الدكتور جواد خربوش
حاصل على شهادة الدكتوراه في
الحقوق
الحكم في القسمة العينية للعقار الغير محفظ
في التشريع المغربي
بدأت الملكية ([1])
بصفة عامة، والملكية العقارية بصفة خاصة منذ أول الأمر ملكية جماعية يشترك فيها
أفراد القبيلة ولا يستأثر بها أحد دون الآخر خلال الحضارة البدوية، ولما استقرت الجماعات
في الأرض وتطورت الحضارات من بدوية تقوم على الرعي إلى حضارة تقوم على الزراعة كان
بالموازنة تطور الملكية العقارية بتطور الحضارة إلى أن استقرت بملكية فردية، حيث
شكلت ولا زالت تشكل مطمحاً لكل فرد ولكل جماعة، فوجد الإنسان نفسه أمام حاجات
دائمة التولد يلتمسها في أحضان الطبيعة ويسعى إلى تحقيق رغبة تملك عقارات عن طريق الملكية
الشائعة أو عن طريق انفراده بملكية خاصة، وبالتالي فالأراضي الجماعية هي التي كانت
غالبة رغم وجود القطع التي وقعت تجزئتها في ضواحي بعض القرى والنواحات المكتظة
بالسكان، وهذا ما يفسر أن الاراضي بصفة عامة لم تكن تتصف بطابع التملك الفردي بل
كانت لها صبغة القبيلة، ولم تكن تجزء إلا نادراً ولاستعمالات خاصة بالسقي بضواحي
القرى أو لأجل السكن ([2]) مما يجعلنا نتحدث عن
حالة قانونية تسمى لشياع الواردة في الفصل 960 من ق ل ع المغربي ([3]).
وبالتالي فإن الملكية الشائعة لا تخرج عن كونها
صورة من صور الملكية الفردية([4])،
لأن كل واحد من الشركاء يملك حصة في الشيوع ملكية فردية ينصب له حق مباشر عليها لا
على العقار كله، وعليه فحق الملكية على المال الشائع هو الذي يقسم حصصاً، علما أن
الملكية الشائعة ليست تلك الصورة المثلى للملكية العقارية لما لها من انعكاسات
سلبية على الشركاء والعقار الشائع بحد ذاته سواء من الناحية الاجتماعية أو
القانونية أو الاقتصادية.
أمام هذه المساوئ أصبحت الملكية الشائعة حالة
استثنائية لكل شريك حق الخروج منها تطبيقاً لمبدأ لا يجبر أحد على البقاء في
الشياع طبقاً للمادة 27 من م ح ع والفصل 978 من ق ل ع المغربي، بحيث تبقى
الطريق العادي لانقضاء الشيوع متمثل في القسمة لرفع الظلم بين الشركاء وإحقاق الحق
وضمان الحقوق حفاظاً على استقرار المعاملات.
لم يعرف المشرع المغربي القسمة في مدونة
الحقوق العينية ولا حتى في قانون الالتزامات والعقود شأنه شأن جل التشريعات، فإنه
اكتفى في المادة 313 من م ح ع بتحديد أنواعها والتي جاء فيها " القسمة إما
بتية أو قسمة مهايأة:
-
القسمة البتية أداة لفرز نصيب كل شريك في الملك
وينقضي بها الشياع.
-
قسمة المهايأة تقتصر على المنافع وهي زمانية وإما
مكانية.
تتم
القسمة إما بالتراضي وإما بحكم قضائي مع مراعاة القوانين والضوابط الجاري بها
العمل."، وقد ذهب بعض الفقه
الفرنسي إلى تعريفها بأنها " عملية الغرض منها إزالة الشيوع وإنهاء حالته وذلك
بتقسيم المال الشائع وتخصيص كل شريك فيه بجزء مفرز يتناسب مع حصته التي يستقل بها
دون باقي الشركاء أو بتصفية المال الشائع توزيع ثمنه على الشركاء بما يوازي حصته
إذا كان المال غير قابل للقسمة أو كان من شأنه إحداث نقص كبير في قيمة المال
المراد قسمته" ([5]).
