لتحميل عدد المجلة الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf الرابط أذناه:
https://www.allbahit.com/2022/12/49-2022-30-pdf-httpsdrive.html
الأستاذ احمد فارس زكي فارس
باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية
- جامعة القاضي
عياض تخصص تنمية
واقتصاد
العملية الزراعية ودورها في الرقي بالاقتصاد الزراعي في دولة فلسطين
The agricultural process and its role in promoting the
agricultural economy in the state of Palestine
تعريف التنمية الزراعية وخصائصها:
يسود الأدبيات الاقتصادية تعريفات متعددة لمفهوم التنمية
الزراعية، تعكس آراء المفكرين والمختصين في علم التنمية الزراعية، وتباين نظرتهم
إلى تلك المفاهيم ومقاصدهم منها، فالتنمية الزراعية في نظر البعض هي زيادة أو
النمو الإداري المخطط له، حيث يمكن التوصل إلى هذا الحد من النمو بواسطة الإجراءات
والتدابير التي تتخذها السلطة، ويعبر عتها في الوقت الحاضر بالخطط والسياسات التي
تهدف إلى تحقيق معدلات معينة من النمو [1].
ومن هنا ينظر الاقتصاديون للتنمية الزراعية باعتبارها
عملية تغيير تركيبة الهيكل الاقتصادي في المجتمع، الذي تتم بموجبه تحقيق زيادة
حقيقية في الناتج الزراعي، أو زيادة الدخل الحقيقي للفرد الريفي خلال فترة طويلة
ومستمرة من الزمن، أي أن التنمية الزراعية تشمل كافة الإجراءات التي من شأنها
تطوير القوى المنتجة، لتحقيق زيادة في الإنتاج الزراعي المتاح لعملية التنمية
الاقتصادية، وزيادة دخل المزارع وتحسين مستوى الخدمات الزراعية لسكان الريف،
وتحسين ظروف ومستوى معيشتهم [2].
كما تم تعريف
التنمية الزراعية بأنها مجموعة من الإجراءات والأساليب التي يكون لها دور كبير
وفعال في التأثير على هيكل الاقتصاد الوطني ككل وبالأخص في الدول النامية [3].
وعلى الرغم من أهمية التنمية الزراعية فإنه لم يعد من
الممكن أن تهتم السياسات الزراعية بأهداف الإنتاج فقط، إذ وجدت رؤية جديدة للتنمية
في القطاع الزراعي ذات أبعاد أكبر من الإنتاج والاستهلاك، تولي الجانب البيئي
اهتماماً واسعاً، وتلبي احتياجات الجيل الحاضر وأجيال المستقبل، وعلى ضوء تلك
الرؤية تم تعريفها بالتنمية الزراعية المستدامة. فقد عرفت منظمة الأغذية والزراعة
التابعة للأمم المتحدة (FAO) التنمية الزراعية المستدامة بأنها إدارة وصيانة
الموارد الطبيعية الأساسية، بحيث تضمن المؤسسات، والتقنيات، والمتطلبات الإنسانية
الحالية والمستقبلية[4] .
من خلال ما تقدم يتضح أن التعاريف المختلفة للتنمية
الزراعية تؤكد على أهمية القطاع الزراعي في تلبية الحاجات الأساسية للسكان، و
تساعدهم في تلبية تطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتقضي على مشكلات الجوع والمرض
والفقر، كما أنها تحمي الموارد الطبيعية وتحافظ عليها من خلال الاستخدام الأمثل
لهذه الموارد، فالتنمية الزراعية كما
فهمنا هي عملية تحسين الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً من خلال تطوير وسائل الإنتاج،
وتنظيم الإنتاج بما ينسجم مع خطة التنمية الاقتصادية التي تسعى الدولة إلى
تحقيقها.
ويتم تقييم أوضاع التنمية الزراعية من خلال الخصائص
والمؤشرات التالية[5] :
1.
الحفاظ على
المياه وزيادة العائد من الوحدة
تعتبر المياه "المحدد الأهم" للإنتاج الزراعي،
حيث أن "الأمن المائي" في وقتنا الحالي مقدم على "الأمن
الغذائي" ولذلك فإن الحفاظ على "المخزون الاستراتيجي" من "
المياه الجوفية " يعتبر الهدف الاستراتيجي الأول في الخطة التنفيذية، بل
ويتعدى ذلك ليكون " الهدف الاستراتيجي الأول" في الاستراتيجية العامة
للتنمية.
2. حماية الأرض الزراعية وزيادة العائد من الوحدة
تتعرض الأراضي الزراعية لهجمة شرسة من عدة اتجاهات، كلها
تعمل على تآكل المساحة، وأهمها: التجريفات الصهيونية المستمرة التي أدت إلى تآكل
عشرات الآلاف من الدونمات. وتفتت الملكية الزراعية نتيجة لقسمتها بين الإخوة
والأبناء وتآكل جزء هام منها وتحويله إلى شوارع أو مباني أو البيع لمشاريع مختلفة.
بالإضافة إلى الالتهام العمراني لمساحات واسعة خصوصاً المحاذية للتجمعات السكانية
خصوصاً في مراكز المدن والقرى وذلك لارتفاع سعرها.
3. توفير مستلزمات الإنتاج
تفرض سياسة الاقتصاد الزراعي المقاوم الاعتماد على
المستلزمات الزراعية المحلية مثل (الأسمدة –الأعلاف- البذور– المبيدات- الدوبال-
...الخ )، والابتعاد قدر المستطاع عن استيرادها من الخارج. فزراعة الأنسجة توفر الأشتال النوعية ذات المواصفات الجيدة والخالية
من الأمراض، كما يمكن الحصول على الأسمدة من خلال تدوير المخلفات الزراعية
والمنزلية، واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة ومياه الاستزراع السمكي. وإنتاج
بذور الأسماك وتوفير أمهات الدجاج البياض واللاحم محلياً. وتستمد الأعلاف من
مخلفات النخيل والزيتون ومخلفات التصنيع الغذائي والفطر والطحالب وغيرها، وتعتبر
الإدارة الأمثل لمستلزمات الإنتاج هي التقليل من محاصيل الفائض وزراعة محاصيل
العجز وتقليل الفاقد [6].
