لتحميل عدد المجلة الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf الرابط أذناه:
https://www.allbahit.com/2022/12/49-2022-30-pdf-httpsdrive.html
الأستاذة العيش فاطمة
باحثة بسلك
الدكتوراه تخصص قانون جنائي وعلوم جنائية كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية. جامعة محمد الاول وجدة.
الشروط المتعلقة
بالصوائر القضائية في الشكاية
المباشرة
-في ضل قانون المسطرة الجنائية المغربي-
Conditions related to judicial orders in the direct
complaint
مقدمة:
اشترط المشرع المغربي المطالب
بالحق المدني أداء الصوائر القضائية تحت طائلة عدم قبول الشكاية المباشرة المرفوعة
سواء أمام قاضي التحقيق، أم هيئة الحكم، إذا كان لا يتمتع بالمساعدة القضائية
ويستفاد ذلك من نص المادة 45([1])، من القانون المتعلق
بالصوائر القضائية([2]).
ويبقى الهدف من وراء تنصيص
المشرع على ضرورة أداء المصاريف القضائية في الميدان الجنائي هو الحد نمن اللجوء
إلى القضاء بدون أي سبب([3]).
وتتمثلا هذه المصاريف القضائية
أساسا في أداء القسط الجزافي (أولا)، ومبلغ الإيداع أو الوديعة (ثانيا) وأداء
الرسم القضائي (ثالثا).
1.
أولا : أداء القسط الجزافي.
بالرجوع إلى قانون رقم 86-23
المتعلق بتنظيم الصوائر القضائية في الميدان الجنائي، نجده قد حدد المبلغ الذي يجب
على المطالب بالحق المدني أداؤه، ولتحديد هذا المبلغ نجد أن المشرع استند إلى نوع
الجريمة المقترفة والناتج عنها الضرر، وبالتالي فبالرجوع إلى المادة 50 من القانون
السالف الذكر أعلاه، نجدها قد حددت مبلغ القسط الجزافي بالنسبة للمخالفات المعروضة
على المحاكم الابتدائية في 30 درهما، وفي القضايا الجنحية حددت في مبلغ 100 درهم،
بينما حدد مبلغ 500 درهم أمام الغرفة الجنحية لمحاكم الاستئناف، وكذا المحاكم
العسكرية أما المجلس الأعلى فقد حددت المادة 530 في الفقرة الأولى من قانون
المسطرة الجنائية هذا المبلغ في 1000 درهم([4]).
وقد حددت المادة 50 أعلاه في
فقرتها الثانية أن هذه المبالغ قد تضاف في حالة الطعن بالاستئناف أو التعرض وذلك
كما يلي:
- عند استئناف حكم صادر عن
محكمة ابتدائية في قضايا المخالفات: مبلغ 100 درهم.
- عند استئناف حكم صادر عن
محكمة ابتدائية في قضايا جنحية: مبلغ 100 درهما.
- عند استئناف أمر لقاضي
التحقيق أمام الغرفة الجنحية: مبلغ 100 درهما.
- عند التعرض على حكم غيابي
صادر عن حكومة ابتدائية في قضايا المخالفات: مبلغ 20 درهما.
- عند التعرض على حكم غيابي
صادر عن محكمة الاستئناف: مبلغ 100 درهم.
وتضيف الفقرة الثالثة من المادة
نفسها، أنه زيادة على القسط الجزافي المحدد يجب وضع قائمة لتصفية المصاريف إذا
استلزمت الإجراءات القيام بخبرة تتطلب مصاريف تتجاوز القسط الجزافي أمام أي محكمة
من المحاكم، يعلى أن يتم إصدارها في شأن أمر بتنفيذ إضافي يضاف مبلغه على مبلغ
مجموع القسط الجزافي في الحكم القاضي بأداء المصاريف، ولتسهيل التصفية المذكورة
يتعين على هيئة التحقيق أن تضيف المستندات المتعلقة بالإجراءات مبينة فيها مصاريف
عمليات الخبرة التي أصرت بإنجازها.
وقد سار القضاء على منوال
المشرع ورتب على عدم أداء القسط الجزافي عدم قبول الشكاية المباشرة، وهكذا جاء في
حكم ابتدائية وزان رقم 1331 الصادر في 19-10-04 في الملف الجنحي رقم 1265/03 بأن:
إدارة الجمارك غير معفية من أداء الرسوم القضائية، تكون شكايتها المباشرة غير مقبولة
لعدم أداء القسط الجزافي([5]).
وأكد المجلس الأعلى ما سبق، حيث
قضى في إحدى قراراته: "يلزم المطالب بالحق المدني بإيداع المبلغ الجزافي
المحدد قانونا، وإلا اعتبر طلبه غير مقبول"([6])،
وفي قرار آخر له جاء فيه: "عندما يكون المشتكي مطالب بالحق المدني أمام قاضي
التحقيق فلابد من مراعاة الفصل 334 من قانون المسطرة الجنائية [الفصل 348 من قانون
المسطرة الجنائية] لقبول طلباته المدنية أمام المحاكم الزجرية"([7]).
و هدا ما أكده أيضا قرار صادر
عن محكمة الاستئناف بالجديدة و الذي جاء فيه ما يلي"حيث قضى القرار المستأنف
بعدم قبول هده الدعوى لعدم الإدلاء بالرسم الجزافي واعتبر عن حق أن الطلب خرق مقتضيات الفصل 349
من قانون المسطرة الجنائية، وحيث أن القرار المستأنف مرتكز على أساس قانوني في هدا
الشق "([8]). وتجدر الإشارة إلى انه
في حالة ما إذا صدر قاضي التحقيق أمرا بعدم المتابعة في موضوع الشكاية المباشرة،
فإن هذا الأمر يبقى خاضعا للطعن بالاستئناف من طرف المطالب بالحق المدني أمام
الغرفة الجنحية([9]). ويتعين في هده الحالة
على المطالب بالحق المدني لقبول طعنه أداء الرسم الجزافي وهذا ما أكده قرار صادر
عن الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالجديدة
والدي جاء فيه "حيث أن الاستئناف المرفوع من قبل الطرف المدني لم يؤد
عنه الرسم الجزافي اللازم قانونا أداؤه للمطالبة بالحق المدني، ولذلك يبقى الطعن
غير مقبول من الناحية الشكلية، ويتعين التصريح بدلك وتحميل رافعه الصائر"([10]).
ويطرح التساؤل حول ما ادا كان المشرع المغربي حدد أجلا
لأداء القسط الجزافي أمام هيئة الحكم ؟ وما ادا تم أداؤه
بعد انتهاء اجل الاستئناف هل يؤدي دلك إلى عدم قبوله.
