آخر الأخبار

Advertisement

تحديات قيام الدولة المدنية في ظل ثورات الربيع العربي - الدكتور صالح محمد عبد السلام، العدد 46 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث - تقديم ذ محمد القاسمي

 


 تحديات قيام الدولة المدنية في ظل ثورات الربيع العربي - الدكتور صالح محمد عبد السلام، العدد 46 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث - تقديم ذ محمد القاسمي


رابط تحميل المجلة التي تتضمن المقال بصيغتها الرقمية PDF الرابط أذناه:


https://www.allbahit.com/2022/08/46-2022-24.html


 

الدكتور صالح محمد عبد السلام

 باحث مهتم بقضايا التحول الديمقراطي في

 العالم العربي

 تحديات قيام الدولة المدنية في ظل ثورات الربيع العربي -دراسة للحالة الليبية-

Challenges of the civil state in light of the Arab Spring revolutions

A study of the Libyan case

 

الملخص:

يُعد قيام دولة مدنية ديمقراطية حلم كل الشعوب التي ثارت على جلاديها منذ ظهور الأفكار الديمقراطية التي تنادي بحق الشعوب في تقرير وإدارة شؤونها بنفسها، ولم تكن ثورات الربيع العربي في عام 2011 استثناء من ذلك. ونظراً لخصوصية البيئة العربية من حيث الماضي الاستبدادي القريب لم يستمر التحول نحو الدولة المدنية الديمقراطية بالطريقة التي كان ينبغي أن تكون، خصوصاً أن جل هذه الثورات حدثت في زمن فيه كل الإمكانات اللاّزمة للتحول بشكل منظم وفعال متاحة لها. يأتي هذا البحث لدراسة الحالة الليبية وما يواجهها من تحديات تعوق قيام الدولة المدنية بعد مرور عشر سنوات من قيام ثورة 17 فبراير 2011، وذلك بالتركيز على أهم وأبرز تلك التحديات، ومحاولة طرح بعض الحلول التي قد تسهم في مواجهتها أو تجاوزها في ضوء الواقع السياسي الليبي المتشدّي اليوم. كلمات مفتاحيه: تحديات، الدولة المدنية، الربيع العربي، ليبيا.

 

 

Abstract

The establishment of a civil, democratic state is the dream of all peoples who have revolted against their tormentors since the emergence of democratic ideas calling for the right of peoples to decide and manage their affairs on their own, and the Arab Spring revolutions in 2011 were no exception. Due to the peculiarity of the Arab environment in terms of the recent authoritarian past, the transformation towards a democratic civil state did not continue in the way it should have been, especially since most of these revolutions took place at a time when all the necessary capabilities for an orderly and effective transformation were available to it. This research comes to study the Libyan case and the challenges it faces impeding the establishment of the civil state ten years after the revolution of February 17, 2011, by focusing on the most important and most prominent of these challenges, and trying to propose some solutions that may contribute to facing or surpassing them in light of the hardening Libyan political reality Today.

Key words: challenges, the civil state, the Arab Spring, Libya.

مقدمة:

          تعتبر مسألة بناء الدولة في بلدان الربيع العربي من المسائل التي لا تزال تستحوذ على النصيب الأكبر في النقاش الأكاديمي والمؤتمرات واللقاءات العلمية، بل وفي وسائل الإعلام في البلدان العربية، ومرد ذلك بطبيعة الحال إلى الطبيعة الخاصة للمجتمعات العربية، واختلافها جذرياً عن المجتمعات الغربية تكويناً وتركيباً. وبالتالي لا يمكن إسقاط التجربة الديمقراطية الغربية مباشرةً على هذه المجتمعات دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية تركيبة المجتمعات العربية، والبحث عن نموذج الدولة الذي يتناسب مع البنية الاجتماعية ويحقق فعلاً استقراراً سياسياً، ويساهم في النمو الاقتصادي لتلك المجتمعات الثائرة في وجه الظلم والقهر والجهل والتخلف بكل معانيه. وتمثل ليبيا حالة أو صورة مُعبرة عن ذاك الواقع الدكتاتوري المرير الذي استمر أكثر من أربعة عقود ونيف، حيث سعى القذافي خلال تلك الفترة إلى توظيف ثروات البلاد النفطية وغير النفطية في شراء الولاءات لضمان استمرار بقائه في السلطة، كما لعب في سبيل تحقيق ذلك على العامل القبلي و الجهويات المناطقية من أجل خلق توازنات تضمن له تحقيق ما يريد، دون الحاجة إلى بناء مؤسسات سياسية وإدارية حقيقية  تتولي عملية إدارة البلاد ضمن أطر ديمقراطية واضحة المعالم.                                                              

          و بالتالي ظلت ليبيا خلال هذه الحقبة مُختزلة في شخص القذافي، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير جداً، بفضل ضعاف النفوس والمنتفعين، وتسخير واستغلال موارد البلاد واللعب على العامل القبلي في تبديد ثروات البلاد وتحقيق مآربه الشخصية.               

   بالرغم من الواقع المرير والظالم الذي عاشه الليبيون خلال تلك الحقبة المظلمة من تاريخ ليبيا الحديث، وما تبعه من إسقاط نظام القذافي بفضل الله ثم ثورة 17 فبراير. الإّ أن عملية إعادة البناء والتحول الديمقراطي نحو الدولة المدنية واجهته ولازالت عدّة عراقيل ومعوقات وتحديات تداخلت فيها عوامل وتناقضات بين القوى الداخلية والإقليمية والدولية، وتباينات مصالحها ومشاريعها الفكرية، ممّا ساهم في عرقلة الانتقال نحو الديمقراطية والدولة المدنية.                                                                                                   

      أهمية الموضوع:      

تعلمنا من دروس التاريخ أن نهاية الحروب أو الثورات لاتعني بالضرورة أن السلم قد استقر نهائياً، وأن حقبة جديدة من الاستقرار والأمن قد بدأت. فالثورة أو الحرب ماهي إلاّ حلقة في سلسلة حلقات نحو إمّا استقرار وميلاد دولة جديدة تختلف جذرياً عن تلك التي كانت، وإمّا نحو فوضى وعدم استقرار ربما يطول لعقود والأمثلة على ذلك كثيرة؛ كما حدث في الصومال وأفغانستان وغيرها. ومابين تفجر الثورة أو اندلاع الحرب والانتقال إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار كثير من العوائق والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية...الخ

لذا فالتحديات اليوم كبيرة وعديدة أمام ولادة دولة مدنية في ليبيا بعد عشر سنوات من قيام ثورة 17 فبراير وسقوط حكم القذافي. فالتحدي كبير جداً أمام ولادة ليبيا جديدة، فالتوقعات كبيرة لدى الشعب الليبي الذي يُشكل الشباب غالبيته، وهو مايفسر لماذا التحمت السواد الأعظم من الشباب بالثورة ضد قمع نظام القذافي. ومهما يكن من أمر، فنحن اليوم أمام وضع جد استثنائي له ما بعده ولعقود على مستقبل ليبيا وأجيال قادمة من الليبيين، ويكمن السبب الرئيس في هذا الوضع إلى حالة النزاع والانقسام بين من كانوا بالأمس يداً واحدة نحو دولة مدنية ونظام ديمقراطي تعددي وتداول سلمي على السلطة، باتوا اليوم فرقاً وجماعات سمحت للأجنبي أن يتدخل في الشأن الليبي ،والجري وراء المصالح والأطماع الفردية الضيقة وتفضيلها على مصلحة الليبيين.

لذلك لا نبالغ في القول: أن التحديات كثيرة وكبيرة جداً أمام الليبيين اليوم للوصول بليبيا إلى بر الأمان، وتحقيق الهدف الذي اجتمعوا عليه بالأمس القريب ضد دكتاتورية القذافي وبطشه.

         من هذا المنطلق، يحاول هذه البحث التركيز على عملية التحول الديمقراطي بعد ثورات الربيع العربي في عام 2011 والتي - كما ذكرنا في مطلع المقدمة - لا تزال تحظى باهتمام كبير في النقاشات الأكاديمية والمؤتمرات العلمية داخل الوطن العربي، وبالتالي تتمحور الأهمية العلمية لهذا البحث في المساهمة في إثراء الجانب النظري في مسألة تحديات بناء الدولة المدنية في بلدان الربيع العربي مع التركيز على الحالة الليبية، خاصة مع نقص وندرة الأبحاث والدراسات على الحالة الليبية. 

      إشكالية البحث: 

       شهدت ليبيا عقب قيام ثورة 17 فبراير وسقوط نظام القذافي حراكاّ سياسياّ ورغبة حقيقية صادقة في الانتقال نحو نظام ديمقراطي تعددي، ودولة مدنية يتساوي في ظلها الجميع، وطي صفحة الماضي التي مزقت أواصر الأخوة بين الليبيين، وبددت ثرواتهم في مغامرات فوضوية نرجسية ترتب عليها فرض تعويضات لدول أجنبية، تعويضات أقرب ما تكون بالإتاوات (كرهاً) كما هو الحال في قضية لوكربي.  هذا الحراك والرغبة نحو التحول نحو نظام ديمقراطي حقيقي لم يستمر طويلاً؛ حيث بدأت دول محور الشر العربي أو ما يعرف بدول الثورات المضادة في اللعب في المشهد السياسي الوليد بعد ثورة 17 فبراير، وبتواطؤ من قلة ممن باعوا ضمائرهم وذممهم من أجل حفنة من المال لن ثورتهم إلاّ الخزي والذل والعار، فظهر في 2014  كنتيجة لهذا التدخل الانقلابي خليفة حفتر في الشرق الليبي، وأعلن انقلابه على المؤسسات المنتخبة وتعطيل العمل بالإعلان الدستوري المؤقت وتولي مقاليد الحكم، في مشهد ومسرحية هزلية سيئة الإعداد والإخراج، فكانت بداية الخلاف والصراع وظهرت التحديات وتلاشت كل الآمال التي قامت من أجلها ثورة 17 فبراير.