وعليه فالقسمة طريقة من طرق انقضاء الشيوع
بمقتضاها يتم افراز الشيء المشترك حيث يستقل كل واحد من الشركاء بقسم من المال إذا
كان قابلاً للقسمة العينية ([6]) أما اذا كان عكس ذلك
فقسمته تتم بالتصفية أي بيع المال الشائع بالمزاد العلني و توزيع ثمنه على الشركاء
كل بقدر حصته في الشيء المشترك علما أن القسمة قد تكون اتفاقية منبعها الإرادة
الحرة للأطراف فتخضع للقاعدة "العقد
شريعة المتعاقدين"، وإما قضائية
تأتي نتيجة حكم قضائي تخضع فيه للقواعد مسطرية، بحيث يعرف الحكم القضائي بأنه كل ما يصدر عن المحكمة
للبت نهائياً في النزاع أو الأمر المتخذ لإجراء يرمي إلى تهيئة البت النهائي ([7])، وذلك في حدود ما طلب الأطراف
منها.
وتماشياً
مع ما ذكر إلى أي حد يمكن إبراز خصوصية التقاضي دعوى القسمة العينية للعقار
الغير محفظ على ضوء التشريع والفقه الإسلامي؟
للإجابة
عن هذا التساؤل ارتأينا معالجته وفق إبراز خصوصية بت القاضي في طلبات الأطراف في دعوى
القسمة العينية (المطلب الأول) دون أن نتجاهل تنفيذ الحكم القاضي بالقسمة
العينية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: البت في حدود طلبات
الأطراف
تبت المحكمة في حدود ما طلب منها من قبل
الشركاء لإنهاء حالة الشياع ويقصد بذلك أن المحكمة تستجيب لرغبة الأطراف (الفقرة
الأولى) لكن لهذه القاعدة خصوصية في ظل دعوى القسمة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المقصود بالبت في حدود طلبات الأطراف
يقصد بالبت في حدود طلبات الأطراف أن المحكمة
تقتصر على النظر في طالب به المعني بالأمر، إذ لا يجوز لها أن تبت فيما لم يطلب منها
ولا تغير موضوع أو سبب الدعوى وإلا عرضت حكمها للنقض، وذلك طبقاً للفصل 3 من قانون
المسطرة المدنية الذي جاء فيه: " يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات
الأطراف ولا يسوغ له أن يغير تلقائياً موضوع أو سبب هذه الطلبات وبت دائماً طبقاً
للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم ي طلب الأطراف ذلك بصفة صريحة"، وهو
ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها جاء فيه " إن المحكمة التي قضت
بإفراغ المكري وهي تنظر في دعوى إبطال الإنذار التي تقدم بها دون أن يتقدم المكري
بدعوى الإفراغ تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية والفصل 27
من ظهير 24/04/1955 وبالتالي يكون قد عرضت حكمها للنقض" ([8])، وقد
جاء في قرار آخر " وحيث أن الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية يمنع
منعاً باتاً على القاضي أن يغير تلقائياً موضوع أو سبب طلبات الأطراف لذلك... فإن
قرار بتغيير طلب الطالبين يكون معرضا للنقض " ([9])، وقد
جاء في قرار آخر " قيام المحكمة
بتغيير الدعوى تلقائياً من دعوى استحقاق إلى دعوى حيازة يشكل خرقاً للفصل 3 من
قانون المسطرة المدنية ويعرض قرارها للنقض" ([10]).
وانطلاقاً مما سبق يتبين أنه على قاضي
التقيد بالبت في حدود طلبات الأطراف وبالتالي المحكمة مقيدة بالإطار القانوني الذي
استخلصه من الوقائع الواردة بالمقال دون المستخلصة من المذكرات المتبادلة بعده،
بحيث التكيف الذي يفرز تستمده من صيغة الدعوى ووقائعها تطبيقا للفصل 3 من قانون
المسطرة المدنية.
الفقرة الثانية: خصوصية البت في حدود طلبات الأطراف لدعوى القسمة
نص الفصل 259 من قانون المسطرة المدنية على
أنه " يمكن للمحكمة أن تأمر بالقسمة البتية إذا كان المطلوب قسمته قابلا
لها وينتفع كل بحصته مدرك أو بدونه ولو كان هناك قاصرون.
تأمر
المحكمة إذا كان موضوع القسمة غير قابل لها ولا للانتفاع كل بحصته ببيعه جملة أو
تفصيلا بالمزاد العلني مع تحديد ثمن الأساسي للبيع".