4. تحقيق الأمن الغذائي في بعض المحاصيل الاستراتيجية
يعتبر تحقيق الأمن الغذائي من أهم الأهداف الاستراتيجية،
ويعني توفير الغذاء في كل وقت بسعر مناسب وجودة مقبولة محتوياً على العناصر
والمركبات الغذائية الأساسية، ولقد أولت الاستراتيجية هذا الهدف اهتماماً كبيراً حيث
أدخلت العديد من المنتجات الاستراتيجية الضرورية لتحقيق الأمن الغذائي، بل وتحقيق
"مخزون غذائي استراتيجي" منها، حيث يمكن إجراء عملية التخزين بطريقة غير
مكلفة ولا تحتاج إلى عملية تصنيع معقدة تكنولوجياً أو مصانع متقدمة، إذ تستطيع
"ربة البيت" القيام بذلك حيث أن "ربة البيت" معيار أساسي في
معايير الاقتصاد الزراعي المقاوم [7].
5. ترشيد الاستهلاك
تهدف هذه الخاصية إلى ترشيد الاستهلاك في العديد من
المحاصيل الاستراتيجية ذات الأولوية العالية أو الثانوية، وهو الأمر الذي يؤدي إلى
توسيع دائرة الادخار للمواطن والمزارع معا [8].
6. تقليل الفائض
تعمل هذه الخاصية على تقليل "الفائض التسويقي"
للعديد من المحاصيل مثل البندورة والخيار وأنواع أخرى من الخضار، وذلك من خلال
سياسة "التنويع المحصولي"، وإدخال محاصيل جديدة مثل الطبية والعطرية
وغيرها، حيث يتم إحلال مساحات معينة من الخضار بأنواع أخري كالشمام والبطيخ والبصل
وغيرها، ويؤدي الفائض في كثير من الأحيان، خصوصاً أوقات الذروة، إلى حدوث
"اختناقات تسويقية"، إضافة إلى الأثر الأكبر وهو "التشوهات"
الناشئة عن ذلك سواء في الاقتصاد العام أو الزراعي علي وجه الخصوص ، يضاف إلى ذلك
تقليل خسائر المزارع نتيجة لانخفاض الأسعار في وقت الذروة، وهو الأمر الذي يؤدي
إلى زيادة المدخرات وإمكانية استثمارها في مجالات أخرى سواء زراعية أو غيرها [9].
التنمية الزراعية في ظل السلطه الفلسطينية:
بدأت السلطة الوطنية الفلسطينية عند قدومها عام1994 م
بإعادة الاعتبار للقطاع الزراعي، فقد كان من واجبها حماية هذا القطاع وتطويره،
والحفاظ على ما تبقي منه سليماً، وزيادة الإنتاج ووقف الزحف الاستيطاني، والمحافظة
على الأرض والمياه ومصادرها، وزيادة الإنتاجية، حيث قامت بإنشاء وزارة الزراعة
الفلسطينية ومديرياتها في محافظات الوطن. كما وقامت بإعادة تأهيل المحطات الزراعية
ومراكز البحث العلمي، واستصلاح الأراضي وشق الطرق الزراعية، وقامت الوزارة بإرسال
الكوادر الفنية للخارج في دورات تدريبية والبعض لاستكمال دراساتهم العليا. عملت
وزارة الزراعة الفلسطينية علي وضع البرامج الزراعية والتي تضمنت برامج في شتي
الحقول الزراعية. حيث تضمنت تلك المشاريع (مشاريع لحفر الآبار الارتوازية، وآبار
التجميع لمياه الأمطار، إعادة تأهيل بعض الآبار المدمرة)، وكان هناك مشاريع لإنتاج
المحاصيل الزراعية(خضار، فاكهة ، رعوية) ،ومشاريع أخرى لتسويق المنتوجات الزراعية
الفلسطينية إلي الدول الصديقة والمجاورة
وتم ذلك من خلال توقيع مذكرات التفاهم والروزنمات الزراعية والاتفاقيات وغيرها .
كما شجعت وزارة الزراعة المُزارع الفلسطيني على التمسك
بأرضه، والعمل على زراعتها، وعملت بكل جهد وتفاني وفي ظل ظروف صعبة، حيث النقص في
الكوادر الزراعية المدربة، ونقص في الموارد الطبيعية والمالية الضرورية. ولقد أخذت
وزارة الزراعة وجهات رسمية أخري أن تأخذ على عاتقها مهمة تنمية وتطوير القطاع
الزراعي، وبالتعاون مع المنظمات غير الحكومية، والاتحادات واللجان الزراعية ومن
خلال استغلال كل الإمكانات المتاحة من الأرض والمياه والطاقات الزراعية. وبالتعاون
مع الفعاليات الزراعية المذكورة، تم وضع خطة للتنمية الزراعية، وشجعت القطاع الخاص
ليأخذ دوره في العملية الزراعية ودعمته وشجعته علي شق طريقه في هذا المجال، مستندة
الى سياسات واستراتيجيات وأهداف وأولويات خطة التنمية الزراعية الوطنية والتي تم
وضعها من قبل وزارة الزراعة الفلسطينية [10].
ولقد شكل الاحتلال الإسرائيلي والظروف السياسية في
المنطقة الأساس في تقسيم التنمية في فلسطين إلى مراحل زمنية مختلفة، تنازعت
وتشاركت في قيادتها العديد من الجهات المحلية والدولية، كما أدت هذه التغيرات إلى
تشكيل وتغيير وتطوير مفهوم التنمية في فلسطين ليمثل مفهوماً استثنائياً وليشمل
مستويات عدة. وفي نفس الوقت أدت هذه التغيرات السياسية إلى عدم الوصول إلى تنمية
حقيقية. فبينما كان العالم يناقش سبل التنمية المستدامة في العالم حتى عام 2015 في
جوهانسبرغ، كان الفلسطينيون يعانون من اجتياحات إسرائيلية متكررة لأراضيهم، هدفت
إلى تدمير البنية التحتية الفلسطينية وتجويع وتركيع الشعب الفلسطيني والاستيلاء
على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية[11] .