        فالبحث عن تسوية سياسية محورها الدولة المدنية تٌشكل أس وجوهر تحديات هذا الانتقال نحو الدولة المدنية، أيضاً اصدار دستور توافقي يجمع كل الكيانات والأثنيات الليبية ويضمن حقوقها يٌشكل كذلك تحدي أخر في غاية الأهمية، زد فوق هذا وذاك مسألة مٌعالجة ملف المهاجرين غير الشرعيين، كذلك إصدار تشريعات غير مُسيسة التي تتطلبها عملية المساءلة ورد الحقوق، نضيف إلى القائمة تحدياً في غاية الأهمية ألا وهو ضرورة التخلص من نفوذ الأطراف الإقليمية والدولية المعادية لقيام الدولة المدنية في ليبيا، أيضا مسألة إحياء الثقافة السياسية المٌعطلة للمجتمع تُشكل تحدياً أخر على درجة كبيرة من الأهمية.                                                                                                               

       لاجدال في أن هذه التحديات وأخرى قد تكون في طور التشكل بسبب تأزم الوضع وتدني وتدهو حياة المواطن؛ نتيجة للصراع بين سياسيي الصدفة ممّن لايفهمون حتى أبجديات السياسية تطرح تساؤلاً جوهريا وكبيراً حول لما ولمصلحة من ما نحن فيه من وضع سياسي واقتصادي غير مقبوليين بكل المقاييس ؟

        وانطلاقاً من هذا المشهد تحاول هذه الدراسة الإجابة عن السؤال التالي :  ماهي أبرز التحديات التي تواجه بناء الدولة المدنية في ظل المشهد السياسي الليبي اليوم ؟ وبالتالي سنحصر البحث والتحليل حول التحديات الداخلية دون الخارجية؛ لإيماننا بأن النجاح والتوفيق في مواجهة هذه التحديات سيقود حتماً إلى تلاشي وتجاوز التحديات الخارجية، التي لا وجود لها من دون قبول ودعم جهات محلية ليبية ذات أجندات منبتة الصلة بالوطن والمواطن. وبالتالي نعتقد أن التحديات الحقيقة أمام الليبيين هي التحديات الداخلية لا الخارجية إن صدقت النوايا على مشروع الدولة المدنية والنظام الديمقراطي التعددي. في هذا السياق، سيتصدى هذا المقال لبحث ودراسة أبرز تلك التحديات التي سوف تقودنا إلى استخلاص  إجابة للسؤال المطروح أعلاه. لذلك، سنركز هنا على مانعتقد أنه يُشكل أبرز التحديات الراهنة لقيام الدولة المدنية في ليبيا، ويمكن تقسيم تلك التحديات إلى: تحديات سياسية وأمنية ( المطلب الأول)، وتحديات حقوقية وإنسانية (المطلب الثاني).    

المطلب الأول: تحديات سياسية وأمنية

مع دخول الثورة الليبية عامها العاشر، تدخل الدولة مرحلة في غاية الصعوبة والحساسية عمّا ذي قبل على مستقبل ليبيا والليبيين؛ لأن المتابع للشأن الليبي يلحظ انقسام واضح بين الليبيين بين من يؤيد مشروع الدولة المدنية، وبين من يؤيد مشروع يقوده خليفة حفتر ومناصريه - داخلياً وخارجياً - يهدف إلى العودة لما قبل 2011 وهو مشروع عسكرة الدولة !

لذا فإن المرحلة الحالية تتطلب من الليبيين كمواطنين قبل غيرهم من الأجسام والهياكل السياسية الموجودة اليوم في الشرق أو الغرب الليبي عدم الاعتماد على تلك الهياكل السياسية الجوفاء والتي لايهمها إلاّ استمرار الصراع للبقاء في مناصبها و استمرار المرتبات الفلكية دون عمل حقيقي و على حساب الليبيين. فالليبيون أمام استحقاقات سيكون لها مابعدها ولأجيال قادمة، لعلّ من أبرزها هنا إيجاد تسوية سياسية تؤسس لدولة مدنية والقطع نهائياً مع حكم الفرد والقبيلة(التحدي الأول)، يتبع ذلك ضرورة اصدار دستور توافقي يجمع كل أطياف الشعب الليبي يقوم على مبدأ لا للإقصاء(التحدي الثاني)، وأخيراً ضرورة نزع سلاح التكوينات المسلحة ودمجها في المجتمع وحصر السلاح بيد الدولة دون غيرها(التحدي الثالث).

التحدي الأول: تسوية سياسية على مبدأ لا لعسكرة الدولة ونعم للدولة المدنية

        واجهت الثورة الليبية منذُ سقوط نظام القذافي في عام 2011 كثير من التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية بالغة التعقيد، فتجربة الانتقال السياسي السريع نحو عهد جديد بعد عقود من التسلط والاستبداد مع غياب التجربة والخبرة السياسية لقادة ليبيا الجدد، أدى إلى فشل في إدارة المرحلة الانتقالية بفعل تحديات داخلية وخارجية واجهت وتواجه الثورة، وبالتالي العجز عن تقديم حلول ومعالجات جادة لواقع المرحلة الانتقالية التي مرّت وتمر بها البلاد إلى يومنا هذا، ممّا جعلها تتسم بدرجة عالية من الصعوبة والتعقيد، ويتجلى ذلك في صراع الإدارات وتنازع الشرعيات السياسية بين مكونات المشهد الليبي، الناتجة عن استمرار حالة الانفلات الأمني والانقسام المجتمعي والاصطفاف الجهوي والقبلي خلف مصالح ورؤى فردية ضيقة لاتمت لمشروع الدولة المدنية بصلة، فضلاً عن تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية بسبب التخبط في إدارة الدولة عبر سياسات غير مدروسة وفي الغالب مؤقتة ولمعالجة أوضاع آنية، وبالتالي غياب التخطيط الاستراتيجي أو النظرة المستقبلية عند رسم السياسات العامة، والارتهان في بعض الأحيان لتأثيرات خارجية إقليمية أو دولية لاتعير إهتماماً لمصلحة الشعب الليبي بذات القدر والأهمية الذي تمليه مصالحها الضيقة[1].                                                               

فالمشهد الليبي اليوم هو من ناحية أخرى نتيجة طبيعية للفراغ الذي عاشته الساحة السياسية في ليبيا خلال حكم القذافي من فراغ دستوري وتشريعي وسياسي وحزبي ونقابي.  ذاك الفراغ فتح الباب أمام القبائل لملئه وشغله طوال تلك الحقبة على أساس قبلي وجهوي للسيطرة على أجهزة ومؤسسات الدولة، والاستفادة من الثروة والسلطة ولو على حساب الدولة وباقي الأخوة في الوطن مع ضمان الولاء التام للنظام[2].          

إلى جانب ذلك، لعبت مواقف الأطراف الدولية من الأزمة الليبية دور ساهم إلى حد كبير جداً في تأزم الوضع لحساب مصالحها الاقتصادية. فالولايات المتحدة وفرنسا وروسيا ومن يتبعها من الدول العربية - محور الشر العربي- التي ترى في خليفة حفتر طرفاً فاعلاً وممثلاً على الطاولة هو بحد ذاته خروج وانتهاك للمعايير التي حددتها الأمم المتحدة، والتي اعتبرت بموجبها الحكومة السابقة -حكومة فايز السراج - الطرف الشرعي الوحيد الممثل للشعب الليبي وفق اتفاق الصخيرات الذي اعتمدته كخارطة طريق لحل الأزمة الليبية!؟

وبالنظر في المشهد السياسي الليبي على الرغم من التطورات التي حدثت مؤخراً بشأن تشكيل حكومة جديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة يمكن تصنيف الأطراف المحلية والدولية عملياً من الأزمة الليبية إلى قسمين :

الأول- يرى في الحل العسكري المخرج الوحيد من الأزمة والفوضى وانتشار الجماعات المسلحة، وأن خليفة حفتر سيكون له دور كبير في مكافحة الإرهاب. هذا الطرف يمثل جميع دول الثورات المضادة ( مصر، السعودية، الإمارات، فرنسا، وروسيا ...)، بالإضافة إلى الدول التي تقف صامته وتغض الطرف أمام المساعدات العسكرية والاستخباراتية واللوجستية التي تقدمها بعض تلك الدول إلى خليفة حفتر، وهي دول منحازة بل وتؤيد وبقوة الحل العسكري لضمان مصالحها السياسية أو الاقتصادية.

الثاني- يرى في الحل السياسي المخرج والحل الوحيد للأزمة في ليبيا، ويمثل جميع الدول التي تتعامل مع ليبيا ممثلة في حكومة الوفاق سابقاً وحكومة الوحدة الوطنية حالياً وفق مخرجات اتفاق الصخيرات، وترفض وتعارض الحل العسكري وعسكرة الدولة مرة أخرى كتونس والجزائر1، وقطر و تركيا وغيرها من الدول2. يعكس هذا المشهد حقيقة الصراع الليبي الليبي على السلطة والثروة بعد عقود من الدكتاتورية ومصادرة الحقوق والحريات العامة، وتناسى الليبيون تلك العقود العجاف وأن الكل اليوم في نفس المركب!

فالأزمة الليبية يمكن تشخيصها على أنها صراع مصالح اقتصادية وأجندات سياسية تقاطعت بين القوى الدولية والإقليمية والقوى المحلية المتصارعة على الثروات والموارد النفطية والطبيعية الليبية3، وعلى امتلاك سلطة القرار في ليبيا؛ لتأمين وضمان تلك المصالح وتنفيذ تلك الاجندات السياسية. كذلك هو صراع بين مجموعات قديمة وأخرى جديدة ذات تطلعات سياسية في الحكم والسلطة، لكل منها مصالحها وأدواتها السياسية والعسكرية والمدعومة خارجياً، والتي تقولبت في شكل أحزاب سياسية للوصول إلى أهدافها بدعم قبلي وجهوي4.

