آخر الأخبار

Advertisement

التضليل الاعلاني وأثره على المستهلك - الباحث حسين كركان حسين الشحماني- العدد 49 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني - تقديم ذ محمد القاسمي


  التضليل الاعلاني وأثره على المستهلك - الباحث حسين كركان حسين الشحماني- العدد 49 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني - تقديم ذ محمد القاسمي


لتحميل عدد المجلة الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf الرابط أذناه:


https://www.allbahit.com/2022/12/49-2022-30-pdf-httpsdrive.html



        الباحث حسين كركان حسين الشحماني

 باحث بسلك الدكتوراه بجامعة قم

   المشرف الدكتور محمد صادقي - جامعة المصومة / قم

   التضليل الاعلاني وأثره على المستهلك

Advertising misinformation and its impact on the consumer

مقدمة :

لعل ابرز ما يميز النشاط التجاري في عصرنا هذا هو الازدياد المطرد في الانتاج وما تبعه من تعقيد الطابع الفني للسلع والخدمات فضلا عن التطور الكبير في اليات التعاقد مما جعل طائفة من الناس تقدم على التعاقد على نحو غير متبصر بالسلع والخدمات التي يهدفون للحصول عليها الى جانب عدم معرفتهم الكافية باليات التعاقد او بالجانب القانوني للشروط التعاقدية على الرغم من تمتعهم بالأهلية القانونية للتعاقد وازاء هذه الظاهرة التي بدت في جوانبها الاولى ظاهرة اقتصادية الا انها ما لبثت ان تحولت الى ظاهرة قانونية حيث وجد المشرع مرغماً في كثير من الدول لتنظيم عملية التعاقد والجوانب القانونية لهذه الفكرة مدفوعا باعتبارات اجتماعية واقتصادية واحيانا سياسية فشاع مصطلح حماية المستهلك بوصفه مصطلحا قانونيا يخضع لنظام قانوني خاص ابرز ما يميزه هو الخروج في اغلب احكامه على القواعد المعروفة في القانون المدني او القانون التجاري .

ولما كان المشرع العراقي لم يصدر قانونا لا لحماية المستهلك ولا لتنظيم العقود الالكترونية فإن البحث في حماية المستهلك في عقود التجارة الالكترونية اخذ يكتسي بأهمية بالغة اذ لا مناص والامر هكذا من الرجوع الى القواعد العامة ومحاولته تلمس احكام يمكن تطويعها لإقرار هذه الحماية بيد ان اهمية الموضوع على هذا النحو لا يلغي ما يكتنف دراسته من صعوبات بالغة وذلك ان البحث في القواعد العامة التي استقرت في التشريع وفي التفسير القضائي وترسخت بمبادئ عامة استقرت في العمل القضائي ومحاولة تطويع هذه القواعد لحكم حالات مستجدة في اطارها العام .

ان التضليل يتداخل مع الكذب في الاعلان التجاري وهو ما يوجب تحديدهما وكذلك بيان معيار التضليل في الاعلان وتوضيح اساليب التضليل في الاعلان التجاري وهذا ما سنبحثه في

المطلب الأول: ونبحث الاعلان التجاري عن طريق المقارنة  بين السلع  و منتجها  في المطلب الثاني: بالإضافة الى بحث الاعلان المضلل في القانون العراقي في المطلب الثالث وكما يأتي:

الفرع الأول: مفهوم الاعلان المضلل

يتداخل الاعلان المضلل مع مفاهيم اخرى تقترب منه كثيرا منها الكذب والخداع الاعلاني مما يقتضي تحديدها بدقة الكذب هو لغة الاخبار عن شيئ بخلاف ما هو عليه في الواقع[1] فالكذب الاعلاني هو ادعاء او زعم مخالف للحقيقة الهدف منه تضليل المستهلك عن طريق تزييف الحقيقة او اصدار تأكيدات غير صحيحة او غير مطابقة للواقع او لا يمكن الوفاء بها من الناحية العملية .

والكذب يحتوي على عنصرين احدهما مضمون كاذب والاخر قصد الغش وتزييف الحقيقة ويذهب الاتجاه الغالب في الفقه والقضاء الفرسيين في ظل قانون 27 كانون الاول 1973 الى عدم ضرورة ان يكون الاعلان قد تم بسوء نية ليكون مضللا بل يكفي ان يكون المضمون كاذبا بصرف النظر عن حسن نية المعلن او سوئها[2] والكذب قد يكون بعمل ايجابي او قد يتحقق بموقف سلبي اي بالسكوت عن واقعة لو علم المتعاقد بها لما اقدم على التعاقد اما الاعلان المضلل فهو الاعلان الذي يكون من شأنه خداع المستهلك او يمكن ان يؤدي الى ذلك وقد عرف التوجيه الاوربي الصادر في 10 ايلول 1984 بالمادة القانوية منه الاعلان المضلل بأنه (أي اعلان بأي طريقة كانت يحتوي في طريقة تقديمه على اي تضليل او يؤدي الى تضليل هؤلاء الذين يصلهم الاعلان ) كما نصت المادة الثالثة في التوجيه السابق على ان الاعلان المضلل يقع بطريق اغفال احدى الخصائص الجوهرية للسلعة المعلن عنها وقد استعمل الفقه مصطلحي الاعلان الكاذب والاعلان المضلل كمترادفين رغم ما بينها من فروق[3] فالفرق بين الاعلان الكاذب من جهة والاعلان الخادع والمضلل من جهة اخرى هو ان الاعلان الخادع او المضلل لا يتضمن بيانات كاذبة الا انه يصاغ في عبارات في شأنها ان تؤدي الى خداع المستهلك في حين ان الخداع في الاعلان الكاذب يكون اكثر وضوحا ومن ثم فأن كل اعلان كاذب هو اعلان مضلل دون العكس ومن ثم فأن التضليل الاعلاني اوسع نطاقاً في الكذب الاعلاني واذا كان الدين والاخلاق يدينان الكذب فإن القانون لا يحاسب عليه الا اذا بلغ حدا يمس بالعلاقات الاجتماعية والحقيقة ان الصدق الكامل قد يكون متعذراً في الاعلان التجاري لان التاجر المحترف يركز في اعلاناته على الجوانب المشرقة في السلعة او الخدمة محل الاعلان اعتمادا على المبالغة في الوصف والمدح الذي يأخذ اسلوب الطرافة والخيال لدفع المستهلكين للحصول عليها وهو مسلك مبرر في ضوء طبيعة الاعلان التجاري والهدف منه لذلك يجب التمييز بين الكذب والتضليل في الاعلان ومجرد المبالغة والاثارة حيث ان القانون لا يشمل المستهلك بالحماية الا في الاعلان المضلل او الكاذب .