ومما لا شك فيه أن قطاع الزراعة في فلسطين هو من
القطاعات المهمة التي يجب العمل على تطويرها، إذ يعتبر هذا القطاع عماد الاقتصاد
الوطني الفلسطيني، ويستوعب تقريبا 30 %من الأيدي العاملة في فلسطين، كما أن
الاهتمام بقطاع الزراعة يعزز صمود المزارع ويجعله متمسكا في أرضه، حيث كانت سياسة
الاحتلال الإسرائيلي تهدف لجعل المزارع الفلسطيني
يترك أرضه ويجعلها بورا. ولا تنبع أهمية القطاع الزراعي بالنسبة للاقتصاد
الفلسطيني من كونه يساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (20-35%) فحسب، بل من
مقدار مساهمته في تلبية الاحتياجات الغذائية للشعب الفلسطيني، وفي مدى مساهمته في
تغطية ميزان المدفوعات التجاري، والأهم من هذا وذاك ارتباطه بالأرض والماء جوهر
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .
وبالرغم من صغر مساحة الأراضي الفلسطينية إلا أنها تمتاز
بالتنوع الطبوغرافي وما يتبعه من تنوع في المناخ، مما يتيح الفرصة لانتشار العديد
من الأنماط الزراعية، فبينما ترتفع جبال القدس والخليل أكثر من 1000م فوق سطح
البحر، تنخفض في منطقة الأغوار ما يقارب 390م تحت سطح البحر (وزارة الزراعة
الفلسطينية، 2001 .( وتمتاز الحيازة في فلسطين بصغرها، مما يشكل عائقاً أمام تطوير
إنتاجية الأرض، وإدخال التكنولوجيات الحديثة في الزراعة،. كما يؤثر على تطبيق بعض
البرامج التنموية كاستصلاح الأراضي، وتعتمد الزراعة في المناطق الريفية الفلسطينية
العمل عائلي، وتقوم على مبدأ الاستغلال الفردي للأرض .
أضف إلى ذلك تأثر استخدامات الأراضي بالعديد من العوامل
البيئية والطبيعية والسياسية والاجتماعية والجيولوجية والمناخ وأنواع التربة والنشاطات
الإنسانية المختلفة. ويمكن القول إن العامل المحدد لأسلوب وأنواع الزراعات هو توفر
المياه، وبشكل واقعي فان كميات الأمطار ونسبة السيطرة على الموارد المائية هي
العامل المحدد والرئيسي في الزراعة، نظرا لتعدد القوانين الزراعية والمتعلقة
باستخدام الأراضي الفلسطينية خلال المائة عام السابقة، لم تغفل السلطة الفلسطينية
القانون الزراعي، وتنبهت إلى ضرورة إيجاد وسيلة لحماية الأراضي الزراعية للمحافظة
على هذا المورد المحدود للشعب الفلسطيني، فأصدرت قانون الزراعة الفلسطيني عام
2003م، ولقد احتوى القانون الزراعي على حماية الطبيعة والأراضي الزراعية وحفظ
التربة، وفرض حظرا على تجريف الأراضي الزراعية والبور، وحظر إنشاء أية مبان عامة
أو خاصة أو منشآت صناعية أو تجارية أو حرفية في الأراضي الزراعية أو اتخاذ أية
إجراءات في شأن تقسيم الأراضي لإقامة مبان عليها إلا في حالات محددة نص عليها
القانون، كما لا يجوز اتخاذ أية إجراءات بشان تقسيم الأراضي الزراعية هيكلياً في
المناطق الإقليمية لمساحات تقل عن خمسة دونمات بالرغم ممن تؤول إليه ملكية هذه
الأرض[12] .
ولقد ركز الفصل الثاني من قانون الزراعة الفلسطيني على
حماية الأراضي الزراعية، إذ تقوم الوزارة بالتعاون مع الجهات المختصة الأخرى بوضع
خطة إدارة المحميات الطبيعية والمحافظة على جميع النباتات والكائنات الحية التي
تعيش فيها، كما تحظر المادة العاشرة من القانون تجريف الأراضي الزراعية والبور أو
نقل الأتربة منها أو إليها، ما لم يكن ذلك لأغراض تحسينها زراعياً أو المحافظة على
خصوبتها وتحدد الوزارة ذلك وفقاً للقانون [13].
نستخلص مما سبق أن القطاع الزراعي يعتبر أحد القطاعات
الاقتصاديـــة الـرئيسـة التي تســـهم فـي الاقتصـاد الـوطني، ويرتبـط الأمـن
الغـذائي بالأمن الوطنـي، وتحقيق الأمـن الغـذائي يعتمـد بالدرجـة الأسـاس على
توفير الغذاء من الإنتاج الزراعي المحلي، ويسهم نهوض القطاع الزراعي بتنويع
الاقتصاد وتخفيف وطأة الفقر وتحسين الميزان التجاري وتحقيق حركة لمعظم القطاعات
المرتبطة به بصورة مباشرة وغير مباشرة.
بعبارة أخرى، يساهم تطور القطاع الزراعي في مكافحة البطالة،
وتقليص حجم الاستيراد، وتطور ونهوض المجتمع وتعزيز الاقتصاد الوطني، فضلاً عن أن
المنتج المحلي يكون أكثر أماناً على السلامة الصحية للمستهلك مقارنة بالمستورد،
الذي يؤدي إلى الاهتمام بصحة الفرد، لأن أغلب أمراض العصر مرتبطة بالغذاء
والاستهلاك الغذائي، كما وأن تطور القطاع الزراعي ينعكس إيجابياً على تحسين الواقع
البيئي.
السيادة الفلسطينية ودورها في إحداث التنمية الزراعية
تعتبر العديد من الدراسات والتقارير أن علمية التنمية في
الأراضي الفلسطينية في ظل الاحتلال هي عملية شبه مستحيلة، حيث لا تزال السياسيات
والخطط التنموية لا ترقى إلى المستوى المطلوب لأهمية المنطقة وحساسية الوضع على
الأرض، من حيث استحالة إقامة دولة فلسطينية دون السيطرة على المناطق المصنفة (ج)
والتي تخضع للسيطرة الاسرائيلية الكاملة، الأمر الذي يحتاج إلى تدخل حكومي سريع
وعاجل وضمن خطوات مهمة، وبصورة عامة لم تنجح أي من هذه السياسات والخطط التي
اتبعتها الحكومة في إحداث تنمية على أرض الواقع في جميع أنحاء الضفة الغربية،
الأمر الذي تؤكده المؤشرات الاقتصادية والتي أظهرت تراجع معدل النمو الحقيقي إلى
0.6% ، وزيادة نسبة البطالة لتصل إلى 27%، وزيادة نسبة الفقر في الضفة إلى 18% حسب
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2018، بالإضافة إلى تردي الأحوال
الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني [14].