وجاء في المادة 318 من مدونة الحقوق
العينية " إن كان العقار غير قابل للقسمة العينية أو كان من شأن قسمته
مخالفة القوانين والضوابط الجاري بها العمل أو إحداث نقص كبير في قيمته فإن المحكمة
تحكم بيعه بالمزاد العلني ".
يستخلص مما سبق أن المحكمة لا تذهب إلى قسمة
التصفية إلا إذا كان العقار موضوع طلب القسمة غير قابل لها وغير قابل للانتفاع كل
بحصته ما لم يتفق على خلاف ذلك وهو ما أكده ابن عاصم من خلال قوله في شرح التحفة:
كل ما قسمته تعذر تمنع كالتي بها ضرر ([11])
وهو ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي من خلال إبرازه
بأن " المحكمة التي قضت بيع الدار موضوع النزاع بعدم قابليتها للقسمة
العينية، تكون قد صادفت الصواب وجعلت لقرارها أساسا من القانون " ([12]).
وهكذا فإن تطبق هذه المقتضيات إن صح التعبير
يتناقض مع الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي يقضي بالتزام المحكمة بالبت في
حدود طلبات الأطراف، لأن هذه الأخيرة عندما تأمر بإنهاء الشياع عن طريق قسمة
التصفية تلقائياً عند تعذر القسمة العينية للمال الشائع دون طلب الأطراف تكون قد
تجاوزت حدود طلبات الأطراف وبالتالي خرقت مقتضيات الفصل الثالث من قانون المسطرة
المدنية.
لكن ما وجب التأكيد عليه ان مثل هذا القول لا
يستقيم وذلك على اعتبار أنه إذا طلب المدعي إنهاء حالة الشياع وتبين للمحكمة أن
الشيء غير قابل للقسمة العينية التجأت تلقائيا إلى إنهاء الشياع عن طريق التصفية
دون ضرورة تقديم طلب صريح ([13])،
من قبل الأطراف وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها الذي جاء فيه "
المحكمة لم تغير طلب لما قضت بقسمة المدعى فيه عن طريق بيع بالمزاد العلني وقسمة
الثمن بين المالكين، كما ثبت لها من الخبرة التي أمرت بها أن المدعى فيه لا يقبل
القسمة العينية "([14]).
وبالتالي لا يمكن للمحكمة أن تحكم بقسمة
التصفية إلا إذا تبين لها عدم قابلية العقار للقسمة العينية وهو ما ذهبت إليه
محكمة النقض التي جاء في قرارها: " إن المحكمة عندما قضت بقسمة التصفية
للمدعى فيه دون تحقق من استحالة قسمته عيناً لا عن طريق الخبرة الفنية من طرف خبير
مختص تكون محكمة قد خرقت القانون " ([15]).
المطلب الثاني: تنفيذ الحكم القضائي بالقسمة
إن حكم القضائي العقاري في القسمة يأخذ منحى
تنفيذه حسب ما إذا كان العقار قابل للقسمة العينية (الفقرة الأولى) من عدم
قابليته لذلك فتكون أمام تنفيذ حكم قضائي يقضي بقسمة التصفية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تنفيذ الحكم القاضي بالقسمة العينية
إذا ذهبت المحكمة بقسمة العقار الغير محفظ
قسمة عينية فإن تنفيذه يتم حسب الحالات:
§
إذا قضت المحكمة بناءً على تقرير الخبرة بعد تقديم
الأطراف ملاحظاتهم وأصبح الحكم نهائياً قابلاً لتنفيذ، وتبين للمحكمة أن التقرير
عادل وكانت الحصص متساوية فإن منطوق الحكم يقتصر على المصادقة على تقرير الخبرة
والتصميم المرفق به وفي هذه الحالة يفتح ملف التنفيذ ثم ينتقل مأمور التنفيذ وممثل
السلطات المحلية، وذلك لتمكين هذا الخبير من وضع حدود كل قطعة لتجرى القرعة بين
المتقاسمين لتتوج هذه العملية بتحرير محضر ويسلم لكل شخص من الشركاء القطعة التي
خرجت في نصيبه ([16]).
