آخر الأخبار

Advertisement

البعد الإيكوتنموي بالمغرب بين الترسانة التشريعية والقضائية - الدكتور خالد هيدان- العدد 49 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني - تقديم ذ محمد القاسمي


 البعد الإيكوتنموي بالمغرب بين الترسانة التشريعية والقضائية - الدكتور خالد هيدان- العدد 49 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني - تقديم ذ محمد القاسمي


لتحميل عدد المجلة الذي يتضمن المقال بصيغته الرقمية pdf الرابط أذناه:


https://www.allbahit.com/2022/12/49-2022-30-pdf-httpsdrive.html



الدكتور خـــالد هـــيدان

      دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

المملكة المغربية

   البعد الإيكوتنموي بالمغرب بين الترسانة التشريعية والقضائية

The economic development dimension in Morocco is between the legislative and judicial Arsenal

مقدمة:

 إن أي سياسة قانونية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبعد التنموي والبيئي لا يمكن أن تحقق أهدافها، إلا إذا توفرت العديد من الشروط القانونية التي نذكر منها سلامة القواعد التي تسند عليها وخلوها من التغرات القانونية والواقعية ووجود إدارة وقدرة لدى الساهر على تطبيقها، وتوفر رقابة قضائية قادرة على تقويم انحرافات الجهاز الإداري والتوفيق بين الصالح العام ومصالح الإفراد.

 كما للنصوص القانونية أهمية كبيرة في تحقيق التنمية المستدامة، لذا يجب إعادة النظر في هذه النصوص حتى تخلق التوازن بين متطلبات التنمية المستدامة وحتمية المحافظة على المجال البيئي.

وأيضا إذا كنا نتحدث عن إخراج نصوص قانونية تنادي بضرورة تحديثها في بعض الأحيان، فإن هذا الأمر لن يؤتي أكله إلا بتطبيق هذه النصوص، الشيء الذي يؤكد على ضرورة إصلاح الترسانة القضائية كذلك.

   ولصبر أغوار هذا الموضوع بالدراسة والتحليل يحتم ذلك طرح إشكالية محورية مفادها، مدى مساهمة كل من الترسانة التشريعية والقضائية في حماية البعد الإيكوتنموية بالمغرب؟

          هذا ما سنحاول تبيانه من خلال التطرق إلى الإصلاحات الواجبة في المجال التشريعي (لمحور الأول ثم الإصلاحات الخاصة بالمجال القضائي (المحور الثاني).

1.      المحور الأول : ضرورة إصلاح وتوضيح النصوص التشريعية

إن من الشروط الضرورية لنجاعة وفعالية العمل الجهوي، وكذا القرار الجهوي هو توضيح الاختصاصات وتعزيزها بصورة دقيقة، حتى تخلق التكامل والانسجام والفعالية. وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة المراد بلوغها والمراعية للبعد البيئي.

هذا ما سنحاول مناقشته وفق الشكل التالي:

أ‌-       تحديد وتدقيق الاختصاص بين الدولة والجهة.

إن الصيغ العامة والفضفاضة التي وردت بها الاختصاصات الموكلة إلى الجهة، من خلال القانون المنظم للجهات لا تسمح بكسب رهان التنمية، لأن الجانب التنموي يحتم توفير أدوات قانونية كافية واضحة وفعلية، لا تعد أن تكون شكلية أو مبهمة وتفتقد طابع الدقة والتحديد.

ولذلك، فأول مسألة تستدعي الدراسة والتفكير والحسم فيها مستقبلا هي توضيح وتحديد الاختصاصات بين الدولة والجهة، وبين هذه الأخيرة والجماعات الترابية الأخرى[1].

فالجهة لا يمكنها أن تقوم بوظيفتها على أحسن وجه، أن لم يكن هناك توزيع جيد للاختصاصات بين مختلف مستويات الإدارة للامركزية، وتكون اختصاصاتها واضحة ومحددة، بحيث تدرك الجهة المهام الموكلة إليها من أين تبدأ وأين تنتهي حدودها، وتوضيح الاختصاصات وتدقيقها، من شأنه تفادي التدبير ويساعد على تحقيق التنمية المنشودة المنسجمة والمنسقة، والابتعاد عن التشابك واختلاف الأدوار وازدواجية التدخلات في إنجاز المشاريع والعمليات والأشغال.

إذن، فالتحدي الذي يجب إزالته يتعلق بوضع توازن جديد بين مختلف المستويات التي تشكل الهرم الترابي، بطريقة تسمح بتفادي خلق مجال للتعارض أو العداء[2].

كما أن عملية نقل أو تفويت الاختصاصات من الدولة إلى الجهة يتم بدون إعادة النظر في الإمكانيات والموارد المتوفرة، وأيضا نقل الاختصاصات يكون صوري وليس فعلي، وهو ما ينتج عنه تكريس مسألة تداخل اختصاصات وتعميق حدة الإبهام والغموض، مثلا كأن تقوم الدولة بنقل اختصاص معين في مجال محدد بدون تمتيع الجهة بالوسائل التي كانت توظفها لممارسة هذا الاختصاص المنقول، لأن تحديد الاختصاصات الجهة بشكل واضح ودقيق من شأنه أن يساعد المنتخبين الجهويين في رسم سياسة تنموية تنسجم وقادرة على رفع الزيادة من الفعالية والمردودية ومن أجل تحقيق هذا الهدف القائم على تكامل الأدوار بين الدولة والجهة، نرى من الضروري إعادة توزيع الاختصاصات بين الطرفين بشكل منهجي يوظف مضامين الانسجام والتلاحم عن طريق الأخذ بمقاربات شمولية قائمة على مبادئ حكماتية وواضحة التدقيق[3].