هذه الإشكاليات الحقيقية التي تواجهها الحكومة
الفلسطينية ناتجة عن عدم سيطرتها على المناطق (ج)، واتباعها سياسات نابعة من
الممولين منذ البداية، بالإضافة إلى سياسات الاحتلال، وهذه الأسباب مجتمعة أدت إلى
تحول كامل في الوعي الفلسطيني من جهة، وإلى فشل السياسات التنموية على الأرض لعدم
ملامستها الواقع الفلسطيني من جهة أخرى [15].
السيطرة الإسرائيلية على المعابر والحدود:
انتهجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة إغلاق المعابر
وسياسة العقاب الجماعي بشكل منتظم وذلك منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000،
ودائماً ما تستخدم ورقة المعابر كوسيلة ضغط على الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافها
السياسية والأمنية، وتأزم وضع المعابر بشكل غير مسبوق بعد نجاح حماس في الانتخابات
التشريعية، حيث بدأت سلطات الاحتلال بتضييق الخناق على الفلسطينيين عن طريق إغلاق
جميع المعابر بشكل منظم ومستمر لفترات طويلة تحت مزاعم أمنية باطلة[16] .
لقد كان الاحتلال دائماً بالمرصاد للمزارع الفلسطيني،
حيث يتبين لنا من خلال الإحصائيات كافة أن الناتج المحلي من القطاع الزراعي في
تراجع مستمر نتيجة السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المعابر، حيث أن الإنتاج
الزراعي قل، فهناك أراض زراعية صودرت وأحاطتها المستوطنات، وهناك سياسات إسرائيلية
قمعية فتتت الأراضي الفلسطينية، وساهمت في عزلتها والصعوبة في وصول المزارع لها،
حيث أصبحت الطرق صعبة جداً على المزارع ومكلفة في نقل المعدات ولوازم الأرض
والزراعة، كما أن هناك قوانين تدعم إسرائيل، مثل القانون العثماني الذي يسمح بتملك
الأرض إذا تركت من 3 إلى 5 سنوات بلا زراعة، وإسرائيل فعليا تستغل كل القوانين
لكسر صمود المزارع الفلسطيني ودفعه لترك أرضه. كما أن هناك معيقات عدة تتمثل في
منع السماد الكيماوي لأسباب أمنية إسرائيلية، حيث يضطر المزارع إلى استخدام السماد
البلدي، وهو مكلف ويحتاج الجهد الكبير[17] .
أولاً: السيطرة الإسرائيلية على المعابر وأثرها على
الصادرات الزراعية
تكمن أهميــة الصــادرات في أنها رافد أساســي من
روافــد الاقتصاد الوطني، فالصادرات تشــكل مصدراً من مصــادر الدخــل القومي،
كونها تعود بالفوائد الجمة للدولة ولقطاعاتها، غير أنها تســاهم في توفير العملات
الصعبة، وتزيد من ربحية الشركات العاملة وقدرتها في مجال التصدير، وذلك من خلال
تبادل المعرفة والخبرات بين الشــركات المصدرة والشــركات المســتوردة.
كما تلعب الصادرات دوراً مهماً في خفض نســبة البطالة
والفقر، مــن خلال زيــادة حجم التوظيف والتشــغيل لــدى الشــركات المصدرة،
وزيــادة الأيدي العاملة لتلبيــة احتياجات الأسواق الخارجية. والدولــة التــي
تســعى إلــى زيادة وتطوير صادراتهــا، وزيادة دخلها القومــي تصل في نهاية
المطــاف إلى تنمية مســتدامة لصادراتها. ومن أجل الوصول إلى الاستدامة لا بد من
بذل الكثير من الجهد والعمل على مســتوى الدولــة والشــركات الخاصــة والمؤسســات
المحلية، وذلك لتســهيل الأعمال وتوفير بيئة عمــل مواتية. وعلى مدار تســعة عشــر
عاماً ركز مركز التجارة الفلســطيني على أن المنافسة العالمية تحتاج إلى عمليات
تطويرية مســتمرة للمنتجات والخدمات المصدرة. ولضمان اســتدامة الشــركات وبقاءها
بشــكل منافس في سوق حر يتطلب الأمر عمليات بحث مســتمرة عن توجهات ورغبات السوق
المحلي، تتميز فيه المنافســة بالشراســة، وأيضاً الأسواق الخارجية والمنافسين
ومستويات وحدود المنافسة في هذه الأسواق.
وتتوقــف تطويــر العمليــات وحدهــا لتأديــة المهــام
علــى أكمل وجــه لضمان اســتدامة الصادرات واســتدامة الشــركات، فلا بد مــن
توفــر عنصــر مهم وفعــال ومكمــل لها ويتمثــل بتوفيــر كادر مؤهــل قادر علــى
العمل [18].
أما بخصوص تشخيص وضع الصادرات في فلسطين، فإن آثار
الأزمة الاقتصادية تتفاقم كلما استمر الحصار على الاقتصاد الفلسطيني على المدى
الطويـل، حيـث لـم يعـد بمقدور الاقتصاد استعادة وضعه الطبيعي حتى مع رفع الحصار
والإغـلاق. حيث شددت إسرائيل حدة الحصار على الأراضي الفلسطينية بشكل ملحوظ،
وحولتها لمناطق شبه معزولة عن العالم الخارجي (حتى عن بعضها البعض). حيث منعت
الصادرات الفلسطينية من الوصول للأسواق الإسرائيلية أو عبر موانئها والمعابـر الحدودية التي تسيطر عليها للعالم
الخارجي، ، كما أعاقت تدفق الواردات الفلسطينية
(وخصوصاً مدخلات الإنتاج) القادمة من – أو عبر – إسرائيل مما أثر على بعض
القطاعات الاقتصـادية الـريادية مـثل
القطاع الصناعي، ، حيث انعكس التراجع في الصادرات
بأضـرار فادحـة على القطاع الزراعي والفروع التي تعتمد على إسـرائيل في
تسويق إنتاجها، وتضررت كذلك المؤسسات
والمنشآت العاملة فـي الـتجارة الخارجـية نتيجة انخفاض حجم التبادل التجاري بفعل
العوائق الإسرائيلية أمام حـركة الصـادرات وبدرجة أقل أمام حركة الواردات مما يؤثر
على طبيعة الإنتاج والعرض الكلي الفلسطيني، لانخفاض الطلب على السلع المحلية
المستوردة [19].