§
أما إذا كانت الحصص غير متساوية على الرغم من قابلية
العقار للقسمة العينية فإنه يتم فرزها عن طريق الخبرة بما يسمى بالتجنيب فلو كان
العقار مشاعاً بين 4 أشخاص يملك واحد منهم 30 سهماً من 100 وآخر 15 والثالث 35
والأخير 20 سهماً فإن فرزها يتم عن طريق التجنيب ([17])، فبعد المصادقة على الخبرة
واستدعاء الأطراف للاطلاع عليه وأصبح الحكم نهائي، فإن تنفيذ الحكم يتم باستدعاء
الأطراف لعين المكان) [18]( حيث يتسنى للخبير أي مأمور التنفيذ
وضع الحدود لكل القطع المحددة بناءً على تقرير الخبرة وتحرير محضر بذلك يبين فيه
الطلبات التي وضعت أثناء تنفيذ والإشارة لكل الأشخاص الذين أنجزوها مع مأمور
التنفيذ وبذلك ينفد الحكم وتنتهي حالة الشياع.
§
علماً أنه قد تجد لتنفيذ الحكم حالة ثالثة عندما تكون
القسمة العينية بمدرك مثل امتلاك أشخاص لعقار بالتساوي وبه ثلاثة أجزاء مختلفة
القيمة فتجرى القسمة عن طريق القرعة ومن خرج نصيبه أعلى من الآخر عليه أن يرد على
الآخرين الفرق([19]).
كما تجدر الإشارة إلى أنه قد تتوجه إرادة
بعض الأطراف إلى قسمة العقار والبعض الآخر الاستمرار في حالة الشياع ومن ثم يصدر
حكم الواجب التنفيذ بأن تتخذ القسمة العينية شكل قسمة عينية جزئية وذلك بأن يخصص
عقارا أو جُزءً منه لصالح الانتفاع به لمجموع الأشخاص الراغبين في البقاء على
الشياع، بينما يخصص جزء آخر لكل شريك راغب في القسمة العينية فضل الخروج من
الشياع، ولا يتحقق ذلك إلا إذا ثم انتداب خبير لتعين من يرغب في البقاء من
الراغبين في إنهاء الشياع كما لو كان هنالك وصية بين الشركاء تشمل أكثر من شخص حيث
يقتضي ذلك إخراج الوصية بالأولوية على اقتسام المال الشائع وفي مخالفة ذلك تكون
القسمة العينية معرضة للنقض وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرارها "إن
إغفال الموصى لهم بالثلث في العقار المطلوب قسمته وعدم إدخالهم في الدعوى رغم النص
عليه الإراثة يجعل الدعوى غير مقبولة" ([20]).
الفقرة الثانية: تنفيذ الحكم القاضي بقسمة التصفية
إذا تبين للمحكمة من تقرير الخبرة أن العقار
غير قابل للقسمة العينية ولو بمدرك وأنه لا يسعها إلا اللجوء إلى قسمة التصفية
ببيع العقار الغير محفظ المشترك بالمزاد العلني وتوزيع ثمنه على المشاعين كل حسب
حصته ([21]) علماً أنه لا تأمر بها المحكمة
إلا إذا اتفق الأطراف عليها أو إذا تعذر إجراء قسمة عينية ([22]) بسبب طبيعة العقار أو بسبب
القانون كمثال على هذا الأخير، يذهب بعض الفقه إلى القول بأن الإعلان عن نزع ملكية
يوقف القسمة العينية ([23]).