وعليه فلا بد من إعادة النظر في توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهة وذلك على أساس متوازن وعادل وهو ما يمكن تسميته ب " حكامة الاختصاص" أو " حكامة توزيع الاختصاص" والتي يمكن أن تنبني على عدة أسس:

ü    دقة التوزيع: أي معرفة حدود التدخل سواء تعلق الأمر بالدولة في علاقتها بالجهة أو بعلاقة هذه الأخيرة وباقي الجماعات الترابية، إذ أن تحديد كل طرف لمهامه واختصاصاته بشكل دقيق يسمح بتفعيل نظام المحاسبة ويسد الطريق أمام إتكال كل جماعة على أخرى أو جهة على أخرى، فضلا عن أنه يساهم في الحد من التمويلات المختلطة[4]

ü    ترسيخ مبدأ التفريع ( principe de subsidiarité):[5]يتمثل مبدأ التفريع على مستوى توزيع الاختصاصات في ذلك الأساس القويم الذي يتجلى في توزيع الكفاءات والتجارب، وهو نوع من التوزيع الشريف للاختصاصات والموارد عملا بالمبدأ الأصيل في " الالتزام على حسم قانوني واضح أو تعاون وتفاهم شريف" أي ما يستطيع الأدنى القيام به يترفع عنه الأعلى وما يعجز عنه الأدنى يتولاه الأعلى.

وهذا يعني، أن الدولة يجب أن تتخلى للجهات عن كل الاختصاصات التي تستطيع الاضطلاع بها، فهو مبدأ ينصرف إلى وضع نظام في تسيير الشؤون العامة يفضي إلى ملائمته بحيث أن تطبيقه يسمح بإعطاء البنية الإدارية مرونة أكثر وملائمة أكبر وذلك راجع إلى قدرته بتنظيم اتخاذ القرارات بشكل فوري وسليم، وتظهر أهمية هذا المبدأ في كونه يخول للجهة أن تدبر نفسها بنفسها، ولا يكون تدخل الدولة إلا في حالة عجز الجهة، وهذا ما يجعل من هذا المبدأ له القدرة على تأطير الاختلالات الواقعية بين الجهة والجهات الأخرى وما بين الدولة والجهة.

وأمام الاختلالات التي تعرفها معظم جهات المملكة المغربية، فالسؤال الذي يمكن طرحه أنيا ومستقبلا هو: كيف للدولة أن تكون قوية بجهاتها وكيف للجهات ان تكون قوية بمركزها؟ إذ في حالة ما وقع اختلال أو عجز كيف يمكن للدولة أن تتدخل وعلى أي أساس؟

للإجابة عن هذه الأسئلة يجب تطبيق ثلاثة معايير وضبطها وهي: معيار الضرورة / التناسب/ والفعالية[6].

ü    العمل بالتدبير الجهوي: ويعني ذلك إسناد الدور الأول في التدبير للمجلس الجهوي بإعتباره القائد أو هكذا يفترض أن يكون المخطط والبناء الإستراتيجي للتنمية الجهوية الذي يمكنه من صلاحيات المساهمة في وضع البرامج القطاعية وكذا مراقبة وتنفيذ المشاريع المبرمجة على مستوى التراب الجهوي مما يجعل الجهة مجلسا للتدبير[7]. خاصة إذا تم توسيع صلاحيات الولاة مع ضبطها وتقنينها فيما يتعلق بالعمل والتنسيق بين القطاعات للآممركزة في إطار برامج جهوية مندمجة يصبح خلالها الوالي أمرا بالصرف نيابة عن الوزير في تنفيذ هذه البرامج.

إن جعل الجهة مجلسا للتدبير، إنما يندرج في إطار النظرة الجديدة التي لم تعد تعتبر التراب المحلي جزءا من المجال الطبيعي بقدر ما أصبح نظاما مفتوحا للعلاقات والتفاعلات والانتاج، وهذا يجعل منه حجر الزاوية في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تدعمها دينامية الجهات كأقطاب للتنمية وطرح حلول وأجوبة مندمجة لها[8].

ü    العمل بمبدأ القرب أو الحوار: بحيث تسند للجهات القضايا اللصيقة بسكانها والتي تكون مؤهلة للاضطلاع بها بفعالية أكثر[9].

وبناء على ما تقدم ذكره يتبين أن توضيح العلاقة بين الدولة والجهات يرتكز على ضرورة إعادة النظر في توزيع وتحديد الاختصاصات بينهما، حتى يتحقق التكامل في الأدوار بدل التداخل والازدواجية التي تؤدي إلى تشتيت جهود التنمية.

إن الارتقاء بالعلاقة بين الدولة والجهة إلى مستوى تعاقدي وتشاركي في صياغة القرار يفرض تنسيقا محكما في إنجاز المشاريع التنموية من خلال التنسيق بدل الوصاية كنقطة أولى، وترشيدا فاعلا للتدخلات الدولة والجماعات الترابية كافة في تدبير القطاعات المختلفة من خلال اعتماد التخطيط الاستراتيجي كنقطة ثانية، مثل هذا العمل يقتضي تضافر الجهود والطاقات داخل الجهة في إطار توزيع واضح للاختصاصات بين مختلف المتدخلين وإشراك المواطنين في تخطيط شؤونهم وفق مقاربة تشاركية كنقطة ثالثة[10].