من الجدير بالذكر أن سلوك خليفة حفتر منذٌ محاولته الانقلابية في 14 فبراير 2014 ومطالبته بضرورة انتقال السلطة إلى المجلس العسكري الذي يترأسه شخصياً، ووقوفه في وجه تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي الذى رأى النور في نهاية ماراتون سياسي شاق وطويل جرى في مدينة الصخيرات المغربية، وتحت اشراف الأمم المتحدة مٌستخدماً لغة السلاح والرصاص، لاعباً دوراً تخريبياً في الاجتماعات التي عقدت في باريس وباليرمو الايطالية وصولاً إلى هجومه على طرابلس يؤكد بما لايدع مجالاً للشك أنه لايريد أن يكون طرفاً في أي حل سياسي.

إن خليفة حفتر الذي توجه إلى طرابلس على بعد أقل من أسبوعين على اللقاء الوطني الجامع في مدينة غدامس كمحاولة للخروج من الأزمة السياسية ضارباً قرارات الأمم المتحدة ومعايير الشرعية كلها عرض الحائط يدل بكل وضوح على أن الرجل ليس له أجندة ومشروع وطني ليبي؛ وإنما هو طرف كوّنه محور إسرائيل- الإمارات ، وهو جزء من مشروع المٌخطط الإقليمي الساعي إلى الحيلولة دون تحوّل المطالب السياسية والاجتماعية لثورات الربيع العربي إلى واقع مٌعاش؛ خوفاً من انتقال الربيع إلى تلك البلدان !وممّا عمق الأزمة صمت الأمم المتحدة من هجوم حفتر على طرابلس ومساواة المجتمع الدولي بين المعتدي(حفتر) والمعتدى عليه آنذاك ( حكومة الوفاق الوطني)، ووصفهما بالطرفين في مسألة هجوم حفتر على طرابلس؛ في انقلاب واضح على معايير الشرعية الدولية ذات الصلة1.

لذا في ضوء هذا الواقع المحلي والدولي وتلك المواقف؛ انقسم الرأي العام الليبي بين مٌقاربات إيديولوجية وولاءات قبلية ومناطقية متباينة، وتطور كل ذلك إلى تناحر واقتتال، بل وصل الأمر إلى التصفية الجسدية في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر، عوضاً عن ترسيخ أسس الانفتاح والتنوع السياسي2.

إذاً هو صمت دولي مقصود، يٌضاف له افتقار القيادات السياسية في الشرق أو الغرب الليبي للخبرة والحنكة السياسية في مواجهة مثل هذه التحديات الهائلة بتعقيداتها، فضلاً عن تورطها في سياسات المفاضلة بين المناطق، وتكييف وتسخير السلطة لخدمة مصالحهم الخاصة، ولا أدل على ذلك من الوضع الكارثي الذي يٌعاني منه الجنوب الليبي على مختلف الصٌعد. يٌضاف إلى كل هذا سعي قوى وأنصار النظام السابق السياسية والقبلية للحفاظ على مصالحها المهددة، لاسيما بعد إصدار قانون العزل السياسي الصادر في 5 مايو 2013 من قبل المؤتمر الوطني العام(البرلمان)، ووجود رغبة قوية لدى قوى الشرق الليبي في إنهاء المركزية المقيته التي عانوا منها تحت حكم القذافي3.

وللحفاظ على مصالحها؛ فضلت الطائفة الأخيرة الانضمام إلى تحالف خليفة حفتر تحت ماسٌمي بعملية الكرامة التي يقودها مٌنذٌ 16 مايو 2014 ضد كتائب الثوار وأنصار الدولة المدنية، وتحت غطاء مٌحاربة الجماعات الإسلامية في ليبيا، وكما أثبت ذلك عبر اختفاء أو تصفية كل المعارضين لمشروع خليفة حفتر والمؤيدين لمشروع الدولة المدنية الديمقراطية، كاختفاء النائبة سهام سرقيوة منذُ يوليو 2019 بعد ساعات من انتقادها هجوم خليفة حفتر على العاصمة طرابلس في أحد البرامج التلفزيونية، اختفاء يطرح كثير من علامات الاستفهام4. فضلاً عن اختطاف مسؤول سابق لنقابة المحامين في بنغازي، وقتل العديد من الناشطين و المسؤولين في بنغازي حيث وجدت جثثهم ملقاة في شوارع مدينة بنغازي، وفي مكبات النفايات في ظل وعود من قيادة خليفة حفتر بالتحقيق ولكن دون تنفيذ؟5!.

في ضوء هذا الواقع وسياقاته التاريخية والسياسية نستطيع التأكيد على الطابع المصلحي النفعي الاقتصادي للصراع على السلطة في ليبيا. فهو خليط مٌعقد من صراع ذوي التوجهات والنزعات السياسية المختلفة للأطراف الليبية المٌتصارعة على السلطة والموارد والوظائف والزعامة والاستحواذ على سلطة القرار، وتعبير عن مصالحها الفئوية والجهوية والمناطقية المدعومة إقليمياً ودولياً من أطراف هي الأخرى لها مصالحها الاقتصادية كما سبقت الإشارة إليه ! أزمة سياسية تحولت بمرور الوقت إلى صراع بين مشروع يهدف إلى عسكرة الدولة للخروج - بحسب زعم أنصاره - من حالة اللا استقرار والانفلات الأمني و الفوضى، ثُم الانتقال في مرحلة لاحقة نحو مشروع الانتقال الديمقراطي!؟ وبين مشروع يرفع شعار الدولة المدنية والتداول السلمي للسلطة لكنه يفتقر إلى قيادات تملك الكفاءة والنزاهة، والالتزام والمصداقية لتعبئة ماهو مٌشترك بين الاتجاهات والتيارات والحساسيات والقوى كافة لبلورة مرجعية ديمقراطية جامعة1.

وأمام فشل المشروعين واقعاً، يبدو أن المخرج من الأزمة يقتضي من الليبيين بكل اتجاهاتهم أن يجتازوا كلا المشروعين، وأن يتفقوا فيما بينهم على قاعدة : الوطن باق والأشخاص زائلون، خصوصاً بعد التدخل الروسي على الأرض بمرتزقته (الفاغنر)، والقطع التام مع تركة القذافي، وأن تترك القيادة للأكفاء من القيادات الشابة، والالتفاف نحو مشروع ديمقراطي حقيقي ورفض عسكرة الدولة مرة أخرى كأساس لتسوية سياسية شاملة للأزمة في ليبيا.

فاليوم - كما يرى أحد البُحّاث الليبيين - " لا يمكن بناء دولة الديمقراطية في ظل مجتمع غير متصالح، تذب بين أطيافه الخلافات والنزاعات، مهما كانت قوة الدولة. كما لم تكتب حالات النجاح للدولة الديمقراطية في كثير من الأحيان، في بعض الدول، لأنّه لم يتوافر لها الجو المناسب من التوافق والتصالح الاجتماعي. الأمر الذي جعلها تتحول إلى دكتاتورية أو فوضي غير متحكم فيها"2.

فهل سنرى قريباً الليبيون وحدهم - رغم كل الخطوب والمدلهمات- جعلوا حلم الانتقال نحو الدولة المدنية واقعاً على قاعدة : الوطن باق والأشخاص راحلون، ولا غالب ولا مغلوب ؟

ليس لدينا أدنى شك في بزوغ فجر الدولة المدنية في ليبيا قريباً وبأيدي الليبيون أنفسهم؛ فلا يزال في الوطن كثير من المخلصين والأوفياء في أركانه الأربع ممن سطر أبائهم وأجدادهم دروساً في حب الوطن والحفاظ عليه، ولن يتوانوا بأذن الله على إعادة كتابة تلك الصفحات المشرقة، أسوةً بأسلافهم من أجل الحفاظ على وطن واحد يحضن جميع أبنائه دون تفرقة أو إقصاء. فكما يرى مصطفى أبو خشيم في دراسة استطلاعية عن الثقافة السياسية لثوار أو شباب السابع عشر من فبراير، خلص فيها إلى أن " هناك ميولاً ظاهرة في التعبير عن تفضيل قيم المشاركة والمواطنة الفاعلة، والرغبة في التخلص من قيم الثقافة الرعوية المعيقة للتحول الديمقراطي"1. وهو مايعتبره الكاتب الليبي يوسف الصواني" عنصراً حافزاً على مزيد من التحول "2. مصداقاً للمقولة الشهيرة للمؤرخ اليوناني هيرودوت - الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد-:" من ليبيا يأتي الجديد"، حيث يستدل من خلال مقولته هذه على ماشاهده أثناء تواجده في ليبيا بعد خروجه من منفاه في جزيرة ساموس3.

لكن الاعتقاد بأن ليبيا ستتحول بسهولة عبر تصالح الليبيين فيما بينهم وبالأماني الطيبة نحو نموذج ديمقراطي، ودولة مدنية تُعيد بناء مؤسساتها من جديد، ودون إفراغ ذلك في عقد اجتماعي يُؤسس لمستقبل واعد لهم وللأجيال القادمة في شكل دستور توافقي عصري يستجيب لتطلعات جميع أبناء ليبيا، دون إقصاء لأحد يمثل في الحقيقة تجاهلاً للأمس القريب ويمكن أن يكون سبب رئيساً لفشل مستقبلي.

التحدي الثاني : اصدار دستور توافقي على قاعدة لا للإقصاء

لقد أبانت لنا التجربة السياسية لدول ومجتمعات الربيع العربي عموماً والتجربة الليبية خصوصاً أن الوصول إلى الدولة المدنية هو طريق طويل وصعب وشاق بعد نهاية مرحلة الحكم الاستبدادي، لأن النفوس التي تربت على الاضطهاد والتسلط والذل عقوداً من الزمن لاتٌقدر قيمة الحرية يوم تُساق إليهم بشكل غير مؤسس4، أو دون تضحية، رغم النقلة النوعية كما رأينا سابقاً في الثقافة والوعي السياسي لذا شريحة كبيرة من الليبيين اليوم، وخصوصا شريحة الشباب اللذين دفعوا دمائهم وأرواحهم من مختلف مناطق وقرى ومدن ليبيا من أجل دولة القانون والمؤسسات.