إن مقتضيات النص المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي لم تحدد أي اجل لأداء القسط
الجزافي إلى حين النطق بالحكم،كما أن أداء
دلك القسط بعد انتهاء اجل الاستئناف لا يؤدي إلى عدم قبوله، وهو الاتجاه الذي أكده
المجلس الأعلى في قرارات عديدة له([11]).
والإشكال الثاني يتعلق بما ادا كانت المحكمة ملزمة
باندار الأطراف المدنية بأداء القسط الجزافي ؟ الإجابة هي أن المشرع المغربي
لم يتطرق لهدا الإشكال وفي ضل سكوته عن هدا الأمر كان لا بد للقضاء أن يتصدى لهدا
الإشكال ، إلا أن العمل القضائي انقسم إلى اتجاهين ،الأول دهب إلى انه يجب على
المحكمة تشعر المطالب بالحق المدني للإدلاء بما يفيد أداء القسط الجزافي قبل أن
تصرح بعدم قبول استئنافه، وإلا اعتبر
قضاؤها مسا بحقوق الدفاع ويبرر النقض([12]).
بينما الاتجاه الثاني اعتبر أن الأطراف المدنية حسب
الفصل 56 من القانون المتعلق بالمصاريف القضائية في الميدان الجنائي ملزمة بأداء
الرسم الجزافي والمحكمة تكن بحاجة إلى اندار العارض بما ألزم به قانونا،
وبدلك فهي عندما قضت يعدم قبول استئنافه
بعدم أداء القسط الجزافي تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليما([13]).
وتماشيا مع ما سبق ، فان الاتجاه الثاني حسب نظرنا صادف
الصواب،على اعتبار أنه لا يوجد في نصوص المسطرة الجنائية ما يلزم المحكمة بإنذار
الطرف المدني بأداء القسط الجزافي، دلك انه ملوم قانونا بأدائه تحت طائلة عدم قبول
الطلبات المدنية أو عدم قبول الاستئناف، وهو ما أكده المجلس الأعلى آخر له حيث دهب
فيه "إلى أن عدم اندار المستأنف المطالب بالحق المدني بوضع المصاريف
القضائية-القسط الجزافي-لا يترتب عنه البطلان"([14]).
والإشكال الثالث يتعلق بحالة تعدد الأطراف المدنية مما
يفترض علينا التساؤل هل يتعين على كل واحد منهم أن يؤدي القسط
الجزافي حتى تكون مطالبه المدنية مقبولة ؟
وحيث أنه بعد
إلقائنا نضرة على فصول ظهير 31-12-1986 ثبت لنا انه لا يوجد فيها ما يستوجب الأداء
على كل فرد منه، أي على كل طرف مدني، ذلك أن المقصود بالمطالب بالحق المدني الذي
يتدخل في الدعوى الجنائية التي أثارتها النيابة العامة الفريق المتضرر المطالب
أمام القضاء الجنائي بالتعويض عن الجريمة،
وانه ادا تعدد أفراد هدا الفريق وتدخل أمام القضاء بما له من مصلحة مشتركة وبمقتضى
طلب واحد فانه يتعين أداء قسط
جزافي واحد. وهو ما سار عليه قضاء
محكمة النقض حاليا والمجلس الأعلى سابقا، حيث أكد أن "المطالبون بالحق المدني
الدين يؤدون قسطا جزافيا واحدا تكون مطالبهم مقبولة ادا كانت تربطهم مصلحة مشتركة في الدعوى وتقدموا بمطالبهم ضد نفس المسئول المدني معتمدين نفس
السبل([15]).
إضافة إلى القسط الجزافي، نجد
أنه على المطالب بالحق المدني أداء مبلغ الإيداع أو ما يسمى بالوديعة.
2.
ثانيا :أداء مبلغ الإيداع أو الوديعة
بالرجوع إلى الباب الخامس من
ظهير 31 دجنبر 1986 المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي، نجد أن
المادة 54 منه تنص على أنه: "يجب على المدعي بالحقوق المدنية غير المتمتع
بالمساعدة القضائية أن يودع بكتابة الضبط، وإلا كاتب دعواه غير مقبولة، المبلغ
المفترض أنه ضروري لتسديد جميع مصاريف الإجراءات إذا رفع قضيته مباشرة إلى قاضي
التحقيق أو إلى المحكمة وفقا لقانون الإجراءات الجنائية.
ويشمل مبلغ الإيداع المذكور
القسط الجزافي المنصوص عليه في المادة 50 أعلاه مضاف إليه إن اقتضى الحال المبلغ
المحدد لتسديد مصاريف الخبرة إذا تقدر القيام بهذا الإجراء، ويقوم بتحديد مبلغ
الإيداع:
1- قاضي التحقيق بمجرد ما ترفع
إليه الشكوى.
2- المحكمة خلال الجلسة الأولى
المعروضة فيها القضية في حالة تكليف مباشر بالحضور.
إذ تبين أنه من الضروري القيام
بخبرة جازت المطالبة بإيداع تكميلي خلال المتابعة إما حين إجراء التحقيق وإما أمام
هيئة الحكم.
ويستنتج مما سبق أن المشرع
المغربي استعمل صيغة الوجوب في استيفاء مبلغ الإيداع، وعليه فقد رتب على عدم أدائه
عدم قبول الشكاية المباشرة، كما أنه جعل القسط الجزافي داخل ضمن مبلغ الإيداع.
وقد أعفى الفصل 55 من الظهير
السالف الذكر مجموعة من الأشخاص من أداء مبلغ الإيداع وحددهم على سبيل الحصر كما يلي:
- الإدارة العامة بشأن الدعوى
المرفوعة من قبلها.
- مكتب التبغ.
- المطالب بالحق المدني الذي
يفصل أثناء نظر القضاء الزجري في الدعوى العمومية المثارة من قبل النيابة العامة،
وهذا الإعفاء يتضمن مبلغ الإيداع فقط دون القسط الجزافي الذي يلزم أداؤه.
وقد أشارت الفقرة الثالثة من
المادة 54 إلى أن تحديد الإيداع يتم عن طريق تحديد الصوائر القضائية من طرف
المحكمة في جلستها الأولى، وذلك إذا خلصت المحكمة إلى ضرورة هذا الإيداع، أو من
طرف قاضي التحقيق بمجرد ما ترفع إليه الشكاية.
غير أنه إذا تبين لهيئة الحكم
أو قاضي التحقيق أن مبلغ الإيداع غير كاف، ولا يعطي مصاريف الخبرة التي اتضح أنها
ضرورية ومنتجة في النازلة جاز لهما المطالبة بإيداع تكميلي (الفقرة الأخيرة من
المادة 54).