ب‌-    تطوير وتفعيل الإطار القانوني للبيئة:

إن الهدف الرئيسي الذي يسعى إليه المغرب من إصلاح قانون البيئة هو إيجاد إطار قانوني يضمن التوازن بين أمرين يظهران أحيانا متكاملين: المحافظة على البيئة بالنسبة للأجيال الحالية والمستقبلية ومتابعة التنمية الاقتصادية، إن إستراتيجية إصلاح إدارة البيئة وحدها يمكنها من خلال الاختيارات المنسقة التي تتضمنها ضمان تنمية مستديمة.

وتبعا لذلك يجب تحقيق التماسك القانوني لمجموع النصوص البيئية الموجودة أو التي سيتم خلقها وكذلك تحقيق تلاؤمها مع تطور التكنولوجيا وحالة الأوساط المستقبلية،ويجب على الإصلاحات أن تسمح للمغرب لمواجهة التزاماته الدولية بواسطة مقتضيات قانونه الداخلي بطريقة تجعله يحترم تعهداته، وبالإضافة إلى ذلك يتطلب الأمر إشراك كل القوى الحية لحماية البيئة، ومما لا شك فيه أن الإدارة هي الوسيلة الأساسية لذلك، لكن إشراك الجماعات العمومية الأخرى على المستوى المحلي وجمعيات الفاعلين الاقتصاديين يبقى له أهمية[11].

كما تشكل قضايا البيئة والمشاكل المرتبطة بها أحد الميادين التي أخذت تسائل القانون منذ مدة، بصورة تقتضي إمعان النظر في روح النصوص التشريعية والتنظيمية، في سياق تفاعلها مع الأوضاع والظروف البيئية الخاصة بتلك المشاكل، فلترجمة متطلبات التنمية المستدامة وضرورة التوفيق بين النمو والانشغالات البيئية، ينبغي تجاوز المقاربة التقليدية – التحليلية والبسيطة- واعتماد مقاربة نسقية وشمولية systémique et global، بحيث لا يمكن فصل هذا القانون عن السياسة البيئية المعتمدة في هذا المجال، والتي لا ينبغي عزلها هي كذلك عن السياسات الأخرى، في مجالات إعدادا التراب الوطني والتعمير والفلاحة والطاقة والصحة والسياحة والتربية والتعليم.

ويهدف قانون حماية البيئة إلى استكمال التشريعات البيئة القائمة وإضفاء التماسك عليها، لتحويلها إلى أداة دعم فعالة لسياسة إعداد التراب، كما يشكل إطار مرجعيا لملائمة المشاريع ذات المنفعة الاقتصادية والاجتماعية والتي تنجزها مختلف القطاعات مع توجهات سياسة إعداد التراب في ميدان المحافظة على الموارد والأوساط الطبيعية، فهو ينبغي عليه مراعات الارتباطات الوظيفية بين مكونات المحيط البيئي، ويعمل على ضمان تمفصل وتناسق وتآزر التشريعات المتعلقة ب ( قانون الغابة – قانون الماء – قانون حماية الأوساط الطبيعية والمناطق الهشة...)[12].

كما ينبغي العمل على ملائمة النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها، بما يضمن إصلاح ما ثم إفساده والوقاية من الأضرار التي قد تقع لاحقا، وحيث إن التراكمات كثيرة ومعقدة في هذا المجال، فإنه ينبغي إدراج هذا العمل ضمن مسلسل للتدوين والتطوير المطرد، في إطار ورشة وطنية تستوجب مدة معقولة من العمل المكتف، يشترك فيها كل الفاعلين في هذا المجال، بغية التوصل إلى إقرار قانون بيئي يستجيب لمتطلبات القرن الواحد والعشرين، فالأمر يتعلق إذن بإقرار مسلسل قانوني مبني على المتطلبات الواقعية وطبيعة المؤسسات والأجهزة المعنية، لكي تتمكن النصوص المعتمدة من الاستجابة بصورة ملائمة للأوضاع الخاصة بهذا المجال، ويمكن بذلك ضمان قبولها واحترامها على نطاق واسع.

وتطوير الإطار القانوني، أو القوانين البيئية، يقتضي الأخذ بعين الاعتبار توفر العديد من الجهات على مكونات مجالية مختلفة ومتنوعة ( الجبل – السهل – الغابة – الساحل – المدن العتيقة...) وهذا ما أصبح بفرض التعامل مع الجانب القانوني والتنظيمي مع كل مكون على حدة على أساس خصوصياته، انطلاقا من أن القوانين والأنظمة إذا كانت غير ملائمة لخصوصيات المجال، قد تصبح لا محال أداة عرقلة للتنمية بدل أن تكون وسيلة للدفع بها[13].

وعليه يجب سد الفراغ التشريعي في مجال المحافظة على البيئة، وملائمة هذا التشريع لمتطلبات التقدم العلمي والعالمي، وإن كان المشرع قد خطا خطوات هامة من خلال القانون رقم 03. 11 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، والقانون رقم 03. 12 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة، والقانون رقم 03. 13 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء[14]. إذ وسع المشرع بشكل كبير دائرة المتدخلين والمؤهلين لإثبات المخالفات البيئية، وأعطى للمخاطر التي يحررونها حجية قانونية معتبرة، كما جاء في المادة 11 من القانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، والمادة 68 من القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.