فوجود دولة مدنية ديمقراطية يقتضي ضرورة وجود دستور لضبط ممارسة السلطة وتداولها بشكل سلمي داخل الدولة، والبعد عن الفوضى. فالفوضى في ممارسة السلطة دليل يشير إلى عدم الخبرة والإطار المؤسس لممارسة السلطة أحيانا، مما يؤدي في النهاية إلى الهيمنة والسيطرة والقمع و الاستبداد. فعملية صياغة وكتابة الدستور لا تأتي من فراغ، بل تستند في العادة إلى نصوص قديمة عرفتها الدولة المعنية تاريخياً، أو يتم تبني أحد نماذج الدساتير الناجحة في دول أخرى، تكون قريبة منها ثقافياً أو لغوياً أو تاريخياً أو سياسياً.

بهذا المعنى لا تشكل الحالة الليبية خروجاً عن القاعدة العامة للتعاطي مع " الدول قيد البناء"، حيث تٌشكل عملية تحضير دستور مناسب قائم على مبدأ التوافق خطوة لازمة وأساسية في سلسلة خطوات بناء الدولة المدنية الديمقراطية. فضلاً عن أن اصدار الدستور يدخل ضمن مشتملات مبدأ الفعالية الدولية، الذي يعني: " قدرة السلطة الحاكمة على الممارسة الفعلية والمستمرة لكافة حقوق السيادة، ولجميع وظائف الدولة سواء منها التشريعية أو التنفيذية أو  القضائية، على الإقليم الذي تسيطر عليه وعلى سكانه، وقدرتها على حفظ النظام العام واستتباب الأمن داخل الإقليم، والدفاع عنه ضد أي عدوان خارجي. إضافة إلى قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولية المترتبة على سيطرتها على هذا الإقليم وسكانه"1.

فقيام الدولة المدنية في ليبيا يحتاج إلى مأسسة السياسة قدر حاجتها إلى التحرر من الدكتاتورية التي تحققت أولى خطواتها في20112. بتعبير أخر، أن بناء الدولة المدنية الديمقراطية يحتاج إلى توافر اشتراطات تتمحور حول إحداث تحول في طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة، والتي يجب أن تخضع إلى تنظيم واضح المعالم والأهداف لكل الليبيين عبر وثيقة أو عقد اجتماعي توافقي يقبل الجميع ودون استثناء أو إقصاء، على قاعدة لا للإقصاء والتمثيل العادل لكل المكونات الأثنية للمجتمع الليبي، وضمان تطلعاتها وتخوفاتها بشكل لايقبل النقاش أو التأويل ، ويعالج نقاط الاختلاف فيما بينها بشكل توافقي وعادل لمنع عودة الاستبداد.

 فالمجتمع الذي تغيب فيه المؤسسات السياسية بمختلف أنواعها  -فإنه وبدون أدنى شك  -سوف تغيب عنه المؤسسات الناظمة والمنظمة لعملية التنافس على السلطة، ولاريب أن وجود حالة قصوى من التنافس والذي يتوسل بوسائل عديدة حينما تغيب الأطر المنظمة لهذا التنافس، فإن المخاطر تزداد وإمكانية إخفاق كل العملية السياسية والعودة إلى الفوضى سيلوح في الأفق ويهدد المجتمع وكيانه3.

فنجاح وسلامة التحول نحو الدولة المدنية في ليبيا يعود بالدرجة الأولى في المرحلة الآنية إلى وجود مؤسسات دستورية وتشريعية وتنفيذية فاعلة، منبثقة عن دستور وطني توافقي يعتمد على الخبرات والكوادر الوطنية الليبية بالدرجة الأولى، والتي تزخر بها بلادنا مع الاستعانة بالخبرات العربية والأجنبية إن تطلب الأمر، مع الاهتمام بدراسة التجارب العربية والعالمية في صناعة الدساتير، والتي ستسهم وتثري بدون أدني شك في صياغة دستوري عصري يحقق تطلعات وطموحات الليبيين بمختلف مشاربهم في دولة ديمقراطية مدنية يخضع الجميع فيها لحكم القانون.

وللتذكير، فإن صياغة الدساتير في المراحل الانتقالية تعترضها صعوبات جمّة تفوق تلك التي تعترضها في الظروف العادية؛ وذلك نظراً لغموض الواقع السياسي في هذه المرحلة، وعدم تبلور الاتجاهات السياسية بشكل كافٍ وجلي يخش معه أن تطيح التسويات السياسية المرتبطة بمصالح الأفراد المتنازعة، بالقواعد المفترض احترامها والتقيد بها، ولو بالحد الأدني منها أثناء صياغة الدستور، فيغدو الدستور عاجزاً عن ضمان الحد الأدنى من الضمانات الحقوقية الأساسية.

من بين تلك الإشكالات على سبيل المثال لا الحصر، إشكالية العلاقة بين الديني والمدني، إشكالية العلاقة بين موازين القوى والقواعد الدستورية، إشكالية العلاقة بين انتظام أداء المؤسسات الدستورية والصراعات السياسية المتفلتة من الضوابط، إشكالية التقيد بالدستور في التشريع1.

في هذا السياق اصدر المجلس الوطني الانتقالي إعلاناً دستورياً في 13 أغسطس 2011، بموجبه اصدر قانوناً لتشكيل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، والذي وقّع بمدينة البيضاء يوم 20 يوليو 2013 تمهيداً لإجراء انتخابات ما اطلق عليه " لجنة الستين" لغرض كتابة دستور جديد للبلاد2.

 وقد أحالت اللجنة مشروع المسودة الأولى للدستور إلى رئيس الهيئة التأسيسية بتاريخ 6 أكتوبر 2015 تضمنت المسودة 210 مادة تمت صياغتها بالتوافق، أما بخصوص المادة 2 المتعلقة بالعاصمة لم يتم التوافق بشأنها. وقد تعرضت المسودة المقدمة لجملة من الانتقادات من أبرزها : تسرع اللجنة في إخراج مسودة ناقصة لم تعالج مسألة مهمة وهي العاصمة، أيضاً  كان على اللجنة أن ترفض منذ البداية العمل في فترة ثلاثين يوماً فقط؛ نظراً لصعوبة صياغة مشروع دستور كامل في هذه المدة، وخاصة في ظل الآراء وتشعبها. علاوةً على ذلك، أن تشكيل لجنة العمل لم يكن منطقياً ومقسماً على أعضاء لولايات لم ينص عليها في الدستور بعد. إذ أن مثل هذه اللجان تتطلب خبرة وكفاءة أكثر من توزيع جغرافي، كذلك انتهاج اللجنة لمبدأ المغالبة بديلاً عن التوافق في القضايا الخلافية3.

ودون الخوض في التفاصيل التي لا يسع المجال لذكرها، من الواضح أن الهيئة التأسيسية أخفقت في مهمتها وكان أبرز مظاهر هذا الإخفاق: عدم التكامل بين دور أعضائها وبين الفئات المتعددة في المجتمع والتي يعنيها بشكل مباشر المساهمة في وضع الدستور. فالتواصل بين الهيئة والجمهور لم يكن ناجحاً، وأضاعت الهيئة كثير من الوقت ولم تحقق المطلوب منها، حيث انعزلت عن المحيط ولم تنجح في التواصل مع مكونات المجتمع. كما كان التخبط في مسار الهيئة واضحاً حيث أنّها سلكت سبل عدّة للوصول إلى المنشود، ولكنها لم تفلح عبر الطرق التي اتبعتها في الوصول إلى مخرج جيد، والنتيجة كانت التأخير الشديد وارتفاع تكلفة أعمال الهيئة بدون مبرر أو داعٍ. فقد شكلت الميزانية التي تمتع بها أعضاء الهيئة محل استهجان ونقد، حيث بلغت مرتبات أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور (10.310) دينار ليبي، وتم رفعها إلى (10.830) دينار وبدل سكن 5000 دينار. وسيارة تقدر ب 35000 دينار، إضافة إلى الخدمات والتسهيلات المقدمة من تأمين صحي وتذاكر سفر ودورات تدريبية وجوازات السفر الدبلوماسية، واعتبر البعض أن هذه الميزات هي من بين أسباب إطالة عمر الهيئة1.

في تقديرنا أن هذه الميزات هي سبب في إطالة عمر كل الهياكل والهيئات السياسية والتنفيذية بعد ثورة السابع عشر من فبراير، فمن يتقلد منصب في أحد تلك الهيئات لايريد تركه وفق قواعد اللعبة الديمقراطية التي قد يكون هو قد ساهم في صياغتها وإصدارها في شكل قانون أو قرار تنظيمي، وهو مايدعو إلى الاستغراب والتعجب من التناقض بين الأقوال والأفعال لدى ثلة ممن تقلدوا تلك المناصب ؟!

فالتجربة السياسية في ليبيا منذ دستور الاستقلال الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1951 وحتى كتابة هذه السطور أثبتت بما لايدع مجالاً للشك أن قيام الدولة المدنية في ليبيا يتطلب بل يستلزم إصدار دستور توافقي بين الليبيين، دستور يرتكز على قيم الديمقراطية والتسامح وحرية الرأي وقبول الأخر والاعتدال، وتمثيل عادل للمكونات الأثنية والتي تمثل دون أدنى شك عامل ثراء وإثراء ونجاح للمجتمع والدولة المدنية المنشودة، وأن يتم حماية هذه القيم بضمانات دستورية لابس فيها، وأن تنبري مؤسسات سياسية وتنفيذية وحقوقية على تجسيدها واقعاً  للانتقال بالمجتمع والدولة إلى حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

باختصار، الحاجة الى دستور توافقي يرتكز على رؤية عقلانية للتناقضات وآليات حلها يمثل أحد أبرز التحديات أمام قيام دولة مدنية ديمقراطية في ليبيا اليوم. تحدي ربما لايرى النور أو قد تعترضه جملة من المعوقات أو العقبات عند التنفيذ مالم يتم نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإدماجها في مؤسسات الدولة، وهو بدوره تحدي لايقل أهمية بل قد يفوق في الأهمية باق التحديات؛ كون العمل في بيئة غير آمنة لا يؤدي في أكثر الحالات إلى مخرجات عمل جيدة.