وإذا كان لقاضي التحقيق إمكانية
إصدار أمر بالإيداع التكميلي، فإن الإشكال يثور هنا بالنسبة للمحكمة، لأن الفقرة
الأخيرة من المادة 54 لم تحدد الكيفية التي يتم من خلالها تكليف المطالب بالحق
المدني إيداع المبلغ الإضافي، وعليه يطرح السؤال عن إمكانية إصدار المحكمة لحكم
تمهيدي تأمر بموجبه المطالب بالحق المدني بالإيداع التكميلي؟
ويرى عبد الرحيم زكار أنه يجب
إصدار حكم تمهيدي يقضي بضرورة إيداع المعني بالأمر المبالغ المالية التي تراها
المحكمة لازمة لصائر الخبرة([16]).
ونعتقد أن هذا الاتجاه صادف الصواب على اعتبار أنه إذا
اتضح للمحكمة بأن مبلغ الإيداع غير كاف لتغطية مصاريف الخبرة فإنها في إطار المادة
194 من قانون المسطرة الجنائية يمكن لها إما تلقائيا أو بطلب من الأطراف أن تصدر
حكما تمهيديا يقضي بإجراء خبرة بغض النضر عن نوعها، ومن ضمن ما تحدد فيه هو إيداع
المتضرر أو المطالب بالحق المدني لمصاريف أو صائر الخبرة داخل اجل معين([17]). لأنه في حالة عدم
إيداع هذا المبلغ التكميلي المحدد من قبل المحكمة لإجراء خبرة داخل الأجل المحدد سيؤدي إلى صرف النظر عن
الخبرة ويبقى الخيار للمحكمة في أن تستجيب للطلب أو ترفضه حسبما تستنتجه من
دراستها للقضية في إطار سلطتها التقديرية
، وهو ما أكده المجلس الأعلى في العديد من قراراته القضائية([18]).
ويبقى السؤال المطروح، هل يمكن
استئناف الحكم التمهيدي الذي يحدد مصاريف الخبرة؟
وقد أجابت عن هذا التساؤل
المادة 401 من قانون المسطرة الجنائية، حيث نصت على أن الأحكام التمهيدية لا تقبل
الاستئناف إلا بعد صدور الحكم في جوهر الدعوى، وفي نفس الوقت الذي يطلب فيه
استئناف هدا الحكم، وهدا ما أكده المجلس الأعلى سابقا في قراراته([19]).
وبهذا يكون مصير الشكاية
المباشرة عدم القبول في حالة عدم الإيداع المالي بصندوق المحكمة ، لذا عليه إيداع
هذا المبلغ حتى يتسنى له ممارسة الطعن باستئناف الحكم التمهيدي مع الحكم الصادر في
الجوهر([20]). فمن شان إيداع المتضرر
لصائر الخبرة أن يضمن على الأقل يغض النضر عن نتيجة الخبرة الحق في ممارسة الطعن
باستئناف الحكم التمهيدي مع الحكم الصادر في الجوهر.
قد سار الاجتهاد
القضائي على هدا المنوال و قضى بعدم قبول الشكاية المباشرة جاء في حيثيات
الحكم" وحيث أنه بناء على القرار بتحديد مبلغ الإيداع المالي بتاريخ
2010-10-16 وحيث تخلف المطالب بالحق المدني عن أداء هذا المبلغ بواسطة دفاعه رغم
الإعلام ،وبناء على ملتمس النيابة العامة ،المؤرخ في 2010-6-29’وحيث انه تطبيقا
للمادة 95 من ق.م.ج يتعين التصريح بعدم قبول الشكاية المباشرة"([21]).
وقد اختلف القضاء الفرنسي بخصوص
الجزاء القانوني المترتب عن عدم أداء المصاريف القضائية التكميلية، فتارة يذهب إلى
بطلان الشكاية المباشرة لعدم أداء المطالب بالحق المدني للمصاريف القضائية، وتارة
أخرى يقضي بعدم قبول الإدعاء، وقد قضت محكمة النقض الفرنسية إلى اعتبار الدعوى
قائمة، لكن يتعين على المحكمة تأجيل البث في شأنها إلى جلسة لاحقة في انتظار إيداع
المطالب بالحق المدني للمصاريف التي تراها ضرورية لصائر الدعوى، وقد حسم المشرع
الفرنسي في هذا الخلاف وقضى على عدم قبول الادعاء المباشر إذا لم يؤدي المعني
بالأمر المصاريف القضائية([22]).
وعلى غرار المشرع الفرنسي، نجد
أن المشرع المغربي من خلال المادتين 54 و 56 من قانون رقم 86 – 23 المتعلق بتنظيم
المصاريف القضائية في الميدان الجنائي، استعمل صيغة الوجوب في أداء المطالب بالحق
المدني سواء لمبلغ الإيداع أو الرسم القضائي، ورتب جزاء عدم قبول الشكاية المباشرة
في حالة الإخلال بهذا الأداء.
ويطرح السؤال حول محل هذا
الجزاء، هل يسري على الشكاية المباشرة بشقيها الجنائي والمدني ككل؟ أم يقتصر على
الشق المدني فقط؟.
وجوابا على هذا التساؤل قضى
المجلس الأعلى في إحدى قراراته جاء فيه: "بمقتضى نص الفصل 54 من ظهير
المصاريف القضائية، أن يودع بكتابة الضبط، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة المبلغ
المفترض أنه ضروري لتغطية جميع مصاريف الإجراءات.
وإذا تعلق الأمر بالخبرة، فإن
الأمر القضائي هو الذي يحدد مصاريفها، ولهذا فإن لا مجال للإنذار بوضع المصاريف
المذكورة بناء على ما استدل به الطاعن، والذي لا اعتبار له أمام النص القانوني
المذكور"([23]).
وأعتقد أن قرار المجلس الأعلى
جانب الصواب حيث قضى بعدم قبول الشكاية المباشرة في حالة عدم أداء الرسوم
القضائية، باعتبار أن الشكاية المباشرة تتميز بطبيعة قانونية مزدوجة لارتباط شقيها
ببعضهما كما أن المطالب بالحق المدني لم ينظم للنيابة العامة بعد إثارتها للدعوى
العمومية، وإنما أثارها بصفة شخصية، وبالتالي يتوجب عليه احترام الشكليات التي
يقتضيها القانون.
وتأسيسا على ما سبق، فإنه وبموجب الفصل 56 من قانون
المصاريف القضائية في الميدان الجنائي فإنه يجب على المدعي بالتعويض المدني غير
المتمتع بالمساعدة القضائية أن يودع بكتابة الضبط المبلغ المفترض أنه ضروري لتغطية
جميع مصاريف الإجراءات، تحت طائلة عدم قبول دعواه، أما ادا كانت هده المصاريف لا
تغطي الخبرة فلا ضير في ذلك لأنه يمكن للمحكمة بعد دلك وفي إطار إصدارها لحكم
تمهيدي بإجراء خبرة معينة أن تحدد مصاريفها.