وإذا كانت هذه الإصلاحات التي عرفها المغرب في شقها القانوني مهمة، فإن دخلوها حيز التنفيذ يتوقف على صدور نصوص تنظيمية وتطبيقية، هو الأمر الذي لا يزال لم يقم لحد الآن، ولذلك تبقى – أي الإصلاحات القانونية مجرد حبر على ورق.

كما رأينا سابقا بأنه تم اعتماد عددا من النصوص الهامة حول البيئة، هذه النصوص لها بالتأكيد مكانتها في إطار الإصلاح القانوني الذي يجب القيام به، ولكن يجب إدماجها في إطار قانوني متماسك، هذا الإطار يمكن أن يأخذ شكل مدونة حقيقية للبيئة، وهو ما يبقي مطلبا ملحا.

ولا يمكن أن تكون لهذه المدونة دلالتها الحقيقية إلا تم العمل على:

ü    سد الثغرات الإقطاعية، تحرير القوانين القطاعية المتعلق بالبيئة البحرية.

ü    واتخاذ بعض المبادئ الموجهة للترسانة التشريعية والتنظيمية وتعطي لهذه الأخيرة تماسكها.

وبدون شك فإن الغاية الأساسية لهذه المدونة تكمن في تجنب التناقضات وتسهيل التكامل بين مختلف النصوص المشتتة التي لها تأثير على البيئة.

وإيجاد مقترب قانوني شمولي ومتكامل لحماية البيئة[15].

2.      المحور الثاني : تفعيل دور القضاء لخدمة البعد التنموي والبيئي

في ظل إشكالية الغموض والتداخل الناتجة عن الاختصاص المعتمد بالمغرب فيما يخص مسألة توزيع وتحديد الاختصاصات بين الجهة والدولة أو فيما بين الجماعات الترابية الأخرى، بات من الضروري تفعيل دور القضاء في التنظيم اللامركزي الذي يبقى الضمانة الأساسية في حسن التدبير.

وهذا ما سنحاول أن نسلط عليه الضوء من خلال الحديث عن النقط التالية:

ü    تأهيل القضاء للحد من تنازع الاختصاصات وتقويتها بالجهة:

في ظل إشكالية الغموض والتداخل التي تطال الاختصاصات، والناتجة عن المعيار العام المتبع من طرف المشرع المغربي في توزيع الاختصاصات بالجماعات الترابية ككل، في غياب مبدأ واضح وديمقراطي يحددها بدقة ويرسم الحدود الفاصلة بينها، بين الجهة والدولة، أو فيما يتعلق بالجماعات مع بعضها، ينهض الدور البارز والمتميز للقضاء، كشرط موازي ولازم لتطوير النهج والتوجه اللامركزي بالمغرب، باعتباره يشكل سلطة للردع التي تقيم التوازن وتحقيق العدل داخل المجتمع، وهو الضمانة الأساسية في المجتمع، بل والرافعة الضرورية للتنمية وحسن التدبير[16].

وارتباطا بالتغيرات التي طالت المجتمع/ وما لحق الدولة من تراجع واضح في وظائفها ناهيك عن التغيرات الإقليمية، والتحولات الدولية المحكومة بالعولمة وترابط العلاقات وتداخل المصالح في الوقت الراهن، ازدادت أهمية القضاء كما ازدادت الحاجة إليه، ولم يعد دوره يقتصر على فض النزاعات بين الناس، وتطبيق النصوص القانونية فحسب، بل أنه يتجاوز ذلك بكثير فبظل القضاء العادل والنزيه، يستقر وتعتدل الأحوال، في أرضية ملائمة للعمل والاستمارة.

فالقاضي هو من يزرع الحياة في النصوص الجامدة، وهو المطالب بالإجتهاد في حالة غموض هذه النصوص، أو وجود فراغ تشريعي، مما يجعل دوره أساسيا في تنمية المجتمع وحماية الجماعات الترابية من التطاول على اختصاصاتها من أي جهة كانت.

غير أنه فيما يخص منظومة اللامركزية عموما، وإشكالية غموض اختصاصات الجماعات الترابية على الخصوص، ظل القضاء المغربي دائما في موقع الحياد، ولم يتدخل في فصل في ما يثار من نزاعات ناشئة عن التداخل في الاختصاصات مما جعله موضوع انتقاد شديد في مجموعة من التقارير الرسمية وغير الرسمية والداعية إلى ضرورة انخراطه ومساهمته في التحولات المهمة التي يعرفها المغرب على عدة مستويات بالشكل الذي يجعل منه ضامنا ومحفزا حقيقيا في التنمية[17].

خاصة على مستوى توفير الشروط الاقتصادية الضرورية للإستثمار[18]. وهو ما يجعل الفكر القضائي ككل ملزما بالتطور والخلق والإبداع من أجل مواكبة التغيرات المتصارعة والمتلاحقة المحيطة به، باعتبار دوره البارز والمحوري كقاطرة للرقي والازدهار.

