الإضراب بنفس المنطق القديم من حيث آثاره إلى حدود سنة 1946 حيث اعترف دستور الجمهورية الرابعة بمشروعية حق الإضراب بشكل صريح، وهو نفس المقتضى الذي أعيد تأكيده سنة 1958 في دستور الجمهورية الخامسة.

 أما في المغرب، فإن أول الإضرابات ترجع إلى سنة 1936 من حيث الممارسة، أما من حيث الاعتراف القانوني فلم يكن منظما قانونا إلا سنة 1946، حيث نص الفصل الأول من ظهير 1946 على أنه لا يجوز ممارسة الإضراب إلا بعد استنفاذ مسطرة المصالحة والتحكيم، وفي دستور 1962 تم الاعتراف الصريح بالإضراب في الفصل 14، الذي کرس هذا الحق بصفته أحد المكاسب في مضمار الحريات العامة بالمغرب، أما الدستور الحالي فنص على الحق الإضراب من خلال الفصل 29، وكذا على مبدأ تقنينه الذي يجب أن يصدر في شكل قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق. الأمر الذي جعل الإدارة المغربية وبدعم من القضاء الإداري تفرض مجموعة من الضوابط والإجراءات تهدف من خلالها تنظيم هذه الممارسة حتى لا يصطدم واستمرارية المرفق العام، وهو ما يطرح السؤال عن مدى دستورية التدخل الإداري في تنظيم الإضراب، وعن مدى دستورية المراسيم والقرارات والمذكرات الوزارية التي صدرت وتصدر لتقييد ممارسة حق الإضراب، ومن بين هذه الإجراءات طبعا الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين.

لقد أقرت جميع الدساتير المتعاقبة بما فيها دستور 2011 بالحق في الإضراب كحق دستوري يدخل ضمن الحقوق والحريات الأساسية للأفراد وذلك بموجب الفصل 29 منه، وبعد هذا الاعتراف الصريح يفترض في كل إضراب أنه مشروع كممارسة لحق دستوري وعلى من يريد إثبات العكس أن يثبت التعسف في استعمال هذا الحق.

إلا أن الممارسة العملية لهذا الحق الدستوري و في ظل غياب للقانون التنظيمي، أضعفت لحد ما من قيمتة مادام أنه حق نظري لم يرقى إلى مصاف باق الحقوق التي تم تنظيم كيفية ممارستها، بل إن الإدارة وأمام هذا الفراغ صارت تبحث عن إجراءات معينة لتنظيم ممارسته بدعوى محاولة خلق توافق بين الحق في الإضراب والسير العادي للمرافق العامة، إلا أن هناك فرقا كبيرا بين إقرار الحق وبين تنظيم ممارسته، فالتنظيم التشريعي لأي حق من الحقوق لا يعني سوى تحديد الشروط والإجراءات اللازمة لممارسته والتي ليس من شأنها بأي حال من الأحوال أن تمس بطبيعة هذا الحق إلى حد تعطيله.

هكذا يشكل الحق في الإضراب أحد أهم الآليات التي يلجأ إليها الموظفون والمستخدمون للدفاع عن مصالحهم كما يعمل على التأثير في الرأي العام من جهة، والحياة الاقتصادية وأمن الدولة من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس نجد معظم الدول تنظر إليه عادة بعدم الارتياح . وهناك من الدول كسويسرا وألمانيا ما يحظر الإضراب بشكل مطلق ويعتبره عملا غير مشروع، بل كانت معظم الدول الاشتراكية تعتبره نوعا من التخريب الأموال الدولة وتأخيرا لتنفيذ الخطة القومية الشاملة للدولة.

وهناك من الدول من يبيح إضراب العاملين في القطاع الخاص دون موظفي الدولة، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جاء التنصيص على حق العمال في الإضراب بالمعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك في الاتفاقية رقم 87 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والتي ذهبت إلى أن شروط الإضراب المشروع يجب أن يكون مرتبط بمطالب يمكن تنفيذها وألا يكون من شأنها التقليل من الوسائل المتاحة أمام المنظمات النقابية".

ويطرح بحث موضوع الإضراب أهمية بالغة سواء من حيث المنظور النظري، ذلك أنه لم يشهد بعد تطبيق الإطار التنظيمي الذي يكفل الحدود أو الصيغ التي يجب احترامها أثناء ممارسته، رغم تقريره في مختلف المنظومات القانونية باعتباره من أهم الحقوق التي يجب أن تضمن للأفراد، فهو كما يعبر بعض الفقه الحرية الأم، كما تبرز من هذا الجانب أهميته في اعتباره موضوعا يتأثر بطبيعة النظام الذي يحكمه، بحيث قد تضيق مساحات ممارسته كما يمكن أن تتسع حسب النمط الاقتصادي المعمول به وكذا النظام السياسي الذي يمكن أن يمارس فيه .

انطلاقا مما سبق يمكن طرح التساؤل حول ما موقع مشروع القانون التنظيمي الجديد المتعلق بالإضراب من مسألة الإباحة والحظر؟ وما موقف القضاء الإداري من ممارسة الحق في الإضراب؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة ارتأينا معالجتها وفق التصميم الاتي: المبحث الأول: الإطار العام للإضراب. المبحث الثاني: الرقابة القضائية على الإضراب.

المبحث الأول: الإطار العام للإضراب

سنتعرض في هذا المبحث إلى ماهية الإضراب (المطلب الأول)، وسنخصص (المطلب الثاني)، الآثار المترتبة عن ممارسة حق الإضراب.

المطلب الأول: ماهية الإضراب

سنقسم هذا المطلب إلى فرعين سنتناول في (الفرع الأول)، تعريف حق الإضراب وأنواعه في حين سنخصص (الفرع الثاني)، للمقتضيات المنصوص عليها في مشروع القانون التنظيمي للإضراب.

الفرع الأول: تعريف الإضراب وأنواعه.