و يمكن أن نسوق
في هذا الشأن مثالان عن أوامر صادرة عن قاضي التحقيق صرحت بعدم قبول الشكاية
المباشرة المقدمة أمامه نظرا لعدم أداء المطالب بالحق المدني للوديعة القضائية
داخل الأجل المحدد لذلك، وهكذا جاء في أمر
قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالجديدة في ملف تحقيق عدد 84/9:
"... وحيث حددت هذه الغرفة
بمقتضى قرار مؤرخ في 10/11/2008 الوديعة في مبلغ 4000.00 درهم، وبلغ نائب المطالب
بالحق المدني بهذا القرار بتاريخ 9/04/2009 حسب شهادة التسليم المؤرخة في 9/04/2009 إلا أنه لم يؤد
المبلغ المذكور داخل الاجل المحدد في أسبوع، وحيث أوجبت المادة 95 من قانون
المسطرة الجنائية على الطرف المدني أن يودع المبلغ المذكور أعلاه داخل الأجل
المحدد من طرف قاضي التحقيق تحت طائلة عدم قبول شكايته، لأجل نصرح بعدم قبول
الشكاية المباشرة مع تحميل الطرف المشتكي
صائر دعواه"، ونص أمر آخر صادر عن قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالجديدة في
ملف تحقيق عدد 235/08 على ما يأتي: "وحيث حددت هذه الغرفة بمقتضى قرارها
المؤرخ في 13/10/2008 الوديعة في المبلغ 6000.00 درهم وتم تحديد أجل أسبوع من أجل
أداء هذه الوديعة وبلغ الطرف المشتكي بهذا القرار بتاريخ 13/10/2008 حسب شهادة
التسليم المؤرخة في 13/10/2008، إلا أنه ليم يتم أداء مبلغ الوديعة داخل الأجل،
وحيث أوجبت المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية على الطرف المدني أن يودع المبلغ
المذكور أعلاء داخل الأجل المحدد من طرف قاضي التحقيق تحت طائلة عدم قبول شكايته،
من أجله: نصرح بعدم قبول الشكاية المباشرة مع تحميل الطرف المشتكي صائر
دعواه".
إضافة إلى ذلك يطرح تساؤل ينصب
على محل جزاء عدم قبول الشكاية المباشرة، فهل يسري ذلك على الشق الجنحي والمدني معا أم ينحصر عدم قبول فقط على
الشق المدني؟ وكجواب على هذا التساؤل يمكن القول أنه بالنظر إلى الطبيعة المزدوجة
للادعاء المباشر أو الشكاية المباشرة لارتباط شقيها المدني والجنحي يترتب عدم أداء
مبلغ الوديعة القضائية جزاء عدم قبول الادعاء المباشر ككل، ما دام أن المطالب بالحق
المدني لم ينضم إلى النيابة العامة بعد إثارتها للدعوة الزجرية، وإنما حركها بصفة
شخصية فكان عليه تبعا لذلك أن يحرص على احترام مراعاة الشكليات المتطلبة قانونا
بما في ذلك تنصيصات الظهير المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي([24]).
والحديث عن الوديعة القضائية
يدفعنا إلى الحديث عن كيفية تصفيتها والإعفاء من أدائها.
*: كيفية تصفية الوديعة
القضائية
يحق للمطالب بالحق المدني إذا
ما صدر حكم لصالحه في إطار الشكاية المباشرة أن يسترجع المبالغ التي أودعها لدى
كتابة الضبط لاسيما المتعلقة بصوائر المسطرة، إلا أن الوديعة القضائية إليه بعد
انتهاء القضية يقتضيه حكم يكتسب قوة الشيء المقضي به([25])، ولذلك تكون كتابة
الضبط ملزمة حسب الفصل 587 من ظهير تنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي
بأن ترد إلى المطالب بالحق المدني المبالغ الباقية بحساب المحكمة مقابل إيصال لأن
كتابة الضبط يتعين عليها مسك سجل رقم وموقع من طرف رئيس المحكمة تفتح فيه حسابات
خصوصية تتعلق بالمبالغ المودعة من طرف المطالب بالحق المدني لمواجهة مصاريف
الدعوى، لكن استرجاع المطالب بالحق المدني للمبالغ المودعة يستلزم أن يطالب بذلك
داخل السنتين المواليتين لتاريخ صدور الحكم النهائي وإلا تسلم إلى الخزينة العامة
وتصير ملكا لها بصفة نهائية([26]).
أما المبالغ المستعلمة من طرف
كتاب الضبط قصد تسديد مصاريف المسطرة
فتردها الخزينة العامة إلى المطالب بالحق المدني بعد تأشيرة النيابة العامة وذلك
خلال أجل سنتين ابتداء من صيرورة الحكم غير قابل للطعن كما ينص على ذلك الفصل 58
من ظهير 31/12/1986 المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي، أما
فيما يخص المبالغ المودعة من طرف المطالب
بالحق المدني والتي صرفت لتغطية مصاريف الدعوى فإن الطرف الخاسر هو الذي يتحملها
سواء كان المطالب بالحق المدني أو المتهم، فإذا كان المتهم هو الذي خسر الدعوى يحق حينئذ للمطالب
بالحق المدني استرجاعها منه تنفيذا للمقرر أو الحكم الصادر([27]).
*: الإعفاء من أداء الوديعة
القضائية
أنشئ نظام المساعدة القضائية
بالمغرب تطبيقا لمبدأ مجانية القضاء للمعوزين الذين يعجزون عن تحمل نفقات التقاضي
أمام المحاكم للدفاع عن حقوقهم، ويخضع حاليا هذا النظام للمرسوم الملكي رقم 65-514 الصادر بتاريخ 18 رجب 1386
هـ الموافق (لـ 1 نونبر 1966)([28])، لذلك فإن نظام
المساعدة القضائية يستفيد منه أيضا المطالب بالحق المدني الذي حرك الدعوى العمومية
عن طريق الشكاية المباشرة شريطة أن يتقدم بطلب إلى مكتب المساعدة القضائية المختص
الذي يختلف تأليفه حسب المحاكم، فبالنسبة للمكتب القائم بمحكمة الاستئناف فيتكون
من ممثل الحق العام وآخر لوزارة المالية ومحام ويصدر قراراته بحضور جميع الأعضاء وترفع الطلبات إلى مباشرة أو عن طريق
المحكمة الابتدائية مصدرة الحكم غير أن قراراته لا تتوفر على أثر واقف وبالنسبة
للمكتب المتواجد بالمحكمة الابتدائية فإن
تركيبة وسير عمله لا يختلفان عن نظيره بمحكمة الاستئناف([29])، لكن يتعين على طالب
المساعدة القضائية استنادا إلى الفصل السابع من المرسوم الملكي المذكور أعلاه أن
يدعم طلبه بشهادة إدارية يسلمها الباشا أو القائد تتضمن وسائل عيشه، إلا أن العمل
جرى على مطالبة صاحب الطلب زيادة على الشهادة المذكورة بشهادة بعدم فرض أي ضريبة
عليه([30])، إضافة إلى ذلك يتأكد
من خلال المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية المغربي والمادة 54 من ظهير
27/06/1986 المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي أنه من حق
المطالب بالحق المدني المثير للدعوى العمومية أن يحصل على الإعفاء من مكتب
المساعدة القضائية المختص([31])، هذا الإعفاء الذي ينصب
على مبلغ الوديعة القضائية فإذا صدر قرار المساعدة القضائية لصالح المطالب بالحق
المدني يمكنه حينئذ تقديم شكايته المباشرة دون أداء هذه الوديعة، مع العلم أن
المقرر الممنوحة بموجبه المساعدة القضائية يحدد عادة نوع الإجراء والغرض الذي من
أجله والإجراءات التي يشملها([32]). إذن فالإعفاء من أداء
الوديعة القضائية بموجب قرار المساعدة القضائية الذي يخول للمطالب بالحق المدني
تحريك الدعوى العمومية بناء على الشكاية المباشرة دون أن يؤدي هذا المصروف
القضائي، وهو يمثل وسيلة قانونية تحمي المتضرر غير ملئ الذمة المالية وتمكنه من
اقتضاء حقوقه.