لذلك فإن الحكم بقسمة التصفية يتطلب تنفيذه
الخضوع إلى قواعد المسطرة المدنية لهذا يعمل مأمور التنفيذ على طلب أداء رسوم
التنفيذ وكل مصاريف الإشعار بعدما ينهي إعداد دفتر التحملات الذي يتضمن تاريخ
المزايدة، علما أنه يجب على هذا الأخير إخطار المعنيين بذلك داخل أجل ثمان أيام من
تاريخ إيداع دفتر طبقا للفصل 473 من قانون المسطرة المدنية والمادة 219 من مدونة
الحقوق العينية، ويتم بعد ذلك إشهار إعلان البيع بالمزاد العلني من قبل مأمور
التنفيذ وفق قواعد الفصل 474 من قانون المسطرة المدنية الذي يلزم بتعليق هذا
الإعلان عن أبواب مساكن الشركاء وعلى العقارات
موضوع المزاد العلني وفي الأسواق المجاورة للمال الشائع، بالإضافة إلى
تعليق ذلك في اللوائح المخصصة للإعلانات بالمحكمة الابتدائية وكذلك بمكاتب السلطات
المحلية، علماً أنه يمكن أن يكون الإشهار بجميع وسائل الإشهار، والغاية من ذلك هي
تلقي عروض الشراء لإقفال محضر بالمزاد والذي يحرره مأمور التنفيذ، بحيث بعدما يحل
تاريخ المحدد للسمسرة التي تقع بمحل كتابة الضبط محكمة المختصة بعد ثلاثين يوماً
من تبليغ مع إمكانية التمديد من قبل رئيس المحكمة ([24])، تبدأ السمسرة حتى ترسوا المزايدة
على من قدم العرض الأعلى ويؤدي الثمن لكتابة الضبط خلال عشرة أيام من المزاد مع
أداء مصاريف التنفيذ المحددة من طرف القاضي المعلن عنها قبل السمسرة ([25])، على الرغم من ذلك قد يظهر شخص
مزايد على ما أسفرت عليه المزايدة خلال 10 أيام الموالية لتاريخ المزايدة يقدم عرض
يزيد قيمة ما استقرت عليه بمقدار السدس لتصبح السمسرة بذلك نهائية بعد انصرام أجل
30 يوماً.
كل هذه الإجراءات السالفة الذكر قابلة
للتطبيق في تنفيذ الحكم القضائي القاضي بقسمة التصفية، لكن قد يستغل ذلك بعض
الشركاء ذاوي النية السيئة للتواطؤ مع المتزايدين بالاتفاق على عدم تقديم عروض أو
تقديم عروض غير كافية ولا تتناسب مع قيمة
العقار وأهميته من أجل إطالة إجراءات مسطرة السمسرة بإعادتها من جديد لما في ذلك
من ضرر بمصالح وحقوق بعض الشركاء، هذا من جهة ومن جهة أخرى نتساءل عن تصور الشفعة
من قبل الشركاء في قسمة التصفية، فالمشرع المغربي لم يشر إلى هذه المسألة لكن ذهب
بعض الفقه ([26]) إلى القول أنه لا خلاف في أن
البيع بالمزايدة من البيوع التي تثبت فيها الشفعة الشركاء سواء بحضورهم أو لم يحضر
عالماً بها أو لم يعلم، في حين ذهب البعض الآخر إلى عدم الأخذ بجواز الشفعة
بالمزاد العلني طبقا للفصل 473 من قانون المسطرة المدنية([27])، إلا أنه هناك اتجاه وسط يرى أن
الشفعة ثابتة للشركاء الذين لم يحضروا للمزايدة إذا لم يتم إعلامهم بها، أما إذا
كان حاضراً بالمزايدة ولم يشارك فيها أو استدعى ولم يحضر فإنه لا شفعة له ([28]).
الخاتمة:
إن
التشريعات مهما بلغت درجة تطورها ودقة صياغتها لا محال تبقى غير كافية لتغطية كل
تفاصيل الجوانب التي تتناولها مما يتسبب في غموض أو نقص أثناء الممارسة العملية
وهو ما يفتح الباب أمام الاجتهاد القضائي لتبني الفقه كأساس لسد الفراغ التشريعي
واستجلاء الغموض وتفسير بعض الأحكام التشريعية النافذة، حيث إن القاعدة القانونية
على العموم قابلة للتأويل في كل زمان و مكان لذلك يتعين على القاضي أن يقوم بعملية
الملائمة بين الواقع و القانون عن طريق آلية التكييف مراعياً في ذلك عنصرين أولهما
روح القانون أي الدوافع والأهداف التي جعلت المشرع.