وتعاطي الموضوع تقدير كون الاعلان مضللا او لا مترشداً في ذلك بالظروف الملابسة وثقافة المجتمع ووعيه فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية الا ان الاعلان عن شراب يتكون من مواد كيميائية على انه شراب ذو طعم عصير الفواكه يعتبر اعلانا صحيحا ولكنه يصير خادعا اذا صاحبته صورة الفواكه ناضجة اذ ان ذلك يدعوا المستهلكين الى الاعتقاد بان الشراب مصنوع من عصير الفواكه وليس ذلك صحيحا وذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكم اخر الى ان قيام شركة في اعلاناتها عن حقائب السمو نايت الذي جاء بصورة مباراة كرة قدم بين مجموعة من البلدوزرات الضخمة والكرة عبارة عن حقيبة السمو نايت تمر عليها البلدوزرات عدة مرات لكن الحقيبة تبقى قوية وسليمة دلالة على متانة الانتاج فان مثل هذا الاعلان لا يعتبر مضللا فهو لا يعدو ان يكون نوعا من المبالغة والخيال .

المقبولين في الحياة التجارية وعد مثل هذا الاعلان مضللا يعني تجرد الجمهور من ادنى درجات الادراك والفطنة.

الفرع الثاني: معيار تقدير التضليل في الاعلان التجاري

اشارت مسألة تحديد المعيار الذي يركن اليه البيان ما اذا كان الاعلان مضللا من عدمه خلافا فقهيا وذهبت الاراء الفقهية بشأنه الى المذهبين بعضها يقول بالمعيار الشخصي وذهب بعضها الاخر الى القول بالمعيار الموضوعي ونتناول هذين المعيارين في فقرتين وكما يأتي :

أولا – المعيار الشخصي

وبموجب هذا المعيار ينظر في التضليل الى الشخص المتلقي (المستهلك) لا الى التضليل في حد ذاته بحيث ينظر فيه الى كل حالة مستقلة عن الحالات الاخرى .

فالتضليل يتحدد من خلال شخص المتلقي هل هو على درجة كبيرة من اليقظة وحسن التدبير والذكاء فان الاعلان يكون مضللا اذا كان يخدع مثل هذا الشخص اما اذا كان المستهلك المتلقي دون المستوى العادي في الفطنة والذكاء فيكون الاعلان مضللا مهما تضاءلت درجة التضليل اما اذا كان المستهلك من المستوى العادي المألوف فأن الاعلان لا يعد حينئذ مضللا الا اذا كان يقع فيه جمهور الناس[4] وعيب هذا المعيار هو عدم انضباطه لأنه يتطلب البحث في شخصية المتلقي وكشف درجة اليقظة والذكاء لديه وهو امر عسير على القضاء .

ثانيا : المعيار الموضوعي

ويذهب هذا المعيار الى تجريد متلقي الاعلان في الظروف الشخصية الخاصة به واعتماد معيار الشخص المعتاد فهو شخص ليس خارق الذكاء في جهة وليس بليدا وغبيا في جهة المقابلة وهذا المعيار لا يختلف باختلاف الاشخاص يستوي في التضليل ان يكون ضحية الاعلان المضلل شخصا فطنا ذكيا او شخصا اقل فطنة وذكاء فالإعلان يكون مضللا اذا كان من شأنه تضليل المستهلك العادي وتتجه غالبية احكام القضاء في فرنسا الى تبني هذا المعيار المجرد فقد ذهبت محكمة باريس في حكمها الصادر بتاريخ 31 كانون الثاني 1985 الى ان قيام احد الاندية بالاعلان عن تقديم برنامج ترفيهي لاعضائه يشمل تقديم حفلات وعروض مسرحية ونزهات دون ان يشير الى ان ذلك بمقابل ليس من شأنه تضليل الشخص المعتاد الذي ليس له ان يتوقع ان يكون مثل هذا البرنامج الحافل مجانيا .

الفرع الثالث: أساليب الخداع في الاعلان المضلل

ان اساليب التضليل في الاعلان التجاري لا تقع تحت حصر ولكن الفقهاء قسموا هذه الاساليب الى مجموعتين الاولى تتعلق بالعناصر الذاتية للسلعة او الخدمة والثانية تتعلق بالعناصر الخارجة عن السلعة او الخدمة وهو ما نبحثه بالتفصيل وكالآتي :

أولاً – العناصر الذاتية للسلعة او الخدمة :

يقع الكذب والتضليل في هذه الحالة على السلعة او الخدمة منظوراً اليها في ذاتها والتي تكون محمل اعتبار في اقبال المستهلك من اجل التعاقد عليها بدءا من وجود الخدمة او السلعة مرورا بخصائصها و انتهاءً بمكوناتها وعلى النحو الآتي :

1 – وجود السلعة او الخدمة :-

هناك صورتان للتضليل في الاعلان التجاري عن وجود السلعة او الخدمة .

الصورة الاولى : وفيها تكون السلعة او الخدمة موجودة ولكن ليس بالصورة المعلن عنها كأن يعلن تاجر عن وجود غسالات تحمل علامات تجارية متعددة ومشهورة في حين لا يجد المشترون سوى نوع من الغسالات غير معروف ولم يرد في الاعلان اصلا .

الصورة الثانية : الصورة الثانية للتضليل وتتمثل بعدم وجود السلعة او الخدمة اصلا ومثاله اعلان سمسار عقارات كن وجود شقق وعمارات معروضة للبيع مع انه لم يستطع تقديم عنوان واحد لهؤلاء الملاك ولا الحد الادنى من المعلومات .

2 – طبيعة السلعة او الخدمة

ان الكذب والخداع في طبيعة السلعة له اهمية كبيرة بالنسبة للمستهلك لارتباطه الوثيق بمدى وجود السلعة او الخدمة ومدى ملائمتها للغرض من التعاقد وقد صدرت في فرنسا قرارات قضائية عديدة عن الكذب في الاعلان الذي يتصل بطبيعة المنتجات او الخدمات كالاعلان عن تحفة من البرونز مع انها من الزنك او الاعلان عن بيع مخطوطات نادرة اصلية لم يسبق نشرها على خلاف الحقيقة .