كما أن الانخفاض الكبير للصادرات يعود إلى المعوقات
الإسرائيلية المخططة لإدماج الزراعة الفلسطينية، باعتبارها منتجات وسيطة للصناعات
الإسرائيلية، وإلغاء فرص تصديرها للخارج، وفرض المزيد من اعتماد الاقتصاد
الفلسطيني على إسرائيل. وتمثلت أبرز المعوقات في تقييد المدخلات الإنتاجية للزراعة
الفلسطينية من بذور، وأسمدة، ومبيدات، ومعدات، وآلات، بالإضافة إلى التحكم
الإسرائيلي في المياه الفلسطينية، وبنسبة تزيد على 80 %، واستنزافها عن طريق
مستعمراتها، بالإضافة إلى منع صيد الأسماك، والإضرار بالمنتجات الحيوانية،
والدواجن، لترسيخ الاعتماد المطلق على المنتجات الإسرائيلية، إضافة إلى ذلك استولت
إسرائيل على حوالي 58% من أراضي الضفة الغربية لبناء المستوطنات، وإقامة الجدار
العنصري العازل[20] .
وتشكل المستعمرات الإسرائيلية عائقاً في وجه استغلال
12797 حيازة زراعية في الضفة الغربية، بينما شكل جدار الضم والتوسع عائقاً أمام
استغلال 7835 حيازة زراعية، و7292 حيازة زراعية تعيق الحواجز العسكرية استغلالها.
وبلغ عدد الحيازات التي تعيق المناطق العسكرية المغلقة استغلالها في الأراضي
الفلسطينية 7971 حيازة زراعية[21] .
وتشير إحصاءات وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية، ومعهد
البحوث التطبيقية إلى ارتفاع كبير في تكاليف النقل التي يتحملها المنتجون
الفلسطينيون نتيجة القيود الإسرائيلية المفروضة على ولوج الأسواق العالمية، إذ
تعادل تكاليف التصدير التي يتكبدها الوكلاء الفلسطينيون ضعف التكاليف التي يتحملها
نظراؤهم الإسرائيليون، بينما تتطلب إجراءات التصدير أربعة أمثال الوقت الذي يمضيه
الإسرائيليون على أنشطة مشابهة .
إجمالاً تتمثل أهم العوائق في وجه صادرات المنتجات
الزراعية في النقاط التالية:
1- تشــهد بيئة التصدير للمنتجات الزراعية في فلســطين
سلسلة طويلة من إجراءات التصدير على وجه الخصوص إلى بعض الأسواق ومنها السوق
الأمريكي والكندي، حيث تتعدد الإجراءات لتصل إلى ما يقارب 10 خطوات و7 خطوات منها
غير مطلوبة من هذه الأسواق، فمسألة تسهيل إجراءات التصدير وإســقاط كافــة الخطوات
والإجراءات غير المطلوبة من الأسواق المســتخدمة من شــأنه أن ينعكس على النشاط
التصديري لهذه المنتجات ويخفف العبء عن الشركات الفلسطينية.
2- تعتبر الإجراءات الإسرائيلية على المعابر وعملية
النقل back to back من أهم
المشاكل التي تواجه تســويق المنتجات نظراً لارتفاع تكلفة النقل إضافة إلى ذلك فإن
هذه الآلية تؤدي إلى خســائر وأضرار وتلف في البضاعة بسبب عملية التحميل والتنزيل.
3- إن التصدير مرهون بالحصول على رخصة استيراد تصدر من
وزارة الزراعة الأردنية والتي تكون أحياناً غير واضحة لمن يريد الحصول عليها.
4- المتطلبات الفنية تكون أحياناً بدون سابق معرفة مما
تخلق أزمة لدى قطاع المصدرين.
5- عدد ساعات العمل على معبر الأردن غير منتظم بآلية
محددة ومعروفة[22] .
كما وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مجموعة من العراقيل
المختلفة من أجل تعطيل وصول الإنتاج الوطني للخارج، على الرغم من وجود العديد من
الاتفاقيات مع أطراف خارجية كالاتحاد الأوروبي. وعمدت على تأخير إصدار أذونات
التصدير للمزارعين الفلسطينيين في الوقت المناسب، وربطت ذلك بمواسم الإنتاج
الإسرائيلي حتى تنفرد بالسوق الفلسطينية، مما أدى إلى ضياع نسبة كبيرة من المحصول
بين تالف وغير مباع. كما منعت تصدير المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى الأسواق
الإسرائيلية إلا بتصاريح من الحاكم العسكري، حيث تمنح هذه التصاريح للمزارعين
الفلسطينيين عادة عندما تكون المصانع الإسرائيلية بحاجة ماسة لهذه المنتجات.
واتبعت سياسة إغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الزراعية الإسرائيلية، مما أدى
إلى تدهور أسعار المنتجات الزراعية الفلسطينية المماثلة وبالتالي خسارة المزارعين
بشكل كبير وإفلاس الكثير منهم. كما عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى تعطيل تنقل
الشاحنات الفلسطينية بين المحافظات بفعل الإغلاقات المتكررة والحواجز المنتشرة،
مما عرض المنتجين الزراعيين إلى خسائر فادحة بسبب عدم تسويق منتجاتهم احيانا
وتعرضها للتلف في احيان اخرى. وكذلك تحكمت بمدخلات الإنتاج الزراعي الأساسية في
الضفة والقطاع، وحصرت استيراد المواد الأولية للزراعة من "إسرائيل"،
فضلاً عن سيطرتها الفعلية على حركة المنتجات الفلسطينية بين "إسرائيل"
ومناطق السلطة، إلى جانب فرض حصار شديد على تسويق المنتجات الفلسطينية في الضفة
والقطاع. مقابل جعل أسواق الضفة والقطاع أسواقاً مفتوحة للمنتجات الإسرائيلية [23].
ثانياً: السيطرة الإسرائيلية على المعابر وأثرها على
الواردات الزراعية ومدخلات الإنتاج
استخدمت سلطات الاحتلال طيلة العقود الماضية سياسة سحق
المنتجات الزراعية الفلسطينية التقليدية، من خلال إغراق السوق الفلسطيني بالمنتجات
الزراعية الإسرائيلية، ومنع حماية المنتجات الزراعية الفلسطينية من المنافسة
الإسرائيلية والأجنبية، وتشجيع المزارعين الفلسطينيين على الزراعة الكمالية
والأحادية وأنواع أخرى من الزراعة ذات رأس المال الكبير، والموجهة للأسواق
الإسرائيلية أو الخارجية، والتي يتم زراعتها بالاعتماد على القروض، والتي لا
يستفيد محلياً من أرباحها سوى نفر قليل من الملاكين والتجار الكبار[24] .