ولضمان السير المنضبط لعمل واختصاصات الجهة وفق النهج المسطر له، كان لا بد من إحاطتها بحدود وضوابط تفاديا لريع والانحراف،ولأجل ذلك أحاطت السلطات المركزية السلطة اللامركزية برقابة إدارية ومالية ضمانا لفعاليتها وتجنبا للانحراف عن الوجه الصحيح إلا أنه أمام تمادي السلطة المركزية وتجاورها غير المبرر أحيانا، أصبح من الضروري قيام جهاز قضائي محايد لتحقيق الديمقراطية الترابية، على اعتبار أنه من غير المعمول أن تكون السلطة المركزية طرفا وحكما في نفس الوقت، ولأن الرقابة القضائية تحتل المرتبة الأولى من حيث الفعالية المباشرة في الحفاظ على مبدأ الشرعية، عن طريق احترام القانون من قبل الإدارة، وحتى تقوم الجهات وباقي الجماعات الترابية بدورها التنموي على النحو السليم، يقتضي الأمر تفعيل المراقبة القضائية إن على مستوى الإداري أو المالي، وذلك لتقويم عمل هذه الوحدات، وثنيها عما يمكن أن يشوب أعمالها من إنحراف أو خروج عن النهج السليم.

واعتبارا للدور المهم والأساسي الذي يمكن أن يلعبه القضاء في تطوير سياسة اللامركزية الترابية، وحماية الاختصاصات من كل تطاول أو انحراف، وبحكم موقعه المتميز كمؤسسة دستورية، فهو مطالب بالحرص على احترام مبدأ سيادة القانون في حدوده القصوى دون تأثير بالتداعيات السلبية للتقشف السياسي مما يقوي الاختصاصات المحلية للجماعات الترابية ويطورها. وما التنصيص الأول مرة في روح الدستور على سلطة القضاء، إلا مؤشر واضح على الدور المهم الذي يلعبه القاضي بشكل عام، والقاضي الإداري بشكل خاص في بلورة وتفعيل جهوية متقدمة وهادفة تروم الحرص الشديد على احترام وتطبيق القانون[19].

ü    تعزيز الرقابة القضائية للمجالس الجهوية للحسابات:

لتعزيز وظيفة المجالس الجهوية للحسابات كهيأة للرقابة في تدعم التنظيم اللامركزي وتزكي ثقافة المحاسبة والشفافية، يفرض ذلك الإسراع بتبني جملة من التدابير التي من شأنها الرفع من أداء هذه المجالس وممارسة صلاحيتها ومهامها على الوجه المطلوب، لذلك لابد بداية من ضمان وتقوية استقلالية هذه الأجهزة لتمكينها من الاضطلاع بمهامها بكل موضوعية وفعالية، وبمنأى عن أي تأثير خارجي كيفما كان مصدره، كما يتعين كذلك التدقيق في مهامها وتوجيه أشكالها نحو تقويم جودة المشاريع والخطط الإنمائية وفق ما توصي به المنظمات الدولة للرقابة العليا وعلى غرار ما سارت عليه الأجهزة العليا للرقابة في كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي[20]. ومن المستحب أيضا أن تناط بهذه المحاكم اختصاصات استشارية مشابهة لتك التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات "بمقتضى الفصل 148 من الدستور" الذي ينص على أن هذه الأخيرة تبدل مساعدته للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة، وفي نفس السياق وبما أن فعالية الدور الذي تضطلع به المجالس الجهوية للحسابات ترتبط بالمنهجية التي تعتمدها في عمليات المراقبة، فالمفروض أن يتم تجاوز المفهوم التقليدي للرقابة المرتكز على احترام الشكليات والتركيز على قياس الأداء وفعالية الإنجازات انطلاقا من التحقق من تكلفة عوامل الانتاج وتقدير مساطر التدبير الإداري المعقدة، ثم التأكيد من أن ما يتم اقتناؤه يساعد على جعل الآلة الإدارية تتحرك في الاتجاه وبالسرعة المقريين، أي الاهتمام بقياس النتائج المحققة ومدى تطابقها مع الأهداف المحددة سلفا وكلفة الإنجاز.

ومن جهة الأخرى يتعين على المجالس العليا للحسابات أن تسهر على إرساء قواعد الفقه والإجتهاد القضائي المالي المحلي، وتحدو في هذا الشأن حدو التجربة الفرنسية[21]، لذلك يمكن أن يتم تأسيس، داخل هذه المحاكم لجنة تختص في المناهج بهدف تحقيق التنافس في الملاحظات التي تبديها وإعداد المراجعة النافعة للمراقبة جودة التسيير المحلي[22].

وعلى غرار بعض تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، ينبغي تبني مقاربة جديدة في إدماج المجالس الجهوية في محيطها العام، تأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد الثقافية والإنسانية والاستراتيجية التدبيرية للرقابة فعل حضاري بامتياز.

وعموما، يتعين التأكد على ضرورة دعم منظومة الرقابة المالية برمتها وإعادة إصلاحها بحكم ارتباط كل أعضاء العائلة الرقابية ببعضها البعض في سبيل تطوير المناهج والمقاربات،الرامية إلى تطوير أداء العمل الرقابي بفعل العلاقة الوطيدة بين الرقابة الداخلية والرقابة الخارجية ثم العمل على التنسيق بين كل الأجهزة الرقابية.