 

3 – منشأ السلعة او الخدمة

ان المستهلك بشكل عام يميل الى تفضيل السلعة او الخدمة التي يكون منشؤها معروفا بالجودة والاتقان لذا يتوجب على المعلن بيان مصدر الانتاج بدقة متناهية وتطبيقا لذلك عد من قبيل الاعلان المضلل الاعلان عن ملابس على انها من اصل فرنسي والتي كانت تحمل بطاقة مطبوعة عليها العلم الفرنسي بالحجم الكبير في الوقت الذي دون فيه على البعض منها وبخط صغير غير واضح انها صنعت في مكاو او هونج كونج[5] ولأهمية الاشارة للمنشأ فقد حرص المشرع العراقي في قانون البيانات والعلامات التجارية رقم 21 لسنة 1957 على وضع احكام خاصة بمنشأ الانتاج ومنها نص الفقرة الثامنة من المادة الخامسة التي   تقرر ( لا تسجل علامة لغرض هذا القانون تحمل الجمهور على اعتقاد بصحة بيانات غير صحيحة فيما يتعلق بمنشأ البضاعة واوصافها وكذلك العلامات التي تحتوي على اسم تجاري وهمي او مقلد او مزور ) وتقضي المادة الثالثة والثلاثون من القانون على انه ( لا يجوز وضع اسم البائع او عنوانه على بضائع واردة من بلاد غير التي يحصل فيها البيع مالم تقترن ببيان بحروف ظاهرة عن الجهة التي انتجت فيها ولا يجوز للمقيمين في جهة ذات شهرة خاصة في انتاج بعض المنتجات او صنعها اذا كانوا يتاجرون في منتجات متشابهة واردة اخرى ان يضعوا على هذه الاخيرة علاماتهم اذا كان من شأن ذلك تضليل الجمهور فيما يتعلق بمصدر المنتجات ما لم تتخذ الاجراءات الكفيلة بمنع اي التباس في ذلك ) .

4 – مكونات السلعة او الخدمة

ويراد بها العناصر الداخلة في الانتاج فالاعلان عن مكونات سلعة معينة خلافاً لعناصرها الحقيقية يعد اعلانا مضللا واكثر ما يكون الكذب بشأن المكونات عند الاعلان عن منتجات الاثاث والمواد الغذائية والجلود والمركبات الصيدلة والمنسوجات[6] كالإعلان عن نوع من العصير على انه من المواد الطبيعية في حين انه من المواد الصناعية او الاعلان عن معجون اسنان على انه يحتوي على نوع من الفيتامينات والحقيقة خلاف ذلك .

5 – تاريخ الصنع :

يمكن ان يرد التضليل بشأن تاريخ الصنع وتاريخ انتهاء مدة الصلاحية عن طريق تقديم او تأخير هذا التاريخ وهذا النوع من التضليل لا يتصور وقوعه الا في المنتجات دون الخدمات[7] ويحدث الكذب بشأن التاريخ في لمنتجات الغذائية والادوية بشكل خاص التي يهم المستهلك ان تكون صالحة للاستهلاك .

ثانيا : العناصر الخارجة عن السلعة او الخدمة

هناك عناصر خارجة عن السلعة او الخدمة في الاعلان المضلل يمكن ان تؤثر على قرار المستهلك في التعاقد من اجل الحصول على السلعة او الخدمة ولعل من اهمها :

1 – الاعلان المضلل بطريقة الترك

وذلك بان يغفل المعلن عمداً او سهوا الاشارة لبعض الجوانب الجوهرية وقد اشار التوجيه الاوربي الصادر في 10 كانون الاول 1984 الى التضليل بطريقة الترك حيث اشارت المادة 203 منه الى ان الاعلان المضلل يقع عن طريق اغفال احدى المعطيات الجوهرية .

2 – إدعاء التفرد

وذلك بأن يدعي المعلن عن تفرد السلعة المعلن عنها في خصائصها ومواصفاتها وتفوقها وعدم وجود ما يضاهيها من السلع المنافسة وقد يكون ذلك غير صحيح مما يعد كذبا وتضليلا .

3 – الاستخدامات اللفظية المضللة للأسعار .

4 – شهادات نجوم المجتمع والمتخصصين .

المطلب الثاني: الاعلان التجاري عن طريق المقارنة بين السلع او منتجيها

يمكن تعريف الاعلان المقارن بصورة عامة بأنه الاعلان الذي يركز على مزايا المنتوج او خدمة معينة من خلال مقارنتها بمواصفاتها ومزايا غيرها مع الاشارة الى اسم التاجر المنافس او اسم منتجاته على نحو يحط من قيمتها ويؤدي الى ايقاع المستهلك في لبس وغموض[8] والهدف من ذلك هو اقناع المستهلكين بان الفائدة التي يحصلون عليها في السلعة او الخدمة محل الاعلان ستكون بشكل افضل من تلك التي سيحصلون عليها من سلعة او خدمة منافسة .

ويختلف الاعلان التجاري المقارن عن باقي اساليب الحث على التعاقد في ان المعلن يتخذ فيه منهجاً مغاير ذا طبيعة مزدوجة فلا يقنع كما هو المعتاد بإبراز خصائص ومميزات سلعته محل الاعلان بل يقوم فضلاً عن ذلك بالحط عن مزايا منتجات تاجر منافس وابراز عيوبها والتقليل من شأنها بهدف تسويق سلعته[9] وقد اثار الاعلان التجاري المقارن جدلا حول مشروعيته بصورة المعروفة لذا نبحث مدى مشروعية الاعلان التجاري المقارن وصوره غير المشروعة في فرعين:

الفرع الأول: مشروعية الاعلان التجاري المقارن

اثارت الاعلانات المقارنة منذ بدايتها ظهورها جدلا كبيرا حول مشروعيتها وسبب هذا الجدل ان الاعلانات المقارنة تثير تعارضا بين مبدأين مبدأ حرية التعبير والذي يعد احدى صور حرية الاعلان وهي حرية لا يمكن استبعادها او مصادرتها بالكامل من ناحية ومبدأ مثالية مهنة الاعلان التي تأبى اجراء مقارنة تمس مشروعا منافسا او منتجاته او خدماته من ناحية اخرى[10].

وقد اختلفت التشريعات بين المنع والاجازة للإعلانات المقارنة فقد ذهبت بعض التشريعات الى اجازة الاعلانات المقارنة بوصفها تحقق فائدة للمستهلك متى انصبت المقارنة على عناصر يمكن التحقق منها كالقانون الامريكي والكندي والايرلندي والهولندي والسويسري وقوانين الدول الاسكندنافية (السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا )[11] زمع ذلك فأنه حتى في هذه الدول التي يعترف فيها بجواز الاعلانات المقارنة فإن هذه الاعلانات تخضع لشروط وضوابط مشددة من جانب القضاء والادارة وجهات الانضباط المهنية بحيث ينبغي ان ترد المقارنة على عناصر المنتج كافة فلا يجوز اجتزاء عنصر بذاته واجراء المقارنة بشأنه واسقاط العناصر الاخرى[12] اما في فرنسا فقد اتخذ القضاء الفرنسي في غالبية احكامه قبل صدور قانون 18 كانون الثاني 1992، موقفاً متشدداً في الاعلان المقارن بوصفه يفتقر للصدق والموضوعية حيث ان مصدره هو المعلن نفسه والذي يسعى الى تحقيق الربح ولو على حساب الاخرين فعدها منافسة غير مشروعة تخول المضرور حق المطالبة بالتعويض بصرف النظر عما اذا كان الاعلان المقارن يتضمن مقارنة حقيقية فالخطر يقع على مبدأ المقارنة في ذاته ولا يقع على الصدق او الكذب في الاعلان المقارن[13] اما قانون 18 كانون الثاني 1992 والمتعلق بدعم المستهلكين وحمايتهم فقد اجاز في المادة العاشرة منه الاعلانات التجارية المقارنة متى كانت فعالة تنصب على الخصائص الجوهرية للسلع المتماثلة بما تتضمنه من بيانات دقيقة وصادقة وموضوعية ليس من شأنها ان توقع المتلقي في لبس او خلط ، ويشترط لمشروعية الاعلان المقارن في القانون الفرنسي ما يلي :