وتعتبر السياسة التجارية المحرك الرئيسي لعجلة أي تطور
اقتصادي، وتهدف إلى تحقيق استقلال أي قرار سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو
عسكرياً، حيث يبنى على السياسة التجارية النظام الاقتصادي الذي ستسير عليه الدولة،
ويعد ذلك توجهاً نحو الاعتماد على الذات والاستقلال الاقتصادي، وبناء القاعدة
الاقتصادية القوية، لكي تستطيع الصمود أمام التقلبات الاقتصادية والسياسية
والمحلية والعالمية. إلا أن السياسة التجارية الفلسطينية خضعت للسياسات والأوامر
العسكرية الإسرائيلية، منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، حيث أنشأت إسرائيل
آليات أدت إلى ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصادها [25].
وقد تمثلت تلك الآليات في الإجراءات التي شكلت مجتمعة ما
يشار إليه باسم شبه الاتحاد الجمركي، والتي من خلالها كانت إسرائيل تسمح بحركة
السلع واليد العاملة بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي في إطار من القيود غير
المتبادلة، حيث كانت الصادرات والواردات الفلسطينية تخضع لإجراءات وقيود معقدة،
كما أن شهادات الاستيراد والتصدير تمنح من خلال الأوامر العسكرية، بالإضافة إلى
فرض حدود على أنواع وكميات المواد الخام المسموح بدخولها إلى الضفة الغربية وقطاع
غزة.
هذه الإجراءات والتدابير مقترنة بمصادرة الموارد
الطبيعية الفلسطينية أدت فعلياً إلى فرض حدود على آفاق تنمية الاقتصاد وإلى حدوث
تشوهات واختلالات هيكلية في الإنتاج وسوق العمل والعرض والطلب، إضافة إلى نشوء
علاقات تجارية غير متكافئة عززت علاقة التبعية المفروضة على الاقتصاد الفلسطيني.
ومع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، وبالرغم من الاتفاقيات المتعددة
وخاصة اتفاق باريس الاقتصادي ، إلا أن الممارسات الإسرائيلية التي تمثلت في مصادرة
الأراضي وتجريف المساحات الزراعية، وتدمير المنشآت، والحصار والإغلاق، ظلت تشكل
السمات البارزة للحياة اليومية في الأراضي الفلسطينية منذ العام 1994 وحتى الآن[26] .
وقد بذلت السلطة الفلسطينية محاولات جادة لتشجيع
الاستيراد والتصدير المباشر مع الأسواق العالمية، إلا أن إسرائيل ما زالت المصدر
الرئيس. فنجد أن متوسط معدل الواردات السلعية المرصودة من السوق الإسرائيلي
للأراضي الفلسطينية خلال الأعوام (2010- 2020) بلغ (72.1 %) من إجمالي الواردات،
كما حاولت السلطة الفلسطينية منذ نشوئها تنمية الاقتصاد الفلسطيني الذي عانى على مدار
سنوات الاحتلال، وما زال، من السيطرة الإسرائيلية على موارده ومقدراته. فكان على
السلطة الفلسطينية أن تنهض باقتصاد محدود الموارد، ومعدوم السيادة على حدوده
الجغرافية والاقتصادية، بالإضافة إلى التشوهات الهيكلية في الاقتصاد الفلسطيني
الناشئة عن سياسات الاحتلال وإجراءاته؛ فقد عملت إسرائيل على تعزيز تبعية الاقتصاد
الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي من خلال العديد من السياسات، منها نفاذ المنتجات
الإسرائيلية بحرية كاملة للأسواق الفلسطينية، ووضع القيود على انتقال البضائع
الفلسطينية إلى الأسواق الإسرائيلية، وعدم السماح للفلسطينيين بالاستيراد من دول
لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الجانب الإسرائيلي؛ مما أدى إلى تقييد تطور الإنتاج
الفلسطيني وعدم تنوعه، والعمل بما يلبي احتياجات السوق الإسرائيلي، ما نتج عنه عجز
دائم في الميزان التجاري الفلسطيني [27].
أضف إلى ذلك الإجراءات المتبعة في موانئ حيفـا وأسدود،
يجـب تفريــغ الشـحنات الفلسـطينية، بمـا فيهـا المــواد المـبردة والقابلــة
للتلـف، ثم إعــادة تحميلها عند نقاط العبور التجارية في الضفة الغربية بغية
تفتيشـها باسـتخدام نظـام تتـابع عمليـات التفريـغ وإعـادة التحميـل. ونتيجة لهذه
العملية، يقضي الشاحنون الفلسطينيون أوقات طويلة في مناولة البضـائع والانتظـار،
كمـا تتعـرض البضـائع للمناولـة السـيئة، وهـو وضـع يمكـن أن يـؤدي إلى ارتفـاع
تكـاليف الصـفقات والنقـل وإلحـاق أضـرار بالبضـائع. وقـد خلصت دراسـة أجرتها في
الآونـة الأخـيرة مؤسسـة التعـاون الاقتصـادية لنقطـة ترقوميـا للعبـور التجـاري
إلى أن وقـت الانتظـار الذي تقضيه الشاحنات الفلسطينية في معبر ترقوميـا يصـل إلى
سـاعة ونصـف في المتوسـط، ممـا يزيـد تكلفـة الشـحن بنسـبة 15% علـى الأقـل حسـب
تقـديرات مؤسسـة التعـاون الاقتصـادي (2015، ECF )، وقـد
أجـري هـذا التقـدير في الوقـت الـذي كـان فيـه معـبر ترقوميـا التجـاري يسير
جزءاً ضئيلاً فقط من مرحلة العبور ويعني
ذلك أن التكلفة سوف ترتفع ارتفاعاً شديداً عندما تعمل نقطة العبور بكامل طاقتها .