ü    تفعيل دور النيابة العامة في مجال البيئي على المستوى الوطني والجهوي:

يساهم قضاء النيابة العامة في الحفاظ على البيئة عبر السهر على القيام بدوره في ضوء التشريعات المتوفرة، وبالتالي يتعين حين تقييم دوره الأخذ بعين الاعتبار الاطار القانوني المتوفر ومن هذا المنطلق يجب التأكيد على أن هذا الجهاز لا يمكن أن يقوم لوحده بدور فعال، وتوفير الحماية والحلول لقطاع عرف ومازال يعرف مشاكل متعددة، بالنظر إلى حجم الاعتداءات والتدهور المتنامي للمجال البيئي، دون تكاتف جهود كل المتدخلين من أجل الوصول إلى تبني رؤية متكاملة تمكن من الحفاظ على المجال البيئي.

فاعتماد النصوص القانونية التي تعود إلى عهد الحماية من جهة والنقص التشريعي الذي تعرفه النصوص المنظمة للبيئة من جهة أخرى وعدم ملائمة العقوبات التي تتضمنها النصوص التشريعية حيث أنها لا تتمتع بقوة الردع الموازية لحجم المخالفات المتعلقة بالبيئة وعدم تناول النصوص لكثير من المستجدات الهامة المتصلة بالبيئة وغياب الاستقلالية في عمل المؤسسات المسؤولة عن شؤون البيئة، فعلى المستوى الزجري يلاحظ أن المسطرة القضائية بدءا من حيث تحريك الدعوى العمومية وممارستها الموكلة إلى قضاء النيابة العامة ليست إلا مسطرة تكميلية إن صح التعبير الهدف منها توقيع عقوبات مخففة بعدما لحق المجال البيئي الضرر الفادح، بحيث يمتد إلى الآخرين سواء كانوا أفراد أو مجتمعا أو دولا أو العالم بأسره.

وإذا كان الدور الأساسي في مجال حماية البيئة يقع على عاتق الجهاز الحكومي المكلف بالبيئة فإنه يجب كذلك التسليم بأن قضية البيئة قضية مشركة تقتضي التنسيق والتعاون بين مختلف الإدارات والوزارات والمنظمات غير الحكومية فعاليات المجتمع المدني والمؤسسات العلمية والتربوية والهيئات الدولية المعنية[23].

ü    ضرورة التكوين البيئي للقضاء والأعوان الإداريين:

 يجب أن يدرك القضاء مميزات قانون البيئة وبعض الحلول الجديدة نسبيا سواء تعلق الأمر بالمحاكم الجنائية أو المدنية أو الإدارية، ويمثل وضع مسؤولية من نوع موضوعي حيز التنفيذ مظهرا لهذا التجديد القانوني[24]، نفس الشيء يخص التوسع الممكن للعقوبات الإدارية في القانون المغربي، وقد رينأ سابقا بأن هذه الحركة يجب أن تصاحب بمراقبة قضائية. الأمر الذي يقتضي الرفع من خبرة الأطر القضائية في مجال البيئة حتى تتمكن من التقدير السليم لخطورة أنشطة المنشآة المصنفة على البيئة، خاصة وأن المادة 13 من قانون حماية واستصلاح البيئة تنص على أن:" تصدر المحكمة المختصة التي رفعت إليها الدعوى أمرها بمنبع استغلال المنشأة المخالفة للقانون إلى حين القيام بالأشغال والإصلاحات اللازمة، كما يمكنها أن تأمر بإنجاز هذه الأشغال والاصلاحات بمعية الإدارة وعلى نفقة مالك أو مستعمل المنشأة".

وإلى جانب التكوين القانوني الصرف، يجب تحسيس القضاة بأهمية الدفاع عن البيئة حتى يتمكنوا من تقدير العقوبات المراد تطبيقها على المخالفين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب تكوين الأعوان الذين يمارسون اختصاصات في مجال البيئة، ويجب أن يمس هذا التكوين بالدرجة الأولى رؤساء أعوان الأقسام المكلفة مباشرة بالبيئة، وأعوان الأقسام والأجهزة الأخرى التي تمارس بصفة مباشرة أو غير مباشرة اختصاصات بيئية.

إن قانون البيئة قانون متميز وقادر على أن يشكل فرعا خاصا من القانون يستلزم تكوينا متخصصا مكملا للتكوين القانوني العام، وهذا التكوين بدون شك يعتبر ضروريا بالنسبة للقانونيين في هذه الأقسام، ولكن يظهر أنه جد مهم بالنسبة للتقنيين مثلا فيما يخص المفتش المكلف بالمنشأة المصنفة والمكلفين بالتعمير والمختصين في إعداد التراب[25].

خـــاتمة :

بناءا على ما سبق ذكره إن الهدف الرئيسي الذي يسعى إليه المغرب من إصلاح قانون البيئة هو إيجاد إطار قانوني يضمن التوازن بين أمرين يظهران أحيانا متكاملين: المحافظة على البيئة بالنسبة للأجيال الحالية والمستقبلية ومتابعة التنمية الاقتصادية، إن إستراتيجية إصلاح إدارة البيئة وحدها يمكنها من خلال الاختيارات المنسقة التي تتضمنها ضمان تنمية مستديمة.