1 – ان يكون الاعلان موضوعيا ونزيها وليس من شأنه تضليل المستهلك وان لا يترتب عليه اي غموض او لبس وان يقارن بين  اموال وخدمات تلبي نفس الاحتياجات ولها نفس الهدف.

2 – يجب ان تكون المقارنة بين الخصائص الاساسية للسلع موضوع المقارنة كما يجب ان لا يقلل من قيمة احدى العلاقات التجارية وشأنها او احد المنافسين وان لا يستفيد دون وجه حق من شهرة علامة تجارية منافسة .

3 – يوجب قانون الاستهلاك الفرنسي ان يكون نشر الاعلان مسبوقاً باطلاع اصحاب المهن المنافسين بهدف افساح المجال امام مناقشة موضوعية حول هذا الاعلان وهو ما يعني ان الطرف المنافس قد اطلع على الاعلان المقارن الذي يرغب المعلن نشره عبر الانترنت او اي وسيلة اعلان اخرى[14] .

4 – ان يكون المعلن قادرا على اثبات صحة البيانات التي يحتويها الاعلان خلال مدة وجيزة[15].

ان هذه الشروط ادت الى عزوف كثير من المعلنين عن هذا الشكل من الاعلان ويدل على ذلك ان اجمالي اعلانات المقارنة بلغت عشرة اعلانات فقط في فرنسا عام 1992 [16] .

الفرع الثاني: صور الاعلان المقارن غير المشروع

يعد الاعلان عبر شبكة الانترنت وغيرها في وسائل الاعلان من اول مصادر المعلومات بالنسبة للمستهلك عن سلعة او الخدمة الا انه اذا كان المعلن يستهدف الاساءة لسمعة منتجات تاجر منافس او ايقاع جمهور المستهلكين في لبس عد هذا الاعلان عملا غير مشروع وعليه فان الاعلان المقارن غير المشروع يتخذ له صورتين فهو اما ان يكون محط للقيمة او مفضي الى اللبس وهو ما نبحثه فيما يأتي :

اولا – الاعلان المقارن الذي يحط من قيمة السلع المنافسة

لا يقتصر التضليل في الاعلان التجاري على خداع المستهلك بل يمتد لينال من قيمة سلع وخدمات التاجر المنافس او سمعته ذاتها عن طريق الحط من تلك القيمة ويمكن تعريف الحط بأنه (الكذب الذي يهدف الى تشويه سمعة منشأة تجارية وخدماتها او الاساءة لسمعة المنشأة القائمة على انتاج هذه المنتجات او تقديم هذه الخدمات[17] )، بناءاً على ذلك يمكن القول ان عناصر الاعلان التجاري المحط للقيمة هي :

1 – تتضمن الاعلان ادعاءات مسيئة عن المنتجات والخدمات او المنشأة المنافسة ذاتها

2 – كذب الادعاءات

3 – حصول اضرار للتاجر المنافس

ويستفاد من العنصرين الاول والثاني ضرورة توفر سوء النية  لدى المعلن استثناء من القواعد العامة في التضليل الاعلاني[18]

اما العنصر الثالث فانه يفيد ضرورة وقوع اضرار للتاجر المنافس والحقيقة ان اثبات الضرر امر صعب اذ يتمثل الضرر في انصراف عدد من العملاء عن التاجر وهو امر لا يمكن الجزم به ولذلك كانت مسألة محل اجتهاد فذهب بعض الفقهاء الى استلزام وقوع الضرر في حين ذهب بعضهم الاخر الى عدم لزوم وقوع الضرر وان القضاء في مصر وفرنسا وان كان يشترط تحقق الضرر الا ان يتساهل في اثبات حدوثه بحيث يكتفي بان يكون الضرر معنويا او احتماليا فالقضاء يستخلص وقوع الضرر من قيام وقائع تؤدي الى احداثه عادة.

ثانيا – الاعلان المؤدي الى اللبس

الاعلان التجاري المقارن قد يفضي الى اللبس بالنسبة لجمهور المستهلكين وذلك عندما يعمد التاجر المعلن في اعلانه الى تقليد المظهر الخارجي الذي يتميز به محل اخر او يتسم به اعماله او تقليد عنوانه او علامته التجارية او الرسم او الانموذج الصناعي او تقليد الاسم او الهدف دائما هو تضليل المستهلك كي يقع في اللبس المهم في هذا النوع من الاعلان ان يؤدي الى اللبس لدى المستهلك من خلال وجود منافسة تجارية بين التاجر المعلن والتاجر المنافس وان يتوفر سوء النية لدى المعلن وذلك بأن يقصد بالأضرار بالمنافس لتسويق منتجاته

المطلب الثالث: التضليل الاعلاني في القانون العراقي

عالجت الكثير من الدول الاعلان التجاري اما بتشريعات خاصة او تركت المعالجة للقواعد العامة مكتفية بما ورد فيها من احكام وسنبحث في الفرع الاول التنظيم التشريعي للإعلان المظلل ونبحث الحماية المدنية في الاعلان المضلل في الفرع الثاني .

الفرع الاول : التنظيم التشريعي للتضليل الاعلاني في العراق عد المشرع العراقي في قانون التجارة النافذة رقم 30 لسنة 1984 الاعلان التجاري عملا تجاريا في المادة الخامسة الفقرة الخامسة من القانون[19] كما اصدر المشرع العراقي القانون رقم 45 لسنة 1971 المعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1988 والخاص بتنظيم عمل مكاتب الدعاية والنشر ويمكن القول ان المشرع العراقي لم يغفل الاشارة لبعض صور التضليل الاعلاني مشوشة في هذا القانون او ذاك، كقانون العلامات والبيانات التجارية رقم 21 لسنة 1957 [20] وكذلك قانون الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية رقم 54 لسنة 1979 وهو الذي جاءت نصوصه في اغلبها لحماية المستهلك من الغش التجاري والصناعي[21] .