ويجب التأكيد على ضرورة
أخد بعين الاعتبار ردة فعل الوسط الاجتماعي والاقتصادي و نحن من جهتنا نضيف عنصراً
آخر المتجلي في ضرورة تشبت بالآراء الفقهية بما لها من فعالية في فض الكثير من
المنازعات التي لم يتطرق لها التشريع لما لذلك من فائدة تؤدي إلى إغناء الفكر
القانوني عموماً، فعلى الرغم من صدور مدونة الحقوق العينية التي تسري على العقار محفظ و الغير محفظ، رغبة في توحيد
القواعد القانونية المؤطرة للتصرفات العقارية الواقعة على العقار، إلا أنه في
الواقع لا زال النقص ظاهراً بشكل كبير من خلال شتات النظم القانونية المنظمة أو المطبقة على العقار الغير
محفظ بين قواعد خاصة وأخرى عامة والفقه المالكي مما ينعكس سلباً على الاجتهاد
القضائي من حيث تضاربه وتناقضه مما يؤدي إلى عدم
الانسجام والاستقرار في هذا القرار والقسمة العينية لا تخرج على هذا النطاق.
لائحة المراجع:
عبد الرزاق السنهوري،
"الوسيط في شرح القانون المدني الجديد"، الجزء الثامن، حق الملكية،
منشورات الحلبي الحقوقية بيروت – لبنان، طبعة سنة 2011.
عبد الرزاق السنهوري،
"الوسيط في شرح القانون المدني الجديد"، الجزء الثامن، حق الملكية،
منشورات الحلبي.
مأمون الكزبري،
"التحفيظ العقاري والحقوق العينية والأصلية والتبعية في ضوء التشريع
المغربي"، الجزء الثاني، شركة هلال للطباعة والنشر، الطبعة الثانية سنة 1987.
علي حيدر، "دور
الحكام"، شرح مجلة الأحكام، مكتبة النهضة دار الإحياء العربي، بيروت، جزء الثالث.
عبد الكريم طالب،
"الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية"، مطبعة المعرفة، مراكش لنشر
والتوزيع، الطبعة السادسة، 2013.
ادريس العلوي العبدلاوي، "القانون القضائي الخاص، الجزء
الثاني، الدعوى والاحكام"، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، سنة 1986.
عبد
الرحمان الشرقاوي، "قانون المسطرة المدنية"، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة
الثالثة، سنة 2018.
جواد
أمهمول، "الوجيز في قانون المسطرة المدنية"، مطبعة الأمنية، طبعة سنة
2015.
أبي عبد الله محمد بن أحمد
بن محمد المالكي، "ميارة الفاسي شرح الإمام على تحفة الحاكم للقاضي
ابن عاصم الأندلس".
محمد كشبور، "القسمة
القضائية على ضوء القانون المغربي"، مطبعة النجاح الدار البيضاء، الطبعة
الأولى، سنة 1996.
محمد ابن معجوز،
"أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي"، مطبعة النجاح، ط 2، سنة 1993.
([1]) يعتبر
حق الملكية من أوسع الحقوق العينية نطاقاً، بل هو جامع هذه الحقوق عنه تتفرع جميعاً،
فمن له حق الملكية على الشيء كان له حق استعماله، وحق استغلاله، و حق التصرف فيه، فيستجمع كل السلطات
التي يمنحها القانون للشخص على الشيء، فإذا اقتصر حق الشخص على استعمال الشيء
واستغلاله كان حق انتفاع متفرع عن حق الملكية، أما إذا اقتصر على استعمال الشيء
لحاجة شخصية وحدها كالسكنى دون أي وجه آخر من أوجه الاستعمال، كان هذا حق استعمال أو حق سكنى، كلا الحقين
متفرعين عن حق الملكية، و إذا اقتصر حق استعمال الشيء على وجه معين أو الحصول منه
على منافع معينة كان هذا حق ارتفاق و هو أيضاَ متفرع عن حق الملكية، لكن إذا عمل
الشخص على التصرف في الشيء جبراً على المالك لاستيفاء الدين متقدماً على غيره من
الدائنين، كان هذا حق رهن أو امتياز و كلها حقوق عينية تبعية، إذ هي تكفل الدين
فهي تابعة له و متفرعة عن حق الملكية، فالمالك إذاً يستطيع أن يفعل في ملكه ما يشاء بكل حرية و
اختيار و لا يقيده في ذلك إلا القانون أما
صاحب أي حق عيني آخر فلا يستطيع أن يفعل في الشيء إلا ما نص عليه القانون و لا
يستطيع أن يفعل أي شيء آخر.