التحدي الثالث: نزع سلاح التشكيلات المسلحة بتفكيكها وإدماجها في مؤسسات الدولة

أوضحنا في النقاط السابقة أن وجود تسوية سياسية قائمة على مبدأ لا لعسكرة الدولة وإصدار دستور توافقي يمثلان الوجه السياسي لحقيقة المشكل في ليبيا اليوم المعيقة لقيام دولة مدنية، بالإضافة إلى تحدي أخر يمثل الوجه الأمني لذات المشكل  يتمحور حول نزع سلاح الميلشيات والتكوينات المسلحة على كامل تراب ليبيا وإدماجها في مؤسسات الدولة الشرعية. فانتشار الميلشيات المسلحة بمختلف توجهاتها لم تكن وليدة مرحلة مابعد التحرير، بل كانت من مقتضيات حرب التحرير، وبدعم ومؤازرة وتسهيلات خارجية علنية. ناهيك عن استباحة المخزون الهائل من الأسلحة والذخائر من قبل منظومة الحكم السابقة للأتباع وغيرهم من ضعاف النفوس، مع اطلاق سراح آلاف المساجين المحكوم عليهم في قضايا جنائية؛ ممّا أفسح المجال أمامهم لامتلاك السلاح بذريعة الدفاع عن النظام السابق في المرحلة الأولى( التحرير)، وتشكيل الثوار لمجموعات مسلحة في المرحلة الثانية ( مابعد التحرير) منتهزين بذلك فرص تحقيق مكاسب عبر كافة الوسائل وممارسة العبث لقطع الطريق أمام قيام دولة القانون والمؤسسات للإفلات من العقاب، وتفادياً للقبض عليهم وإيداعهم في السجون من جديد.

يذكر التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية عن ليبيا ارتكاب جماعات مسلحة محسوبة على الحكومات الموجودة في البلاد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، وأن استخدام القوات المختلفة لأسلحة تفتقر إلى الدقة في معاركها أدى إلى قتل وجرح عشرات من المدنيين في مدن مختلفة، واتهمت المنظمة طرفي النزاع في بنغازي بشن هجمات غير دقيقة سقط على إثرها مدنيون أبرياء، وأن الجيش في بنغازي استهدف مدنيين محاصرين عن طريق القصف الجوي. ويستطرد التقرير بالقول: أن مجموعات مسلحة محسوبة على كل الأطراف قامت باختطاف مدنيين واحتجازهم بسبب آرائهم وأصلهم أو انتماءاتهم السياسية أو القبلية، وبين التقرير أنه مع غياب القانون والنظام القضائي ازدادت عمليات الخطف مقابل الفدية في مدينة طرابلس وغيرها1.

هنا تجدر الإشارة إلى حقيقة مهمة في هذا السياق يجب أن يدركها الجميع في ليبيا اليوم، وهي أنّه كلما تكرس الاستبداد كلما تعقدت سبل التخلص منه ومن رواسبه - والوضع الذي نعيشه خير شاهد - ممّا يؤدي حتما إلى استعصاءات وتعقيدات جمّة في مسار التحول الديمقراطي وإخفاق في مشروع الدولة المدنية، بل والأخطر من هذا كله هو الأثر المباشر في العقلية والذهنية والنفسية على المستوى الفردي والاجتماعي ولعقود طويلة، وبالتالي في السلوك الفردي والاجتماعي اليومي الذي يتأثر ويتطبع  بمرور الوقت بعقلية المستبد الأوحد. فعندما تغلب لغة السلاح و الجهوية و المناطقية على لغة الحوار والنقاش وتقبل الأخر؛ فالنتيجة هي الوصول إلى طريق مسدود أمام الجميع والكل خاسر1.

ودون الخوض أكثر في تفاصيل ماحصل من أسباب أدت إلى ما نحن عليه اليوم من اشتباكات مسلحة ودمار وانفلات أمني وانهيار اقتصادي، وشرخ مجتمعي وانتهاك للسيادة، وانقسامات نجم عنها حالة مريبة وغير مسبوقة من ازدواجية السلطات ( أي دولة واحدة من سلطتين تشريعيتين وقضائيتين وحكومتين)؛ يجب أن يٌدرك الجميع وقبل فوات الوقت خطر المضي في هذا الاتجاه، وضرورة الاصغاء إلى صوت العقل والحوار ومبادرات التسوية السياسية للخلافات2.

لذا يٌشكل وجود الجماعات والمليشيات والتكوينات المسلحة تحدي أمني يقف حجر عثرة أمام المسار الديمقراطي و الانتقال إلى الدولة المدنية في ليبيا، وهو مايدعو إلى ضرورة تضافر جهود جميع الليبيين - أينما وجدوا دون استثناء – لإيجاد مؤسسة عسكرية حرفية فاعلة مبنية على إجماع وطني، ومحاولة الاستفادة من المنضوين تحت تلك التشكيلات المسلحة وفق أسس وضوابط قيام المؤسسات العسكرية الوطنية، مؤسسة لاعلاقة لها بالشأن السياسي الداخلي، أو إحالتهم وإدماجهم في باقي مؤسسات الدولة وفق معايير وضوابط علمية محددة بعيداً عن الزبائنية والجهوية والقبلية والمناطقية ممّا جرت عليه العادة في العهد السابق؛ لتجنيب البلاد ويلات وخطر استمرار وجود تلك المليشيات وبالتالي استمرار العنف والعنف المقابل، واستغلالها من قبل الأطراف المتصارعة على السلطة كوسيلة للانتهازية  السياسية.

فنجاح الانتقال الديمقراطي في ليبيا اليوم يقتضي ضرورة جمع السلاح وحلّ التشكيلات المسلحة، والتمسك بالخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة كآلية للحكم وإدارة البلاد، وضرورة نبذ العنف واحترام حق الجميع في التعبير والاختلاف، ممّا يُسهم في تركيز وتعزيز القدرات والإمكانات لمجابهة التحديات الحقوقية والإنسانية لبناء الدولة المدنية.


 

المطلب الثاني: تحديات حقوقية وإنسانية

          إن اكتمال عملية الانتقال نحو دولة مدنية ديمقراطية يتطلب - بالإضافة إلى ماسبق الحديث عنه- بلورة وتطبيق الفلسفة والأحكام والمبادئ والحقوق والتطلعات التي عبر عنها الليبيون في دستورهم التوافقي الجديد من خلال الآليات التي نص عليها الدستور. لكن يتطلب ذلك ضرورة العمل على مجابهة بعض التحديات ذات الطابع الحقوقي والإنساني، والتي إن تٌركت دون مٌعالجة جادة وحقيقية فستشكل حجرة عثرة نحو التحول للدولة المدنية، من ذلك علي سبيل المثال لا الحصر ضرورة إعادة النظر في التشريعات التي تتطلبها عملية المساءلة ورد الحقوق وفق أحكام الدستور الجديد (التحدي الأول)، فضلاً عن ضرورة المحاكمة العادلة للمتورطين في جرائم حرب بعد التحرير في عام 2011 (التحدي الثاني)، علاوةً على الإسراع في معالجة ملف المهاجرين غير الشرعيين بشكل عادل ومنصف (التحدي الثالث).                                                                                                     

التحدي الأول: استحداث وتطوير التشريعات التي تتطلبها عملية المساءلة ورد الحقوق

إن المتمعن في عملية اصدار التشريعات في مرحلة القذافي يُدرك أن جُلّ تشريعات تلك الحقبة صدرت بالمُخالفة للمبادئ المستقرة في صناعة التشريعات إجراءً وموضوعاً ! هناك كثير من الأمثلة من تشريعات تلك الحقبة التي اهدرت حقوق الإنسان، وأخرى استهدفت في غير عمومية وتجريد أشخاصاً ووقائع بعينها، وثالثة جرمت أفعالاً بأثر رجعي، ورابعة تنفيذاً لأيدلوجياته وإضعافاً لخصومه ...الخ1.        

وإن كان المرء يجد للقصور والعيوب التي اكتنفت عملية صناعى التشريعات في تلك المرحلة العذر كونها جرت في ظل مناخ سياسي استبدادي، فضلاً عن التداخل في الاختصاصات عن عمد أو بدونه، وتوجيه التشريعات في كثير من الأحيان لأغراض معينة، لا نجد العذر اليوم لما يكتنف عملية صناعة التشريع من مآخذ وعيوب إجرائية !                                                                 

    لعلّ من أبرز ملامح أزمة صناعة التشريعات بعد الثورة في 2011 عدم وجود جسم مؤهل وقادر على مراقبة جودة الكم الهائل من التشريعات التي صدرت سواءً من المجلس الانتقالي أو من المؤتمر الوطني أو من مجلس النواب كما يلحظ البعض في هذا السياق، ربما يكون مصطلح تغييب هذا الجسم أكثر دقة؛ لأن هناك بالفعل إدارة القانون والتي يُفترض أن تتولى عملية مراجعة مشروعات القوانين وباقي التشريعات من حيث جودتها والمحالة لها من جهات عامة.                                                                                 

للأسف هذا التجاهل المستمر لهذا الجسم الرقابي الهام حتى الآن أو حتى إيجاد بديل رقابي فاعل حتى الآن لم يكن وليد مرحلة مابعد الثورة في 2011، بل قبل ذلك بكثير؛ فبعد أن  كانت العُدة تُعد في بداية السبعينات من القرن الماضي لتحويل إدارة القانون إلى مجلس دولة على غرار مجلس الدولة الفرنسي أو المصري عُدل عن ذلك! وجرى إهمالها ربما - كما يرى البعض - توطئة لتثوير صناعة القانون التي كانت البلاد ستشهدها، وتطور الأمر لاحقاً إلى سلبها اختصاص الفتوى لصالح مؤسسات ثورية (أمانة الشؤون القانونية وحقوق الانسان في مؤتمر الشعب العام)1.                                                                                      

لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتم تجاهل هذا الجسم الفني الهام أو حتى استحداث بديل اكثر تطوراً بالاستفادة من التجارب المقارنة خصوصاً أن كل الأبواب مشرعة أمام صانعي التشريعات اليوم في ليبيا، جسم أو هيئة فنية تواكب طبيعة المرحلة تتولى ممارسة الرقابة السابقة على جودة التشريعات؟ 2.                                                                                                          

         نعلم يقين العلم أن عملية المساءلة والإنصاف ورد الحقوق لأصحابها في بلد مُتشدي - إن جاز التعبير- سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تتطلب ضرورة إعادة الثقة للمواطن في مؤسسات الدولة من خلال النظر في التشريعات القائمة من حيث جودتها بما يتوافق مع المعايير القانونية الدولية في صناعة التشريع، وإن تطلب الأمر استحداث تشريعات جديدة تراعي تلك المعايير والأسس المتعلقة بصناعة التشريعات لطمأنة المواطنين، خاصة تلك الفئة المتضررة وإعادة الثقة لها في التشريعات الجديدة، التي ستحكم عمليات الرد والإنصاف من خلال محاكمات يفترض أن تكون عادلة ومنصفة إذا ما قامت فعلاً المؤسسة التشريعية بتوفير الحزمة اللاّزمة من التشريعات وفق الأسس والمعايير والضوابط المُتعارف عليها دولياً خصوصاً في البلدان المتقدمة.                                                                   

نعتقد أن هذا سيرى النور إثر إقرار الدستور الجديد للبلاد لكن تظل - في تقديرنا - بالرغم من ذلك تُشكل تحدي كبير أمام السلطة التشريعية المنتخبة بعد إقرار الدستور، والسبب كما نرى يرجع إلى الخلفية الفكرية والسياسية والثقافية والقانونية لصُنّاع التشريعات، وهو ما عبر عنه محمد عابد الجابري في مشروعه الهام لنقد العقل السياسي العربي معتبراً أن " القبيلة والغنيمة والعقيدة محددات ثلاث حكمت العقل السياسي العربي في الماضي ومازالت تحكمه بصورة أو بأخرى في الحاضر"3.                                                              

         ستظل بالرغم من ذلك التحديات قائمة مالم تجد تلك التشريعات طريقها إلى التنفيذ على المتورطين في جرائم حرب بعد مرحلة التحرير في 2011 من خلال محاكمة عادلة ومنصفة وفق المتعارف عليه في التشريعات المقارنة والدولية بشأن المحاكمة العادلة، وإنصاف المتضررين من خلال رد الحقوق أو إقرار تعويضات مناسبة لهم.                                                                                       

  التحدي الثاني: المحاكمة العادلة للمتورطين في جرائم حرب أو ضد الانسانية بعد مرحلة التحرير  2011

        يعني هذا التحدي في المقام الأول ضمان المساواة التامة للمتورطين في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أمام القانون، وهو المبدأ المعروف بالمساواة أمام القانون في الإجراءات المدنية والجنائية خلال عملية المحاكمة. كما يعني كذلك مبدأ افتراض البراءة الذي يكتسي أهمية أساسية في مجال الإجراءات الجنائية إلى حين صدور الحكم النهائي سواء بالبراءة أو بالإدانة.                                               

          فأي مجتمع خصوصاً المجتمعات العربية حيث القبلية البغيضة لا يمكنه أن يعرف استقرار أو تنمية من دون محاكمات عادلة، وهذا يقتضي بالضرورة النظر إلى المتهم باعتباره إنساناً له كرامته وشعوره، وكيانه وشخصيته. لذا فإن بناء دولة مدنية يتطلب بداهة المرور لها عبر القنوات السياسية والتشريعية والقضائية التي تعارفت عليها شعوب وأمم العالم المتقدم، بل والتي أمرنا بها ديننا الحنيف لو أحسنا تطبيقه.                                                                                                                               

فالمحاكمة العادلة تمثل لازمة ومقدمة لاغني عنها لأي حديث عن دولة القانون والمؤسسات في ليبيا اليوم، من خلال ضمان محاكمة كل من ارتكبوا أو تورطوا بأي شكل من الأشكال في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بعد حرب التحرير في 2011، وتقديمهم للمحاكمة العادلة سواء كانوا من قوات خليفة حفتر أو قوات المجلي الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، وذلك بتوفير كل الضمانات اللاّزمة لمحاكمتهم، ضمانات موضوعية كانت أو إجرائية، وهي تتمحور حول جملة من الضمانات التي أقرتها غالبية التشريعات وعملت على توفيرها والاعتداد بها في جميع مراحل الدعوى1.

           فإذا كان الهدف من استحداث وتطوير التشريعات اللاّزمة للمساءلة تكمن في حماية وتأمين مصالح الأفراد والجماعة لضمان الاستقرار الاجتماعي وفق مبادئ العدالة والإنصاف، فإن هذا الهدف يظل بعيد المنال مع غياب تنظيم الإجراءات الجنائية التي يتم بمقتضاها توقيع العقاب على المتهمين وفق الضوابط والضمانات والآليات المنصوص عليها في تلك التشريعات، مع ضمان الاحترام الكامل للشخصية القانونية للمتهمين بغض النظر عن خلفياتهم أو انتماءاتهم السياسية أو الفكرية. بتعبير أخر، ضرورة تحقيق التوازن بين مصلحتين متعارضتين: المصلحة العامة في تحقيق العدالة الجنائية بتطبيق قانون العقوبات، والمصلحة الخاصة في حماية الحرية الشخصية وما التصق بها من حقوق إنسان1. هذا التوازن لا يتم واقعاً إلاّ من خلال قيام الدولة بتخصيص قواعد إجرائية من شأنها ضمان محاكمة عادلة، عادةً ما يتم إقرار أصولها العامة في النصوص الدستورية وتجد تفصيلاتها في قانون الإجراءات الجنائية والقوانين الأخرى ذات الصلة2.

ويمكن للمرء أن يدرك الحكمة في كون ضمان المحاكمة العادلة تُشكل تحدي كبير أمام أي تحول نحو الدولة المدنية، ذلك أن القواعد المتبعة في المحاكمات تهم العرف البشري أكثر من أي شيء أخر، وهي تعمل على تقويم اعوجاج القوانين العقابية إذا كانت فاسدة3. وبالتالي فالعلاقة بين الفرد وإجراءات المحاكمة العادلة جد حساسة؛ فالقوانين الجنائية وغيرها تضع في يد الدولة وأجهزتها سلاحاً خطراً قد يهدد حريات الأفراد وحقوقهم إذا لم تُحط بإجراءات تضمن عدم إساءة استعمالها، أو تُستعمل للانتقام والتشفي والتشهير4.

مع ذلك، لو ألقينا نظره سريعة على السوابق القضائية لأجهزة الرصد الدولية لاتضح لنا أن الحق في المحاكمة العادلة غالباً ما تعرض للانتهاك في جميع أنحاء العالم، بل وأن الأغلبية الساحقة من القضايا التي عالجتها اللجان المعنية بحقوق الإنسان تظهر بجلاء  انتهاك الحقوق السابقة وأثناء المحاكمة5. وهذا يُشكل تحدي أخر خصوصاً في مجتمعاتنا العربية أمام قيام الدولة المدنية حيث تطغي في كثير من الأحيان نزعة الانتقام واستيفاء الحق باليد، دون رادع أو خوف من المحاسبة والمساءلة عن ذلك يوماً ما، ويُولد أزمات وتحديات أمنية واجتماعية أخرى تثقل كاهل سلطة جديدة نحو الانتقال لدولة القانون والمؤسسات، لعل من أبرزها قضية المهجرين الليبيين من أنصار النظام السابق في دول الجوار والتي تستحق أن يفرد لها بحث خاص لأهميتها وحساسيتها على قيام الدولة المدنية، والمهاجرين غير الشرعيين كنتيجة طبيعة لغياب السيطرة الأمنية التامة على منافذ العبور مع دول الجوار الليبي الذي نرجعه بالدرجة الأولى إلى ضعف مؤسسات الدولة الأمنية.

التحدي الثالث: حل عادل لقضية المهاجرين غير الشرعيين

تعد قضية الهجرة غير الشرعية من القضايا التي ترهق المجتمع الدولي ومنظماته الدولية لما تسببه من مشاكل سواء لدول العبور أو لدول المقصد، مما أثر في العديد من الدول حيث ازدياد معدلات الجريمة والاتجار بالبشر، وانتشار الأمراض والأوبئة خلال رحلة اللجوء تلك. يجب القول أن هناك أسباب عدّة تدفع بعض مواطني تلك البلدان لذلك النوع من الهجرة المميتة، ظنّاً منهم أنّها أرحم عليهم من القتل الجماعي والعبودية والتهجير القسري والاغتصاب والتجويع في بلادهم، أو داخل مخيمات النزوح، فضلاً عن العامل الاقتصادي، حيث البطالة والفقر وعدم القدرة على توفير لقمة العيش. فوفقاً لإحصائية للمنظمة الدولية للهجرة أن 88% من المهاجرين دفعتهم الأسباب الاقتصادية لمغادرة بلدانهم الأصلية1.

وتُعدّ ليبيا منطقة جذب للمهاجرين لقربها من الساحل الجنوبي لأوروبا التي تعد المقصد للغالبية العظمي من المهاجرين غير الشرعيين. كما ساعد على ذلك إما غض الطرف في زمن النظام السابق أو بسبب ضعف المؤسسات المنوط بها الدور الأمني ومراقبة الحدود بعد قيام ثورة 17 فبراير، وعدم تفعيل القوانين والتشريعات ذات العلاقة، فضلاً عن صعوبة مراقبة الحدود الليبية البرية والبحرية الشاسعة  بسبب ضعف الإمكانيات اللازمة للقيام بذلك.