كما صدرت تعليمات رئيس هيئة التخطيط بالرقم 16 لسنة 1998 [22] بهدف حماية المستهلك من التضليل الاعلاني حيث نصته المادة 10/2 من التعليمات (يحظر استعمال علامة الجودة عمدا في غير الاغراض المخصصة لها او الاعلانات المضللة للمنتوج النهائي )

اما على الصعيد التنفيذي اي المؤسسات الرسمية فانه لا يوجد في الوقت الحاضر مؤسسة متخصصة وبشكل مباشر بموضوع الرقابة على الاعلان ومع ذلك فقد استحدثت جامعة بغداد عام 1997 مركز بحوث السوق وحماية المستهلك بوصفه او جهة تساهم في حماية المستهلك من الغش والتضليل الذي يتعرض له الاخير[23] وصدرت عن المركز تعليمات خاصة برقم 41 لسنة 2001 [24] .

وتحدد هذه التعليمات مهام المركز واهدافه التي تنحصر بأعداد البحوث والدراسات النظرية والميدانية وكشف حالات الغش التجاري عموما ومن بينها الاعلانات الكاذبة والمضللة[25] .

اما اهم الملاحظات

الملاحظات على التنظيم التشريعي للتضليل الاعلاني في العراق وكما يأتي :

1 – ان المشرع العراقي لم يعالج الاعلان التجاري ودوره في الحياة الاقتصادية في قانون خاص مستقل اكتفاء بما ورد في المادة الخامسة من قانون التجارة النافذة بشان تقرير تجارية نشاط الاعلان التجاري وكذلك القانون رقم 45 لسنة 1971 المعدل وهو قانون محدود الفاعلية اذ ان دوره رقابي تنظيمي فجهة الرقابة في هذا القانون هي وزارة الثقافة الاعلام وكذلك التعليمات الصادرة من الجهات المختصة .

2 – ان هذه التشريعات رتبت جزاءات ادارية على مخالفة احكامها دون التطرف الى الجزاء المدني المتمثل بالتعويض ويبدو ان المشرع اراد ترك التعويض عن الاضرار التي تنشأ عن مخالفة احكام هذه التشريعات الى القواعد العامة .

3 – ان قانون العقوبات العراقي النافذ كان اكثر وضوحا في محاربة التضليل الاعلاني[26] واكثر حماية للمستهلك بهذا الصدد من التشريعات المدنية .

4 – ان دور مركز بحوث السوق والحماية المستهلكين يقتصر على اعداد البحوث النظرية في مجال بحوث السوق وحماية المستهلك

اما في الجانب العملي فإن دوره يكاد يكون معدوما.

5 – ان شيوع ظاهرة الغش التجاري والصناعي والتضليل الاعلاني في العراق والتي لا تقف عند حد توجب تدخل المشرع باصدار قانون خاص بحماية المستهلك ومن ضمن اوجه الحماية محاربة الغش او التضليل الاعلاني وكذلك انشاء المؤسسات التي تكفل تطبيق القانون وعدم الاكتفاء بابحاث مركز بحوث السوق وحماية المستهلك التي تأخذ طابعاً نظريا .

الفرع الثاني: الحماية المدنية

ان اثار التضليل الاعلاني لا تقتصر على ما يلحق المستهلك من اضرار تصيبه شخصيا بل تمتد لتشمل الحياة الاقتصادية للمجتمع بأسره لذلك فان القوانين المقارنة لمعظم الدول تذهب الى عد التضليل جريمة معاقبا عليها في القوانين الجزائية فضلا عن الحماية المدنية .

وفي المرحلة السابقة للتعاقد فانه لا يتصور وجود عقد بين المعلن وجمهور المستهلكين فالمعلن لا يرتبط مع المستهلكين بأية رابطة عقدية ومن ثم فان اخطاء المعلن التي تصدر خلال هذه المرحلة من سببت ضررا فإنها تثير المسؤولية التقصيرية .

اما ما يتعلق في حماية المستهلك من اثار التضليل الاعلاني بعد ابرام العقد فإن جوهرها يكمن في الزام المعلن بتنفيذ التزاماته الواردة في الاعلان متى كان ذلك ممكنا او اعادة الحال الى ما كان عليه قبل ذلك اذا كان ذلك متاحا او الحكم بالتعويض من غير هاتين الحالتين ان كان لذلك مقتضى .

بناءا على ما تقدم يمكن تقسيم الموضوع الى ثلاث فقرات :

أولاً : تنفيذ الالتزام العيني .

ثانياً : التغرير مع الغبن .

ثالثاً : التعويض .

اذا اعلن التاجر المحترف عبر الانترنت عن سلعة او خدمة معينة لغرض التعاقد عليها وفبل المستهلك هذا العرض وبعد ذلك امتنع التاجر المحترف عن تنفيذ التزامه وذلك بتسليم شيء من النوع ذاته الذي تضمنه الاعلان التجاري وذلك بمقتضى نص المادة 246[27] من القانون المدني العراقي والتي تقرر اجبار المدين (المعلن) هنا على تنفيذ التزامه عينيا متى كان ذلك ممكنا فاذا لم يقم المعلن بتنفيذ التزامه جاز للمستهلك ضحية التضليل الاعلاني ان يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة التاجر المعلن بعد استئذان المحكمة او بغير استئذانها في حالة الاستعجال[28] فضلا عن ذلك فان له مطالبة المعلن

التعويض ( أي التنفيذ بمقابل ان كان لذلك مقتضى ) واساس الزام المعلن في تنفيذ التزامه هو عد الاعلان ايجابا متى تضمن العناصر الجوهرية للعقد وانعقاد العقد اذا صادف هذا الايجاب قبول مطابق .

ثانيا : التغرير مع الغبن

يمكن حماية المستهلك من الاعلان المضلل استنادا الى القواعد العامة التي تجيز وقف العقد للتغرير مع الغبن في القانون العراقي متى ما توافرت شروطه او طلب ابطاله العقد للتدليس في القانون الفرنسي والمصري[29] .