إضافة إلى مبلغ الإيداع الذي
يتضمن القسط الجزافي يتوجب على المطالب بالحق المدني أن يؤدي الرسم القضائي.
3.
ثالثا :أداء الرسم القضائي
لقد ألزمت المادة 56 من قانون
86-23 المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي المطالب بالحق المدني
أداء الرسم القضائي سواء أمام قاضي التحقيق، أو هيئة الحكم، حتى تقبل شكايته
المباشرة([33]).
وبهذا الخصوص صدر قرار عن
المجلس الأعلى عدد 3624 صادر بتاريخ 27-04-1989 جاء فيه: "بمقتضى قانون تصفية
المصاريف القضائية في الميدان الزجري الذي أصبح معمولا به ابتداء من فبراير 1987،
فإن المطالب بالحق المدني إنما يؤدي مبلغا عن طلباته أمام المحكمة الجنائية"([34]).
يتضح مما سبق أن المشرع المغربي
ألزم المتضرر من أداء مبلغ الرسم القضائي، وإلا نتج عن عدم أداءه عدم قبول شكايته
المباشرة، الأمر نفسه ينتج في حالة عدم أداء القسط الجزافي أو مبلغ الإيداع.
ويجب الإشارة إلى أن المادة 95([35])، من قانون المسطرة
الجنائية تثير ثلاث إشكاليات تتمثل الأولى في وجود نوع من التعارض بينها وبين
قانون المصاريف القضائية في الميدان الجنائي، حيث أن هذا الأخير ألزم المطالب
بالحق المدني المحرك للدعوى العمومية بإيداع جميع مصاريف الإجراءات، وأيضا أداء
الرسم القضائي، تحت طائلة عدم قبول الشكاية المباشرة، في حين نجد المادة 95 من
قانون المسطرة الجنائية أوجبت إيداع مصاريف الإجراءات فقط، التي يضاف إليها القسط
الجزافي الذي يحدد قانون المصاريف القضائية([36]).
وإذا اعتمد قاضي التحقيق على
المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية فقط في تحديد صوائر الشكاية المباشرة، فإنها
تعتبر غير مقبولة ولاغية بالنظر إلى قانون 86-23، الذي إضافة إلى إلزامه أداء
المصاريف القضائية أضاف ضرورة أداء الرسم القضائي تحت طائلة عدم القبول.
ولهذا ولتجنب هذا التناقض يتعين
على قاضي التحقيق دائما الرجوع إلى قانون 86-23، وإلى قانون المسطرة الجنائية،
لتحديد مبلغ الصوائر القضائية حتى لا يترتب على ذلك عدم قبول الشكاية.
مع أنه كان عليه التنصيص صراحة
في قانون المسطرة الجنائية على إلزامية أداء الرسم القضائي إلى جانب مصاريف
إجراءات الدعوى وبالتالي تجاوز الخلاف بين القانونين.
ونحن نعتقد بخصوص
الإشكالية الأولى أنه ليس هناك تعارض بين
المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية وقانون 23-86 المتعلق بالمصاريف
القضائية في الميدان الجنائي على اعتبار
أن هدا القانون الأخر هو في الأصل قانون خاص وهو يقيد النص العام، أي انه الأولى
بالتطبيق في حالة تواجد تعارض. مع العلم
أنه ليس هناك تعارض لكون عبارة مصاريف الدعوى في المادة 95 من قانون المسطرة
الجنائية جاءت عامة وشاملة ولم تخصص أو تحدد مصروف بعينه، مما يستنتج القول على أن الرسم القضائي
يدخل في نطاق مصاريف الدعوى، بل هناك تجانس وتكامل ذلك أن قاضي التحقيق يقوم
بإعمال المادة 95 من قانون المسطرة
الجنائية عندما يتعلق الأمر بمصاريف تنفق على إجراءات الدعوى العمومية المحركة من قبل المتضرر، وتشمل هذه المصاريف
على سبيل المثال ) أجور الخبراء والتراجمة ومصاريف استدعاء الشهود...الخ(. وهو يراعي في تقديره
الإمكانيات المالية للمشتكي ، أما عندما يتعلق الأمر بالرسم
القضائي بالأجر الضريبية القضائية التي تفرضها الدولة على المتضرر أو المشتكي لقاء قبول شكايته والتحقيق فيها.
وبعبارة أخرى أن أداء المشتكي للرسم القضائي يكون نضير توفير الدولة ممثلة في مرفق
المحكمة لخدمة التحقيق والمتابعة وإيقاع العقاب في حق المتهم.
والإشكالية الثانية تتجلى في
جزاء عدم قبول الشكاية الذي أشار إليه الفصل 96 عند عدم أداء صوائر الدعوى، فهل
هذا الجزاء يجب أن يصدر في إطار أمر قضائي من طرف قاضي التحقيق، أم يقتصر الأمر
فقط على موقف سلبي، يتمثل في عدم إنجاز أي إجراء بشأن الشكاية؟.
إنه من الواجب أن يتم التنصيص
على هذا الأمر حتى يتم تنظيم العمل القضائي، غير أن النصوص القانونية المنظمة
للشكوى في قانون المسطرة الجنائية لم تشر إلى هذا الإشكال، وبالتالي لم يتم تحديد
كيفية صدور هذا الجزاء، هل يتعين إصدار أمر من قاضي التحقيق، أم يكتفي فقط باتخاذ
موقف سلبي عن طريق عدم القيام بأي إجراء بخصوص الشكاية المباشرة، وهذا الإشكال وجد
أيضا في فرنسا، لكن تم تجاوزه، حيث عمدت مديرية الشؤون الجنائية والعفو إلى إصدار
منشور مؤرخ في يناير 1973 يحث قضاة التحقيق على إصدار أمر بعدم القبول في حالة عدم
إيداع الصائر([37]).