أولا: تعريف الإضراب

يقصد بالإضراب في اللغة الكف والإعراض فنقول أضربنا عن الشيء أي كفنا وأعرضنا عنه، أما من حيث المعنى الاصطلاحي فيقصد منه: "كل توقف عن العمل بصفة مدبرة لمدة من الزمن قصد الضغط على المشغل للاستجابة للمطالب النقابية للشغيلة دون أن تنصرف نية المضربين إلى التخلي عن وظائفهم نهائيا ".

وعرفه مشروع القانون التنظيمي في مادته الثانية ، بأنه" توقف جماعي عن العمل يتم بصفة مدبرة ولمدة محددة، من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية المباشرة للأجراء المضربين".

وقد عرفه مجلس الدولة الفرنسي في قراره الصادر بتاريخ 25 يوليو 1979 بأنه: "توقف منظم مسبق للعمل من اجل الدفاع عن المصالح المهنية". وعموما يمكن القول بأنه لكي يكيف كل توقف عن العمل بأنه إضراب يجب أن تتوفر فيه العناصر والضوابط والشروط، أما الأستاذ أحمد بوعشيق فيري بأن الإضراب هو كل توقف عن العمل بصفة مدبرة بقصد الضغط على المشغل للاستجابة للمطالب النقابية للعمال دون أن تنصرف نية المضربين إلى التخلي عن وظائفهم نهائيا.

ثانيا: أنواع الإضراب

كل حركة يقوم بها العمال تفترض تنظيما محكما حتى لا تتحول إلى عصيان وعدم انصياع لأوامر المستخدم أو صاحب العمل، ولذلك يقوم العمال بتنسيق عملهم للتوصل إلى تحقيق مطالبهم، وقد تختلف كيفية التوقف عن العمل، فقد تكون بصفة جماعية أو فئوية أو قطاعية وفيما يلي سنرى الأشكال المختلفة للإضراب.

أولا: الإضراب التقليدي ( المادي ): هو الشكل الأكثر انتشارا ، ويتم فيه انقطاع المضربين عن العمل في نفس الوقت تاركين بذلك مواقع العمل أو الامتناع عن الالتحاق بها بطريقة محكمة ومنظمة ومدروسة مسبقا من حيث الكيفية والمدة، بحيث تأخذ النقابات فيه جميع الاحتياطات اللازمة لبلوغ الهدف المقصود منه؛ فتراعي الظروف الاقتصادية العامة والوضعية الاقتصادية للقطاع وأهمية مخزون الإنتاج بالنسبة للطلب والقدرات المالية للعمل كتاريخ الوفاء بالأجور والتعويضات العائلية، كما تلتزم النقابة بضمان استمرارية خدمة الأمن وتشكيل هيئة الطوارئ واتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع حلول عمال القطاع الخاص محل العمال المضربين بالقطاع العام  ، حفاظا على مناصبهم من جهة، وتدعيما للحركة الاحتجاجية من جهة أخرى.

ثانيا: الإضراب الدائري: هذا النوع من الإضراب يتطلب انسجاما وتخطيطا محكما، حيث يتم فيه تحديد التدرج بمختلف وحدات الإنتاج في المرفق من جهة وتحديد توقيت مضبوط للإضرابات المبرمجة ويتم هذا الإضراب بصفة فئوية متتابعة؛ بمعنى تمتنع فئة من العمال عن العمل مدة معينة ومحددة لتليها فئة أخرى بعد استعادة الفئة الأولى لنشاطها، فهذا الإضراب لا يوقف تماما عمل القطاع، الأمر الذي جعله ممنوعا في القطاع العام، ففي فرنسا تم منعه بصدور قانون 31 يوليوز 1963 والمتعلق بتنظيم الإضراب في القطاع العام، وفي حالة القيام به يكون هناك عقاب تأديبي قد يصل إلى الطرد من العمل وفي القطاع الخاص يبقى هذا الإضراب قانوني لعدم وجود نص يقضي بغير ذلك .

و بناء عليه يتم الإضراب الدائري دون شل حركة النشاط والمردودية في المؤسسة، ويعتبر في نفس الوقت تمهيدا لتهيئة العمال للانقطاع التام عن العمل، وهو أكثر ضررا من الانقطاع الجماعي عن العمل، ونشير هنا إلى أن هناك نوعين من الإضراب الدائري فالأول يتمثل في الإضراب الأفقي الذي يمارسه عمال من صنف مهني معين، حيث ينعكس سلبا على عمال الصنف الأخر التابع للأول، أما النوع الثاني الإضراب العمودي الذي يجمد العمل في مصلحة أو قطاع محدد في المرفق دون أن يمس القطاعات الأخرى، ويهدف هذا الإضراب أساسا إلى إحداث اختلال في تنظيم الإنتاج.

ثالثا: الإضراب القصير والمتكرر هذا الإضراب عبارة عن توقفات عديدة ومتكررة مع البقاء في أماكن العمل، يتخللها انقطاع تام عن العمل في بعض الأحيان، حيث يمتنع فيه العمال عن الالتحاق بمراكز عملهم أو يتأخرون عن ذلك في أوقات منتظمة، ليستأنفوا العمل بعد ذلك.

 وعن مشروعية هذا النوع من الإضراب، فهناك من يعتبره غير قانوني وتعسفي وبالتالي لا يعتبرونه شكلا من أشكال الإضراب، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت هذه الإضرابات قانونية إلا في حالة القيام بالتخريب، وهذا ما استقر عليه القضاء في فرنسا وكمثال قرار أوليفيرا Oliveira  المؤرخ في 11 يوليو 1981 والمتعلق بالوقف عن العمل لمدة ساعتين وهذا بطريقة مفككة خلال ربع (4/1) ساعة بطريقة متتالية، وقد بين القضاء أن هذا الإضراب القصير والمتكرر قد أساء إلى عملية الإنتاج لأن العمل الذي يقوم به هؤلاء العمال يتطلب الاستمرار في عملية الإنتاج، وبالتالي أدى ذلك إلى الخصم من أجور العمال المشاركين في الإضراب، فهذا النوع من الإضراب يتم باحتلال العامل المضرب مكان عمله، بينما يمتنع العامل الغير المضرب عن ذلك لهذا يحتاج - هذا النوع من الإضراب - إلى إحكام ودقة مدروسين مسبقا فيما يتعلق بفترات الانقطاع ومدته وأهدافه.