والتغرير هو ما يطلق عليه بالتدليس في الفقه الغربي ويقصد به استعمال طرق احتيالية بقصد ايقاع المتعاقد الاخر في غلط يدفعه الى التعاقد[30] والتغرير هو من اكثر عيوب الارادة شيوعا في العقود المبرمة عبر الانترنت ويتحقق التغرير باستعمال اساليب احتيالية تظهر السلعة على غير مظهرها باستغلال تقنيات الحاسب الالكتروني او حتى بوصفها اما الغبن فهو عدم التعادل بين ما يأخذه المتعاقد وما يعطيه اذا كانت التشريعات الغربية ومعظم التشريعات العربية تذهب الى عد التدليس عيبا مستقلا من عيوب الارادة فان المشرع العراقي خالف هذه التشريعات وجرى على نهج الفقه الاسلامي في اشتراط اقتران الغبن بالتقرير حتى يعد عيبا من عيوب الارادة فالغبن وحده لا يمنع من نفاذ العقد مادام لم يصحبه تغرير[31] ولكي تكون دعوى التغرير مع الغبن منتجة فلا بد من توافر شروط التغرير اذ لا بد من استعمال طرق احتيالية وان تكون هذه الطرق دافعة الى التعاقد وان يكون التغرير صادرا من احد المتعاقدين او يكون على علم به وهو ما سنبحثه كما يأتي :

1 – استعمال طرق احتيالية

وهذه الطرق تتمثل بعنصرين احدهما مادي والاخر معنوي :

أ – العنصر المادي : اي الوسائل والطرق الاحتيالية التي قد تكون مادية او غير مادية والتي تستهدف التأثير على ارادة المستهلك من اجل دفعه الى التعاقد وياتي في مقدمة هذه الوسائل الكذب من اجل التغرير بالمتعاقد ويمكن القول بشكل عام بأن التغرير مع الغبن هو اكثر عيوب الارادة شيوعا في العقود المبرمة عبر شبكة الانترنت فالمستهلك لا يكون امامه الا جهاز الحاسب الالكتروني وما يقدمه له التاجر المحترف من معلومات في الاعلان عن السلعة او الخدمة التي يروم الحصول عليها او مواصفاتها او كل ما يتعلق بها وينبغي ان تكون هذه المعلومات دقيقة لذا فان مجرد الكذب يعد وسيلة احتيالية ويعد التغرير واقعاً .

اما فيما يتعلق في الكتمان في الاعلان التجاري وما اذا كان يعد تغريرا او لا ؟ الواقع ان التغرير في اية حالة او امر يكون الافضاء به واجبا للمستهلك ولكن التاجر المحترف يمتنع عن ذلك من اجل دفعه للتعاقد[32] ويقوم هذا الحكم على مبادى القواعد العامة التي تقضي بعدم جواز الغش متى ما ظهر من ظروف التعاقد او طبيعته ان امرا هاما يؤثر بالتعاقد الى درجة كبيرة ويدرك المعلن خطره ويعرف ان المستهلك يجهله ومع ذلك يكتمه عنه فيحمله بذلك على التعاقد[33] وقد اشار لهذا الحكم القانون المدني المصري في المادة 125/2 حيث نص ويعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة او ملابسة اذا ثبت ان المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم تلك الواقعة او هذه الملابسة .

ب – العنصر المعنوي : وهو نية التضليل للوصول الى غرض غير مشروع فالمبالغة في وصف مزايا منتوج واضفاء احسن الاوصاف على الخدمة لا يعد تغريرا اذا تم بنية الترويج اما اذا صدر بنية التضليل عن طريق ايهام المستهلك بأمور ليس لها وجود اصلا فإن هذا الامر يعد تغريرا[34] .

2 – ان يكون التغرير دافعا الى التعاقد :

يجب ان يكون التغرير دافعا الى التعاقد وقاضي الموضوع هو الذي يبت فيما اذا كان ما تضمنه الاعلان من الكذب والتضليل هو الذي ودفعه للتعاقد[35] .

3 – اتصال التغرير بعلم المعلن

وهو ان يكون التغرير صادرا من المعلن او ان يكون عالما به اذا صدر من غير المعلن (التاجر المحترف) يضمن صيغ التغرير اذا كان صادرا منه اما اذا صدرت من مكتب الاعلان وعلم به المعلن او كان بامكانه ان يعلم به فمن حق المستهلك المغرر به اذا لحقه غبن فاحش من هذا التعاقد ان يرجع على المعلن على وفق دعوى التغرير مع الغبن[36] .

اما اذا لم يكن المعلن يعلم بالتغرير وليس بإمكانه ان يعلم به عند صدوره من الغير (مكتب اعلان) فالحكم هو نفاذ العقد المبرم بين المعلن والمستهلك ولكن يكون للمستهلك حق الرجوع على الغير[37] واذا اقترن التغرير بالغبن كان العقد موقوفا وللمستهلك اما نقضه او اجازته حسبما تقضي به مصلحته من خلال مدة ثلاثة اشهر من الوقت الذي ينكشف فيه التغرير[38] ويمكن القول ان دعوى التغرير مع الغبن محدودة الفاعلية في مجال الاعلانات الكاذبة او المضللة في القانون العراقي او انها تفترض وجود عقد بين التاجر المحترف والمستهلك كذلك اتصال التغرير بعلم المعلن (التاجرالمحترف) وان يكون التضليل الدافع الى التعاقد قد تم بسوء نية[39] وبعد تحقق كل شروط التغرير يجب ان يقترن بالتغرير بغبن فاحش اصاب المستهلك ( المغرر به ) وكلها مسائل قد يكون من الصعب اثباتها وحتى على فرض امكانية اثباتها فان الجزاء وهو وقف العقد او ابطاله بحسب اختلاف القوانين قد لا تتناسب ومصلحة المستهلك الذي يتكلف النفقات والجهد والوقت في رفع الدعوى الفردية ويصطدم بعدد من العقبات النفسية الاجرائية في مواجهة المعلن وهو الطرف القوي في العلاقة التعاقدية[40] .

ثالثا : التعويض

ان وصف الاعلان التجاري بالتضليل يعني فيما يعنيه وجود خطأ من جانب المعلن يتضمن سعي هذا الاخير الى الخداع المستهلك وتضليله وذلك من خلال عمله على ابراز صفة او اكثر في السلعة او الخدمة المعلن عنها وغالبا ما تكون هذه الصفة جوهرية بالنسبة للمستهلك بحيث تدفعه الى التعاقد معتقدا  انها تلبي حاجته التي يرجى اليها والحقيقة خلاف ذلك ويترتب على وجود هنا الاختلاف بين حقيقة مقومات السلعة او الخدمة وبين الصورة المعلن عنها الحاق الضرر بالمستهلك بما يحقق شروط قيام مسؤولية المعلن فيكون للمستهلك والحالة هذه الحق في طلب التعويض وطلب التعويض على هذا النحو يتم استغلال ودون تداخل مع دعوى تنفيذ الالتزام التعاقدي او دعوى التغرير مع الغبن (التدليس) حيث ان لكل من هاتين الدعوتين نطاقها الخاص من حيث الشروط والاهداف فهو مكنة اعطاها المشرع للمستهلك يستطيع بمقتضاها جبر الاضرار الواقعة عليه كأثر لدخوله في علاقة مع المعلن اتسمت منذ بدايتها بالكذب والتضليل من جانب المعلن[41] .