وهذه القضية تمثل تحدي كبير وكبير جداً أمام السلطات الليبية في إطار فرض الأمن والاستقرار، لأن الأعداد الكبيرة من المهاجرين غير الشرعيين التي وصلت إلى ليبيا تسببت في آثار سلبية - أمام ضعف الإمكانات - على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، حيث تسببت في انتشار الجريمة والنصب والاحتيال والتزوير، ودخول جماعات إرهابية داخل صفوف المهاجرين غير الشرعيين، وانتشرت المخدرات فضلاً عن ظاهرة التسول والعصابات الإجرامية التي عبثت بمقدرات البلد مثل الاعتداء بالتخريب على محطات الكهرباء، ووحدات النقل الكهربائي بين المدن، والمتاجرة بالأسلاك الكهربائية خصوصاً بعدما أقفلت أوروبا أبوابها أمام المهاجرين واضطرتهم للعودة إلى ليبيا أو الغرق في عرض البحر أمام ضعف الإمكانات في ليبيا، وعدم تقديم أي دعم حقيقي للسلطات الليبية لتقوم بواجبها الإنساني والأخوي والأخلاقي على الوجه المطلوب2.  

 

إذاً نحن أمام تحدي حقيقي، وملف من أعقد الملفات وأخطرها على استتباب الأمن والاستقرار وقيام دولة مدنية في ليبيا، فهو ملف شائك جداً لأن المشكلة تكمن في صعوبة التمييز بين اللاجئ والمهاجر غير القانوني أو الشرعي. فمعظم المسؤولين عن هذا الملف تعمدوا إما عن عدم علم أو عن عمد الجمع بينهما، ولعلّ السبب الأول هو الأولى بالترجيح لدينا لعدم وجود خبرة سابقة في هكذا نوع من القضايا. فضلاً على أن القوانين الليبية المتعلقة بالهجرة تعاني من تخبط شديد في تشخيص المهاجرين، على نحو يتعارض مع ما صدقت عليه ليبيا من اتفاقيات في هذا الصدد. وهو ما يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في تلك التشريعات وربما سن قوانين جديدة تواكب الواقع على الأرض. فعلى سبيل المثال نجد القانون رقم 6 لسنة 1987 بشأن تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا وخروجهم منها يجرم دخول ليبيا والبقاء فيها بشكل غير نظامي، ولم يستثني القانون المهاجر الذي وقع عليه ضرر، أو الأطفال الفارين من الحروب والنزعات أو المجاعات1.

لاحقاً صدر القانون رقم 19 لعام 2010 لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والذي نص على احترام المهاجرين وعدم الاعتداء عليهم، والحفاظ على ممتلكاتهم، وإعطائهم 60 يوماً لتسوية أوضاعهم وفي حال تجاوز المدة يعاقب المهاجر بالحبس وغرامة مالية تصل إلى 1000 دينار.

تطور جديد طرأ عقب قيام ثورة 17 فبراير، حيث نص الإعلان الدستوري المؤقت على أن الدولة تضمن حق اللجوء وفقا للقانون، وحظر تسليم اللاجئين السياسيين2.

لكن هذه النصوص تظل مبادئ وتوجيهات عامة بحاجة ماسة ومُلحة خصوصاً في الظروف التي تمر بها البلاد اليوم إلى تشريعات تفصل تلك المضامين والتوجيهات الحقوقية و الإنسانية، وإلى أن تصدر هذه التشريعات سيظل في نظر القانون مجرم كل من دخل أو سيدخل البلاد بشكل غير نظامي، وذلك بسبب الخلط بين مفهوم المهاجر واللاّجئ وعدم التمييز بين أنواعهم.

إذاً في ظل الواقع السياسي الضبابي وغير واضح المعالم حتى الآن، يظل الواقع الصعب و اللاّ إنساني للمهاجرين غير الشرعيين في ليبيا في حالة اضطراد وتفاقم، إذا لم  تتكاثف الأيدي وتتعاون الجهات المعنية في أوروبا مع نظيراتها الليبية المعنية بهذا الملف عن طريق الدعم المباشر للتخفيف من وطأة تلك الظروف و الواقع اللاّ إنساني حتى إنهائه بشكل كامل، والفصل في طلبات اللجوء تلك وفق المعايير المعتمدة دولياً، وإلاّ سيظل عاراً في جبين الإنسانية جمعاء.

نخلص ممّا تقدم، أن ليبيا بحاجة إلى قفزة تشريعية جادة، ودعم دولي جاد وصادق من أجل إنهاء أزمة المهاجرين غير الشرعيين حتى تتمكن السلطات المعنية من مُعالجة هذا الملف معالجة إنسانية وأخلاقية وقانونية، وتجنب انعكاساته السلبية أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، والمضي قُدُماً نحو استقرار سياسي واجتماعي، وظهور دولة مدنية قائمة على الأفعال لا الأقوال والشعارات. فهو ملف إنساني بامتياز في تقديرناً، وبالتالي يجب أن تتحمل الحكومة الجديدة برئاسة عبد الحميد دبيبه المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والقانونية تجاه هذا التحدي الإنساني وأن تعمل بكل طاقتها داخلياً وخارجياً وتبذل كل الإمكانات من أجل تسويته بشكل عادل و إنساني.

 

 

خاتمة:

من خلال دراسة وتحليل طبيعة الصراع ومراحل تطوره في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير 2011، والذي كما اتضح مما تم تناوله، أنه صراع بين مشروعين: مشروع الدولة المدنية ومشروع عسكرة الدولة، لكنه في ذات الوقت هو خليط مٌعقد من صراع ذوي التوجهات والنزعات السياسية المختلفة للأطراف الليبية المٌتصارعة على السلطة والموارد والوظائف والزعامة والاستحواذ على سلطة القرار، وتعبير عن مصالحها الفئوية والجهوية والمناطقية المدعومة إقليمياً ودولياً من أطراف هي الأخرى لها مصالحها الاقتصادية البحثة. وحاولنا من خلال ذلك معرفة أهم العوامل والتحديات الكامنة وراء تعثر عملية الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة المدنية في ليبيا كما نادى بها الليبيون في 17 فبراير 2011.

تبين من خلال البحث أن مسار الانتقال الديمقراطي الذي بدأ في 2011 لا يزال تحول دون اكتماله العديد من التحديات والعقبات الداخلية والخارجية (إقليمية ودولية)، الأمر الذي يزيد من التحديات المطروحة أمام الليبيين خصوصاً الداخلية منها، كالتنوع القبلي كعامل يدعو إلى التقسيم المناطقي خاصةً في ظل غياب مؤسسة أمنية حرفية فاعلة تبسط سيطرتها على كامل تراب ليبيا، دون إغفال دور الفراغ الأمني على حركة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، وبالتالي زيادة في تعقيد المشهد ككل كنتيجة طبيعية للفراغ أو الضعف الأمني الكبير.  

بينت الدراسة كذلك، أن التحديات الداخلية أمام الليبيين اليوم وعلى رأسها البحث عن تسوية سياسية قائمة على مبدأ لا لعسكرة الدولة وإصدار دستور توافقي على قاعدة لا للإقصاء، و تفكيك التكوينات المسلحة وإدماجها في مؤسسات الدولة وفق آلية مدروسة تراعى فيها المؤهلات العلمية تجسد بالفعل جوهر جميع التحديات أمام الانتقال الديمقراطي في ليبيا - على الرغم من تشكل حكومة جديدة ومجلس رئاسي جديد يقود المرحلة حتى الانتخابات المقلبة في نهاية هذا العام - وأن كل ما عداها من تحديات خارجية وإقليمية هي نتيجة للتحديات الداخلية بين الليبيين أنفسهم.

لدينا اعتقاد جازم بأنه إذا ما تغلب الليبيون على خلافاتهم خصوصاً السياسية منها، والتفوا حول مشروع سياسي حقيقي يقوم على القطع التام مع الاستبداد والقمع والعودة إلى حكم الفرد، مع المساءلة وفق قوانين عصرية تحترم كرامة الإنسان وحقوقه، والتعويض عن كل الانتهاكات بكل الصور المناسبة والمتاحة للمتضررين من الانتهاكات بعد 2011، فإن مشروع الانتقال الديمقراطي سيفضي حتماً وفي زمن قياسي إلى قيام دولة مدنية ديمقراطية، خصوصاً في ظل توافر الإمكانات المادية والخبرات العلمية القادرة على تجسيد هذا المشروع واقعاً ملموساً لأن الدول المتقدمة اليوم لم تبن بلون تاريخي أو قبلي أو عرقي واحد.

 

 

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع

1- الكتب:

- الزهراء لنقي، لملوم طارق وآخرون، ليبيا 2011 ديمقراطية ضلت طريقها، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2019.

- الشاوي توفيق ، فقه الإجراءات الجنائية، ج1، بدون ناشر، 1954.

- الكبيسي عبد الستار سالم، ضمانات المتهم قبل وأثناء المحاكمة، ط1، لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، 2013.

- عزون عمار، ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين، قراءة في الأسباب والنتائج وخيارات رحيل الأنظمة السلطوية، الطبعة الأولى، لبنان، دار الفارابي، 2013.

- حافظ محمد شوقي عبد العال، الدولة الفلسطينية: دراسة سياسية قانونية في ضوء أحكام القانون الدولي، القاهرة، الهيئة المصرية للكتاب، 1992.

- الجابري محمد عابد، العقل السياسي العربي: محدداته وتجلياته، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1991.

- الصواني يوسف محمد جمعة، ليبيا الثورة وتحديات بناء الدولة، الطبعة الأولى، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، 2013.

2- رسائل جامعية:

_ محمد أبوزيد، الهجرة غير الشرعية وأثرها على الأمن القومي الليبي، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، 2019.

_ مرزوق محمد، الحق في المحاكمة العادلة، أطروحة دكتوراه في القانون العام، جامعة أي بكر بلقايد- تلمسان، الجزائر، 2015-2016.