وتبعا لذلك يجب تحقيق التماسك القانوني لمجموع النصوص البيئية الموجودة أو التي سيتم خلقها وكذلك تحقيق تلاؤمها مع تطور التكنولوجيا وحالة الأوساط المستقبلية،ويجب على الإصلاحات أن تسمح للمغرب لمواجهة التزاماته الدولية بواسطة مقتضيات قانونه الداخلي بطريقة تجعله يحترم تعهداته، وبالإضافة إلى ذلك يتطلب الأمر إشراك كل القوى الحية لحماية البيئة، ومما لا شك فيه أن الإدارة هي الوسيلة الأساسية لذلك، لكن إشراك الجماعات العمومية الأخرى على المستوى المحلي وجمعيات الفاعلين الاقتصاديين يبقى له أهمية ،فاعتماد النصوص القانونية التي تعود إلى عهد الحماية من جهة والنقص التشريعي الذي تعرفه النصوص المنظمة للبيئة من جهة أخرى وعدم ملائمة العقوبات التي تتضمنها النصوص التشريعية حيث أنها لا تتمتع بقوة الردع الموازية لحجم المخالفات المتعلقة بالبيئة وعدم تناول النصوص لكثير من المستجدات الهامة المتصلة بالبيئة وغياب الاستقلالية في عمل المؤسسات المسؤولة عن شؤون البيئة، فعلى المستوى الزجري يلاحظ أن المسطرة القضائية بدءا من حيث تحريك الدعوى العمومية وممارستها الموكلة إلى قضاء النيابة العامة ليست إلا مسطرة تكميلية إن صح التعبير الهدف منها توقيع عقوبات مخففة بعدما لحق المجال البيئي الضرر الفادح، بحيث يمتد إلى الآخرين سواء كانوا أفراد أو مجتمعا أو دولا أو العالم بأسره.

         وإذا كان الدور الأساسي في مجال حماية البيئة يقع على عاتق الجهاز الحكومي المكلف بالبيئة فإنه يجب كذلك التسليم بأن قضية البيئة قضية مشركة تقتضي التنسيق والتعاون بين مختلف الإدارات والوزارات والمنظمات غير الحكومية فعاليات المجتمع المدني والمؤسسات العلمية والتربوية والهيئات الدولية المعنية .

لائحة المراجع:

ياسين طالع: صناعة التنمية بجهة الشاوية – ورديغة"رسالة لنيل دبلوم المستر في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2011/2010.

محمد الرادة: " الجهة والتنمية الجهوية المندمجة بالمغرب"،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2011/2010.

باني سمية:  الإصلاح الجهوي في المغرب بين مطلب التنمية ورهان الديمقراطية"، أطروحة لنيل شهادة الكتوراه في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2014/2015.

آمال بلشقر: " تدبير الجماعات الترابية لمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة"، ماطروحة في القانون العام كلية الحقوق اكدال الرباط 2015/2014.

المصطفى بلقزبور:" توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهات"، مطبعة طوب بريس الرباط الطبعة الأولى 2011.

شعيب الهاشمي:" الجهوية المتقدمة ورهان الحكامة الترابية بالمغرب " رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية الحقوق بسطات 2011/ 2012.

نجيم مزيان:" إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"، أطروحة الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2016/2017.

حسنة كجي:" الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق التطبيق"، مجلة العلوم القانونية الطبعة الأولى 2018.

المصطفى بلقزبور: " مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب"، أطروحة الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2015/2014.

محمد اليعكوب: " المحاكم الجهوية للحسابات والديمقراطية المحلية بالمغرب"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 101، نونبر /دجنبر 2011.

محمد بغدود: " دور النيابة العامة في حماية المجال البيئي"، المجلة المغربية في الفقه والقضاء، مطبعة الأمنية، الرباط، طبعة 2015.



[1] ياسين طالع: صناعة التنمية بجهة الشاوية – ورديغة"رسالة لنيل دبلوم المستر في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2011/2010، ص 187.

[2] ياسين طالع:  "صناعة التنمية بجهة الشاوية – ورديغة"، مرجع سابق، ص 188

[3] محمد الرادة: " الجهة والتنمية الجهوية المندمجة بالمغرب"،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2011/2010، ص 159.

[4]  باني سمية:  الإصلاح الجهوي في المغرب بين مطلب التنمية ورهان الديمقراطية"، أطروحة لنيل شهادة الكتوراه في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2014/2015، ص 295.

[5]  إذا كان مفهوم التفريع قد عرف بعض النجاح، خاصة في إطار بناء الاتحاد الأوربي، فإن هذا المبدأ لازال يلفه بعض الغموض، ومن مفارقاته أنه لا يتم للجوء إليه بطريقة صريحة، مع العلم أن الكثير من النماذج تعتمده إطارا مرجعيا بطريقة ضمنية أو أغلب الدول تطبقه دون إدراكه، كما أن تعريف هذا المبدأ يبقى جد صعب لكونه غامض فبالنسبة " لجون أيف نوضي JEAN – YVESNAUDET  " الظاهر أن مفهوم التفريع هو مصطلح فكري ديني، وحديث، ومحدود وحتى غير ليبرالي لكن الحقيقة عكس ذلك، كما أن جدور هذا المصطلح وأصوله تستمد من القانون الكنيسي خاصة الكاتوليكية الاجتماعية ومن الأعراف السياسية  والفلسفة القديمة والمتنوعة للفكر الأوربي.

والفكرة الأساسية التي يوحي بها مبدأ التفريع هي أن السلطة السياسية لا يجب أن تتدخل إلا إذا عجز المجتمع بمختلف خلاياه،، من الفرد إلى العائلة، إلى الحي وإلى المجموعات المتنوعة، عن تلبية حاجياته، فالمبدأ يتجاوز المفهوم البسيط للتنظيم المؤسساتي، إذ بنطبق على العلاقات بين الفرد والمجتمع، والعلاقات بين المجتمع والمؤسسات قبل أن يساهم في أي توزيع الاختصاصات بين القاعدة والقمة.