-
عبد
الرزاق السنهوري، "الوسيط في شرح القانون المدني الجديد"، الجزء الثامن،
حق الملكية، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت – لبنان، طبعة سنة 2011، ص: 479،
(بتصرف).
([2])
jacque Berque les réformes agricoles au Maroc, thème statut
agricole au Maroc Maspero, Paris 1963, p :53.
([3]) الذي جاء فيه: "إذا كان الشيء أو الحق لأشخاص متعددين بالاشتراك فيما
بينهم وعلى سبيل الشياع فإنه تنشأ حالة قانونية تسمى الشياع أو شبه الشركة وهي إما
اختيارية أو اضطرارية".
([4]) عبد
الرزاق السنهوري، "الوسيط في شرح القانون المدني الجديد"، الجزء الثامن،
حق الملكية، منشورات الحلبي: ص: 800.
([5] (Planiol, traite élémentaire de droit civil, revue et complète par
Ripert, ED, paris, 1959, p :872.
([6]) القسمة العينية لغة هي: إقرار النصيب وتفرقته عن غيره، وقد جاء في قاموس المحيط
قسمه يقسمه وقسمة جزأه وهي القسمة بالكسر وقاسمه الشيء أخد الكل قسمة، وتقاسما
المال اقتساما بينهما. وبرجوعنا إلى
ابن منظور نجده قد عرف القسمة لغة بكسر اسم مؤنث ومعناه التجزئة من فعل قسم الشيء
قسمه قسما بفتح القاف و سكون السين أو
الموضوع مقسم كالمجلس، وقسمة بفتح القاف وتشديد السين المفتوحة أي جزأه وهي القسمة
أو المقسم كالمقعد نصيب الإنسان من الشيء وحظه فيه لكل شريك قسمه ومقسمة وقسيمه،
قال الراغب وحقيقته أنه جزء من تقبل التقسيم وقاسمه الشيء مقاسمة أخذ كل منهما
قسمة والقسم والمقاسم، هو من يقاسم غيره
شيئاً أو غيرها من الأموال يجمع على أقسام وقسماء، و القسيم شطر الشيء والقسام
الذي يقسم و قسامة بضم القاف و فتح السين ما يعز القاسم لنفسه من رأس المال يكون أجرا له، والقسامة بالكسر
القاف وفتح السين الصدقة لأنها تقسم على الفقراء..
-
ابن منظور "لسان العرب"، مادة
قسمة، طبعة دار المعرفة ص:135
وهناك البعض الآخر عرفها لغة بأنها النصيب
وجعل الشيء أو الأشياء أجزاء وبعاضا متمايزة، سواء أكان ذلك لمجرد تفرقة الأجزاء
أو الأبعاض لمعرفة ما في القسمة من أمثال المقسوم عليها، لذلك قال صاحب المصباح
المنير قسمته قسما من باب ضرب فرزته أجزاءً فإن قسم أو الموضوع مقسم، مثل مسجد
والفاعل قاصد، والقسام مبالغة أو الإسم القسم (بالكسر) ثم أطلق عليه الحصة والنصيب
فيقال: هذا قسم والجمع أقسام مثل حمل وأحمال أو اقتسام المال بينهم والاسم القسمة
وأطلقت عليه النصيب أيضاً.
-
إبراهيم عبد الحميد إبراهيم سلامة،
"القسمة"، مجلة الوعي الإسلامي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون
الإسلامية الكويتية، طبعة الأولى، 1432هـ/ 2011م، ص:17.
في حين
أن المعنى الاصطلاحي للقسمة العينية لقد
اختلف الفقهاء في تعريف القسمة العينية اصطلاحا وذلك حسب رؤية كل مدرسة على حدى:
فقد
عرفها المالكية بــ "يصبر مشاعة من مملوك مالكين معينا، ولو باختصاص تصرف
فيه بقرعة أو تراضي".
- عبد الباقي الزرقاني، "شرح الزرقاني على
مختصر سيدي الخليل"، دار الفكر بيروت، بدون ذكر الطبعة، الجزء السادس، بدون
ذكر السنة، ص:193.
- أبو عبد الله الأنصاري
المشهور بالرصاع التونسي، "شرح حدود ابن عرفة"، منشورات وزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية بالمغرب، مطبعة الفضالة المحمدية سنة: 1992، ص:523.