رابعا الإضراب البطيء: لهذا الإضراب العديد من التسميات، فيسمى بإضراب الإنتاج أو المردودية ويعرف كذلك بالإضراب الجزئي، يتميز هذا النوع من الإضراب بالتخفيض والتقليل من وتيرة الإنتاج، ويستمر فيه العمال بممارسة نشاطهم دون أن يتوقفوا كليا عنه، ويتم ذلك وفق مخطط موضوع بشكل مسبق لتخفيض الإنتاج، حيث يأخذ فيه كل عامل صفة المضرب من اللحظة التي يبدأ فيها إبطاء الإنتاج والتقليل من فعاليته، ومن ثمة يصعب تكييف هذا التصرف على أنه إضراب ذلك أن العمل يبقى مستمرا، ولتجنب الأضرار التي قد تنجم عن هذا النوع من الإضراب، غالبا ما تبرم اتفاقيات بين الإدارة المستخدمة والعمال، تحدد بمقتضاها نسبة معينة لتخفيض المردود والإنتاجية لا يمكن تجاوزها، غير أن هذا النوع من الإضراب يعد حاليا أكثر ندرة، لأنه يبدو أقل فعالية التحقيق المطالب العمالية.

خامسا : إضراب الحمام أو الاندفاع : يطلق عليه كذلك بإضراب المبالغة في النشاط، هذا النوع من الإضراب عكس الأنواع الأخرى التي سبق ذكرها والتي تقوم إما على التوقف عن العمل وإما على تخفيض في وتيرة الإنتاج، فإن إضراب المبالغة يتضمن تصعيدا في النشاط عن طريق المراعاة الدقيقة بجميع الإجراءات الإدارية التي يتمسك بها العمال المضربون مما يؤثر سلبا على المتعاملين مع المصالح العمومية ويؤثر على العلاقة بينهم، مما جعل المبالغة في هذا النشاط تقلل من ممارسته لأن تطبيقه الحرفي في الأنظمة الإدارية يكاد يكون مستحيلا بسبب الازدحام المتزايد في المصالح العمومية، وينجم عن هذا الإضراب تأخير في سير المرفق العام.

ومن خلال ما سبق ذكره نجد أن الإضراب مهما كان شكله أو التقنية المتبعة في إجرائه يبقى حركة مطلبية واحتجاجية يكون الغرض منها الضغط على صاحب العمل أي المستخدم وحتى على السلطة العامة على تلبية مطالب معينة سواء تم التوقف عن النشاط كليا أو جزئيا أو شاملا لجميع عمال القطاع أو فئة فقط منهم، طالت فيه المدة أو قصرت، يبقى هذا الإضراب آخر إجراء ووسيلة في يد العامل سواء كان تابع للقطاع العام أو الخاص يسعى به لبلوغ المكاسب المهنية.

الفرع الثاني المقتضيات المنصوص عليها في مشروع القانون التنظيمي للإضراب

لقد عرف مشروع القانون التنظيمي الإضراب بكونه " هو توقف جماعي ومدبر عن الشغل من أجل الدفاع عن مطالب مهنية." (المادة 2).

كما أقر كذلك بممارسة حق الإضراب في المقاولات والمؤسسات والأنشطة الخاضعة للقانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل والمقاولات المنجمية والعمل البحري والوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية ومن طرف المشتغلين لحسابهم الخاص (المادة 8) .

إلا أن ما يثير الملاحظة هو اشتراط المشرع في مشروع القانون عدم اللجوء إلى الإضراب إلا بعد فشل المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة وفي حالة تعذر إجراء هذه المفاوضات لسبب من الأسباب يحق لكل طرف اتخاذ قرار الإضراب آنذاك طبقا للتدابير والمساطر المتضمنة في القانون التنظيمي (المادة 9) .

وهنا يطرح التساؤل عمن هي الجهة المخول لما الحكم على فشل المفاوضات؟ هل الإدارة والمشغل أم العمال والموظفين خاصة إذا علمنا بأن جل المفاوضات تنتهي باختلاف الرؤى حول تقييمها من داخل الهيئات النقابية نفسها، أما الإدارة فستظل دائما تتشبث بعدم فشل المفاوضات وبضرورة الاستمرار فيها وبالتالي الربح المزيد من الوقت على حساب مطالب الشغيلة.

 كما يلاحظ على هذا المشروع فيما يتعلق بشروط وإجراءات ممارسة حق الإضراب أن هذا الأخير مرتبط قرار شنه على مستوى المقاولة أو المؤسسة من لدن النقابات الأكثر تمثيلا أو المكاتب النقابية أو من طرف لجنة الإضراب في حالة عدم وجود تمثيلية نقابية.

كما يتخذ قرار شن الإضراب على الصعيد القطاعي والوطني من لدن النقابات الأكثر تمثيلا والتي تستوفي الشروط المنصوص عليها في مقتضيات المادة 425 من قانون 65.99 بمثابة مدونة للشغل .

وأيضا يتخذ قرار شن الإضراب على مستوى العمالة أو الإقليم أو الجماعة المحلية أو المرفق العمومي أو المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري من طرف المكاتب النقابية للمنظمات النقابية الأكثر تمثيلية (المادة 17) .

وهو ما شكل تراجعا عن بعض المكتسبات والتي كانت تسمح لأي إطار نقابي مهما كانت تمثيليته الدعوة إلى خوض الإضراب وغاية المشرع من هذا المقتضى يبقى نبيلا ما دام سيدفع إلى عقلنة المشهد النقابي والحد من التشتت الذي لا يخدم مصلحة الموظف والأجير .

ومن الملاحظات التي تم الاختلاف بشأنها بين الفرقاء هو ما يتعلق بمسألة الإخطار إذ يتعين قبل شن الإضراب تمكين المشغل أو من ينوب عنه بالقطاع الخاص أو رؤساء الإدارات العمومية والشبه عمومية أو الجماعات المحلية من مهلة إخطار لا تقل عن 10 أيام كاملة .