وفي نفس الاتجاه نجد عند أرسطو في قوله " إن السياسة هي فن حكم الرجال الأحرار " وسان طوماس داكان SAINT THOMAS D’AQUIN" إن دور الحكومة يكمن في ضمان وتنمية والمحافظة على استقامة وإصلاح الأشخاص الخاضعين لها" وجون لوك J. LOK" إن شكل السلطة يبقى أقل أهمية مقارنة مع تحديد دورها " وأدي طوك فيل ADE TOCQUE VILLE" إن كل شخص يمكن أن يدير أمره والمجموعات المجتمعية تعرف تدبير شؤونها وهنا تكمن حيوية المجتمع المدني" وهناك فقهاء آخرون ذوي الفكر الذي بجعل من التنظيم المجتمعي برتكز على سمو الفرد وكرامته.أورده:  محمد الرادة، مرجع سابق، ص 195.

[6]  محمد الرادة: " الجهة والتنمية الجهوية المندمجة بالمغرب"، مرجع سابق، ص 197 / 198.

[7]  آمال بلشقر: " تدبير الجماعات الترابية لمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة"، ماطروحة في القانون العام كلية الحقوق اكدال الرباط 2015/2014، ص 244.

[8]  المصطفى بلقزبور:" توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهات"، مطبعة طوب بريس الرباط الطبعة الأولى 2011، ص 152.

[9]  باني سمية: " الاصلاح الجهوي في المغرب بين مطلب التنمية ورهان الديمقراطية"، مرجع سابق، ص 295.

[10]  شعيب الهاشمي:" الجهوية المتقدمة ورهان الحكامة الترابية بالمغرب " رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية الحقوق بسطات 2011/ 2012 ص 158.

[11]  نجيم مزيان:" إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"، أطروحة الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2016/2017، ص 287.

[12]  حسنة كجي:" الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق التطبيق"، مجلة العلوم القانونية الطبعة الأولى 2018، ص 173.

[13]  حسنة كجي: " الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق التطبيق"، مرجع سابق، ص 174.

[14]  يرجى الإطلاع على:

·           ظهير شريف رقم 1.03.59 صادر في ربيع الأول ( 1424 / 12 ماي 2003) بتنفيذ القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة.

·           ظهير شريف رقم  1.03.61صادر في ربيع الأول ( 1424 / 12 ماي 2003) بتنفيذ القانون رقم 11.03 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 13.03 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة.

·           ظهير شريف رقم 1.03.61صادر في ربيع الأول ( 1424 / 12 ماي 2003) بتنفيذ القانون رقم 11.03 المتعلق بمكافحة التلوث الهواء.

[15]  نجيم مزيان:" إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"، مرجع سابق، ص 295.

[16]  إن دور القضاء مهما كان أساسيا ومهما، فإنه مشروط بالاستقلالية مؤسسة القضاء كمبدأ ديمقراطي واجب التحقيق، وفي غياب هذه الأخيرة، نعتقد أنه من غير الممكن الحديث مساهمته ودوره في تكريس الجهوية المتقدمة.

=> أورده:  المصطفى بلقزبور:" مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب"، مرجع سابق، ص 319.

[17] المصطفى بلقزبور: " مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب"، أطروحة الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق بسطات 2015/2014، ص 320.

[18] نظرا للأهمية البالغة والدور الأساسي للقضاء في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتوفير مناخ التقة في الاقتصاد، وتشجيع الاستثمار، اعتمدت الدولة في السنوات العشر الأخيرة مقاربة شمولية تهدف إلى إصلاح قطاع العدالة والنهوض بالقضاء باعتباره من أهم الأوراش الكبرى في المجتمع.

[19]  المصطفى بلقزبور:" مبدأ التفريع واختصاصات الجهة بالمغرب"، مرجع سابق، ص 322.

[20] محمد اليعكوب: " المحاكم الجهوية للحسابات والديمقراطية المحلية بالمغرب"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 101، نونبر /دجنبر 2011، ص 123.

[21] آمال بلشقر: " تدبير الجماعات الترابية للمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة"، مرجع سابق، ص 282.

[22] محمد اليعكوبي: " المحاكم الجهوية للحسابات والديمقراطية المحلية بالمغرب"، مرجع سابق، ص 125.

[23]  محمد بغدود: " دور النيابة العامة في حماية المجال البيئي"، المجلة المغربية في الفقه والقضاء، مطبعة الأمنية، الرباط، طبعة 2015.

[24]  تنص المادة 63 من قانون 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة على أنه: " يعتبر مسؤولا دون الحاجة إلى إثبات خطأ ما، كل شخص مادي أو معنوي يخزن أو ينقل أو يستعمل محروقات أو مواد مضرة وخطيرة، وكذا كل مشغل لمنشاة مصنفة كما يحددها النص التطبيقي لهذا القانون، تسبب في الحاق ضرر جسدي أو مادي له علاقة مباشرة أو غير مباشرة ممارسة الأنشطة المشار إليها أعلاه"

أورده: نجيم مزيان: " إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"، مرجع سابق، ص 306.

[25]  نجيم مزيان: " إشكالية الحكامة القضائية والتنمية المستدامة"، مرجغ سابق، ص 307.


إرسال تعليق

0 تعليقات