فبالنسبة لدعوى تنفيذ الالتزام التعاقدي فان المشرع العراقي احتفظ للمستهلك بحقه في المطالبة بالتعويض متى كان له مقتضى فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 248 من القانون المدني العراقي ( فاذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن ان يحصل على شيء من النوع نفسه على نفقة المدين بعد استئذان المحكمة او بغير استئذانها في حالة الاستعجال كما انه يجوز له ان يطالب بقيمة الشيء من غير اخلال في الحالتين بحقه في التعويض ) .

وبالنسبة لدعوى التغرير فأنه يجوز للمغرر به ان يرفع دعوى للمطالبة بتعويض الاضرار المترتبة على استعمال المعلن لوسائل احتيالية حتى اذا كانت غير جسيمة استنادا لقواعد المسؤولية التقصيرية[42] .

ان استجابة القضاء لطلب المستهلك بالتعويض متى تحققت شروطه انما هو امر تتكامل به جوانب حمايته القانونية من اضرار الاعلان التجاري المضلل فبينما تمنحه دعوى تنفيذ الالتزام التعاقدي الحق في اجبار المعلن على تنفيذ التزامه عينا او بمقابل تمنحه دعوى التغرير مع الغبن الحق في طلب وقف العقد نجد ان دعوى التعويض تعمل على جبر الضرر الواقع عليه جراء صدور مثل هذا الاعلان[43] .

الخاتمة:

ويستخلص مما ورد في ثنايا البحث ما يأتي : أولاً : يتوجب القيام بالتنوير المعلوماتي لأجل حماية المستهلك من التضليل الاعلاني , فرغم اهمية الاعلان التجاري ودوره في حث المستهلك ودفعه للتعاقد الا انه لم يحظ بإهتمام المشرع العراقي عندما يكون كاذباً او مضللا مكتفيا بالقانون رقم 45 لسنة 1971 المعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1988 والخاص بتنظيم عمل مكاتب الدعاية والنشر , وبعض النصوص الواردة في القوانين الخاصة في هذا القانون او ذاك وبعض التعليمات .

ثانيا: ان نصوص القانون المدني العراقي غير كافية لضمان سلامة المستهلك الالكتروني اذ ان القواعد العامة للمسؤولية التعاقدية في القانون المدني العراقي لم تتضمن اي اشارة خاصة بمسؤولية المحترف عن ضمان سلامة المستهلك بسبب عيب المبيع او الخطوة الكامنة فيه.

ثالثا : لم يواكب القضاء العراقي التطور في مسؤولية المحترف عن ضمان سلامة المستهلك ولم يحاول اقتباس الحلول التي قررها القضاء المقارن فلم نجد في الاحكام المنشورة او غير المنشورة ما يفيد وجود مثل هذا الاتجاه فإذن تتضح ضرورة الاعتراف باهمية تحديد مفهوم التضليل والكذب في الاعلان التجاري بشكل دقيق وممدد بحيث يشمل حالات الكتمان والامتناع عن تقديم المعلومات الضرورية التي كان من المفروض تقديمها للمستهلك وعدها سببا كافيا لاعتبار العقد موقوفا على اجازة المستهلك دون اشتراط اقتران التغرير بالغبن بل ودون الحاجة الى اثبات سوء نية المعلن اكتفاءً بمجرد الاهمال .

 

المصادر:

-         المصادر القانونية

1-     ابن منظور , لسان العرب , المجلد الخامس , القاهرة , دار الكتاب المصري , مطبعة المعارف , ص3824.

2-      احمد سعيد الزقرد , الحماية القانونية من الخداع الاعلاني في القانون الكويتي والمقارن , بحث منشور في مجلة الحقوق , جامعة الكويت العدد 4 ,1995.

 انور طلبة , النظرية العامة للالتزام , مصادر الالتزام , القاهرة , دار ابو المجد للطباعة , 2003.

3-     حسن علي الذنون , النظرية العامة للالتزامات , مصادر الالتزام واحكام الالتزام واثبات الالتزام , بغداد بلا دار نشر , 1976 ص99.

4-       حسين فتحي , حدود مشروعية الاعلانات التجارية لحماية المتجر المستهلك , القاهرة , مجلة مصر المعاصرة , السنة الثالثة والثمانون , العدد 127 , 1972 ص44 .

5-     خالد ممدوح ابراهيم , ابرام العقد الالكتروني , الاسكندرية , دار الفكر الجامعي , 2006 , ص245 .

6-     سميحة القيلوبي , المحل التجاري (البيع , الرهن بالجدك ) , القاهرة دار النهضة العربية , 1979 , ص156 .

7-     عبد الرشيد مأمون , الوجيز في النظرية العامة للالتزامات الكتاب الاول , مصادر الالتزام ، القاهرة , دار النهضة العربية , بلا سنة طبع , ص122 .

8-     عبد الفضيل محمد احمد , الاعلان عن المنتجات والخدمات من الوجهة القانونية ط1 , القاهرة , مكتبة الجلاء الجديدة , 1991 ص173.

9-     عبدالرزاق احمد السنهوري , الوسيط في شرح القانون المدني ، ج1 نظرية الالتزام بوجه عام ,ط2, القاهرة , دار النهضة العربية , 1964 , ص883 .

10- عبدالمجيد الحكيم , عبدالباقي البكري , محمد طه البشير , الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي , ج1 (مصادر الالتزام) الموصل , مطابع مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر , ص89 .

11- فاتن حسين حوى ، الوجيز في قانون حماية المستهلك ، ط1 ، منشورات الحلبي ، بيروت ، 2012م ، ص67

12- ليث الربيعي , سياسات الحماية الرسمية للمستهلكين , الملتقى الرابع للامانة العامة للاتحاد العربي للمستهلك , صنعاء , 14,16/9 2001 , ص4 .

13-  ليث الربيعي , سياسات الحماية الرسمية للمستهلكين الملتقى الثالث للأمانة العامة للاتحاد العربي للمستهلك , صنعاء فيان , 2001 , ص21 .

14- محمد ابراهيم عبيدات , سلوك المستهلك , ط2 , عمان , دار وائل للطباعة والنشر ,1998 ص282

15- مشار للقرار لدى عمر محمد عبدالباقي , الحماية العقدية للمستهلك , دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون . الاسكندرية , منشأة المعارف , 2004 , ص144

16-   منذر الفضل , النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني ,  ج1 , مصادر الالتزام , بغداد مطبعة جامعة بغداد , 1991 , ص176 .

-      القوانين.

1.     القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل النافذ.

2.     القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 المعدل بالمرسوم رقم (131) لسنة 2016 والقانون رقم. (287/2018) الصادر بتاريخ 20 أبريل 2018.

3.     القانون المدني المصري رقم (31 ) لسنة 1948 المعدل النافذ.