تحدد مهلة الإخطار في 48 ساعة في حالة عدم أداء الأجور في وقتها المحدد أو وجود خطر حال يهدد صحة وسلامة الأجراء.

يبدأ سريان مهلة الإخطار المشار إليها في الفقرة السابقة من اليوم الموالي لتاريخ تبليغ قرار الإضراب إلى المشغل أو من ينوب عنه أو رؤساء الإدارات المعنية.

ومن المستجدات التي أتى بها مشروع القانون التنظيمي ما يتعلق بلجنة الإضراب المشار إليها في المواد 7 و17 و21 والتي تنشأ من لدن الجمع العام للأجراء الذي يقرر الإضراب، ويتراوح عدد أعضائها ما بين 3 و6 أعضاء ينتخبهم الجمع العام للأجراء والذين يتولون تأطير وتدبير مختلف مراحل الإضراب واتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون.

يتخذ قرار الإضراب في حالة الدعوة له من لدن لجنة الإضراب بنسبة 35 % على الأقل من مجموع أجراء المقاولة أو المؤسسة المعنية (المادة 22) .

تم حصر لائحة من الموظفين الذي يمنع عليهم الحق في الإضراب وهم:

جنود القوات المسلحة الملكية ورجال الدرك الملكي؛

رجال الأمن الوطني والقوات المساعدة؛

رجال السلطة ومتصرفو وزارة الداخلية؛

القضاة وقضاة المحاكم المالية؛

أعوان السلطة العمومية؛

موظفو وأعوان إدارة الجمارك؛

موظفو وأعوان إدارة السجون وإعادة الإدماج؛

موظفو وأعوان الهيئة الوطنية للوقاية المدنية؛

موظفو وأعوان المياه والغابات.

كما يمنع ممارسة حق الإضراب في المرافق الحيوية التي يؤدي الانقطاع فيها عن الشغل إلى المخاطرة بحياة أو أمن أو صحة كل أو بعض الأشخاص (المادة41) .

مكن مشروع القانون رئيس الحكومة، أن يأمر بوقف الإضراب أو بمنعه في قطاع ما بموجب قرار معلل في الحالات التالية:

حدوث أزمة وطنية حادة؛

كوارث طبيعي؛

حالة حرب (المادة 43).

المطلب الثاني الآثار المترتبة عن ممارسة حق الإضراب

إن لجوء الموظف إلى ممارسة حقه في الإضراب يجعله يصطدم بغياب مقتضى ينظم حقه في ممارسة، ويعزى هذا الاصطدام بتعثر المشرع منذ مدة طويلة في إخراج قانون تنظيمي لممارسة هذا الحق اللهم التنصيص الصريح في دستور 2011 في الفصل 29 هذا من جانب وبعض المواثيق الاجتماعية التي تبرمها بعض الإدارات مع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب التي تحدد مراحل الأشكال النضالية، فرغم غياب مقتضى تشريعي ينظم حق الإضراب فإن هذا لا يقف صدا منيعا أمام الموظف في ممارسة حقه في الإضراب هذه الممارسة يكون لها انعكاسات سواء على الإدارة وعلى الموظف نفسه والمرتفقين أيضا.

الفرع الأول: بالنسبة للإدارة

الفقرة الأولى: عرقلة استمرارية المرفق العام

يعد مبدأ الاستمرارية من أهم المبادئ التي أقرها الاجتهاد القضائي   ، وكرسها المشرع الدستوري والعادي كمبدأ دستوري لمواصلة المرافق العمومة في أداء المهام التي من أجلها أنشئت بدون توقف، لأن من شأن هذا التوقف أو العرقلة أن تحدث اضطرابا وانزعاجا لدى المواطنين الذين لا يستطيعون الاستغناء عن خدماتها، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك تطبيقا موحدا لمبدأ الاستمرارية في جميع المرافق العمومية  وإنما يختلف بحسب طبيعة أنشطتها . إذا فاذا كان الإضراب يشكل من الناحية القانونية مساسا لمبدأ استمرارية المرفق العمومي فان مجموعة من الدول مثل فرنسا قد استطاعت أن توفق بين الإضراب وبين استمرارية المرفق العمومي وذلك بفضل بعض الأنظمة الخاصة المطبقة على مستخدمي ومستعملي وموظفي المرافق العمومية، حيث تقوم بتحريم الإضراب تحريما مطلقا على بعض المرافق وخاصة تلك المرافق المهمة والحساسة التي ترى أن توقفها يشكل خطرا على المجتمع وعلى الصالح العام والنظام العام وتعترف بالإضراب وتعطيه ضمانات قانونية ودستورية في المرافق أخرى ومجالات أخرى.

بالمقابل نجد المغرب هو الأخر رغم تكريسه الدستوري لحق الإضراب إلا أن هناك فئات عديدة من الموظفين لا تستفيد من هذا الحق بموجب أنظمتها الأساسية الخاصة. وهكذا يمنع رجال السلطة من ممارسة حق الإضراب بموجب المادة 11 من الظهير الشريف رقم 1.08.67 الصادر بتاريخ 31 يوليو 2008 في شأن رجال السلطة 2008 ، كما يمنع على القضاة ممارسة هذا الحق بموجب الفصل 14 من النظام الأساسي لرجال القضاء الصادر في شأنه الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.467 بتاريخ 11 نونبر 1974 كما وقع تغيره وتتمته ، والجدير بالذكر في هذا الصدد أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لم يتضمن أي مقتضى صريح في شأن حق الإضراب، واكتفى بالنص في الفصل 14 على ما يلي: " يمارس الموظف الحق النقابي وفق الشروط المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل. ولا ينتج عن الانتماء أو عدم الانتماء إلى نقابة ما أية تبعية فيما يرجع لتوظيف المستخدمين الخاضعين لهذا القانون وترقيتهم وتعيينهم فيما يخص وضعيتهم الإدارية بصفة عامة".