كما أن القيود المفروضة على المدخلات المستوردة تشكل
عبئاً كبيراً على المزارع الفلسطيني، إذ أن عمليات التفتيش الأمني الإسرائيلي يمكن
أن تستغرق وقتاً طويلاً. ونظراً لارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف في غورالأردن
فقد يكون من الصعب استيراد السلع الزراعية عبر جسر الملك حسين في هذا الفصل، وفي
بعض الأحيان لا تتمكن سوى شاحنات قليلة محملة بجزء من الشحنة من عبور الحدود قبل
إغلاقها في الساعة الثانية من بعد الظهر، ويذكر الشاحنون الفلسطينيون أنه يحدث
عندئذٍ في بعض الأحيان أن ترفض إدارة المعابر الحدودية الإسرائيلية معالجة النصف
الثاني من الشحنة في اليوم التالي، بذريعة أنها لا تستوفي شروط شهادات المنشأ
وتطلب الإدارة تقديم مستندات جديدة وتفرض غرامات في بعض الأحيان، وفضلاً عن ذلك
يؤثر الحظر الأمني الذي تفرضه إسرائيل على الأسمدة المستوردة تأثيراً سلبياً في
الزراعة الفلسطينية ويدفع المزارعين إلى استخدام البدائل الغير المناسبة والتي تقلل
من جودة التربة وتخفض الإنتاجية والربحية في آنٍ واحد، ولذلك تشير التقديرات إلى
أن فرض هذا الحظر على استيراد الأسمدة أدى إلى تدهور الإنتاجية الزراعية بنسبة
تتراوح ما بين 20-30% من الإنتاج الزراعي[28].
يتضح انه من الصعوبة بمكان وجود تنمية في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على كل
تفاصيل حياة المواطن الفلسطيني لان التنمية المستقلة بحاجه إلى سيطرة كاملة على
الموارد الطبيعية وأهمها الأرض والمياه وإعاقة الوصول إليها وتطويرها فالاحتلال
يسيطر على مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني بطرق مختلفة (مباشره أو غير مباشره ) فكيف بالإمكان التنمية في ظل الاحتلال الذي
يسيطر على مقدرات الشعب الفلسطيني من خلال ممارساته على الأرض ومن خلال المستوطنات
التي تنتشر وتتفشى مثل السرطان والتي تتخذ الأماكن الحيوية والاستراتيجية موقعا
لها ضاربة بعرض الحائط كل القرارات والمواثيق الدولية أهمها اتفاقية لاهاي 1907
المادة (49)، ومعاهدة جينيف الرابعة 1949 المادة (53) التي تدين وفي أكثر من 20
قرار سياسة إسرائيل في الاستيطان وتستنكر عدم التزامها.
وحقيقة الأمر أن الاحتلال الإسرائيلي يستمر بفرض واقع
تهويدي بامتياز يصعب الانفكاك عنه، من خلال منع الفلسطينيين الوصول إلى عمقهم
العربي وانسياب التجارة بينهم، وقد سلكت سلطات الاحتلال الإسرائيلي طرقاً خبيثة
لضرب الاقتصاد الفلسطيني، وضرب قطاع الزراعة، وخلق أجواء المنافسة غير الشريفة،
كتخفيض الأسعار، والسيطرة على المصادر المائية، والقضاء على الأصناف البلدية من
الإنتاج الحيواني بكافة أنواعه، والنباتي من الأشجار والخضروات والحبوب، وعمل
الاحتلال على تدمير البنية التحتية للزراعة عبر شق الشوارع بين المستوطنات، بما
تبعه من اقتلاع الأشجار، وعبر إلقاء نفايات المستوطنات في الأرض الزراعية
الفلسطينية، مما أدى إلى تدمير هائل هدد القطاع الزراعي برمته.
وتسعى الحكومة الفلسطينية الحالية (الثامنة عشر) جاهدةً
للانفكاك التدريجي من العلاقة الكولونيالية مع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال خطة
التنمية بالعناقيد (زراعية. سياحية. صناعية) في كافة أرجاء الوطن حسب طبيعة
المحافظة، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل والمنتجات، كما يأمل
الفلسطينيون الوصول إلى تنمية قائمة على الحد من المشروع الاستعماري، وتغيير نمط
المساعدات المقدمة من الدول المانحة (التمويل المشروط)، والذي يتسم بالطابع
الإغاثي ويتعارض مع متطلبات التنمية الشاملة.
لائحة المراجع:
أبو حلوب، فادي مصطفى عبد الجواد، (2016)، محددات نمو
القطاع الزراعي في فلسطين، دراسة قياسية خلال فترة (1995-2014)، الجامعة
الإسلامية، شؤون البحث العلمي والدراسات العليا، كلية التجارة، ماجستير اقتصاديات
التنمية، غزة- فلسطين.
السالم، أحمد جبر، (2010)، واقع التنمية الزراعية
المستدامة ومتطلباتها في العراق، رسالة ماجستير في الاقتصاد، جامعة البصرة، العراق.
عفانة، لميس محمد ممدوح عبد الرؤوف، (2010)، استراتيجيات
التنمية المستدامة للأراضي الزراعية في الضفة الغربية محافظة طوباس كحالة دراسية،
جامعة النجاح، كلية الدراسات العليا، نابلس- فلسطين.
الزعبي، أحمد محمد، (1997)، الأدوار المرتقبة للإرشاد
الزراعي في ظل سياسات وبرامج الإصلاح
الاقتصادي، الندوة القومية حول تعزيز دور الإرشاد الزراعي في التنمية الزراعية
المستدامة المنعقدة بالجزائر، المنظمة العربية للتنمية الزراعية، الخرطوم،
الزهراني، خضران حمدان، والحاج أحمد الحاج، (1423هــــ)،
التنمية الزراعية في المملكة العربية السعودية، النشر العلمي والمطابع، جامعة
الملك سعود، الرياض.
السبيعي، صعيبان بن سلطان، (2006)، اتجاهات المزارعين
نحو الزِراعة المستدامة في محافظة الخرج بالمملكة العربية السعودية، المجلة العلمية،
كلية الزراعة، جامعة القاهرة، مجلد 57، العدد (2)، القاهرة.
خليل، محمد، (2008)، توجه التنمية في فلسطين، معهد
الأبحاث التطبيقية- القدس (أريج)، بيت لحم.
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، (2009)، التعداد
العام للسكان والمنشآت والمساكن عام2007، منشورات الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني، 2007.
شبيطة، ريما، (2018) نحو سياسات لتعزيز التنمية في مناطق
(ج)، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية- مسار.