وندعو المشرع المغربي أن يحدوا
ما ذهب إليه المشرع الفرنسي، وينص على ضرورة أن يصدر قاضي التحقيق أمر بعدم قبول
الشكاية في حالة عدم أداء صوائر الدعوى.
وبتحليل قانوني فإنه إذا كان
تحديد مبلغ مصاريف الدعوى يتم بمقتضى أمر قضائي صادر عن قاضي التحقيق حسب المادة
95 من قانون المسطرة الجنائية فإن نفس
الأمر أيضا ينطبق على عدم أداء مصاريف الدعوى حيث يصدر أمر قضائي بعدم قبول
الشكاية.
والإشكالية الثالثة تتمثل في
الطبيعة القانونية للأمر القضائي المحدد لصائر الدعوى([38])، وما مدى إمكانية الطعن
فيه أم لا، في حالة إذا اتسم تحديد المبالغ بالمبالغة البعيدة عن المعايير
الموضوعية إلى حد تشكل تعجيزا في ممارسة حق من الحقوق التي يمنحها القانون في مجال
التقاضي؟.
والسؤال المطروح أيضا هل يمكن
الاستناد إلى المادة 294 من قانون المسطرة الجنائية التي تمنح الحق للمطالب بالحق
المدني استئناف أوامر قاضي التحقيق التي تمس مصالحه المدنية، وهو تحديد عام وشامل
يستند إلى معيار المس بالمصالح المدنية؟
هنا يرى عمر الأبيض([39])، أنه يصعب الجزم
بإمكانية ذلك لأنه توجد المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية التي تقر وبصريح
العبارة أن عدم إيداع صائر الدعوى يترتب عليه عدم قبول الشكاية المباشرة، وما دام
الأمر كذلك فهي منعدمة، ومن هنا لا يمكن القيام بأي إجراء سواء تعلق بالدعوى
المدنية أو الدعوى العمومية.
ويضيف عمر الأبيض أن الطعن ما
هو إلا فرع من أصل وانعدام الحق في الأصل يترتب عليه لا محالة انعدام الحق في
الفرع.
وأعتقد أن ما ذهب إليه الأستاذ
عمر الأبيض يجانب الصواب، لأنه ما دام أنه يترتب عن عدم أداء صائر الدعوى عدم قبول
الشكاية وانعدامها من الناحية القانونية، فإنه لا يمكن الطعن في أمر قضائي أصلا
غير موجود ومنعدم.
وبالنسبة لمعايير تحديد صائر
الدعوى، فنجد أن المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية قد اعتمدت على معيار
الإمكانيات المالية للمشتكي، وهو المعيار الوحيد المعتمد عليه، حيث جاء في المادة
السالفة الذكر ما يلي: "...ويحدد له أجل الإيداع وذلك تحت طائلة عدم قبول
شكايته، ويحدد هذا المبلغ بأمر من قاضي التحقيق الذي عليه أن يراعي الإمكانيات
المالية للمشتكي...".
وما يلاحظ هو أن عبارة
"الإمكانيات المالية" جاءت عامة، وهذا يثير إشكال يتمثل في اختلاف مبلغ
الإيداع من متضرر إلى آخر، وكذا لنفس الجريمة وغاية المشرع من وراء هذا المعيار
لتحديد مبلغ الإيداع، هو الحد من الشكايات الكيدية التي قد يلجأ إليها البعض،
والتي تؤدي إلى إطالة المساطر وتعطيل تنفيذ أحكام وقرارات التي يمكن أن تكون قد
قطعت أشواطا مهمة في مرحلة التقاضي، والتي قد تتوقف نتيجة تقديم هذه الشكاية([40]).
وقد أشارت المادة 88 من قانون
المسطرة الجنائية الفرنسية على المعيار نفسه، حيث خولت لقاضي التحقيق أن يقوم
بتحديد المبلغ اعتمادا على موارد عيش المشتكي، وبالتالي يمكن إعفاؤه في حالة عدم
توفره على موارد عيش كافية([41]).
ويكمن الخلاف بين المشرع
المغربي ونظيره الفرنسي في كون هذا الأخير استعمل عبارة "موارد العيش"
في مقابل المشرع المغربي الذي استعمل عبارة "الإمكانيات المالية"، وقد
أعطى المشرع الفرنسي لقاضي التحقيق الحق في إعطاء المشتكي من أداء صائر الدعوى، في
حالة ما إذا تبين له عدم كفاية موارد عيشه، وهذا على خلاف المشرع المغربي الذي لم
ينص على هذا المقتضي، وإنما أشار فقط إلى إمكانية حصوله على المساعدة القضائية من
خلال تقديمه طلب مدعم بشهادة إدارية يسلمها الباشا أو القائد، تتضمن وسائل عيشه([42]).
وبمجرد إيداع صائر الدعوى يصبح
المشتكي حاملا صفة مطالب بالحق المدني وما يترتب عن ذلك من وضع قانوني تعترف به
مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، المنظمة لذلك.
ونشير هنا إلى أنه وبحكم
التجربة التي يتوفر عليها قاضي التحقيق، يستطيع تنبؤ أو افتراض مختلف إجراءات
البحث التي تفترضها الشكاية من استماع إلى الشهود وإجراء خبرة خاصة في الشكايات
المتعلقة بالزور، وغيرها من الإجراءات، من خلال ذلك يحدد صائر لكل إجراء ليصل إلى
المجموع ونشير أيضا إلى أنه وطبقا للفصل 57 من قانون 86-23 المتعلق بالصوائر
القضائية في الميدان الجنائي ترد مبالغ المودعة خصوصا صوائر المسطرة ترد إليه في
حالة ما إذا صدر حكم لصالحه، ولكن لا ترد إلا بعد صدور حكم نهائي مكتسب لقوة الشيء
المقضي به.
ويضيف الفصل 57 أنه يتعين على
المطالب بالحق المدني والذي صدر في حقه حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، أن يطالب
بإرجاع هذه المبالغ في حدود أجل لا يتعدى سنتين من تاريخ صدور الحكم وإلا فإن
المبالغ ستصبح ملكا للخزينة العامة بعد تسليمها إليها.
وتسترجع أيضا المبالغ التي لم
يتم استعمالها، والتي بقيت بحوزة كتابة الضبط في حساب خاص كما ينص على ذلك الفصل
57 من قانون 86-23 أما بخصوص المبالغ التي لم يتم صرفها، فإن الطرف الذي خسر
الدعوى هو الذي يتحملها، ويحق للمطالب بالحق المدني حينها أن يسترجعها منه تنفيذا
للحكم الصادر.