كما أن المشرع في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بالنص على الحق النقابي للموظف، يكون قد اعترف ضمنيا بالحق في الإضراب لوجود ترابط قوي بين الحق النقابي والحق في الإضراب"، هذا الاعتراف غير الصريح يستنتج منه حرص المشرع على عدم وقوع عرقلة في المرفق العمومي ونرى من جانبنا أن هذا الرأي يزكي الطرح الذي يقضي بالتوافق بين حق الإضراب كحق دستوري ومبدأ الاستمرارية كأحد الأعمدة التي ترتكز عليها المرافق العمومية، ويعد الاقتطاع من راتب الموظف أحد الوسائل التي تعمد اليها الإدارة الزجر كل موظف تعمد الإضراب دون إخطار السلطات الإدارية الذي قد يؤدي إلى عرقلة سير المرفق العمومي، وما دام أن الإضراب لا يمكن أن يجمع بين صفتي الحق الدستوري والتغيب عن العمل غير المشروع، فما هو أساس اقتطاع الإدارة من أجور المضربين؟

 

 

الفقرة الثانية: الاقتطاع من الراتب

فرغم عدم صدور القانون التنظيمي الذي يحدد الشروط والإجراءات التي يجب أن يمارس فيها الإضراب، يحرص الموظفون بالمغرب على ممارسة حق الإضراب في عدة مناسبات للضغط على الحكومة للاستجابة للملفات المطلبية المطروحة من طرف منظماتهم النقابية. كما أن النقاش القانوني والفقهي حول هذا الحق يعرف انتعاشا حقيقا عند حدوث إضراب أو اقتطاع الإدارة من أجور الموظفين، يعد الاقتطاع من الراتب على إثر ممارسة حق الإضراب المنصوص عليه في القانون رقم 81.12 المتعلق بالاقتطاع من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، وكما ورد أيضا في الفصل 14 من النظام الأساسي للمحاسبة العمومية ، وكذا حسب المرسوم رقم 2.99.12.1216 الصادر بتاريخ 10/05/2000 بتحديد شروط وكيفيات تطبيق القانون رقم 12.81 السالف الذكر، أحد الوسائل التي تلجئ اليها الإدارة لمعاقبة موظفيها، في حالة ثبوت غيابهم بدون ترخيص من لدن رؤسائهم أو غياب مبرر مقبول وبالتالي اقتطاع من رواتبهم، باستثناء التعويضات العائلية.

وعموما يحتدم النقاش في هذا الباب حول نقطتين اثنتين، أولاهما مدى قانونية ممارسة حق الإضراب في ظل غياب قانون التنظيمي، وثانيهما مدى قانونية الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل.

وأمام هذا الفراغ القانوني كان لزاما على القضاء الإداري، استنادا إلى دوره الإنشائي عندما يخلو المجال من النص، أن يخلق ضوابط كفيلة بتأمين الحق في ممارسة الإضراب مع الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد. وهنا سنكتفي بذكر حكمين قضائيين  الأول يحسم في مدى قانونية الإضراب في ظل غياب القانون التنظيمي والثاني يحسم في مدى قانونية الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل، وهو ما سنعرج عليه بالتفصيل في الفرع الثاني المعنون بموقف القضاء الإداري بعد إنشاء المحاكم الإدارية من المطلب الأول المدرج في المبحث الثاني من هذا البحث.

وانطلاقا من هاذين الحكمين وأحكام أخرى نستنتج ما يلي:

الإضراب إذا مورس في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله و تضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام و السير العادي للمرافق العمومية يعد أمرا مشروعا، و لا يحق لأي كائن كان أن يصف غياب المضرب عن العمل بالتغيب غير المشروع، كما لا يحق لأي كائن كان أن يعيق الممارسين للإضراب من ممارسة حقهم الدستوري.

الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل إجراء مشروع تطبيقا لقاعدة الأجر مقابل العمل، شريطة ألا يكون مشوبا بعيب من العيوب التي تشوب القرارات الإدارية وتجعلها تحت طائلة البطلان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العيب الإداري الأكثر انتشارا في هذا الباب هو عيب عدم استيفاء الشروط الشكلية والإجراءات المسطرية، الناتج أساسا عن عدم الاستفسار عن سبب التغيب وعدم الإشعار بالاقتطاع من الأجرة. ويلاحظ أن القضاء وإن كان يقر بحق الموظفين في ممارسة حقهم في الإضراب المكرس دستوريا وبالمواثيق الدولية إلا أنه في الوقت ذاته يقر بمشروعية الاقتطاعات من الرواتب في حالة ممارسة هذا الحق استنادا إلى ما تقرره القوانين العادية والمراسيم التنظيمية، ويتعلق الأمر بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وبالنظام العام للمحاسبة العمومية، وكذا بالقانون رقم 81.12 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولية والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة.

الفرع الثاني: بالنسبة للموظف

من بين الاثار التي يمكن أن يكون لها وقع على الموظف والتي تتمثل في إشهار سلاح الاقتطاع الذي يؤدي إلى إضعاف حقه النقابي الذي لا يمكن أن يكون له معنی بدون ممارسة حق الإضراب وبالتالي بداية تراجع العمل النقابي بالقطاع العمومي وافتقاد إطار للدفاع عن المصالح المهنية والمادية، يملك وسائل وآليات قانونية كتلك التي تملكها النقابات وإما أن يؤدي إلى الاجتهاد في إبداع صيغ احتجاجية أخرى قد تكون لها خطورة أقوى من الآثار الناتجة عن غياب المضربين عن العمل الإضراب المقنع أو الإضراب المبرقع.