4.      قانون حماية المستهلك العراقي رقم (1) لسنة 2010 النافذ.

5.     قانون حماية المستهلك المصري رقم (67) لسنة 2006 النافذ.

6.     قانون حماية الملكية الفكرية الفرنسي رقم (92 - 597) لسنة 1992 النافذ.

 



[1] ابن منظور , لسان العرب , المجلد الخامس , القاهرة , دار الكتاب المصري , مطبعة المعارف , ص3824.

[2] عبد الفضيل محمد احمد , الاعلان عن المنتجات والخدمات من الوجهة القانونية ط1 , القاهرة , مكتبة الجلاء الجديدة , 1991 ص173.

[3] احمد سعيد الزقرد , الحماية القانونية من الخداع الاعلاني في القانون الكويتي والمقارن , بحث منشور في مجلة الحقوق , جامعة الكويت العدد 4 ,1995 , ص170 .

[4] عبدالرزاق احمد السنهوري , الوسيط في شرح القانون المدني ، ج1 نظرية الالتزام بوجه عام ,ط2, القاهرة , دار النهضة العربية , 1964 , ص883 .

[5] T. orr. Paris 12 dec 1979 BID 1980 11 p. 82  

مشار للقرار لدى عمر محمد عبدالباقي , الحماية العقدية للمستهلك , دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون . الاسكندرية , منشأة المعارف , 2004 , ص144 .

[6] عبدالفضيل محمد احمد , مصدر سابق , ص193.

[7] فاتن حسين حوى ، الوجيز في قانون حماية المستهلك ، ط1 ، منشورات الحلبي ، بيروت ، 2012م ، ص67.

[8] محمد ابراهيم عبيدات , سلوك المستهلك , ط2 , عمان , دار وائل للطباعة والنشر ,1998 ص282.

[9] محمد عبدالباقي , مصدر سابق , ص98 .

[10] عبد الفضيل محمد احمد , مصدر سابق , ص244 .

[11] خالد ممدوح ابراهيم , ابرام العقد الالكتروني , الاسكندرية , دار الفكر الجامعي , 2006 , ص245 .

[12] عبد الفضيل محمد احمد , مصدر سابق , ص 245 .

[13] احمد سعيد الزقرد , مصدر سابق , ص264.

[14] خالد ممدوح ابراهيم , مصدر سابق ص245

[15] المادة 121/2 من قانون الاستهلاك الفرنسي لعام 1993.

[16] عمر محمد عبدالباقي , مصدر سابق ص100

[17] سميحة القيلوبي , المحل التجاري (البيع , الرهن بالجدك ) , القاهرة دار النهضة العربية , 1979 , ص156 .

[18] حسين فتحي , حدود مشروعية الاعلانات التجارية لحماية المتجر المستهلك , القاهرة , مجلة مصر المعاصرة , السنة الثالثة والثمانون , العدد 127 , 1972 ص44 .

[19] تنص المادة (5) (تعتبر الاعمال التالية اعمالا تجارية اذا كانت بقصد الربح ويفترض فيها هذا القصد ما لم يثبت العكس .. خامسا . النشر والطباعة والتصوير والاعلان ) .

[20] انظر المادتين 31 و 33 من القانون العراقي

[21] انظر المادة 8/11 من القانون العراقي

[22] نشرت التعليمات في الوقائع العراقية بالعدد 3757 في 18/1/1999 .

[23] ليث الربيعي , سياسات الحماية الرسمية للمستهلكين , الملتقى الرابع للامانة العامة للاتحاد العربي للمستهلك , صنعاء , 14,16/9 2001 , ص4 .

[24] نشرت التعليمات في الوقائع العراقية بالعدد 3903 في 5/11/2001

[25] ليث الربيعي , سياسات الحماية الرسمية للمستهلكين الملتقى الثالث للأمانة العامة للاتحاد العربي للمستهلك , صنعاء فيان , 2001 , ص21 .

[26] انظر المادتين 466 و 467 من قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 حيث تقضي المادة 466 بحبس كل من تسبب باخفاء سلعة من السلع المعدة للاستهلاك باذاعته عمدا وقائع مختلفة او اخبار غير صحيحة او ادعاءات كاذبة او بارتكاب اي عمل ينطوي على غش او تدليس كما قضت المادة 467 من القانون بحبس كل من غش متعاقدا معه بحقيقة بضاعته او طبيعتها او صفاتها الجوهرية او العناصر الداخلة في تركيبها او نوع البضاعة او مصدرها في الاحوال التي يعتبر فيها ذلك سببا اساسيا في التعاقد او كان الغش في عدد البضاعة او مقدارها .... الخ .

[27] تقابلها المادة 203 من القانون المدني المصري والمادة 1184 من القانون المدني الفرنسي

[28] انظر المادة 248/2 من القانون المدني العراقي تقابلها المادة 205/2 مدني مصري .

[29] انظر المادة 121/2 في القانون المدني العراقي والمادة 125/1 في القانون المدني المصري والمادة 1116 في القانون المدني الفرنسي

[30] عبدالرشيد مأمون , الوجيز في النظرية العامة للالتزامات الكتاب الاول , مصادر الالتزام ، القاهرة , دار النهضة العربية , بلا سنة طبع , ص122 .

[31] حسن علي الذنون , النظرية العامة للالتزامات , مصادر الالتزام واحكام الالتزام واثبات الالتزام , بغداد بلا دار نشر , 1976 ص99.

[32] انور طلبة , النظرية العامة للالتزام , مصادر الالتزام , القاهرة , دار ابو المجد للطباعة , 2003 , ص291 .

[33] انور طلبة , نفس المصدر , ص292 .

[34] عبدالمجيد الحكيم , عبدالباقي البكري , محمد طه البشير , الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي , ج1 (مصادر الالتزام) الموصل , مطابع مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر , ص89 .

[35] منذر الفضل , النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني ,  ج1 , مصادر الالتزام , بغداد , مطبعة جامعة بغداد , 1991 , ص176 .

[36] المادة 122 من القانون المدني العراقي

[37] المادة 123 من القانون المدني العراقي

[38] المادة 136 من القانون المدني العراقي

[39] خلافا على ما استقر عليه الفقه والقضاء لا سيما في فرنسا من ان المعلن مسؤول عن التضليل الاعلاني بغض النظر عن حسن نيته او سوءها وهو تطور مهم لا يجوز النكوص عنه .

[40] احمد سعيد الزقرد , مصدر سابق , ص237 .

[41] عمر محمد عبدالباقي , مصدر سابق ص175 .

[42] احمد سعيد الزقرد , مصدر سابق ص228 .

[43] عمر محمد عبدالباقي , مصدر سابق , ص175 .


إرسال تعليق

0 تعليقات