3- المقالات:

- سليمان إبراهيم، الصناعة التشريعية في ليبيا مابعد القذافي، مقال منشور على موقع المنظمة الليبية للقضاة.

 - الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي: المسار والمخرجات والتعقيبات، متاح على الشبكة العنكبوتية.

- ككلي أمره، مستقبل الأزمة الليبية بين الحل السياسي والعسكري، مقال متاح على موقع رؤية التركية، السنة 8- العدد 3.

- الدريسي سهام، مأزق الانتقال السياسي في ليبيا. مقال مٌتاح على موقع مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات.

- الرقيق عبيد أحمد " تحديات التحول الديمقراطي في ليبيا الجديدة"، الوطن الليبية، 24/2/2012 متاح على شبكة المعلومات الدولية.

- الزواوي محمد سليمان ، التداعيات الإقليمية للأزمة الليبية، مقال متاح على موقع رؤية تركية: دورية محكمة في الشؤون التركية الدولية، السنة 3- العدد 3.

- الشيخ محمد عبد الحفيظ ، ليبيا بين الصراع السياسي والصراع المسلح : التحديات والآفاق، مجلة دراسات شرق أوسطية- تصدر عن مركز دراسات الشرق الأوسط بالتعاون مع المؤسسة الأردنية للبحوث والمعلومات، العدد 71، السنة 91- 2015.

- محفوظ  محمد ، الربيع العربي ومخاطر عودة الاستبداد السياسي، مقال متاح على الشبكة العنكبوتية.

- أبو خشيم مصطفى " تأثير عملية التحول الديمقراطي على الثقافة السياسية لثوار 17 فبراير في ليبيا. مقال متاح على شبكة المعلومات الدولية.

4- تقارير ودراسات:

- الحالة الأمنية في ليبيا- الحالة الليبية- التقرير الشهري، المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات، 1 فبراير 2017.

- عاصم خليل و رشاد توأم، فلسطين بين دستور الدولة والحاجة إلى ميثاق وطني، مقاربة إستراتيجية في النظام السياسي الفلسطيني، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية ( مسارات) 2014.

- منصور لخضاري، الرؤيتان الجزائرية والتونسية للأزمة الليبية – تقرير متاح على موقع مركز الجزيرة للدراسات، نٌشر بتاريخ 12 يناير 2020. 

5- وثائق وندوات:

- دليل بشأن حقوق الإنسان خاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين، ص 196. متاح على الشبكة العنكبوتية.

- عصام سليمان، الضمانات الحقوقية الأساسية في صياغة الدساتير، مقال منشور في : صياغة الدساتير في التحولات الديمقراطية – الخبرات العربية والدولية من منظور مقارن، وقائع الندوة التي عقدتها المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم ومؤسسة كونرادا ديناور في الفترة من 13-14 ديسمبر 2013، منشورات  المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، بيروت، 2014.



[1]  محمد عبد الحفيظ الشيخ، ليبيا بين الصراع السياسي والصراع المسلح : التحديات والآفاق، مجلة دراسات شرق أوسطية- تصدر عن مركز دراسات الشرق الأوسط بالتعاون مع المؤسسة الأردنية للبحوث والمعلومات، العدد 71، السنة 91- 2015، ص 13.

[2]   محمد سليمان الزواوي، التداعيات الإقليمية للأزمة الليبية، مقال متاح على موقع رؤية تركية: دورية محكمة في الشؤون التركية الدولية،السنة 3-العدد 3 ، ص 27 وما بعدها.

 منصور لخضاري، الرؤيتان الجزائرية والتونسية للأزمة الليبية – تقرير متاح على موقع مركز الجزيرة للدراسات، نٌشر بتاريخ 12 يناير 20201

2 أمره ككلي، مستقبل الأزمة الليبية بين الحل السياسي والعسكري، مقال متاح على موقع رؤية التركية، السنة 8- العدد 3، ص 51 وما بعدها.

  3

" المميز الأكبر لخصوصية هذا الفصل الذي انتهى إليه مسار الأزمة في ليبيا، هو الدخول العلني والمباشر لقوى إقليمية ودولية على خط التنافس على النفوذ في ليبيا، سعيًا منها لوضع اليد على الاستئثار باستغلال الاستكشافات الجديدة المغرية للاحتياطيات الليبية من النفط والغاز مع ما يمثله ذلك، من تغيير موازين قوى معادلة الخريطة الجيوسياسية للغاز والنفط في العالم. ما أضفى على الوضع في المنطقة بُعدًا دوليًّا، خرج بالصراع على السلطة بين الليبيين من الإطار الوطني والمحلي، إلى الطابع الإقليمي والدولي. فباتت الأزمة الليبية تبعًا لذلك تترأس جداول أعمال الموائد النقاشية، وتشغل بال دوائر صنَّاع القرار في كبريات العواصم العالمية. ما نقل السباق حول استلام الحكم وبسط السلطة على العاصمة طرابلس من السياق الليبي إلى التنافس الدولي القائم على حسابات التموقع، والمبني على رهانات الربح والخسارة بين خصوم السياسة وأمراء الحرب في ليبيا". أنظر منصور لخضاري، الرؤيتان الجزائرية والتونسية للأزمة الليبية – تقرير متاح على موقع مركز الجزيرة للدراسات، نٌشر بتاريخ 12 يناير 2020.                                                                                                                             

 محمد عبد الحفيظ الشيخ، مرجع سابق، ص 13 ومابعدها. 4

 أمره ككلي، مرجع سابق، ص44. 1

 سهام الدريسي، مأزق الانتقال السياسي في ليبيا. مقال مٌتاح على موقع مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، ص14.                                                                         2

 محمد عبد الحفيظ الشيخ، مرجع سابق، ص 18 ومابعدها.3

 يوسف محمد جمعة الصواني، ليبيا- الثورة وتحديات بناء الدولة، مرجع سابق، ص 180.1

 عبيد أحمد الرقيق " تحديات التحول الديمقراطي في ليبيا الجديدة"، الوطن الليبية، 24/2/2012. متاح على شبكة المعلومات الدولية.2

 مصطفى أبوخشيم " تأثير عملية التحول الديمقراطي على الثقافة السياسية لثوار 17 فبراير في ليبيا. متاح على شبكة المعلومات الدولية.1

 يوسف محمد جمعة الصواني، ليبيا- الثورة وتحديات بناء الدولة، مرجع سابق، ص 190.  2

 www. 2018 tv.net 3

 عمار عزون، ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين، قراءة في الأسباب والنتائج وخيارات رحيل الأنظمة السلطوية، الطبعة الأولى ، 2013، دار الفارابي، لبنان، ص 193.4

1  محمد شوقي عبد العال حافظ، الدولة الفلسطينية: دراسة سياسية قانونية في ضوء أحكام القانون الدولي، القاهرة، الهيئة المصرية للكتاب، 1992، ص 257. مشار إليه لدى عاصم خليل ورشاد توام، فلسطين بين دستور الدولة والحاجة إلى ميثاق وطني، مقاربة استراتيجية في النظام السياسي الفلسطيني، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية ( مسارات) 2014، ص 24.

 يوسف الصواني، المرجع السابق، ص 207.2

 محمد محفوظ، الربيع العربي ومخاطر عودة الاستبداد السياسي، مقال متاح على موقع قاعدة البيانات العربية الرقمية معرفة ، ص 92.3

1 عصام سليمان، الضمانات الحقوقية الأساسية في صياغة الدساتير، منشور في : صياغة الدساتير في التحولات الديمقراطية – الخبرات العربية والدولية من منظور مقارن، وقائع الندوة التي عقدتها المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم ومؤسسة كونرادا ديناور في الفترة من 13-14 ديسمبر 2013، منشورات  المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، بيروت، 2014، ص11.

3 الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي: المسار والمخرجات والتعقيبات، ص 4- 6. متاح على الموقع التالي :  http://loopsresearch.org/projects/view/37/?lang=ara

 أنظر المرجع السابق، ص17.1

 مشار إليه لدى الحالة الأمنية في ليبيا- الحالة الليبية- التقرير الشهري، المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات، فبراير 2017، ص 9.1

 المرجع السابق، ص 6.1

 المرجع السابق، ص 9.2

 د. إبراهيم سليمان، المرجع السابق.1

 ربما سندرس مستقبلا في مقال أهمية وجود هذا النوع من الرقابة السابقة على التشريعات في ضوء التجارب المقارنة خصوصاً في فرنسا. 2

 مرزوق محمد، الحق في المحاكمة العادلة، أطروحة دكتوراه في القانون العام، جامعة أي بكر بلقايد- تلمسان، الجزائر، 2015-2016، ص 1. 1

 مرزوق محمد، الحق في المحاكمة العادلة، أطروحة دكتوراه في القانون العام، جامعة أي بكر بلقايد- تلمسان، الجزائر، 2015-2016، ص 1. 1

 المرجع نفسه.2

 عبد الستار سالم الكبيسي، ضمانات المتهم قبل وأثناء المحاكمة، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، ط1، 2013، ص70.، مشار إليه لدى مرزوق محمد،  المرجع السابق، ص 2. 3

 توفيق الشاوي، فقه الإجراءات الجنائية، ج1، بدون ناشر، 1954، ص 9.مشار إليه لدى مرزوق محمد، المرجع السابق، ص 2. 4

 دليل بشأن حقوق الإنسان خاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين، ص 196. متاح على الموقع التالي        www.rassed-ib.org/page 5

1  الزهراء لنقي ، وطارق لملوم وآخرون، ليبيا 2011 ديمقراطية ضلت طريقها، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2019، ص 156.

 محمد أبوزيد، الهجرة غير الشرعية وأثرها على الأمن القومي الليبي، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، 2019، ص2. 2

1  متاح على الموقع التالي: https://aladel.gov.ly/

  https://www.constituteproject.org/constitution/Libya_2012.pdf?lang=ar متاح على الموقع التالي:  2


إرسال تعليق

0 تعليقات