 

 

الفرع الثالث: بالنسبة للمرتفقين

ينجم عن الإضراب في القطاع العام انعكاسات على المرتفقين علما أن المرفق العام قد أنشئ لإشباع الحاجات العامة الأساسية للأفراد، ولما كانت هذه الحاجة باقية ومستمرة، لذلك يكون ضروريا استمرار المرفق العام في إشباع هذه الحاجة، أي ضرورة سير المرفق العام بانتظام واطراد . وتعد هذه القاعدة من أهم القواعد التي تحكم سير المرافق العامة سواء كانت إدارية، أم اقتصادية، وتستند إلى أهمية وحيوية الخدمات التي تؤديها المرافق العامة، ومدی جسامة الأضرار التي تصيب الدولة والأفراد جراء توقف مرفق ما، أو تعطله -ولو لفترة وجيزة - عن تقديمها ، ويكفي تصور مدى الاضطراب الذي يصيب حياة الأفراد إذا انقطع التيار الكهربائي لمدة طويلة، أو نشاط مرفق النقل يوما أو يومين، فالمواطن يخطط لتصرفاته معتمدا على وجود مرافق تعمل بانتظام.

المبحث الثاني: الرقابة القضائية على الإضراب

سنتطرق في هذا المبحث لموقف القضاء من حق الإضراب في الوظيفة العمومية (المطلب الأول)، وسنخصص في (المطلب الثاني) الضوابط القضائية لممارسة حق الإضراب.

المطلب الأول: موقف القضاء الإداري من حق الإضراب في الوظيفة العمومية

الفرع الأول: موقف القضاء الإداري قبل إنشاء المحاكم الإدارية

كان المجلس الأعلى يرتكز على تفسير الفصل 5 من المرسوم 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين الحق النقابي، وقد صدر على أساس ذلك قرار شهير وهو قرار محمد الحيحي بتاريخ 17 أبريل 1961، وما يثير الجدل في هذا القرار هو ارتكازه على مرسوم 5 فبراير السابق دون أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا المرسوم قد صدر قبل وضع الدستور، وبأن هذا الأخير في الفصل 14 منه يؤكد على أن حق الإضراب مضمون.

وبمناسبة إضراب 20 يونيو 1981 واصل المجلس الأعلى تأكيد اجتهاده الوارد في قرار محمد الحيحي، وبنفس الحجج، وذلك في قراره الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 25 مايو 1984 في قضية إدریس نداء ضد وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، حول عزله بتاريخ 23 دجنبر 1981 من غير توقيف حق التقاعد ابتداء من اليوم الموالي لتاريخ تبليغ القرار. وفي تعليقه على هذين القرارين، يرى الأستاذ عبد القادر باينة، أنه لا يمكن أن يعتبر الإضراب بصفة عامة غير شرعي ومحرم في الوظيفة العمومية، وكل قرار يعتبر غير ذلك فهو غير شرعي ومخالف للدستور ويرى كذلك أن ظهير 24 فبراير 1958 لم يمنع ممارسة هذا الحق.

ولكن بالفعل اعتبره محرما على مجموعة من فئات الموظفين الذين تمنع أنظمتهم الأساسية بصراحة حق الإضراب ويبقى الإضراب مشروعا لباقي الموظفين.

الفرع الثاني موقف القضاء الإداري بعد إنشاء المحاكم الإدارية

مر موقف القضاء الإداري من الحق في الإضراب في القطاع العام بعد إنشاء المحاكم الإدارية بمرحلتين أساسيتين: في المرحلة أولى كان القاضي يمنع ممارسة الإضراب في القطاع العام (أولا)، وفي مرحلة ثانية أخذ يقر بممارسة هذا الحق لكن مع مراعاة بعض الضوابط والشروط (ثانيا).

أولا: منع ممارسة حق الإضراب

من الأحكام الصادرة من طرف القضاء الإداري في السنوات الأخيرة نذكر منها ما يلي:

الحكم الأول: صادر عن المحكمة الإدارية بمكناس  بتاريخ 12 يوليوز 2002 قضی بإلغاء القرار الصادر عن وزير التربية الوطنية القاضي باتخاذ عقوبة الإنذار في مواجهة الطاعن معللا حكمه كما يلي "الإضراب حق دستوري أكدته جميع الدساتير المتعاقبة وعدم صدور تشريع تنظيمي يحدد كيفية ممارسة حق الإضراب لا يعني إطلاق هذا الحق بلا قيود بل لا بد من ممارسته في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية على نحو لا يمس سيرها المنتظم بشكل مؤثر كما أن عدم ثبوت أن الإضراب الذي خاضه الطاعن فيه خروج عن الضوابط المذكورة (الإخلال بسير المرفق العام...) لذلك لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب المهني وبالتالي تكون عقوبة الإنذار المؤسسة على هذه الواقعة لاغية.

الحكم الثاني: صادر عن المحكمة الإدارية الرباط بتاريخ 2006/2/7  حيث قضت فيه برفض طلب تقدم به أحد المضربين يطعن بواسطته في القرار القاضي باقتطاع من أجرته عن التغيب المبرر موضحة في حيثيات الحكم "إن حق الإضراب حق أصيل مكفول دستوريا وغياب النص التنظيمي ووجود فراغ تشريعي بخصوص تنظيم هذا الحق يعطي القضاء الإداري استنادا إلى دورة الإنشائي إمكانية خلق ضوابط كفيلة بتأمين ممارسته بشكل يضمن الحفاظ على سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد" وأضافت المحكمة " أن ثبوت عدم التزام الجهة المضربة بالضوابط المقررة لممارسة هذا الحق أدى إلى عرقلت سير المرفق العام ولجوء الإدارة إلى تطبيق مقتضيات المرسوم الصادر بتاريخ 10 ماي 2005 باعتبار أن الأجر يؤدي مقابل العمل يجعل قرار الاقتطاع من الراتب قرارا مشروعا.

ثانيا: إقرار الحق في الإضراب

أقرت المحاكم الإدارية هذا الحق مع وجوب احترام مجموعة من الشروط والضوابط التي استقرها من الاجتهاد القضائي الفرنسي.