لائحة المراجع:
محمد كاسم "بعض الإشكاليات
الناجمة عن تطبيق الاستثناءات الواردة على قاعدة لزومية أداء الرسم القضائي"
مجلة المحامي، العدد 91، المطبعة الوطنية، مراكش، ماي 2001.
القرار عدد 2142 الصادر بتاريخ
10-03-1988 في الملف الجنحي رقم 12258/81، قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى،
عدد 45.
قرار عدد 653/22 الصادر بتاريخ
12-04-1979 ملف جنحي رقم 288/46، منشور بمجلة رابطة القضاة، عدد 14-15.
قرار الغرفة الجنحية لمحكمة
الاستئناف بالجديدة رقم 111 ملف عدد74-10-2010 صادر بتاريخ 5 ماي 2010، قرار غير
منشور.
قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 11-3-97 تحت عدد 313
منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية الجزء 2 ص 247 وما يليها.
وقرار آخر صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 27-03-1997 تحت عدد 6469، منشور بمجموعة
قرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية الجزء الثاني ص 411 وما يليها.
قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 18-7-2007 تحت عدد
31892 في الملف عدد 20405/06 منشور بمجلة الملف عدد 13 ص 270 وما يليها.
قرار صادر عن المجلس الأعلى
بتاريخ 20-2-2002 تحت عدد 11183 في الملف عدد 12698/01 منشور بالتقرير السنوي
للمجلس الأعلى لسنة 2002 .
قرار صادر عن المدلس الأعلى بتاريخ 30-5-01 تحت عدد
1385/1 في الملف الجنحي عدد 8153//01 منشور بمجلة المرافعة عدد 14 و15 .
قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 04-04-2007 تحت عدد
07124 في الملف عدد 4375-05، منشور بمجلة
الملف عدد 12.
عبد الرحيم زكار، الإدعاء
المباشر والشكاية المباشرة في التشريع المغربي، دراسة تحليلية عملية الطبعة
الأولى، مطبعة إيديكا، 2001.
قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19-12-1989 تحت عدد
9672 في الملف الجنحي عدد 126/87 منشور
بمجلة المحامي عدد 19 و20 .
قرار صادر عن المجلس الأعلى
بتاريخ 10-12-1970 تحت عدد 111 منشور
بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة
الجنائية الجزء الأول ص 50 وما يليها. وفي
قرار آخر صادر عنه بتاريخ
08-11-1973 تحت عدد 287 في الملف الجنحي عدد 24123 منشور بمجلة المحاكم المغربية
عدد 26 .
عبد الوهاب بنسعيد، "دراسة
حول الشكاية المباشرة"، مجلة المحاماة، العدد 2، فبراير 1985.
قرار عدد 2725 بتاريخ
16-04-1992 في الملف الجنحي عدد 2065658/90، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد
41، دجنبر 2000.
عبد الوهاب بن سعيد، "دراسة
حول الشكاية المباشرة" مقال منشور بمجلة رسالة المحاماة، عدد 2/ فبراير 1985 .
[1]- ينص
الفصل 45 من القانون رقم 86-23 المتعلق بتنظيم الصوائر القضائية في الميدان
الجنائي على أنه يجب على المدعي بالحقوق المدنية غير المتمتع بالمساعدة القضائية
أن يودع بكتابة ضبط المحكمة وإلا كانت دعواه غير مقبولة المبلغ المفترض أنه ضروري
لتسديد جميع مصاريف الإجراءات إذا رفع قضيته مباشرة إلى قاضي التحقيق، أو إلى
المحكمة وفقا لقانون الإجراءات الجنائية، ويشمل مبلغ الإيداع المذكور القسط
الجزافي المنصوص عليه في المادة 50 أعلاه مضافا إليه إن اقتضى الحال المبلغ المعد
لتسديد مصاريف الخبرة إذا تقرر القيام بهذا الإجراء.
للمزيد من التفاصيل حول المساعدة
القضائية، أنظر، محمد القدوري، "المساعدة القضائية"، مجلة المحاماة عدد
2 فبراير 1985، ص: 37.
[2]- القانون
رقم 86-23 المتعلق بتنظيم الصوائر القضائية في الميدان الجنائي الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 238-86-1 الصادر في 28 ربيع الثاني 1407 (الموافق لـ 31 دجنبر
1986)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3877 بتاريخ 19 جمادى الثانية 1407 (18 فبراير
1987) الذي ألغى الظهير الشريف رقم 300-59-1، بتاريخ 29 جمادى 1380 (17 يناير
1961).
[3]- محمد
كاسم "بعض الإشكاليات الناجمة عن تطبيق الاستثناءات الواردة على قاعدة لزومية
أداء الرسم القضائي" مجلة المحامي، العدد 91، المطبعة الوطنية، مراكش، ماي
2001، ص: 136.
[4]- تنص
المادة 530 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: "يجب على الطرف الذي يطلب
النقض ما عدا النيابة العامة أو الإدارات العمومية، أن يودع مع مذكرة النقض، أو
داخل الأجل المقرر لإيداعها في الحالات التي لا تكون فيها المذكرة إجبارية، مبلغ
ألف درهم (1000) بكتابة الضبط للمحكمة التي أصدرت القرار المطعون فيه...".
[5]- حكم
منشور بمجلة المعيار، عدد 31 ،2004. ص: 219.
[6]- القرار
عدد 2142 الصادر بتاريخ 10-03-1988 في الملف الجنحي رقم 12258/81، قرار منشور
بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 45، ص: 172.
[7]- قرار عدد
653/22 الصادر بتاريخ 12-04-1979 ملف جنحي رقم 288/46، منشور بمجلة رابطة القضاة،
عدد 14-15، ص: 83.
[8] - قرار عدد
254/2009، ملف رقم 147/09 صادر بتاريخ 05-11-2010، قرار غير منشور.
[9] - طبقا
للمادة 224 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها "يمكن للطرف المدني ان يستأنف
لدى الغرفة الجنحية الأوامر الصادرة بعدم إجراء تحقيق، وبعدم المتابعة، وكدا الأوامر
التي تمس بمصالحه المدنية"
[10] - قرار
الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف بالجديدة رقم 111 ملف عدد74-10-2010 صادر بتاريخ
5 ماي 2010، قرار غير منشور.
[11] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 11-3-97 تحت عدد 313
منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية الجزء 2 ص 247 وما يليها.
وقرار آخر صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 27-03-1997 تحت عدد 6469، منشور بمجموعة
قرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية الجزء الثاني ص 411 وما يليها.
[12] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 18-7-2007 تحت عدد
31892 في الملف عدد 20405/06 منشور بمجلة الملف عدد 13 ص 270 وما يليها.