فتصير مشاعا معينا هو التمييز، أما مملوك مالكين هو احترازا عن تعيين مشاع
في ملك واحد، ومعينا تعني إخراج له إذا صار غير معين، وحمله ولو باختصار التصرف
فيه أي أن تصير بأي اختصاص كان ولو باختصاص التصرف. وقوله بقرعه أو تراض أي يمكن قسمه بأي شيء.
أما
الحنفية فقد عرفوها بــ " جمع نصيب شائع في مكان مخصوص".
أما
الشافعية فقد عرفوها بأنها " تمييز بعض الأنصباء عن بعض وتخليصها من
الشياع". أما الحنابلة فقد عرفوها " إفراز حق وتمييز أحد
النصيبين من الآخر".
وقد
عرفها بعض الفقه أنها تلك التي تجرى بتقسيم الشيء المشترك إلى عدة أقسام مفرزة
بعضها عن بعض تتفق مع حصص الشركاء الذين يستقل كل واحد منهم بقسمة تتناسب وحصته.
-
مأمون الكزبري، "التحفيظ العقاري
والحقوق العينية والأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي"، الجزء الثاني،
شركة هلال للطباعة والنشر، الطبعة الثانية سنة 1987، ص:132
أما
من الناحية التشريعية فقد عرفتها مدونة الحقوق العينية في المادة 313 والتي
جاء فيها " القسمة إما بتية أو قسمة مهايأة:
القسمة البتية أداة لفرز نصيب كل شريك في الملك
وينقضي بها الشياع...." كما عرفتها المادة 1114 لمجلة الأحكام بأنها
" تعيين الحصة الشائعة، يعني إفراز الحصص بعضها من بعض بالمقياس كالدراع
والوزن والكيل".
-
علي حيدر، "دور الحكام"، شرح مجلة
الأحكام، مكتبة النهضة دار الإحياء العربي، بيروت، جزء الثالث ص :101
([7]) عبد الكريم طالب، "الشرح العملي لقانون
المسطرة المدنية"، مطبعة المعرفة، مراكش لنشر والتوزيع، الطبعة السادسة،
2013.ص: 223.
للتعمق أكثر أنظر:
-
ادريس
العلوي العبدلاوي، "القانون
القضائي الخاص، الجزء الثاني، الدعوى والاحكام"، مطبعة النجاح الجديدة،
الطبعة الأولى، سنة 1986، ص: 154 وما يليها
-
عبد الرحمان الشرقاوي، "قانون المسطرة المدنية"،
مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الثالثة، سنة 2018، ص: 157 وما يليها
-
جواد أمهمول، "الوجيز في قانون المسطرة المدنية"،
مطبعة الأمنية، طبعة سنة 2015، ص: 115 وما يليها.
([8]) قرار محكمة النقض بتاريخ 15/12/82 عدد 812 في
ملف عدد 1837 منشور بمجلة رابطة القضاة عدد 14/15 ص: وما يليها.
([10]) قرار محكمة النقض بتاريخ 17/04/1993 ملف مدني
عدد 99950 مشار إليه عند:
-
عبد الكريم طالب، "الشرح العملي لقانون
المسطرة المدنية"، مرجع سابق، ص: 193.
([11]) ابن عاصم الغرناطي،"شرح التحفة" ص:
155.
-
أبي عبد
الله محمد بن أحمد بن محمد المالكي، "ميارة الفاسي شرح الإمام على
تحفة الحاكم للقاضي ابن عاصم الأندلس"، ص: 105.
([12])
قرار محكمة النقض بتاريخ 02/04/96 عدد 2042 ملف عدد 4056/91 منشور عند محمد بفقير،
"مدونة حقوق عينية والعمل القضائي"، المرجع السابق، ص: 437.
([14]) قرار
محكمة النقض بتاريخ 04/2/1999 عدد 158 ملف عدد 2746/97 منشور بالتقرير السنوي
لمحكمة النقض 1999 ص:99.
([20]) قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 10/12/1996 رقم 809 ملف
92/6731، مشار له عند إبراهيم بحماني، "تنفيذ الأحكام
العقارية"، مرجع سابق، ص: 156.
0 تعليقات