وفي هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية بمكناس في أحد أحكامه بأن:" مناقشة الوسيلة المثارة في المقال تتوقف على تحديد مدى مشروعية الإضراب بالنظر إلى المنظومة الدستورية والقانونية، ومدى تبريرها لواقعة التوقف عن العمل المسجلة كمخالفة في حق الطاعن والمعتمدة من قبل الإدارة كسبب لاتخاذ عقوبة الإنذار ...، وحيث إن المقتضى الدستوري بعموميته يشمل العمل بالقطاع الخاص، وكذا قطاع الوظيفة العمومية ذلك أن الإضراب يعبر عن ضرورة سياسية واجتماعية عميقة، وهي ضرورة عامة تشمل قطاع الموظفين وقطاع العمل الفردي، وبما أن هذا المقتضى الدستوري جاء مطلقا وعاما، لذلك فلا معنى لاستبعاد الموظفين من التمتع به، ومن ثم فإن الاتجاه السائد في الفكر الإداري القديم الذي يعتبر الإضراب وسيلة ثورية يمنع على الموظفين استعمالها لما تحدثه من شرخ في السلم الاجتماعي، ليس له ما يبرره في ظل المنظومة القانونية الحالية والثقافية السياسية السائدة، والتي تتجه إلى تكريس الحق في العمل النقابي، والاعتراف بالإضراب كحق دستوري تتم ممارسته في إطار نمط مؤسساتي منضبط يقع من خلاله التعبير من حركة المجتمع وصراعاته من زاوية الدفاع عن المطالب والحقوق المهنية ويخلق آليات للتفاعل بين صانعي القرار والفئة المهنية المخاطبة به.

وحيث إنه من التسليم من حيث المبدأ يكون الإضراب حق دستوري أكدته جميع الدساتير المتعاقبة، إلا أن الدستور نص على أن تكون ممارسة هذا الحق طبقا لقوانين التي تصدر بتنظيمه، وأن عدم صدور تشريع تنظيمي بهذا الخصوص لا يعني إطلاق هذا الحق بلا حدود ولا قيود بل لا بد من ممارسته في إطار ضوابط تمنع إساءة استعماله، وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية.

وحيث إنه إذا كانت المادة الخامسة من مرسوم 5 فبراير 1958 المتعلق بممارسة العمل النقابي  من طرف الموظفين تنص على أنه "كل توقف مدبر من العمل، بالنسبة لكل الموظفين عن عمل جماعي يؤدي إلى عدم الانقياد بكيفية بينة، يمكن المعاقبة عليه خارج الضمانات التأديبية"، فإن مقتضيات هذا المرسوم والتي تتضمن منعا مطلقا لحق الإضراب، تعتبر غير منسجمة مع المقتضى الدستوري الوارد لاحقا والذي أكدته الدساتير المغربية المتعاقبة، لذلك فإن هذا المنع يسقط لعدم انسجامه مع مقتضيات الدستور. 

كما اعتبرت المحكمة الإدارية بأكادير في حكمها  بتاريخ 22/12/2005 بأنه: "وحيث إنه تطبيقا للفصل 14 من الدستور، فإن ممارسة حق الإضراب يجب توفيقه مع ضرورة الحفاظ على النظام العام وحسن سير المرافق العمومية، وبما أن القانون التنظيمي المشار إليه في هذا الفصل لم يصدر بعد لضمان ذلك التوفيق، فإن للإدارة حق تنظيم ممارسة هذا الإضراب تحت رقابة قاضي المشروعية. وحيث أن الإضراب كان حقا مضمونا دستوريا، فإنه يجب أن يمارس بالقدر الذي يمكن من ضمان حسن سير المرافق العمومية الأساسية للحفاظ على النظام العام والأمن الضروريين للبلاد، وفي غياب وجود نصوص تشريعية منظمة له، فإن هذا الحق يرجع تنظيمه للسلطة المختصة وفق ما سار عليه اجتهاد المجلس الأعلى في قضية الحيحي محمد ضد وزير التربية الوطنية إذ ورد فيه "بأن سلطة رئيس الحكومة في إصدار ذلك المرسوم مستمدة من سلطته التنظيمية في اتخاذ التدابير اللازمة الضرورية لسير مجموع المرافق العامة..."

يتضح إذن مما سبق أن القضاء المغربي حاول في كل حالة من حالات الإضراب وضع قواعد وذلك في غياب النص التنظيمي المؤطر لذلك مع العلم بأن حالات لجوء المضربين للقضاء كانت جد نادرة وهذا راجع بالأساس إلى تردد الإدارة بدورها من اتخاذ إجراءات تأديبية في حق المضربين نظرا لعدم وجود ما تستند عليها من نصوص واضحة في هذا المجال، ولتجاوز هذا الفراغ جاء مشروع القانون التنظيمي للإضراب.

المطلب الثاني: الضوابط القضائية لممارسة حق الإضراب

الفرع الأول بالنسبة للأجهزة المتدخلة في ممارسة حق الإضراب

- تأطير الاضراب من قبل نقابة تمثيلية ومشكلة تشكيل قانونيا: لم يتعرض القضاء المغربي الاشتراط ضرورة إشراف النقابة على الإضراب إلا أن ذلك سينتج مما ورد من حكم المحكمة الإدارية بمكناس بتاريخ 2001/07/12 من أن ممارسة الإضراب يجب أن تكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمثيلية مشكلة تشكيلا قانونيا.

-وجوب إخطار السلطات الإدارية بالإضراب: جاء في حكم عدد 148 بتاريخ 2006/02/7 أنه نظرا لغياب نص تنظيمي ووجود فراغ تشريعي....، حيث تستلزم ممارسة حق الإضراب قيام التنظيم النقابي بإخبار الإدارة مسبقا، يتضمن الهدف من اللجوء إلى الإضراب وبدايته ونهايته واعطاء مهلة محددة قبل قيامه لكون الإضراب المباغت أو الطارئ غير مشروعة.