[13] - قرار صادر عن المجلس
الأعلى بتاريخ 20-2-2002 تحت عدد 11183 في الملف عدد 12698/01 منشور بالتقرير
السنوي للمجلس الأعلى لسنة 2002 ص 125.
[14] - قرار صادر عن المدلس الأعلى بتاريخ 30-5-01 تحت عدد
1385/1 في الملف الجنحي عدد 8153//01 منشور بمجلة المرافعة عدد 14 و15 ص 192 وما
يليها.
[15] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 04-04-2007 تحت عدد
07124 في الملف عدد 4375-05، منشور بمجلة
الملف عدد 12، ص 282 وما يليها.
[16]- عبد
الرحيم زكار، الإدعاء المباشر والشكاية المباشرة في التشريع المغربي، دراسة
تحليلية عملية الطبعة الأولى، مطبعة إيديكا، 2001، ص: 67.
[17] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 16-11-1992 تحت عدد
2725 في الملف الجنحي عدد 20656/90 منشور
بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 293
وما يليها.
[18] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19-12-1989 تحت عدد
9672 في الملف الجنحي عدد 126/87 منشور
بمجلة المحامي عدد 19 و20 ص 164 وما يليها.
[19] - قرار
صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 10-12-1970
تحت عدد 111 منشور بمجموعة قرارات
المجلس الأعلى المادة الجنائية الجزء الأول ص 50 وما يليها. وفي قرار
آخر صادر عنه بتاريخ 08-11-1973 تحت عدد 287 في الملف الجنحي عدد 24123
منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 26 ص 80 وما يلبها.
[20]- عبد
الوهاب بنسعيد، "دراسة حول الشكاية المباشرة"، مجلة المحاماة، العدد 2،
فبراير 1985، ص: 101.
[21] - قرار المحكمة الابتدائية بمكناس في ملف تحقيق عدد
2010-216 بتاريخ 2010-6-30.قرار غير منشور.
[22]- للمزيد
من التفاصيل أنظر عبد المجيد مربوح، الشكاية المباشرة أمام القضاء الزجري، رسالة
نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء فوج 32، 2002 – 2004، ص: 22.
[23]- قرار عدد
2725 بتاريخ 16-04-1992 في الملف الجنحي عدد 2065658/90، منشور بمجلة قضاء المجلس
الأعلى عدد 41، دجنبر 2000، ص: 278-279.
[24] - عبد الرحيم زكار، مرجع سابق،
ص: 69.
[25] - عبد الوهاب بن سعيد، "دراسة حول الشكاية
المباشرة" مقال منشور بمجلة رسالة المحاماة، عدد 2/ فبراير 1985 ص: 115.
[26] - بن جلون عبد العزيز، الشكاية
المباشرة، تقرير نهاية التمرين بالمعهد الوطني للدراسات القضائية، الرباط، الفوج
15، ص: 15.
[27] - عبد الوهاب بن سعيد، مرجع
سابق، ص: 115.
[28] - محمد محبوبي، أساسيات في
التنظيم القضائي المغربي، الطبعة الأولى، 2007، دار أبي رقراق للطباعة والنشر،
الرباط، ص: 62.
[29] - محمد لمريني، "مؤسسة
المساعدة القضائية"، مجلة الحدث القانوني، عدد 18/ شتنبر 1999، ص: 13.
[30] - محمد القدوري،"المساعدة
القضائية"، مجلة رسالة المحاماة، إصدار هيئة المحامين بالرباط، العدد 2/
فبراير 1985، مطبعة الرسالة بالرباط، ص: 44.
[31] - محمد بلهاشمي التسولي،
المصاريف القضائية في الميدان الجنائي، الطبعة الأولى، 1423هـ /2001م، المطبعة
الوراقة الوطنية، مراكش، ص: 52.
[32] - محمد القدوري، مرجع سابق، ص:
46.
يعد قرار المساعدة القضائية قرار
لكونه يتركز على الحالة المادية للطالب وهي حالة تقبل التغيير في أي وقت، من هنا
يمكن القول أنه إذا زال سبب منح المساعدة القضائية فإن طالب المساعدة القضائية في
هذه الحالة يكون ملزما بأداء المصاريف القضائية، وبالرجوع إلى الفصل 14 من المرسوم
الملكي المنظم للمساعدة القضائية نجد أنه يحدد الأسباب التي يمكن أن تسحب فيها
المساعدة من الطالب ومنها حصوله على مبالغ مالية نتيجة تنفيذ الحكم الصادر
لفائدته.
[33]- تنص
المادة 56 على أنه: "يجب على المطالب بالحقوق المدنية التي ترفع دعواه مباشرة
إلى المحكمة أن يدفع زيادة على مبلغ الإيداع، مبلغ الرسم الذي كان يتعين عليه
أداؤه، لو رفع الدعوى إلى المحكمة المدنية، وإلا اعتبر طلبه غير مقبول، يجب كذلك
دفع هذا الرسم على المدعي بالحقوق المدنية الذي رفع قضيته مباشرة إلى قاضي التحقيق
وفق الشروط المقررة في قانون الإجراءات الجنائية".
[34]- قرار
منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 42-43، دجنبر 2000، ص: 201-202.
[35]- ينص
الفصل 95 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: "يجب على الطرف المدني عند
إقامته للدعوى العمومية، ما لم يكن محملا على المساعدة القضائية، أن يودع بكتابة
الضبط المبلغ الذي يفترض أنه ضروري= = لمصاريف الدعوى، ويحدد له أجل الإيداع، وذلك
تحت طائلة عدم قبول شكايته، ويحدد هذا المبلغ بأمر من قاضي التحقيق الذي عليه أن
يراعي الإمكانيات المالية للمشتكي".
[36]- عمر
الأبيض، "الشكاية المصحوبة بالإدعاء بالحق المدني أمام قاضي التحقيق"،
نشرة محكمة الاستئناف، العدد 1، الرباط 2004، ص:
[37]- عمر
الأبيض، "الشكاية المصحوبة بالإدعاء بالحق المدني أمام قاضي التحقيق"،
مجلة القضاء والقانون، عدد 146، 2006، ص: 92.
[38]- ونشير
هنا أنه في حالة كون المشتكي حاصلا على المساعدة القضائية، فإنه لا يكون لازما في
هذه الحالة تحديد صائر الدعوى، لأنه معفي من الإيداع، وتتكلف الخزينة العامة بأداء
مصاريف الدعوى.
[39]- عمر
الأبيض، مرجع سابق، ص: 93.
[40]- عبد
المجيد مربوح، مرجع سابق، ص: 24.
[41]- Gillbert Azibert، Code De Procédure Pénale،
Lite، 20éme édition،
Paris، 2009، P : 112.
[42]- محمد
القدوري، مرجع سابق، ص: 44.
0 تعليقات