عرفة، نور، البطمة، سامية، فرسخ، ليلى، (2015)،
المستوطنات الإسرائيلية تخنق الاقتصاد الفلسطيني، شبكة السياسات الفلسطينية، (https://al-shabaka.org/ar/) تاريخ
الزيارة: 4/6/2020.
[1] - وزارة الزراعة، (2013)،
استراتيجية القطاع الزراعي في فلسطين، تاريخ الاطلاع: 20/4/2020، الموقع: (www.moa.gov.ps).
[2] - أبو حلوب، فادي مصطفى عبد
الجواد، (2016)، محددات نمو القطاع الزراعي في فلسطين، دراسة قياسية خلال فترة
(1995-2014)، الجامعة الإسلامية، شؤون البحث العلمي والدراسات العليا، كلية
التجارة، ماجستير اقتصاديات التنمية، غزة- فلسطين.
[3] - السالم، أحمد جبر،
(2010)، واقع التنمية الزراعية المستدامة ومتطلباتها في العراق، رسالة ماجستير في
الاقتصاد، جامعة البصرة، العراق، ص9.
[4] - المرجع السابق، ص: 10.
[5] - عفانة، لميس محمد ممدوح
عبد الرؤوف، (2010)، استراتيجيات التنمية المستدامة للأراضي الزراعية في الضفة
الغربية محافظة طوباس كحالة دراسية، جامعة النجاح، كلية الدراسات العليا، نابلس-
فلسطين، ص: 25.
[6] - الزعبي، أحمد محمد،
(1997)، الأدوار المرتقبة للإرشاد الزراعي في ظل سياسات وبرامج
الإصلاح الاقتصادي، الندوة القومية حول تعزيز دور الإرشاد الزراعي في التنمية
الزراعية المستدامة المنعقدة بالجزائر، المنظمة العربية للتنمية الزراعية،
الخرطوم، ص: 13.
[7] - الزهراني، خضران حمدان،
والحاج أحمد الحاج، (1423هــــ)، التنمية الزراعية في المملكة العربية السعودية،
النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، الرياض، بدون صفحة.
[8] - السبيعي، صعيبان بن
سلطان، (2006)، اتجاهات المزارعين نحو الزِراعة المستدامة في محافظة الخرج بالمملكة
العربية السعودية، المجلة العلمية، كلية الزراعة، جامعة القاهرة، مجلد 57، العدد
(2)، القاهرة، ص: 30.
[9] - عفانة، (2010)، مرجع
سابق، ص: 31.
[10] - رضوان، (2010)، مرجع
سابق، ص: 8.
[11] - خليل، محمد، (2008)، توجه
التنمية في فلسطين، معهد الأبحاث التطبيقية- القدس (أريج)، بيت لحم، ص: 22.
[12] - الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني، (2009)، التعداد العام للسكان والمنشآت والمساكن عام2007، منشورات
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2007.
[13] - وزارة الزراعة
الفلسطينية، (2001)، استراتيجية الزراعة المستدامة.
[14] - شبيطة، ريما، (2018) نحو
سياسات لتعزيز التنمية في مناطق (ج)، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات
الاستراتيجية- مسار، ص: 10.
[15] - عرفة، نور، البطمة،
سامية، فرسخ، ليلى، (2015)، المستوطنات الإسرائيلية تخنق الاقتصاد الفلسطيني، شبكة
السياسات الفلسطينية، (https://al-shabaka.org/ar/) تاريخ الزيارة: 4/6/2020.
[16] - أبو الخير، السيد مصطفى،
(2008)، المعابر الفلسطينية رؤية قانونية. مؤسسة النور للثقافة والإعلام.
[17] - مجلة حياة وسوق، الزراعة
في فلسطين حراثة في حقل الألغام، (2014)، السنة الرابعة، العدد (182).
[18] - مركز التجارة الفلسطيني،
بال تراد، (2017)، التقرير السنوي لحجم الصادرات والواردات في الأراضي الفلسطينية
والتجارة الخارجية، ص: 22..
[19] - نصر الله، عبد الفتاح،
(2004)، التجارة الخارجية الفلسطينية – تحليل ورؤية نقدية، إدارة الدراسات
والتخطيط، ص: 22.
[20] - النجار، أحمد سيد،
(2005)، الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية، مركز الدراسات والسياسات
الاستراتيجية، الأهرام، القاهرة، ص: 147.
[21] - الديراوي، سلمان محمد،
(2014)، العلاقـات الاقتصاديـة الفلسطينيـة والعوامل المؤثـرة في تطويرهـا في ظل المتغيرات الإقليميـة
والدوليـة -آفــاق مستقبليــة-، جامعة القدس المفتوحة فلسطين – غزة، ص: 391.
[22] - مركز التجارة الفلسطيني،
بال تراد، (2017)، التقرير السنوي لحجم الصادرات والواردات في الأراضي الفلسطينية
والتجارة الخارجية، ص: 36.
[23] - عبد الرحمن، محمد،
(2007)، الاقتصاد الزراعي، جامعة القدس المفتوحة، عمان- الأردن، ص: 278.
[24] - أحمد، عوض الله محمد،
(2017)، ضعف القطاعات الإنتاجية الفلسطينية وأثره على الصادرات، جامعة الأزهر،
غزة- فلسطين، ص: 26.
[25] - العجلة، مازن، (2013)،
الاقتصاد السياسي للدولة الفلسطينية، قراءات استراتيجية، مركز التخطيط الفلسطيني،
غزة، ص: 96.
[26] - شعبان، عبد الحميد،
(2012)، فاعلية السياسات الاقتصادية في تعزيز تنافسية المنتج الفلسطيني، ورقة
بحثية مقدمة إلى المؤتمر الاقتصادي لجامعة القدس المفتوحة: نحو تعزيز تنافسية
المنتجات الفلسطينية، المنعقد في رام الله- فلسطين.
[27] - النتشة، أمنة، (2013)،
سبل زيادة حجم وتنويع مصادر الواردات الفلسطينية المباشرة وتقليص الاعتماد على
الواردات المعاد تصديرها من إسرائيل، جامعة بير زيت، معهد إبراهيم أبو الغد
للدراسات الدولية، برنامج الماجستير في الدراسات الدولية- تركيز الهجرة القسرية
واللاجئين، رام الله- فلسطين، ص: 11.
[28] - مؤتمر التجارة للأمم
المتحدة، الأونكتاد، (2015)، تيسير التجارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، القيود
والعائق،
ص: 16.
0 تعليقات