الفرع الثاني بالنسبة للشكل والمضمون في ممارسة حق الإضراب

- التحديد الزمني الإضراب: ينبغي أن يكون الإضراب محدد في الزمن ولمدة قصيرة ومعقولة. لأن الإضراب المفتوح لا يكتسب طابعا شرعيا لما له من تأثير خطير على السير العادي للمرفق العمومي. وهكذا اعتبرت المحكمة الإدارية بمكناس في قرارها عدد 63/2001 أن القرار المتضمن لعقوبة الإنذار موسوما بعدم الشرعية لأن "الإضراب كان ليوم واحد، ولم يكتسي طابعا سياسيا، ولم تدل الجهة المدعى عليها بما يناقض ذلك، لذلك تكون واقعة الإضراب المعتمدة من قبل الإدارة للقول بتقصير الطاعن في ممارسة واجباته المهنية غير صالحة لبناء عقوبة الإنذار".

- منع احتلال الأماكن الإدارية من قبل المضربين: على اعتبار أن الأماكن الإدارية مساحات مفتوحة وغرف اجتماعات، وغرف للموظفين ليتمكنوا من القيام بعملهم في مكان هادئ أو تلقي المكالمات أو إتمام مهمات إبداعية من دون إزعاج أو تشويش. فلتوفير أجواء تفاعلية ومحفزة للموظفين، يمنع احتلالها من قبل غير العاملين أو غير المشتغلين بها؛ على أساس أن المضربين يعدون في حالة امتناع عن العمل بطريقة منظمة ولمدة محددة مرتبطة بالمطالبة ببعض حقوقهم.

- ممارسة حق الإضراب للدفاع عن المصالح المهنية للمعنيين بالأمر: وقد جاء هذا في قرار المجلس الأعلى عدد 96 بتاريخ 1996/01/06 (لأن الإضراب وان كان حقا مشروعا بمقتضي القانون فان الغاية منه الدفاع عن حقوق مشروعة للعمال المضربين ...)  وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها عدد 63/2001 بقولها بأن الإضراب يمارس الأسباب مهنية، وبالتالي فإن الإضراب الذي تخوضه الجهة المعنية لأسباب سياسية يفقد شرعيته.

الخاتمة:

أمام غياب صدور قانون تنظيمي يقنن شروط وإجراءات حق الإضراب فإنه يبقى إلزاما والتزاما سياسيا أكثر منه قانونيا على الحكومة بإيداع مشروع القانون التنظيمي على البرلمان، لأن القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب كان وهما منذ ما يزيد عن خمسين سنة، ولا زال كذلك إلى حدود الساعة، وتبقى ممارسة هذا الحق والمسطرة المتبعة خاضعة لظروف المضربين ولكن بدون الإخلال بوضعيات مضمونة أو مقننة بنص قانون.

وبناء عليه لابد أن يحترم القانون التنظيمي المنظم لهذا الحق مجموعة من الضمانات والشروط بغية تحقيق السلم الاجتماعي ومن بينها:

-  أن يكون موضوع حوار مجتمعي بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل والمجتمع المدني؛

- استحضار المشروع القانون المُنظِّم لعمل النقابات وكل الإجراءات الكفيلة بضمان حرية العمل النقابي؛

- استحضار الفصل 29 من الدستور المغربي، حيث أن "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، مضمونة"؛

- رفض إسقاط تجارب دول أخرى على المغرب على اعتبار أن الدول التي تعتمد الاقتطاع تتوفر على صناديق اجتماعية تغطي تلك الاقتطاعات؛

- ضرورة تعديل النصوص موضوع الجدل في مشروع القانون المذكور؛

- تحقيق التوازن بين معادلة تجمع بين حقوق الشغيلة واستمرار العمل؛

-  الإسراع بإخراجه للوجود قصد تلافي مختلف التأويلات القضائية، تحقيا لفصل واضح المعالم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع:

أولا: مراجع عامة

مصطفى قلوش، الحريات العامة في المذاهب المعاصرة، ص 122 بدون ذكر المطبعة.

أستاذتنا نجاة خلدون، العمل الإداري، المطبعة دعاية، الطبعة الأولى، سنة 2015.

محمد الشرقاني، مدى مشروعية الإضراب العمالي بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، 1990/1991.

محمد الأعرج، مقال نحو وضع ضوابط لممارسة حق الإضراب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 68، ماي يونيو 2006.

ثانيا: قوانين:

مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، الأمانة العامة للحكومة، المطبعة الرسمية، الرباط.

جريدة رسمية عدد 5677 بتاريخ 27 أكتوبر 2008.

ثالثا: مقالات:

أستاذتنا نجاة خلدون، "الاقتطاع من الراتب الناتج عن ممارسة حق الإضراب"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، يوليوز أكتوبر 2016.

الاستاذ میمون خراط، إطار بوزارة التجهيز والنقل "حق الاضراب بين القانون والقضاء (دراسة وفق مشروع القانون التنظيمي للاضراب)"، سبق نشره في مجلة عدالة، عدد19، الخميس 9 غشت 2012.

محمد طارق، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 109-110، مارس 2013.

رابعا: قرارات قضائية:

أستاذتنا نجاة خلدون، الاقتطاع من الراتب الناتج عن ممارسة حق الإضراب، مقال منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 130-129، يوليوز - أكتوبر 2016.

حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمكناس تحت عدد 36/01 صادر بتاريخ 12 يوليوز 2002.

حكم صادر عن المحكمة الإدارية الرباط بتاريخ 7/2/2006 في الملف عدد 05/107، العمل الإداري.

حكم المحكمة الإدارية عدد 63/2001، بتاريخ 12/7/2001، غير منشور، تمت الإشارة إليه في كتاب الأستاذة نجاة خلدون.

حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير، عدد 257، بتاریخ 2005/12/22 غير منشور.

حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 259-2005، بتاريخ 2005/12/22، في الملف رقم 196-2005، غير منشور، نجاة خلدون.

حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 148 بتاريخ 2006/02/7.

حكم إدارية مكناس في قضية محمد شيبان ضد وزير التربية الوطنية، حكم عدد 63/2001، عدد 42، يناير - فبراير 2002، تم الإشارة إليه في مقال ذ محمد طارق، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 109-110، مارس 2013، ص 167.


إرسال تعليق

0 تعليقات